• الصفحة الرئيسيةخريطة الموقعRSS
  • الصفحة الرئيسية
  • سجل الزوار
  • وثيقة الموقع
  • اتصل بنا
English Alukah شبكة الألوكة شبكة إسلامية وفكرية وثقافية شاملة تحت إشراف الدكتور سعد بن عبد الله الحميد
الدكتور سعد بن عبد الله الحميد  إشراف  الدكتور خالد بن عبد الرحمن الجريسي
  • الصفحة الرئيسية
  • موقع آفاق الشريعة
  • موقع ثقافة ومعرفة
  • موقع مجتمع وإصلاح
  • موقع حضارة الكلمة
  • موقع الاستشارات
  • موقع المسلمون في العالم
  • موقع المواقع الشخصية
  • موقع مكتبة الألوكة
  • موقع المكتبة الناطقة
  • موقع الإصدارات والمسابقات
  • موقع المترجمات
 كل الأقسام | مقالات شرعية   دراسات شرعية   نوازل وشبهات   منبر الجمعة   روافد   من ثمرات المواقع  
اضغط على زر آخر الإضافات لغلق أو فتح النافذة اضغط على زر آخر الإضافات لغلق أو فتح النافذة
  •  
    تعظيم النصوص الشرعية (خطبة)
    د. أيمن منصور أيوب علي بيفاري
  •  
    العجز والكسل: معناهما، وحكمهما، وأسبابهما، ...
    الشيخ عبدالرحمن بن سعد الشثري
  •  
    خطبة: تأملات في بشرى ثلاث تمرات - (باللغة ...
    حسام بن عبدالعزيز الجبرين
  •  
    أمهات المؤمنين رضي الله عنهن (10) أم سلمة رضي ...
    الشيخ د. إبراهيم بن محمد الحقيل
  •  
    تفسير قوله تعالى: ﴿إنما ذلكم الشيطان يخوف ...
    سعيد مصطفى دياب
  •  
    فن التعامل مع الآخرين
    يمان سلامة
  •  
    تفسير: (ولو ترى إذ فزعوا فلا فوت وأخذوا من مكان ...
    تفسير القرآن الكريم
  •  
    من أخطاء المصلين (5)
    تركي بن إبراهيم الخنيزان
  •  
    رد القرض عند تغير قيمة النقود (PDF)
    د. عمر بن محمد عمر عبدالرحمن
  •  
    هل أنت راض حقا؟
    سمر سمير
  •  
    حين يرقى الإنسان بحلمه (خطبة)
    عبدالله بن إبراهيم الحضريتي
  •  
    خطى المساجد (خطبة)
    د. محمد بن عبدالله بن إبراهيم السحيم
  •  
    فوائد من حديث: أتعجبين يا ابنة أخي؟
    محفوظ أحمد السلهتي
  •  
    مع سورة المعارج
    د. خالد النجار
  •  
    وقفات مع اسم الله السميع (خطبة)
    رمضان صالح العجرمي
  •  
    من مائدة الحديث: التحذير من الظلم
    عبدالرحمن عبدالله الشريف
شبكة الألوكة / ملفات خاصة / رمضان / خطب رمضان والصيام
علامة باركود

الإنفاق في رمضان (خطبة)

الإنفاق في رمضان (خطبة)
الشيخ عبدالله بن محمد البصري

مقالات متعلقة

تاريخ الإضافة: 14/3/2025 ميلادي - 15/9/1446 هجري

الزيارات: 10038

 حفظ بصيغة PDFنسخة ملائمة للطباعة أرسل إلى صديق تعليقات الزوارأضف تعليقكمتابعة التعليقات
النص الكامل  تكبير الخط الحجم الأصلي تصغير الخط
شارك وانشر

الإنفاق في رمضان

 

أَمَّا بَعدُ، فَأُوصِيكُم أَيُّهَا النَّاسُ وَنَفسِي بِتَقوَى اللهِ ﴿ يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَكُونُوا مَعَ الصَّادِقِينَ ﴾ [التوبة: 119].

 

أَيُّهَا المُسلِمُونَ، في رَمَضَانَ وَهُوَ شَهرُ الخَيرِ، تَنبَعِثُ نُفُوسُ المُسلِمِينَ إِلى الخَيرِ، فَتَمتَدُّ أَيدِيهِم بِالبَذلِ وَيُنَوِّعُونَ العَطَاءَ، وَيَتَسَابَقُونَ إِلى الإِنفَاقِ مِمَّا آتَاهُمُ اللهُ، سَوَاءٌ فِيمَا كَانَ وَاجِبًا كَالنَّفَقَاتِ وَالزَّكَوَاتِ، أَو مَا كَانَ مُستَحَبًّا مِثلَ كَفَالَةِ اليَتَامَى وَالأَرَامِلِ وَقَضَاءِ الحَاجَاتِ وَتَفرِيجِ الكُرُبَاتِ، وَالتَّبَرُّعِ لِمُؤَسَّسَاتِ البِرِّ وَالإِغَاثَةِ وَنَحوِ ذَلِكَ.

 

وَلا شَكَّ أَنَّ كُلَّ ذَلِكَ إِنَّمَا هُوَ عَن تَصَوُّرٍ تَامٍّ لِمَا وَرَاءَهُ مِن ثَمَرَاتٍ، وَاحتِسَابٍ لِمَا جَعَلَهُ اللهُ لِلمُنفِقِينَ مِن عَطَاءٍ كَبِيرٍ وَجَوَائِزَ مُتَعَدِّدَةٍ، أَعظَمُهَا دُخُولُ الجَنَّةِ وَالوِقَايَةُ مِنَ النَّارِ، وَتَكفِيرُ الخَطَايَا وَالسَّيِّئَاتِ، وَمُضَاعَفَةُ الأُجُورِ وَتَكثِيرُ الحَسَنَاتِ، بَل وَاستِمرَارُ الأَجرِ وَعَدَمُ انقِطَاعِهِ، كَمَا في الأَوقَافِ وَالصَّدَقَاتِ الجَارِيَةِ، قَالَ تَعَالى: ﴿ وَسَارِعُوا إِلَى مَغْفِرَةٍ مِنْ رَبِّكُمْ وَجَنَّةٍ عَرْضُهَا السَّمَاوَاتُ وَالْأَرْضُ أُعِدَّتْ لِلْمُتَّقِينَ * الَّذِينَ يُنْفِقُونَ فِي السَّرَّاءِ وَالضَّرَّاءِ وَالْكَاظِمِينَ الْغَيْظَ وَالْعَافِينَ عَنِ النَّاسِ وَاللَّهُ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ ﴾ [آل عمران: 133-134]، وَقَالَ تَعَالى: ﴿ مَثَلُ الَّذِينَ يُنْفِقُونَ أَمْوَالَهُمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ كَمَثَلِ حَبَّةٍ أَنْبَتَتْ سَبْعَ سَنَابِلَ فِي كُلِّ سُنْبُلَةٍ مِائَةُ حَبَّةٍ وَاللَّهُ يُضَاعِفُ لِمَنْ يَشَاءُ وَاللَّهُ وَاسِعٌ عَلِيمٌ ﴾ [البقرة: 261]، وَقَالَ جَلَّ وَعَلا: ﴿ إِنَّ الْمُصَّدِّقِينَ وَالْمُصَّدِّقَاتِ وَأَقْرَضُوا اللَّهَ قَرْضًا حَسَنًا يُضَاعَفُ لَهُمْ وَلَهُمْ أَجْرٌ كَرِيمٌ ﴾ [الحديد: 18]، وَقَالَ سُبحَانَهُ: ﴿ وَأَقِيمُوا الصَّلَاةَ وَآتُوا الزَّكَاةَ وَأَقْرِضُوا اللَّهَ قَرْضًا حَسَنًا وَمَا تُقَدِّمُوا لِأَنْفُسِكُمْ مِنْ خَيْرٍ تَجِدُوهُ عِنْدَ اللَّهِ هُوَ خَيْرًا وَأَعْظَمَ أَجْرًا ﴾ [المزمل: 20]، وَفي الصَّحِيحَينِ أَنَّهُ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ قَالَ: « اِتَّقُوا النَّارَ وَلَو بِشِقِّ تَمرَةٍ »، وَلَمَّا أَرَادَ عَلَيهِ الصَّلاةُ وَالسَّلامُ دِلالَةَ النِّسَاءِ عَلَى سَبِيلِ النَّجَاةِ مِنَ النَّارِ قَالَ: « يَا مَعشَرَ النِّسَاءِ تَصَدَّقنَ وَأَكثِرنَ الاستِغفَارَ؛ فَإِنِّي رَأَيتُكُنَّ أَكثَرَ أَهلِ النَّارِ... »، الحَدِيثَ أَخرَجَهُ مُسلِمٌ. وَفي الحَدِيثِ: « كُلُّ امرِئٍ في ظِلِّ صَدَقَتِهِ حَتَّى يُقضَى بَينَ النَّاسِ »؛ رَوَاهُ الإِمَامُ أَحمَدُ وَصَحَّحَهُ الأَلبَانيُّ. وَقَالَ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ: « مَن تَصَدَّقَ بِعَدلِ تَمرَةٍ مِن كَسبٍ طَيِّبٍ وَلا يَقبَلُ اللهُ إِلاَّ الطَّيِّبَ، فَإِنَّ اللهَ يَتَقَبَّلُهَا بِيَمِينِهِ ثُمَّ يُرَبِّيهَا لِصَاحِبِهَا كَمَا يُرَبِّي أَحَدُكُم فَلُوَّهُ حَتَّى تَكُونَ مِثلَ الجَبَل »؛ مُتَّفَقٌ عَلَيهِ. وَقَالَ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ: « إِذَا مَاتَ الإِنسَانُ انقَطَعَ عَمَلُهُ إِلاَّ مِن ثَلاثٍ: صَدَقَةٍ جَارِيَةٍ، أَو عِلمٍ يُنتَفَعُ بِهِ، أَو وَلَدٍ صَالِحٍ يَدعُو لَهُ»؛ رَوَاهُ مُسلِمٌ.

