• الصفحة الرئيسيةخريطة الموقعRSS
  • الصفحة الرئيسية
  • سجل الزوار
  • وثيقة الموقع
  • اتصل بنا
English Alukah شبكة الألوكة شبكة إسلامية وفكرية وثقافية شاملة تحت إشراف الدكتور سعد بن عبد الله الحميد
 
الدكتور سعد بن عبد الله الحميد  إشراف  الدكتور خالد بن عبد الرحمن الجريسي
  • الصفحة الرئيسية
  • موقع آفاق الشريعة
  • موقع ثقافة ومعرفة
  • موقع مجتمع وإصلاح
  • موقع حضارة الكلمة
  • موقع الاستشارات
  • موقع المسلمون في العالم
  • موقع المواقع الشخصية
  • موقع مكتبة الألوكة
  • موقع المكتبة الناطقة
  • موقع الإصدارات والمسابقات
  • موقع المترجمات
 كل الأقسام | مقالات شرعية   دراسات شرعية   نوازل وشبهات   منبر الجمعة   روافد   من ثمرات المواقع  
اضغط على زر آخر الإضافات لغلق أو فتح النافذة اضغط على زر آخر الإضافات لغلق أو فتح النافذة
  •  
    تفسير: (ذلك جزيناهم بما كفروا وهل نجازي إلا ...
    تفسير القرآن الكريم
  •  
    تخريج حديث: الاستطابة
    الشيخ محمد طه شعبان
  •  
    ثمرات الإيمان بالقدر
    تركي بن إبراهيم الخنيزان
  •  
    العشر وصلت... مستعد للتغيير؟
    محمد أبو عطية
  •  
    قصة موسى وملك الموت (خطبة)
    د. محمود بن أحمد الدوسري
  •  
    من أقوال السلف في أسماء الله الحسنى: (الشاكر، ...
    فهد بن عبدالعزيز عبدالله الشويرخ
  •  
    وقفات مع القدوم إلى الله (12)
    د. عبدالسلام حمود غالب
  •  
    تلك الوسائل!
    التجاني صلاح عبدالله المبارك
  •  
    حقوق المسنين (2)
    د. أمير بن محمد المدري
  •  
    تعوذوا بالله من أربع (خطبة)
    عبدالله بن عبده نعمان العواضي
  •  
    حكم المبيت بالمخيمات بعد طواف الوداع
    د. محمد بن علي اليحيى
  •  
    الخواطر والأفكار والخيالات وآثارها في القلب
    عبدالعزيز أبو يوسف
  •  
    طائر طار فحدثنا... بين فوضى التلقي وأصول طلب
    محفوظ أحمد السلهتي
  •  
    محبة القرآن من علامات الإيمان
    الشيخ أ. د. عرفة بن طنطاوي
  •  
    ملخص من شرح كتاب الحج (10)
    يحيى بن إبراهيم الشيخي
  •  
    نبذة عن روايات ورواة صحيح البخاري
    د. هيثم بن عبدالمنعم بن الغريب صقر
شبكة الألوكة / ثقافة ومعرفة / التاريخ والتراجم / تاريخ
علامة باركود

عمران دمشق

د. محمد مطيع الحافظ

مقالات متعلقة

تاريخ الإضافة: 8/3/2015 ميلادي - 17/5/1436 هجري

الزيارات: 6510

 حفظ بصيغة PDFنسخة ملائمة للطباعة أرسل إلى صديق تعليقات الزوارأضف تعليقكمتابعة التعليقات
النص الكامل  تكبير الخط الحجم الأصلي تصغير الخط
شارك وانشر

شذرات من تاريخ دمشق وخصائصها حتى منتصف القرن العشرين

(1) عمران دمشق

لم يبقَ في دِمَشق من عاديات الأمم البائدة قبل الإسلام إلا القليل، ومنها الآثار الرومانية فيها، ولا جرم أن دولة الرومان التي طال عمرها في هذه الديار كان لها مَن تسخِّرهم من الأسرى والأرقاء في إنشاء مصانعها، ومن آثارها هنا: الشارع الأعظم، ويدعى المستقيم، كان ممتدًّا من الباب الشرقي إلى باب الجابية؛ أي: من الشرق إلى الغرب، وطوله 1600 متر، وفيه طريق للركبان، وآخر للمشاة، ويظهر منه اليوم الباب الشمالي من الباب الشرقي، وقسم من الباب الأوسط (الكبير)، أما باب الجابية فبقي جزء صغير منه.

 

ومن آثار الرومان: أصول قلعة دِمَشق في غربها، وتعاورها بعض الفاتحين بالترميم في أدوار كثيرة، ولا تزال بعض جدرانها قائمة، وأكثرها خراب، وقد اتخذها كثير من ملوك الطوائف ونور الدين وأخلافه دار إمارة، وجاءت بعض العصور وهي أشبه بمدينة فيها جميع المرافق، وأقيم فيها جامع بخطبة.

 

ومن آثار القدماء بدِمَشق: سور البلد، وهذا أيضًا جار عليه الدهر فنُقض مرات، ورُمِّم مرات في الدول الإسلامية.

 

وهناك بقايا أنقاض بيعة اسمها: حنانيا، يعود عهد بنائها إلى القرن الرابع للمسيح.

 

وربما اختار المسلمون بدِمَشق لأول أمرهم البناء باللَّبِن والطين والخشب، ثم تحول البناء إلى الحجر في بعض السنين.

 

بنى معاوية قصر الإمارة جنوب المسجد الأموي، وسُمي بالخضراء؛ لقبة خضراء قامت عليه، وبنى الأمويون بيوتهم في جوار الجامع، وكان لمعظمهم قصور في الغوطة، ومنهم من كان يؤثر نزول البادية؛ لئلا يخمل أبناؤهم بعيش الحضارة.

