مجلس التعاون لدول الخليج العربية : قضايا الراهن وأسئلة المستقبل ( عرض كتاب )

مجلس التعاون لدول الخليج العربية

قضايا الراهن وأسئلة المستقبل

(عرض كتاب)

• عنوان الكتاب: مجلس التعاون لدول الخليج العربية: قضايا الراهن وأسئلة المستقبل.

• المؤلف: مجموعة من الباحثين.

• الناشر: مركز دراسات الوحدة العربية، بيروت، طبعة أولى، 2009م.

• عدد الصفحات: 280 صفحة.

تشهد دول الخليج العربي حَرَاكًا سياسيًّا كبيرًا ومتواصلاً، في ظلِّ التحديات الكبيرة التي تواجهها دول الخليج العربي، بوصفها واحدةً من أغنى مناطق العالم بالثَّروات النفطية والمعدنية، وتَمَاسها المباشر مع واحدة من أكثر بِقَاع العالَم توترًا واضطرابًا - الشرق الأوسط - وصلتها بقضية العرب والمسلمين الأولى - القضية الفلسطينيَّة - والتي لا يبدو أنَّ حَلاًّ شاملاً ونهائيًّا لمعضلتها سوف يرى النُّور في المستقبل القريب، يضاف إلى ذلك وقوعها في رَحَى الصِّراع الدولي الجديد بين القوى الغربية والدُّول النامية الممتلكة للتقنية النَّووية - الهند وباكستان - أو تلك الساعية للحصول عليها "إيران".

يندرج هذا الكتاب الذي جمع دراساتٍ وأبحاثًا مهمةً لعدد من الباحثين المهتمين بمنطقة الخليج العربي - ضِمْن سياق اهتمام مركز دراسات الوحدة العربيَّة بالأطر القانونيَّة والدستورية للأنظمة العربية، ونقاط الاتِّفاق والاختلاف بينها، والتحديات والإشكالات التي تواجهها، ضمن إطار اهتمامه بقضايا الوطن العربي بوجه عام، وبدول مجلس التعاوُن الخليجي بوجه خاص، في ظل إعجابه بالتجربة التي قامت بها دول المجلس، وإمكانيَّة تعميمها والاستفادة منها في إطار تجارب وحدودية أخرى.

وقد تناولتِ الدِّراسات والبحوث التي يتضمنها الكتاب قضايا وموضوعاتٍ مُتَّصلة باهتمامات مجلس التعاوُن وواقعه، مقدِّمة بذلك إسهامًا في إغناء تلك الموضوعات وإضاءة جوانب من الواقع، فضلاً عن إثارة أسئلة مشروعة حول آفاق ذلك التجمُّع العربي ومستقبله، وتأثيره في مستقبل تلك المنطقة بأكملها.

يبحث الكتاب في قسمه الأول طبيعة النظام السياسي والاجتماعي لدُول مجلس التعاوُن الخليجي، ويعرض لقضية تضمين "الإسلام" في دساتير دول المجلس، عبر تقديم تحليل كمي للإشارات الإسلاميَّة في الدساتير ومحددات النَّص على الإسلام فيها، ويؤكد الكتاب أن دساتير دول المجلس تشهد اختلافاتٍ من حيث روح الدستور والمرحلة العمرية له، وأنَّ هناك انعكاسًا للصراع بين الحداثة والتقليد فيه، وفرضًا للتقاليد الإسلامية على دساتير دول التعاون عبر مصطلحات ذات قيمة إسلاميَّة لا تجد المدلول ذاته في الممارسة.

وتتناول دراسة أخرى قضية صراع الهوية والمواطنة في الخليج العربي، مشيرةً إلى أن الخليج مثَّل تاريخيًّا منطقة تماسِّ الوطن العربي بعدد من العوالم، مما جعله عُرضة لتأثيرات مختلفة، وهي حالة جديدة سمتها الدِّراسة بالمجتمعات التعدُّدية التي تتأهل كما يبدو؛ لتحتل مكانَ الدولة القومية المؤسسة منذ القرن التاسعَ عشر في أوروبا، ويرى الباحث أنَّ تَجاوز هذه المعضلة لن يتمَّ إلا عبر تخلي الفرد والجماعة عن هويتهما المتعصبة الصَّغيرة بصورة طوعية وواعية.

