• الصفحة الرئيسيةخريطة الموقعRSS
  • الصفحة الرئيسية
  • سجل الزوار
  • وثيقة الموقع
  • اتصل بنا
English Alukah شبكة الألوكة شبكة إسلامية وفكرية وثقافية شاملة تحت إشراف الدكتور سعد بن عبد الله الحميد
 
الدكتور سعد بن عبد الله الحميد  إشراف  الدكتور خالد بن عبد الرحمن الجريسي
  • الصفحة الرئيسية
  • موقع آفاق الشريعة
  • موقع ثقافة ومعرفة
  • موقع مجتمع وإصلاح
  • موقع حضارة الكلمة
  • موقع الاستشارات
  • موقع المسلمون في العالم
  • موقع المواقع الشخصية
  • موقع مكتبة الألوكة
  • موقع المكتبة الناطقة
  • موقع الإصدارات والمسابقات
  • موقع المترجمات
 كل الأقسام | مقالات شرعية   دراسات شرعية   نوازل وشبهات   منبر الجمعة   روافد   من ثمرات المواقع  
اضغط على زر آخر الإضافات لغلق أو فتح النافذة اضغط على زر آخر الإضافات لغلق أو فتح النافذة
  •  
    بطلان القول بعرض السنة على القرآن
    د. هيثم بن عبدالمنعم بن الغريب صقر
  •  
    بيان ما يتعلق بعلوم بعض الأنبياء عليهم السلام
    د. أحمد خضر حسنين الحسن
  •  
    الدورات القرآنية... موسم صناعة النور في زمن ...
    د. محمد جمعة الحلبوسي
  •  
    تحريم التوكل على غير الله تبارك وتعالى
    فواز بن علي بن عباس السليماني
  •  
    خطبة: أهمية العمل التطوعي
    عدنان بن سلمان الدريويش
  •  
    خطبة: تجديد الحياة مع تجدد الأعوام
    د. أيمن منصور أيوب علي بيفاري
  •  
    ذكر الله سبب من أسباب ذكر الله لك في الملأ الأعلى
    د. خالد بن محمود بن عبدالعزيز الجهني
  •  
    الظلم مآله الهلاك.. فهل من معتبر؟ (خطبة)
    د. مراد باخريصة
  •  
    المرأة بين حضارتين (خطبة)
    أبو سلمان راجح الحنق
  •  
    تفسير قوله تعالى: { ومن أهل الكتاب من إن تأمنه ...
    الشيخ أ. د. سليمان بن إبراهيم اللاحم
  •  
    رجل يداين ويسامح (خطبة)
    د. محمود بن أحمد الدوسري
  •  
    سلسلة شرح الأربعين النووية: الحديث (25) «ذهب أهل ...
    عبدالعزيز محمد مبارك أوتكوميت
  •  
    من فضائل لا إله إلا الله
    د. أمين بن عبدالله الشقاوي
  •  
    أصول الفقه مفهومه وفوائده وأهميته في الدين
    د. ربيع أحمد
  •  
    خطابات الضمان، تحرير التخريج، وبيان الحكم، ...
    د. طالب بن عمر بن حيدرة الكثيري
  •  
    شموع (111)
    أ.د. عبدالحكيم الأنيس
شبكة الألوكة / آفاق الشريعة / منبر الجمعة / الخطب / خطب المناسبات
علامة باركود

خطبة: تجديد الحياة مع تجدد الأعوام

خطبة: تجديد الحياة مع تجدد الأعوام
د. أيمن منصور أيوب علي بيفاري

مقالات متعلقة

تاريخ الإضافة: 21/7/2025 ميلادي - 26/1/1447 هجري

الزيارات: 132

 حفظ بصيغة PDFنسخة ملائمة للطباعة أرسل إلى صديق تعليقات الزوارأضف تعليقكمتابعة التعليقات
النص الكامل  تكبير الخط الحجم الأصلي تصغير الخط
شارك وانشر

