تحقيق تخريج مسألة ( كان يقلس له يوم الفطر )

تحقيق تخريج مسألة

( كان يقلس له يوم الفطر )

قال ابن أبي حاتم في كتاب العِلل: وسألت أبي عن حديث عامر، عن قيس بن سعد أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يقلس له يوم الفطر، أي شيء معناه؟ وبعضهم[1] ويقول: هذا عن عامر، عن عياض الأشعري، عن النبي صلى الله عليه وسلم. أيهما أصح؟ وما معنى الحديث؟

فأجاب أبي فقال: معنى التقليس: أن الحبش كانوا يلعبون يوم الفطر بعد الصلاة بالحراب[2]

واختلفت الرواية عن الشعبي في عياض الأشعري، وقيس بن سعد:

رواه[3] جابر الجعفي، عن الشعبي، عن قيس بن سعد، عن النبي صلى الله عليه وسلم.

رواه آخر ثقة أنسيت اسمه، عن الشعبي، عن عياض، عن النبي صلى الله عليه وسلم.

وعياض الأشعري عن النبي صلى الله عليه وسلم مرسل، ليست له صحبة.

رجال الإسناد:

• عامر، هو ابن شَرَاحيل الشعبي، ثقة، تقدمت ترجمته في المسأله رقم 551.

• قيس بن سعد بن عبادة الأنصاري الخررجي، صحابي جليل، كان من فضلاء الصحابة وأحد دهاة العرب وكرمائهم، مات في آخر خلافة معاوية.

انظر أسد الغابة 4/215، السير 3/102، الإصابة 8/191.

• عياض بن عمرو الأشعري، سكن الكوفة.

مختلف في صحبته.

قال ابن حبان: له صحبة. وذكره ابن عبدالبر، وأبو نعيم في الصحابة.

وقال البغوي: يشك في صحبته.

وقال أبو حاتم: روى عن النبي صلى الله عليه وسلم مرسلاً، ورأى أبا عبيدة بن الجراح.

وقال في هذه المسألة: ليست له صحبة.

وقال الطحاوي: وعياض هذا رجل من التابعين.

وقال ابن حجر في التهذيب: جاء عنه حديث يقتضي التصريح بصحبته، ذكره البغوي في معجمه، وفي إسناده لين، ثم قال البغوي: يشك في صحبته.

وروايته عن امرأة أبي موسى، عن أبي موسى عند مسلم.

وقال الخطيب: وقد ذكره غير واحد من العلماء في جملة الصحابة، وأخرج حديثه في المسند[4]

قلت: وفي ما قاله نظر، فلم أر من صرح بصحبته غير ابن حبان. وأما ذكر ابن عبدالبر،

وأبي نعيم له فعله متابعة لمن سبقهما في ذلك، كالبغوي، وقد تقدم تشكيكه في صحبته، وأما إخراج حديثه مسنداً عندهم فلا يلزم منه صحبته، والله أعلم.

وقال ابن حجر في التقريب: صحابي له حديث.

قلت: لعل الصواب أنه غير صحابي، كما جزم أبو حاتم، والطحاوي في شرح المشكل 4/129.

وأما تصريح ابن حبان بصحبته، فقد نقضه بنفسه، حيث ذكره في طبقة التابعين، وقال: قد قيل إنه له صحبة، وليس يصح ذلك عندي. والله أعلم.

ثقات ابن حبان 3/309، و2645، أسد الغابة 9/68، معرفة الصحابة (2/ق 122/أ) تاريخ بغداد 1/206، التهذيب 8/202، الإصابة 7/188، التقريب (5280).

• جابر الجعفي، هو ابن يزيد، ضعيف رافضي، تقدمت ترجمته في المسألة رقم 510.

تخريج الحديث:

روى عامر الشعبي هذا الحديث واختلف عليه، وعلى بعض الرواة عنه:

أولاً- رواه مغيرة بن مقسم، عن الشعبي، عن عياض الأشعري، عن النبي صلى الله عليه وسلم.

