• الصفحة الرئيسيةخريطة الموقعRSS
  • الصفحة الرئيسية
  • سجل الزوار
  • وثيقة الموقع
  • اتصل بنا
English Alukah شبكة الألوكة شبكة إسلامية وفكرية وثقافية شاملة تحت إشراف الدكتور سعد بن عبد الله الحميد
 
الدكتور سعد بن عبد الله الحميد  إشراف  الدكتور خالد بن عبد الرحمن الجريسي
  • الصفحة الرئيسية
  • موقع آفاق الشريعة
  • موقع ثقافة ومعرفة
  • موقع مجتمع وإصلاح
  • موقع حضارة الكلمة
  • موقع الاستشارات
  • موقع المسلمون في العالم
  • موقع المواقع الشخصية
  • موقع مكتبة الألوكة
  • موقع المكتبة الناطقة
  • موقع الإصدارات والمسابقات
  • موقع المترجمات
 كل الأقسام | مقالات شرعية   دراسات شرعية   نوازل وشبهات   منبر الجمعة   روافد   من ثمرات المواقع  
اضغط على زر آخر الإضافات لغلق أو فتح النافذة اضغط على زر آخر الإضافات لغلق أو فتح النافذة
  •  
    محاسن الإرث في الإسلام (خطبة)
    الشيخ د. إبراهيم بن محمد الحقيل
  •  
    تفسير: (لقد كان لسبإ في مسكنهم آية جنتان عن يمين ...
    تفسير القرآن الكريم
  •  
    علامات الساعة (2)
    تركي بن إبراهيم الخنيزان
  •  
    ما جاء في فصل الصيف
    الشيخ عبدالله بن جار الله آل جار الله
  •  
    أحكام التعاقد بالوكالة المستترة وآثاره: دراسة ...
    د. ياسر بن عبدالرحمن العدل
  •  
    خطبة: أم سليم ضحت بزوجها من أجل دينها (1)
    د. محمد جمعة الحلبوسي
  •  
    خطبة: التربية على العفة
    عدنان بن سلمان الدريويش
  •  
    حقوق الأولاد (1)
    د. أمير بن محمد المدري
  •  
    التلاحم والتنظيم في صفوف القتال في سبيل الله...
    أبو مالك هيثم بن عبدالمنعم الغريب
  •  
    أسس التفكير العقدي: مقاربة بين الوحي والعقل
    الشيخ حذيفة بن حسين القحطاني
  •  
    ابتلاء مبين وذبح عظيم (خطبة)
    د. محمود بن أحمد الدوسري
  •  
    فضل من يسر على معسر أو أنظره
    د. خالد بن محمود بن عبدالعزيز الجهني
  •  
    حديث: لا طلاق إلا بعد نكاح، ولا عتق إلا بعد ملك
    الشيخ عبدالقادر شيبة الحمد
  •  
    كونوا أنصار الله: دعوة خالدة للتمكين والنصرة
    أبو مالك هيثم بن عبدالمنعم الغريب
  •  
    لا تعير من عيرك
    نورة سليمان عبدالله
  •  
    من مائدة التفسير: سورة النصر
    عبدالرحمن عبدالله الشريف
شبكة الألوكة / آفاق الشريعة / نوازل وشبهات / شبهات فكرية وعقدية
علامة باركود

حديث المستشرق الفرنسي Barthelemy عن محمد والقرآن (2)

حديث المستشرق الفرنسي Barthelemy عن محمد والقرآن (2)
د. إبراهيم عوض

مقالات متعلقة

تاريخ الإضافة: 3/12/2012 ميلادي - 19/1/1434 هجري

الزيارات: 12287

 حفظ بصيغة PDFنسخة ملائمة للطباعة أرسل إلى صديق تعليقات الزوارأضف تعليقكمتابعة التعليقات
النص الكامل  تكبير الخط الحجم الأصلي تصغير الخط
شارك وانشر

حديث المستشرق الفرنسي

J. Barthelemy Saint Hilaire

عن محمد - صلى الله عليه وسلم - والقرآن[1]

(2)


كان محمدٌ - كما سبق القول في الجزء الأول- جَمَّ التواضعِ؛ فهو لم يخادِع نفسَه بأن ما أتى به إنما هي أفكارٌ أصيلةٌ، بل كان الاهتمامُ بوَصْل دينِه بما سَبَقه من أديانٍ، كما يعتمدُ بلا انقطاعٍ على كتبِ اليهودِ والنصارى ومرويَّاتهم[2].

 

لقد كان مفعمًا بالاحترامِ لها، بل بالإعجاب الشديد بها، وكان يسرُّه أن يذكرَ مرارًا وتكرارًا أسماءَ من سبقه من الأنبياءِ، الذين جاء لإكمال رسالتهم.

