• الصفحة الرئيسيةخريطة الموقعRSS
  • الصفحة الرئيسية
  • سجل الزوار
  • وثيقة الموقع
  • اتصل بنا
English Alukah شبكة الألوكة شبكة إسلامية وفكرية وثقافية شاملة تحت إشراف الدكتور سعد بن عبد الله الحميد
 
الدكتور سعد بن عبد الله الحميد  إشراف  الدكتور خالد بن عبد الرحمن الجريسي
  • الصفحة الرئيسية
  • موقع آفاق الشريعة
  • موقع ثقافة ومعرفة
  • موقع مجتمع وإصلاح
  • موقع حضارة الكلمة
  • موقع الاستشارات
  • موقع المسلمون في العالم
  • موقع المواقع الشخصية
  • موقع مكتبة الألوكة
  • موقع المكتبة الناطقة
  • موقع الإصدارات والمسابقات
  • موقع المترجمات
 كل الأقسام | مقالات شرعية   دراسات شرعية   نوازل وشبهات   منبر الجمعة   روافد   من ثمرات المواقع  
اضغط على زر آخر الإضافات لغلق أو فتح النافذة اضغط على زر آخر الإضافات لغلق أو فتح النافذة
  •  
    موقف الشيعة من آيات الثناء على السابقين الأولين ...
    الدكتور سعد بن فلاح بن عبدالعزيز
  •  
    الحج: أسرار وثمرات (خطبة)
    د. محمد بن مجدوع الشهري
  •  
    فضل بعض أذكار الصباح والمساء
    رمضان صالح العجرمي
  •  
    المال الحرام
    د. خالد النجار
  •  
    نصائح متنوعة
    الشيخ عبدالله بن جار الله آل جار الله
  •  
    قصة موسى عليه السلام (خطبة)
    الدكتور أبو الحسن علي بن محمد المطري
  •  
    تخريج حديث: أن النبي صلى الله عليه وسلم أمر ...
    الشيخ محمد طه شعبان
  •  
    خطبة: لا تغتابوا المسلمين (باللغة البنغالية)
    حسام بن عبدالعزيز الجبرين
  •  
    مفهوم المعجزة وأنواعها
    د. أحمد خضر حسنين الحسن
  •  
    ملخص من شرح كتاب الحج (8)
    يحيى بن إبراهيم الشيخي
  •  
    من أقوال السلف في أسماء الله الحسنى: (الشافي، ...
    فهد بن عبدالعزيز عبدالله الشويرخ
  •  
    موانع الخشوع في الصلاة
    السيد مراد سلامة
  •  
    وقفات مع القدوم إلى الله (11)
    د. عبدالسلام حمود غالب
  •  
    شموع (107)
    أ.د. عبدالحكيم الأنيس
  •  
    المنة ببلوع عشر ذي الحجة (خطبة)
    الشيخ محمد بن إبراهيم السبر
  •  
    أهمية التعلم وفضل طلب العلم
    د. حسام العيسوي سنيد
شبكة الألوكة / ثقافة ومعرفة / فكر
علامة باركود

أثر الإسلام في تغيير مفهوم العالم لمعنى الرحلة

وائل عزت معوض

مقالات متعلقة

تاريخ الإضافة: 28/6/2009 ميلادي - 5/7/1430 هجري

الزيارات: 37225

 حفظ بصيغة PDFنسخة ملائمة للطباعة أرسل إلى صديق تعليقات الزوارأضف تعليقكمتابعة التعليقات
النص الكامل  تكبير الخط الحجم الأصلي تصغير الخط
شارك وانشر

لقد عَرَف العالَم ثلاثةَ أنواع من الرَّحلات قبل الإسلام، وهي الرحلات الحربيَّة، والرحلات التجارية، والرحلات السفارية أو الدبلوماسية، وسوف نتناولها باختصار.

أولاً: الرحلات الحربية:
وكانت لا تهدف إلاَّ إلى التوسُّع في الأرض على حساب الأمم الضعيفة؛ بغرض استغلال مواردها، وفرْض سيادتها والسيطرة عليها، فالحرب ليس لها هدفٌ إلاَّ السَّلب والنَّهب، وافتقدت معظم هذه الرَّحلات للبعد الجغرافي، لم تستفد الجغرافيا ولا الرحلة من هذه الرحلات.

ثانيًا: الرحلات التجارية:
كان هدف الرحلات التجارية لا يخرج عن نِطاق اكتشافِ أسواق جديدة، وبَيْع أكبر كمية من المنتجات والغلاَّت، واكتساب أكبر قدرٍ من الأموال، ولقد شغلت التجارة الحيزَ الأكبر من تفكير هؤلاءِ التجار، الأمر الذي شَغلهم عن تَرْك أيِّ أثر لوصف تلك البلاد التي شاهدوها، ولتكون دليلاً لِمَن يأتي وراءهم، ربَّما كان هذا التكتُّم مقصودًا من قِبَل التجار؛ حتى لا يتابعهم أحدٌ، وينافسهم في تلك الأسواق الجديدة.

ثالثًا: الرحلات السفارية أو الدبلوماسية (التكليفيَّة):
والرِّحلة السفاريَّة رحلةٌ تكليفيَّة تصدر بأمر من السُّلطة الحاكمة، أو مَن يمثلها، وقد وظَّفت الدولة القديمة السِّفارة، لنقل الرسائل المتبادلة بين دولتين، أو بين حاكم الدولة وأحد ولاته، وقد تكون الرِّسالة شفويةً أو مكتوبة، ولم يكن للسفير دَورٌ مرسوم غير حمل الرِّسالة وتوصيلها، فلا يُعتمد على السَّفير في عقد صلح أو إبرام اتفاقية، ولم تكن هذه الرِّحلة منتظمة، فقد كانت حسب رغبة السُّلطة، وهي رحلات ذات رؤية قاصرة ومحدودة في نطاق ضيِّق محدَّد لها سلفًا.

