• الصفحة الرئيسيةخريطة الموقعRSS
  • الصفحة الرئيسية
  • سجل الزوار
  • وثيقة الموقع
  • اتصل بنا
English Alukah شبكة الألوكة شبكة إسلامية وفكرية وثقافية شاملة تحت إشراف الدكتور سعد بن عبد الله الحميد
الدكتور سعد بن عبد الله الحميد  إشراف  الدكتور خالد بن عبد الرحمن الجريسي
  • الصفحة الرئيسية
  • موقع آفاق الشريعة
  • موقع ثقافة ومعرفة
  • موقع مجتمع وإصلاح
  • موقع حضارة الكلمة
  • موقع الاستشارات
  • موقع المسلمون في العالم
  • موقع المواقع الشخصية
  • موقع مكتبة الألوكة
  • موقع المكتبة الناطقة
  • موقع الإصدارات والمسابقات
  • موقع المترجمات
 كل الأقسام | الثقافة الإعلامية   التاريخ والتراجم   فكر   إدارة واقتصاد   طب وعلوم ومعلوماتية   عالم الكتب   ثقافة عامة وأرشيف   تقارير وحوارات   روافد   من ثمرات المواقع  
اضغط على زر آخر الإضافات لغلق أو فتح النافذة اضغط على زر آخر الإضافات لغلق أو فتح النافذة
  •  
    فلسطين والأقصى بين الألم والأمل
    الشيخ عاطف عبدالمعز الفيومي
  •  
    مواقف الغرب من الحضارة الإسلامية
    أ. د. علي بن إبراهيم النملة
  •  
    مراعاة الخلاف في الفتوي تأصيلا وتطبيقا والأطعمة ...
    محمود ثروت أبو الفضل
  •  
    قوانين برايانت في الإدارة الأكاديمية
    د. زيد بن محمد الرماني
  •  
    جسور بين الأفكار.. أم أنفاق للاختراق
    عواد مخلف فاضل
  •  
    التوازن في حياة الإنسان: نظرة قرآنية وتنموية
    أ. محمد كمال الدلكي
  •  
    زيت الزيتون المبارك: فوائده وأسراره والعلاج به من ...
    الشيخ عبدالرحمن بن سعد الشثري
  •  
    الحضارات والمناهج التنويرية
    د. عبدالله بن يوسف الأحمد
  •  
    نماذج لفقهاء التابعين من ذوي الاحتياجات الخاصة ...
    سلامة إبراهيم محمد دربالة النمر
  •  
    قهر الملة الكفرية بالأدلة المحمدية لتخريب دير ...
    محمود ثروت أبو الفضل
  •  
    {ويقولون طاعة فإذا برزوا من عندك بيت طائفة منهم ...
    أ. د. فؤاد محمد موسى
  •  
    صدام الحضارات بين زيف الهيمنة الغربية وخلود ...
    د. مصطفى طاهر رضوان
  •  
    المرض الاقتصادي: أشكاله وآثاره
    د. زيد بن محمد الرماني
  •  
    منهج القرآن الكريم في تنمية التفكير العلمي: كيف ...
    محمد نواف الضعيفي
  •  
    حقوق البيئة
    د. أمير بن محمد المدري
  •  
    الأرض: رؤية من الخارج
    سمر سمير
شبكة الألوكة / آفاق الشريعة / مقالات شرعية / التفسير وعلوم القرآن
علامة باركود

وقفات ودروس من سورة آل عمران (7)

وقفات ودروس من سورة آل عمران (7)
ميسون عبدالرحمن النحلاوي

مقالات متعلقة

تاريخ الإضافة: 10/11/2025 ميلادي - 20/5/1447 هجري

الزيارات: 137

 حفظ بصيغة PDFنسخة ملائمة للطباعة أرسل إلى صديق تعليقات الزوارأضف تعليقكمتابعة التعليقات
النص الكامل  تكبير الخط الحجم الأصلي تصغير الخط
شارك وانشر

وقفات ودروس من سورة آل عمران (7)

وقفات في قلب السورة (4)

 

مقدمات غزوة أحد.

الوقفة السابعة: الثبات العقائدي الداخلي:

توجيهات إلهية للمسلمين حول الثبات العقائدي:

﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنْ تُطِيعُوا فَرِيقًا مِنَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ يَرُدُّوكُمْ بَعْدَ إِيمَانِكُمْ كَافِرِينَ * وَكَيْفَ تَكْفُرُونَ وَأَنْتُمْ تُتْلَى عَلَيْكُمْ آيَاتُ اللَّهِ وَفِيكُمْ رَسُولُهُ وَمَنْ يَعْتَصِمْ بِاللَّهِ فَقَدْ هُدِيَ إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ * يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلَا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ * وَاعْتَصِمُوا بِحَبْلِ اللَّهِ جَمِيعًا وَلَا تَفَرَّقُوا وَاذْكُرُوا نِعْمَتَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ إِذْ كُنْتُمْ أَعْدَاءً فَأَلَّفَ بَيْنَ قُلُوبِكُمْ فَأَصْبَحْتُمْ بِنِعْمَتِهِ إِخْوَانًا وَكُنْتُمْ عَلَى شَفَا حُفْرَةٍ مِنَ النَّارِ فَأَنْقَذَكُمْ مِنْهَا كَذَلِكَ يُبَيِّنُ اللَّهُ لَكُمْ آيَاتِهِ لَعَلَّكُمْ تَهْتَدُونَ * وَلْتَكُنْ مِنْكُمْ أُمَّةٌ يَدْعُونَ إِلَى الْخَيْرِ وَيَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ * وَلَا تَكُونُوا كَالَّذِينَ تَفَرَّقُوا وَاخْتَلَفُوا مِنْ بَعْدِ مَا جَاءَهُمُ الْبَيِّنَاتُ وَأُولَئِكَ لَهُمْ عَذَابٌ عَظِيمٌ * يَوْمَ تَبْيَضُّ وُجُوهٌ وَتَسْوَدُّ وُجُوهٌ فَأَمَّا الَّذِينَ اسْوَدَّتْ وُجُوهُهُمْ أَكَفَرْتُمْ بَعْدَ إِيمَانِكُمْ فَذُوقُوا الْعَذَابَ بِمَا كُنْتُمْ تَكْفُرُونَ * وَأَمَّا الَّذِينَ ابْيَضَّتْ وُجُوهُهُمْ فَفِي رَحْمَةِ اللَّهِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ * تِلْكَ آيَاتُ اللَّهِ نَتْلُوهَا عَلَيْكَ بِالْحَقِّ وَمَا اللَّهُ يُرِيدُ ظُلْمًا لِلْعَالَمِينَ﴾ [آل عمران: 101 - 108].

