تحقيق تخريج مسألة ( كان الرسول إذا لم يرتحل حتى تزيغ الشمس صلى الظهر والعصر جميعا )

تحقيق تخريج مسألة ( كان الرسول إذا لم يرتحل حتى تزيغ الشمس صلى الظهر والعصر جميعًا )

للإمام الحافظ أبي محمد عبدالرحمن بن أبي حاتم الرازي

قال ابن أبي حاتم في كتاب العِلل: وسئل أبو زرعة عن حديث روي عن أبي خالد الأحمر، عن حجاج، عن الحكم، عن مِقْسَم[1]، عن ابن عباس، قال: كان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - إذا لم يرتحل حتى تزيغ الشمس صلى الظهر والعصر جميعاً. وإذا كانت لم تزغ أخّرها، حتى يجمع بينهما في وقت العصر.

فقال أبو زرعة: هو خطأ، إنما هو: أبو خالد، عن ابن عجلان، عن الحسين ابن عبدالله، عن عكرمة، عن ابن عباس.

رجال الإسناد:

• أبو خالد الأحمر، سليمان بن حيان الأزدي الكوفي (ت 190).

روى عن حجاج بن أرطاة، ومحمد بن عجلان، وشعبة، والأعمش، وغيرهم.

روى عنه أحمد بن حنبل، وابن راهويه، وابن أبي شيبة، وابن إسحاق، وغيرهم.

وثقه ابن معين، وابن المديني، والعجلي، وابن سعد، وأبو هشام الرفاعي.

وقال النسائي، وابن معين - في رواية -: ليس به بأس. وقال ابن معين - في رواية أخرى -: صدوق وليس بحجة. وقال في أخرى: ليس به بأس، لم يكن ذاك المتقن.

وقال أبو حاتم: صدوق.

وقال البزار: اتفق أهل العلم بالنقل أنه لم يكن حافظاً، وأنه روى عن الأعمش وغيره أحاديث لم يُتابع عليها.

وقال ابن عدي: له أحاديث صالحة، وإنما أتي من سوء حفظه، فيغلط ويخطيء، وهو في الأصل كما قال ابن معين: صدوق وليس بحجة.

قال ابن حجر: صدوق يخطيء.

تهذيب الكمال 11/394، التهذيب 4/181، هدي الساري (427)، التقريب (2547).

• الحجاج بن أرطاة بن ثور النخعي، أبو أرطاة الكوفي القاضي (ت١٤٥) روى عن عكرمة، وزيد بن جبير، وعطاء، ونافع والزهري، وغيرهم.

روى عنه الثوري، وشعبة، وابن المبارك، والحمادان، وأبو خالد الأحمر، وغيرهم.

قال أحمد: كان من الحفاظ، ووصفه بالحفظ ابن خراش، والخطيب، وغيرهم.

قال ابن معين: صدوق، ليس بالقوي، يدلس. وقال أبو زرعة: صدوق مدلس.

وقال أبو حاتم: صدوق يدلس عن الضعفاء يكتب حديثه، فإذا قال: حدثنا، فهو صالح، لا يرتاب في صدقه وحفظه إذا بيَّن السماع، ولا يحتج بحديثه، لم يسمع من الزهري، ولا من هشام بن عروة، ولا من عكرمة.

وقال النسائي: ليس بالقوي. وقال يعقوب بن شيبة: واهي الحديث، في حديثه اضطراب كثير، وهو صدوق، وكان أحد الفقهاء.

وقال ابن عدي: إنما عاب الناس عليه تدليسه عن الزهري وغيره، وربما أخطأ في بعض الروايات، فإما أن يتعمد الكذب فلا، وهو ممن يكتب حديثه.

قال ابن حجر: صدوق كثير الخطأ والتدليس.

وذكره في الطبقة الرابعة من المدلسين.

التهذيب ٢/١٩٦، تعريف أهل التقديس (۱۱۸)، التقريب (۱۱۱۹ ).

• الحكم، هو ابن عُتيبة الكندي، أبو محمد الكوفي (ت۱۱۳).

روى عن النخعي، وسعيد بن جبير، ومقسم مولى ابن عباس، وغيرهم.

روى عنه حجاج بن أرطاة، والأعمش، وشعبة، وأبو عوانة، وغيرهم.

وثقه ابن معين، وأحمد بن حنبل وأبو حاتم، والنسائي، وغيرهم.

وقال أبو حاتم، وأبو داود الطيالسي: لم يسمع من عاصم بن ضمرة. وقال أبو حاتم: لقي زيد بن أسلم، ولا نعلم أنه سمع منه شيئاً.

