• الصفحة الرئيسيةخريطة الموقعRSS
  • الصفحة الرئيسية
  • سجل الزوار
  • وثيقة الموقع
  • اتصل بنا
English Alukah شبكة الألوكة شبكة إسلامية وفكرية وثقافية شاملة تحت إشراف الدكتور سعد بن عبد الله الحميد
الدكتور سعد بن عبد الله الحميد  إشراف  الدكتور خالد بن عبد الرحمن الجريسي
  • الصفحة الرئيسية
  • موقع آفاق الشريعة
  • موقع ثقافة ومعرفة
  • موقع مجتمع وإصلاح
  • موقع حضارة الكلمة
  • موقع الاستشارات
  • موقع المسلمون في العالم
  • موقع المواقع الشخصية
  • موقع مكتبة الألوكة
  • موقع المكتبة الناطقة
  • موقع الإصدارات والمسابقات
  • موقع المترجمات
 كل الأقسام | الثقافة الإعلامية   التاريخ والتراجم   فكر   إدارة واقتصاد   طب وعلوم ومعلوماتية   عالم الكتب   ثقافة عامة وأرشيف   تقارير وحوارات   روافد   من ثمرات المواقع  
اضغط على زر آخر الإضافات لغلق أو فتح النافذة اضغط على زر آخر الإضافات لغلق أو فتح النافذة
  •  
    انحراف الفكر مجلبة لسوء العمل
    د. عبدالرحمن بن سعيد الحازمي
  •  
    الحلوى في السنة النبوية
    د. عبدالعزيز بن سعد الدغيثر
  •  
    الخل إدام وغذاء ودواء
    د. عبدالعزيز بن سعد الدغيثر
  •  
    دور التربية الإسلامية في مواجهة التحديات لشبكات ...
    د. حميد سيف قاسم ثابت القادري
  •  
    حول مصنفات وآثار الإمام ابن جرير الطبري (12) كتاب ...
    محمد تبركان
  •  
    وسائل صناعة الكراهية بين الثقافات: الاستشراق ...
    أ. د. علي بن إبراهيم النملة
  •  
    الهداية والعقل
    إبراهيم العامر
  •  
    مفهوم الإنسانية الحقة، في ميزان الله والخلق
    د. نبيل جلهوم
  •  
    الحبة السوداء شفاء من كل داء
    د. عبدالعزيز بن سعد الدغيثر
  •  
    علي بن أبي طالب أبو الحسنين
    د. محمد بن علي بن جميل المطري
  •  
    العلاج بأبوال الإبل في السنة النبوية
    د. عبدالعزيز بن سعد الدغيثر
  •  
    قراءات اقتصادية (62) كتب غيرت العالم
    د. زيد بن محمد الرماني
  •  
    المزيد في شرح كتاب التوحيد لخالد بن عبدالله
    محمود ثروت أبو الفضل
  •  
    وسائل صناعة الكراهية بين الثقافات: الاستشراق ...
    أ. د. علي بن إبراهيم النملة
  •  
    من مائدة الصحابة: أبو عبيدة بن الجراح رضي الله
    عبدالرحمن عبدالله الشريف
  •  
    قراءات اقتصادية (61): اليهود والعالم والمال
    د. زيد بن محمد الرماني
شبكة الألوكة / المواقع الشخصية / مواقع المشايخ والعلماء / الشيخ إبراهيم بن محمد الحقيل / خطب منبرية
علامة باركود

سورة البقرة (10) تطهير البيت وبناؤه

الشيخ د. إبراهيم بن محمد الحقيل

مقالات متعلقة

تاريخ الإضافة: 15/6/2023 ميلادي - 27/11/1444 هجري

الزيارات: 8365

 حفظ بصيغة PDFنسخة ملائمة للطباعة أرسل إلى صديق تعليقات الزوارأضف تعليقكمتابعة التعليقات
النص الكامل  تكبير الخط الحجم الأصلي تصغير الخط
شارك وانشر

سورة البقرة (10): تطهير البيت وبناؤه

27 / 11 /1444هـ

 