 

إِنَّ العَطَاءَ مِن أَحَبِّ الأَعمَالِ إِلى اللهِ، وَهَل يَزهَدُ مُسلِمٌ في عَمَلٍ يُحِبُّهُ رَبُّهُ؟! لا وَاللهِ لا يَكُونُ ذَلِكَ مِن مُسلِمٍ يَطلُبُ رِضَا رَبِّهِ، كَيفَ إِذَا كَانَ عَطَاؤُهُ هُوَ حَظَّهُ مِن مَالِهِ عَلَى الحَقِيقَةِ، وَمَا عَدَاهُ فَهُوَ ذَاهِبٌ وَتَارِكُهُ، قَالَ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ: « أَحَبُّ النَّاسِ إِلى اللهِ أَنفَعُهُم، وَأَحَبُّ الأَعمَالِ إِلى اللهِ عَزَّ وَجَلَّ سُرُورٌ تُدخِلُهُ عَلَى مُسلِمٍ، أَو تَكشِفُ عَنهُ كُربَةً أَو تَقضِي عَنهُ دَينًا أَو تَطرُدُ عَنهُ جُوعًا »؛ رَوَاهُ ابنُ أَبي الدُّنيَا وَحَسَّنَهُ الأَلبَانيُّ. وَعَن عَبدِاللهِ بنِ مَسعُودٍ رَضِيَ اللهُ عَنهُ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ: « أَيُّكُم مَالُ وَارِثِهِ أَحَبُّ إِلَيهِ مِن مَالِهِ؟ »، قَالُوا: يَا رَسُولَ اللهِ، مَا مِنَّا أَحَدٌ إِلاَّ مَالُهُ أَحَبُّ إِلَيهِ مِن مَالِ وَارِثِهِ. قَالَ: « فَإِنَّ مَالَهُ مَا قَدَّمَ، وَمَالَ وَارِثِهِ مَا أَخَّرَ »؛ رَوَاهُ البُخَارِيُّ. وَإِذَا كَانَ النَّاسُ يَغبِطُونَ أَصحَابَ الأَموَالِ، فَإِنَّ الغِبطَةَ الحَقِيقِيَّةَ لا تَكُونُ إِلاَّ لِمَن وَفَّقَهُ اللهُ فَبَذَلَ مَالَهُ في وُجُوهِ الحَقِّ، فَصَارَ ذَلِكَ دَلِيلًا عَلَى حُسنِ إِسلامِهِ وَقُوَّةِ إِيمَانِهِ وَيَقِينِهِ، قَالَ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ: « لا حَسَدَ إِلاَّ عَلَى اثنَينِ: رَجُلٌ آتَاهُ اللهُ القُرآنَ فَهُوَ يَقُومُ بِهِ آنَاءَ اللَّيلِ وَآنَاءَ النَّهَارِ، وَرَجُلٌ آتَاهُ اللهُ مَالًا فَهُوَ يُنفِقُ مِنهُ آنَاءَ اللَّيلِ وَآنَاءَ النَّهَارِ »؛ مُتَّفَقُ عَلَيهِ. وَعَن عَبدِاللهِ بنِ عَمرٍو رَضِيَ اللهُ عَنهُ أَنَّ رَجُلًا سَأَلَ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ: أَيُّ الإِسلامِ خَيرٌ؟ قَالَ: « تُطعِمُ الطَّعَامَ وَتَقرَأُ السَّلامَ عَلَى مَن عَرَفتَ وَمَن لم تَعرَفْ»؛ مُتَّفَقٌ عَلَيهِ. وَقَالَ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ: «وَالصَّدَقَةُ بُرهَانٌ »؛ رَوَاهُ مُسلِمٌ.

 

وَإِنَّهُ وَإِن كَانَ أَجَلُّ ثَمَرَاتِ العَطَاءِ هُوَ الفَوزَ في الآخِرَةِ وَأَكرِمْ بِهِ مِن فَوزٍ! فَإِنَّ لَهُ مَعَ ذَلِكَ ثَمَرَاتٍ في الدُّنيَا، مِنهَا انشِرَاحُ الصَّدرِ وَطِيبُ النَّفسِ، وَاتِّسَاعُ الخَاطِرِ وَحُصُولُ السُّرُورِ، وَحُلُولُ البَرَكَةِ في المَالِ وَزِيَادَتُهُ وَنَمَاؤُهُ، وَالإِخلافُ عَلَى المُنفِقِ بِخَيرٍ مِمَّا أَنفَقَ، قَالَ جَلَّ وَعَلا: ﴿ فَأَمَّا مَنْ أَعْطَى وَاتَّقَى * وَصَدَّقَ بِالْحُسْنَى * فَسَنُيَسِّرُهُ لِلْيُسْرَى ﴾ [الليل: 5-7]، وَقَالَ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ: « مَثَلُ البَخِيلِ وَالمُتَصَدِّقُ كَمَثَلِ رَجُلَينِ عَلَيهِمَا جُبَّتَانِ مِن حَدِيدٍ مِن ثُدُيِّهِمَا إِلى تَرَاقِيهِمَا، فَأَمَّا المُنفِقُ فَلا يُنفِقُ شَيئًا إِلاَّ سَبَغَت عَلَى جِلدِهِ حَتَّى تُخفِيَ بَنَانَهُ وَتَعفُوَ أَثَرَهُ، وَأَمَّا البَخِيلُ فَلا يُرِيدُ أَن يُنفِقَ شَيئًا إِلاَّ لَزِقَت كُلُّ حَلقَةٍ مَكَانَهَا فَهُوَ يُوَسِّعُهَا فَلا تَتَّسِعُ »؛ مُتَّفَقٌ عَلَيهِ. وَقَالَ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ: « مَا مِن يَومٍ يُصبِحُ العِبَادُ فِيهِ إِلاَّ مَلَكَانِ يَنزِلانِ، فَيَقُولُ أَحَدُهُمَا: اللَّهُمَّ أَعطِ مُنفِقًا خَلَفًا، وَيَقُولُ الآخَرُ: اللَّهُمَّ أَعطِ مُمسِكًا تَلَفًا »؛ مُتَّفَقٌ عَلَيهِ. وَقَالَ عَلَيهِ الصَّلاةُ وَالسَّلامُ: « مَا نَقَصَت صَدَقَةٌ مِن مَالٍ شَيئًا »؛ رَوَاهُ مُسلِمٌ.

