• الصفحة الرئيسيةخريطة الموقعRSS
  • الصفحة الرئيسية
  • سجل الزوار
  • وثيقة الموقع
  • اتصل بنا
English Alukah شبكة الألوكة شبكة إسلامية وفكرية وثقافية شاملة تحت إشراف الدكتور سعد بن عبد الله الحميد
الدكتور سعد بن عبد الله الحميد  إشراف  الدكتور خالد بن عبد الرحمن الجريسي
  • الصفحة الرئيسية
  • موقع آفاق الشريعة
  • موقع ثقافة ومعرفة
  • موقع مجتمع وإصلاح
  • موقع حضارة الكلمة
  • موقع الاستشارات
  • موقع المسلمون في العالم
  • موقع المواقع الشخصية
  • موقع مكتبة الألوكة
  • موقع المكتبة الناطقة
  • موقع الإصدارات والمسابقات
  • موقع المترجمات
 كل الأقسام | مقالات شرعية   دراسات شرعية   نوازل وشبهات   منبر الجمعة   روافد   من ثمرات المواقع  
اضغط على زر آخر الإضافات لغلق أو فتح النافذة اضغط على زر آخر الإضافات لغلق أو فتح النافذة
  •  
    العرف الشذي من عفو الحبيب النبي صلى الله عليه
    السيد مراد سلامة
  •  
    ترجمة الحجاج بن أرطأة وحكم روايته
    عبد السلام عبده المعبأ
  •  
    تخريج حديث: إذا رأيتني على مثل هذه الحالة فلا ...
    الشيخ محمد طه شعبان
  •  
    جسر البركة الخفي (خطبة)
    الشيخ إسماعيل بن عبدالرحمن الرسيني
  •  
    أهمية التطعيمات الموسمية (خطبة)
    الشيخ محمد بن إبراهيم السبر
  •  
    من أقوال أهل العلم في الاحتفال بالأعياد
    فهد بن عبدالعزيز عبدالله الشويرخ
  •  
    الحديث الثالث عشر: تحريم الخيلاء
    الدكتور أبو الحسن علي بن محمد المطري
  •  
    وجاءكم النذير (خطبة)
    الشيخ عبدالله بن محمد البصري
  •  
    التعبد بترك الحرام واستبشاعه (خطبة) – باللغة ...
    حسام بن عبدالعزيز الجبرين
  •  
    بستان الخطيب - الجزء التاسع (PDF)
    د. أمير بن محمد المدري
  •  
    بحث حول حقيقة تكافئ الأجر والثواب لتكاليف الرجال ...
    محمد عادل حسن
  •  
    الإنسان والكون بين مشهد جلال التوحيد وجمال
    عامر الخميسي
  •  
    حديث في العدة والإحداد
    الشيخ عبدالقادر شيبة الحمد
  •  
    مظاهر الأدب مع رسول الله (خطبة)
    أبو سلمان راجح الحنق
  •  
    مسألة: العلج
    عبدالرحمن بن يوسف اللحيدان
  •  
    خطبة: البشرى للمؤمنين
    د. أيمن منصور أيوب علي بيفاري
شبكة الألوكة / آفاق الشريعة / منبر الجمعة / الخطب / الرقائق والأخلاق والآداب
علامة باركود

إنما الغنى غنى القلب

الشيخ عبدالله بن محمد البصري

مقالات متعلقة

تاريخ الإضافة: 13/7/2011 ميلادي - 12/8/1432 هجري

الزيارات: 46602

 حفظ بصيغة PDFنسخة ملائمة للطباعة أرسل إلى صديق تعليقات الزوارأضف تعليقكمتابعة التعليقات
النص الكامل  تكبير الخط الحجم الأصلي تصغير الخط
شارك وانشر

إنما الغنى غنى القلب

 

أَمَّا بَعدُ، فَأُوصِيكُم أَيُّهَا النَّاسُ وَنَفسِي بِتَقوَى اللهِ عَزَّ وَجَلَّ ﴿ وَلَقَدْ وَصَّيْنَا الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ مِنْ قَبْلِكُمْ وَإِيَّاكُمْ أَنِ اتَّقُوا اللَّهَ وَإِنْ تَكْفُرُوا فَإِنَّ لِلَّهِ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ وَكَانَ اللَّهُ غَنِيًّا حَمِيدًا ﴾ [النساء: 131].