 

أولًا: عدم الانصياع للطائفة الخبيثة من أهل الكتاب، الذين يعملون على زرع الفتن بين المسلمين، ومثالها فتنة اليهودي بين الأوس والخزرج.

 

بعد أن بيَّن الله عز وجل بعضًا من صفات أهل الكتاب ومغالطاتهم، يمضي بنا السياق في عرض صورة حية من مكرهم بالمسلمين في المدينة؛ حيث كانت مساعيهم دائبة في زرع بذور الشِّقاق والفُرقة بين المسلمين، مستغلِّين ما كان من عداء سابق بينهم، الأوس والخزرج، قبل أن يدخلوا في الإسلام.

 

وكان من مساعيهم تلك أن يهوديًّا أراد تجديد الفتنة بين الأوس والخزرج بعد انقطاعها بالنبي صلى الله عليه وسلم، فجلس بينهم وأنشدهم شعرًا قاله أحد الحيَّين في حربهم، فقال الحي الآخر: قد قال شاعرنا في يوم كذا وكذا، فكأنهم دخلهم من ذلك شيء، فقالوا: تعالَوا نرد الحرب جَذعاء كما كانت، فنادى هؤلاء: يا آل أوس، ونادى هؤلاء: يا آل خزرج؛ فاجتمعوا وأخذوا السلاح واصطفوا للقتال؛ فنزل قوله تعالى: ﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنْ تُطِيعُوا فَرِيقًا مِنَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ يَرُدُّوكُمْ بَعْدَ إِيمَانِكُمْ كَافِرِينَ ﴾ [آل عمران: 100]، فجاء النبي صلى الله عليه وسلم حتى وقف بين الصفين، فقرأها ورفع صوته، فلما سمعوا صوته، أنصتوا له وجعلوا يستمعون، فلما فرغ ألقَوا السلاح وعانق بعضهم بعضًا وجعلوا يبكون؛ عن عكرمة وابن زيد وابن عباس؛ [تفسير القرطبي].

 

ثانيًا: الرجوع إلى آيات الله وسنة رسوله عند كل فتنة:

﴿ وَكَيْفَ تَكْفُرُونَ وَأَنْتُمْ تُتْلَى عَلَيْكُمْ آيَاتُ اللَّهِ وَفِيكُمْ رَسُولُهُ وَمَنْ يَعْتَصِمْ بِاللَّهِ فَقَدْ هُدِيَ إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ ﴾ [آل عمران: 101].

 

ثم إن الله جل وعلا أنكر على المسلمين ما حصل منهم في تلك الحادثة، فعاتبهم بقوله: ﴿ وَكَيْفَ تَكْفُرُونَ وَأَنْتُمْ تُتْلَى عَلَيْكُمْ آيَاتُ اللَّهِ وَفِيكُمْ رَسُولُهُ ﴾ [آل عمران: 101]، قال ابن عباس: "كان بين الأوس والخزرج قتال وشرٌّ في الجاهلية، فذكروا ما كان بينهم فثار بعضهم على بعض بالسيوف، فأُتي النبي صلى الله عليه وسلم، فذُكر ذلك له فذهب إليهم، فنزلت هذه الآية: ﴿ وَكَيْفَ تَكْفُرُونَ وَأَنْتُمْ تُتْلَى عَلَيْكُمْ آيَاتُ اللَّهِ وَفِيكُمْ رَسُولُهُ ﴾ [آل عمران: 101] إلى قوله تعالى: ﴿ فَأَنْقَذَكُمْ مِنْهَا ﴾ [آل عمران: 103]"، ويدخل في هذه الآية من لم يرَ النبي صلى الله عليه وسلم؛ لأن ما فيهم من سنته يقوم مقام رؤيته، قال الزجَّاج: يجوز أن يكون هذا الخطاب لأصحاب محمد خاصة، لأن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان فيهم وهم يشاهدونه، ويجوز أن يكون هذا الخطاب لجميع الأمة، لأن آثاره وعلاماته والقرآن الذي أُوتي فينا مكان النبي صلى الله عليه وسلم فينا وإن لم نشاهده؛ [تفسير القرطبي].