أثر الإسلام في تغيير مفهوم العالم لمعني الرحلة:
توسَّع المسلمون فيما عرفه العالَم من رحلات قبل الإسلام، كما وضعوا لها أهدافًا وأُسسًا استمدُّوها من مبادئِ الإسلام، ولقد غيَّر الإسلام مفهومَ العالَم للرحلة، حسب التشريع الإسلاميِّ الإلهي، فوضع لكلِّ رحلة غرضًا، وهذا الغرض مشروطٌ بعدم تعارضه مع مبادئ الإسلام وشرائعه، فأسهم الرَّحَّالة المسلمون في وضْع قواعدَ وشروطٍ ثابتة لأدب الرحلات، تتناسب مع عالميَّة التشريع الإسلامي وسماحته.

أولاً: رحلة الجهاد أو الفتوحات الإسلامية:
غيَّر الإسلام مفهوم الرِّحلة الحربية من مفهوم القِتال من أجل السَّلب والنهب، إلى وضْع مفهوم عالمي لفلسفة القتال، حيث جعل للقِتال أُسسًا واضحة، وأهدافًا مشروعة، وشروطًا ومصالحَ إنسانيَّة نبيلة يجب أن تُحترم، لقد جعل الإسلام من الجِهاد فريضةً واجبة على كلِّ مسلم قادر، إمَّا لدفع العدوان، أو عندما توضع العقبات والعراقيل أمامَ نشْر الدِّين الإسلامي، ومنع وصوله إلى الناس لإخراجهم من ظُلمات الجهل إلى نور المعرفة ورحابة العِلم.

كان قادة الجيوش الإسلاميَّة يقومون بوصف المناطق التي سوف تكون ميدانًا جديدًا للفتوحات الإسلاميَّة، ويكتبُ كلُّ قائد تقريرَه، ويرفعه إلى الخليفة مباشرة، وكذلك كان يفعل العمَّال والولاة المعيَّنون على البلاد المفتوحة، بعد إتمام فتْحها، واستتباب الأمن فيها واستقرار المسلمين بها.

لقد كانتِ الفتوحات الإسلاميَّة أوَّلَ رحلة عربيَّة وإسلاميَّة كبرى حول العالَم القديم؛ بل هي عبارةٌ عن مجموعة من الرحلات المتواصلة، فلأوَّل مرَّة يخرج المسلمون من الجزيرة العربية بشكل جماعيٍّ كبير ومهول ومنظَّم، في شكل فتوحات وغزوات لأُمم وبلدان ذات حضارات وثقافات، وعلوم وفنون، مثل: الفرس والرُّوم ومصر، وقد لَعِب الجنودُ والقادة والولاة في الفتح الإسلامي دورَ الرَّحَّالة، حيث قاموا بوصْفِ وتصويرِ ما شاهدوه من مشاهدَ وروايات عن البلاد المفتوحة، وكانتِ الأخبار التي يتناقلها جنودُ الفتوحات عن تلك البلدان، ووصفهم لِمَا شاهدوه من طبيعتها ومناخها، وخيراتها وطبائع أهلها، كلُّ ذلك حرَّك الرَّغبة الكامنة في النفوس، والتي شجَّع عليها الإسلام، فكانت هي المحرِّك الأوَّلَ لرغبات الاستكشاف، والضرب في مجاهل الأرض، وكان تداولهم للحقائق والمعارف التي تحصَّلت عليها القيادة العسكريَّة بدون مبالغة، ولا تهويل ولا تشويه، فلا يكتمونها كما كتَمَها مَن قبلهم، فَضَاعتْ معارفهم وطُويت مع الزَّمن.

وكان لهذه الفتوحات أثرُها في نشْر الدِّين الإسلامي في العالَم، كما سهَّلت الفتوحاتُ الإسلامية أسبابَ الرِّحلة للتجار والدعاة إلى الدِّين الإسلامي، حيث فرضت الدولة الإسلامية سيطرتَها على الطرق الكبرى، بين الأقاليم المختلفة، وقام الجيش بتأمينها، فإذا كان الجيش الإسلامي قد قَهَر تلك البلادَ وأخضعها لسُلطان الإسلام، فلماذا لا يُغامر التجار؟ ولماذا لا يتحمَّل الدعاة مشاقَّ التبليغ والدَّعوة إلى الإسلام وتبليغه للنَّاس كافَّة؟! ولماذا لا يَسيح المسلمون في الأرض؛ كما حثَّهم على ذلك القرآن الكريم؟!

ولم يقتصر دَورُ العرب على وصْف الطرق والمسالك فقط، بل تعدى هذا الدور إلى وصْف الأُمم والممالك والإمبراطوريات، وشعوب البلدان المجاوِرة للدولة الإسلاميَّة، التي لم تُفتح بعدُ، كوصف بلاد الصِّين والهند، والفرس والروم، فازدهرتِ التجارة بين الشُّعوب الإسلاميَّة، وشعوب البلدان المفتوحة، ثم تعدَّدت علاقات التعاون، وتشعَّبتِ المصالح مع البلاد المجاورة للدَّولة الإسلاميَّة، فنشأ التبادُلُ التجاريُّ مع أمم كالصِّين والهند، والجزر المتعدِّدة في المحيط الهندي.

ثانيًا: الرحلات التجارية:
غيَّر الإسلام مفهومَ الرحلة التجارية من اقتصار هدف التاجر على الكَسْب، وجمع المال فقط، إلى اتِّساع هذا الهدف؛ ليكونَ التاجرُ داعيًا إلى نشْر الدِّين الإسلامي، حاملاً رسالةَ التبليغ بالتي هي أحسن، بجانب السَّعي على الرِّزق والكسب، كان التاجر حريصًا على كسْبِ القلوب بحُسن معاملته، وبشاشةِ وجهه وصِدْق تعاملاته، وكلُّ ذلك من تعاليم الإسلام، وكأنَّ الإسلام وجَّه هذه الرِّحلة وجهةً دعويَّة، ففتح الله بها البلاد بلا قِتال، أو استعمال السَّيف.

كانت التجارة دافعًا قويًّا للسفر، خاصَّة بعد اتساع رقعة الدولة الإسلامية، وعدم وضْع الحواجز أو العوائق، وعمل الخلفاءُ المسلمون على تمهيد الطُّرق وتعبيدها وتأمينها، كما أنَّ الإسلام قد فَرَض ثقافتَه الداعية إلى الأمن ونشْر السلام، أدَّى ذلك إلى زيادة نشاط الرَّحلات التجارية، كما كانت التجارة سببًا من أسباب رواج وازدهار أدب الرَّحلات، حيث ألجأت التجارة التجار إلى الانتشار في أرْض لم يعرفوها، ولغة لم يُتقنوها، وطِباع أُناسٍ لم يألفوها، وأجناس من البَشر لم يخالطوهم من قبل، ولم يُعاشروهم، ولم يعاملوهم من قبلُ، وتناقل التجَّارُ أخبارَ رحلاتهم ومشاهداتهم، التي كثيرًا ما شابها المبالغة والمغالاة في الوصْف وتعظيم الصورة، وتهويل المواقف والأحداث، وتحمَّلت طبقةُ التجار - وخاصَّة المغامرين منهم - أعباءَ الرحلات، فخاضوا غمار البحر، من أجْل الكشفِ الجغرافي للمسالك والممالك والأسواق الجديدة؛ ترويجًا للسِّلع المحليَّة، كلبان عمَّان، وبخور اليمن، ولآلئ الخليج والند والصندل، وجَلْب السِّلع الرائجة، التي تحتاجها الأسواق المحليَّة في بلاد الإسلام، كحرير الصِّين، وأخشاب الهند، وجواهر سيلان، وعطور التبت.

لقد كانتْ طبقة التجَّار بمثابة المحرِّك الاقتصادي العالمي للدولة الإسلاميَّة، والعالَم ككلٍّ، وفي القرن الثاني للهجرة كان التجَّار أوَّل مَن وصل إلى الصِّين خلالَ رحلاتهم للتِّجارة والتبادُل التجاري مع الصينيِّين، إلى درجة أنَّهم كوَّنوا جالياتٍ إسلاميَّة مستقلَّة في الدول التي تاجروا معها، مثل الهند والصِّين، وقد تمتَّعت هذه الجاليات بامتيازات كبيرة.

حتى إنَّهم كانوا يُعيِّنون قاضيًا لهم لحلِّ مشكلاتهم كتلك التي قامتْ بميناء خانفو الصِّيني، وكان العرب يحصلون على جوازاتٍ تسمح لهم بالتنقُّل في داخل بلاد الصين بغرض التِّجارة، وكان ميناء سيراف هو المركزَ الرئيسَ للرَّحَّالة العرب، ومنه كانوا ينطلقون إلى الصِّين، وفيه تجتمع السِّلع الواردة من البصرة وعمان، وغيرها من المدن العربية، وامتدَّ نشاط التجَّار العرب، حتى شواطئ الصين وكوريا شرقًا، وإلى روسيا وشمال أوروبا، وإلى الجُزر البريطانية وأيسلندا غربًا.

وكما أحدثَ التجَّارُ حالةً من الرَّواج التجاري، عَمِلوا حالةً من النشاط الدِّيني والدعوي، فعملوا على نشْر الإسلام في شرْق وغرب إفريقيا، والهند والصين وأندونيسيا، وجزيرة جاوة وسومطرة، والمالديف والفلبِّين، وساعدهم في ذلك علاقتهم الحَسَنة بالشُّعوب، وحرية انتقالهم في تلك البلاد، كما ساعَدَهم على ذلك هيبةُ وقوَّة الدولة الإسلاميَّة.

ثالثًا: الرحلات السفارية:
كان مصعب بن عمير هو أوَّل سفير في الإسلام، حيث كلفه النبي - صلَّى الله عليه وسلَّم - بنشْر الدَّعوة الإسلاميَّة في المدينة، فقام مصعبٌ بمهمَّته خيرَ قيام، ومهَّد مجتمع المدينة النبويَّة لاستقبال النبي   -   صلَّى الله عليه وسلَّم.

ومن أهمِّ المهام التي كان يُكلَّف بها السفير: التوسُّط في فضِّ الخصومات، وتصفية النِّزاعات (سفراء صلح الحديبية)، وتبليغ الدَّعوة إلى أقطار العالَم؛ "اتخذ النبي - صلَّى الله عليه وسلَّم - سفراءَ له للقِيام بتبليغ الدَّعوة الإسلاميَّة للملوك والحكَّام في كلِّ أرجاء العالَم"، ونظرًا لخطورة المهمَّة التي يقوم بها السفير وَضَع الإسلام للسِّفارة شروطًا وضوابطَ مهنيَّة وأخلاقية، فيجب أن يتوافر فيه الشروط التي يجب توافرُها في الملِك في بعض الأحيان، حيث يقرِّر السفير مصيرَ الشعب، حيث يُمثِّل السفير مصالحَ عامَّة عليا، فليس للرَّحَّالة مصلحةٌ شخصية، فقد سَمَا الإسلام بالسفارة، حيث نقلها من الأغراض المعاشيَّة الدنيويَّة إلى درجات الأعمال الدِّينية الهادفة، والإنسانيَّة النبيلة.

لقد كانت السِّفارة هي التي تقوم بتسهيل وتذليل تلك الصِّعاب للبعثة المكلَّفة بالبحث، ومع نموِّ وازدهار الدولة الإسلاميَّة وتوسُّعها، في الفتوحات الإسلامية، حيث ترامت أطراف الدَّولة، وتشابكت مصالحُها مع البلاد المفتوحة، وتعدَّدت عَلاقاتُها في شتَّي أغراض الحياة المختلفة، فنظَّمت الدولة وهيَّأت آفاقَ الاتصال بين أجزاء الدَّولةِ بعضِها ببعض، وبين الدَّولة وغيرها من الدُّول عن طريق السِّفارات والبَعثات، ممَّا فتح لهم أبواب معرفة علميَّة جديدة، عَرَفوا من خلالها أخبارَ مجاوريهم معرفةً دقيقة.