خطبة: تجديد الحياة مع تجدد الأعوام

 

إن الحمد لله، نحمده ونستعينه ونستهديه، ونستغفره ونتوب إليه، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا، ومن سيئات أعمالنا، من يهدِه الله فلا مضلَّ له، ومن يضلل فلا هاديَ له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمدًا عبده ورسوله؛ أما بعد عباد الله:

فتتجدد الأعوام عامًا بعد عام، وما إن يبدأ عام إلا ونفاجأ بنهايته، وكل عام يبدأ هو بداية جديدة لحياة مديدة، لكنها تقربنا إلى النهاية الحقيقية: ﴿ وَأَنْ عَسَى أَنْ يَكُونَ قَدِ اقْتَرَبَ أَجَلُهُمْ ﴾ [الأعراف: 185]، وهو في الحقيقة: ﴿ اقْتَرَبَ لِلنَّاسِ حِسَابُهُمْ وَهُمْ فِي غَفْلَةٍ مُعْرِضُونَ ﴾ [الأنبياء: 1]، والواقع الذي لا بد أن نتيقَّنه: ﴿ وَاقْتَرَبَ الْوَعْدُ الْحَقُّ فَإِذَا هِيَ شَاخِصَةٌ أَبْصَارُ الَّذِينَ كَفَرُوا يَا وَيْلَنَا قَدْ كُنَّا فِي غَفْلَةٍ مِنْ هَذَا بَلْ كُنَّا ظَالِمِينَ ﴾ [الأنبياء: 97]، وقد قال الله عز وجل أيام رسول الله صلى الله عليه وسلم: ﴿ اقْتَرَبَتِ السَّاعَةُ وَانْشَقَّ الْقَمَرُ ﴾ [القمر: 1]، فالحق واليقين والواقع أننا نقترب من الحياة الآخرة مع تجدد الأعوام، ولا نغفُل عن حقيقة الآخرة فنلهو ونلعب، بل لا بد أن نجدد العهد ونستمسك بديننا؛ حتى لا نكون كالذين قال الله فيهم: ﴿ الَّذِينَ اتَّخَذُوا دِينَهُمْ لَهْوًا وَلَعِبًا وَغَرَّتْهُمُ الْحَيَاةُ الدُّنْيَا فَالْيَوْمَ نَنْسَاهُمْ كَمَا نَسُوا لِقَاءَ يَوْمِهِمْ هَذَا وَمَا كَانُوا بِآيَاتِنَا يَجْحَدُونَ * وَلَقَدْ جِئْنَاهُمْ بِكِتَابٍ فَصَّلْنَاهُ عَلَى عِلْمٍ هُدًى وَرَحْمَةً لِقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ ﴾ [الأعراف: 51، 52]، فمن أراد أن تتجدد حياته مع العام، فليعمل بالوصية التي وصى الله بها نبيه صلى الله عليه وسلم: ﴿ فَاسْتَمْسِكْ بِالَّذِي أُوحِيَ إِلَيْكَ إِنَّكَ عَلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ ﴾ [الزخرف: 43]، ﴿ ذَلِكَ الْكِتَابُ لَا رَيْبَ فِيهِ هُدًى لِلْمُتَّقِينَ ﴾ [البقرة: 2]، ونسأله سبحانه وتعالى في كل ركعة من ركعات صلاتنا؛ فندعوه جل جلاله: ﴿ اهْدِنَا الصِّراطَ الْمُسْتَقِيمَ ﴾ [الفاتحة: 6]، فهل نحن حريصون على التزام طريق الهداية، أم من: ﴿ أُولَئِكَ الَّذِينَ اشْتَرَوُا الضَّلَالَةَ بِالْهُدَى فَمَا رَبِحَتْ تِجَارَتُهُمْ وَمَا كَانُوا مُهْتَدِينَ ﴾ [البقرة: 16]؟ ومن كان حريصًا على آخرته، فليلزم قول الله تعالى لعباده المؤمنين: ﴿ وَاتَّبِعُوا أَحْسَنَ مَا أُنْزِلَ إِلَيْكُمْ مِنْ رَبِّكُمْ مِنْ قَبْلِ أَنْ يَأْتِيَكُمُ الْعَذَابُ بَغْتَةً وَأَنْتُمْ لَا تَشْعُرُونَ ﴾ [الزمر: 55]، وأحسن ما أنزل إلينا كتابُ ربنا، فنعمل بأوامره ونجتنب نواهيه، ولن يكون ذلك إلا إذا خشينا الله تعالى حقَّ خشيته، وعظَّمناه في قلوبنا حق التعظيم: ﴿ وَهُوَ الْقَاهِرُ فَوْقَ عِبَادِهِ وَهُوَ الْحَكِيمُ الْخَبِيرُ ﴾ [الأنعام: 18]، ﴿ وَعِنْدَهُ مَفَاتِحُ الْغَيْبِ لَا يَعْلَمُهَا إِلَّا هُوَ وَيَعْلَمُ مَا فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ وَمَا تَسْقُطُ مِنْ وَرَقَةٍ إِلَّا يَعْلَمُهَا وَلَا حَبَّةٍ فِي ظُلُمَاتِ الْأَرْضِ وَلَا رَطْبٍ وَلَا يَابِسٍ إِلَّا فِي كِتَابٍ مُبِينٍ * وَهُوَ الَّذِي يَتَوَفَّاكُمْ بِاللَّيْلِ وَيَعْلَمُ مَا جَرَحْتُمْ بِالنَّهَارِ ثُمَّ يَبْعَثُكُمْ فِيهِ لِيُقْضَى أَجَلٌ مُسَمًّى ثُمَّ إِلَيْهِ مَرْجِعُكُمْ ثُمَّ يُنَبِّئُكُمْ بِمَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ * وَهُوَ الْقَاهِرُ فَوْقَ عِبَادِهِ وَيُرْسِلُ عَلَيْكُمْ حَفَظَةً حَتَّى إِذَا جَاءَ أَحَدَكُمُ الْمَوْتُ تَوَفَّتْهُ رُسُلُنَا وَهُمْ لَا يُفَرِّطُونَ * ثُمَّ رُدُّوا إِلَى اللَّهِ مَوْلَاهُمُ الْحَقِّ أَلَا لَهُ الْحُكْمُ وَهُوَ أَسْرَعُ الْحَاسِبِينَ * قُلْ مَنْ يُنَجِّيكُمْ مِنْ ظُلُمَاتِ الْبَرِّ وَالْبَحْرِ تَدْعُونَهُ تَضَرُّعًا وَخُفْيَةً لَئِنْ أَنْجَانَا مِنْ هَذِهِ لَنَكُونَنَّ مِنَ الشَّاكِرِينَ * قُلِ اللَّهُ يُنَجِّيكُمْ مِنْهَا وَمِنْ كُلِّ كَرْبٍ ثُمَّ أَنْتُمْ تُشْرِكُونَ * قُلْ هُوَ الْقَادِرُ عَلَى أَنْ يَبْعَثَ عَلَيْكُمْ عَذَابًا مِنْ فَوْقِكُمْ أَوْ مِنْ تَحْتِ أَرْجُلِكُمْ أَوْ يَلْبِسَكُمْ شِيَعًا وَيُذِيقَ بَعْضَكُمْ بَأْسَ بَعْضٍ انْظُرْ كَيْفَ نُصَرِّفُ الْآيَاتِ لَعَلَّهُمْ يَفْقَهُونَ ﴾ [الأنعام: 59 - 65]، فلا بد أن نخاف الله عز وجل ونخشاه في السر والعلن، ونستشعر معيته في كل وقت وحين، فهو ﴿ يَعْلَمُ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَيَعْلَمُ مَا تُسِرُّونَ وَمَا تُعْلِنُونَ وَاللَّهُ عَلِيمٌ بِذَاتِ الصُّدُورِ ﴾ [التغابن: 4]، ﴿ يَعْلَمُ خَائِنَةَ الْأَعْيُنِ وَمَا تُخْفِي الصُّدُورُ ﴾ [غافر: 19]، ﴿ إِنَّ الَّذِينَ يَخْشَوْنَ رَبَّهُمْ بِالْغَيْبِ لَهُمْ مَغْفِرَةٌ وَأَجْرٌ كَبِيرٌ * وَأَسِرُّوا قَوْلَكُمْ أَوِ اجْهَرُوا بِهِ إِنَّهُ عَلِيمٌ بِذَاتِ الصُّدُورِ ﴾ [الملك: 12، 13]، فمن امتلأ قلبه خوفًا وخشيةً، ومحبةً وتعظيمًا لله تعالى، فسوف يلتزم شريعته فلا يتعداها، ومن طاعة الله تعالى طاعةُ رسوله الحبيب صلى الله عليه وسلم: ﴿ مَنْ يُطِعِ الرَّسُولَ فَقَدْ أَطَاعَ اللَّهَ وَمَنْ تَوَلَّى فَمَا أَرْسَلْنَاكَ عَلَيْهِمْ حَفِيظًا ﴾ [النساء: 80]، ﴿ وَأَقِيمُوا الصَّلَاةَ وَآتُوا الزَّكَاةَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ ﴾ [النور: 56]، فمن حقه صلى الله عليه وسلم علينا السير على هديه، والتزام سنته، والحذر من مخالفته، والاقتداء به، والتخلق بأخلاقه، والتأدب بآدابه، والتأسي به في أقواله وأفعاله وأحواله؛ فقد أمر الله تعالى بذلك، فقال سبحانه: ﴿ لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ لِمَنْ كَانَ يَرْجُو اللَّهَ وَالْيَوْمَ الْآخِرَ وَذَكَرَ اللَّهَ كَثِيرًا ﴾ [الأحزاب: 21]، فمن تجديد الحياة - أيها المؤمنون - محاولة التماس سنن خير البشر وأفضلهم وأزكاهم، فلا سعادة للعبد في الدارين إلا باتباع هديِ سيد الأنبياء والمرسلين صلى الله عليه وسلم، فيجب على كل من نصح نفسه، وأحب نجاتها وسعادتها، أن يعرف من هديه وسيرته وشأنه ما يخرج به عن الجاهلين به، ويدخل به في عداد أتباعه وشيعته وحزبه.

