دراسة الربا في مرحلة الماجستير

بُني الكريم، السلام عليكم ورحمة الله تعالى وبركاته.

نُرَحِّبُ بك في شبكة الألوكة، ونسأل الله تعالى أن يُسَدِّدنا في تقديم ما ينفعك، وينفع جميع المستشيرين.

وأُحَيِّي ما لمستُه فيك مِن جدٍّ واجتهادٍ في مُواصَلة دراستك، وقُدرتك على التكيُّف مع تخصُّص المحاسَبة، رغم عدم حبك له في البداية، بل وتفوُّقك فيه على زملائك، كما أُحَيِّي نظرتك الناقِدة للأمور، وخشيتك مِن الوقوع في المعاصي والمحرَّمات.

وسأبدأ إجابتي مِن حيثُ أنهيتَ رسالتك، بعَرْضِ عددٍ مِن الخيارات التي تجدها أمامك، وترى أنَّ فيها حلاًّ لمشكلتك، فإني أجد أنَّ حَسْمَ أي اختيار منها يكون بقرارٍ خالصٍ منك، ويستند إلى دراستك لمُعطياته الحالية، ثم مآلاته المستقبلية بنظرةٍ حياديةٍ، بعيدًا عن القلَق والتوتُّر الذي قد يأتي بالهاجس التشاؤمي، ويعيق اختيارك للقرار الصائب الحكيم.

أما دورُنا هنا فهو التبصيرُ بأسلوب الوصول إلى هذه الحالة، مع تقديم بعض الإضاءات عن جوانبَ قد تغيب عن المسترشد في الموقف أو المشكلة التي يُواجهها.

فقد يكون علمُ المحاسَبة يحتوي على نظرياتٍ وأساسياتٍ تتعارَض مع الشريعة الإسلامية، كما أشرتَ أنت - كوننا لسنا متخصصين في هذا العلم - وأن قواعدها هي ما يتم اعتمادها في جلِّ المؤسسات المدنية والحكومية في عالمنا الإسلامي، لكني هنا أطرح أمامك تساؤلًا قد يتضمن في مضمونه مُقترحًا تجعله هدفًا لك في حياتك العلمية، ثم العملية لاحقًا، وهو: ما البديل العلمي الذي يطرحُه علماءُ وطلبة العلم المسلمون في هذا التخصُّص؟!

فإذا وجدتَ أن في هذه النظريات والقواعد ما يتعارَض مع الشريعة، فمن المهم أيضًا أن تجدَ وأنت الآن تُحسب على المتقدِّمين علميًّا ومهاريًّا في هذا العلم - أن تلك القواعد والنظريات تكاد تطيح بالمجتمعات التي صدرتها، وأن تلك المجتمعات في حاجة ماسَّة اليوم إلى بدائلَ علميةٍ وعمليةٍ تنقذ اقتصادياتها التي أوشكتْ على الانهيار.

فلو تأملت يا بُني هدْيَ الإسلام مليًّا، لَوَجَدْتَ أنه ما نهى عن منكرٍ إلا وقدَّم البديل المناسب المقنع للعقل والمستقطب للنفس السوية ليحل محلَّه.

أما عن العمل في المجال الأكاديمي، فربما ترى أن فيه مِن المساوئ التي تجعلك مترددًا من الانتساب إليه، لكني أيضًا أجد فيه فرصةً لتقديم النظريات المالية البديلة عبر الأبحاث والدراسات العلمية، كما أن فيه فرصةً لاطلاع الطلبة على كلا المنهجين، وعلى مآل كلٍّ منها بأسلوب علميٍّ محايدٍ ليكون موضوعيًّا، ويُثير فيهم رُوح التساؤل والبحث، والذي قد يدفع المتميزين منهم وأصحاب القدرات العقلية العليا إلى تقديم ما هو الأصلح مستقبلاً.

ولذلك، فإني أتمنى منك أن تُعيدَ تقييم ودراسة ما طرحته مِن اختيارات، وفقًا لهذا الأسلوب من النقد الذي يجعلك تنظُر إلى الموقف مِن كافة زواياه، لأني أجد أن ذلك قد يُوفِّر أمامك اختيارات أخرى تغيب عنك الآن.

أما عن تفكيرك في إعادة الدراسة الثانوية ودخول تخصص الهندسة، فأتمنى منك أولاً أن تتعرَّف جيدًا على الأسباب التي دعتْك فعلاً للتفكير به، إن كانتْ بسبب ما تجده الآن من ابتعاد دراسة المحاسبة عن قواعد الشريعة، أم بسبب استمرار ولَعِك بتخصص الهندسة، وشعورك بأنك الآن قادر على دراسته؛ لأن التعرُّف على (الدوافع الحقيقية)، وأخْذها بنظر الاعتبار لأي اختيار يُساعدك حتمًا على الوُصول إلى القرار الصائب.

أما من الناحية الزمنية، فإني لا أجد أن الوقت قد فاتَك أبدًا، فقد يضيع مثلُ هذا الوقت وربما أكثر منه على بعض الطلبة في مشكلةٍ ما أو مرضٍ - لا قدَّر الله تعالى، فيما أنت أمضيته باكتساب درجة علمية عالية في تخصص لابد أن يكونَ فيه فائدة لك يومًا ما، لكن عليك عند التفكير في حسابات هذا الاختيار أن تأخذَ في الحسبان بعض الفرضيات لنتائج محتمل حدوثها، لتتهيأ لرد فعلك إزاءها، مثل: عدم حصولك على مُعَدَّل يؤهلك لدخول الهندسة، أو إن حصلت عليه واجتزت الجامعة وعملت بهذا التخصص، ثم واجهت في بيئة العمل وأجواء عقد المقاولات وغيرها ما يخالف الشريعة الإسلامية، وغير ذلك من الاحتمالات.

فالتحسُّب للنتائج وافتراض احتمالات عديدة لها يُعَدُّ أيضًا مِن المهارات المهمة التي توصل مَن يطبقها بشكل سليم إلى اتخاذ القرار الصائب، كما لا يفوتني أن أُذَكِّرك بضرورة استخارتك لله تعالى، والتضرع إليه عز وجل ليبلِّغك ما ينفعك.

وأخيرًا أختم بالدعاء إلى الله تعالى أن يُصْلِحَ شأنك كله، ويرشدك لما فيه الخير في الدارين وينفع بك

وسنكون سعداء بسماع أخبارك الطيبة مُجَدَّدًا