• الصفحة الرئيسيةخريطة الموقعRSS
  • الصفحة الرئيسية
  • سجل الزوار
  • وثيقة الموقع
  • اتصل بنا
English Alukah شبكة الألوكة شبكة إسلامية وفكرية وثقافية شاملة تحت إشراف الدكتور سعد بن عبد الله الحميد
 
الدكتور سعد بن عبد الله الحميد  إشراف  الدكتور خالد بن عبد الرحمن الجريسي
  • الصفحة الرئيسية
  • موقع آفاق الشريعة
  • موقع ثقافة ومعرفة
  • موقع مجتمع وإصلاح
  • موقع حضارة الكلمة
  • موقع الاستشارات
  • موقع المسلمون في العالم
  • موقع المواقع الشخصية
  • موقع مكتبة الألوكة
  • موقع المكتبة الناطقة
  • موقع الإصدارات والمسابقات
  • موقع المترجمات
 كل الأقسام | مقالات شرعية   دراسات شرعية   نوازل وشبهات   منبر الجمعة   روافد   من ثمرات المواقع  
اضغط على زر آخر الإضافات لغلق أو فتح النافذة اضغط على زر آخر الإضافات لغلق أو فتح النافذة
  •  
    الكتاب والسنة بفهم سلف الأمة الصالح
    د. ضياء الدين عبدالله الصالح
  •  
    الصلاة
    تركي بن إبراهيم الخنيزان
  •  
    من أقوال السلف في أسماء الله الحسنى: الغني
    فهد بن عبدالعزيز عبدالله الشويرخ
  •  
    فضل صيام شهر المحرم
    نورة سليمان عبدالله
  •  
    عاشوراء بين السنة والبدعة (خطبة)
    عبدالكريم الخنيفر
  •  
    دعاء الاستخارة
    الشيخ محمد جميل زينو
  •  
    فضول الكلام (خطبة)
    الشيخ د. إبراهيم بن محمد الحقيل
  •  
    آداب المسجد (خطبة)
    يحيى بن إبراهيم الشيخي
  •  
    الهجرة النبوية: انطلاقة حضارية لبناء الإنسان ...
    د. ثامر عبدالمهدي محمود حتاملة
  •  
    تفسير قوله تعالى: ﴿وكأين من نبي قاتل معه ربيون ...
    سعيد مصطفى دياب
  •  
    خطبة: تربية الشباب على حسن الخلق
    عدنان بن سلمان الدريويش
  •  
    الإسلام منهج يقبل الآخر ويتعايش مع غير المسلمين
    الشيخ ندا أبو أحمد
  •  
    يا ابن آدم، لا تكن أقل فقها من السماوات والأرض ...
    د. هيثم بن عبدالمنعم بن الغريب صقر
  •  
    حقوق البنات
    د. أمير بن محمد المدري
  •  
    لا تنشغل بحطام زائل
    محمد بن عبدالله العبدلي
  •  
    فقه يوم عاشوراء
    د. عبدالعزيز بن سعد الدغيثر
شبكة الألوكة / آفاق الشريعة / منبر الجمعة / الخطب / السيرة والتاريخ / التاريخ
علامة باركود

عظات وعبر في قصة أصحاب الجنة (خطبة)

عظات وعبر في قصة أصحاب الجنة (خطبة)
د. محمود بن أحمد الدوسري

مقالات متعلقة

تاريخ الإضافة: 29/10/2024 ميلادي - 26/4/1446 هجري

الزيارات: 9175

 حفظ بصيغة PDFنسخة ملائمة للطباعة أرسل إلى صديق تعليقات الزوارأضف تعليقكمتابعة التعليقات
النص الكامل  تكبير الخط الحجم الأصلي تصغير الخط
شارك وانشر

عِظات وعِبر في قصة أصحاب الجنة

 

الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ، وَالصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ عَلَى رَسُولِهِ الْكَرِيمِ، وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ أَجْمَعِينَ، أَمَّا بَعْدُ: كَانَ فِي بِلَادِ الْيَمَنِ رَجُلٌ صَالِحٌ، وَكَانَ لَهُ بُسْتَانٌ فِيهِ ثِمَارٌ كَثِيرَةٌ، وَكَانَ صَاحِبُهَا يَحْرِصُ عَلَى إِخْرَاجِ حَقِّ اللَّهِ مِنْهَا، وَيُعْطِيهِ لِلْفُقَرَاءِ وَالْمَسَاكِينِ؛ مِصْدَاقًا لِقَوْلِهِ تَعَالَى: ﴿ كُلُوا مِنْ ثَمَرِهِ إِذَا أَثْمَرَ وَآتُوا حَقَّهُ يَوْمَ حَصَادِهِ ﴾ [الْأَنْعَامِ: 141]؛ وَقَوْلِهِ سُبْحَانَهُ: ﴿ وَفِي أَمْوَالِهِمْ حَقٌّ لِلسَّائِلِ وَالْمَحْرُومِ ﴾ [الذَّارِيَاتِ: 19].

 

وَكَانَ لِهَذَا الرَّجُلِ الصَّالِحِ ثَلَاثَةُ أَبْنَاءٍ، يَنْظُرُونَ إِلَى أَبِيهِمْ عَلَى أَنَّهُ مِتْلَافٌ لِلثَّرْوَةِ، مُبَذِّرٌ فِي إِعْطَاءِ الْفُقَرَاءِ الْكَثِيرَ مِنَ الثِّمَارِ، وَأَنَّهُمْ إِنْ آلَ إِلَيْهِمُ الْبُسْتَانُ – بَعْدَ مَوْتِ أَبِيهِمْ – فَسَيُغَيِّرُونَ هَذَا النِّظَامَ، وَيَحْرِمُونَ الْجَمِيعَ مِمَّا يَأْخُذُونَهُ مِنْ بُسْتَانِهِمْ!

 

وَمَا أَنْ مَاتَ أَبُوهُمْ حَتَّى ظَهَرَ مَكْنُونُ صُدُورِهِمْ؛ فَعِنْدَمَا حَانَ قَطْفُ الثِّمَارِ، جَلَسُوا يَتَآمَرُونَ فِيمَا بَيْنَهُمْ، وَيَقُولُونَ: لَقَدْ كَانَ أَبُونَا فِي ضَلَالٍ كَبِيرٍ حِينَ كَانَ يُبَدِّدُ ثَرْوَتَنَا، وَيُعْطِي الْفُقَرَاءَ وَالْمَسَاكِينَ هَذَا الْقَدْرَ الْكَبِيرَ مِنْ نِتَاجِ الْبُسْتَانِ!

 

وَكَانَ مِنْهُمْ وَاحِدٌ يُرِيدُ أَنْ يُنَفِّذَ وَصِيَّةَ أَبِيهِمْ، وَيَسِيرَ عَلَى مِنْوَالِهِ فِي الْعَطَاءِ وَالسَّخَاءِ، وَلَكِنَّهُمْ عَارَضُوهُ، وَوَقَفُوا أَمَامَ رَغْبَتِهِ بِالْمِرْصَادِ، فَنَزَلَ عَلَى رَغْبَتِهِمْ، وَخَنَعَ لِمَشُورَتِهِمْ، وَهُوَ كَارِهٌ لِمَا سَيُقْدِمُونَ عَلَيْهِ، وَهُوَ أَعْدَلُهُمْ، وَأَكْثَرُهُمْ لِلْحَقِّ مَيْلًا.

