• الصفحة الرئيسيةخريطة الموقعRSS
  • الصفحة الرئيسية
  • سجل الزوار
  • وثيقة الموقع
  • اتصل بنا
English Alukah شبكة الألوكة شبكة إسلامية وفكرية وثقافية شاملة تحت إشراف الدكتور سعد بن عبد الله الحميد
الدكتور سعد بن عبد الله الحميد  إشراف  الدكتور خالد بن عبد الرحمن الجريسي
  • الصفحة الرئيسية
  • موقع آفاق الشريعة
  • موقع ثقافة ومعرفة
  • موقع مجتمع وإصلاح
  • موقع حضارة الكلمة
  • موقع الاستشارات
  • موقع المسلمون في العالم
  • موقع المواقع الشخصية
  • موقع مكتبة الألوكة
  • موقع المكتبة الناطقة
  • موقع الإصدارات والمسابقات
  • موقع المترجمات
 كل الأقسام | الثقافة الإعلامية   التاريخ والتراجم   فكر   إدارة واقتصاد   طب وعلوم ومعلوماتية   عالم الكتب   ثقافة عامة وأرشيف   تقارير وحوارات   روافد   من ثمرات المواقع  
اضغط على زر آخر الإضافات لغلق أو فتح النافذة اضغط على زر آخر الإضافات لغلق أو فتح النافذة
  •  
    انحراف الفكر مجلبة لسوء العمل
    د. عبدالرحمن بن سعيد الحازمي
  •  
    الحلوى في السنة النبوية
    د. عبدالعزيز بن سعد الدغيثر
  •  
    الخل إدام وغذاء ودواء
    د. عبدالعزيز بن سعد الدغيثر
  •  
    دور التربية الإسلامية في مواجهة التحديات لشبكات ...
    د. حميد سيف قاسم ثابت القادري
  •  
    حول مصنفات وآثار الإمام ابن جرير الطبري (12) كتاب ...
    محمد تبركان
  •  
    وسائل صناعة الكراهية بين الثقافات: الاستشراق ...
    أ. د. علي بن إبراهيم النملة
  •  
    الهداية والعقل
    إبراهيم العامر
  •  
    مفهوم الإنسانية الحقة، في ميزان الله والخلق
    د. نبيل جلهوم
  •  
    الحبة السوداء شفاء من كل داء
    د. عبدالعزيز بن سعد الدغيثر
  •  
    علي بن أبي طالب أبو الحسنين
    د. محمد بن علي بن جميل المطري
  •  
    العلاج بأبوال الإبل في السنة النبوية
    د. عبدالعزيز بن سعد الدغيثر
  •  
    قراءات اقتصادية (62) كتب غيرت العالم
    د. زيد بن محمد الرماني
  •  
    المزيد في شرح كتاب التوحيد لخالد بن عبدالله
    محمود ثروت أبو الفضل
  •  
    وسائل صناعة الكراهية بين الثقافات: الاستشراق ...
    أ. د. علي بن إبراهيم النملة
  •  
    من مائدة الصحابة: أبو عبيدة بن الجراح رضي الله
    عبدالرحمن عبدالله الشريف
  •  
    قراءات اقتصادية (61): اليهود والعالم والمال
    د. زيد بن محمد الرماني
شبكة الألوكة / المواقع الشخصية / مواقع المشايخ والعلماء / الشيخ إبراهيم بن محمد الحقيل / خطب منبرية
علامة باركود

مكة.. البداية والكمال والنهاية

مكة.. البداية والكمال والنهاية
الشيخ د. إبراهيم بن محمد الحقيل

مقالات متعلقة

تاريخ الإضافة: 28/5/2025 ميلادي - 1/12/1446 هجري

الزيارات: 3600

 حفظ بصيغة PDFنسخة ملائمة للطباعة أرسل إلى صديق تعليقات الزوارأضف تعليقكمتابعة التعليقات
النص الكامل  تكبير الخط الحجم الأصلي تصغير الخط
شارك وانشر

مكة.. البداية والكمال والنهاية

 