ثانياً- ورواه إسرائيل بن أبي إسحاق، واختلف عليه:

1- فرواه عدد من الثقات، عن إسرائيل عن جابر، عن الشعبي، عن قيس بن سعد.

وتابع إسرائيل عليه: شيبان، وشريك - في أحد الأوجه عنه - كما سيأتي.

2- ورواه أبو نعيم، عن إسرائيل، عن أبي إسحاق، عن الشعبي، عن قيس بن سعد.

وتابع إسرائيل عليه: شريك، في أحد الأوجه عنه، كما سيأتي.

ثالثاً- ورواه شريك بن عبدالله، واختلف عليه:

1- فراوه عدد من الثقات، عن شريك، عن مغيرة، عن الشعبي، عن عياض الأشعري.

وتابع شريكاً على هذا الوجه أكثر من ثقة.

2- ورواه أبو نعيم، ويزيد بن هارون، عن شريك، عن جابر، عن الشعبي، عن قيس.

وتابع شريكاً عليه: شيبان، وإسرائيل، كما تقدم.

3- ورواه أبو نعيم، عن شريك، عن أبي إسحاق، عن عامر، عن قيس بن سعد.

وتابع شريكاً عليه: إسرائيل في أحد الأوجه عنه، كما تقدم.

4- ورواه يزيد بن هارون، عن شريك، عن مغيرة، عن الشعبي، عن زياد بن عياض الأشعري وفيما يلي تفصيل ما تقدم:

أولاً: رواه مغيرة بن مقسم، عن الشعبي، عن عياض الأشعري، عن النبي صلى الله عليه وسلم.

أخرجه الخطيب في تاريخ بغداد 1/207 - ومن طريقه ابن عساكر في تاريخ دمشق 19/231 -، ورواه البغوي في معجم الصحابة (ق214) - ومن طريقه ابن عساكر في تاريخ دمشق 47/252 -، ورواه ابن القيسراني في كتاب السماع (ص55).

كلهم من طريق هشيم.

وأبو نعيم في معرفة الصحابة (2ق 122/أ)، من طريق جرير.

وتابعهم: شريك - في أحد الأوجه عنه - كما سيأتي في الاختلاف عليه.

كلهم عن مغيرة، عن عامر الشعبي، قال شهد عياض الأشعري عيداً بالأنبار، فقال: ما لي لا أراكم تقلسون كما كان يُقلس عند رسول الله صلى الله عليه وسلم.

ثانياً: ورواه إسرائيل بن أبي إسحاق، واختلف عليه:

1- فرواه عدد من الثقات، عن إسرائيل، عن جابر، عن الشعبي، عن قيس بن سعد:

أخرجه أحمد 3/422 - ومن طريقه ابن عساكر في تاريخ دمشق 19/231 -، عن أبي النضر.

والبيقهي في الكبرى 10/218، والطحاوي في شرح المشكل 4/128، رقم 1485، من طريق آدم بن أبي إياس.

والطبراني في الكبير 18/352، رقم 896، من طريق عمرو بن محمد العنقزي.

وأبو الحسن القطان في زياداته على ابن ماجه 1/413، رقم 1303.

والخطيب في المتفق والمفترق 3/1771، من طريق أبي نعيم.

كلهم عن إسرائيل، به.

وتابع إسرائيل على هذا الوجه: شيبان بن عبدالرحمن:

أخرجه البيهقي في الكبرى 10/218، والطحاوي في شرح المشكل 4/128، رقم 1485، وأبو الحسن القطان في زياداته على ابن ماجه 1/413، رقم 1303.

كلهم من طريق آدم بن أبي إياس، عن شيبان، عن جابر، به.

كما تابعهما شريك - في أحد الأوجه عنه - كما سيأتي في الاختلاف عليه.

2- ورواه أبو نعيم، عن إسرائيل، عن أبي إسحاق، عن الشعبي، عن قيس بن سعد:

أخرجه ابن ماجه 1/413، كتاب إقامة الصلاة، باب ما جاء في التقليس يوم العيد، رقم 1303 - ومن طريقه ابن عساكر في تاريخ دمشق 19/231 -، عن محمد بن يحيى، عن أبي نعيم، به.