 

أَيُّهَا المُسلِمُونَ، البَيعُ وَالشِّرَاءُ مِمَّا لا تَقُومُ حَيَاةُ النَّاس إِلاَّ بِهِ، فَهَذَا يَحتَاجُ سِلعَةً وَذَاكَ يُضطَرُّ لأُخرَى، وَمَا لا تَقُومُ لَهُ هِمَّةُ امرِئٍ وَلا يَرفَعُ بِهِ رَأسًا، فَهُوَ لَدَى آخَرَ أَعَزُّ مَفقُودٍ وَأَثمَنُ مَوجُودٍ، وَقَد أَحَلَّ اللهُ لِعِبَادِهِ البَيعَ نَاجِزًا وَإِلى أَجَلٍ مُسَمًّى، وَسَوَّغَ لَهُمُ الاتِّجَارَ وَالتَّكَسُّبَ وَالمُرَابَحَةَ، وَأَبَاحَ لَهُم مِنَ المُعَامَلاتِ مَا يَعُودُ عَلَيهِم بِالنَّفعِ وَتَقُومُ بِهِ مَصَالِحُهُم، وَحَرَّمَ عَلَيهِم مَا فِيهِ إِضرَارٌ بِأَيٍّ مِنهُم بَائِعًا كَانَ أَو مُشتَرِيًا، قَالَ سُبحَانَهُ: ﴿ وَأَحَلَّ اللَّهُ الْبَيْعَ وَحَرَّمَ الرِّبَا ﴾ [البقرة: 275] وَقَالَ تَعَالى: ﴿ يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا تَدَايَنْتُمْ بِدَيْنٍ إِلَى أَجَلٍ مُسَمًّى فَاكْتُبُوهُ ﴾ [البقرة: 282] وَقَالَ سُبحَانَهُ: ﴿ وَلَا تَأْكُلُوا أَمْوَالَكُمْ بَيْنَكُمْ بِالْبَاطِلِ ﴾ [البقرة: 188] وَقَالَ جَلَّ وَعَلا: ﴿ يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا نُودِيَ لِلصَّلَاةِ مِنْ يَوْمِ الْجُمُعَةِ فَاسْعَوْا إِلَى ذِكْرِ اللَّهِ وَذَرُوا الْبَيْعَ ذَلِكُمْ خَيْرٌ لَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ * فَإِذَا قُضِيَتِ الصَّلَاةُ فَانْتَشِرُوا فِي الْأَرْضِ وَابْتَغُوا مِنْ فَضْلِ اللَّهِ وَاذْكُرُوا اللَّهَ كَثِيرًا لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ ﴾ [الجمعة: 9، 10].