 

وجاء الخليفة الوليد بن عبدالملك، وكان مولعًا بالعمران، فبنى الجامع الأموي، وصالح النصارى على النصف الذي أبقاه لهم الفاتحون، وعوَّضهم عن نصفه أربعين ألف دينار، وكان بدِمَشق خمس عشرة كنيسة للنصارى صولحوا عليها، فقال المؤرخون: وهدم ما كان من المذابح والأبنية والحنايا، حتى بقي عرصة مربعة، ثم شرع ببنائه بفكرة جيدة على الصفة الحسنة الأنيقة التي لم يشهد قبلها مثلها.

 

وذكر المؤرخون أن الوليد أتى بالصنَّاع والمهندسين من الروم، وبناه على أعمدة من الرخام طبقتين، الطبقة التحتانية أعمدة كبار، والتي فوقها صغار، في خلالها صورة مدينة وشجرة في الدنيا معمولة بالفسيفساء بالذهب والخضرة والصفرة، وكان ابتداء عمارته في أواخر سنة 86هـ، وتكامل في عشر سنوات، وقبل أن يكون بيعة للنصارى كان معبدًا للصابئة وللكلدان والسريان ... وكان طول الحرم الأصلي من الشرق إلى الغرب 1300 قدم، وعرضه من الشمال إلى الجنوب 1000 قدم، فهو ربع مساحة دِمَشق في تلك الأيام، أنفق الوليد على تشييده وتزيينه خراج الشام سنتين، وقيل: أكثر من ذلك، وكان خراجها ألف ألف دينار ومائتي ألف دينار كل سنة.

 

فجاء أجمل جامع في الإسلام، يليق بالخلافة الإسلامية، وبقي جماله إلى سنة 461هـ أيام ذهبت محاسنه في الحريق الذي وقع في دولة الفاطميين (العُبَيديين)، وقد حرق ست مرات في عصور مختلفة، وكان آخر حريق أصابه في سنة 1311هـ[1]، فأعيد إلى ما كان عليه، كما كان يعاد في كل حريق.

 

ووصف ابن منقذ الكناني هذا الجامع بقوله:

وكأن جامعَها البديعَ بناؤُه
ملك يمير من المساجد جحفلا
ذو قبة رُفعت فضاهت قُلة
ومنابر بُنيت فحاكت معقلا
تبدو الأهلَّة في أعاليها كما
يبدو الهلالُ تعاليًا وتهللا
ويُريك سقفًا بالرصاص مدثَّرًا
يعلو جدارًا بالرخام مزملا
قد ألَّف الأقوامُ بين شكوله
فغدا الرُّخام بذاته متشكلا
لم يرضَ تجليلاً بجصٍّ فانبرى
بالفَصِّ يعلو والنضار مجللا
فإذا تذر الشمس فيه تخاله
بَرقًا تألَّق أو حريقًا مشعلا
فكأنما محرابه من سندسٍ
أو لؤلؤ وزمُّرد قد فصلا
وتخال طاقات الزجاج إذا بدت
منه للَحْظِك عبقريًّا مسدلا
تبدو القبابُ بصحنه لك مثلما
تبدو العرائس بالحلي لتجتلى
وعلت به فوارة من فضة
سالت فظنُّوها معينًا سلسلا
وببابه حركات ساعات إذا
فتحت لها باب تراجع مقفلا

 

وفي أيام الوليد كان الناس يتكلمون في البنايات والعمائر لزيادة رغبته في البناء، فبنت الناس المجالس الحسان؛ عملًا بسنة الخليفة، (مشاكلة الناس لزمانهم)، وهو الذي عمَّر الضِّياع، وحفر الآبار، وأقام المنارات في الطرق، وهدم المساجد القديمة وزاد فيها، وشيد دور المرضى، وكان إذا ازدادت أموال الجباية ولم يجد أحدًا يقبل الصدقات يبني بها المساجد، وشيد من جاء بعده الفنادق، ودور الضيافة، والخانات، وكل ما يسهل العيش ويجلب الراحة.

 

وظل الدِّمَشقيون يسيرون على خطة خليفتهم الوليد في عمارة بلدهم في القرون التالية، لم ينزع منهم هذا الغرام، حتى قال بعض المؤرخين: إن الدِّمَشقيين في ظاهر مدينتهم وداخلها من القصور الجميلة ما يدل على شدة ولوعهم بإتقان أبنيتهم، والحرص على آثارهم، وهذه الخَلَّة مشاهَدةٌ فيهم إلى اليوم، وعندهم أن من النقص في صاحب السَّعة ألا يملك دارًا قوراء (واسعة) منجدة بالفرش الجيد، مستجمعة أسباب الراحة والنعيم.

 

عمرت دِمَشق في العهد الأموي عمرانًا ما عهدت مثله في القرون الغابرة، ولا في القرون اللاحقة؛ فأبقى كل واحد من خلفاء بني أمية أثرًا فيها، مع أن ملكهم لم يدُمْ أكثر من ألف شهر، وجاء العباسيون فكان بعض المتقدمين من خلفائهم - كالرَّشيد والمأمون - يختلفون إليها، كما قال ابن عساكر، طلبًا للصحة، وحُسن المنظر؛ فقد أقام بها المأمون وأجرى إليها قناة من نهر منين إلى معسكره بدير مران، وبنى القبة التي في أعلى الجبل، وصيَّرها مرقبًا يوقد في أعلاها النار؛ لكي ينظر إلى ما في عسكره، وصارت هذه القباب بعد ذلك للإعلام بحركات العدو، وأقام أيضًا مرصدًا فلكيًّا في الجبل.