 

قَالَ تَعَالَى – فِي سِيَاقِ بَيَانِ قِصَّةِ أَصْحَابِ الْجَنَّةِ: ﴿ إِنَّا بَلَوْنَاهُمْ كَمَا بَلَوْنَا أَصْحَابَ الْجَنَّةِ إِذْ أَقْسَمُوا لَيَصْرِمُنَّهَا مُصْبِحِينَ ﴾ [الْقَلَمِ: 17]، قَالَ ابْنُ كَثِيرٍ رَحِمَهُ اللَّهُ: (هَذَا مَثَلٌ ضَرَبَهُ اللَّهُ تَعَالَى لِكُفَّارِ قُرَيْشٍ فِيمَا أَهْدَى إِلَيْهِمْ ‌مِنَ ‌الرَّحْمَةِ ‌الْعَظِيمَةِ، وَأَعْطَاهُمْ مِنَ النِّعَمِ الْجَسِيمَةِ، وَهُوَ بَعْثُهُ مُحَمَّدًا صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِلَيْهِمْ، فَقَابَلُوهُ بِالتَّكْذِيبِ وَالرَّدِّ وَالْمُحَارَبَةِ؛ وَلِهَذَا قَالَ: ﴿ إِنَّا بَلَوْنَاهُمْ ﴾ أَيِ: اخْتَبَرْنَاهُمْ، ﴿ كَمَا بَلَوْنَا أَصْحَابَ الْجَنَّةِ ﴾ وَهِيَ: الْبُسْتَانُ الْمُشْتَمِلُ عَلَى أَنْوَاعِ الثِّمَارِ وَالْفَوَاكِهِ، ﴿ إِذْ أَقْسَمُوا لَيَصْرِمُنَّهَا مُصْبِحِينَ ﴾؛ أَيْ: حَلَفُوا - فِيمَا بَيْنَهُمْ - لَيَجُذُّنَّ ثَمَرَهَا لَيْلًا؛ لِئَلَّا يَعْلَمَ بِهِمْ فَقِيرٌ، وَلَا سَائِلٌ، لِيَتَوَفَّرَ ثَمَرُهَا عَلَيْهِمْ، وَلَا يَتَصَدَّقُوا مِنْهُ بِشَيْءٍ، ﴿ وَلَا يَسْتَثْنُونَ ﴾ [القلم: 18]؛ أَيْ: فِيمَا حَلَفُوا بِهِ)، فَلَمْ يَقُولُوا: "إِنْ شَاءَ اللَّهُ".

 

قَالَ الْقُرْطُبِيُّ رَحِمَهُ اللَّهُ: (فِي هَذِهِ الْآيَةِ ‌دَلِيلٌ ‌عَلَى ‌أَنَّ ‌الْعَزْمَ ‌مِمَّا يُؤَاخَذُ بِهِ الْإِنْسَانُ؛ لِأَنَّهُمْ عَزَمُوا عَلَى أَنْ يَفْعَلُوا، فَعُوقِبُوا قَبْلَ فِعْلِهِمْ، وَنَظِيرُ هَذِهِ الْآيَةِ قَوْلُهُ تَعَالَى: ﴿ وَمَنْ يُرِدْ فِيهِ بِإِلْحَادٍ بِظُلْمٍ نُذِقْهُ مِنْ عَذَابٍ أَلِيمٍ ﴾ [الْحَجِّ: 25]، وَفِي الصَّحِيحِ عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: «إِذَا الْتَقَى الْمُسْلِمَانِ بِسَيْفَيْهِمَا؛ فَالْقَاتِلُ وَالْمَقْتُولُ فِي النَّارِ»، قِيلَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، هَذَا الْقَاتِلُ، فَمَا بَالُ الْمَقْتُولِ؟ قَالَ: «إِنَّهُ كَانَ حَرِيصًا عَلَى قَتْلِ صَاحِبِهِ») رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ؛ لِأَنَّهُ كَانَ سَيُبَاشِرُ الْقَتْلَ لَوْلَا أَنَّ أَخَاهُ غَلَبَهُ.