 

لقد كانوا روادًا، ومن ثَمَّ لم يكن واجبًا عليه أن يأتِيَ بشيءٍ جديدٍ، وقد اصطنع نفسَ اللغةِ التي اصطنعوها، وربما لم يكن أحسنَ منهم حظًّا في مهمتِه التي كانت امتدادًا لمهمتهم[3]، إلا أنه وَقَف نفسَه على شرفِ الدعوةِ إلى تعاليمِهم المجحودة.

 

وما من أحدٍ أحقَّ بالإجلال لديه من: آدمَ، ونوحٍ، وإبراهيمَ، وموسى، وداودَ، وعيسي، وما كان يَذْكُر التوراةَ ولا المزاميرَ ولا الإنجيلَ إلا بخشوعٍ وإجلالٍ؛ إذ هي الكتبُ التي يَدِين لها القرآن بوجودِه.

 

وبدلاً من أن يُخفِي ما أَخَذ منها كان يَفتَخِر به[4]، فعظمتُه مستمدَّة من عظمتِها.

 

أما المسيحُ، فإن محمدًا كان يُثنِي عليه ثناءً جمًّا، لم يكن يُتوقَّع معه ما دار بعد ذلك من حروبٍ طاحنةٍ بين الإسلامِ والنصرانيةِ.

 

ومثالاً على ثناءِ النبِيِّ العربي عليه، نسوقُ هذه الكلماتِ التي نسبها محمد - كعادتِه - إلى الله: ﴿ وَآتَيْنَا عِيسَى ابْنَ مَرْيَمَ الْبَيِّنَاتِ وَأَيَّدْنَاهُ بِرُوحِ الْقُدُسِ ﴾ [البقرة: 87].

 

وفي مكان آخر يستخدمُ محمدٌ عباراتٍ أصرحَ مقرًّا ببعضِ العقائدِ النصرانيةِ: ﴿ وَإِذْ قَالَتِ الْمَلَائِكَةُ يَا مَرْيَمُ إِنَّ اللَّهَ اصْطَفَاكِ وَطَهَّرَكِ وَاصْطَفَاكِ عَلَى نِسَاءِ الْعَالَمِينَ * ... * إِنَّ اللَّهَ يُبَشِّرُكِ بِكَلِمَةٍ مِنْهُ اسْمُهُ الْمَسِيحُ عِيسَى ابْنُ مَرْيَمَ وَجِيهًا فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ وَمِنَ الْمُقَرَّبِينَ * وَيُكَلِّمُ النَّاسَ فِي الْمَهْدِ وَكَهْلًا وَمِنَ الصَّالِحِينَ * قَالَتْ رَبِّ أَنَّى يَكُونُ لِي وَلَدٌ وَلَمْ يَمْسَسْنِي بَشَرٌ قَالَ كَذَلِكِ اللَّهُ يَخْلُقُ مَا يَشَاءُ إِذَا قَضَى أَمْرًا فَإِنَّمَا يَقُولُ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ * وَيُعَلِّمُهُ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَالتَّوْرَاةَ وَالْإِنْجِيلَ * وَرَسُولًا إِلَى بَنِي إِسْرَائِيلَ أَنِّي قَدْ جِئْتُكُمْ بِآيَةٍ مِنْ رَبِّكُمْ أَنِّي أَخْلُقُ لَكُمْ مِنَ الطِّينِ كَهَيْئَةِ الطَّيْرِ فَأَنْفُخُ فِيهِ فَيَكُونُ طَيْرًا بِإِذْنِ اللَّهِ وَأُبْرِئُ الْأَكْمَهَ وَالْأَبْرَصَ وَأُحْيِ الْمَوْتَى بِإِذْنِ اللَّهِ وَأُنَبِّئُكُمْ بِمَا تَأْكُلُونَ وَمَا تَدَّخِرُونَ فِي بُيُوتِكُمْ إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَةً لَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ * وَمُصَدِّقًا لِمَا بَيْنَ يَدَيَّ مِنَ التَّوْرَاةِ وَلِأُحِلَّ لَكُمْ بَعْضَ الَّذِي حُرِّمَ عَلَيْكُمْ وَجِئْتُكُمْ بِآيَةٍ مِنْ رَبِّكُمْ فَاتَّقُوا اللَّهَ وَأَطِيعُونِ * إِنَّ اللَّهَ رَبِّي وَرَبُّكُمْ فَاعْبُدُوهُ هَذَا صِرَاطٌ مُسْتَقِيمٌ ﴾ [آل عمران: 42 - 51].