الْحَمْدُ لِلَّهِ، نَحْمَدُهُ وَنَسْتَعِينُهُ وَنَسْتَغْفِرُهُ، ونَعُوذُ بِاللَّهِ مِنْ شُرُورِ أَنْفُسِنَا، وَمِنْ سَيِّئَاتِ أَعْمَالِنَا، مَنْ يَهْدِهِ اللَّهُ فَلَا مُضِلَّ لَهُ، وَمَنْ يُضْلِلْ فَلَا هَادِيَ لَهُ، وَأَشْهَدُ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ وَحْدَهُ لَا شَرِيكَ لَهُ، وَأَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ؛ ﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلَا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ ﴾ [آلِ عِمْرَانَ: 102]، ﴿ يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالًا كَثِيرًا وَنِسَاءً وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي تَسَاءَلُونَ بِهِ وَالْأَرْحَامَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيبًا ﴾ [النِّسَاءِ: 1]، ﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلًا سَدِيدًا * يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزًا عَظِيمًا ﴾ [الْأَحْزَابِ: 70-71].

 

أَمَّا بَعْدُ:

فَإِنَّ أَصْدَقَ الْحَدِيثِ كِتَابُ اللَّهِ تَعَالَى، وَخَيْرَ الْهَدْيِ هَدْيُ مُحَمَّدٍ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَشَرَّ الْأُمُورِ مُحْدَثَاتُهَا، وَكُلَّ مُحْدَثَةٍ بِدْعَةٌ، وَكُلَّ بِدْعَةٍ ضَلَالَةٌ، وَكُلَّ ضَلَالَةٍ فِي النَّارِ.

 

أَيُّهَا النَّاسُ: أَنْزَلَ اللَّهُ تَعَالَى الْقُرْآنَ لِيَهْتَدِيَ بِهِ النَّاسُ؛ فَمِنْهُمْ مَنْ أَخَذَ بِهِ وَقَرَأَهُ وَآمَنَ بِمَا جَاءَ فِيهِ، فَسَعِدَ بِهِ فِي الدُّنْيَا، وَفَازَ بِهِ فِي الْآخِرَةِ. وَمِنْهُمْ مَنْ أَعْرَضَ عَنْهُ، وَلَمْ يُؤْمِنْ بِمَا جَاءَ فِيهِ، فَعَاشَ دُنْيَاهُ جَاهِلًا شَقِيًّا، وَهُوَ فِي الْآخِرَةِ مُخَلَّدٌ فِي الْعَذَابِ الْمُهِينِ. وَالْقُرْآنُ عَقَائِدُ وَأَحْكَامٌ وَأَخْبَارٌ، سَوَاءٌ كَانَتْ أَخْبَارًا عَنِ الْمَاضِي السَّحِيقِ كَأَخْبَارِ الْأُمَمِ الْغَابِرَةِ، أَمْ كَانَتْ أَخْبَارًا عَنِ الْمُسْتَقْبَلِ؛ كَالْإِخْبَارِ عَنِ الْمَوْتِ وَمَا بَعْدَهُ، وَعَنْ مَلَاحِمِ آخِرِ الزَّمَانِ، وَعَنِ السَّاعَةِ وَعَلَامَاتِهَا، وَعَنِ الْبَعْثِ وَالنُّشُورِ، وَالْحِسَابِ وَالْجَزَاءِ، وَالْجَنَّةِ وَالنَّارِ. وَأَخْبَارُ الْقُرْآنِ أَصْدَقُ الْأَخْبَارِ وَأَوْثَقُهَا، وَهِيَ وَاقِعَةٌ لَا مَحَالَةَ؛ ﴿ وَمَنْ أَصْدَقُ مِنَ اللَّهِ حَدِيثًا ﴾ [النِّسَاءِ: 87].

 

وَسُورَةُ الْبَقَرَةِ مِنْ أَفْضَلِ سُوَرِ الْقُرْآنِ، وَجَاءَ الْإِخْبَارُ فِيهَا عَنْ بِنَاءِ الْبَيْتِ الْحَرَامِ، وَهُوَ حَدِيثٌ عَظِيمٌ يَضْرِبُ فِي عُمْقِ التَّارِيخِ، وَيَتَشَوَّفُ لِمَعْرِفَتِهِ أَهْلُ الْإِيمَانِ، الَّذِينَ يَحْدُوهُمُ الشَّوْقُ لِلْبَيْتِ الْحَرَامِ.