"تولَّت رحلةُ السِّفارة أمرَ العلاقات الخارجيَّة مع غير المسلمين، وعملت على سبيل حُسْن الجوار والتفاهُم على الصَّعيد الدَّولي كما تولَّت أيضًا مسؤوليةَ نقْل وإبلاغ التعليمات والأوامر من وليِّ الأمر في عاصمة الدولة إلى عُمَّاله في الأمصار"[1]، أو تخطُب وُدَّ حاكمِ دولة أخرى، أو تُبلِّغ تحذيرًا، وفي النهاية ليس للسَّفير همٌّ إلاَّ إنجاز مهمَّته التي كُلِّف بها، ولقد أضافت الرحلة السفارية بُعدًا ثقافيًّا وسياسيًّا لأدب الرحلات ورؤيةً جديدة للعالَم، أساسها المصالح المشتركة، والعَلاقات الطيِّبة والأرضيَّة المشتركة، وكان السفير الرَّحَّالة يقوم بوصف كلِّ شيء خلال الرحلة، بداية من الطريق وكيفية استقباله، وتسجيل انطباعاته عن البلد الذي يزوره، وأحوال سُكَّانه، وتحليل الأوضاع السائدة فيه، وذلك بمقدرة فائقة في الملاحظة الدقيقة، وروعةٍ في الوصْف وجودة في التصوير، مبديًا معرفتَه الجيِّدة بقواعد السُّلوك الدبلوماسي، ولا يغيب عنه الأهداف الأساسيَّة من المهمَّة المكلَّف قيامه بها.

ومن أشهر هذه الرحلات:
رحلةُ أحمد بن فضلان إلى بلاد البلغار، بتكليف من الخليفة العباسيِّالمقتدر بالله سَنةَ 309هـ/921م، وهي بَعثةٌ دبلوماسيَّة لتقوية الروابط بين شعْبِ ومَلِك البلغار المسلم، وبين الدولة الإسلاميَّة، ولتعليم البلغار فروضَ الإسلام وشرائعَه.

ولقد استمرَّ هذا اللَّون من الرحلات، وكُتب له الذيوع والرواج، حتى بدايات العصر الحديث، حيث ظهر بالدولة العثمانيَّة طرازٌ خاصٌّ من أدب الرحلات، في القرن السابع عشر والثامن عشر، يُسمَّى (سفارتنامة)، وظهر هذا النَّوع من أدب الرحلات عندما بدأ الأتراك يتَّجهون بأبصارهم إلى أوروبا، وسرعانَ ما كُتِب لهذا النَّوع الذُّيوعُ والرَّواج، ولقد ظهر هذا الطراز من الكتابة نتيجةَ النشاط الدبلوماسيِّ للدولة العثمانيَّة، والذي أسفر عن قيام علاقات قويَّة مع عدد كبير من الدول في الشرق والغرب، ولقد برز المغاربة في هذا النَّوع من الرحلات، ولم يستطعِ المشارقةُ مجاراتَهم في هذا الفن، وهذا الطراز من الكتابة.

ويرجع هذا النَّوع من الرحلات إلى رحلات السُّفراء المغاربة إلى أوروبا كمبعوثين دبلوماسيِّين، للتفاوض على فكِّ الأسرى، وإبرام معاهدات الصُّلح، ولقد قامت سياسة السُّلطان المغربي، محمد بن عبدالله، خلالَ النِّصف الثاني من القرن الثامن عشر، على فكِّ الأسرى، وإبرام معاهدات الصُّلح، وتقارُبِ وجهات النَّظر بين الطرف العربي والأوروبي، إلاَّ أنَّ سياسة السُّلطان فشلت في تحقيق الانفتاح على أوروبا؛ لأنَّ أوروبا كانت لها مصالحها وأطماعُها في العالَم الإسلامي، والتي كانت تهدُف إلى احتلاله والسَّيطرة عليه، كانت هذه الرحلات نتيجةَ التفوُّق الحضاري الأوروبي، وسعى الجانب العربيُّ إلى الانفتاح على منجزات النهضة الأوروبيَّة، والتطلُّع إليها، وقد عبَّرت كتب الرَّحَّالة المغاربة عن تصوراتهم تُجاهَ أوروبا، من خلال السفاريات والبعثات الدبلوماسيَّة، ولذلك أبدى الرَّحَّالة السفاريُّون - الدبلوماسيُّون - اهتمامَهم بموضوعات محدَّدة في القرن 19، مثل السلاح والنِّظام والقوَّة والإصلاح والتحديث.

ومن أشهر تلك السفاريات:
رحلة الوزير في افتكاك الأسير 1690 - 1691م لمحمد بن عبدالوهاب الغساني الأندلسي، المتوفَّى بها عام 1119هـ/1707 - 1708م، وهو وزير مغربي "سجَّل ارتساماتِه عن الرحلة التي سافر فيها إلى إسبانيا في سفارته عن السُّلطان العلوي إسماعيل بن الشريف، إلى كارلوس الثاني عام 1102هـ/1690 - 1691م، وكانت تهدُف إلى استنقاذ الأسرى المسلمين بهذه البلاد"[2]، صوَّر فيها الحياةَ الإسبانيَّة في القرن السابع عشر.

إسهام المسلمين في أدب الرحلات:
 إنَّ قدرة المسلمين على الإسهام والعطاء تأسَّست بناءً على منهج واضح، ورؤيةٍ متكاملة وشاملة للكَون كلِّه، وللمرَّة الأولى التي يُصبح للعرب فيها منهجٌ واضح، ومرجعيَّة عُليا مكوَّنة من القرآن والسُّنة، تكون هي الحاكمةَ والمحرِّكة لكلِّ شؤون الحياة.

وقد تمثَّل جزءٌ من هذا العطاء الحضاري، في إسهام المسلمين في تنشيط الرِّحلةبثلاثة رحلات جديدة لم يعرفْها العالَم من قبل، استمدَّها المسلمون من الشريعة الإسلاميَّة، حيث فرض الإسلام بعضَها، وحثَّ أتباعه على فِعْل البعض الآخر.

أولاً: الرحلة الحجازية:
وهي رحلةٌ رُوحيَّة إلى بيت الله الحرام، حيث يتوجَّه المسلم بالسَّفر إلى مكَّة لأداءِ فريضة الحجِّ - أحد أركان الإسلام الخمسة - وزيارةِ المسجد النبويِّ بالمدينة النبويَّة، راجيًا من الله أن يغفرَ ذنبه، ويقبل توبته، ولقد نشأ هذا اللَّون من الكتابة الرحليَّة عندما كان المغاربة والأندلسيُّون ينتهزون فرصةَ خروجهم بغرض أداء فريضة الحجِّ إلى بيت الله الحرام بمكَّة المكرمة، وزيارة مسجد الرسول - صلَّى الله عليه وسلَّم - بالمدينة النبوية، فيُدوِّنون رحلتَهم منذ خروجهم قاصدين البيتَ الحرام بمكة، وأداءَ مشاعر ومناسك الحج، وزيارةَ مسجد النبي بالمدينة النبويَّة.