 

لقد كانت معرفةُ محمدٍ بالكتبِ التي كان يَستَشهِد بها - بكثيرٍ من الاحترامِ - جِدَّ ضئيلةٍ.

 

ويبدو أنه قد أخَذ ما اقتبسه لا من الكتبِ المقدَّسة ذاتِها، بل من رواياتٍ ضعيفةٍ ومحرَّفة، بيد أن هذا قد قاده - بلا ريبٍ - إلى هذا التسامحِ الذي تَشهَد عليه آياتٌ كثيرةٌ في القرآنِ، فهو يصرِّح في واحدةٍ من أهم السور قائلاً[5]: ﴿ إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَالَّذِينَ هَادُوا والنصارى وَالصَّابِئِينَ مَنْ آمَنَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ وَعَمِلَ صَالِحًا فَلَهُمْ أَجْرُهُمْ عِنْدَ رَبِّهِمْ وَلَا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلَا هُمْ يَحْزَنُونَ ﴾ [البقرة: 62].

 

ثم بعد ذلك بقليلٍ في السورةِ ذاتِها يؤكِّد المبدأ ذاتَه على نحوٍ أوضحَ وأوجزَ: ﴿ لَا إِكْرَاهَ فِي الدِّينِ قَدْ تَبَيَّنَ الرُّشْدُ مِنَ الْغَيِّ فَمَنْ يَكْفُرْ بِالطَّاغُوتِ وَيُؤْمِنْ بِاللَّهِ فَقَدِ اسْتَمْسَكَ بِالْعُرْوَةِ الْوُثْقَى لَا انْفِصَامَ لَهَا وَاللَّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ ﴾ [البقرة: 256].

 

ومما لا ريبَ فيه أن روحَ الاعتدالِ والمودةِ هذه المتسامحةَ مع الآخرينَ لم تَنتشِر بين المسلمينَ، إلا أنها بارزةٌ في القرآنِ، الذي لا يقف موقفَ اللددِ إلا من عبدةِ الأوثان.

 

إن همجيةَ هذه الأقوامِ المتعطشةِ للقتالِ - وما هم عليه من تعصُّب، وليس ما جاء به النبي - هما اللذان كانا يدفعانِ المسلمينَ إلى نهبِ غيرِهم والقضاءِ عليهم.

 

ولقد كان النبيُّ متسقًا مع نفسِه باحترامِه لأولئك الذين كانوا يطيعونَ مَن كان يكرمُهم من الأنبياء السابقين.

 

ولا أظنني إلا منصفًا لمحمدٍ حين أقولُ: إن رأيَه الحقيقيَّ في اليهودِ والنصارى تعبِّر عنه مثلُ هذه الآية: ﴿ وَلَا تُجَادِلُوا أَهْلَ الْكِتَابِ إِلَّا بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ إِلَّا الَّذِينَ ظَلَمُوا مِنْهُمْ وَقُولُوا آمَنَّا بِالَّذِي أُنْزِلَ إِلَيْنَا وَأُنْزِلَ إِلَيْكُمْ وَإِلَهُنَا وَإِلَهُكُمْ وَاحِدٌ وَنَحْنُ لَهُ مُسْلِمُونَ ﴾ [العنكبوت: 46]، إلا أن هذه المبادئَ تتعارضُ مع تاريخ الإسلام ومع كثيرٍ من تصرفات محمدٍ، الذي كان موقفه من اليهود رهيبًا.

 

إنها السياسة وضروراتها، وقد نزل محمد على حكمها، ومع ذلك فإن الخلافَ إنما كان خلافًا في المصالحِ، لا في المعتقدات التي كانت متشابهةً وتقترب من التماثلِ في معظم الأحيان.

 

إن القرآنَ ليس كتابًا دينيًّا فحسبُ، بل هو - فوقَ ذلك - مدوَّنة يستمدُّ منها المسلمون قوانينَهم المدنية على نحوٍ أو على آخر، إلا أنه لا يصعبُ على مَن يقرأ هذه النصوص المضطربةَ أن يتبيَّن أن محمدًا لم تتَّجه نيتُه إلى أن يجعلَ من القرآنِ شريعةً؛ فهو على أحسنِ الفروضِ لا يضمُّ قوانينَ بل مبادئَ سلوكيةً للفردِ والأسرةِ، لكن التبجيلَ الذي كان يحيطُ بشخص ه هو الذي جعَل لما يقولُه [6] - بالغًا ما بلغت ضآلتُه - قوَّة المراسيم الصادرة عن أعظم الملوكِ بأسًا وحكمةً.