 

أيها المؤمنون، تتجدد الحياة حين نلتمس هديَ نبينا ورسولنا وحبيبنا صلى الله عليه وسلم في كل الأحوال والأوضاع والهيئات: في المأكل، والمشرب، والملبس، والذهاب، والإياب، والنوم، والجلوس، والكلام، والبيع، والشراء، والتعامل، والأخلاق، والأقوال، والأفعال، وكيفية التعبد لله رب العالمين، التمسوا هدي نبيكم، تتجدد الحياة في قلوبكم.

 

أيها المؤمنون: أسعد الناس في هذه الدنيا، وأطيبهم حياةً، من يملأ حياته عملًا صالحًا، ومن الأعمال الصالحة احتساب ما يعين على العمل الصالح من مأكل، ومشرب، ونوم؛ فقد قال الله جل جلاله: ﴿ مَنْ عَمِلَ صَالِحًا مِنْ ذَكَرٍ أَوْ أُنْثَى وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَلَنُحْيِيَنَّهُ حَيَاةً طَيِّبَةً وَلَنَجْزِيَنَّهُمْ أَجْرَهُمْ بِأَحْسَنِ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ ﴾ [النحل: 97]، فالعمل الصالح سبب للحياة الطيبة، فاستمتعوا - يا عباد الله - بأعمالكم الصالحة، وطِيبوا بها نفوسكم، فالعمل الصالح يُضاعف أجره وثوابه، ومن أسباب مضاعفة أجوره أضعافًا كثيرة: إتقانه، وإجادته، والتماس هدي النبي صلى الله عليه وسلم في أدائه، واستشعار العبودية لله عز وجل، والخضوع له أثناء أدائه.