الْحَمْدُ لِلَّهِ الْمُبْدِئِ الْمُعِيدِ، الْفَعَّالِ لِمَا يُرِيدُ، ذِي الْعَرْشِ الْمَجِيدِ، وَالْبَطْشِ الشَّدِيدِ، نَحْمَدُهُ حَمْدًا كَثِيرًا، وَنَشْكُرُهُ شُكْرًا مَزِيدًا، وَأَشْهَدُ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ وَحْدَهُ لَا شَرِيكَ لَهُ؛ الْمَلِكُ الْحَقُّ الْمُبِينُ، وَأَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ؛ إِمَامُ الْمُرْسَلِينَ، وَخَاتَمُ النَّبِيِّينَ، وَقَفَ بِعَرَفَةَ يُعَلِّمُ النَّاسَ مَنَاسِكَهُمْ، وَيُخْبِرُهُمْ بِكَمَالِ دِينِهِمْ، وَيُوَدِّعُهُمُ الْوَدَاعَ الْأَخِيرَ، فَمَا مَضَى إِلَّا بِضْعَةُ أَشْهُرٍ فَقَبَضَهُ اللَّهُ تَعَالَى إِلَيْهِ، صَلَّى اللَّهُ وَسَلَّمَ وَبَارَكَ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَأَصْحَابِهِ وَأَتْبَاعِهِ بِإِحْسَانٍ إِلَى يَوْمِ الدِّينِ.

 

أَمَّا بَعْدُ: فَاتَّقُوا اللَّهَ تَعَالَى، وَخُذُوا حَظَّكُمْ مِنْ هَذِهِ الْأَيَّامِ الْعَظِيمَةِ بِالْأَعْمَالِ الصَّالِحَةِ؛ فَمَنْ فَاتَتْهُ فَهُوَ مَحْرُومٌ، قَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «مَا الْعَمَلُ فِي أَيَّامِ الْعَشْرِ أَفْضَلَ مِنَ الْعَمَلِ فِي هَذِهِ. قَالُوا: وَلَا الْجِهَادُ؟ قَالَ: وَلَا الْجِهَادُ، إِلَّا رَجُلٌ خَرَجَ ‌يُخَاطِرُ ‌بِنَفْسِهِ وَمَالِهِ فَلَمْ يَرْجِعْ بِشَيْءٍ» رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ.

 

أَيُّهَا النَّاسُ: مِنْ غَارِ حِرَاءٍ فِي مَكَّةَ كَانَتِ الْبِدَايَةُ، وَفِي عَرَفَاتٍ كَانَ الْكَمَالُ، وَعِنْدَ الْكَعْبَةِ النِّهَايَةُ.. وَفِي الْبَلَدِ الْأَمِينِ قِصَّةُ هَذَا الدِّينِ الْعَظِيمِ الَّذِي بَلَغَ مَشَارِقَ الْأَرْضِ وَمَغَارِبَهَا، فَلَمْ يَبْقَ بَيْتُ مَدَرٍ وَلَا وَبَرٍ إِلَّا بَلَغَهُ هَذَا الدِّينُ، قَالَتْ عَائِشَةُ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا تُخْبِرُ عَنِ الْبِدَايَةِ: «جَاءَهُ الْحَقُّ وَهُوَ فِي غَارِ حِرَاءٍ، فَجَاءَهُ الْمَلَكُ فَقَالَ: اقْرَأْ، قَالَ: مَا أَنَا بِقَارِئٍ. قَالَ: فَأَخَذَنِي فَغَطَّنِي حَتَّى بَلَغَ مِنِّي الْجَهْدُ، ثُمَّ أَرْسَلَنِي فَقَالَ: اقْرَأْ، قُلْتُ مَا أَنَا بِقَارِئٍ، فَأَخَذَنِي فَغَطَّنِي الثَّانِيَةَ حَتَّى بَلَغَ مِنِّي الْجَهْدُ، ثُمَّ أَرْسَلَنِي فَقَالَ: اقْرَأْ، فَقُلْتُ مَا أَنَا بِقَارِئٍ، فَأَخَذَنِي فَغَطَّنِي الثَّالِثَةَ، ثُمَّ أَرْسَلَنِي فَقَالَ: ﴿ اقْرَأْ بِاسْمِ ‌رَبِّكَ ‌الَّذِي ‌خَلَقَ * خَلَقَ الْإِنْسَانَ مِنْ عَلَقٍ * اقْرَأْ وَرَبُّكَ الْأَكْرَمُ ﴾ [العلق: 1، 3] فَرَجَعَ بِهَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَرْجُفُ فُؤَادُهُ، فَدَخَلَ عَلَى خَدِيجَةَ بِنْتِ خُوَيْلِدٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا فَقَالَ: زَمِّلُونِي زَمِّلُونِي، فَزَمَّلُوهُ حَتَّى ذَهَبَ عَنْهُ الرَّوْعُ» رَوَاهُ الشَّيْخَانِ.