 

إن من المستحيلِ علينا نحن المتعوِّدين على الدقةِ المنهجيةِ في مدوَّناتنا القانونيةِ منذ الإمبراطورية الرومانيةِ - أن نرى ما يُمكِن عدُّه تصنيفًا قانونيًّا في هذا الخليطِ المضطربِ من: الأدعيةِ الدينية، والحكمِ الأخلاقية، والأساطير، والإشارات التاريخية، والمواعظ، والتهديدات، والابتهالات الجليلة، التي تلوح من خلالِها - بين الحين - والحين بعضُ التوجيهاتِ التي يُمكِن أن يكونَ لها طابعٌ تشريعي، وهذه نقطةُ الضعفِ في القرآن.

 

لقد كان الفشلُ الذريعُ ينتظرُ محمدًا لو كان غرضه فعلاً هو التشريع لقومِه، وكان لا بدَّ من توفر ظروفٍ غيرِ طبيعية ليتخذَّ القرآن هذا المسار الغريب.

 

وليس النبي هو المسؤول عن ذلك، بل الأقوام الذين اتَّجه إليهم بدعوتِه والذين لا بدَّ أنهم قد بلغوا من الانحطاط الحدَّ، الذي استطاع معه مثل هذا التشريع الناقص والغامض والمضطرب أحيانًا أن يَكفِيَهم ويوافق مطالبهم أيضًا.

 

إن الإنسان ليفزعُ حينما يصادفُ في القرآنِ مثل هذه التوجيهاتِ: ﴿ حُرِّمَتْ عَلَيْكُمْ أُمَّهَاتُكُمْ وَبَنَاتُكُمْ وَأَخَوَاتُكُمْ وَعَمَّاتُكُمْ وَخَالَاتُكُمْ وَبَنَاتُ الْأَخِ وَبَنَاتُ الْأُخْتِ وَأُمَّهَاتُكُمُ اللَّاتِي أَرْضَعْنَكُمْ وَأَخَوَاتُكُمْ مِنَ الرَّضَاعَةِ وَأُمَّهَاتُ نِسَائِكُمْ وَرَبَائِبُكُمُ اللَّاتِي فِي حُجُورِكُمْ مِنْ نِسَائِكُمُ اللَّاتِي دَخَلْتُمْ بِهِنَّ فَإِنْ لَمْ تَكُونُوا دَخَلْتُمْ بِهِنَّ فَلَا جُنَاحَ عَلَيْكُمْ وَحَلَائِلُ أَبْنَائِكُمُ الَّذِينَ مِنْ أَصْلَابِكُمْ وَأَنْ تَجْمَعُوا بَيْنَ الْأُخْتَيْنِ *...* وَالْمُحْصَنَاتُ مِنَ النِّسَاءِ إِلَّا مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ ﴾ [النساء:23 ، 24].

 

حقًّا أن هذه الأعراف المنحطةَ - التي تَهبِط بالإنسان إلى دَرْك البهائمِ - لم تَكُن وقفًا على العرب؛ فإن سفر "اللاويين" قد اضطُرَّ لاتخاذِ الإجراءاتِ ذاتِها مع العبرانيِّين، بيد أن "اللاويين" يَسبِق القرآنَ بأكثرَ من ألفي عام، لكن كان على محمدٍ أن يكافحَ - مثلما كافح موسى - نفسَ المخازِي الاجتماعيةِ؛ إذ لم تحرز الجزيرةُ العربية تقدمًا منذ أنبياءِ بني إسرائيلَ.

 

وإن مما يشرِّف محمدًا أنه هو الذي قَضَى على عادة العربِ الشنيعةِ في وَأْدِ البنات الصغيرات.

 

لقد رُدَّ العربُ إلى أسفلِ سافلينَ؛ فبَاتُوا إلى الوحوش أقربَ منهم إلى الأَنَاسِي، وإن الإنسانيةَ لتَدِين لذلك الذي جَاهَد لانتشالِهم من الانحطاطِ والفحشِ.

 

وإني لأقرُّ بأن لغةَ محمدٍ في هذه المسائلِ تَفتَقِر أحيانًا إلى رقةِ الأسلوب وتحفظِ التعبيرِ.

 

حقًّا أن كشفَ مثل هذه الجرائم وفضحَها لا بدَّ أن يُفْقِد الكلامَ بعضَ اللياقةَ، إلا أنه ربما كان أسهلَ على النبي أن يعدِّي عن بعض التفصيلات المنفِّرة التي يُمكِن الاستغناءُ عنها.

 

إن الطريقة التي يتحدَّث غالبًا بها عن النساءِ مُهِينة[7]، ومن شأنِها أن تنفِّرنا لو أنها كانت أقلَّ سذاجةً، بيد أن هذا هو الأسلوبُ المعتادُ لهؤلاءِ الأقوامِ.