 

ومن أهم القصور القديمة:

القصرُ الذي بناه المأمون بين دِمَشق وداريا، ولا يعرف اليوم محله، وفيه نزل المتوكل العباسي لما نقل دواوين الخلافة من بغداد إلى دِمَشق، وكان المأمون مُعجَبًا بما ترك الأمويون من الآثار، ولا سيما جامعهم، قال صاحب الأغاني: إن المأمون دخل دِمَشق فطاف فيها، وجعل يطوف على قصور بني أمية، ويتتبع آثارهم، فدخل صحنًا من صحونهم فإذا هو مفروش بالرخام الأخضر كله، وفيه بِركة يدخلها الماء ويخرج منها من عين تصب إليها، وفي البركة سمك، وبين يديها بستان، على أربع زواياه سروات كأنها قُصَّت بمِقراض من التفافها.

 

كانت صورة دِمَشق على شكل مربع الأضلاع مستطيل، ولها ثمانية أبواب، وربما زاد عدد الأبواب في بعض العصور، وردمت بعض الأبواب الأخرى، وأحسن بعض المتأخرين من أهل دِمَشق إذ قال:

دِمَشق في أوصافِها
جنَّة خُلد راضيه
أمَا ترى أبوابها
قد جُعِلت ثمانيه


وكانت متاجر المدينة وأسواقها داخل السور، والبناء في ربضها يكثر ويقل تبعًا للأمن وقوة السلطان؛ فقد كانت في القرن السادس أحياء العقيبة والشاغور والمزاز وقبر عاتكة والشويكة والقنوات وسويقة صاروجا (سوق ساروجا) والعنابة - من الأحياء الخارجة عن السور، ثم اتصلت بالمدينة كما اتصل ميدان الحصا بها، وكان الميدان قرية في الجنوب تربطها بالمدينة تلك الجادة العظمى من باب الجابية إلى باب مصر، أو بوابة الله.

 

وكان الشرف الأعلى والأدنى في غربي المدينة عامرينِ بقصور الأغنياء ورجال الدولة، وفيها المدارس الحسان، والمساجد، والأسواق إلى القرن التاسع، فسطا عليها الخراب، وكذلك كان شأن محلة العنابة؛ فإنها خربت في ذلك العصر تقريباً، وعُمرت الصالحية في سفح قاسيون من الشمال في القرن السادس والسابع، حتى أصبحت بمدارسها وجوامعها وأسواقها وخاناتها مدينةً برأسها، ثم تحيفها الخراب في العصور التالية، ونهضت في العصر الحديث؛ فالعُمران كان يمتد إلى الجنوب وإلى الشمال وإلى الغرب، وجاء زمن والعمران متصل بدِمَشق من الغرب إلى الربوة، وكانت هذه عامرة أشبه ببلدة صغيرة فيها مدارس وجوامع، وأسواق ومقاصف وحمامات، وفيها قصور الأغنياء، وإلى جنبها قصر الفقراء الذي بناه نور الدين محمود بن زنكي ليصطافوا فيه كما يصطاف السَّراة، ووقف عليه قرية داريا من أعظم قرى الغوطة، وفي ذلك يقول الشاعر:

إن نورَ الدِّين لَمَّا رأى
في البساتينِ قصورَ الأغنياء
عمَّر الرَّبوةَ قصرًا شاهقًا
نزهة مطلَقة للفقراء

 

وحُرق قصر الإمارة في فتنة الفاطميين، فبقيت دِمَشق بدون دار إمارة، ولما ملكها تاج الدولة تتش في سنة 471هـ بنى دار الإمارة في القلعة، وزاد فيها شمس الملوك دقاق، وأنشأ بابين للقلعة مع دار المسرة فيها والحمام المُحدث على صيغة اخترعها، وبنية افترعها، وصفة آثرها.

 

ولا أثر لِما بناه جعفر بن فلاح لَمَّا فتح دِمَشق للفاطميين سنة 358هـ، وكان نزل بظاهر سور دِمَشق فوق نهر يزيد، وأقام أصحابه هناك الأسواق والمساكن، وصارت شبه مدينة، واتخذ لنفسه قصرًا عجيبًا من الحجارة، وجعله عظيمًا شاهقًا في الهواء، غريب البناء، وهذا القصر من المفقود، كما أنه لا أثر لِما بناه موسى الأشرف بن العادل من القصور والمتنزهات الحسنة في القرن السابع، ولم يبقَ أثر لقصور السكسكي، التي كانت بهجة الأنظار في القرن الثالث في إقليم بيت لهيا على نحو ميل من شمالي دِمَشق، وكانت في أملاكه هناك عدة قصور مبنية بالحجارة والخشب الصنوبر والعرعر، في كل قصر منها بستان ونهر يسقيه، وكان كل جليل يقدم من الحضرة، أي من بغداد، أو من مصر، يريد الحضرة ينزل عنده وفي قصوره، وما خلا عصر من مثل هذه القصور يُقِيمها أهل اليسار من التجار وغيرهم، أو رجال الدولة وأصحاب الوجاهة.

 

وفي العصور الحديثة شيدت قصور كثيرة في المدينة وربضها، ومنها ما أنفق عليه من أموال مغصوبة؛ فخربت بعد قليل، (والحجر المغصوب في البناء أساس الخراب) كما قيل، وكان في الصالحية محل يسمى القصر، عمره أبو البقاء الصفوري سنة 1035هـ، وكان يضرب المثل بقاعته، وكان ابن قرنق صدر دِمَشق عمَّر الأماكن البهية، ومن جملتها هذا القصر.