وتابع إسرائيل عليه: شريك، في أحد الأوجه عنه، كما سيأتي.

قلت: والوجه الأول أرجح عن إسرائيل؛ حيث رواه أكثر من ثقة كذلك، في حين لم أجد من تابع أبا نعيم على الوجه الثاني، إضافة إلى أنه قد رواه على الوجه الأول أيضاً.

أما متابعة شريك لإسرائيل على هذا الوجه، فسيأتي أنها مرجوحة، والله أعلم.

ثالثاً: ورواه شريك بن عبدالله، واختلف عليه:

1- فرواه عدد من الثقات، عن شريك، عن مغيرة، عن الشعبي، عن عياض الأشعري:

أخرجه ابن ماجه 1/413، الموضع السابق، رقم 1302، والبيهقي في الكبرى 10/218، وابن عساكر في تاريخ دمشق 47/251، 252، وأبو نعيم في معرفة الصحابة (2ق 122/أ) - ومن طريقه ابن عساكر في تاريخ دمشق 47/251 -. من طريق سويد بن عبدالعزيز.

وابن أبي شيبة في مسنده 2/179، رقم 665 - ومن طريقه الطبراني في الكبير 17/371 رقم 1017، وابن أبي عاصم في الآحاد والمثاني 4/460، رقم 2514 -.

والبخاري في التاريخ الكبير 7/19، عن إسحاق بن كعب، وإسماعيل بن موسى.

والطبراني في الكبير 17/371، رقم 1017، من طريق ابن الأصبهاني.

والطحاوي في شرح المشكل 4/128، رقم 1486، والخطيب في تاريخ بغداد 1/206 - ومن طريقه ابن عساكر في تاريخ دمشق 19/212 -، ورواه ابن عساكر من طريق أخرى، وابن القيسراني في كتاب السماع (ص55). من طريق يوسف بن عدي.

وابن قانع في معجم الصحابة 2/278، رقم 804، وابن عساكر في تاريخ دمشق 19/212، وأبو طاهر المخلص في الثاني من السادس من الفوائد المنتقاة (ق184/ب)، من طريق عثمان بن أبي شيبة.

ويعقوب بن سفيان في المعرفة والتاريخ[5] 3/409، عن يوسف بن موسى.

والبغوي في معجم الصحابة (ق 214) - ومن طريقه ابن عساكر في تاريخ دمشق 47/251 -، عن داود بن عمرو الظبي.

كلهم عن شريك، عن مغيرة، به.

وتابع شريكاً عليه: هشيم، وجرير، كما تقدم.

2- ورواه أبو نعيم، ويزيد بن هارون عن شريك، عن جابر، عن الشعبي، عن قيس بن سعد:

أخرجه الطحاوي في شرح المشكل 4/127، رقم 1484، والمحاملي في صلاة العيدين (ق138/ب)، من طريق أبي نعيم: الفضل بن دكين.

وأخرجه المحاملي في صلاة العيدين (ق138/أ)، عن إسماعيل بن الحارث.

وأبو نعيم في معرفة الصحابة (1/ق264/ب)، وابن عساكر في تاريخ دمشق 47/252، معلقاً، من طريق يحيى بن أبي طالب.

كلاهما عن يزيد بن هارون.

وأبو نعيم، ويزيد، كلاهما عن شريك، به.

وتابع شريكاً عليه إسرائيل - في الراجح عنه -، وشيبان، كما تقدم.

3- ورواه أبو نعيم، عن شريك، عن أبي إسحاق، عن عامر، عن قيس بن سعد:

أخرجه أبو الحسن القطان في زياداته على ابن ماجه 1/413، رقم 1303، عن إبراهيم بن نصر، عن أبي نعيم، به.