وَقَالَ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ: "مَا أَكَلَ أَحَدٌ طَعَامًا قَطُّ خَيرًا مِن أَن يَأكُلَ مِن عَمَلِ يَدِهِ، وَإِنَّ نَبيَّ اللهِ دَاوُدَ عَلَيهِ الصَّلاةُ وَالسَّلامُ كَانَ يَأكُلُ مِن عَمَلِ يَدِهِ" رَوَاهُ البُخَارِيُّ وَغَيرُهُ. وَقَالَ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ: "لأَن يَأخُذَ أَحَدُكُم أَحبُلَهُ فَيَأتيَ بِحُزمَةٍ مِن حَطَبٍ عَلَى ظَهرِهِ فَيَبِيعَهَا فَيَكُفَّ اللهُ بها وَجهَهُ، خَيرٌ لَهُ مِن أَن يَسأَلَ النَّاسَ أَعطَوهُ أَم مَنَعُوا" رَوَاهُ البُخَارِيُّ. وَقَالَ عَلَيهِ الصَّلاةُ وَالسَّلامُ: "أَطيَبُ الكَسبِ عَمَلُ الرَّجُلِ بِيَدِهِ وَكُلُّ بَيعٍ مَبرُورٍ" رَوَاهُ أَحمَدُ وَغَيرُهُ وَصَحَّحَهُ الأَلبَانيُّ. نَعَم - أَيُّهَا المُسلِمُونَ - لَقَد شَرَعَ اللهُ البَيعَ تَوسِعَةً مِنهُ عَلَى عِبَادِهِ وَرَحمَةً بهم، فَإِنَّ لِكُلٍّ حَيٍّ ضَرُورَاتٍ لا غِنى لَهُ عَنهَا، مِن غِذَاءٍ وَكِسَاءٍ وَدَوَاءٍ وَغَيرِهَا، وَلَهُ حَاجَاتٌ مَرغُوبَةٌ وَمُكَمِّلاتٌ مَحبُوبَةٌ، وَهُوَ لا يَستَطِيعُ وَحدَهُ أَن يُوَفِّرَهَا كُلَّهَا، وَلَيسَ ثَمَّةَ طَرِيقَةٌ أَكمَلَ مِنَ المُبَادَلَةِ، فَيُعطِي مَا عِندَهُ مِمَّا يُمكِنُهُ الاستِغنَاءُ عَنهُ، ويَأخُذُ مِن غَيرِهِ مَا هُوَ في حَاجَةٍ إِلَيهِ. فَالحَمدُ للهِ عَلَى مَا شَرَعَهُ، وَالشُّكرُ لَهُ عَلَى مَا أَذِنَ بِهِ وَأَبَاحَهُ. غَيرَ أَنَّ ثَمَّةَ قَضِيَّةً نَدَبَ إِلَيهَا الشَّارِعُ الحَكِيمُ وَرَغَّبَ فِيهَا، وَكَانَت سِمَةً مِن سِمَاتِ تُجَّارِ المُسلِمِينَ عَلَى مَرِّ عُصُورِهِم وَتَوَالي دُهُورِهِم، عُرِفُوا بها بَينَ القَاصِي وَالدَّاني، وَظَهَرَت في مُعَامَلاتِهِم بِجَلاءٍ، حَتَّى كَانَت سَبَبًا في دُخُولِ كَثِيرٍ مِمَّن عَامَلُوهُم في الإِسلامِ وَتَمَسُّكِهِم بِهِ، تِلكُم هِيَ السَّمَاحَةُ في البَيعِ وَالشِّرَاءِ، مَعَ القَنَاعَةِ بِالقَلِيلِ مِنَ الرِّبحِ، وَهِيَ الصِّفَةُ الَّتي عَزَّت في زَمَانِنَا هَذَا وَقَلَّ المُتَّصِفُونَ بها، وَظَهَرَت في المُجتَمَعِ أَضدَادُهَا مِنَ الجَشَعِ وَالطَّمَعِ وَالحِرصِ وَالنَّهَمِ. قَالَ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ: "رَحِمَ اللهُ رَجُلاً سَمحًا إِذَا بَاعَ وَإِذَا اشتَرَى وَإِذَا اقتَضَى" رَوَاهُ البُخَارِيُّ. وَقَالَ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ: "مَن سَرَّهُ أَن يُنجِيَهُ اللهُ مِن كُرَبِ يَومِ القِيَامَةِ، فَلْيُنَفِّسْ عَن مُعسِرٍ أَو يَضَعْ عَنهُ" رَوَاهُ مُسلِمٌ. وَقَالَ عَلَيهِ الصَّلاةُ وَالسَّلامُ: "كَانَ رَجُلٌ يُدَايِنُ النَّاسَ، وَكَانَ يَقُولُ لِفَتَاهُ: إِذَا أَتَيتَ مُعسِرًا فَتَجَاوَزْ عَنهُ لَعَلَّ اللهَ أَن يَتَجَاوَزَ عَنَّا، فَلَقِيَ اللهَ فَتَجَاوَزَ عَنهُ" مُتَّفَقٌ عَلَيهِ. وَقَالَ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ: "حُوسِبَ رَجُلٌ مِمَّن كَانَ قَبلَكُم فَلَم يُوجَدْ لَهُ مِنَ الخَيرِ شَيءٌ إِلاَّ أَنَّهُ كَانَ يُخَالِطُ النَّاسَ وَكَانَ مُوَسِرًا، وَكَانَ يَأمُرُ غِلمَانَهُ أَن يَتَجَاوَزُوا عَنِ المُعسِرِ.