ويتناولون بالوصف الدقيق مراحلَ الحج، والمدن والبُلدان التي يمرُّون عليها، وتسجيل انطباعاتهم عن أحوال تلك البلاد، حتى يتمَّ لهم الوصول إلى هدفِهم، وهو بيت الله الحرام، فتشتمل الرحلة على وصْف مفصَّل عن مكَّة والمدينة، ووصفِ بيت الله الحرام، وكيفية تأدية مناسك الحج، فتَكوَّن من هذه الرحلات مكتبةٌ ضخمة قائمةٌ بذاتها عُرِفت باسم الرحلة الحجازيَّة.

ولقد تحوَّلت الرحلة على يد القاضي أبي بكر ابن العربي - رحلته إلى طلب العلم، ورحلته الحجازية - إلى أدبٍ مكتوب على شكل مذكرات يوميَّة، ويتناول بالوصف والتصوير انطباعاتِه ومشاهداتِه خلالَ مشوار الرحلات، ثم جاء الرَّحَّالة الشهير ابن جُبير، وهو الذي أَصَّل لهذا اللَّون من الأدب، ووضع أُسس الرِّحلة ومقوماتها، وخصائص كتابتها وصياغتها، وقد اقتفى نهجَه وسار على دَربِه أغلبُ الرَّحَّالة المغاربة من بعده، حيث تابَعَه معظمُ الرَّحَّالة في تدوين رحلاتهم في كتاب مستقلٍّ يشتمل على تاريخ خروج الرِّحلة، وتحديد مكان الانطلاق، وتحديد الجِهة التي يقصدونها، ووصف طريق الرِّحلة ويوم الوصول، ووصف المدينة التي حطُّوا رحالَهم إليها، وتعيين مراحل السَّفر، ومراكز الماء، وأماكن الرَّوابط والحبوس، مع الاهتمام بتسجيل كلِّ ما يشاهده ويلاحظه الرَّحَّالة واصفًا كلَّ شيء وصفًا دقيقًا بأسلوب أدبيٍ سهل ويسيرٍ، يغلب عليه الطابع القصصي، ثم جاء ابنُ بطوطة ليُقدِّم نمطًا جديدًا ينحو منحى الغرائب، ثم تعدَّدت الرحلات الحجازيَّة، حتى أصبحت طرازًا فنيًّا مستقلاًّ بذاته.

يرجع الفضل إلى المغاربة والأندلسيِّين في تأصيل هذا اللَّون من الكتابة الرحليَّة، لقد كانت عاطفتُهم الدِّينيِّة القويَّة هي التي تحرِّكهم، وتدفع بهم للخروج إلى زيارة البيت الحرام، وأداء الفريضة، وتحمَّلوا في سبيل ذلك المشاقَّ والصِّعاب، حتى إنَّها أصبحت فنًّا قائمًا بذاته له أُسُسه وخصائصه المميِّزة له حيث "اشتهر الأندلسيُّون والمغاربة بأدب الرحلات، وحظي عندهم بعناية خاصَّة قد تفوق عنايةَ المشارقة به"[3].

وظلَّ هذا اللَّون في تدفقه وعذوبته، في كتابات وإبداعات كِبار المفكِّرين والأدباء في العصر الحديث، ومنهم على سبيل المثال لا الحصر: "الرحلة الحجازية" للبتنوني، "الارتسامات اللِّطاف" لشكيب أرسلان، "في منزل الوحي" لمحمد حسين هيكل.

ثانيًا: الرحلة العلمية - رحلات طلب العلم:
قلنا: إنَّ النبي - صلَّى الله عليه وسلَّم - حثَّ صحابته على الخروج لطلب العلم، كما لَفت القرآنُ الكريم أنظارَ المسلمين إلى أهميته، في البداية نشطت الرِّحلة إلى طلب العلم امتثالاً لأوامر الرسول - صلَّى الله عليه وسلَّم - ولَمَّا فتح الله على العرب المسلمين البلاد، ودخل أصحابُها في دين الله، توجَّه أصحاب تلك البلاد المفتوحة إلى عاصمة الخِلافة، وإلى مكَّة والمدينة بصفتهما مركزَ الدَّعوة، وموطن الصحابة، حفظةِ عِلم الرسول - صلَّى الله عليه وسلَّم.

وتميَّز العصر الأُمويُّ في القرن الأول الهجري - عصر صدر الإسلام - بنشاط الرِّحلة في طلب العلم، وخاصَّة الرحلةَ إلى طلب الإسناد العالي للحديث، حيث يرحل طالبُ العِلم (الراوي)، إلى الصحابي حيث هو، فيروي عنه الحديثَ الذي سمعه من رسول الله - صلَّى الله عليه وسلَّم - مباشرةً، وهو أخصرُ طرق الحديث المتَّصِلة، فبدلاً من أن يأخذ التابعيُّ عن تابعيٍّ، يأخذ الراوي عن الصحابي مباشرة.

"حتى لقد كان أحدُهم يرحل المراحل، ويقطع الفيافي والمفاوز، ويجوب البلادَ شرقًا وغربًا في طلب حديث واحد؛ ليَسمعَه مِن راويه‏،‏ فمنهم مَن يكون الباعثُ له على الرحلة طلبَ ذلك الحديث لذاته، ومنهم مَن يقرن بتلك الرغبة سماعَه من ذلك الراوي بعينه؛ إمَّا لثقته في نفسه، وإمَّا لعلوِّ إسناده،   فانبعثتِ العزائم إلى تحصيله"[4].‏

"ولم تكن المدينة النبوية هي المعقلَ الوحيد للرِّواية - وإن كانت تحتلُّ الصدارة في هذا الباب - بل قصد طلاب العلم بلدانًا ومدنًا أخرى، مثل مكَّة والطائف، واليمامة وصنعاء"[5]، وذلك بسبب انتشار الصحابة في الأمصار، ولقد أدَّى انتشار العلماء إلى تعدُّد المراكز العِلميَّة، وأسهمت المراكزُ العلمية بدَور كبير في زيادة النشاط العِلمي، كما أسهمت الرِّحلةُ إلى طلب العلم في سرعة انتشار الآراء والمذاهب والأفكار على أيدي طلاَّب العِلم والمتعلِّمين، ولم يهتمَّ أولئك المحدِّثون العِظام (البخاري ومسلم) بتدوين أخبار رحلاتهم، ولو فعلوا ذلك لقدَّموا معلوماتٍ نادرةً وغزيرة، وأكثر إفادة من التي نجدها في كتب الرحلات المتأخِّرة، مثل: رحلة ابن جبير، وابن بطوطة.