 

وليس نصيبُ أفاضلِهم من التحفظِ بأفضلَ من ذلك.

 

وإن المسلمَ ليستطيعُ أيضًا - ردًّا على اتهامات النصارى - أن يريَهم من الكتابِ المقدَّس فقراتٍ ليست بأعفَّ من القرآن، إلا أن النبي - الذي كان مضطلعًا بإصلاحات جد صعبةٍ - كان يُمكِنه أن يضربَ المثلَ في هذا المجال، فإن تجنبَ خشونةِ الشكل لهو أيضًا تشنيعٌ ضدَّ خشونةِ الرذيلة المزمعِ تصحيحُها.

 

وكلُّ ما يُمكِنُ الاعتذارُ به عن محمدٍ، هو أن الأمة التي كان يخاطبُها لم تكن أمةَ النصارى؛ فإن اللغة البشريةَ لم تَعرِف - إلا في غَرْبِنا فقط - كيف تحتفظُ بجميعِ قوَّتها دونَ أن تفقدَ شيئًا من حيائها.

 

لقد كان زوجُ خديجةَ قادرًا على التزامِ هذه الخطة التي استعصت على مَن كان زوجًا لاثنتي عشرةَ أو خمسَ عشرةَ امرأةً أعمارُهن ما بين عشرةِ أعوامٍ إلى خمسينَ.

 

ويعتقدُ مسيو "موير" أن محمدًا قد حطَّ من شأن المرأة التي كانت أصلاً في حالٍ جد محزنةٍ، بينما يرى مسيو "كوسين دي برسفال" - على العكس من ذلك - أنه قد رَفع شأنها.

 

وإني حين أتذكَّر بيعةَ العقبةِ، أُوافِق مسيو "كوسين دي برسفال" على رأيه، ولكنني عندما أري في القرآن تأثيراتِ الأعرافِ القديمةَ أعتقدُ للتوِّ أن هذه الأعرافَ الفاسدةَ المتوحشةَ قد أَبقَت لنساء العربِ المنكوداتِ من الكرامة والحقوقِ أقلَّ مما منحهنَّ محمدٌ.

 

إن المرأة ليست شيئًا مذكورًا في الشريعة الإسلامية، إلا أن ما يَشْدَهُنا في شقائها إنما هو انحطاطُ وضعِها عن وضعِ المرأةِ الإغريقية والرومانية، وبخاصةٍ المرأة النصرانية، حتى لكأنها في حكم المعدومةِ[8].

 

إن النص الذي سلَف الاستشهادُ به - ومثله كثيرٌ - ليدلُّ على أنها مَدِينةٌ دَينًا باهظًا لمَن خلَّصها من زواج المحارمِ، ومما لا ينبغي ذكرُه من هذه الشناعاتِ التي يبعثُ مجردُ التفكيرِ فيها رعدةَ الاشمئزازِ والفزع.

 

وإذا كان لديها الكثيرُ مما من حقِّها أن تلومَ محمدًا عليه، فإنها مَدِينةٌ له على الأقل بكونِها ظلَّت أُمًّا لأبنائها وابنةً لأبويها.

 

أجل، إن القرآنَ يكنُّ قليلاً جدًّا من الاحترامِ للمرأة، إلا أن هذا القدرَ من الاحترام أكبرُ منه فيما سبق.

 

إن تعددَ الزوجاتِ ليسيءُ إلى هذه المجتمعاتِ البائسة في آسيا جمعاءَ ويخرِّبها، ولقد كان باستطاعةِ القرآن أن يلغيَه بدلاً من أن يثبتَه، إلا إنه ليستقلُّ أيضًا هنا بفضل تضييقِ نطاقه، وإنْ لم يجرؤ على هدمِه.

 

ولقد كان أفضلَ للإسلام - حينما اتَّصل باليهودية والنصرانية - أن يقومَ باستثناءٍ آخرَ في سائر آسيا، لقد استطاع أن يَقضِي إلى الأبد على سكرِ الخمرِ، وكان يستطيع أن يكافح سُكْرَ الحواسِّ أفضل مما فعل، وهو أفظعُ خطرًا[9].

 

ونقدٌ آخرُ - الردُّ عليه أسهلُ من ذلك - هو الجبريةُ التي كثيرًا ما يُتَّهم بها القرآن؛ إذ رغم انتشار هذا الخطأ، فليس في حياة النبي ولا في كتابِه ما يسوِّغه.