 

ثالثًا: الاعتصام بالله: ﴿ وَمَنْ يَعْتَصِمْ بِاللَّهِ فَقَدْ هُدِيَ إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ ﴾ [آل عمران: 101]:

﴿ وَمَنْ يَعْتَصِمْ بِاللَّهِ فَقَدْ هُدِيَ إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ ﴾ [آل عمران: 101]؛ قال ابن القيم رحمه الله: "وأما الاعتصام به فهو التوكل عليه، والامتناع به، والاحتماء به، وسؤاله أن يحمي العبد ويمنعه، ويعصمه ويدفع عنه، فإن ثمرة الاعتصام به هو الدفع عن العبد، والله يدافع عن الذين آمنوا، فيدفع عن عبده المؤمن إذا اعتصم به كل سبب يُفضي به إلى العَطَب، ويحميه منه، فيدفع عنه الشبهات والشهوات، وكيد عدوه الظاهر والباطن، وشرَّ نفسه، ويدفع عنه موجِب أسباب الشر بعد انعقادها، بحسب قوة الاعتصام به وتمكُّنه، فتُفقد في حقه أسباب العطب، فيدفع عنه موجباتها ومسبباتها، ويدفع عنه قدَرَه بقدرِه، وإرادته بإرادته، ويُعيذه به منه"؛ [مدارج السالكين لابن قيم الجوزية].

 

رابعًا: التمسك بتقوى الله:

﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلَا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ ﴾ [آل عمران: 102]، روى علي بن أبي طلحة عن ابن عباس قال: قول الله عز وجل: ﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ ﴾ [آل عمران: 102] لم تُنسخ، ولكن حق تقاته أن يجاهد في سبيل الله حق جهاده، ولا تأخذكم في الله لومة لائم، وتقوموا بالقسط ولو على أنفسكم وأبنائكم، قال النحاس: وكل ما ذُكر في الآية واجب على المسلمين أن يستعملوه ولا يقع فيه نسخ؛ [القرطبي].

 

خامسًا: الموت على الإسلام، وتحققه يكون بالإقامة عليه في المكره والمنشط:

﴿ وَلَا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ ﴾ [آل عمران: 102]؛ أي: حافظوا على الإسلام في أحوال معاشكم لتموتوا عليه، فإن الكريم قد أجرى عادته بكرمه أنه من عاش على شيء مات عليه، ومن مات على شيء بُعث عليه، فعياذًا بالله من خلاف ذلك.

 

 

سادسًا: الاعتصام بحبل الله:

﴿ وَاعْتَصِمُوا بِحَبْلِ اللَّهِ جَمِيعًا وَلَا تَفَرَّقُوا وَاذْكُرُوا نِعْمَتَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ إِذْ كُنْتُمْ أَعْدَاءً فَأَلَّفَ بَيْنَ قُلُوبِكُمْ فَأَصْبَحْتُمْ بِنِعْمَتِهِ إِخْوَانًا وَكُنْتُمْ عَلَى شَفَا حُفْرَةٍ مِنَ النَّارِ فَأَنْقَذَكُمْ مِنْهَا كَذَلِكَ يُبَيِّنُ اللَّهُ لَكُمْ آيَاتِهِ لَعَلَّكُمْ تَهْتَدُونَ ﴾ [آل عمران: 103]، وحبل الله كما قال ابن كثير: عهد الله وذمته، وقال الطبري: "﴿ وَاعْتَصِمُوا بِحَبْلِ اللَّهِ جَمِيعًا ﴾ [آل عمران: 103]؛ أي: تعلقوا بأسباب الله جميعًا، يريد بذلك تعالى ذكره: وتمسكوا بدين الله الذي أمركم به، وعهده الذي عهده إليكم في كتابه إليكم، من الأُلفة والاجتماع على كلمة الحق، والتسليم لأمر الله".

 

وقال القرطبي عن ابن عباس: حبل الله القرآن، وقال مجاهد وقتادة وأبو سعيد الخدري مثل ذلك.

 

ويدعم هذا القول ما رواه أبو سعيد الخدري وزيد بن أرقم، عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: ((إني تارك فيكم ما إن تمسكتم به، لن تضلوا بعدي، أحدهما أعظم من الآخر: كتاب الله حبل ممدود من السماء إلى الأرض، وعترتي أهل بيتي، ولن يتفرقا حتى يرِدا عليَّ الحوض، فانظروا كيف تخلفوني فيهما))؛ [صحيح الترمذي وصححه الألباني].

 

وتبدو هذه الآية كعنوان لعدد من توصيات تلَتها؛ وهي: الاجتماع وعدم التفرق، والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، ثم النهي عن الفرقة والاختلاف؛ نهج الذين أوتوا الكتاب من قبلنا؛ فكانت انطلاقة هذه التوصيات التمسك بحبل الله، فبدونه لا يمكن أن تتحقق ولا يبقى لها معنى ولا فائدة، والله أعلم وأجَلُّ.

 

سابعًا: الاتحاد وتجنُّب الفرقة:

﴿ وَلَا تَفَرَّقُوا ﴾ [آل عمران: 103]، وهذا أمر من الله عز وجل بالاجتماع، والنهي عن الفرقة، وقد وردت الأحاديث المتعددة بالنهي عن التفرق والأمر بالاجتماع والائتلاف؛ كما في صحيح مسلم من حديث سهيل بن أبي صالح، عن أبيه، عن أبي هريرة، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: ((إن الله يرضى لكم ثلاثًا، ويسخط لكم ثلاثًا، يرضى لكم أن تعبدوه ولا تشركوا به شيئًا، وأن تعتصموا بحبل الله جميعًا ولا تفرقوا، وأن تُناصحوا من ولاه الله أمركم، ويسخط لكم ثلاثًا: قيلَ وقالَ، وكثرةَ السؤال، وإضاعة المال)).