وقال شعبة: لم يسمع الحكم من مقسم إلا خمسة أحاديث. وعدّها يحيى القطان: حديث الوتر، وحديث القنوت، وحديث عزمه على الطلاق، وجزاء ما قتل من النعم، والرجل يأتي امرأته وهي حائض، وماعدا ذلك كتاب.

قال ابن حجر: ثقة ثبت فقيه، إلا أنه ربما دلس. وعده في الطبقة الثانية من المدلسين.

تهذيب الكمال ٧/١١٤، جامع التحصيل (١٤١)، التهذيب ٢/٤٣٢، تعريف أهل التقديس (٦٥)، التقريب (١٤٥٣).

• مِقْسَم، هو ابن بُجْرة، ويقال: نَجْدة، أبو القاسم مولى عبد الله بن الحارث، ويقال له: مولى ابن عباس: للزومه له (ت١٠١هـ).

روى عن ابن عباس، وعبد الله بن عمرو، ومعاوية، وغيرهم.

روى عنه الحكم بن عتيبة، وإسحاق بن يسار، وميمون بن مهران، وغيرهم.

وثقه الدار قطنى، ويعقوب بن سفيان، والعجلى، وأحمد بن صالح.

وقال أبو حاتم: صالح الحديث لا بأس به.

وضعفه ابن سعد، وابن حزم. وقال الساجي: تكلم الناس في بعض روايته.

قال الذهبي: صدوق من مشاهير التابعين، ضعفه ابن حزم وقد وثقه غير واحد.

وقال البخاري: لا يعرف لمقسم سماع من أم سلمة، ولا ميمونة، ولا عائشة.

قال ابن حجر: صدوق، وكان يرسل.

انظر تهذيب الكمال ٢٨/٤٦١، التهديب١٠/٢٨٨، التقريب (٦٨٧٣).

• عبد الله بن عباس بن عبد المطلب، صحابي، تقدمت ترجمته في المسألة السابقة.

• محمد بن عجلان المدني، صدوق، تقدمت ترجمته في المسألة رقم ٥٢٣.

• الحسين بن عبد الله بن عبيد الله بن عباس بن عبد المطلب، أبو عبد الله المدني (ت١٤٠) ضعيف، متفق على ضعفه.

انظر تهذيب الكمال ٦/٣٨٣، التهذيب ٢/٣٤١، التقريب (١٣٢٦).

• عكرمة مولى ابن عباس، أبو عبد الله المدني، البربري (١٠٤).

ثقة متفق على توثيقه. قال الحافظ ابن حجر: ثقة ثبت، عالم بالتفسير، لم يثبت تكذيبه عن ابن عمر، ولا تثبت عنه بدعة.

تهذيب الكمال 20/٢٦٤، التهذيب ٧/٢٦٣، هدي الساري (٤٤٦)، التقريب (٤٦٧٣).

تخريج الحديث:

روى أبو خالد الأحمر هذا الحديث. واختلف عليه:

١- فرواه يحيى بن عبد الحميد، عن أبي خالد، عن الحجاج، عن الحكم، عن مقسم، عن ابن عباس.

٢- ورواه أبو سعيد الأشج، وإبراهيم بن موسى، عن أبي خالد، عن ابن عجلان عن حسين بن عبد الله، عن عكرمة، عن ابن عباس.

• وتابع أبا خالد على هذا الوجه: يحيى بن اليمان.

• كما تابع ابن عجلان على هذا الوجه أكثر من ثقة.

٣- ورواه الشافعي فيما بلغه، عن أبي خالد، عن ابن عجلان، عن حسين بن عبد الله، عن كريب، عن ابن عباس.

• وتابع ابن عجلان على هذا الوجه أكثر من ثقة.

الوجه الأول:

أخرجه يحيى بن عبد الحميد الحماني في مسنده- كما في التلخيص الحبير٢/٥١-عن أبي خالد الأحمر، عن الحجاج، عن الحكم، عن مقسم، عن ابن عباس.

• وذكره المصنف في هذه المسألة من رواية أبي خالد، به.

قلت: ويحيى بن عبد الحميد الحماني: ضعيف (الميزان ٤/٣٩٢).

الوجه الثاني:

أخرجه الدار قطني ١/٣٨٩-ومن طريقه البيهقي في الخلافيات (٢/ق٧٧/ب) -، عن محمد بن القاسم المحاربي، عن أبي سعيد الأشج.

والبيهقي في الخلافيات (٢/ق٧٧/ب)، من طريق إبراهيم بن موسى.

كلاهما عن أبي خالد، عن ابن عجلان، عن حسين، عن عكرمة، عن ابن عباس.

وتوبع أبو خالد على هذا الوجه:

أخرجه الدار قطني ١/٣٨٩، من طريق يحيى بن اليمان، عن ابن عجلان، به.