قَالَ اللهُ - عَزَّ وَجَلَّ -: نَحنُ أَحَقُّ بِذَلِكَ مِنهُ، تَجَاوَزُوا عَنهُ" رَوَاهُ مُسلِمٌ. وَقَالَ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ: "مَن أَنظَرَ مُعسِرًا أَو وَضَعَ لَهُ أَظَلَّهُ اللهُ يَومَ القِيَامَةِ تَحتَ ظِلِّ عَرشِهِ يَومَ لا ظِلَّ إِلاَّ ظِلُّهُ" رَوَاهُ التِّرمِذِيُّ. إِنَّهَا فَضَائِلُ عَظِيمَةٌ لأَهلِ السَّمَاحَةِ، رَحمَةٌ مِنَ اللهِ لهم، وَتَجَاوُزٌ مِنَ المَولى عَن ذُنُوبِهِم وَخَطَايَاهُم، وَنَجَاةٌ لهم مِن كُرَبِ يَومِ القِيَامَةِ، وَتَمَتُّعٌ بِظِلِّ العَرشِ يَومَ لا ظِلَّ إِلاَّ ظِلُّهُ. فَهَنِيئًا لأَهلِ السَّمَاحَةِ هَذِهِ الأُجُورُ وَتِلكَ الفَضَائِلُ، وَسُحقًا لأَهلِ الطَّمَعِ وَبُعدًا لأَصحَابِ الجَشَعِ، الَّذِينَ لا يَنشَطُونَ إِلاَّ في الشَّدَائِدِ وَالأَزمَاتِ، وَلا يَجِدُونَ بُغيَتَهُم إِلاَّ في الضَّوائِقِ وَالمُلِمَّاتِ، يَتَرَبَّصُونَ بِالمُسلِمِينَ شُحَّ السِّلَعِ وَنَقصَ البَضَائِعِ، فَيَزِيدُونَ عَلَيهِم في الأَسعَارِ مَا فِيهِ غَبنٌ فَاحِشٌ وَخِدَاعٌ ظَاهِرٌ، غَيرَ مُقتَنِعِينَ بِرِبحٍ قَلِيلٍ، وَلا مُكتَفِينَ بِكَسبٍ يَسِيرٍ. وَإِنَّهُ وَإِنْ كَانَ الرِّبحُ في الشَّرِيعَةِ غَيرَ مُحَدَّدٍ بِنِسبَةٍ مُعَيَّنَةٍ، وَإِنَّمَا المُعَوَّلُ عَلَيهِ في البَيعِ التَّرَاضِي وَالاتِّفَاقُ بَينَ الطَّرَفَينِ، إِلاَّ أَنَّ مَن تَتَبَّعَ مَا عَلَيهِ بَعضُ البَاعَةِ اليَومَ، وَجَدَ مِنهُمُ الكَذِبَ عَلَى المُشتَرِينَ وَغِشَّهُم وَالتَّغرِيرَ بهم، وَمُخَالَفَةَ مَا عَلَيهِ سِعرُ السَّوقِ مُخَالَفَةً ظَاهِرَةً، وَعَدَمَ التَّقَيُّدِ بما أَمَرَ بِهِ وَليُّ الأَمرِ في تَحدِيدِ أَثمَانِ بَعضِ السِّلَعِ، بَل وَصَلَ بهمُ النَّهَمُ وَالحِرصُ وَحُبُّ المَكَاسِبِ الدَّنِيئَةِ، إِلى أَن يَحتَكِرُوا مَا تَشتَدُّ حَاجَةُ النَّاسِ إِلَيهِ وَلا يَستَغنُونَ عَنهُ لأَنفُسِهِم أَو لِدَوَابِّهِم، أَو يَذهَبُوا بِهِ بَعِيدًا عَن أَعيُنِ المُرَاقِبِينَ الَّذِينَ استَأمَنَهُم وَليُّ الأَمرِِ عَلَى ضَبطِ الأَسعَارِ، يَفعَلُونَ ذَلِكَ لِرَفعِ قِيمَةِ تِلكَ السِّلَعِ فَوقَ مَا هُوَ مُقَرَّرٌ وَمَسمُوحٌ بِهِ، وَقَد قَالَ عَلَيهِ الصَّلاةُ وَالسَّلامُ: "لا يَحتَكِرُ إِلاَّ خَاطِئٌ" أَي: لا يَحتَكِرُ إِلاَّ مُذنِبٌ آثِمٌ، مُعَرِّضٌ نَفسَهُ لِعُقُوبَةِ رَبِّهِ. وَإِنَّ التَّمَادِيَ في سُبُلِ الطَّمَعِ وَالانسِيَاقَ لَدَوَاعِي الجَشَعِ، لا يَصدُرُ غَالِبًا إِلاَّ عَن قَلبٍ قَاسٍ وَنَفسٍ شَحِيحَةٍ، وَلُؤمِ طَبعٍ وَشَرَاسَةٍ في الأَخلاقِ، وَاللهُ يَعلَمُ أَنَّ كَثِيرًا مِنَ النَّاسِ في مَجَالِسِهِم لا يَتَوَانَونَ عَن سَبِّ أُولَئِكَ التُّجَّارِ وَالتَّسَخُّطِ مِنهُم وَالدُّعَاءِ عَلَيهِم، مِمَّا يُوحِي بِعَدَمِ رِضَاهُم بما يَحصُلُ مِنهُم، وَأَنَّهُم إِنَّمَا اضطُرُّوا إِلى الشِّرَاءِ مِنهُمُ اضطِرَارًا. أَلا فَلْيَتَّقِ اللهَ أُولَئِكَ البَاعَةُ، وَلْيَلزَمُوا الكِفَايَةَ وَالقَنَاعَةِ ؛ فَـ "قَد أَفلَحَ مَن أَسلَمَ وَرُزِقَ كَفَافًا وَقَنَّعَهُ اللهُ بما آتَاهُ" لِيَتَّقُوا اللهَ في إِخوَانِهِمُ المُسلِمِينَ، وَلْيُحِبُّوا لهم مَا يُحِبُّونَهُ لأَنفُسِهِم مِنَ الخَيرِ، وَلْيَتَخَلَّقُوا بِالسَّمَاحَةِ وَلْيَتَّصِفُوا بِالنَّزَاهَةِ، وَلْيَعِفُّوا عَنِ المَطَامِعِ الدَّنِيئَةِ، وَلْيَتَكَرَّمُوا عَنِ المَكَاسِبِ الشَّائِنَةِ ؛ فَإِنَّ في ذَلِكَ بَرَكَةً في أَموَالِهِم وَنَمَاءً، وَزِيَادَةً لِمَكَاسِبِهِم وَزَكَاءً، وَعُمُومَ رَحمَةٍ لهم ولِلمُسلِمِينَ جمِيعًا، قَالَ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ " لا يُؤمِنُ أَحَدُكُم حَتَّى يُحِبَّ لأَخِيهِ مَا يُحِبُّ لِنَفسِهِ " رَوَاهُ البُخَارِيُّ.