 

لقد رأينا فيما وصفنا من أخلاقِ محمدٍ كيف كان نشطًا لا يكلُّ، وكيف لم تَفتُر ثقتُه بنفسِه يومًا مع أن ثقتَه باللهِ لم تَقِلَّ عن ذلك صدقًا ولا حرارة، إلا أنها وقفت عند الحدودِ المعقولة، فلم تبلغْ قط هذه السلبيةَ التي تفرضُها الجبرية.

 

إن القرآن يُوصِي أتباعَه بالخضوعِ المطلقِ لإرادة الله، وهذا الخضوعُ الذي يُوصِي به أيضًا أعظمَ العقوِل استنارةً وواقعيةً، هو الذي خَلَع على المسلمين اسمَهم الذي يفتخرون به.

 

إن هذا الخضوع لا يتحوَّل لا في مبادئِ النبي ولا في تصرفاتِه إلى تعطيلٍ للملكاتِ النفسية العليا؛ فالجبريةُ - كما نتصوَّرها - ليست كسلاً تامًّا في الجسم والعقل نابعًا من الانحلال، إنها العجزُ عن التصرفِ أكثرَ منها مذهبًا.

 

وهي في نظرِ الإسلام ليست شيئًا آخرَ سوى شعورِ الإنسانِ العميقِ بضعفِه أمام الله القديرِ الرحيمِ، وبضرورةِ خضوعِه له، ولا تَعنِي قطُّ التنازلَ الأثيمَ عن أجملِ ما مُنِحْناه، ألا وهو إرادتُنا الحرَّة.

 

وفي القرآن من المعايبِ ما يَجعلُه في غنًى عن أن ننسبَ إليه هذا العيبَ - الذي هو منه براءٌ - ونحن نوافق مسيو "فيل"، ومسيو "شبرنجر" على ما يذهبانِ إليه من أن الإسلام - على رغم الخطأِ الشائعِ - ليس دينًا جبريًّا.

 

إنني لا أنكرُ أن الجبريةَ يُمكِن أن تكونَ منتشرةً بين الأممِ الإسلاميةِ، لكن كتابَهم ليس هو المسؤولَ عنها، إلا إذا ساغ لنا أن نَلوِيَ اتِّجاهَه العامَّ بسببِ بعضِ النصوص الغامضةِ.

 

وشللُ الإرادةِ هذا له أسبابٌ أخرى كثيرة، كذلك فإننا نشكُّ في أن الجبريةَ يُمكِن أن تصلَ إلى هذا الحد المدَّعى، حتى داخل هذه النفوسِ المحطمة.

 

ثم إن الجبريةَ المطلقةَ - في نطاقِ الحقائقِ اليومية - مثلُها مثلُ الارتيابِ المطلَق، مستحيلة.

 

إن بإمكانِ بعضِ الصوفيةِ أن يُمتَدَحوا بها، بيدَ أن الإنسانَ لا يُمكِنه التزامُها بجديةٍ، ولو لساعات معدودةٍ متصلةٍ.

 

وعيبٌ أخيرٌ ليس أقلَّ خطورةً يَنبَغِي الإشارةُ إليه، أقصدُ الإشارةَ إلى خلوِّ القرآنِ التامِّ من المباحث الغيبيةِ، غيرَ أن هذا النقصَ لا يُعْزَى إلى محمدٍ شخص يًّا بقدرِ ما يرجِع إلى روحِ الجنسِ العربي، بل إلى روح الجنسِ السامي أجمع.

 

ومن المؤكَّد أن الكتبَ الدينيةَ ليست أبحاثًا فلسفيةً، وليس من الإنصافِ أن نطالبَها بأكثرَ مما تدَّعيه أو ينبغي أن تقدِّمه، إلا أن تجاهلَ الأبحاثِ الغيبيةِ يَحْرِم العقولَ الكبيرةَ بعضَ الضوءِ الذي يُنِير لها ما يواجِه البشرَ حين يتفكرون في اللهِ وفي أمرِ الروحِ من مسائلَ شائكةٍ [10].

 

وهذا الضوء - على رغم رَوَاغيتِه - قد تطوَّر فيما بعد إلى أن شكَّل علمَ اللاهوتِ، وإن النصرانيةَ لتقدِّم لنا هنا مثالاً رائعًا؛ إذ استطاعت - بمعاونة المباحثِ الغيبيةِ الإغريقية - أن تستخلصَ تدريجيًّا مما في كتبِها المقدَّسة من أفكارٍ بناءً لاهوتيًّا لا يضارعُ.