كما توبع ابن عجلان عليه:

أخرجه الدار قطني ١/٣٨٩، من طريق موسى بن ربيعة، عن يزيد بن الهاد. والبيهقي في الكبرى ٣/١٦٣، وفي الخلافيات (٢/ق٧٧/ب)، وابن زياد النيسابوري في الزيادات في كتاب المزني (ق١٣٤/ب). من طريق عثمان بن عمر، عن ابن جريح[2].

• والبيهقي في الخلافيات (٢/ق٧٧/ب)، من طريق ابن أبي أويس، عن أبيه.

• كلهم عن حسين بن عبد الله، عن عكرمة، عن ابن عباس.

قلت: وأبو سعيد الأشج: ثقة (التقريب ٣٣٥٤).

• وإبراهيم بن موسى، لعله التميمي: ثقة حافظ (التقريب٢٥٩).

الوجه الثالث:

أخرجه البيهقي في المعرفة ٤/٢٩٣، رقم ٦٢٠٨، من طريق الربيع، قال: قال الشافعي فيما بلغه عن أبي خالد الأحمر، عن ابن عجلان، عن حسين بن عبد الله، عن كريب-مولى ابن عباس-، عن ابن عباس.

وتوبع ابن عجلان على هذا الوجه:

أخرجه الشافعي في مسنده۱/١٨٦، رقم٥٣٠-ومن طريقه البيهقي في المعرفة٤/٢٩٢ رقم٦٢٠٧، وفي الخلافيات (٢/ق٧٧/أ)، والبغوي شرح السنة ٤/١٩٥، رقم١٠٤٢ وفي الأنوار٢/٤4٩، رقم٦٣٠-. كلهم من طريق الشافعي، عن ابن أبي يحيى.

• وابن زياد النيسابوري في الزيادات في كتاب المزني (ق١٣٤/ب). من طريق الحجاج بن محمد، عن ابن جريح.

• وابن زياد النيسابوري في الزيادات أيضاً (ق١٣٤/ب). من طريق ابن جريح[3]، عن هشام ابن عروة.

• كلهم عن حسين بن عبد الله، به.

النظر في المسألة:

مما تقدم يتضح أن أبا خالد الأحمر روى هذا الحديث، واختلف عليه:

١- فرواه يحيى بن عبد الحميد، عن أبي خالد، عن الحجاج، عن الحكم، عن مقسم، عن ابن عباس.

٢- ورواه أبو سعيد الأشج، وإبراهيم بن موسى، عن أبي خالد، عن ابن عجلان، عن حسين بن عبد الله، عن عكرمة، عن ابن عباس.

وتابع أبا خالد على هذا الوجه: يحيى بن اليمان.

3- ورواه الشافعي فيما بلغه، عن أبي خالد، عن ابن عجلان، عن حسين بن عبد الله، عن كريب، عن ابن عباس.

ولعل الوجه الثاني أرجح هذه الأوجه؛ حيث رواه ثقتان كذلك، في حين رواه على الوجه الأول يحيى الحماني، وهو ضعيف.

وأما الوجه الثالث ففيه جهالة من رواه عن أبي خالد.

ومنه يتبين صحة ماذهب إليه أبو زرعة من ترجيحه للوجه الثاني من رواية أبي خالد الأحمر، وهو ماكان عن أبي خالد، عن ابن عجلان، عن حسين بن عبد الله، عن عكرمة، عن ابن عباس. والله أعلم.

كما رواه ابن جريج واختلف عليه من عدة أوجه، وكلها صحيحة عنه كما ذكر الدار قطني، وتقدم ذلك مفصلاً في التخريج.

• والحديث من وجهه الراجح عن أبي خالد الأحمر إسناده ضعيف، وكذا الأوجه الأخرى عن ابن جريج؛ لأن فيه حسين بن عبد الله، وهو ضعيف كما تقدم في ترجمته.

إلا أن للحديث شاهداً صحيحاً عن أنس بن مالك قال:((كان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - إذا ارتحل قبل أن تزيغ الشمس أخر الظهر إلى وقت العصر، ثم ينـزل فيجمع بينهما، وإذا زاغت الشمس قبل أن يرتحل صلى الظهر ثم ركب)).

أخرجه البخاري (مع الفتح) ٢/٦٧٨، كتاب تقصير الصلاة، باب يؤخر الظهر إلى العصر إذا ارتحل قبل أن تزيغ الشمس، رقم١١١١، وفي٢/٦٧٩، كتاب تقصير الصلاة، باب إذا ارتحل بعد ما زاغت الشمس صلى الظهر ثم ركب، رقم١١١٢، ومسلم١/٤٨٩، كتاب صلاة المسافرين، باب جواز الجمع بين الصلاتين في السفر، رقم٧٠٤، وغيرهما.