 

وَالْعَزْمُ: هُوَ الْإِرَادَةُ الْجَازِمَةُ الْأَكِيدَةُ، فَإِذَا نَوَى الْإِنْسَانُ قَطْعًا أَنْ يَفْعَلَ شَرًّا، فَإِنَّهُ يُؤَاخَذُ عَلَى نِيَّتِهِ الْجَازِمَةِ؛ لِأَنَّهُ تَرَكَ الْفِعْلَ بِسَبَبِ أَنَّهُ حِيلَ بَيْنَهُ وَبَيْنَ الْفِعْلِ، فَلَوْلَا الْعَذَابُ الَّذِي نَزَلَ بِأَرْضِهِمْ لَكَانُوا قَطْعًا عَازِمِينَ عَلَى حِرْمَانِ الْفُقَرَاءِ وَالْمَسَاكِينِ حَقَّهُمْ، وَلَمْ يَسْتَثْنُوا، فِيمَا حَلَفُوا بِهِ، فَإِذًا الْعَزِيمَةُ هُنَا جَازِمَةٌ وَمُبَيَّتَةٌ، فَعَلَيْهَا يُعَاقَبُ الْإِنْسَانُ.

 

وَلِذَلِكَ حَنَّثَهُمُ اللَّهُ فِي أَيْمَانِهِمْ، وَعَاقَبَهُمْ عَلَى نُكُوصِهِمْ وَطُغْيَانِهِمْ فَقَالَ سُبْحَانَهُ: ﴿ فَطَافَ عَلَيْهَا طَائِفٌ مِنْ رَبِّكَ وَهُمْ نَائِمُونَ ﴾ [القلم: 19]؛ أَيْ: أَصَابَتْهُمْ آفَةٌ سَمَاوِيَّةٌ أَهْلَكَتْهَا، وَهُمْ مُسْتَغْرِقُونَ فِي سُبَاتِهِمْ، قَالَ تَعَالَى: ﴿ فَأَصْبَحَتْ كَالصَّرِيمِ ﴾ [القلم: 20]؛ أَيْ: كَالْبُسْتَانِ الَّذِي صُرِمَ ثَمَرُهُ، بِحَيْثُ لَمْ يَبْقَ فِيهِ شَيْءٌ، أَوْ كَاللَّيْلِ الْمُظْلِمِ، أَصْبَحَتْ كَالرَّمَادِ الْأَسْوَدِ لِاحْتِرَاقِهَا، فَقَدْ حُرِمُوا خَيْرَ جَنَّتِهِمْ بِذَنْبِهِمْ، هَذَا الَّذِي فَعَلَهُ اللَّهُ بِهِمْ وَهُمْ نَائِمُونَ.

 

﴿ فَتَنَادَوْا مُصْبِحِينَ ﴾ [القلم: 21]؛ أَيْ: أَنَّهُمْ خَرَجُوا فِي الصَّبَاحِ الْبَاكِرِ، قَبْلَ أَنْ يُسْفِرَ وَجْهُ النَّهَارِ، وَقَدْ نَادَى بَعْضُهُمْ بَعْضًا لِيَذْهَبُوا لِجَنْيِ الثِّمَارِ قَائِلِينَ: ﴿ أَنِ اغْدُوا عَلَى حَرْثِكُمْ إِنْ كُنْتُمْ صَارِمِينَ ﴾ [القلم: 22] تُرِيدُونَ الصَّرْمَ؛ أَيْ: قَطْفَ الثِّمَارِ، فَإِنْ كُنْتُمْ جَادِّينَ فِيمَا عَزَمْتُمْ عَلَيْهِ؛ فَهَيَّا بِنَا، لَقَدْ كَانُوا يَتَهَامَسُونَ فِيمَا بَيْنَهُمْ، وَيُوصِي بَعْضُهُمْ بَعْضًا.