 

أيها الفضلاء: تتجدد الحياة حين نتعامل مع الناس بالأخلاق الحسنة، وخصوصًا وقت الغضب أو التعب، وخصوصًا أيضًا مع من تعيش معهم وتُعاشرهم ليلًا ونهارًا، فبالأخلاق الحسنة تكسب قلوب الناس، وبالأخلاق الحسنة تكون لك المكانة العالية والمنزلة الرفيعة لكل من يتعامل معك، وأول طريق للخُلق الحسن: تنظيف القلب من الأحقاد والضغائن ممن أساء إليك، نعم، يمكنك أن تأخذ حقك ولا تتنازل عنه، وتقابل الإساءة بالإساءة؛ نزولًا عند قول الله تعالى: ﴿ فَمَنِ اعْتَدَى عَلَيْكُمْ فَاعْتَدُوا عَلَيْهِ بِمِثْلِ مَا اعْتَدَى عَلَيْكُمْ ﴾ [البقرة: 194]، وقوله عز وجل: ﴿ وَإِنْ عَاقَبْتُمْ فَعَاقِبُوا بِمِثْلِ مَا عُوقِبْتُمْ بِهِ ﴾ [النحل: 126]، والأجمل من ذلك، والأرقى، والأحسن، والأكثر أجرًا، والأعلى خلقًا: ﴿ وَلَئِنْ صَبَرْتُمْ لَهُوَ خَيْرٌ لِلصَّابِرِينَ * وَاصْبِرْ وَمَا صَبْرُكَ إِلَّا بِاللَّهِ وَلَا تَحْزَنْ عَلَيْهِمْ وَلَا تَكُ فِي ضَيْقٍ مِمَّا يَمْكُرُونَ * إِنَّ اللَّهَ مَعَ الَّذِينَ اتَّقَوْا وَالَّذِينَ هُمْ مُحْسِنُونَ ﴾ [النحل: 126 - 128]، ومن الإحسان: ﴿ وَلَا تَسْتَوِي الْحَسَنَةُ وَلَا السَّيِّئَةُ ادْفَعْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ فَإِذَا الَّذِي بَيْنَكَ وَبَيْنَهُ عَدَاوَةٌ كَأَنَّهُ وَلِيٌّ حَمِيمٌ * وَمَا يُلَقَّاهَا إِلَّا الَّذِينَ صَبَرُوا وَمَا يُلَقَّاهَا إِلَّا ذُو حَظٍّ عَظِيمٍ ﴾ [فصلت: 34، 35]، والذي يقابل الإساءة بالإحسان ليس عن ضعف أو جُبن أو خوف، وإنما عن قوة في النفس لا يمتلكها كثير من الناس؛ فقد قال الحبيب المصطفى صلى الله عليه وسلم: ((ليس الشديد بالصُّرعة، إنما الشديد الذي يملك نفسه عند الغضب))، ولكم أن تتأملوا قول الله عز وجل: ﴿ وَالَّذِينَ إِذَا أَصَابَهُمُ الْبَغْيُ هُمْ يَنْتَصِرُونَ * وَجَزَاءُ سَيِّئَةٍ سَيِّئَةٌ مِثْلُهَا فَمَنْ عَفَا وَأَصْلَحَ فَأَجْرُهُ عَلَى اللَّهِ إِنَّهُ لَا يُحِبُّ الظَّالِمِينَ * وَلَمَنِ انْتَصَرَ بَعْدَ ظُلْمِهِ فَأُولَئِكَ مَا عَلَيْهِمْ مِنْ سَبِيلٍ * إِنَّمَا السَّبِيلُ عَلَى الَّذِينَ يَظْلِمُونَ النَّاسَ وَيَبْغُونَ فِي الْأَرْضِ بِغَيْرِ الْحَقِّ أُولَئِكَ لَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ * وَلَمَنْ صَبَرَ وَغَفَرَ إِنَّ ذَلِكَ لَمِنْ عَزْمِ الْأُمُورِ ﴾ [الشورى: 39 - 43].