 

فَحُمِّلَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الدَّعْوَةَ فَتَحَمَّلَهَا، وَأُمِرَ بِتَبْلِيغِهَا فَبَلَّغَهَا سِرًّا ثَلَاثَ سَنَوَاتٍ، حَتَّى أُمِرَ بِالْجَهْرِ بِهَا، قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا: «لَمَّا نَزَلَتْ: ﴿ وَأَنْذِرْ ‌عَشِيرَتَكَ ‌الْأَقْرَبِينَ ﴾ [الشعراء: 214] صَعِدَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَلَى الصَّفَا، فَجَعَلَ يُنَادِي: يَا بَنِي فِهْرٍ، يَا بَنِي عَدِيٍّ، لِبُطُونِ قُرَيْشٍ، حَتَّى اجْتَمَعُوا، فَجَعَلَ الرَّجُلُ إِذَا لَمْ يَسْتَطِعْ أَنْ يَخْرُجَ أَرْسَلَ رَسُولًا لِيَنْظُرَ مَا هُوَ، فَجَاءَ أَبُو لَهَبٍ وَقُرَيْشٌ، فَقَالَ: أَرَأَيْتَكُمْ لَوْ أَخْبَرْتُكُمْ أَنَّ خَيْلًا بِالْوَادِي تُرِيدُ أَنْ تُغِيرَ عَلَيْكُمْ أَكُنْتُمْ مُصَدِّقِيَّ، قَالُوا: نَعَمْ، مَا جَرَّبْنَا عَلَيْكَ إِلَّا صِدْقًا، قَالَ: فَإِنِّي نَذِيرٌ لَكُمْ بَيْنَ يَدَيْ عَذَابٍ شَدِيدٍ، فَقَالَ أَبُو لَهَبٍ: تَبًّا لَكَ سَائِرَ الْيَوْمِ، أَلِهَذَا جَمَعْتَنَا، فَنَزَلَتْ: ﴿ تَبَّتْ يَدَا أَبِي لَهَبٍ وَتَبَّ * مَا أَغْنَى عَنْهُ مَالُهُ وَمَا كَسَبَ ﴾ [المسد: 1، 2] » رَوَاهُ الشَّيْخَانِ. وَبَعْدَهَا بَدَأَ الْمُشْرِكُونَ حَرْبًا عَلَى أَهْلِ الْإِيمَانِ لَا هَوَادَةَ فِيهَا، سَخِرُوا مِنْهُمْ وَآذَوْهُمْ، وَعَذَّبُوهُمْ وَهَجَّرُوهُمْ، فَكَانَتِ الْهِجْرَةُ إِلَى الْحَبَشَةِ، ثُمَّ الْهِجْرَةُ إِلَى الْمَدِينَةِ، ثُمَّ كَانَتْ غَزْوَةُ بَدْرٍ وَمَا تَلَاهَا مِنَ الْغَزَوَاتِ إِلَى فَتْحِ مَكَّةَ، فَعَادَ النُّورُ إِلَى مَكَّةَ وَقَدْ بَدَأَ مِنْهَا، وَقَابَلَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ جَهْلَ الْمُشْرِكِينَ بِالْحِلْمِ، وَأَذَاهُمْ بِالْعَفْوِ، وَقَامَ فِيهِمْ خَطِيبًا يَوْمَ الْفَتْحِ وَقَالَ: «مَا تَرَوْنَ أَنِّي صَانِعٌ بِكُمْ؟ قَالُوا: خَيْرًا، أَخٌ كَرِيمٌ، وَابْنُ أَخٍ كَرِيمٍ قَالَ: اذْهَبُوا ‌فَأَنْتُمُ ‌الطُّلَقَاءُ».