 

وَبِدَايَةُ الْحَدِيثِ فِي بِنَاءِ الْبَيْتِ قَوْلُ اللَّهِ تَعَالَى: ﴿ وَإِذْ جَعَلْنَا الْبَيْتَ مَثَابَةً لِلنَّاسِ وَأَمْنًا ﴾، قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا: «يَثُوبُونَ إِلَيْهِ ثُمَّ يَرْجِعُونَ». «فَاللَّهُ تَعَالَى يَذْكُرُ شَرَفَ الْبَيْتِ، وَمَا جَعَلَهُ مَوْصُوفًا بِهِ شَرْعًا وَقَدَرًا؛ مِنْ كَوْنِهِ مَثَابَةً لِلنَّاسِ، أَيْ: جَعَلَهُ مَحَلًّا تَشْتَاقُ إِلَيْهِ الْأَرْوَاحُ وَتَحِنُّ إِلَيْهِ، وَلَا تَقْضِي مِنْهُ وَطَرًا، وَلَوْ تَرَدَّدَتْ إِلَيْهِ كُلَّ عَامٍ، اسْتِجَابَةً مِنَ اللَّهِ تَعَالَى لِدُعَاءِ خَلِيلِهِ إِبْرَاهِيمَ عَلَيْهِ السَّلَامُ فِي قَوْلِهِ: ﴿ فَاجْعَلْ أَفْئِدَةً مِنَ النَّاسِ تَهْوِي إِلَيْهِمْ ﴾، إِلَى أَنْ قَالَ: ﴿ رَبَّنَا وَتَقَبَّلْ دُعَاءِ ﴾ [إِبْرَاهِيمَ: 37-40]، وَيَصِفُهُ تَعَالَى بِأَنَّهُ جَعَلَهُ أَمْنًا، مَنْ دَخَلَهُ أَمِنَ، وَلَوْ كَانَ قَدْ فَعَلَ مَا فَعَلَ ثُمَّ دَخَلَهُ كَانَ آمِنًا. وَقَالَ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ زَيْدِ بْنِ أَسْلَمَ: كَانَ الرَّجُلُ يَلْقَى قَاتِلَ أَبِيهِ وَأَخِيهِ فِيهِ فَلَا يَعْرِضُ لَهُ». ﴿ وَاتَّخِذُوا مِنْ مَقَامِ إِبْرَاهِيمَ مُصَلًّى ﴾ «وَهُوَ الْحَجَرُ الَّذِي ارْتَفَعَ عَلَيْهِ إِبْرَاهِيمُ حِينَ ضَعُفَ عَنْ رَفْعِ الْحِجَارَةِ الَّتِي كَانَ إِسْمَاعِيلُ يُنَاوِلُهَا إِيَّاهُ فِي بِنَاءِ الْبَيْتِ، وَغَرِقَتْ قَدَمَاهُ فِيهِ». وَفِي صَحِيحِ الْبُخَارِيِّ مِنْ حَدِيثِ ابْنِ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا:...«فَجَعَلَ إِسْمَاعِيلُ يَأْتِي بِالْحِجَارَةِ وَإِبْرَاهِيمُ يَبْنِي، حَتَّى إِذَا ارْتَفَعَ الْبِنَاءُ، جَاءَ بِهَذَا الْحَجَرِ فَوَضَعَهُ لَهُ فَقَامَ عَلَيْهِ، وَهُوَ يَبْنِي وَإِسْمَاعِيلُ يُنَاوِلُهُ الْحِجَارَةَ»، وَاتُّخِذَ ذَلِكَ الْمَكَانَ مُصَلًّى تُصَلَّى فِيهِ رَكْعَتَا الطَّوَافِ، قَالَ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ: «وَافَقْتُ رَبِّي فِي ثَلَاثٍ: فَقُلْتُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، لَوِ اتَّخَذْنَا مِنْ مَقَامِ إِبْرَاهِيمَ مُصَلًّى فَنَزَلَتْ: ﴿ وَاتَّخِذُوا مِنْ مَقَامِ إِبْرَاهِيمَ مُصَلًّى ﴾ ....الْحَدِيثَ» رَوَاهُ الشَّيْخَانِ. ﴿ وَعَهِدْنَا إِلَى إِبْرَاهِيمَ وَإِسْمَاعِيلَ أَنْ طَهِّرَا بَيْتِيَ﴾ أَيْ: أَوْحَيْنَا إِلَيْهِمَا وَأَمَرْنَاهُمَا بِتَطْهِيرِ بَيْتِ اللَّهِ تَعَالَى مِنَ الشِّرْكِ وَالْكُفْرِ وَالْمَعَاصِي، وَمِنَ الرِّجْسِ وَالنَّجَاسَاتِ وَالْأَقْذَارِ؛ لِيَكُونَ ﴿ لِلطَّائِفِينَ وَالْعَاكِفِينَ وَالرُّكَّعِ السُّجُودِ ﴾ [الْبَقَرَةِ: 125]. أَيِ: الْمُصَلِّينَ. وَأَضَافَ سُبْحَانَهُ الْبَيْتَ إِلَيْهِ؛ لِيَقَعَ مَوْقِعًا فِي قُلُوبِ الْعِبَادِ؛ وَلِذَا هَوَتْ إِلَيْهِ أَفْئِدَتُهُمْ، وَجَاءُوهُ مِنْ كُلِّ فَجٍّ عَمِيقٍ؛ وَلِأَنَّهُ قِبْلَتُهُمْ أَحْيَاءً وَأَمْوَاتًا؛ فَشَأْنُهُ لَا بُدَّ أَنْ يَكُونَ عَظِيمًا فِي نُفُوسِهِمْ كَمَا هُوَ عَظِيمٌ عِنْدَ اللَّهِ تَعَالَى.