 

أيها المؤمنون: تتجدد الحياة حين تقابل الناس بالابتسامة، والقول الحسن، والتعامل الجميل، لا بالفظاظة، والغلظة، والشدة، والصوت العالي، فالمؤمن هَيِّنٌ ليِّنٌ سهلٌ، قريبٌ من الناس، لسانه يقطر عسلًا، وكلامًا جميلًا، بعبارات ملؤها الحب، والثناء، والتشجيع، والجمال، واللطف، والمواساة، والترحيب، وخصوصًا للأقربين وذوي الرحم: الوالدين، والزوجة، والأبناء، والإخوة، والأعمام، والأخوال، والخدم، والعمال، وغيرهم من الناس، لم يكن النبي صلى الله عليه وسلم فاحشًا ولا متفحشًا، وكان يقول: ((إن من خياركم أحسنكم أخلاقًا)).

 

أيها المؤمنون: تتجدد الحياة حين يتخلص العبد من سيئة كبيرة، أو مستدامة لا يستطيع تركها إلا بمجاهدة نفسٍ وعزيمة صادقة، فلماذا يأسِر الإنسان نفسه لشهوة تُغضب ربه؟ لماذا لا يستعلي على نفسه وقلبه، وشهوته وصحبته السيئة، وهواه، فيترك ما يُغضب ربه؟ سوف يجد المؤمن حلاوة الإيمان، ولذة القرب من الرحمن حين يتخلص من ذنب اعتاده، سواء بترك واجب أو بفعل حرام، فحين ينتصر على نفسه بفعل الواجب الذي طالما قصَّر فيه، أو بترك المحرم الذي استمرأه واستهان به، فإنه ينتصر على شيطانه، وينتصر على هواه، ويحقق كمال العبودية لله رب العالمين؛ والله عز وجل فتح لنا باب التوبة والمغفرة والعفو: ﴿ قُلْ يَا عِبَادِيَ الَّذِينَ أَسْرَفُوا عَلَى أَنْفُسِهِمْ لَا تَقْنَطُوا مِنْ رَحْمَةِ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ جَمِيعًا إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ * وَأَنِيبُوا إِلَى رَبِّكُمْ وَأَسْلِمُوا لَهُ مِنْ قَبْلِ أَنْ يَأْتِيَكُمُ الْعَذَابُ ثُمَّ لَا تُنْصَرُونَ ﴾ [الزمر: 53، 54]، ﴿ فَخَلَفَ مِنْ بَعْدِهِمْ خَلْفٌ أَضَاعُوا الصَّلَاةَ وَاتَّبَعُوا الشَّهَوَاتِ فَسَوْفَ يَلْقَوْنَ غَيًّا * إِلَّا مَنْ تَابَ وَآمَنَ وَعَمِلَ صَالِحًا فَأُولَئِكَ يَدْخُلُونَ الْجَنَّةَ وَلَا يُظْلَمُونَ شَيْئًا * جَنَّاتِ عَدْنٍ الَّتِي وَعَدَ الرَّحْمَنُ عِبَادَهُ بِالْغَيْبِ إِنَّهُ كَانَ وَعْدُهُ مَأْتِيًّا * لَا يَسْمَعُونَ فِيهَا لَغْوًا إِلَّا سَلَامًا وَلَهُمْ رِزْقُهُمْ فِيهَا بُكْرَةً وَعَشِيًّا * تِلْكَ الْجَنَّةُ الَّتِي نُورِثُ مِنْ عِبَادِنَا مَنْ كَانَ تَقِيًّا ﴾ [مريم: 59 - 63].