"كانت الرغبة الشخصيَّة في الترحال أو السَّفر لطلب العلم والمعرفة من أقوى الدوافع للمسلمين لزيارة البلادِ التي تُحقِّق هدفَهم؛ بغضِّ النظر عن الصُّعوبات التي يمكن أن تصادفَهم"[6].

تحمَّل طلاَّب العِلم مشقَّاتِ السفر والترحال إلى مراكز العِلم والمعرفة، ولم يقفْ طلب العلم عند التفقُّه في الدِّين وعلومه فقط؛ بل كانت هناك رحلات لطلب العلوم الدنيويَّة أيضًا، ثم تطوَّرت هذه الرحلات بعدَ إنشاء المكتبات في عواصم الخِلافة الإسلاميَّة، فأصبحت محطَّ رحال طلبة العلم، وكان للخلفاء المسلمين دَورٌ كبير في تشجيع طلاَّب العِلم على السفر إلى مراكز الحضارة والمعرفة.

ومن هذه الرحلات: رحلة الإمام الشافعي التي تنتهي به إلى مصر، وقد رواها تلميذُه الربيع بن سليمان، وهي تدور حولَ رحلة الإمام الشافعي طلبًا للعلم، مِن فلسطين إلى مكَّة، ثم إلى المدينة، ونزوله على الإمام مالك، والتعلُّم على يديه، وتحصيل مذهبه، ثم انتقل إلى العِراق، وبعدَ وفاة الإمام مالك ضاق به الحِجاز، فغادرَها إلى مصر، وبها أقام ما تبقَّى من حياته، وفيها نشَر أُسس مذهبه، وذاع صِيتُه، وارتحل إليه طلاَّب العلم من كلِّ مكان، وهذا النَّوع من الرحلات لا يحفل بذكْر الأماكن، أو وصْف المدن التي شدُّوا الرِّحال إليها، أو الاهتمام بعادات وتقاليد الشُّعوب، لم تهتمَّ هذه الرحلة إلاَّ بطلب الحديث، أو بتوثيق الرِّواية، أو طلب الإسناد العالي.

ومن مميِّزات تلك الرحلات:
 - تحلِّي المسلمين الأوائل بالرُّوح العلميَّة، كما تحلَّوْا بحيوية ونشاط دفعتهم إلى جَوْب الآفاق، وأخْذ العِلم من شتَّى المراكز الفكريَّة.

- تلاشت رُوح العصبيَّة القوميَّة، واختلط المشارقة بالمغاربة، واليمنيُّون بالشاميِّين، والإيرانيُّون بالجزيرة العربية، فلم يكن بين الشُّعوب الإسلامية أيُّ مظهر من مظاهر العصبيَّة أو النعرات القبليَّة أو الطائفيًّة أو الشعوبيَّة، ولم يكن ذلك فقط أيَّامَ تمتُّع البلاد العربية والإسلامية بوحدة سياسيَّة واحدة، وقيادة واحدة، وراية واحدة؛ بل ظلَّت هذه الرُّوح موجودةً حتى بعد انقسام العالَم الإسلامي، وتعدُّد الدول والقيادات، وتعدُّد ألوان الرايات.

الرحلة الفهرسية (البرنامج) أو البرامجية[7]:
لقد ابتكر الأندلسيُّون والمغاربة هذا النَّوع من الرحلات، حيث اتخذت الرحلة الأندلسيَّة طابعًا دِينيًّا علميًّافي آنٍ واحد،وقد تمثَّل الطابع الدِّيني في رحلات الحج، وشدِّ الرحال إلى الأماكن المقدَّسة، كما اتضحت ملامحُ الطابع العِلمي في الرحلة إلى طلب العلم.

اتَّخذت هذه الرحلة من الخروج إلى أداء فريضة الحج أساسًا لها، ثم الطواف على الأماكن المقدَّسة في مكَّة والمدينة والحِجاز، وملاقاة عُلماءِ الحرمين الشريفَين، واهتمَّ طلبة العلم الأندلسيون اهتمامًا خاصًّا بمقابلة الإمام مالك بن أنس - إمام دار الهجرة، ت:179هـ/795م - وأخْذِ العِلم على يديه، أو على يدِ تلاميذه من بعده، ثم اتسع النِّطاق الجغرافيُّ للرحلة الأندلسيَّة في طلب العِلم، فارتحلوا إلى اليمن والعِراق والشام؛ ليتشبعوا بالعِلم، والسَّماع من أكابرِ علماء المشرق، ومجالستهم في حواضرِ الثقافة العربيَّة؛ ولذلك يكاد يخلو هذا النَّوع من الوصف الجغرافي، وعدم التطرُّق للأحوال السياسيَّة والاقتصاديَّة والاجتماعيَّة.

لقد أصبحت الرحلة الفهرسيَّة نموذجًا جيِّدًا، وطرازًا فريدًا للتواصُل داخلَ العالَم الإسلامي، حيث يطوف الرَّحَّالة المغاربة على مراكز العِلم بالمشرق لملاقاة كِبار العلماء والأدباء والمشايخ؛ طلبًا للعِلم وتحصيله.