 

وَيَمْضِي سِيَاقُ الْآيَاتِ فِي السُّخْرِيَةِ مِنْهُمْ؛ فَيُصَوِّرُهُمْ وَهُمْ مُنْطَلِقُونَ يَتَحَدَّثُونَ بِصَوْتٍ خَافِتٍ، حَتَّى لَا يَسْمَعَ بِهِمْ أَحَدٌ مِنْ أُولَئِكَ الَّذِينَ تَعَوَّدُوا عَلَى أَخْذِ نَصِيبِهِمْ مِنَ الْبُسْتَانِ وَقْتَ الْحَصَادِ، وَفِي هَذَا إِحْكَامٌ لِخُطَّتِهِمْ – حَسَبَ زَعْمِهِمْ؛ ﴿ فَانْطَلَقُوا وَهُمْ يَتَخَافَتُونَ * أَنْ لَا يَدْخُلَنَّهَا الْيَوْمَ عَلَيْكُمْ مِسْكِينٌ ﴾ [القلم: 23، 24]؛ أَيْ: لَا تُمَكِّنُوا الْيَوْمَ فَقِيرًا يَدْخُلُ عَلَيْكُمْ، وَيَأْخُذُ شَيْئًا مِنَ الثِّمَارِ! فَقَدْ سَمِعَ عَالِمُ السِّرِّ وَالنَّجْوَى مَا كَانُوا يَتَخَافَتُونَ بِهِ.

 

﴿ وَغَدَوْا عَلَى حَرْدٍ قَادِرِينَ ﴾ [القلم: 25]؛ أَيْ: وَغَدَوْا عَلَى قَصْدٍ وَقُدْرَةٍ فِي أَنْفُسِهِمْ، وَهُمْ يَظُنُّونَ أَنَّهُمْ تَمَكَّنُوا مِنْ مُرَادِهِمْ، وَهَا هُمْ أُولَاءِ يُفَاجَئُونَ بِمَا لَمْ يَكُنْ فِي حُسْبَانِهِمْ:﴿ فَلَمَّا رَأَوْهَا قَالُوا إِنَّا لَضَالُّونَ ﴾ [القلم: 26]؛ أَيْ: إِنَّنَا قَدْ سَلَكْنَا طَرِيقًا غَيْرَ الطَّرِيقِ الْمُؤَدِّي إِلَى بُسْتَانِنَا فَتُهْنَا عَنْهَا، أَوْ إِنَّا لَضَالُّونَ عَنِ الصَّوَابِ – حِينَ عَزَمْنَا فِي أَنْفُسِنَا عَلَى حِرْمَانِ الْفُقَرَاءِ وَالْمَسَاكِينِ؛ فَعَاقَبَنَا اللَّهُ بِالْحِرْمَانِ مِنْهَا، وَلِذَلِكَ عَقَّبُوا عَلَى مَا حَدَثَ بِقَوْلِهِمْ: ﴿ بَلْ نَحْنُ مَحْرُومُونَ ﴾ [القلم: 27]، وَهَذَا هُوَ الْخَبَرُ الْيَقِينُ؛ أَيْ: لَقَدْ جَنَيْنَا الْخَيْبَةَ وَالْحَسْرَةَ وَالنَّدَامَةَ لَمَّا بَيَّتْنَا الشَّرَّ فِي أَنْفُسِنَا، وَعَزَمْنَا عَلَى أَنْ نَحْرِمَ حَقَّ اللَّهِ مِنْهَا.

 

وَهُنَا تَأْتِي الْفُرْصَةُ الْمُنَاسِبَةُ لِأَوْسَطِهِمْ وَأَعْدَلِهِمْ: ﴿ قَالَ أَوْسَطُهُمْ أَلَمْ أَقُلْ لَكُمْ لَوْلَا تُسَبِّحُونَ ﴾ [القلم: 28]؛ أَيْ: أَلَمْ أَكُنْ قَدْ نَصَحْتُكُمْ؟ أَلَمْ أَنْصَحْكُمْ بِشُكْرِ نِعْمَةِ اللَّهِ عَلَيْكُمْ؟ وَلَكِنَّكُمْ خَالَفْتُمْ نُصْحِي لَكُمْ، وَلَمْ تُعِيرُوا لِقَوْلِي أَيَّ اهْتِمَامٍ مِنْ جَانِبِكُمْ، وَأَطَعْتُكُمْ فِيمَا عَزَمْتُمْ عَلَيْهِ؛ فَحَرَمَنِي اللَّهُ مِثْلَكُمْ، وَهَكَذَا أَخَذُوا يَتَلَاوَمُونَ، وَعِنْدَهَا اسْتَيْقَظُوا مِنْ غَفْلَتِهِمْ، وَنَدِمُوا عَلَى مَا أَقْدَمُوا عَلَيْهِ، وَفَاءُوا إِلَى رُشْدِهِمْ، وَلَكِنْ بَعْدَ فَوَاتِ الْأَوَانِ.