 

ومن أجمل أمثلة البناء الجميل الباقي أكثرُه: دار أسعد باشا العظم في جوار جامع بني أمية، انتهت عمارتها سنة 1174هـ، وهي مثال من هندسة الدور في العهد الأخير، اشترتها حكومة فرنسا من ورثتها، وجعلتها معهدًا للدراسات العلمية، وقد حرقت في ثورة سنة 1925م قاعتها، وكانت أجمل ما حوت تلك الدار، ثم أصبحت متحفًا للتقاليد الشعبية.

 

وفي القرن الخامس دخل دِمَشق طراز من دور العلم، سموه بالمدرسة، وأول مدرسة أُنشِئت للقرآن في سنة 444هـ، أنشأها رشأ بن نظيف المقرئ الدِّمَشقي، وكثرت بعد ذلك دور القرآن ودور الحديث، ومدارس الحنفية والشافعية والمالكية والحنابلة، والزوايا والرباطات، أنشأها الملوك وأتباعهم من الأمراء والعتقاء والجواري، وبعض أهل الخير من التجار والأغنياء، وختم تاريخ نهضة وعز المدارس بانقراض ملوك الطوائف والهجمات التترية ودخول الدولة العثمانية.

 

ذكر صاحب كتاب الدارس - وهو مما أُلِّف بعد خمس سنين من دخول العثمانيين - أن في دِمَشق 7 دور للقرآن، و18 دارًا للحديث، و57 مدرسة للشافعية، و51 مدرسة للحنفية، و4 مدارس للمالكية، و10 مدارس للحنابلة، وكان بها أربع مدارس للطب، ومدرسة للهندسة، وفي دِمَشق وصالحيتها 26 خانقًا، و23 رباطًا، و26 زاوية، وأكثر هذه المدارس والرباطات خربت قبل عهد العثمانيين، ولما غادروا دِمَشق ما كان فيها من تلك المعاهد سوى بضع مدارس، أكثرها خراب، سطا عليها أهلُ الجوار، أو باعها أكلة الأوقاف، وكانت هذه المدارس مدةَ قرون أشبه بكليات لمدرسة جامعة كبرى، تدرس فيها بعض علوم القدماء إلى جانب علوم الدِّين واللغة، ومنها خرَج أعاظم الأمة، وكانت من أجمل الأدوات في إخراج المسلمين من الأمية، تتعاور هذا الواجب مع الجوامع والكتاتيب التي يقِفُها أهلُ الخير لتعليم اليتامى والفقراء القرآنَ والخطَّ، وتكون على الأغلب على أبواب الجوامع، أو على مقربة منها؛ ليألَفَ الصِّغار الصلاة فيها منذ نعومة أظفارهم.

 

ولابن منقذ الكناني في المدارس:

ومدارس لم تأتِها في مُشكِل
إلا وجدتَ فتًى يحُلُّ المُشكلا
ما أَمَّها امرؤٌ يكابِدُ حيرةً
وخَصاصةً إلا اهتدى وتموَّلا
وبها وقوفٌ لا يزال مَغَلها
يستنقذ الأُسرى ويُغني العَيلا
وأئمَّة تلقي الدروس وَسَادة
تشفي النفوس وداؤُها قد أعضلا
ومعاشر تَخِذوا الصنائعَ مكسبًا
وأفاضل حفِظوا العلوم تجملا

 

ومن القصور التي كان يقصِدها الزائرون من الأقطار: قصر الأبلق غربي دِمَشق، وهو قصرٌ عظيم، بُني من أسفله إلى أعلاه بالحجر الأسود والأصفر بإحكام عجيب، بناه الظاهر بيبرس (668هـ)، قالوا: وكان مِن عجائب الدنيا، فرش بالرخام البديع الحسن المؤزر بالرخام، المفصل بالصدف والفَص المذهب إلى سجف السقف، وكان على واجهته الشرقية مائة أسد، وعلى الشمالية اثنا عشر أسدًا منزَّلة صورها بأبيض في أسود، والأسد شعار (رنك) الملك الظاهر، ثم بُنيت على أنقاضه التكية السليمانية.

 

وعلى مثال قصر الأبلق، بنى الناصر محمد بن قلاوون القصر الأبلق بقلعة الجبل بالقاهرة، وبقي أبلق دِمَشق عامرًا إلى دخول العثمانيين، وهو مِن عمل إبراهيم بن غنائم المهندس، ومن عمله أيضًا المدرسة الظاهرية الباقية إلى اليوم، واسم هذا المهندس العظيم ما برح منقورًا في الحجر في زاوية باب الظاهرية على يسار الداخلِ إليها.

 

كثرت الجوامع والمساجد في الدولتين النورية والصلاحية، وزاد عمرانُ هذه المدينة في القرن السادس، وفيه كانت - كما قال الرحَّالة ابن جُبير - أكثرَ مدن الأرض سكانًا، يضاف هذا إلى ما كان لها مِن الغنى الماثل في مصانعها ومساكنها، وجوامعها ومدارسها، ذهب كل هذا في فتن الفاتحين المخربين، ولم يبقَ منه إلا بعضه، وهو على تشعُّثِه وخرابه يدلُّ على ذلك العزِّ الذي كان لدِمَشق.

 

ولقد اشتهرت دِمَشق بحماماتها؛ لتدفُّق المياه عليها من كل صوب، واشتهرت حماماتها بأناقة بنيانها، وحُسن نظافتها، وفي حماماتها المحدَثة في القرن العاشر وما بعدُ: مقاصير من القاشاني البديع، وآخر ما دثر منها حمام القيشاني، وحمام الخياطين، وحمام الملكة.

 

وكان في دِمَشق في القرن التاسع مائة حمام، وأربعة وستون خانًا، وأهم خاناتها القديمة اليوم: خان أسعد باشا، وخان سليمان باشا، وخان الحرير.