 

وَالإِنفَاقُ أَيُّهَا المُسلِمُونَ طُهرَةٌ لِلمُنفِقِ وَتَزكِيَةٌ لِقَلبِهِ، وَتَنمِيَةٌ لِمَالِهِ وَسَلامَةٌ لَهُ مِنَ الآفَاتِ، قَالَ سُبحَانَهُ: ﴿ خُذْ مِنْ أَمْوَالِهِمْ صَدَقَةً تُطَهِّرُهُمْ وَتُزَكِّيهِمْ بِهَا ﴾ [التوبة: 103]، وَقَالَ عَلَيهِ الصَّلاةُ وَالسَّلامُ: « يَا مَعشَرَ التُّجَّارِ، إِنَّ البَيعَ يَحضُرُهُ اللَّغوُ وَالحَلِفُ، فَشُوبُوهُ بِالصَّدَقَةِ »؛ رَوَاهُ أَبُودَاوُدَ وَالتِّرمِذِيُّ وَالنَّسَائيُّ وَابنُ مَاجَه وَصَحَّحَهُ الأَلبَانيُّ.

 

أَلا فَلْنَتَّقِ اللهَ أَيُّهَا المُسلِمُونَ، وَلْنُنفِقْ مِمَّا آتَانَا اللهُ، فَإِنَّ هَذِهِ الأَموَالَ فِتنَةٌ لَنَا وَاختِبَارٌ، قَالَ سُبحَانَهُ: ﴿ إِنَّمَا أَمْوَالُكُمْ وَأَوْلَادُكُمْ فِتْنَةٌ وَاللَّهُ عِنْدَهُ أَجْرٌ عَظِيمٌ * فَاتَّقُوا اللَّهَ مَا اسْتَطَعْتُمْ وَاسْمَعُوا وَأَطِيعُوا وَأَنْفِقُوا خَيْرًا لِأَنْفُسِكُمْ وَمَنْ يُوقَ شُحَّ نَفْسِهِ فَأُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ * إِنْ تُقْرِضُوا اللَّهَ قَرْضًا حَسَنًا يُضَاعِفْهُ لَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ وَاللَّهُ شَكُورٌ حَلِيمٌ * عَالِمُ الْغَيْبِ وَالشَّهَادَةِ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ ﴾ [التغابن: 15-18].

 

الخطبة الثانية

أَمَّا بَعدُ: فَاتَّقوا اللهَ تَعَالى حَقَّ التَّقوَى، ﴿ وَمَنْ يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَلْ لَهُ مَخْرَجًا * وَيَرْزُقْهُ مِنْ حَيْثُ لَا يَحْتَسِبُ وَمَنْ يَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ فَهُوَ حَسْبُهُ إِنَّ اللَّهَ بَالِغُ أَمْرِهِ قَدْ جَعَلَ اللَّهُ لِكُلِّ شَيْءٍ قَدْرًا ﴾ [الطلاق: 2-3].