وحَفِظ لنا هذا اللَّونُ من أدب الرحلات تراجمَ وافيةً لأعلام وعلماء وأساتذة لا نعرف عنهم شيئًا، ولم تَنقل لنا أمَّهاتُ الكتب في التراجم والسِّير أي شيء، أو أي ترجمة محررة عن هؤلاء الأعلام، ولا نجد تراجمَ لمثل هؤلاء إلاَّ في مثل هذا اللَّون من أدب الرحلات، حيث يهتمُّ الرَّحَّالة بسرْد أسماء الأساتذة والعلماء الذين الْتقى بهم، وخالطهم خلالَ الرِّحلة، وكان التفاخر في الالْتقاء بأكبر عدد ممكن من أكابر العُلماء خلالَ زمن الرحلة، ثم يتطرَّق الرَّحَّالة إلى وصف المكتبات ودُور العِلم، وبعض الرِّفاق من الطلاب، ووسائل التدريس، وكتب الكثير من هؤلاء الرَّحَّالة ترجمة ذاتية لأنفسهم، كانت بمثابة التعريف بمؤلِّف الرحلة؛ بل إنَّ بعض الكتب لم يُعرف عنها أيُّ شيء إلاَّ من خلال أمثال تلك الرحلات.

"لقد ظلَّت الرحلة في طلب العِلم مظهرًا مشرفًا ونبيلاً في الثقافة العربية الإسلامية، حيث ظلَّ الناس يتبادلون الرِّحلة من المشرق إلى المغرب، ومن المغرب إلى المشرق، خصوصًا للكروع من ينابيع المعرفة، والسَّماع من أكابر العلماء والمفكِّرين، ومجالستهم ومناقشاتهم فيما كان يَعرِض لهم من مسائل العِلم، وقضايا المعرفة"[8].

إنَّ الرحلة في طلب العِلم في العصور الإسلاميَّة أصبحت معيارًا للحكم على مستوى العلماء والفقهاء، فلا تكتمل ثقافةُ طالب العِلم وعِلمُه وأدبه إلاَّ إذا ارتحل إلى الشرق، واتَّصل بعلمائه وجالسهم، وأخذ منهم، "ولقد ظلَّت هذه السِّيرة قائمة إلى النِّصف الأوَّل من القرن العشرين"[9].

ولكن ابتداءً من القرن الثالث عشر الميلادي طَغى طابع الرحلات الوصفيَّة، والتي اتسعت أغراضُها لتشملَ وصف المراحل والمناهل التي مر بها الأندلسيُّون في طريقهم إلى الحج، فضلاً عن اهتمامِها بوصْف المكان، واستقصاء أحوال السكَّان، على نمط الرحلة (الرحلة الفهرسيَّة).

ومن أشهر هذه الرحلات: رِحلة العبدريفي سنة 688هـ/1289م، ورحلة محمد بن عمر بن إدريس بن رشيد 657 - 721هـ/1258 - 1321م.

ثالثًا: الرحلة السياحية، أو رحلات التجوُّل والطواف في الأرض:
لقد وَضعَ الإسلام قانونَ حرية الحركة؛ قال - تعالى:{وَالأَرْضَ وَضَعَهَا لِلأَنَامِ} [الرحمن: 10]، كل الأرض لكلِّ الناس، فلا حِكرَ ولا احتكار، ولا حدود ولا حواجز، وقال  تعالى:{هُوَ الَّذِي جَعَلَ لَكُمُ الأرْضَ ذَلُولاً فَامْشُوا فِي مَنَاكِبِهَا وَكُلُوا مِنْ رِزْقِهِ وَإِلَيْهِ النُّشُورُ} [الملك: 15].

والرحلة السياحيَّة رحلةٌ حرَّة بلا قيود، ومتحرِّرة من كلِّ غرض، غير غرض الاستمتاع بالرحلة ذاتها، فلا تهدف إلى المتعة والتنزُّه واكتساب مهارات وخبرات جديدة، وتوسيع دائرة المعارف، بل ينبع هدفُها من ذات صاحبها، فالرَّحَّالة هو الوحيدُ الذي يعرِف هدفَه من الرحلة.

ولقد حثَّ الإسلام على تلك الرحلات، ففرضت قوة الدولة الإسلاميَّة وهيبتها في العالَم كلِّه، والتي جعلت هذا النَّوع ينشط، حيث فَرَض الإسلامُ الأمن، فلم يعد الرَّحَّالة يخاف، والطرق التي مهَّدها الإسلام، واكتشاف طرق جديدة أسهل وآمن، وتأمين تلك الطُّرق والعَلاقات التي بين الإسلام وغيره من الدول فَرضَت عليهم احترامَ المسلم في أيِّ مكان ينزل فيه، وقد بلغ ابن بطوطة بهذا النَّوع من أدب الرحلات في رحلته السياحيَّة وجولته حولَ العالم القديم القِمةَ في فنِّ الرحلات، حيث تجمَّعت في رحلته كلُّ الخصائص الفنيَّة، والأُسس التي تقوم عليها الرحلة.

 

ـــــــــــــــــ
[1]   صلاح الدين علي الشامي: الرحلة عين الجغرافيا المبصرة في الكشف الجغرافي والدراسة الميدانية ـ ص 115 ـ منشأة المعارف بالإسكندرية ـ الطبعة الثانية - 1999م.
[2]   محمد المنوني، "المصادر العربية لتاريخ المغرب من الفتح الإسلامي إلى نهاية العصر الحديث" الجزء الأول، (ص:190)، منشورات كلية الآداب والعلوم الإنسانية بالرباط، المملكة المغربية، جامعة محمد الخامس 1983م.
[3]   كراتشيكوفسكي: "تاريخ الأدب الجغرافي العربي"، ترجمة: صلاح الدين هاشم، ط2، دار الغرب الإسلامي، بيروت 1987، (ص: 293)، وما بعدها.
[4]   صديق بن حسن القنوجي: "أبجد العلوم"، تحقيق: عبدالجبار زكار، دار الكتب العلمية، بيروت، 1978م، ‏(2/223‏).
[5]   ابن سعد: "الطبقات الكبرى"، تحقيق إحسان عباس، (5/443 ، 503،523،549)، دار صادر، بيروت، 1968م.
[6]   عبدالعزيز طريح شرف: "الموجز في تاريخ الكشف الجغرافي"، (ص: 50)، مؤسَّسة الثقافة الجامعية، الإسكندرية.
[7]   البرنامج يقابل معنى الفهرسة، فهو كتاب يَجمع فيه الشيخُ أسماءَ شيوخه وأساتذته من مروياته وقراءته على أشياخه والمصنفات ونحو ذلك، فلفظ برنامج يستعمله أهل الأندلس كثيرًا، والبرنامج يرادف الفهرسة والمعجم والثَّبَت والمشيخة، انظر عبدالحي بن عبدالكبير الكتاني: "فهرس الفهارس والأثبات ومعجم المعاجم والمشيخات والمسلسلات"، تحقيق إحسان عباس، دار الغرب الإسلامي، بيروت، 1982م ، (1/67: 71).
[8]   عبد الله مرتاض: "حوار المشارقة والمغاربة"، (2/74)، كتاب العربي، العدد 66، 2006م، الكويت.
[9]   عبد الله مرتاض: "حوار المشارقة والمغاربة"، (2/75)، كتاب العربي، العدد 66، 2006م، الكويت.