4- ورواه يزيد بن هارون، عن شريك، عن مغيرة، عن الشعبي، عن زياد بن عياض الأشعري:

أخرجه البخاري في التاريخ الكبير 7/20، وابن عساكر في تاريخ دمشق 19/211، وفي تاريخ دمشق 47/252 معلقاً. من طريق علي بن المديني.

والبغوي في معجم الصحابة (ق214) - ومن طريقه أبو نعيم في معرفة الصحابة (1ق264/ب)، وابن عساكر في تاريخ دمشق 47/252 -، عن علي بن مسلم، ومحمد بن عبدالملك الواسطي.

وابن عساكر في تاريخ دمشق 47/252، من طريق زياد (وهو ابن أيوب).

كلهم عن يزيد بن هارون، به.

وذكره البيهقي في الكبرى 10/218، وابن الأثير في أسد الغابة 2/216 من رواية يزيد.

قلت: ولعل الوجهين الأول والثاني محفوظان عن شريك، حيث رواه عنه في كل منهما أكثر من ثقة، كما توبع عليهما من أكثر من ثقة.

كما أن الوجهين الثالث والرابع رواتهما ثقات، ولعل الحمل فيهما من شريك نفسه، وهو صدوق له أوهام، كما تقدم في المسألة رقم 521، والله أعلم.

النظر في المسألة:

مما تقدم يتضح أنه اختلف على الشعبي، وعلى من دونه، وخلاصة ما تقدم ما يلي:

1- رواه مغيرة بن مقسم - في الراجح عنه، عن الشعبي، عن عياض الأشعري، مرسلاً.

2- ورواه جابر الجعفي - في الراجح عن إسرائيل، وشريك -، وأبو إسحاق - في وجه لا يثبت عنه -، عن الشعبي، عن قيس بن سعد.

3- ورواه مغيرة - في وجه لا يثبت عنه -، عن الشعبي، عن زياد بن عياض الأشعري.

والوجه الأول أرجح هذه الأوجه؛ فهو من رواية المغيرة، وهو ثقة كما تقدم، أما الثاني فهو من رواية جابر الجعفي، وهو ضعيف، وأما الثالث فلم يثبت عن المغيرة، كما تقدم ذلك مفصلاً أثناء التخريج.

وقد ذكر أبو حاتم الوجه الأول والثاني ولم يرجح بينهما، إلا أنه أشار إشارة إلى ترجيح الوجه الأول بقوله: رواه جابر الجعفي عن الشعبي عن قيس بن سعد عن النبي صلى الله عليه وسلم، ورواه آخر ثقة أُنسيت اسمه عن الشعبي عن عياض عن النبي صلى الله عليه وسلم.

فقوله: "ورواه آخر ثقة" كأنه ترجيح منه لرواية هذا الثقة، في مقابل رواية جابر الجعفي المعروف بضعفه.

ولعل هذا الثقة الذي نسي اسمه هو المغيرة، كما تقدم في التخريج، والله أعلم.

ثم قال أبو حاتم: وعياض الأشعري عن النبي صلى الله عليه وسلم مرسل ليست له صحبة.

قلت: وهذا هو الراجح كما تقدم في ترجمة عياض.

والحديث من وجهه الراجح إسناده ضعيف؛ لأنه مرسل؛ فعياض تابعي على الراجح -كما تقدم-، كما أن فيه عنعنة المغيرة، وهو مدلس من الثالثة، كما تقدم في المسألة السابقة.

ولكن له شواهد تقويه إلى الصحيح لغيره:

منها ما أخرجه البخاري ومسلم عن عائشة، وأبي هريرة أن الحبشة كانوا يلعبون يوم العيد، في المسجد بالحراب، وأن النبي صلى الله عليه وسلم أقرهم على ذلك، وأنكر على من نهاهم.

انظر البخاري (مع الفتح) 2/510، كتاب العيدين، باب الحراب والدروق يوم العيد، الأرقام 949، 950، 987، 988، وغيرها.

ومسلم 2/607- 610، كتاب صلاة العيدين، باب الرخصة في اللعب الذي لا معصية فيه في أيام العيد، رقم 892- 893.