تحقيق تخريج مسألة ( شهدت العيدين )

تحقيق تخريج مسألة (شهدت العيدين )

قال ابن أبي حاتم في كتاب العِلل: وسألت أبي عن حديث رواه إسحاق بن الفرات - قاضي مصر -. عن ابن لهيعة، عن أبي الأسود، عن عروة، عن أبي واقد الليثي، قال: شهدت العيدين مع رسول الله صلى الله عليه وسلم، فكبر في الأولى سبعاً، وفي الثانية خمساً.

قال أبي: هذا حديث باطل بهذا الإسناد.

رجال الإسناد:

• إسحاق بن الفرات بن الجعد التُّجِيبي، أبو نعيم المصري (ت204).

روى عن ابن لهيعة، ومالك، والليث بن سعد، ويحيى بن أيوب، وغيرهم.

روى عنه أحمد بن سعيد المصري، وبحر بن نصر، والفضل بن غانم، وغيرهم.

قال أبو عوانة الأسفراييني: ثقة. وقال أحمد بن سعيد الهمداني: قرأ علينا إسحاق بن الفرات الموطأ بمصر من حفظه فما أسقط حرفاً فيما أعلم.

وقال الشافعي: أشرت على بعض الولاة أن يولي إسحاق بن الفرات القضاء، وقلت: إنه يتخير وهو عالم باختلاف من مضى.

وقال أبو حاتم: شيخ ليس بمشهور. وذكره ابن حبان في الثقات، وقال: ربما أغرب.

وقال الذهبي في الميزان: صدوق فقيه ما ذكرته إلا لأن غيري ذكره متشبثاً بشيء لا يدل، وهو قول أبي حاتم: شيخ ليس بالمشهور. نعم، وقال أبو سعيد بن يونس: في أحاديثه أحاديث كأنها مقلوبة. وقال محمد بن عبدالله بن عبد الحكم: ما رأيت فقيهاً أفضل منه. وقال عبد الحق عقب حديثه المتفرد به عن الليث عن نافع عن ابن عمر: أن النبي صلى الله عليه وسلم رد اليمين على صاحب الحق: إسحاق ضعيف، قال السليماني: إسحاق بن الفرات منكر الحديث. انتهى.

قال ابن حجر: صدوق فقيه.

انظر تهذيب الكمال 2/466، الميزان 1/195، التهذيب 1/246، التقريب (377).

• ابن لهيعة: عبدالله، ضعيف، تقدمت ترجمته في المسألة رقم 506.

• أبو الأسود، هو محمد بن عبدالرحمن بن نوفل الأسدي المدني، (ت 117 تقريباً).

ثقة، متفق على توثيقه.

انظر تهذيب الكمال 25/645، التهذيب 9/307، التقريب (6085).

• عروة بن الزبير، ثقة، تقدمت ترجمته في المسألة رقم 515.

• أبو واقد الليثي - رضي الله عنه - صحابي جليل، مختلف في اسمه، كان قديم الإسلام، وكان معه لواء بني ليث يوم الفتح، مات سنة ثمان وستين.

انظر الاستيعاب 12/180، أسد الغابة 5/319، الإصابة 12/88.

تخريج الحديث:

روى ابن لهيعة هذا الحديث، واضطرب فيه:

1- فرواه مرة، عن أبي الأسود، عن عروة، عن أبي واقد الليثي.

2- ورواه مرة، عن أبي الأسود، عن عروة، عن أبي واقد، وعائشة.

3- ورواه مرة، عن عقيل، عن الزهري، عن عروة، عن عائشة.

4- ورواه مرة، عن خالد بن يزيد، عن الزهري، عن عروة، عن عائشة.

5- ورواه مرة، عن خالد بن يزيد، قال: بلغنا عن الزهري، عن عروة، عن عائشة.

6- ورواه مرة، عن خالد بن يزيد، وعقيل، عن الزهري، عن عروة، عن عائشة.