 

وَبَعْدَ فَتْحِ مَكَّةَ بِعَامَيْنِ حَجَّ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ؛ لِتَنْزِلَ عَلَيْهِ آيَةُ كَمَالِ الدِّينِ فِي عَرَفَةَ، وَهِيَ قَوْلُ اللَّهِ تَعَالَى: ﴿ الْيَوْمَ ‌أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الْإِسْلَامَ دِينًا ﴾ [الْمَائِدَةِ: 3]، قَالَ عُمَرُ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ: «إِنِّي لَأَعْلَمُ أَيَّ مَكَانٍ أُنْزِلَتْ، أُنْزِلَتْ وَرَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَاقِفٌ بِعَرَفَةَ» رَوَاهُ الشَّيْخَانِ.

 

وَفِي حَجَّةِ الْوَدَاعِ صَعِدَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَلَى الصَّفَا: «فَاسْتَقْبَلَ الْقِبْلَةَ، فَوَحَّدَ اللَّهَ وَكَبَّرَهُ، وَقَالَ: لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ وَحْدَهُ لَا شَرِيكَ لَهُ، لَهُ الْمُلْكُ وَلَهُ الْحَمْدُ، وَهُوَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ، لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ وَحْدَهُ، أَنْجَزَ وَعْدَهُ، وَنَصَرَ عَبْدَهُ، ‌وَهَزَمَ الْأَحْزَابَ وَحْدَهُ، ثُمَّ دَعَا بَيْنَ ذَلِكَ، قَالَ مِثْلَ هَذَا ثَلَاثَ مَرَّاتٍ» رَوَاهُ مُسْلِمٌ، وَفَعَلَ ذَلِكَ فِي كُلِّ شَوْطٍ مِنْ أَشْوَاطِ السَّعْيِ، وَكَأَنَّهُ يَسْتَحْضِرُ مَا كَانَ بَعْدَ صَدْعِهِ بِالدَّعْوَةِ حِينَ دَعَا قُرَيْشًا إِلَى التَّوْحِيدِ عَلَى الصَّفَا، فَرَدُّوا دَعْوَتَهُ، وَأَعْلَنُوا عَدَاوَتَهُ؛ فَيَحْمَدُ اللَّهَ تَعَالَى عَلَى مَا مَنَّ بِهِ عَلَيْهِ مِنَ النَّصْرِ وَالتَّمْكِينِ، وَكَسْرِ شَوْكَةِ الْمُشْرِكِينَ، وَمَا كَانَ بَيْنَ الْوُقُوفَيْنِ عَلَى الصَّفَا إِلَّا ثَمَانِي عَشْرَةَ سَنَةً فَقَطْ؛ لِنَعْلَمَ أَنَّ الْأَمْرَ أَمْرُ اللَّهِ تَعَالَى، وَأَنَّ الدِّينَ دِينُهُ، وَأَنَّ النَّصْرَ نَصْرُهُ، وَأَنَّهُ سُبْحَانَهُ لَا يُخْلِفُ وَعْدَهُ.

 

وَبِكَمَالِ الدِّينِ تَمَّتْ رِسَالَةُ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَوَدَّعَ أُمَّتَهُ فِي حَجَّتِهِ كَمَا فِي حَدِيثِ جَابِرٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ: «رَأَيْتُ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَرْمِي عَلَى رَاحِلَتِهِ يَوْمَ النَّحْرِ وَيَقُولُ: لِتَأْخُذُوا مَنَاسِكَكُمْ، فَإِنِّي لَا أَدْرِي لَعَلِّي لَا أَحُجُّ بَعْدَ حَجَّتِي هَذِهِ» رَوَاهُ مُسْلِمٌ، فَلَمْ يَمْكُثْ بَعْدَ وَدَاعِهِ لِأُمَّتِهِ إِلَّا ثَلَاثَةَ أَشْهُرٍ وَيَوْمَيْنِ، حَتَّى تَوَفَّاهُ اللَّهُ تَعَالَى.