 

أما الإسلام، فإنه لم يكن بهذه الخصوبةِ، وإذا كان لهذا الجَدْبِ أسبابٌ أخرى كثيرةٌ، فربما كان السببُ الرئيسيُّ هو العُقمَ شبهَ التامِّ للقرآنِ نفسِه، الذي لم يقدِّم للأجيالِ اللاحقةِ ما كان يُمكِنها أن تخصبَه به؛ فقد كان الوحيُ بالنسبةِ لمحمدٍ - ولهذه الأقوام بعامة - من الالتهابِ؛ بحيث لا يدعُ شيئًا يتنفسُ، كما أن العفويةَ الجارفةَ المتصلةَ قد خنقت كلَّ تفكيرٍ[11].

 

وإذا كان النبي لم يفعل شيئًا إلا أنْ يتابعَ الاتجاهَ العامَّ من حولِه؛ فقد استطاع المتأمِّل المعتزلُ في غارِ حِرَاء - فيما يتعلَّق بهذه المسائل - ألا يهبطَ تمامًا إلى ما هبط إليه مواطنوه الأفظاظ.

 

وأيًّا ما يكن الأمر، فإن العربيةَ من الجدب في هذه الناحية، بحيث إن اتصالَها في القرنِ الهجري الثاني أو الثالث بالعقلية اليونانية المنشِّطة - لم يستطع أن ينفخَ فيها إلا روحًا شديدةَ الشحوبِ فلم تُثمِر الفلسفةُ الإسلاميةُ إلا ثمارًا أجنبيةً خاليةً من الأصالةِ والنضوجِ.



[1] من كتاب "Mahomet et le Coran "للمستشرق الفرنسي "J. Barthelemy Saint Hilaire ( ط. 1865 Paris , Librairie Academique, ) من ص 179 فصاعدا.

[2] أين الدليل؟

[3] لا، بل كان أحسن منهم حظًا، وإلا فمن ذلك النبي الذي استطاع في حياته أن ينجز ما حققه الرسول الكريم - صلى الله عليه وسلم - أو أن يثبت في قلوب أتباعه الاحترام والإخلاص له وللدين الجديد، كما فعل نبينا - عليه صلوات الله وسلامه - أو أن يهزم جحافل الشرك هذه الهزيمة القاتلة، كما هزمها محمد - عليه الصلاة والسلام؟

[4] من أين استمد ذلك المستشرق هذا الكلام؟ إن القرآن ليؤكد أنه هو العيار على الكتب السماوية السابقة؛ لأنها - وإن أتت من ذات المصدر الإلهي - فقد عبثت بها يد الزمن في الوقت الذي بقي هو كما نزل لم يزد ولم ينقص حرفًا.

[5] يمكن القارئ أن يرجع إلى الفصل الذي تناولنا فيه ترجمة "مونتيه"؛ ليرى رأينا في توجيه هذه الآية.

[6] ألا يوجد فيه قوانين للزواج والطلاق، ولا للميراث ولا للتقاضي، ولا للحرب والسلم، ولا لمعاقبة الزناة واللصوص وقطاع الطريق؟ إن ذلك لزعم جريء!

[7] كنا نحب لو أن الكاتب قد ذكر آيات بعينها تتحدث عن النساء بطريقة مهينة، بدلاً من هذا التعميم الخطر.

[8] كان ينبغي على ذلك المستشرق - بدلاً من الشقشقة التي لا تجدي فتيلاً في تغيير الحقائق الصلبة - أن يورد من القرآن ما يزعم أنه يسيء إلى المرأة، ويورد من الكتاب المقدس وآراء آباء الكنيسة في المرأة ما يملأ هو الصفحات ادعاءً بأنه يرفعها إلى أعلى عليين، ويقارن بين هذا وذاك، ولكنه لم يفعل.

ولكي ندرك مدى جرأته، أذكر بما مر من اتهامه للرسول - عليه الصلاة والسلام - بأنه أخطأ فهم الثالوث النصراني؛ إذ ظن أن النصارى يعبدون ثلاثة آلهة.

إننا سنكون سعداء لو أن النصارى أعلنوا بصريح العبارة أنهم لا يعبدون عيسي - عليه السلام - ولا الروح القدس!

[9] الكلام النظري شيء، والواقع شيء آخر.

إن الشعر العربي الجاهلي مكتظ بالافتخار: بشرب الخمر، وفقدان العقل والمال والحياء بسببها.

ولقد عشنا في أوربا سنين فلم نجد من الجو أي دافع على شرب الخمر.

كل الحكاية أن المستشرق لا يريد أن يعترف للنبي بهذا الفضل الذي لم يستطع مصلح آخر في العالم أن يحرزه.