 

وقد ذكر محمد بن إسحاق بن يسار وغيره: أن هذه الآية نزلت في شأن الأوس والخزرج بسبب الحادثة التي ذكرناها آنفًا، وما كان من أمر اليهودي الذي فتن بينهما، ولكن، كما في جميع آي القرآن العظيم، وإن كان للآية سبب نزول فهي عامة في جميع المؤمنين، والله أعلم.

 

ثامنًا: الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر:

﴿ وَلْتَكُنْ مِنْكُمْ أُمَّةٌ يَدْعُونَ إِلَى الْخَيْرِ وَيَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ ﴾ [آل عمران: 104].

 

"والمقصود من هذه الآية أن تكون فرقةٌ من الأمة متصديةً لهذا الشأن، وإن كان ذلك واجبًا على كل فرد من الأمة بحسبه؛ كما ثبت في صحيح مسلم عن أبي هريرة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((من رأى منكم منكرًا فليُغيِّره بيده، فإن لم يستطع فبلسانه، فإن لم يستطع فبقلبه، وذلك أضعف الإيمان))، وفي رواية: ((وليس وراء ذلك من الإيمان حبة خردلٍ))؛ [قاله ابن كثير]، وفي حديث حذيفة بن اليمان، أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ((والذي نفسي بيده، لَتأمُرُنَّ بالمعروف، ولتنهون عن المنكر، أو ليوشكَنَّ الله أن يبعث عليكم عقابًا من عنده، ثم لتَدْعُنَّه فلا يستجيب لكم))؛ [رواه الترمذي، وأحمد، وابن ماجه].

 

 

تاسعًا: التحذير من الفرقة والاختلاف، فقد كانت نهج من كان قبلنا، اختلفوا فكفروا فاستحقوا العذاب العظيم:

﴿ وَلَا تَكُونُوا كَالَّذِينَ تَفَرَّقُوا وَاخْتَلَفُوا مِنْ بَعْدِ مَا جَاءَهُمُ الْبَيِّنَاتُ وَأُولَئِكَ لَهُمْ عَذَابٌ عَظِيمٌ ﴾ [آل عمران: 105].

ولنا في اليهود والنصارى عبرة، فلا نسير على خُطاهم في الاختلاف والفرقة، فنصير إلى ما صاروا إليه.

 

عن ابن عمر قال: قال رسول الله صلى الله عليه سلم: ((ليأتينَّ على أمتي ما أتى على بني إسرائيل حذوَ النعل بالنعل، حتى لو كان منهم من يأتي أمَّه علانية، لكان من أمتي من يصنع ذلك، وإن بني إسرائيل تفرقت اثنتين وسبعين ملة، وتفترق أمتي على ثلاث وسبعين ملة، كلهم في النار إلا ملة واحدة، قالوا: من هي يا رسول الله؟ قال: ما أنا عليه وأصحابي))؛ [صحيح الترمذي].

 

حديث آخر رواه معاوية بن أبي سفيان، وأخرجه أبو داود في صحيحه: ((ألَا إن من قبلكم من أهل الكتاب افترقوا على ثنتين وسبعين ملةً، وإن هذه الملة ستفترق على ثلاث وسبعين: ثنتان وسبعون في النار، وواحدة في الجنة، وهي الجماعة، وإنه سيخرج من أمتي أقوامٌ تَجَارى بهم تلك الأهواء كما يتجارى الكلب لصاحبه، لا يبقى منه عِرق ولا مَفصِل إلا دخله)).

 

ثم يصف الله سبحانه لنا اليوم الذي سيكون فيه هذا العذاب العظيم: ﴿ يَوْمَ تَبْيَضُّ وُجُوهٌ وَتَسْوَدُّ وُجُوهٌ فَأَمَّا الَّذِينَ اسْوَدَّتْ وُجُوهُهُمْ أَكَفَرْتُمْ بَعْدَ إِيمَانِكُمْ فَذُوقُوا الْعَذَابَ بِمَا كُنْتُمْ تَكْفُرُونَ * وَأَمَّا الَّذِينَ ابْيَضَّتْ وُجُوهُهُمْ فَفِي رَحْمَةِ اللَّهِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ ﴾ [آل عمران: 106، 107].

 

 

وتنتهي التوجيهات الإلهية بالختم عليها بختم الحق من إلهٍ يريد الخير للعالمين، وحاشاه أن يكون في إرادته أي ظلم لها: ﴿ تِلْكَ آيَاتُ اللَّهِ نَتْلُوهَا عَلَيْكَ بِالْحَقِّ وَمَا اللَّهُ يُرِيدُ ظُلْمًا لِلْعَالَمِينَ ﴾ [آل عمران: 108]، هذا الإله الذي له ملك السماوات والأرض وإليه يُرجع الأمر كله: ﴿ وَلِلَّهِ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ وَإِلَى اللَّهِ تُرْجَعُ الْأُمُورُ ﴾ [آل عمران: 109].

 

الوقفة الثامنة: خيرية الأمة ومكانة أهل الكتاب منها.

﴿ كُنْتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ تَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَتَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَتُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَلَوْ آمَنَ أَهْلُ الْكِتَابِ لَكَانَ خَيْرًا لَهُمْ مِنْهُمُ الْمُؤْمِنُونَ وَأَكْثَرُهُمُ الْفَاسِقُونَ ﴾ [آل عمران: 110].

 

شروط الانتماء إلى "خير أمة" حسب هذه الآية، ثلاثة:

• تأمرون بالمعروف.

• تنهون عن المنكر.