 

وعمَّر السلطان سليم لما فتح دِمَشق سورًا وأبراجًا من قرية القابون شمالًا إلى آخر المدينة جنوبًا، وجعل في ذلك السور أبوابًا تُغلق على المدينة، وعمَّر جامعًا ومدفنًا على قبر محيي الدين بن عربي بالصالحية، ومدرسة قرب المدرسة السليمانية التي بناها ابنه السلطان سليمان القانوني مكان القصر الأبلق في المرج الأخضر.

 

اشتهرت دُور دِمَشق بأن داخلها حوَى الجمالَ برمته، وخارجها لا ينبئ عن شيء كثير، وهذا يومَ كان جلُّ الاعتماد في البنيان على الطين والخشب، يومَ قال فيها البُحتري:

وتأمَّلتُ أن تَظَلَّ ركابي
بين لبنان طلَّعًا والسنير
مشرفات على دِمَشق وقد أع
رض منها بياض تلك القصور

 

والبيت الدِّمَشقي في العادة عبارة عن صحن أو فناء فسيح، في وسطه حوض ماء يتدفق إليه من أُنبوب أو فوَّارة لا تنقطع جريتها، وقد غرست من الرياحين والأشجار المثمرة كل جميل وعَطِر، وعلى جوانب هذا الصحن: المَخادعُ والغُرَف والقاعات، وفي القاعة بِركة ماء أيضًا، وربما جرت على قامة في الجدار؛ لتزيد في رطوبة المحل في الصيف، وفي الطبقة الثانية: العلالي، وهي خاصة بالشتاء على الأغلب؛ فبيوت دِمَشق القديمة حوَتْ جميع المرافق، ومنها: الحديقة، والأشجار، والمياه.

 

والغالب أن الزلازل في الدهر السالف دعَتِ الأهلين ألا يستخدموا الحجر في بنيانهم إلا نادرًا، أما اليوم فالمعول عليه في البناء: الحجر والإسمنت المسلح والآجُرُّ والقرميد، لكن الطراز القديم في البناء أقربُ إلى حفظ الحرارة واتقاء البرد من الطراز الحديث، وأبان ابن منقذ الكناني عن هذا العمران بقوله:

وإذا مررتَ على المنازل معرضًا
عنها قضى لك حُسنُها أن تقبلا
إن كنت لا تسطيع أن تتمثل ال
فِرْدوس فانظُرْها تكن متمثلا
وإذا عنان اللحظ أطلقه الفتى
لم يلقَ إلا جنَّةً أو جدولا
أو روضة أو غيضة أو قبة
أو بِركة أو رَبوة أو هيكلا
أو واديًا أو ناديًا أو ملعبًا
أو مذنبًا أو مَجْدلاً أو موئلا
أو شارعًا يزهو برَبْعٍ قد غدا
فيه الرخام مجزعًا ومُفَصلا

 

اشتهرت دِمَشق بأديارها قبل الإسلام، ومِن أعظمها: دير مُرَّان في السفح الغربي من قاسيون، كان مطلًّا على مزارع الزعفران، وقد ظلَّ عامرًا إلى القرن السابع، وقال فيه الشعراء من القصائد والمقاطيع كل مرقص، وكان مقصدَ الخلفاء والأمراء وأرباب اللهو والقصف وعشاق الطبيعة، وكان بالسفح في محلة الصالحية أكثر من دَير، تُطِل كلُّها على المدينة وغوطتها، وفيها أشجار السرو، ولا نعلم في أي قرن دثرت، كما أنَّا نجهل الزمن الذي دثرت فيه أديار الغوطة.

 

ومن أجمل ما أبقت الأيام عليه من البناء الفائق بهندسته: المستشفى النوريُّ، المعروف بالمارستان داخل المدينة، والمستشفى القَيْمري في السفح، فإن واجهتيهما وواجهة المدرسة الظاهرية من أجمل ما سلِم من العاديات، قال رحالة كبير قديمًا: إن هذين المستشفيين من مفاخر الإسلام، وقد جرى مؤخرًا ترميم واجهتيهما ترميمًا خفيفًا، وأعيدا إلى النحو الذي كانا عليه، كما رُمِّمت عدة جوامع ومآذن وقبور، فعاد إليها بعض رونقها القديم، ورُمِّمت واجهة المدرسة الظاهرية، وفيها دفن الملك الظاهر وابنه الملك السعيد، وفي الظاهرية دار الكتب الوطنية، وهي قبالة العادلية أعظم مدارس الشافعية، حُرق ثلثها، وحرقت خزانة كتبها في فتنة تيمورلنك، واستصفى أهل الجوار جزءًا منها بعد حين، والباقي منها متعة الأنظار، وهي دار المجمع العلمي العربي، وفيها خزانة كتبه وردهة محاضراته سابقًا، ومن آثار الظاهر بيبرس، عدا المدرسة المنسوبة لاسمه، وعدا القصر الأبلق الداثر، ما جدده من شراريف رؤوس قلعة دِمَشق ورؤوس أبراجها، وبنى الطارمة التي كانت على سوق الخيل، وبنى حمامًا خارج باب النصر، وجدد ثلاثة إصطبلات على الشرف الأعلى، وجدد مشهد زين العابدين في الجامع الأموي، ورؤوس الأعمدة والأساطين، وذهَّبها، وجدد باب البريد، ودُور الضيافة للرُّسل المترددين.