وَقَالَ تَعَالى: ﴿ وَأَحْسِنْ كَمَا أَحْسَنَ اللَّهُ إِلَيْكَ وَلَا تَبْغِ الْفَسَادَ فِي الْأَرْضِ ﴾ [القصص: 77] وَقَالَ عَلَيهِ الصَّلاةُ وَالسَّلامُ: "اِرحَمُوا مَن في الأَرضِ يَرحَمْكُم مَن في السَّمَاءِ" أَعُوذُ بِاللهِ مِنَ الشَّيطَانِ الرَّجِيمِ: ﴿ يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَأْكُلُوا أَمْوَالَكُمْ بَيْنَكُمْ بِالْبَاطِلِ إِلَّا أَنْ تَكُونَ تِجَارَةً عَنْ تَرَاضٍ مِنْكُمْ وَلَا تَقْتُلُوا أَنْفُسَكُمْ إِنَّ اللَّهَ كَانَ بِكُمْ رَحِيمًا * وَمَنْ يَفْعَلْ ذَلِكَ عُدْوَانًا وَظُلْمًا فَسَوْفَ نُصْلِيهِ نَارًا وَكَانَ ذَلِكَ عَلَى اللَّهِ يَسِيرًا ﴾ [النساء: 29، 30].

 

أَمَّا بَعدُ، فَاتَّقُوا اللهَ تَعَالى حَقَّ التَّقوَى، وَتَمَسَّكُوا مِنَ الإِسلامِ بِالعُروَةِ الوُثقَى ﴿ وَمَنْ يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَلْ لَهُ مَخْرَجًا * وَيَرْزُقْهُ مِنْ حَيْثُ لَا يَحْتَسِبُ ﴾ [الطلاق: 2، 3].

 

أَيُّهَا المُسلِمُونَ، المُسلِمُ يَعلَمُ أَنَّهُ ﴿ مَا يَفْتَحِ اللَّهُ لِلنَّاسِ مِنْ رَحْمَةٍ فَلَا مُمْسِكَ لَهَا وَمَا يُمْسِكْ فَلَا مُرْسِلَ لَهُ مِنْ بَعْدِهِ ﴾ [فاطر: 2] وَمِن ثَمَّ فَهُوَ لا يَتَّكِلُ في كَسبِ المَالِ عَلَى خِدَاعٍ وَقُوَّةٍ، وَلا يَعتَمِدُ في تَنمِيَةِ ثَروَتِهِ عَلَى ذَكَاءٍ وَفِطنَةٍ، وَإِنَّمَا تَرَاهُ مُتَحَرِّيًّا لِلحَلالِ وَإِنْ قَلَّ، زَاهِدًا في الحَرَامِ وَإِنْ كَثُرَ، مُتَّقِيًا لِلشُّبُهَاتِ وَإِن تَزَيَّنَت، قَانِعًا بما يَكتُبُهُ اللهُ لَهُ، يَسأَلُهُ تَعَالى البَرَكَةَ، لِعِلمِهِ أَنَّهُ لَيسَ كُلُّ غِنًى يَكُونُ خَيرًا لِصَاحِبِهِ، وَإِنَّمَا مِنهُ مَا هُوَ شَرٌّ وَوَبَالٌ، وَذَلِكَ إِذَا لم يَكُنِ الاكتِسَابُ حَلالاً وَالصَّرفُ مَشرُوعًا، هَذَا عَدَا كَونِ الغِنى سَبَبًا في تَدقِيقِ حِسَابِ صَاحِبِهِ يَومَ القِيَامَةِ، وَقَدَ قَالََ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ: "لا تَزُولُ قَدَمَا عَبدٍ يَومَ القِيَامَةِ حَتَّى يُسأَلَ عَن عُمُرِهِ فِيمَ أَفنَاهُ؟ وَعَن عِلمِهِ فِيمَ فَعَلَ فِيهِ؟ وَعَن مَالِهِ مِن أَينَ اكتَسَبَهُ وَفِيمَ أَنفَقَهُ؟ وَعَن جِسمِهِ فِيمَ أَبلاهُ؟" رَوَاهُ التِّرمِذِيُّ وَصَحَّحَهُ الأَلبَانيُّ، وَقَالَ عَلَيهِ الصَّلاةُ وَالسَّلامُ: "يَا مَعشَرَ الفُقَرَاءِ، أَلا أُبَشِّرُكُم؟ إِنَّ فُقَرَاءَ المُؤمِنِينَ يَدخُلُونَ الجَنَّةَ قَبلَ أَغنِيَائِهِم بِنِصفِ يَومٍ: خَمسِ مِئَةِ عَامٍ" رَوَاهُ ابنُ مَاجَه وَصَحَّحَهُ الأَلبَانيُّ.


ثم إِنَّ الغِنى الحَقِيقِيَّ إِنَّمَا هُوَ غِنى القَلبِ وَالنَّفسِ، قَالَ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ: "لَيسَ الغِنى عَن كَثرَةِ العَرَضِ، وَلَكِنَّ الغِنى غِنى النَّفسِ" مُتَّفَقٌ عَلَيهِ. وَعَن أَبي ذَرٍّ رَضِيَ اللهُ عَنهُ قَالَ: قَالَ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ: "يَا أَبَا ذَرٍّ، أَتَرَى كَثرَةَ المَالِ هُوَ الغِنى؟" قُلتُ: نَعَم يَا رَسُولَ اللهِ، قَالَ: "فَتَرَى قِلَّةَ المَالِ هُوَ الفَقرَ؟" قُلتُ: نَعَم يَا رَسُولَ اللهِ. قَالَ: "إِنَّمَا الغِنى غِنى القَلبِ، وَالفَقرُ فَقرُ القَلبِ" رَوَاهُ ابنُ حِبَّانَ وَصَحَّحَهُ الأَلبانيُّ.