• تؤمنون بالله.

 

قال ابن عباس، ومجاهد، وعكرمة، وعطاء: ﴿ كُنْتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ ﴾ [آل عمران: 110]؛ يعني: خير الناس للناس.

 

والمعنى: أنهم خير الأمم وأنفع الناس للناس؛ ولهذا قال: ﴿ تَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَتَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَتُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ ﴾ [آل عمران: 110]؛ عن أبي هريرة رضي الله عنه، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ((نحن الآخِرون الأولون يوم القيامة، نحن أول الناس دخولًا الجنة، بَيدَ أنهم أوتوا الكتاب من قبلنا، وأوتيناه من بعدهم، فهدانا الله لما اختلفوا فيه من الحق، فهذا اليوم الذي اختلفوا فيه، الناس لنا فيه تَبَعٌ، غدًا لليهود، للنصارى بعد غد))؛ [رواه البخاري ومسلم].

 

فهذا الحديث وغيره في أفضلية هذه الأمة، تأتي في معنى قوله تعالى: ﴿ كُنْتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ تَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَتَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَتُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ ﴾ [آل عمران: 110]، فمن اتصف من هذه الأمة بهذه الصفات، دخل معهم في هذا الثناء عليهم والمدح لهم، كما قال قتادة: بلغنا أن عمر بن الخطاب رضي الله عنه في حجَّة حجَّها رأى من الناس سرعة، فقرأ هذه الآية: ﴿ كُنْتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ ﴾ [آل عمران: 110]، ثم قال: "من سرَّه أن يكون من تلك الأمة، فليؤدِّ شرط الله فيها"؛ [رواه ابن جرير، تفسير ابن كثير].

 

وقال القرطبي في قوله تعالى: ﴿ تَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَتَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ ﴾ [آل عمران: 110]: "مدحٌ لهذه الأمة ما أقاموا ذلك واتصفوا به، فإذا تركوا التغيير وتواطؤوا على المنكر، زال عنهم اسم المدح ولحقهم اسم الذم، وكان ذلك سببًا لهلاكهم، وقد تقدم الكلام في الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر في أول السورة، ويخبرنا الله عز وجل في قوله تعالى: ﴿ وَلَوْ آمَنَ أَهْلُ الْكِتَابِ لَكَانَ خَيْرًا لَهُمْ مِنْهُمُ الْمُؤْمِنُونَ وَأَكْثَرُهُمُ الْفَاسِقُونَ ﴾ [آل عمران: 110]، أن إيمان أهل الكتاب بالنبي صلى الله عليه وسلم خير لهم، وأخبر أن منهم مؤمن وفاسق، وأن الفاسق أكثر"؛ [انتهى].

 

الفاسقون من أهل الكتاب و"الأمة الوسط":

فإن تحققت شروط الأمة الوسط فينا، وكنا تلك الأمة، فإن "الفاسقين" من أهل الكتاب، الذين أبَوا أن يدخلوا فيها، لن يكون لهم الغلبة عليها، وإنما ضررهم لا يتعدى الأذى؛ وهو كذِبهم وتحريفهم وبهتهم، وهذا ما يخبرنا الله سبحانه وتعالى به:

﴿ لَنْ يَضُرُّوكُمْ إِلَّا أَذًى وَإِنْ يُقَاتِلُوكُمْ يُوَلُّوكُمُ الْأَدْبَارَ ثُمَّ لَا يُنْصَرُونَ * ضُرِبَتْ عَلَيْهِمُ الذِّلَّةُ أَيْنَ مَا ثُقِفُوا إِلَّا بِحَبْلٍ مِنَ اللَّهِ وَحَبْلٍ مِنَ النَّاسِ وَبَاءُوا بِغَضَبٍ مِنَ اللَّهِ وَضُرِبَتْ عَلَيْهِمُ الْمَسْكَنَةُ ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ كَانُوا يَكْفُرُونَ بِآيَاتِ اللَّهِ وَيَقْتُلُونَ الْأَنْبِيَاءَ بِغَيْرِ حَقٍّ ذَلِكَ بِمَا عَصَوْا وَكَانُوا يَعْتَدُونَ ﴾ [آل عمران: 111، 112].

 

هنا يخبرنا الله أنهم:

لا يمكن أن تكون لهم الغلبة على المسلمين، عندما يحققون شروط الأمة الوسط:

يقول ابن كثير في تفسيره: "قال تعالى مخبرًا عباده المؤمنين، ومبشرًا لهم أن النصر والظَّفَر لهم على أهل الكتاب الكفرة الملحدين: ﴿ لَنْ يَضُرُّوكُمْ إِلَّا أَذًى وَإِنْ يُقَاتِلُوكُمْ يُوَلُّوكُمُ الْأَدْبَارَ ثُمَّ لَا يُنْصَرُونَ ﴾ [آل عمران: 111]، وهكذا وقع، فإنهم يوم خيبر أذلَّهم الله، وأرغم آنافهم، وكذلك من قبلهم من يهود المدينة بني قَينقاع وبني النضير وبني قُريظة، كلهم أذلهم الله، وكذلك النصارى بالشام كسرهم الصحابة في غير ما موطن، وسلبوهم ملك الشام أبدَ الآبدين ودهر الداهرين، ولا تزال عصابة الإسلام قائمة بالشام حتى ينزل عيسى ابن مريم عليه السلام وهم كذلك، ويحكم عليه السلام بشرع محمد عليه أفضل الصلاة والسلام، فيكسِر الصليب، ويقتل الخنزير، ويضع الجزية، ولا يقبل إلا الإسلام"؛ [انتهى].