 

وما خلا عصر المماليك والعثمانيين بعدهم من آثار جميلة، ومنها: جامع تنكز سنة 740هـ، وكان تنكز كيلبغا وبرسباي وكافل سيباي وجقماق مولعين بإقامة الجوامع والمدارس التي ازدانت بها دِمَشق؛ فإن يلبغا أنشأ جامعًا عظيمًا سنة 847هـ، وأقام برسباي سنة 852هـ جامعه المعروف بـ: جامع الورد، وأقام كافل سيباي جامعه (السباهية) الذي سماه العلماء (جمع الجوامع)؛ لأن صاحبه لم يترك مسجدًا مهدمًا ولا مدفنًا معمورًا إلا أخذ منه الأحجار والرخام والأعمدة، وهو في باب الجابية، جُعل مدرسة ابتدائية منذ أواخر القرن التاسع عشر، ومن مشهور جوامعهم: جامع التوبة في العقيبة، وجامع منجك في الميدان، ومدرسة الجقمقية، أمام المدرسة السُّمَيْساطية على الباب الشمالي من الجامع الأموي، والمدرسة الصابونية مقابل تربة باب الصغير، ومن مدارس العثمانيين: السنانية، من إنشاء سنان باشا في ساحبة باب الجابية، ومدرسة إسماعيل باشا العظم، وأهم أعمالهم: التكية السليمانية، والتكية السليمية، وجامع ابن عربي، وفي المعاهد الثلاثة الأخيرة نموذجات مهمة من القاشاني، وللتكية السليمانية العظيمة - نسبة لسليمان القانوني - روعة عظيمة، ولها مئذنتان جميلتان، وقيل: إن هذه المدرسة العظيمة من بناء المعمار سنان التركي المشهور، ودفن فيها مؤخرًا بعض ملوك بني عثمان، شغلت سابقًا الجامعة السورية قسمًا منها، وبقي القسم الأكبر جامعًا.

 

ومن المآذن العظيمة: المئذنة الغربية بالجامع الأموي، عمرها سلوان بن علي المعمار في عهد المماليك، ومئذنة جامع كافل سيباي، ومئذنة جامع المعلق سنة 1058هـ، وهذا الجامع من أجمل الأبنية في دِمَشق، وأجمل منابر دِمَشق منبر جامع الجراح في الشاغور قرب مقبرة باب الصقير، ومنبر جامع الحنابلة في السفح، ومنبر جامع مراد باشا ومحرابه، ومحراب جامع التوبة، ومنبر جامع الشيخ عبدالغني النابلسي وسقفه وشعريته في السفح.

 

كل هذا من عمل الأمراء، ومنه ما عمل رجاء الثواب وحب الخير، ومنه ما أريد به الظهور وحماية أموال الباني بوقفها على ما بنى.

 

وكان عمران المدينة أيام العثمانيين كئيبًا، وتكدس الناس في رقعة ضيقة، يجعلون الأزقة ملتوية ليختبئوا وراءها، وتكون لهم متاريس ساعة يدور القتال في الشوارع والحارات، وكان من نصيب الدور القديمة أن اختبأت في هذه الأزقة، ولا ينمُّ ظاهرها إلا عن فقرٍ وخَصاصة.

 

ومن أهم الآثار النفيسة في العهد التركي الأخير: سكة حديد الحجاز لنقل الحجاج والمسافرين، وطولها 1303 كيلو مترات، كانت تمتد من دِمَشق إلى المدينة المنورة، عمرت بإعانات العالم الإسلامي، ومحطتها من أجمل الآثار الحديثة هندسة، وبالسكك الحديدة التي ربطت دِمَشق بحيفا، وبيروت وحلب والموصل، وبالترام الذي ربط شمال دِمَشق بجنوبها، وغربها بشمالها الشرقي، حتى بلغ دومة حاضرة الغوطة، أصبحت دِمَشق كالقاهرة مرتبطة مع الضواحي، ولقد اتسعت المدينة من الشمال منذ أنشئ المستشفيان الأسكتلندي والفرنسي في حي القصاع.

 

وامتد العمران في الجنوب، فعمرت عدة محلات وأحياء جديدة، وأهم ما تم من العمران كان في الشمال والغرب من دِمَشق، وفيه قامت الدور الجديدة والقصور المنيفة، منها قصر (خورشيد) العابد، وهو قصر رئاسة الجمهورية السورية القديم، وقصر ناظم باشا، وغير ذلك من الأبنية، وبعضها عمر بأموال التجار على طراز البيوت ذات الطبقات الثلاث والأربع، فخرجت هندسة البيوت عن طراز البيوت أمس ذات الطبقتين فقط، هذا والقوم زهدوا في سكنى البيوت العتيقة على جمالها، وكرهوا البيوت الواسعة في أحياء عامة وأزقة ضيقة وتحتاج إلى خدمة كثيرة.

 

خطط دِمَشق ومنشآتها:

تنقسم دِمَشقإلى قسمين متجاورين: المدينة القديمة، والمدينة الحديثة، يقوم القسم القديم حول جامع بني أمية والقلعة داخل السور وظاهره، وقد حافظت أحياؤها على مظهرها القديم، ويخترق هذه المنطقة من الغرب إلى الشرق شارعان: الأول شارع الملك فيصل الهاشمي، يمتد شمال سور المدينة، ويصل ساحة الشهداء (المرجة) بمحلتي القصاع، وباب توما، وكان يمر به خط ترام طوله أحد عشر كيلو مترًا يصل دومة بدِمَشق، وفي هذا الشارع حوانيت الحدادين وبائعي البقول والأثمار، وحواصل الخشب، وفيه سوق الخضراوات القديم (الهال)، وفيه جامعان أثريان: جامع السادات، وجامع المعلق.