 

بارك الله لي ولكم في القرآن العظيم، ونفعني وإياكم بما فيه من الآيات والذكر الحكيم، أقول هذا القول، وأستغفر الله العظيم لي ولكم ولسائر المسلمين من كل ذنب، فاستغفروه؛ إنه هو الغفور الرحيم، فاتقوا الله - يا عباد الله - حق التقوى، واستغفروه، إنه كان غفارًا.

 

الخطبة الثانية

الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على نبينا محمد خاتم الأنبياء وسيد المرسلين، وعلى آله وصحبه أجمعين؛ أما بعد:

فإن شهر الله المحرَّم شهر عظيم مبارك، وهو أول شهور السنة الهجرية، وأحد الأشهر الحُرم التي قال الله فيها: ﴿ إِنَّ عِدَّةَ الشُّهُورِ عِنْدَ اللَّهِ اثْنَا عَشَرَ شَهْرًا فِي كِتَابِ اللَّهِ يَوْمَ خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ مِنْهَا أَرْبَعَةٌ حُرُمٌ ذَلِكَ الدِّينُ الْقَيِّمُ فَلَا تَظْلِمُوا فِيهِنَّ أَنْفُسَكُمْ ﴾ [التوبة: 36]، وعن أبي بكرة رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم: ((السنة اثنا عشر شهرًا، منها أربعة حرم: ثلاثة متواليات، ذو القعدة، وذو الحجَّة، والمحرم، ورجب مضرَ الذي بين جُمادى وشعبان))؛ [رواه البخاري (2958)].

 

والمحرم سمِّيَ بذلك لكونه شهرًا محرَّمًا، تأكيدًا لتحريمه، وقوله تعالى: ﴿ فَلَا تَظْلِمُوا فِيهِنَّ أَنْفُسَكُمْ ﴾؛ أي: في هذه الأشهر المحرمة؛ لأنها آكد وأبلغ في الإثم من غيرها، وعن ابن عباس في قوله تعالى: ﴿ فَلَا تَظْلِمُوا فِيهِنَّ أَنْفُسَكُمْ ﴾: "في كلهن، ثم اختص من ذلك أربعة أشهر، فجعلهن حرامًا، وعظَّم حرماتهن، وجعل الذنب فيهن أعظم، والعمل الصالح والأجر أعظم"، وقال قتادة في قوله: ﴿ فَلَا تَظْلِمُوا فِيهِنَّ أَنْفُسَكُمْ ﴾: "إن الظلم في الأشهر الحرم أعظم خطيئة ووزرًا من الظلم فيما سواها، وإن كان الظلم على كل حال عظيمًا، ولكن الله يعظم من أمره ما يشاء".

 

وعن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((أفضل الصيام بعد رمضان: شهر الله المحرم))؛ [رواه مسلم (1982)].

 

وعن ابن عباس رضي الله عنهما قال: ((قدم النبي صلى الله عليه وسلم المدينة، فرأى اليهود تصوم يوم عاشوراء، فقال: ما هذا؟ قالوا: هذا يوم صالح، هذا يوم نجَّى الله بني إسرائيل من عدوهم، فصامه موسى، قال: فأنا أحق بموسى منكم، فصامه وأمر بصيامه))؛ [رواه البخاري (1865)]، وعن ابن عباس رضي الله عنهما قال: ((ما رأيت النبي صلى الله عليه وسلم يتحرى صيام يوم فضَّله على غيره إلا هذا اليوم: يوم عاشوراء، وهذا الشهر: يعني شهر رمضان))؛ [رواه البخاري (1867)]، وقال النبي صلى الله عليه وسلم: ((صيام يوم عاشوراء، إني أحتسب على الله أن يكفِّر السنة التي قبله))؛ [رواه مسلم (1976)]، وهذا من فضل الله علينا؛ أن أعطانا بصيام يوم واحد تكفيرَ ذنوب سنة كاملة، والله ذو الفضل العظيم.