 

وَخَصَّ الْخَلِيلُ عَلَيْهِ السَّلَامُ الْمُؤْمِنِينَ بِدُعَاءٍ عَظِيمٍ، وَهُوَ تَأْمِينُ الْبَيْتِ الْحَرَامِ لَهُمْ، وَإِغْدَاقُ الْأَرْزَاقِ عَلَيْهِمْ؛ ﴿ وَإِذْ قَالَ إِبْرَاهِيمُ رَبِّ اجْعَلْ هَذَا بَلَدًا آمِنًا وَارْزُقْ أَهْلَهُ مِنَ الثَّمَرَاتِ مَنْ آمَنَ مِنْهُمْ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ ﴾. وَإِنَّمَا دَعَا بِرِزْقِ أَهْلِهِ لِأَنَّ الْبَيْتَ كَانَ بِوَادٍ غَيْرِ ذِي زَرْعٍ، وَاسْتُجِيبَ لَهُ؛ إِذِ الْأَرْزَاقُ تُجْبَى إِلَى مَكَّةَ مِنْ كُلِّ مَكَانٍ عَلَى مَرِّ التَّارِيخِ مَعَ الْحُجَّاجِ وَالْعُمَّارِ وَالزُّوَّارِ، وَفِي تَأْمِينِهِ قَوْلُ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «إِنَّ هَذَا الْبَلَدَ حَرَّمَهُ اللَّهُ يَوْمَ خَلَقَ السَّمَوَاتِ وَالْأَرْضَ، فَهُوَ حَرَامٌ بِحُرْمَةِ اللَّهِ إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ» رَوَاهُ الشَّيْخَانِ. وَلَقَدْ كَانَتْ دَعْوَةُ إِبْرَاهِيمَ هَذِهِ مِنْ جَوَامِعِ كَلِمِ النُّبُوءَةِ؛ فَإِنَّ أَمْنَ الْبِلَادِ وَالسُّبُلِ يَجْمَعُ خِصَالَ الْعَيْشِ الْهَنِيءِ، وَيُؤَدِّي إِلَى الرَّخَاءِ وَالنَّمَاءِ وَاتِّسَاعِ الْعُمْرَانِ، كَمَا يُهَيِّئُ لِانْتِشَارِ الْعِلْمِ وَرَفْعِ الْجَهْلِ، وَأَدَاءِ الْعِبَادَةِ بِاطْمِئْنَانٍ، وَذَلِكَ يُؤَدِّي إِلَى صَلَاحِ أَحْوَالِ النَّاسِ. وَإِذْ فُقِدَ الْأَمْنُ فُقِدَ مَا وَرَاءَهُ مِنَ الرَّخَاءِ وَالْعُمْرَانِ وَالْعُلُومِ وَالْمَعَارِفِ؛ إِذْ تُخَيِّمُ عَلَى النَّاسِ أَجْوَاءُ الْحُرُوبِ وَالْخَوْفِ وَالنَّهْبِ وَالظُّلْمِ، فَأَرَادَ الْخَلِيلُ بِدَعْوَتِهِ أَنْ تَأْمَنَ مَكَّةُ فَتُعْمَرَ وَتُرْزَقَ؛ لِأَنَّهَا مَنْبَعُ الْحَنِيفِيَّةِ وَالْقُرْآنِ ﴿ قَالَ وَمَنْ كَفَرَ فَأُمَتِّعُهُ قَلِيلًا ثُمَّ أَضْطَرُّهُ إِلَى عَذَابِ النَّارِ وَبِئْسَ الْمَصِيرُ ﴾ [الْبَقَرَةِ: 126].