7- ورواه مرة، عن خالد بن يزيد، عن عقيل، عن الزهري، عن عروة، عن عائشة.

8- ورواه مرة، عن يزيد بن أبي حبيب، ويونس، عن الزهري، عن عروة، عن عائشة.

9- ورواه مرة، عن الأعرج، عن أبي هريرة.

الوجه الأول:

رواه إسحاق بن الفرات، عن ابن لهيعة، عن أبي الأسود، عن عروة، عن أبي واقد:

أخرجه أبو الحسن النيسابوري في المنتقى من حديث ابن رشيق العسكري (ق46/ب)، عن محمد بن رزيق، عن أحمد بن عمرو، عن إسحاق بن الفرات، به.

وذكره المصنف في هذه المسألة، من رواية إسحاق به.

كما ذكره الدارقطني في العلل (5ق 26/ب)، مقروناً بالوجه الثاني الآتي، فقال: وقال إسحاق بن الفرات، وسعيد بن عفير: عن ابن لهيعة، عن الأسود، عن عروة، عن عائشة وأبي واقد الليثي، عن النبي صلى الله عليه وسلم. والاضطراب فيه من ابن لهيعة.

الوجه الثاني:

رواه سعيد بن كثير، عن ابن لهيعة، عن أبي الأسود، عن عروة، عن أبي واقد وعائشة:

أخرجه الطبراني في الكبير 3/246، رقم 3298، عن روح بن الفرج.

والطحاوي في شرح المعاني 4/343، عن عبدالرحمن بن الجارود.

كلاهما عن سعيد بن كثير بن عفير، به.

وذكره الدارقطني كما تقدم في الوجه الأول من رواية سعيد به.

الوجه الثالث:

رواه عدد من الثقات، عن ابن لهيعة، عن عقيل، عن الزهري، عن عروة، عن عائشة:

أخرجه أبو داود 1/680، كتاب الصلاة، باب التكبير في العيدين، رقم 1149- ومن طريقه البيهقي في المعرفة 5/71، رقم 6866، وفي الخلافيات (2ق 13/أ) -، ورواه الفريابي في أحكام العيدين، رقم 104، من طريق قتيبة بن سعيد.

والحاكم 1/298، والدارقطني في السنن 2/46، والبيهقي في الكبرى 3/286، من طريق عمرو بن خالد.

وأحمد 6/65 -ومن طريقه ابن الجوزي في التحقيق 1/508، رقم 816-، عن أبي سعيد مولى بني هاشم.

والطحاوي في شرح المعاني 4/344، من طريق أسد بن موسى.

وإسحاق بن راهويه في مسنده 2/581، رقم 1175، معلقاً.

كلهم عن ابن لهيعة، به.

الوجه الرابع:

رواه عدد من الثقات، عن ابن لهيعة، عن خالد بن يزيد، عن الزهري، عن عروة، عن عائشة:

أخرجه ابن وهب في الجامع (ق25/ب) - ومن طريقه أبو داود 1/681، الموضع السابق، رقم 1150، والدارقطني في السنن 2/47 (ومن طريقه ابن الجوزي في التحقيق 1/510، رقم 822)، ورواه البيهقي في الكبرى 3/287، وفي الخلافيات (2ق 13/أ)، والطحاوي في شرح المعاني 4/343-. كلهم من طريق ابن وهب.

والحاكم 1/298، والدارقطني في السنن 2/46 -ومن طريقه ابن الجوزي في التحقيق 1/510، رقم 820-، من طريق إسحاق بن عيسى.

وأحمد 6/70، عن يحيى بن إسحاق.

والطحاوي في شرح المعاني 4/344، من طريق أسد بن موسى.

والبيهقي في الخلافيات (2ق 15/أ)، من طريق محمد بن معاوية.

وتابعهم: أبو صالح، ومعلى بن منصور: ذكره البيهقي في المعرفة 5/71.

كلهم عن ابن لهيعة، به.