 

وَهَا هُمْ يُجَدِّدُونَ التَّوْبَةَ إِلَى رَبِّهِمْ، وَيَرْجِعُونَ إِلَى خَالِقِهِمْ، وَيَعْقِدُونَ الْعَزْمَ عَلَى أَلَّا يَعُودُوا إِلَى الْوُقُوعِ فِيمَا وَقَعُوا فِيهِ مَرَّةً أُخْرَى: ﴿ قَالُوا سُبْحَانَ رَبِّنَا إِنَّا كُنَّا ظَالِمِينَ ﴾ [القلم: 29]؛ أَيْ: مُتَجَاوِزِينَ الْحَدَّ، وَمُعْتَدِينَ عَلَى حُقُوقِ الْفُقَرَاءِ وَالْمَسَاكِينِ، وَظَالِمِينَ لِأَنْفُسِنَا بِحِرْمَانِهَا مِنَ الْخَيْرِ الْعَمِيمِ، وَمَرْضَاةِ رَبِّ الْعَالَمِينَ، ﴿ فَأَقْبَلَ بَعْضُهُمْ عَلَى بَعْضٍ يَتَلَاوَمُونَ ﴾ [القلم: 30] اعْتَرَفُوا بِخَطَئِهِمْ وَبِذَنْبِهِمْ ﴿ قَالُوا يَا وَيْلَنَا إِنَّا كُنَّا طَاغِينَ ﴾ [القلم: 31]؛ أَيْ: مُتَجَاوِزِينَ حَدَّنَا؛ وَلِذَلِكَ عَاقَبَنَا رَبُّنَا، عَلَى مَا ارْتَكَبْنَاهُ مِنْ ذَنْبٍ، بِإِهْلَاكِ بُسْتَانِنَا، وَطَمِعُوا فِي مَغْفِرَةِ اللَّهِ عَلَيْهِمْ قَائِلِينَ:﴿ عَسَى رَبُّنَا أَنْ يُبْدِلَنَا خَيْرًا مِنْهَا إِنَّا إِلَى رَبِّنَا رَاغِبُونَ ﴾ [القلم: 32]، فَالسِّيَاقُ يَدُلُّ عَلَى أَنَّهُمْ نَدِمُوا وَتَابُوا، وَالتَّوْبَةُ تَجُبُّ مَا قَبْلَهَا، وَتُقْبَلُ مِنَ الْعَبْدِ مَا لَمْ يُغَرْغِرْ.

 

ثُمَّ يُعَقِّبُ اللَّهُ تَعَالَى عَلَى هَذِهِ الْقِصَّةِ بِقَوْلِهِ سُبْحَانَهُ: ﴿ كَذَلِكَ الْعَذَابُ ﴾ [القلم: 33]؛ أَيْ: عَذَابُ الدُّنْيَا، وَهَلَاكُ الْأَمْوَالِ، لِمَنْ حَادَ عَنِ الصَّوَابِ، وَجَانَبَ الْحَقَّ، وَابْتَعَدَ عَنِ الْخَيْرِ، ﴿ وَلَعَذَابُ الْآخِرَةِ أَكْبَرُ لَوْ كَانُوا يَعْلَمُونَ ﴾ [القلم: 33]، وَأَمَّا عَذَابُ الْآخِرَةِ فَإِنَّهُمْ إِنْ لَمْ يَتُوبُوا، وَيُكَفِّرُوا عَنْ خَطَئِهِمْ فَسَوْفَ يَلْحَقُ بِهِمْ، أَمَّا إِنْ تَابُوا وَأَنَابُوا وَنَدِمُوا عَلَى مَا فَعَلُوا، وَصَدَقُوا فِي تَوْبَتِهِمْ فَسَوْفَ يَرْفَعُ اللَّهُ عَنْهُمُ الْعَذَابَ فِي الْآخِرَةِ، وَيَكْفِيهِمْ مَا أَلَمَّ بِهِمْ مِنْ عِقَابٍ دُنْيَوِيٍّ.