 

وَابْتَنَى الْخَلِيلُ وَابْنُهُ إِسْمَاعِيلُ الْكَعْبَةَ، وَدَعَيَا بِالْقَبُولِ؛ لِأَنَّ الْمُعَوَّلَ فِي كُلِّ عَمَلٍ عَلَى الْقَبُولِ؛ ﴿ وَإِذْ يَرْفَعُ إِبْرَاهِيمُ الْقَوَاعِدَ مِنَ الْبَيْتِ وَإِسْمَاعِيلُ رَبَّنَا تَقَبَّلْ مِنَّا إِنَّكَ أَنْتَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ ﴾ [الْبَقَرَةِ: 127]، عَنْ وُهَيْبِ بْنِ الْوَرْدِ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى أَنَّهُ كَانَ يَقْرَأُ هَذِهِ الْآيَةَ ثُمَّ يَبْكِي وَيَقُولُ: «يَا خَلِيلَ الرَّحْمَنِ، تَرْفَعُ قَوَائِمَ بَيْتِ الرَّحْمَنِ وَأَنْتَ مُشْفِقٌ أَنْ لَا يَقْبَلَ مِنْكَ». وَالْمُؤْمِنُ إِذَا عَمِلَ صَالِحًا يَسْأَلُ اللَّهَ تَعَالَى الْقَبُولَ، وَيَكُونُ بَيْنَ رَجَاءِ قَبُولِ عَمَلِهِ، وَالْخَوْفِ مِنْ رَدِّهِ، وَمُحَاسَبَةِ النَّفْسِ عَلَى الْإِخْلَاصِ وَإِتْمَامِ الْعَمَلِ.

 

وَسَأَلَ الْخَلِيلُ وَابْنُهُ عَلَيْهِمَا السَّلَامُ رَبَّهُمَا الْإِسْلَامَ الَّذِي حَقِيقَتُهُ الِاسْتِسْلَامُ لِلَّهِ تَعَالَى، وَالْخُضُوعُ لِشَرْعِهِ، وَالِانْقِيَادُ لِأَمْرِهِ، وَالْإِذْعَانُ لِحُكْمِهِ، كَمَا سَأَلَاهُ مَعْرِفَةَ الْمَنَاسِكِ؛ لِأَنَّ الْعِلْمَ بِالطَّاعَةِ وَأَحْكَامِهَا يُسَهِّلُ عَلَى الطَّائِعِ فِعْلَهَا عَلَى الصَّوَابِ، وَتَجَنُّبَ الْخَطَأِ وَالْبِدَعِ وَالضَّلَالِ، وَسَأَلَا اللَّهَ تَعَالَى التَّوْبَةَ؛ لِأَنَّ الْوَاجِبَ عَلَى الْمُؤْمِنِ أَنْ يَتُوبَ فِي كُلِّ وَقْتٍ وَحَالٍ؛ فَفِي حَالِ الْمَعْصِيَةِ يَتُوبُ مِنْ مَعْصِيَتِهِ، وَفِي حَالِ الطَّاعَةِ يَتُوبُ مِنَ التَّقْصِيرِ فِي أَدَائِهَا. وَالتَّوْبَةُ مِنْ أَجَلِّ الطَّاعَاتِ وَأَعْظَمِهَا، وَهِيَ وَاجِبُ كُلِّ وَقْتٍ؛ ﴿ رَبَّنَا وَاجْعَلْنَا مُسْلِمَيْنِ لَكَ وَمِنْ ذُرِّيَّتِنَا أُمَّةً مُسْلِمَةً لَكَ وَأَرِنَا مَنَاسِكَنَا وَتُبْ عَلَيْنَا إِنَّكَ أَنْتَ التَّوَّابُ الرَّحِيمُ ﴾ [الْبَقَرَةِ: 128].