وبَحَث القسم الثاني مشكلاتِ التنمية والتعاوُن في الخليج العربي، من خلال مجموعة من الدِّراسات المتعلقة بالعلاقة بين الانكشاف التِّجاري والتجارة البينيَّة في دول مجلس التعاوُن الخليجي، وقضية العمالة الوافدة وتَحدِّيات الهوية الثقافية في دول الخليج، من خلال استعراض طبيعة العمالة الوافدة، وما تفرضه من تحديات على الهوية الثقافيَّة للمنطقة، بحيث ينعكس ذلك في تزايد الهواجس الخاصَّة بقضية التوطين، واستنزاف الموارد وبروز التحديات الأمنية.

وتخلُص الدِّراسة إلى أنَّ العمالة الوافدة بالتركيبة الحالية تقتضي اتِّخاذ عدد من الإجراءات الإستراتيجيَّة، التي تتعلق بوضعية هذه العمالة، ودَورها ووظيفتهامن قبل عددٍ من الدول والجهات الرسمية.

وتشير الدراسة إلى أنَّ الدول الخليجية تقوم بجهود كبيرة لمواجهة التحديات التي تفرضها هذه العمالة الأجنبية؛ إذ تقوم الحكومات بعددٍ من الإجراءات التي تتمثل في "خلجنة" الوظائف، وتشجيع القطاع الخاص على تبني العمالة الوطنية، ووضع نسق من الإجراءات الموضوعية لتنظيم دخول العمالة وَفقًا لمبدأ الحاجة، منتقدة اقتصار الطابع العام لهذه الإجراءات على الجانب الاقتصادي والمالي، في الوقت الذي تُشكِّل فيه العمالة الوافدة ظاهرة ثقافية اجتماعية أيضًا.

في القسم الثالث من الكتاب، تتناول البحوث المعروضة قضية السُّلطة ومعضلات الديمقراطية في دول الخليج العربي، وتناقش قضية مستقبل الديمقراطية في المنطقة، وتحديات الإصلاح السياسي في دول المجلس ومستقبله، كما يتناول حقيقة ما يسمى بـ"الليبرالية الخليجية".

فيشير الكتاب إلى وجود مُعوِّقات كثيرة ولَّدت ما يُسمَّى "الاستعصاء"، أمام الليبرالية الجديدة التحرُّرية في منطقة الخليج، وفي دراسة أخرى حول التعددية السياسية ومشكلة البيروقراطية السُّلطِيَّة، تشير الدراسة إلى أنه لا يمكن الحديث في منطقة الخليج عن الديمقراطية، وسُبُل تعزيزها، قبل التأكد من وجود تعددية سياسية حقيقية، الأمر الذي يفترض مواجهة العقبات التي تواجه التعددية بداية.

في القسم الأخير من الكتاب، يتناول الباحثون قضيةَ الخليج العربي في المحيطين الإقليمي والدولي، من خلال مناقشة محددات السياسة الخارجيَّة الصينية تُجاه منطقة الخليج، والتي خلصت إلى تسجيلِ اتِّصاف السياسة الخارجيَّة الصينية تُجاه منطقة الخليج "بالمرونة"، والتغير حسب مقتضيات المصالح الصينية، مع بيان أثر العلاقة الصينية بكل من الولايات المتحدة وروسيا عليها، ورغبة الصين بتحقيق نسب مرتفعة من النُّمو الاقتصادي السَّريع.

بينما تناولت دراسة أخرى أَثَرَ نذر الحرب الرابعة على دول الخليج، من خلال إثارة قضية الحشد العسكري الأمريكي الذي شهدته المنطقة عام 2007؛ لتوجيه ضربة عسكرية محتملة إلى إيران في سياق صراع الطرفين على البرنامج النووي الإيراني.

لقد سلَّط الكتابُ الضوء على كثير من القضايا والتحديات التي تشغل دول الخليج العربي، ونَجَح في مقاربة عدد كبير منها، إلا أنَّ عدم التزام الكتاب بوحدة موضوعيَّة زمنية لدراساتِه أسهم في تشتيت القارئ أحيانًا؛ مِمَّا أفقد مباحث الكتاب ترابطها العضوي المطلوب.