 

الخطبة الثانية

الْحَمْدُ لِلَّهِ... أَيُّهَا الْمُسْلِمُونَ..

وَمِنْ أَهَمِّ الْفَوَائِدِ وَالْعِبَرِ فِي هَذِهِ الْقِصَّةِ:

1- لِيَتَّخِذَ أَهْلُ الْإِيمَانِ مِنْهَا طَرِيقًا إِلَى الشُّكْرِ وَالصَّبْرِ؛ شُكْرًا لِلَّهِ تَعَالَى عَلَى مَا أَنْعَمَ عَلَيْهِمْ بِبَعْثَةِ نَبِيِّهِمْ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَصَبْرًا عَلَى مَا يَلْحَقُهُمْ مِنَ الْمُشْرِكِينَ مِنْ أَذًى، فَاللَّهُ يَنْتَقِمُ مِنَ الظَّالِمِ.

 

2- لِيَتَّخِذَ أَهْلُ الْإِيمَانِ مِنْ ذَلِكَ طَرِيقًا لِإِحْسَانِ النَّوَايَا، وَالْإِخْلَاصِ لِلَّهِ عَزَّ وَجَلَّ.

 

3- لِتَذْكِيرِ أَهْلِ الْكُفْرِ بِمَا حَلَّ بِكُلِّ كَفُورٍ، وَبِكُلِّ مَنْ لَمْ يُقَدِّمْ شُكْرًا لِلَّهِ عَلَى مَا أَنْعَمَ بِهِ عَلَيْهِ.

 

4- أَنَّ الِابْتِلَاءَ يَكُونُ بِالسَّرَاءِ وَالضَّرَّاءِ؛ وَأَسْعَدُ النَّاسِ الشَّاكِرُونَ عِنْدَ السَّرَّاءِ، الصَّابِرُونَ عِنْدَ الضَّرَّاءِ.

 

5- مَشْرُوعِيَّةُ التَّذْكِيرِ بِأَحْوَالِ الْمُبْتَلَيْنَ وَالْمُعَافَيْنَ؛ لِيُتَّخَذَ مِنْ ذَلِكَ طَرِيقٌ إِلَى الشُّكْرِ وَالصَّبْرِ.

 

6- صَلَاحُ الْآبَاءِ يَنْفَعُ الْأَبْنَاءَ؛ فَقَدِ انْتَفَعَ أَصْحَابُ الْجَنَّةِ بِصَلَاحِ أَبِيهِمُ الَّذِي كَانَ يَتَصَدَّقُ عَلَى الْمَسَاكِينِ مِنْ غَلَّةِ بُسْتَانِهِ، وَعَلَامَةُ انْتِفَاعِهِمْ تَوْبَتُهُمْ.





 حفظ بصيغة PDFنسخة ملائمة للطباعة أرسل إلى صديق تعليقات الزوارأضف تعليقكمتابعة التعليقات
شارك وانشر

مقالات ذات صلة

  • خذوا العبرة من أصحاب الجنة
  • قصة أصحاب الجنة
  • قصة أصحاب الجنة
  • أصحاب الجنة (خطبة)
  • أصحاب الجنة