 

أَيُّهَا المُسلِمُونَ؛ إِنَّ لِلإِنفَاقِ آدَابًا يَجِبُ أَن يَكُونَ المُسلِمُ مِنهَا عَلَى ذِكرٍ، لِتَقَعَ عَطِيَّتُهُ في مَكَانِهَا، وَلِيَنَالَ أَجرَهُ عِندَ رَبِّهِ كَامِلًا غَيرَ مَنقُوصٍ، وَأَهَمُّ مَا هُنَالِكَ وَأَعظَمُهُ الإِخلاصُ للهِ، وَالتَّقَرُّبُ إِلَيهِ وَابتِغَاءُ وَجهَهُ، دُونَ أَن يَشُوبَ العَطَاءَ شَائِبَةٌ رِيَاءٍ أَو سُمعَةٍ، وَقَد وَصَفَ اللهُ تَعَالى الأَبرَارَ بِأَنَّهُم يَقُولُونَ: ﴿ إِنَّمَا نُطْعِمُكُمْ لِوَجْهِ اللَّهِ لَا نُرِيدُ مِنْكُمْ جَزَاءً وَلَا شُكُورًا ﴾ [الإنسان: 9]، وَقَالَ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ: « إِنَّمَا الأَعمَالُ بِالنِّيَاتِ، وَإِنَّمَا لِكُلِّ امرِئٍ مَا نَوَى »؛ أَخرَجَهُ البُخَارِيُّ وَمُسلِمٌ. وَأَمَّا مَن أَنفَقَ رِيَاءً أَو سُمعَةً، فَلَيسَ لَهُ مِن عَطَائِهِ إِلاَّ مَا سَمِعَهُ مِن ثَنَاءِ النَّاسِ في الدُّنيَا، ثم لَيسَ لَهُ بَعدَ ذَلِكَ في الآخِرَةِ حَظٌّ وَلا نَصِيبٌ، وَفي صَحِيحِ مُسلِمٍ ذَكَرَ عَلَيهِ الصَّلاةُ وَالسَّلامُ ثَلاثَةً مِن أَوَّلِ النَّاسِ يُقضَى عَلَيهِم يَومَ القِيَامَةِ، ومنهم: رَجُلٌ وَسَّعَ اللهُ عَلَيهِ وَأَعطَاهُ مِن أَصنَافِ المَالِ كُلِّهِ، فَأُتِيَ بِهِ فَعَرَّفَهُ نِعَمَهُ فَعَرَفَهَا، قَالَ: فَمَا عَمِلْتَ فِيهَا؟ قَالَ: مَا تَرَكْتُ مِن سَبِيلٍ تُحِبُّ أَن يُنْفَقَ فِيهَا إِلاَّ أَنفَقْتُ فِيهَا لَكَ. قَالَ: كَذَبْتَ، وَلَكِنَّكَ فَعَلْتَ لِيُقَالَ هُوَ جَوَادٌ فَقَدْ قِيلَ، ثُمَّ أُمِرَ بِهِ فَسُحِبَ عَلَى وَجهِهِ ثُمَّ أُلْقِيَ في النَّارِ.

 