 

وروى عبدالله بن عباس رضي الله عنهما قال: ((حين صام رسول الله صلى الله عليه وسلم يوم عاشوراء وأمر بصيامه، قالوا: يا رسول الله، إنه يوم تعظِّمه اليهود والنصارى، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: فإذا كان العام المقبل إن شاء الله صمنا اليوم التاسع، قال: فلم يأتِ العام المقبل حتى تُوفِّيَ رسول الله صلى الله عليه وسلم))؛ [رواه مسلم].





 حفظ بصيغة PDFنسخة ملائمة للطباعة أرسل إلى صديق تعليقات الزوارأضف تعليقكمتابعة التعليقات
شارك وانشر

مقالات ذات صلة

  • خطبة: عاشوراء وطلب العلم
  • خطبة: صيام يوم عاشوراء والصيام عن الحرام مع بداية العام
  • خطبة: موسى عليه السلام وحياته لله عز وجل
  • خطبة: ماذا بعد الحج

مختارات من الشبكة

  • خطبة: أهمية العمل التطوعي(مقالة - آفاق الشريعة)
  • الظلم مآله الهلاك.. فهل من معتبر؟ (خطبة)(مقالة - آفاق الشريعة)
  • المرأة بين حضارتين (خطبة)(مقالة - آفاق الشريعة)
  • رجل يداين ويسامح (خطبة)(مقالة - موقع د. محمود بن أحمد الدوسري)
  • سلسلة شرح الأربعين النووية: الحديث (25) «ذهب أهل الدثور بالأجور» (خطبة)(مقالة - آفاق الشريعة)
  • خطبة: أهمية العمل التطوعي(مقالة - آفاق الشريعة)
  • خطبة: من وحي عاشوراء (الطغاة قواسم مشتركة، ومنهجية متطابقة)(مقالة - آفاق الشريعة)
  • من مشكاة النبوة (5) "يا أم خالد هذا سنا" (خطبة) - باللغة النيبالية(مقالة - آفاق الشريعة)
  • خطبة: أفشوا السلام(مقالة - آفاق الشريعة)
  • السهر وإضعاف العبودية لله (خطبة)(مقالة - آفاق الشريعة)

 



أضف تعليقك:
الاسم  
البريد الإلكتروني (لن يتم عرضه للزوار)
الدولة
عنوان التعليق
نص التعليق

رجاء، اكتب كلمة : تعليق في المربع التالي

مرحباً بالضيف
الألوكة تقترب منك أكثر!
سجل الآن في شبكة الألوكة للتمتع بخدمات مميزة.
*

*

نسيت كلمة المرور؟
 
تعرّف أكثر على مزايا العضوية وتذكر أن جميع خدماتنا المميزة مجانية! سجل الآن.
شارك معنا
في نشر مشاركتك
في نشر الألوكة
سجل بريدك
  • بنر
  • بنر
كُتَّاب الألوكة
  • أكثر من 70 متسابقا يشاركون في المسابقة القرآنية الثامنة في أزناكاييفو
  • إعادة افتتاح مسجد تاريخي في أغدام بأذربيجان
  • ستولاك تستعد لانطلاق النسخة الثالثة والعشرين من فعاليات أيام المساجد
  • موافقة رسمية على مشروع تطويري لمسجد بمدينة سلاو يخدم التعليم والمجتمع
  • بعد انتظار طويل.. وضع حجر الأساس لأول مسجد في قرية لوغ
  • فعاليات متنوعة بولاية ويسكونسن ضمن شهر التراث الإسلامي
  • بعد 14 عاما من البناء.. افتتاح مسجد منطقة تشيرنومورسكوي
  • مبادرة أكاديمية وإسلامية لدعم الاستخدام الأخلاقي للذكاء الاصطناعي في التعليم بنيجيريا

  • بنر
  • بنر

تابعونا على
 
حقوق النشر محفوظة © 1447هـ / 2025م لموقع الألوكة
آخر تحديث للشبكة بتاريخ : 26/1/1447هـ - الساعة: 10:36
أضف محرك بحث الألوكة إلى متصفح الويب