 

وَحَمَلَ دِينَهُ أَصْحَابُهُ مِنْ بَعْدِهِ، ثُمَّ تَابَعُوهُمْ بِإِحْسَانٍ إِلَى يَوْمِنَا هَذَا، وَبَلَغَ دِينُهُ مَشَارِقَ الْأَرْضِ وَمَغَارِبَهَا، وَحُورِبَ أَرْبَعَةَ عَشَرَ قَرْنًا مِنْ كُلِّ أَجْنَاسِ الْبَشَرِ، وَمِنْ جَمِيعِ أَدْيَانِهِمْ، وَفِي مُخْتَلَفِ بِقَاعِهِمْ، فَيَشْتَدُّ وَلَا يَلِينُ، وَيَقْوَى وَلَا يَضْعُفُ، وَيَزِيدُ أَتْبَاعُهُ وَلَا يَنْقُصُونَ؛ لِأَنَّهُ دِينُ اللَّهِ الَّذِي ارْتَضَاهُ لِعِبَادِهِ، وَتَأَذَّنَ بِحِفْظِهِ، إِلَى أَنْ يَأْذَنَ اللَّهُ تَعَالَى بِقُرْبِ نِهَايَةِ الدُّنْيَا، فَيَبْلَى الْإِسْلَامُ وَيُمْحَى وَيَزُولَ؛ كَمَا فِي حَدِيثِ حُذَيْفَةَ بْنِ الْيَمَانِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: ‌«يَدْرُسُ ‌الْإِسْلَامُ كَمَا يَدْرُسُ وَشْيُ الثَّوْبِ، حَتَّى لَا يُدْرَى مَا صِيَامٌ وَلَا صَلَاةٌ وَلَا نُسُكٌ وَلَا صَدَقَةٌ، وَلَيُسْرَى عَلَى كِتَابِ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ فِي لَيْلَةٍ، فَلَا يَبْقَى فِي الْأَرْضِ مِنْهُ آيَةٌ، وَتَبْقَى طَوَائِفُ مِنَ النَّاسِ، الشَّيْخُ الْكَبِيرُ وَالْعَجُوزُ، يَقُولُونَ: أَدْرَكْنَا آبَاءَنَا عَلَى هَذِهِ الْكَلِمَةِ: لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ» رَوَاهُ ابْنُ مَاجَهْ وَصَحَّحَهُ الْحَاكِمُ.

 

وَفِي ذَلِكُمُ الزَّمَنِ يُعَطَّلُ الْبَيْتُ الْحَرَامُ، وَالْمَشَاعِرُ الْمُقَدَّسَةُ، فَلَا يَحُجُّ إِلَى الْبَيْتِ أَحَدٌ؛ كَمَا فِي حَدِيثِ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: «لَا تَقُومُ السَّاعَةُ ‌حَتَّى ‌لَا ‌يُحَجَّ الْبَيْتُ» عَلَّقَهُ الْبُخَارِيُّ وَوَصَلَهُ ابْنُ حِبَّانَ وَالْحَاكِمُ وَصَحَّحَاهُ. وَتُهْدَمُ الْكَعْبَةُ بَعْدَ أَنْ بَقِيَتْ قُرُونًا يَطُوفُ الْمُؤْمِنُونَ بِهَا، وَيُصَلُّونَ إِلَيْهَا؛ إِيذَانًا بِنِهَايَةِ الْإِسْلَامِ وَنِهَايَةِ الدُّنْيَا مَعَ نِهَايَتِهِ؛ كَمَا فِي حَدِيثِ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: «يُخَرِّبُ الْكَعْبَةَ ذُو ‌السُّوَيْقَتَيْنِ مِنَ الْحَبَشَةِ» رَوَاهُ الشَّيْخَانِ.