وَمِن آدَابِ الإِنفَاقِ عَدَمُ المَنِّ وَالأَذَى، وَالابتِعَادُ عَن كُلِّ مَا يَخدِشُ كَرَامَةَ المُعطَى أَو يَجرَحُهُ، أَو يُشعِرُهُ بِالصَّغَارِ وَالهَوَانِ، قَالَ تَعَالى: ﴿ قَوْلٌ مَعْرُوفٌ وَمَغْفِرَةٌ خَيْرٌ مِنْ صَدَقَةٍ يَتْبَعُهَا أَذًى وَاللَّهُ غَنِيٌّ حَلِيمٌ * يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تُبْطِلُوا صَدَقَاتِكُمْ بِالْمَنِّ وَالْأَذَى كَالَّذِي يُنْفِقُ مَالَهُ رِئَاءَ النَّاسِ وَلَا يُؤْمِنُ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ فَمَثَلُهُ كَمَثَلِ صَفْوَانٍ عَلَيْهِ تُرَابٌ فَأَصَابَهُ وَابِلٌ فَتَرَكَهُ صَلْدًا لَا يَقْدِرُونَ عَلَى شَيْءٍ مِمَّا كَسَبُوا وَاللَّهُ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الْكَافِرِينَ ﴾ [البقرة: 263-264]، وَقَالَ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ: « ثَلاثَةٌ لا يُكَلِّمُهُمُ اللهُ يَومَ القِيَامَةِ وَلا يَنظُرُ إِلَيهِم وَلا يُزَكِّيهِم وَلَهُم عَذَابٌ أَلِيمٌ: المُسبِلُ، وَالمَنَّانُ، وَالمُنَفِّقُ سِلعَتَهُ بِالحَلِفِ الكَاذِبِ »؛ رَوَاهُ مُسلِمٌ. وَمِن آدَابِ الإِنفَاقِ أَن يَكُونَ مِن مَالٍ طَيِّبٍ حَلالٍ غَالٍ عِندَ صَاحِبِهِ؛ وَلا يَكُونَ بِأَردَأِ المَالِ وَأَقَلِّهِ قَدرًا عِندَ صَاحِبِهِ، فَاللهُ طَيِّبٌ لا يَقبَلُ إِلاَّ طَيِّبًا، وَقَد قَالَ تَعَالى: ﴿ لَنْ تَنَالُوا الْبِرَّ حَتَّى تُنْفِقُوا مِمَّا تُحِبُّونَ ﴾ [آل عمران: 92]، وَمِن آدَابِ الإِنفَاقِ الاعتِدَالُ فِيهِ، فَلا يُبَذِّرُ وَيُسرِفُ، وَلا يُقَتِّرُ وَيَشِحُّ، قَالَ تَعَالى مَادِحًا عِبَادَ الرَّحمَنِ: ﴿ وَالَّذِينَ إِذَا أَنْفَقُوا لَمْ يُسْرِفُوا وَلَمْ يَقْتُرُوا وَكَانَ بَيْنَ ذَلِكَ قَوَامًا ﴾ [الفرقان: 67]، وَمِن آدَابِ الإِنفَاقِ أَن يُنفِقَ في حَالِ صِحَّتِهِ وَسَلامَتِهِ وَمَحَبَّتِهِ المَالَ، لا أَن يُؤَخِّرَهُ إِلى حَالِ يَأسِهِ منه، فَقَد سُئِلَ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ: أَيُّ الصَّدَقَةِ أَعظَمُ أَجرًا؟ قَالَ: « أَن تَصَدَّقَ وَأَنتَ صَحِيحٌ شَحِيحٌ تَخشَى الفَقرَ وَتَأمُلُ الغِنَى، وَلاَ تُمْهِلَ حَتَّى إِذَا بَلَغَتِ الحُلقُومَ قُلتَ لِفُلانٍ كَذَا وَلِفُلاَنٍ كَذَا، وَقَد كَانَ لِفُلاَنٍ »؛ رَوَاهُ البُخَارِيُّ وَمُسلِمٌ.

 

أَلا فَلْنَتَّقِ اللهَ، وَلْنَغتَنِمْ شَهرَنَا لِلإِنفَاقِ في سُبُلِ الخَيرِ وَمَجَالاتِهِ، فِيمَا يَنفَعُ إِخوَانَنَا وَيَقضِي حَاجَاتِهِم وَيٌفَرِّجُ كُرُبَاتِهِم. وَلْنَعلَمْ أَنَّ هَذِهِ الأَموَالَ عَارِيَّةٌ في أَيدِينَا، وَالمُوَفَّقُ مَن سَخَّرَهَا فِيمَا يَنفَعُهُ وَيَنفَعُ أُمَّتَهُ وَمُجتَمَعَهُ. وَمَن أَرَادَ أَن يُحسِنَ اللهُ إِلَيهِ فَلْيُحسِنْ إِلى عِبَادِ اللهِ؛ فَقَد قَالَ تَعَالى: ﴿ هَلْ جَزَاءُ الْإِحْسَانِ إِلَّا الْإِحْسَانُ ﴾ [الرحمن: 60].