 

نَسْأَلُ اللَّهَ تَعَالَى حُسْنَ الْقَصْدِ وَحُسْنَ الْعَمَلِ، وَمُلَازَمَةَ التَّوْبَةِ وَالِاسْتِغْفَارِ إِلَى الْمَمَاتِ، إِنَّهُ سَمِيعٌ مُجِيبٌ.

وَأَقُولُ قَوْلِي هَذَا وَأَسْتَغْفِرُ اللَّهَ لِي وَلَكُمْ...

 

الخطبة الثانية

الْحَمْدُ لِلَّهِ حَمْدًا طَيِّبًا كَثِيرًا مُبَارَكًا فِيهِ كَمَا يُحِبُّ رَبُّنَا وَيَرْضَى، وَأَشْهَدُ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ وَحْدَهُ لَا شَرِيكَ لَهُ، وَأَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ، صَلَّى اللَّهُ وَسَلَّمَ وَبَارَكَ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَأَصْحَابِهِ وَمَنِ اهْتَدَى بِهُدَاهُمْ إِلَى يَوْمِ الدِّينِ.

 

أَمَّا بَعْدُ: فَاتَّقُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوهُ، وَتَعَلَّمُوا مِنَ الْعِلْمِ مَا يُقَرِّبُكُمْ مِنْ رَبِّكُمْ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى: ﴿ وَاتَّقُوا يَوْمًا لَا تَجْزِي نَفْسٌ عَنْ نَفْسٍ شَيْئًا وَلَا يُقْبَلُ مِنْهَا عَدْلٌ وَلَا تَنْفَعُهَا شَفَاعَةٌ وَلَا هُمْ يُنْصَرُونَ ﴾ [الْبَقَرَةِ: 123].

 

أَيُّهَا الْمُسْلِمُونَ: خُتِمَتْ آيَاتُ بِنَاءِ الْبَيْتِ بِالدَّعْوَةِ الْمُبَارَكَةِ الْعَظِيمَةِ الَّتِي دَعَا بِهَا الْخَلِيلُ وَابْنُهُ عَلَيْهِمَا السَّلَامُ لِهَذِهِ الْأُمَّةِ الْخَاتِمَةِ بِبَعْثَةِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَا دَاعِيَيْنِ: ﴿ رَبَّنَا وَابْعَثْ فِيهِمْ رَسُولًا مِنْهُمْ ﴾ [الْبَقَرَةِ: 129]. وَإِذَا كَانَ الرَّسُولُ مِنْهُمْ كَانَ ذَلِكَ أَدْعَى لِقَبُولِهِمْ وَانْقِيَادِهِمْ؛ وَلِذَا قَالَ جَعْفَرُ بْنُ أَبِي طَالِبٍ لِلنَّجَاشِيِّ: «بَعَثَ اللَّهُ إِلَيْنَا رَسُولًا مِنَّا نَعْرِفُ نَسَبَهُ وَصِدْقَهُ وَأَمَانَتَهُ وَعَفَافَهُ» رَوَاهُ أَحْمَدُ. «وَقَدْ وَافَقَتْ هَذِهِ الدَّعْوَةُ الْمُسْتَجَابَةُ قَدَرَ اللَّهِ تَعَالَى السَّابِقَ فِي تَعْيِينِ مُحَمَّدٍ صَلَوَاتُ اللَّهِ وَسَلَامُهُ عَلَيْهِ رَسُولًا فِي الْأُمِّيِّينَ إِلَيْهِمْ إِلَى سَائِرِ الْأَعْجَمِينَ مِنَ الْإِنْسِ وَالْجِنِّ» كَمَا فِي حَدِيثِ الْعِرْبَاضِ بْنِ سَارِيَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ: «إِنِّي عِنْدَ اللَّهِ فِي أُمِّ الْكِتَابِ لَخَاتَمُ النَّبِيِّينَ وَإِنَّ آدَمَ لَمُنْجَدِلٌ فِي طِينَتِهِ، وَسَأُنَبِّئُكُمْ بِتَأْوِيلِ ذَلِكَ، دَعْوَةِ أَبِي إِبْرَاهِيمَ، وَبِشَارَةِ عِيسَى قَوْمَهُ، وَرُؤْيَا أُمِّي الَّتِي رَأَتْ أَنَّهُ خَرَجَ مِنْهَا نُورٌ أَضَاءَتْ لَهُ قُصُورُ الشَّامِ» رَوَاهُ أَحْمَدُ.