 

نَسْأَلُ اللَّهَ تَعَالَى أَنْ يُثَبِّتَنَا عَلَى دِينِهِ الْقَوِيمِ، وَأَنْ يَهْدِيَنَا صِرَاطَهُ الْمُسْتَقِيمَ، وَيُقَوِّيَنَا عَلَى طَاعَتِهِ، وَيُجَنِّبَنَا مَعْصِيَتَهُ، إِنَّهُ سَمِيعٌ مُجِيبٌ.

 

وَأَقُولُ قَوْلِي هَذَا وَأَسْتَغْفِرُ اللَّهَ لِي وَلَكُمْ...

 

الخطبة الثانية

الْحَمْدُ لِلَّهِ حَمْدًا طَيِّبًا كَثِيرًا مُبَارَكًا فِيهِ كَمَا يُحِبُّ رَبُّنَا وَيَرْضَى، وَأَشْهَدُ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ وَحْدَهُ لَا شَرِيكَ لَهُ، وَأَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ، صَلَّى اللَّهُ وَسَلَّمَ وَبَارَكَ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَأَصْحَابِهِ وَمَنِ اهْتَدَى بِهُدَاهُمْ إِلَى يَوْمِ الدِّينِ.

 

أَمَّا بَعْدُ: فَاتَّقُوا اللَّهَ تَعَالَى وَأَطِيعُوهُ؛ ﴿ وَاتَّقُوا يَوْمًا تُرْجَعُونَ فِيهِ إِلَى اللَّهِ ثُمَّ تُوَفَّى كُلُّ نَفْسٍ مَا كَسَبَتْ وَهُمْ لَا يُظْلَمُونَ ﴾ [الْبَقَرَةِ: 281].

 

أَيُّهَا الْمُسْلِمُونَ: مَنْ تَأَمَّلَ قِصَّةَ الْإِسْلَامِ وَتَارِيخَهُ وَانْتِشَارَهُ؛ أَيْقَنَ أَنَّهُ دِينُ اللَّهِ تَعَالَى، وَأَنَّ اللَّهَ تَعَالَى لَنْ يَرْضَى مِنَ الْعِبَادِ دِينًا سِوَاهُ، وَأَنَّ مُحَاوَلَاتِ أَعْدَاءِ الْإِسْلَامِ وَأْدَهُ تَبُوءُ بِالْفَشَلِ مَرَّةً بَعْدَ مَرَّةٍ؛ فَحَرْبُهُمْ لِلْإِسْلَامِ لَا تَزِيدُهُ إِلَّا صَلَابَةً وَقُوَّةً؛ ﴿ يُرِيدُونَ أَنْ يُطْفِئُوا نُورَ اللَّهِ بِأَفْوَاهِهِمْ وَيَأْبَى اللَّهُ إِلَّا أَنْ يُتِمَّ نُورَهُ وَلَوْ كَرِهَ الْكَافِرُونَ * هُوَ الَّذِي أَرْسَلَ رَسُولَهُ بِالْهُدَى وَدِينِ الْحَقِّ لِيُظْهِرَهُ عَلَى الدِّينِ كُلِّهِ وَلَوْ كَرِهَ الْمُشْرِكُونَ ﴾ [التَّوْبَةِ: 32-33].

 