وقال البيهقي: قال محمد بن يحيى الذهلي: المحفوظ عندنا حديث خالد بن يزيد؛ لأن ابن وهب قديم السماع من ابن لهيعة، ومن سمع منه في القديم فهو أولى؛ لأنه خلط بأخرة.

الوجه الخامس:

رواه يحيى بن إسحاق، عن ابن لهيعة، عن خالد بن يزيد، قال: بلغنا عن الزهري، عن عروة، عن عائشة:

أخرجه البيهقي في الكبرى 3/287، من طريق بشر بن موسى، عن يحيى، به.

وذكره الدارقطني في العلل (5ق 26/ب)، من رواية يحيى، به.

الوجه السادس:

رواه ابن وهب، عن ابن لهيعة، عن خالد بن يزيد، وعقيل، عن الزهري، عن عروة، عن عائشة:

أخرجه ابن ماجه 1/407، كتاب إقامة الصلاة، باب ما جاء في كم يكبر الإمام في صلاة العيدين، رقم 1280، عن حرملة بن يحيى، عن ابن وهب، عن ابن لهيعة، به.

الوجه السابع:

رواه ابن وهب، عن ابن لهيعة، عن خالد بن يزيد، عن عقيل، عن الزهري، عن عروة، عن عائشة:

أخرجه الطحاوي في شرح المعاني 4/344، من طريق حرملة، عن ابن وهب، به.

قلت: ولا يبعد أن يكون هذا الوجه والذي قبله وجهاً واحداً، ووقع في أحدهما تصحيف في: «عن»، أو الواو؛ فكلاهما من رواية حرملة، عن ابن وهب، والله أعلم.

الوجه الثامن:

رواه أكثر من ثقة، عن ابن لهيعة، عن يزيد بن أبي حبيب، ويونس، عن الزهري، عن عروة، عن عائشة:

أخرجه الدارقطني في السنن 2/46، والطبراني في الأوسط 4/97، رقم 3139.

كلاهما من طريق بكر بن سهل، عن عبدالله بن يوسف، عن ابن لهيعة، به.

وتابع عبدالله بن يوسف: ابن وهب، وأسد بن موسى، ومحمد بن معاوية:

ذكر ذلك الدارقطني في العلل (5ق 26/ب).

وقال الطبراني: لم يرو هذا الحديث عن الزهري إلا يونس، ويزيد بن أبي حبيب، وخالد بن يزيد، تفرد به ابن لهيعة.

الوجه التاسع:

ورواه يحيى بن إسحاق، عن ابن لهيعة، عن الأعرج، عن أبي هريرة:

أخرجه أحمد 2/356، 357 _ ومن طريقه ابن الجوزي في التحقيق 1/508، رقم 815 _، عن يحيى، به.

النظر في المسألة:

مما تقدم يتضح أن ابن لهيعة روى هذا الحديث، واضطرب فيه على عدة أوجه، وتقدم بيانها مفصلة أثناء التخريج.

وتقدم أن ابن لهيعة ضعيف، ولم أجد من تابعه على أي منها. وعليه فكلها ضعيفة، ويزيدها ضعفاً اضطرابه فيها.

وأما ترجيح الذهلي للوجه الرابع، لرواية ابن وهب لهذا الوجه عن ابن لهيعة، ففيه نظر، إذ رواه ابن وهب أيضاً من أوجه أخرى عنه، كما تقدم.

وقد نص على اضطرابه الدارقطني في العلل (5ق 26/ب)، والطحاوي في شرح المعاني 4/344، وابن حجر في التلخيص 2/91، وغيرهم.

ومنه يتضح صحة ما ذهب إليه أبو حاتم، حيث سأله ابنه عن الوجه الأول، فقال: هذا حديث باطل بهذا الإسناد.

والحديث من جميع هذه الأوجه ضعيف، لضعف ابن لهيعة، إلا أن له شواهد أخرى، يرتقي بها إلى الصحيح لغيره، تقدم الإشارة إليها في المسألة السابقة، والله أعلم.