 

سبب عجزهم أنهم قوم ذليلون إلى يوم الدين؛ فقد كتب الله عليهم الذلة شرعًا وقدرًا إلى يوم القيامة؛ لكُفرهم بالله وآياته، ولِما كانوا يرتكبونه من آثامٍ بحق أنبيائهم:

﴿ ضُرِبَتْ عَلَيْهِمُ الذِّلَّةُ أَيْنَ مَا ثُقِفُوا إِلَّا بِحَبْلٍ مِنَ اللَّهِ وَحَبْلٍ مِنَ النَّاسِ وَبَاءُوا بِغَضَبٍ مِنَ اللَّهِ وَضُرِبَتْ عَلَيْهِمُ الْمَسْكَنَةُ ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ كَانُوا يَكْفُرُونَ بِآيَاتِ اللَّهِ وَيَقْتُلُونَ الْأَنْبِيَاءَ بِغَيْرِ حَقٍّ ذَلِكَ بِمَا عَصَوْا وَكَانُوا يَعْتَدُونَ ﴾ [آل عمران: 112].

 

فقد ألزمهم الله الذلة والصغار أينما كانوا فلا يأمنون ﴿ إِلَّا بِحَبْلٍ مِنَ اللَّهِ وَحَبْلٍ مِنَ النَّاسِ ﴾ [آل عمران: 112]، قال ابن عباس: أي: بعهد من الله وعهد من الناس.

 

﴿ وَبَاءُوا بِغَضَبٍ مِنَ اللَّهِ ﴾ [آل عمران: 112]؛ أي: ألزموا فالتزموا بغضب من الله، وهم يستحقونه، ﴿ وَضُرِبَتْ عَلَيْهِمُ الْمَسْكَنَةُ ﴾ [آل عمران: 112]؛ أي أُلزموها قدرًا وشرعًا؛ ولهذا قال: ﴿ ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ كَانُوا يَكْفُرُونَ بِآيَاتِ اللَّهِ وَيَقْتُلُونَ الْأَنْبِيَاءَ بِغَيْرِ حَقٍّ ﴾ [آل عمران: 112]، وإنما حملهم على ذلك الكِبر والبغيُ والحسد، فأعقبهم ذلك الذلة والصَّغار والمسكنة أبدًا، متصلًا بذلة الآخرة؛ ثم قال تعالى: ﴿ ذَلِكَ بِمَا عَصَوْا وَكَانُوا يَعْتَدُونَ ﴾ [آل عمران: 112]؛ أي: إنما حملهم على الكفر بآيات الله، وقتل رسل الله، وقيضوا لذلك، أنهم كانوا يُكثرون العصيان لأوامر الله عز وجل، والغشيان لمعاصي الله، والاعتداء في شرع الله، فعياذًا بالله من ذلك، والله المستعان.

 

قال ابن أبي حاتم: حدثنا يونس بن حبيب حدثنا أبو داود الطيالسي، حدثنا شعبة، عن سليمان الأعمش، عن إبراهيم، عن أبي معمر الأزدي، عن عبدالله بن مسعود رضي الله عنه، قال: "كانت بنو إسرائيل تقتل في اليوم ثلاثمائة نبي، ثم يقوم سوق بقلهم في آخر النهار"؛ [تفسير ابن كثير].

 

المفاضلة بين أهل الكتاب الجاحدين للرسالة وبين من لحِق منهم بأمة محمد صلى الله عليه وسلم:

﴿ لَيْسُوا سَوَاءً مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ أُمَّةٌ قَائِمَةٌ يَتْلُونَ آيَاتِ اللَّهِ آنَاءَ اللَّيْلِ وَهُمْ يَسْجُدُونَ * يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ وَيَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَيُسَارِعُونَ فِي الْخَيْرَاتِ وَأُولَئِكَ مِنَ الصَّالِحِينَ * وَمَا يَفْعَلُوا مِنْ خَيْرٍ فَلَنْ يُكْفَرُوهُ وَاللَّهُ عَلِيمٌ بِالْمُتَّقِينَ ﴾ [آل عمران: 113 - 115].

 

عن ابن مسعود قال: أخَّر رسول الله صلى الله عليه وسلم صلاة العشاء، ثم خرج إلى المسجد، فإذا الناس ينتظرون الصلاة، فقال: ((أمَا إنه ليس من أهل هذه الأديان أحدٌ يذكر الله هذه الساعة غيركم، قال: فنزلت هذه الآيات: ﴿ لَيْسُوا سَوَاءً مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ أُمَّةٌ قَائِمَةٌ ﴾ [آل عمران: 113] حتى بلغ: ﴿ وَاللَّهُ عَلِيمٌ بِالْمُتَّقِينَ ﴾ [آل عمران: 115]))؛ [رواه أحمد والنسائي].

 

وقال ابن عباس: قول الله عز وجل: ﴿ مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ أُمَّةٌ قَائِمَةٌ يَتْلُونَ آيَاتِ اللَّهِ آنَاءَ اللَّيْلِ وَهُمْ يَسْجُدُونَ ﴾ [آل عمران: 113]، من آمن مع النبي صلى الله عليه وسلم.