 حفظ بصيغة PDFنسخة ملائمة للطباعة أرسل إلى صديق تعليقات الزوارأضف تعليقكمتابعة التعليقات
شارك وانشر

مقالات ذات صلة

  • تعليم الأبناء الإنفاق في رمضان
  • لذة العبادة في رمضان (خطبة)
  • وليس أخو علم كمن هو جاهل (خطبة)
  • لا خير فيمن لا يألف ولا يؤلف (خطبة)

مختارات من الشبكة

  • منزلة الإنفاق في سبيل الله استجلابا لهداه(مقالة - موقع أ. د. فؤاد محمد موسى)
  • أعمال العشر الأواخر من رمضان وأسرار الاعتكاف (خطبة)(مقالة - موقع الشيخ عبدالرحمن بن سعد الشثري)
  • آداب حملة القرآن الكريم في رمضان وغيره (خطبة)(مقالة - موقع الشيخ عبدالرحمن بن سعد الشثري)
  • جسور بين الأفكار.. أم أنفاق للاختراق(مقالة - ثقافة ومعرفة)
  • التسبيح فرصة للحصول على ثواب الصدقات بدون إنفاق(مقالة - آفاق الشريعة)
  • ذكر الله خير من إنفاق الذهب والفضة(مقالة - آفاق الشريعة)
  • موت الفجأة (خطبة)(مقالة - آفاق الشريعة)
  • تعظيم النصوص الشرعية (خطبة)(مقالة - آفاق الشريعة)
  • العجز والكسل: معناهما، وحكمهما، وأسبابهما، وعلاجهما (خطبة)(مقالة - موقع الشيخ عبدالرحمن بن سعد الشثري)
  • خطبة: تأملات في بشرى ثلاث تمرات - (باللغة الإندونيسية)(مقالة - آفاق الشريعة)

 



أضف تعليقك:
الاسم  
البريد الإلكتروني (لن يتم عرضه للزوار)
الدولة
عنوان التعليق
نص التعليق

رجاء، اكتب كلمة : تعليق في المربع التالي

مرحباً بالضيف
الألوكة تقترب منك أكثر!
سجل الآن في شبكة الألوكة للتمتع بخدمات مميزة.
*

*

نسيت كلمة المرور؟
 
تعرّف أكثر على مزايا العضوية وتذكر أن جميع خدماتنا المميزة مجانية! سجل الآن.
شارك معنا
في نشر مشاركتك
في نشر الألوكة
سجل بريدك
  • بنر
  • بنر
كُتَّاب الألوكة
  • ولاية بارانا تشهد افتتاح مسجد كاسكافيل الجديد في البرازيل
  • الشباب المسلم والذكاء الاصطناعي محور المؤتمر الدولي الـ38 لمسلمي أمريكا اللاتينية
  • مدينة كارجلي تحتفل بافتتاح أحد أكبر مساجد البلقان
  • متطوعو أورورا المسلمون يتحركون لدعم مئات الأسر عبر مبادرة غذائية خيرية
  • قازان تحتضن أكبر مسابقة دولية للعلوم الإسلامية واللغة العربية في روسيا
  • 215 عاما من التاريخ.. مسجد غمباري النيجيري يعود للحياة بعد ترميم شامل
  • اثنا عشر فريقا يتنافسون في مسابقة القرآن بتتارستان للعام السادس تواليا
  • برنامج تدريبي للأئمة المسلمين في مدينة كارجلي

  • بنر
  • بنر

تابعونا على
 
حقوق النشر محفوظة © 1447هـ / 2025م لموقع الألوكة
آخر تحديث للشبكة بتاريخ : 5/6/1447هـ - الساعة: 17:23
أضف محرك بحث الألوكة إلى متصفح الويب