 

وَمُهِمَّةُ هَذَا الرَّسُولِ الْمَبْعُوثِ إِلَى النَّاسِ كَافَّةً؛ ﴿ يَتْلُو عَلَيْهِمْ آيَاتِكَ وَيُعَلِّمُهُمُ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَيُزَكِّيهِمْ إِنَّكَ أَنْتَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ ﴾ [الْبَقَرَةِ: 129]. وَرُتِّبَتْ هَذِهِ الدَّعَوَاتُ تَرْتِيبًا بَدِيعًا، فَيَتْلُو عَلَيْهِمْ آيَاتِ الْقُرْآنِ؛ لِتَرِقَّ قُلُوبُهُمْ وَتَتَهَيَّأَ لِتَلَقِّي الْعِلْمِ وَفَهْمِهِ، ثُمَّ يُعَلِّمُهُمُ الْكِتَابَ الَّذِي هُوَ الْقُرْآنُ، فَيُعَلِّمُهُمْ مَعَانِيَهُ وَأَحْكَامَهُ وَأَحْكَامَ الدِّينِ وَشَرَائِعَهُ، وَهُوَ حَدِيثُ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَسُنَّتُهُ فِي أَقْوَالِهِ وَأَفْعَالِهِ وَتَقْرِيرَاتِهِ. فَإِذَا عَلِمُوا ذَلِكَ تَهَيَّئُوا لِلتَّزْكِيَةِ، وَهِيَ الْعَمَلُ الصَّالِحُ بِمَا عَلِمُوا، وَهَلْ يُرَادُ الْعِلْمُ إِلَّا لِلْعَمَلِ بِهِ، وَإِلَّا كَانَ حُجَّةً عَلَى صَاحِبِهِ.

 

وَبِهَذَا نَعْلَمُ أَنَّ آيَاتِ بِنَاءِ الْبَيْتِ الْحَرَامِ، وَدَعَوَاتِ الْخَلِيلِ عَلَيْهِ السَّلَامُ؛ مِنَ الْعِلْمِ الْغَزِيرِ الَّذِي حَوَتْهُ سُورَةُ الْبَقَرَةِ، وَهُوَ عِلْمٌ يَنْبَغِي لِلْمُؤْمِنِ أَنْ يَعْتَنِيَ بِهِ؛ إِذْ إِنَّ سَعَادَتَهُ فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ مَوْقُوفَةٌ عَلَى الْعِلْمِ بِهِ، ثُمَّ إِتْبَاعُ الْعِلْمِ الْعَمَلَ. وَمِنْ ذَلِكَ الِاحْتِفَاءُ بِعَشْرِ ذِي الْحِجَّةِ، وَتَفْرِيغُ النَّفْسِ عَلَى الْعَمَلِ الصَّالِحِ فِيهَا، وَاصْطِبَارُهَا عَلَى ذَلِكَ؛ فَهِيَ أَفْضَلُ الْأَيَّامِ عِنْدَ اللَّهِ تَعَالَى؛ لِقَوْلِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «مَا الْعَمَلُ فِي أَيَّامٍ أَفْضَلَ مِنْهَا فِي هَذِهِ؟ قَالُوا: وَلَا الْجِهَادُ؟ قَالَ: وَلَا الْجِهَادُ إِلَّا رَجُلٌ خَرَجَ يُخَاطِرُ بِنَفْسِهِ وَمَالِهِ فَلَمْ يَرْجِعْ بِشَيْءٍ» رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ.