 حفظ بصيغة PDFنسخة ملائمة للطباعة أرسل إلى صديق تعليقات الزوارأضف تعليقكمتابعة التعليقات
شارك وانشر

مقالات ذات صلة

  • هل الغنى مذموم؟
  • نصائح إلى ذوي اليسار والغنى
  • الغنى غنى النفس
  • عجوز القلب

مختارات من الشبكة

  • الكاتب الأديب أيمن ذو الغنى في رحلته الأدبية والعلمية والعملية (PDF)(كتاب - موقع أ. أيمن بن أحمد ذوالغنى)
  • شرح حديث: ليس الغنى عن كثرة العرض ولكن الغنى غنى النفس(مقالة - موقع الشيخ د. خالد بن عبدالرحمن الشايع)
  • شرح حديث: ليس الغنى عن كثرة العرض ولكن الغنى غنى النفس(محاضرة - موقع الشيخ د. خالد بن عبدالرحمن الشايع)
  • خطبة: بداية العام الهجري وصيام يوم عاشوراء(مقالة - آفاق الشريعة)
  • مخطوطة عمدة الأحكام من كلام خير الأنام (النسخة 13)(مخطوط - مكتبة الألوكة)
  • فضل التيسير على الناس وذم الجشع (خطبة)(مقالة - آفاق الشريعة)
  • تذكرة النبلاء بحياء سيد الأتقياء صلى الله عليه وسلم(مقالة - آفاق الشريعة)
  • خطبة: احتساب الثواب والتقرب لله عز وجل (باللغة النيبالية)(مقالة - آفاق الشريعة)
  • خطبة: احتساب الثواب والتقرب لله عز وجل (باللغة البنغالية)(مقالة - آفاق الشريعة)
  • فضل التيسير على الناس وذم الجشع (خطبة)(مقالة - آفاق الشريعة)

 



أضف تعليقك:
الاسم  
البريد الإلكتروني (لن يتم عرضه للزوار)
الدولة
عنوان التعليق
نص التعليق

رجاء، اكتب كلمة : تعليق في المربع التالي

مرحباً بالضيف
الألوكة تقترب منك أكثر!
سجل الآن في شبكة الألوكة للتمتع بخدمات مميزة.
*

*

نسيت كلمة المرور؟
 
تعرّف أكثر على مزايا العضوية وتذكر أن جميع خدماتنا المميزة مجانية! سجل الآن.
شارك معنا
في نشر مشاركتك
في نشر الألوكة
سجل بريدك
  • بنر
  • بنر
كُتَّاب الألوكة
  • آلاف المسلمين يجتمعون في أستراليا ضمن فعاليات مؤتمر المنتدى الإسلامي
  • بعد ثلاث سنوات من الجهد قرية أوري تعلن افتتاح مسجدها الجديد
  • إعادة افتتاح مسجد مقاطعة بلطاسي بعد ترميمه وتطويره
  • في قلب بيلاروسيا.. مسجد خشبي من القرن التاسع عشر لا يزال عامرا بالمصلين
  • النسخة السادسة من مسابقة تلاوة القرآن الكريم للطلاب في قازان
  • المؤتمر الدولي الخامس لتعزيز القيم الإيمانية والأخلاقية في داغستان
  • برنامج علمي مكثف يناقش تطوير المدارس الإسلامية في بلغاريا
  • للسنة الخامسة على التوالي برنامج تعليمي نسائي يعزز الإيمان والتعلم في سراييفو

  • بنر
  • بنر

تابعونا على
 
حقوق النشر محفوظة © 1447هـ / 2025م لموقع الألوكة
آخر تحديث للشبكة بتاريخ : 19/5/1447هـ - الساعة: 15:10
أضف محرك بحث الألوكة إلى متصفح الويب