مختارات من الشبكة

  • عظات وعبر في قصة ابني آدم (خطبة)(مقالة - موقع د. محمود بن أحمد الدوسري)
  • النحل والعسل.. عظات وعبر(مقالة - ثقافة ومعرفة)
  • الحج عظات وعبر(مقالة - موقع د. زيد بن محمد الرماني)
  • عظات ذائعات في التحذير من الشائعات (خطبة)(مقالة - آفاق الشريعة)
  • عظات للملوك(مقالة - آفاق الشريعة)
  • عظات وجيزة للسلف (1)(مقالة - آفاق الشريعة)
  • من عظات القرآن الكريم(مقالة - آفاق الشريعة)
  • ميانمار: عظات الكراهية البوذية تؤجج نيران العنف الطائفي(مقالة - المسلمون في العالم)
  • قصص وعبر ووقفات ووصايا وعظات للفتيان والفتيات (PDF)(كتاب - مكتبة الألوكة)
  • كم أحبك يا رسول الله صلى الله عليه وسلم: دروس وفوائد ووصايا وعبر وعظات (PDF)(كتاب - مكتبة الألوكة)

 


تعليقات الزوار
1- تبييت النية بالشر مآله وخيم
محمد فرعون - فلسطين 30-10-2024 09:52 AM

هناك الكثير من الناس يبيتون في أنفسهم نية الشر وهم غافلون أن الله الذي خلقهم يعلم السر وأخفى ويعلم دبيب النملة السوداء على الصخرة الصماء في الليلة الظلماء فالذي يبيت النية لشراء بضاعة فاسده وتسويقها على البسطاء قد يعاقبه الله في الدنيا قبل الآخرة ومن يكن مؤتمناً على مال أحد ويبيت النية على اختلاسه ومن يبيت النية لحرمان الأم أو زوجة الأب والأخوات من الميراث ومن يبيت النية لغش طلابه أو الطبيب الذي يبيت النية لخيانة قسمه بأي عمل يغضب الله فهذه القصة تهزني كلما قرأتها ورأيت تكالب الناس على الدنيا وتبييتهم لنية الشر والغدر والسرقة والغش وهم يعتقدون أنهم يحسنون صنعا وأن هذه فهلوة.. وهم غافلون عن من يعلم السر وأخفى وأنه القادر والقاهر فوق عباده ويمكرون ويمكر الله والله خير الماكرين.

1 

أضف تعليقك:
الاسم  
البريد الإلكتروني (لن يتم عرضه للزوار)
الدولة
عنوان التعليق
نص التعليق

رجاء، اكتب كلمة : تعليق في المربع التالي

مرحباً بالضيف
الألوكة تقترب منك أكثر!
سجل الآن في شبكة الألوكة للتمتع بخدمات مميزة.
*

*

نسيت كلمة المرور؟
 
تعرّف أكثر على مزايا العضوية وتذكر أن جميع خدماتنا المميزة مجانية! سجل الآن.
شارك معنا
في نشر مشاركتك
في نشر الألوكة
سجل بريدك
  • بنر
  • بنر
كُتَّاب الألوكة
  • ختام الدورة التاسعة لمسابقة "جيل القرآن" وتكريم 50 فائزا في سلوفينيا
  • ندوة في سارنيتسا تبحث تطوير تدريس الدين الإسلامي وحفظ التراث الثقافي
  • مشروع للطاقة الشمسية وتكييف الهواء يحولان مسجد في تيراسا إلى نموذج حديث
  • أكثر من 5000 متطوع مسلم يحيون مشروع "النظافة من الإيمان" في زينيتسا
  • في حفل مميز.. تكريم المتفوقين من طلاب المسلمين بمقاطعة جيرونا الإسبانية
  • ندوة دولية في سراييفو تبحث تحديات وآفاق الدراسات الإسلامية المعاصرة
  • النسخة الثانية عشرة من يوم المسجد المفتوح في توومبا
  • تخريج دفعة جديدة من الحاصلين على إجازات علم التجويد بمدينة قازان

  • بنر
  • بنر

تابعونا على
 
حقوق النشر محفوظة © 1447هـ / 2025م لموقع الألوكة
آخر تحديث للشبكة بتاريخ : 6/1/1447هـ - الساعة: 14:41
أضف محرك بحث الألوكة إلى متصفح الويب