 

وَصَلُّوا وَسَلِّمُوا عَلَى نَبِيِّكُمْ...





 حفظ بصيغة PDFنسخة ملائمة للطباعة أرسل إلى صديق تعليقات الزوارأضف تعليقكمتابعة التعليقات
شارك وانشر

مقالات ذات صلة

  • سورة البقرة (5) تقرير الربوبية
  • سورة البقرة (6) تقرير الألوهية
  • سورة البقرة (7) آيات الصلاة
  • سورة البقرة (8) آيات الصدقة والإنفاق
  • سورة البقرة (9) آيات الصيام (خطبة)
  • سورة البقرة (11) آيات الحج (خطبة)

مختارات من الشبكة

  • خطبة: تدبر أول سورة البقرة(مقالة - آفاق الشريعة)
  • وقفات تربوية مع سورة الهمزة (خطبة)(مقالة - آفاق الشريعة)
  • (دروس وفوائد كثيرة من آية عجيبة في سورة الأحقاف) معظمها عن بر الوالدين(مقالة - آفاق الشريعة)
  • وقفات ودروس من سورة آل عمران (4)(مقالة - آفاق الشريعة)
  • من مائدة التفسير: سورة العصر(مقالة - آفاق الشريعة)
  • سورة آل عمران (5) الثبات والتثبيت(مقالة - موقع الشيخ إبراهيم بن محمد الحقيل)
  • التسبيح في سورة (ق) تفسيره ووصية النبي صلى الله عليه وسلم(مقالة - آفاق الشريعة)
  • من مائدة التفسير: سورة الكوثر(مقالة - آفاق الشريعة)
  • وقفات تربوية مع سورة التكاثر(مقالة - آفاق الشريعة)
  • تدبر سورة الفيل (PDF)(كتاب - مكتبة الألوكة)

 



أضف تعليقك:
الاسم  
البريد الإلكتروني (لن يتم عرضه للزوار)
الدولة
عنوان التعليق
نص التعليق

رجاء، اكتب كلمة : تعليق في المربع التالي

مرحباً بالضيف
الألوكة تقترب منك أكثر!
سجل الآن في شبكة الألوكة للتمتع بخدمات مميزة.
*

*

نسيت كلمة المرور؟
 
تعرّف أكثر على مزايا العضوية وتذكر أن جميع خدماتنا المميزة مجانية! سجل الآن.
شارك معنا
في نشر مشاركتك
في نشر الألوكة
سجل بريدك
  • بنر
  • بنر
كُتَّاب الألوكة
  • مسجد يستضيف فعالية صحية مجتمعية في مدينة غلوستر
  • مبادرة "ساعدوا على الاستعداد للمدرسة" تدخل البهجة على 200 تلميذ في قازان
  • أهالي كوكمور يحتفلون بافتتاح مسجد الإخلاص الجديد
  • طلاب مدينة مونتانا يتنافسون في مسابقة المعارف الإسلامية
  • النسخة العاشرة من المعرض الإسلامي الثقافي السنوي بمقاطعة كيري الأيرلندية
  • مدارس إسلامية جديدة في وندسور لمواكبة زيادة أعداد الطلاب المسلمين
  • 51 خريجا ينالون شهاداتهم من المدرسة الإسلامية الأقدم في تتارستان
  • بعد ست سنوات من البناء.. افتتاح مسجد أوبليتشاني في توميسلافغراد

  • بنر
  • بنر

تابعونا على
 
حقوق النشر محفوظة © 1447هـ / 2025م لموقع الألوكة
آخر تحديث للشبكة بتاريخ : 10/3/1447هـ - الساعة: 11:15
أضف محرك بحث الألوكة إلى متصفح الويب