 

﴿ يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ وَيَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَيُسَارِعُونَ فِي الْخَيْرَاتِ وَأُولَئِكَ مِنَ الصَّالِحِينَ * وَمَا يَفْعَلُوا مِنْ خَيْرٍ فَلَنْ يُكْفَرُوهُ وَاللَّهُ عَلِيمٌ بِالْمُتَّقِينَ ﴾ [آل عمران: 114، 115]، "﴿ يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ ﴾ [آل عمران: 114] يعني: يقرون بالله ويصدقون بمحمد صلى الله عليه وسلم، ﴿ وَيَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ ﴾ [آل عمران: 114] قيل: هو عموم، وقيل: يُراد به الأمر باتباع النبي صلى الله عليه وسلم، ﴿ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ ﴾ [آل عمران: 114] والنهي عن المنكر النهي عن مخالفته، ﴿ وَيُسَارِعُونَ فِي الْخَيْرَاتِ ﴾ [آل عمران: 114] التي يعملونها مبادرين غير متثاقلين لمعرفتهم بقدر ثوابهم، وقيل: يبادرون بالعمل قبل الفوت، ﴿ وَأُولَئِكَ مِنَ الصَّالِحِينَ ﴾ [آل عمران: 114]؛ أي مع الصالحين، وهم أصحاب محمد صلى الله عليه وسلم في الجنة.

 

﴿ وَمَا يَفْعَلُوا مِنْ خَيْرٍ فَلَنْ يُكْفَرُوهُ ﴾ [آل عمران: 115]؛ أي: وما تفعلوا من خير فلن تُجحدوا ثوابه، بل يُشكر لكم وتُجازون عليه؛ [تفسير القرطبي].

 

• ثم إنهم لا تنفعهم كثرة مال ولا أولاد: ﴿ إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا لَنْ تُغْنِيَ عَنْهُمْ أَمْوَالُهُمْ وَلَا أَوْلَادُهُمْ مِنَ اللَّهِ شَيْئًا وَأُولَئِكَ أَصْحَابُ النَّارِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ * مَثَلُ مَا يُنْفِقُونَ فِي هَذِهِ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا كَمَثَلِ رِيحٍ فِيهَا صِرٌّ أَصَابَتْ حَرْثَ قَوْمٍ ظَلَمُوا أَنْفُسَهُمْ فَأَهْلَكَتْهُ وَمَا ظَلَمَهُمُ اللَّهُ وَلَكِنْ أَنْفُسَهُمْ يَظْلِمُونَ ﴾ [آل عمران: 116، 117].

 

فالذين آمنوا من أهل الكتاب التحقوا بأمة محمد وشملتهم الآيات، أما الذين أصروا على جحودهم مستقوين بأموالهم وأولادهم، فإن الله يخبر عنهم أن ما يظنونه قوة ومنعة، ليس بمنقذهم ولا مانعهم من عذاب الله.

 

قال مقاتل: لما ذكر تعالى مؤمني أهل الكتاب، ذكر كفَّارهم، وهو قوله: ﴿ إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا لَنْ تُغْنِيَ عَنْهُمْ أَمْوَالُهُمْ وَلَا أَوْلَادُهُمْ مِنَ اللَّهِ شَيْئًا ﴾ [آل عمران: 116].

 

ثم ضرب مثلًا لما ينفقه هؤلاء الكفار في هذه الدار؛ فقال تعالى: ﴿ مَثَلُ مَا يُنْفِقُونَ فِي هَذِهِ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا كَمَثَلِ رِيحٍ فِيهَا صِرٌّ ﴾ [آل عمران: 117]؛ أي: برد شديد، قاله ابن عباس، وعكرمة، وسعيد بن جبير، وقتادة والحسن، وغيرهم، وقال عطاء: برد وجليد، وعن ابن عباس أيضًا ومجاهد ﴿ فِيهَا صِرٌّ ﴾ [آل عمران: 117]؛ أي: نار، وهو يرجع إلى الأول، فإن البرد الشديد - سيما الجليد - يُحرِق الزروع والثمار، كما يُحرَق الشيء بالنار، ﴿ أَصَابَتْ حَرْثَ قَوْمٍ ظَلَمُوا أَنْفُسَهُمْ فَأَهْلَكَتْهُ ﴾ [آل عمران: 117]؛ أي: أحرقته، يعني بذلك السفعة إذا نزلت على حرث قد آن جَداده أو حصاده، فدمَّرته وأعدمت ما فيه من ثمر أو زرع، فذهبت به وأفسدته، فعدمه صاحبه أحوج ما كان إليه، فكذلك الكفار يمحق الله ثواب أعمالهم في هذه الدنيا وثمرتها، كما أذهب ثمرة هذا الحرث بذنوب صاحبه، وكذلك هؤلاء بنَوها على غير أصل وعلى غير أساس؛ ﴿ وَمَا ظَلَمَهُمُ اللَّهُ وَلَكِنْ أَنْفُسَهُمْ يَظْلِمُونَ ﴾ [آل عمران: 117]؛ [ابن كثير].

 

فائدة: قد يعتقد البعض أن هناك تناقضًا بين قوله تعالى: ﴿ لَنْ يَضُرُّوكُمْ إِلَّا أَذًى وَإِنْ يُقَاتِلُوكُمْ يُوَلُّوكُمُ الْأَدْبَارَ ثُمَّ لَا يُنْصَرُونَ ﴾ [آل عمران: 111]، وبين ما يحدث من انتصار وعلو لهؤلاء على المسلمين على أرض الواقع.

 

والحقيقة، بالطبع، أنه لا يوجد تناقض، وأنى للتناقض أن يجد مدخلًا إلى كلام رب العالمين سبحانه وتعالى؟

 

والجواب على ذلك يكون بالرجوع إلى الآية السابقة لهذه الآية، آية "خير أمة" التي لن يكون لهؤلاء عليها سبيلًا.