[10] هل من حق من يقول هذا، أن يدعي أنه قادر على دراسة الإسلام، والحكم عليه وعلى نبيه العظيم - صلى الله عليه وسلم؟ هل الإسلام يخلو حقًا من الكلام في المسائل الغيبية؟

[11] غير عجيب ممن يدعي أن القرآن يحقر المرأة، وأن محمدًا - صلى الله عليه وسلم - إذا كان قد نجح في فطم أتباعه عن الخمر، فإنه لم ينجح في فطمهم عن شهوات الجنس - أن يزعم أن القرآن هو مجرد عاطفة ملتهبة تخنق كل تفكير. آلقرآن الذي أنكر أن يتساوي الذين يعلمون مع الذين لا يعلمون، والذي أمر النبي - عليه السلام - أن يكون دعاؤه: ﴿ رَبِّ زِدْنِي عِلْمًا ﴾ [طه: 114]، والذي كان دائمًا ما يفحم الخصوم بقوله: ﴿ هَلْ عِنْدَكُمْ مِنْ عِلْمٍ فَتُخْرِجُوهُ لَنَا ﴾ [الأنعام: 148]، والذي يقول عن الظن: إنه ﴿ لَا يُغْنِي مِنَ الْحَقِّ شَيْئًا ﴾ [يونس: 36]؟





 حفظ بصيغة PDFنسخة ملائمة للطباعة أرسل إلى صديق تعليقات الزوارأضف تعليقكمتابعة التعليقات
شارك وانشر

مقالات ذات صلة

  • حديث المستشرق الفرنسي Barthelemy عن محمد والقرآن (1)
  • المستشرق Clement Huart وحديثه عن القرآن

مختارات من الشبكة

  • المستشرق الفرنسي فولتير(مقالة - ملفات خاصة)
  • مستشرقون منصفون .. اللورد هدلي والفيلسوف الفرنسي عبدالواحد يحيى(مقالة - موقع د. أنور محمود زناتي)
  • الديون المغربية الخارجية مطلع القرن 20 م وتأثيرها في تغلغل الرأسمال الفرنسي بالمغرب(مقالة - ثقافة ومعرفة)
  • فرنسا: المعهد الفرنسي يدرس تاريخ القرآن(مقالة - المسلمون في العالم)
  • افتتاح أكبر مسجد بإقليم آكيتن الفرنسي(مقالة - المسلمون في العالم)
  • نشيد الثورة الجزائرية الكبرى على الاحتلال الفرنسي(مقالة - حضارة الكلمة)
  • شريعة الإسلام ومقام رسول الله أسمى من إسقاطات الرئيس الفرنسي(مقالة - موقع الشيخ د. خالد بن عبدالرحمن الشايع)
  • الاحتلال الفرنسي لمصر(مقالة - ثقافة ومعرفة)
  • حركة الشيخ رابح بن فضل الله ضد الاستعمار الفرنسي في تشاد(مقالة - ثقافة ومعرفة)
  • مصطلح نقد السرد بين النقدين الفرنسي والعربي (WORD)(كتاب - مكتبة الألوكة)

 



أضف تعليقك:
الاسم  
البريد الإلكتروني (لن يتم عرضه للزوار)
الدولة
عنوان التعليق
نص التعليق

رجاء، اكتب كلمة : تعليق في المربع التالي

مرحباً بالضيف
الألوكة تقترب منك أكثر!
سجل الآن في شبكة الألوكة للتمتع بخدمات مميزة.
*

*

نسيت كلمة المرور؟
 
تعرّف أكثر على مزايا العضوية وتذكر أن جميع خدماتنا المميزة مجانية! سجل الآن.
شارك معنا
في نشر مشاركتك
في نشر الألوكة
سجل بريدك
  • بنر
  • بنر
كُتَّاب الألوكة
  • مدينة روكفورد تحتضن يوما للمسجد المفتوح لنشر المعرفة الإسلامية
  • يوم مفتوح للمسجد يعرف سكان هارتلبول بالإسلام والمسلمين
  • بمشاركة 75 متسابقة.. اختتام الدورة السادسة لمسابقة القرآن في يوتازينسكي
  • مسجد يطلق مبادرة تنظيف شهرية بمدينة برادفورد
  • الدورة الخامسة من برنامج "القيادة الشبابية" لتأهيل مستقبل الغد في البوسنة
  • "نور العلم" تجمع شباب تتارستان في مسابقة للمعرفة الإسلامية
  • أكثر من 60 مسجدا يشاركون في حملة خيرية وإنسانية في مقاطعة يوركشاير
  • مؤتمرا طبيا إسلاميا بارزا يرسخ رسالة الإيمان والعطاء في أستراليا

  • بنر
  • بنر

تابعونا على
 
حقوق النشر محفوظة © 1446هـ / 2025م لموقع الألوكة
آخر تحديث للشبكة بتاريخ : 15/11/1446هـ - الساعة: 15:5
أضف محرك بحث الألوكة إلى متصفح الويب