وَمَكَّةُ مَنْبَعُ الْإِسْلَامِ وَنِهَايَتُهُ، فَمِنْهَا بَزَغَ نُورُ الْإِسْلَامِ، وَفِيهَا يَنْتَهِي؛ وَلِذَا قُدِّسَتْ مَكَّةُ وَعُظِّمَتْ؛ لِتَعْظِيمِ اللَّهِ تَعَالَى لَهَا، وَجَعْلِهَا مَحَجًّا إِلَيْهِ، وَمَوْطِنًا لِشَعَائِرِهِ؛ ﴿ وَإِذْ جَعَلْنَا الْبَيْتَ مَثَابَةً لِلنَّاسِ وَأَمْنًا ﴾ [الْبَقَرَةِ: 125]، «أَيْ: جَعَلْنَا الْكَعْبَةَ مَرْجِعًا لِلنَّاسِ، يَأْتُونَهُ، ثُمَّ يَرْجِعُونَ إِلَى أَهْلِيهِمْ، ثُمَّ يَعُودُونَ إِلَيْهِ، وَمَجْمَعًا لَهُمْ فِي الْحَجِّ وَالْعُمْرَةِ وَالطَّوَافِ وَالصَّلَاةِ، وَأَمْنًا لَهُمْ، لَا يُغِيرُ عَلَيْهِمْ عَدُوٌّ فِيهِ». ﴿ وَأَذِّنْ فِي النَّاسِ بِالْحَجِّ يَأْتُوكَ رِجَالًا وَعَلَى كُلِّ ضَامِرٍ يَأْتِينَ مِنْ كُلِّ فَجٍّ عَمِيقٍ ﴾ [الْحَجِّ: 27]، يَأْتُونَ مِنْ أَقَاصِي الْبُلْدَانِ: بَرًّا وَبَحْرًا وَجَوًّا، وَفِي كَثِيرٍ مِنَ الْأَقْطَارِ يَقْضُونَ أَعْمَارَهُمْ فِي جَمْعِ أَمْوَالِهِمْ لِبُلُوغِ الْبَيْتِ الْحَرَامِ، وَأَدَاءِ مَنَاسِكِ الْحَجِّ وَالْعُمْرَةِ، فِي أَشَدِّ بِقَاعِ الْأَرْضِ حَرَارَةً وَزِحَامًا، وَمَعَ ذَلِكَ يَعُودُونَ إِلَيْهَا مَرَّةً بَعْدَ مَرَّةٍ إِنْ وَجَدُوا مُؤْنَةَ ذَلِكَ، وَالَّذِينَ لَمْ يَتَمَكَّنُوا مِنَ الْعَوْدَةِ مَرَّةً أُخْرَى يَشْتَاقُونَ إِلَيْهِ، وَلَا يَنْسَوْنَ حَجَّهُمْ إِلَيْهِ، وَلَا غَرَابَةَ إِنْ حَكَوْا لِأَوْلَادِهِمْ وَأَحْفَادِهِمْ أَنَّهَا أَعْظَمُ رِحْلَةٍ قَامُوا بِهَا فِي حَيَاتِهِمْ، وَالَّذِينَ لَمْ يَرَوْهُ وَلَمْ يَحُجُّوا إِلَيْهِ أَوْ يَعْتَمِرُوا تَتَعَلَّقُ قُلُوبُهُمْ بِهِ طِيلَةَ أَعْمَارِهِمْ، وَيَدْعُونَ اللَّهَ تَعَالَى فِي صَلَوَاتِهِمْ أَنْ يُبَلِّغَهُمْ إِيَّاهُ، وَمَا كَانَ لِغَيْرِ مَكَّةَ مِنَ الْقُدْسِيَّةِ وَالشَّوْقِ مَا لَهَا؛ قَدَرًا مِنَ اللَّهِ تَعَالَى أَنْ تَتَعَلَّقَ بِهَا الْقُلُوبُ، وَتَهْفُوَ إِلَيْهَا النُّفُوسُ، فَسُبْحَانَ مَنْ جَعَلَهَا مَوْطِنًا لِذِكْرِهِ وَعِبَادَتِهِ، وَعَلَّقَ بِهَا قُلُوبَ أَهْلِ الْإِيمَانِ. فَلْنَعْرِفَ عَظَمَةَ هَذَا الدِّينِ، وَعَظَمَةَ شَعَائِرِهِ، وَحُرْمَةَ الْمَكَانِ وَالزَّمَانِ؛ فَنَتَعَبَّدُ لِلَّهِ تَعَالَى بِمَا نَسْتَطِيعُ مِنَ الْعِبَادَاتِ، وَنَتَقَرَّبُ إِلَيْهِ بِصَالِحِ الْأَعْمَالِ فِي أَيَّامٍ أَمَرَ اللَّهُ تَعَالَى بِذِكْرِهِ فِيهَا؛ ﴿ لِيَشْهَدُوا مَنَافِعَ لَهُمْ وَيَذْكُرُوا اسْمَ اللَّهِ فِي أَيَّامٍ مَعْلُومَاتٍ ﴾ [الْحَجِّ: 28].