 

يقول تعالى: ﴿ كُنْتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ تَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَتَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَتُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَلَوْ آمَنَ أَهْلُ الْكِتَابِ لَكَانَ خَيْرًا لَهُمْ مِنْهُمُ الْمُؤْمِنُونَ وَأَكْثَرُهُمُ الْفَاسِقُونَ * لَنْ يَضُرُّوكُمْ إِلَّا أَذًى وَإِنْ يُقَاتِلُوكُمْ يُوَلُّوكُمُ الْأَدْبَارَ ثُمَّ لَا يُنْصَرُونَ ﴾ [آل عمران: 110، 111].

 

 

فالمقدمة هي أنتم بصفتكم: ﴿ خَيْرَ أُمَّةٍ ﴾ [آل عمران: 110]، والخاتمة هي ﴿ لَنْ يَضُرُّوكُمْ إِلَّا أَذًى ﴾ [آل عمران: 111]، وخير أمة هذه ذكر الله لها ثلاثة شروط:

• تأمرون بالمعروف.

 

• تنهون عن المنكر.

 

• تؤمنون بالله.

 

فإن اختلَّ أحد هذه الشروط، خرجنا عن "خير أمة"، وبالتالي خرجنا عن ماهية الضرر الذي يمكن أن يُلحقه بنا فسَّاق أهل الكتاب؛ الذين ذكرتهم الآية الأولى: ﴿ وَلَوْ آمَنَ أَهْلُ الْكِتَابِ لَكَانَ خَيْرًا لَهُمْ مِنْهُمُ الْمُؤْمِنُونَ وَأَكْثَرُهُمُ الْفَاسِقُونَ ﴾ [آل عمران: 110]، ووصفت ضررهم الآية الثانية: ﴿ لَنْ يَضُرُّوكُمْ إِلَّا أَذًى وَإِنْ يُقَاتِلُوكُمْ يُوَلُّوكُمُ الْأَدْبَارَ ثُمَّ لَا يُنْصَرُونَ ﴾ [آل عمران: 111].

 

وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين.

يتبع بإذن الله...





 حفظ بصيغة PDFنسخة ملائمة للطباعة أرسل إلى صديق تعليقات الزوارأضف تعليقكمتابعة التعليقات
شارك وانشر

مقالات ذات صلة

  • وقفات ودروس من سورة آل عمران (1)
  • وقفات ودروس من سورة آل عمران (2)
  • وقفات ودروس من سورة آل عمران (3)
  • وقفات ودروس من سورة آل عمران (4)
  • وقفات ودروس من سورة آل عمران (5)
  • وقفات ودروس من سورة آل عمران (6)

مختارات من الشبكة

  • وقفات مع سورة المرسلات (خطبة)(مقالة - آفاق الشريعة)
  • وقفات تربوية مع سورة النصر (خطبة)(مقالة - آفاق الشريعة)
  • وقفات تربوية مع سورة الكافرون (خطبة)(مقالة - آفاق الشريعة)
  • وقفات تربوية مع سورة الكوثر (خطبة)(مقالة - آفاق الشريعة)
  • وقفات تربوية مع سورة قريش (خطبة)(مقالة - آفاق الشريعة)
  • وقفات تربوية مع سورة الماعون (خطبة)(مقالة - آفاق الشريعة)
  • وقفات تربوية مع سورة الفيل (خطبة)(مقالة - آفاق الشريعة)
  • وقفات تربوية مع سورة العصر(مقالة - آفاق الشريعة)
  • وقفات تربوية مع سورة الهمزة (خطبة)(مقالة - آفاق الشريعة)
  • وقفات تربوية مع سورة التكاثر(مقالة - آفاق الشريعة)

 



أضف تعليقك:
الاسم  
البريد الإلكتروني (لن يتم عرضه للزوار)
الدولة
عنوان التعليق
نص التعليق

رجاء، اكتب كلمة : تعليق في المربع التالي

مرحباً بالضيف
الألوكة تقترب منك أكثر!
سجل الآن في شبكة الألوكة للتمتع بخدمات مميزة.
*

*

نسيت كلمة المرور؟
 
تعرّف أكثر على مزايا العضوية وتذكر أن جميع خدماتنا المميزة مجانية! سجل الآن.
شارك معنا
في نشر مشاركتك
في نشر الألوكة
سجل بريدك
  • بنر
  • بنر
كُتَّاب الألوكة
  • آلاف المسلمين يجتمعون في أستراليا ضمن فعاليات مؤتمر المنتدى الإسلامي
  • بعد ثلاث سنوات من الجهد قرية أوري تعلن افتتاح مسجدها الجديد
  • إعادة افتتاح مسجد مقاطعة بلطاسي بعد ترميمه وتطويره
  • في قلب بيلاروسيا.. مسجد خشبي من القرن التاسع عشر لا يزال عامرا بالمصلين
  • النسخة السادسة من مسابقة تلاوة القرآن الكريم للطلاب في قازان
  • المؤتمر الدولي الخامس لتعزيز القيم الإيمانية والأخلاقية في داغستان
  • برنامج علمي مكثف يناقش تطوير المدارس الإسلامية في بلغاريا
  • للسنة الخامسة على التوالي برنامج تعليمي نسائي يعزز الإيمان والتعلم في سراييفو

  • بنر
  • بنر

تابعونا على
 
حقوق النشر محفوظة © 1447هـ / 2025م لموقع الألوكة
آخر تحديث للشبكة بتاريخ : 19/5/1447هـ - الساعة: 15:48
أضف محرك بحث الألوكة إلى متصفح الويب