 

والشارع الثاني سوق مدحت باشا، يقع إلى الجنوب وداخل السور، وهو جزء من الشارع المستقيم القديم الذي يصل باب الجابية بالباب الشرقي، وتكثر في هذا الشارع متاجر النسيج الوطني، والأعبئة، والكوفيات، والعقل، والنحاسون، وبين هذين الشارعين سوق، وهو سوق الحميدية جنوبي القلعة، وينفذ منه إلى جامع بني أمية، وهو من أهم أسواق المدينة، تتمركز فيه الحركة التجارية، وفيه أكبر مخازن المصنوعات السورية والأجنبية، وبين هذا السوق وسوق مدحت باشا تتجدد اليوم محلة سيدي عمود، التي قضى عليها حريق عام 1925 (سوق الحريقة حديثًا)، ويعارض هذه الشوارع عدد كبير من الطرق والأزقة؛ ليسهل اتصال هذه الشوارع بعضها ببعض.

 

وهنالك عدة شوارع متسلسلة تمتد من شمال المدينة إلى جنوبها، تبتدئ من ساحة الشهداء، فتخرق محلة السنجقدار وباب الجابية والسنانية والسويقة، وباب المصلى والميدانين التحتاني والفوقاني، وتنتهي عند باب مصر الواقع في أقصى جنوب المدينة، ومنه كان يخرج حجَّاج بيت الله الحرام، في هذا الشارع كان خط ترام طوله ثلاثة كيلو مترات ونصف كيلو متر، وفيه عدد كبير من المتاجر البسيطة، معظم علاقتها مع القرويين، ولا سيما الميدان، وباب المصلى مركز تجارة الحبوب.

 

وقد حافَظ أكثر أقسام هذه الشوارع الأخيرة على حالتها القديمة، ونصيبها من التجديد والعمران ضئيل، وأشهر آثارها - إذا ابتدأنا من الشمال - جامع درويش باشا، وتربته، والمدرسة السباهية (كافل سيباي)، وجامع العجمي، وتربة بهادر آص، والمدرسة الصابونية، وتربة الشيباني، وتربة الشيخ حسن، وجامع جوبان، وجامع صهيب، وجامع منجك، وجامع فلوس، وزاوية سعد الدين، والمدرسة الرشيدية، وقد أحيطت المدينة القديمة منذ عهد قريب بشوارع جديدة إحاطة السوار بالمعصم؛ حتى يتجه العمران إليها، وتخفَّ وطأة الازدحام في شوارع المدينة الرئيسة.

 

لا يتأتَّى لمن يجول في المدينة القديمة أن يظفر بجميع محاسنها على وجه السرعة، اللهم إلا ما يشاهده من مساجد وخانقاهات وحمامات وبيمارستانات عمرت في شوارع ضيقة وبين أبنية وضيعة، قد يستغرب المرء تشييدها بينها، ويدهش للبون الشاسع والتناقض الصريح بين مظهريهما، ولا يمكن أن يدرك سر وجودها في هذا الوسط ما لم يجتَزْ هذه الجدران البسيطة ويطلع على ما وراءها ليرى دورًا شرقية كصور ألف ليلة وليلة، فيها باحات واسعة مرخمة بالمرمر، تظللها الأشجار والرياحين، وإيوانات شارعة، وقاعات مزخرفة، وبِرَك ماء جارية تبهج الأبصار وتنعش النفوس، وعندئذ تتجلى له حقيقة دِمَشق، وما كانت عليه من العظمة في العصور القديمة، ويدرك سبب شهرتها، وافتتان الناس قديمًا بمحاسنها، وإكثار الشعراء من وصفها.

 

وعلى ذِكر الشوارع لا بد من الإشارة إلى أن بعض أسواق المدينة لا تزال مغطاة غير مكشوفة على نحو ما كانت الشوارع في معظم بلاد الشرق قديمًا، ومن الشوارع المسقوف بجملون من حديد أو حجر أو خشب وطين؛ مثل: سوق الحميدية، وسوق مدحت باشا، وسوق الذراع، وسوق الأروام، وسوق الحرير والقوافين والسكرية، وسوق القطن، ومصلبة باب السريجة، وباب الجابية والسنانية.

 

وقد امتد البناء الجديد في غرب سفح جبل قاسيون حتى اتصل بمحلة الصالحية وحي الأكراد وساحة الشهداء، وتقدر مساحة ما تجدد من المساكن في هذه المنطقة بأكثرَ مِن مساحة المدينة القديمة، وكان يربط الأحياءَ القديمة بالأحياء الجديدة خطُّ ترام طوله 3200 متر، يمر من جادة الصالحية حتى المهاجرين، ويتفرع عنه خط ثانٍ من الجسر متجهًا إلى حي الشيخ محيي الدين طوله 1000 متر، ثم ألغي الترامُ في أوائل الثلث الأخير من القرن العشرين بسبب عرقلته لسير السيارات، ومصور الأحياء الجديدة والصالحية يشبه طيارة مطاردة، جناحها الأيمن حي الأكراد والصالحية، وجناحها الأيسر حي المهاجرين، ومؤخرتها محلة عرنوس والشهداء، وهذه الأقسام خالية من كل أثر قديم، أما محلَّة الأكراد والصالحية فغنيَّة بالأبنية الأثرية، وأشهرها: المدرسة العمرية، والتربة الخاتونية، والبدرية، والمدرسة الأتابكية، والجامع المظفري، والمدرسة الجهاركسية، والركنية، والصاحبة، والبيمارستان القيمري، وتربة السيدة حفيظة، والخاتونية، والمدرسة المرشدية، والتربة القيمرية، والتكريتية، وجامع الشيخ محيي الدين بن عربي.