 

وَصَلُّوا وَسَلِّمُوا عَلَى نَبِيِّكُمْ...





 حفظ بصيغة PDFنسخة ملائمة للطباعة أرسل إلى صديق تعليقات الزوارأضف تعليقكمتابعة التعليقات
شارك وانشر

مقالات ذات صلة

  • فتح مكة (خطبة)
  • من روائع السيرة بمكة (خطبة)
  • إستراتيجية الرسول محمد صلى الله عليه وسلم لفتح مكة
  • السنة في دخول مكة للحاج والمعتمر
  • خطبة فتح مكة

مختارات من الشبكة

  • خطبة: مصعب بن عمير باع دنياه لآخرته(مقالة - آفاق الشريعة)
  • لأنه من أهل بدر(مقالة - آفاق الشريعة)
  • عثمان بن عفان ذو النورين(مقالة - ثقافة ومعرفة)
  • مخطوطة حلية أهل الفضل والكمال باتصال الأسانيد بكمل الرجال (النسخة 2)(مخطوط - مكتبة الألوكة)
  • مخطوطة حلية أهل الفضل والكمال باتصال الأسانيد بكمل الرجال(مخطوط - مكتبة الألوكة)
  • دين السماحة والطهر والكمال - خطبة الجمعة يوم عيد الفطر(مقالة - موقع الشيخ د. خالد بن عبدالرحمن الشايع)
  • دين السماحة والطهر والكمال - خطبة الجمعة يوم عيد الفطر(مادة مرئية - موقع الشيخ د. خالد بن عبدالرحمن الشايع)
  • دين السماحة والطهر والكمال - خطبة الجمعة يوم عيد الفطر(محاضرة - موقع الشيخ د. خالد بن عبدالرحمن الشايع)
  • البشر متفاوتون من ناحية الجمال والكمال(مقالة - آفاق الشريعة)
  • مخطوطة قصة السادات أهل الكهف وما جرى لهم بالتمام والكمال(مخطوط - مكتبة الألوكة)

 



أضف تعليقك:
الاسم  
البريد الإلكتروني (لن يتم عرضه للزوار)
الدولة
عنوان التعليق
نص التعليق

رجاء، اكتب كلمة : تعليق في المربع التالي

مرحباً بالضيف
الألوكة تقترب منك أكثر!
سجل الآن في شبكة الألوكة للتمتع بخدمات مميزة.
*

*

نسيت كلمة المرور؟
 
تعرّف أكثر على مزايا العضوية وتذكر أن جميع خدماتنا المميزة مجانية! سجل الآن.
شارك معنا
في نشر مشاركتك
في نشر الألوكة
سجل بريدك
  • بنر
  • بنر
كُتَّاب الألوكة
  • مسجد يستضيف فعالية صحية مجتمعية في مدينة غلوستر
  • مبادرة "ساعدوا على الاستعداد للمدرسة" تدخل البهجة على 200 تلميذ في قازان
  • أهالي كوكمور يحتفلون بافتتاح مسجد الإخلاص الجديد
  • طلاب مدينة مونتانا يتنافسون في مسابقة المعارف الإسلامية
  • النسخة العاشرة من المعرض الإسلامي الثقافي السنوي بمقاطعة كيري الأيرلندية
  • مدارس إسلامية جديدة في وندسور لمواكبة زيادة أعداد الطلاب المسلمين
  • 51 خريجا ينالون شهاداتهم من المدرسة الإسلامية الأقدم في تتارستان
  • بعد ست سنوات من البناء.. افتتاح مسجد أوبليتشاني في توميسلافغراد

  • بنر
  • بنر

تابعونا على
 
حقوق النشر محفوظة © 1447هـ / 2025م لموقع الألوكة
آخر تحديث للشبكة بتاريخ : 10/3/1447هـ - الساعة: 11:15
أضف محرك بحث الألوكة إلى متصفح الويب