 

وأمَّا أحدث الأبنية وأجمل القصور فتقوم غربي محلتي الشهداء وعرنوس؛ حيث تنشأ أحياء غربية مجردة من الطابع الشرقي، وقد أصبح الفرق بين أحياء المدينة القديمة والحديثة عظيمًا جدًّا، من حيث طراز البناء والعادات، فبينما نرى المدينة القديمة لم تزَلْ حريصةً على تقاليدها الشرقية الإسلامية نرى عكس ذلك في الأحياء الجديدة؛ حيث أصبح السفور ولُبس القبعات وكشف الرأس ولبس (الشورت) وحف الشاربين من الأمور المألوفة.

 

إن الأقسام الجديدة هي مناطق سكن، ليس فيها سوى حوانيت بسيطة في جادة الصالحية، وقد اختار الأجانب هذه المنطقة لسكناهم، وفيها البرلمان السوري والقصر الجمهوري.

 

وقد خَطَت دِمَشق خطوات سريعة في سبيل العمران، وأُنشئت فيها أحياء حديثة، وتجددت أخرى؛ كحي أبي رمانة، والمالكي، والمزة الجديدة، وبرنية، والعدوي، مما يبشر المدينة بمستقبل زاهر، لا سيما بعد أن وضع لها مخطط روعي فيه أحدث أساليب العمران، وقد أنجز تنظيم مدخل دِمَشق، فصار يدخل إليها القادم من بيروت من شارع عريض طوله خمسة كيلو مترات بين الحدائق والأشجار، يطل منه على ملعب المدينة، ودار الآثار، وجامعة دِمَشق، ومدرسة التجهيز، وتكية السلطان سليمان، وهو أحد متنزهات المدينة التي تغبط عليها، وقد ضُمَّت إلى دِمَشق: المِزَّة، وكفرسوسة، وداريا، والقابون، وبرزة، وجوبر، وزملا، وجرمانا، واليرموك، وبذلك اتسعت رقعة دِمَشق، وازداد سكانها، واكتظَّت حركة السيارات فيها.

 

المصادر والمراجع:

اقتباس واختصار وزيادة من: [تاريخ دِمَشق لابن عساكر]، و[خطط الشام] و[دِمَشق مدينة السحر والجمال] للأستاذ محمد كرد علي، و[الأعلاق الخطيرة] لابن شداد، و[منتخبات التواريخ لدِمَشق] للحصني.



[1] للتوسع في حرائق الجامع الأموي يستحسن الرجوع إلى كتاب: (حريق الجامع الأموي وبناؤه)، جمع وتحقيق: محمد مطيع الحافظ.





 حفظ بصيغة PDFنسخة ملائمة للطباعة أرسل إلى صديق تعليقات الزوارأضف تعليقكمتابعة التعليقات
شارك وانشر

مقالات ذات صلة

  • الطريق إلى دمشق
  • فتح دمشق
  • سكان دمشق وخصائصهم
  • المدرسة البادرائية في دمشق: تحقيق تاريخي

مختارات من الشبكة

  • موسى عليه السلام (1)(مقالة - موقع الشيخ عبد القادر شيبة الحمد)
  • مع سورة آل عمران(مقالة - آفاق الشريعة)
  • حوادث دمشق اليومية (6)(مقالة - ثقافة ومعرفة)
  • دور القرآن بدمشق وضواحيها(مقالة - مكتبة الألوكة)
  • وقفات ودروس من سورة آل عمران (1)(مقالة - آفاق الشريعة)
  • فقه العمران في القرآن (خطبة)(مقالة - آفاق الشريعة)
  • تفسير قوله تعالى: {إن الله اصطفى آدم ونوحا وآل إبراهيم وآل عمران على العالمين ...}(مقالة - آفاق الشريعة)
  • سورة آل عمران (6) الدنيا متاع الغرور(مقالة - موقع الشيخ إبراهيم بن محمد الحقيل)
  • أهم ما ترشد إليه الآية الكريمة: آيات مختارة من سورة الفاتحة والبقرة وآل عمران (PDF)(كتاب - مكتبة الألوكة)
  • تدبر خواتيم سورة آل عمران (خطبة)(مقالة - آفاق الشريعة)

 



أضف تعليقك:
الاسم  
البريد الإلكتروني (لن يتم عرضه للزوار)
الدولة
عنوان التعليق
نص التعليق

رجاء، اكتب كلمة : تعليق في المربع التالي

مرحباً بالضيف
الألوكة تقترب منك أكثر!
سجل الآن في شبكة الألوكة للتمتع بخدمات مميزة.
*

*

نسيت كلمة المرور؟
 
تعرّف أكثر على مزايا العضوية وتذكر أن جميع خدماتنا المميزة مجانية! سجل الآن.
شارك معنا
في نشر مشاركتك
في نشر الألوكة
سجل بريدك
  • بنر
  • بنر
كُتَّاب الألوكة
  • مسابقة للأذان في منطقة أوليانوفسك بمشاركة شباب المسلمين
  • مركز إسلامي شامل على مشارف التنفيذ في بيتسفيلد بعد سنوات من التخطيط
  • مئات الزوار يشاركون في يوم المسجد المفتوح في نابرفيل
  • مشروع إسلامي ضخم بمقاطعة دوفين يقترب من الموافقة الرسمية
  • ختام ناجح للمسابقة الإسلامية السنوية للطلاب في ألبانيا
  • ندوة تثقيفية في مدينة تيرانا تجهز الحجاج لأداء مناسك الحج
  • مسجد كندي يقترب من نيل الاعتراف به موقعا تراثيا في أوتاوا
  • دفعة جديدة من خريجي برامج الدراسات الإسلامية في أستراليا

  • بنر
  • بنر

تابعونا على
 
حقوق النشر محفوظة © 1446هـ / 2025م لموقع الألوكة
آخر تحديث للشبكة بتاريخ : 29/11/1446هـ - الساعة: 21:31
أضف محرك بحث الألوكة إلى متصفح الويب