 حفظ بصيغة PDFنسخة ملائمة للطباعة أرسل إلى صديق تعليقات الزوارأضف تعليقكمتابعة التعليقات
شارك وانشر

مقالات ذات صلة

  • أدب الرحلات عند الشيخ علي الطنطاوي
  • الصحراء.. من رحلة الطنطاوي إلى الحج
  • رحلات أهل العلم في الحج
  • أحمد بن فضلان السفير الرحالة
  • أدب الرحلات
  • آداب الرحلات
  • تطور الفكر الجغرافي عند العرب والمسلمين (عرض)
  • من آثار هذا الدين في نفوس أتباعه

مختارات من الشبكة

  • مفهوم الأثر عند المحدثين وبعض معاني الأثر في القرآن(مقالة - موقع الشيخ أ. د. عرفة بن طنطاوي)
  • سلسلة أثر الإيمان: أثر الإيمان في حفظ الحقوق وأداء الأمانات (خطبة)(مقالة - آفاق الشريعة)
  • سلسلة أثر الإيمان: أثر الإيمان في الشوق إلى دار السلام (خطبة)(مقالة - آفاق الشريعة)
  • سلسلة أثر الإيمان: أثر الإيمان في توجيه السلوك (خطبة)(مقالة - آفاق الشريعة)
  • سلسلة أثر الإيمان: أثر الإيمان في تحقيق الأمن النفسي (خطبة)(مقالة - آفاق الشريعة)
  • اترك أثرا إيجابيا (10) حلقات مختصرة في أهمية ترك الأثر الإيجابي على الآخرين (PDF)(كتاب - مكتبة الألوكة)
  • اترك أثرا إيجابيا: عشر حلقات مختصرة في أهمية ترك الأثر الإيجابي على الآخرين (PDF)(كتاب - مكتبة الألوكة)
  • كتاب تهذيب الآثار: أثر من آثار الطبري في خدمة السنة(محاضرة - مكتبة الألوكة)
  • أثر سلبي وأثر نافع(مقالة - آفاق الشريعة)
  • مخطوطة العين والأثر في عقائد أهل الأثر (نسخة ثانية)(مخطوط - مكتبة الألوكة)

 


تعليقات الزوار
10- رحلات إسلامية
zo epied - مصر 24-06-2013 03:00 PM

أهم شيء أن أعرف أنوع الرحلات الإسلامية ومفهوم الرحلات الإسلامية مثل التجارية

9- الله عليك !
مشاعل - الرياض 14-04-2013 12:58 PM

استفدت كثيرا من هذا المقال والأجمل الطريقة التسلسلية بتصنيف الرحلات وتبيين أثرها
جزاك الله خير على هذا المجهود .
رائع يا أستاذ وائل

8- هلا أكملت لنا ؟
أبو شعيب - مصر 03-01-2013 07:03 PM

اعلم أن الأستاذ وائل يملك مقدرة فائقة على تناول مثل هذه النوعية الثقافية واعلم أيضاً أن له متابعات هامة خاصة في هذا الموضوع ، حبذا لو اتحفنا بغيره لينضم في منظومة علمية رائعة ... لا تتركنا ننتظر كثيراً
وفقك الله دوماً .

7- جزاك الله خيرا
rooou7 02-02-2012 08:56 PM

أشكرك أخي الكريم وجزاك الله كل خير في الحقيقة أنقذتني

6- merci
hoda - maroc 16-11-2010 08:03 PM

merci  pour cette article

5- شكر
شاكرة 12-12-2009 04:01 PM

شكراً لكم

4- التكامل الاسلامي
أبو حنين - مصر 19-07-2009 10:51 PM

السلام عليكم أخي .. كاتب المقال.
إن عظمة الدين الإسلامي تكمن في شمولة جميع نواحي الحياة، فلا غرابة أبداً في تأثير الإسلام في كل مناحي الحياة.

3- إقتراح
وائل عزت معوض - مصر 18-07-2009 12:07 PM

ماذا لو أمسك كل منا بقلمه وكتب مشاهداته وانطباعاته أثناء رحلته أو سفره.
فكل منا له رحلته إما إلى طلب العلم، أو التجارة، أو السياحة، أو الحج. سوف يعود ذلك على الأدب العربي وثراءة، وتنوع أغراضه.

2- .
المتابع الثاني - . 03-07-2009 12:29 AM

أشكر الكاتب الكريم على هذا المقال المهم جداً
وأثنّي بالشكر للأخ محمد الحسين وأتمنى أن نرى أدبيات رحلاته إلى الحج على صفحات الألوكة
وفقكم الله وزادكم

1- شكرا
محمد الحسين نحو - المغرب 30-06-2009 09:00 PM

أشكركم جزيلا على هدا المقال الرائع. وأنصح كل طالب عالم أن يدون رحلاته العلمية ليستفيد منها هو و غيره من إخوانه الطلاب.ولي تجربة في هدا الميدان حيث إنني قمت بتدوين جميع رحلاتي إلى الديار المقدسة لأداء مناسك العمرة والحج.

1 

أضف تعليقك:
الاسم  
البريد الإلكتروني (لن يتم عرضه للزوار)
الدولة
عنوان التعليق
نص التعليق

رجاء، اكتب كلمة : تعليق في المربع التالي

مرحباً بالضيف
الألوكة تقترب منك أكثر!
سجل الآن في شبكة الألوكة للتمتع بخدمات مميزة.
*

*

نسيت كلمة المرور؟
 
تعرّف أكثر على مزايا العضوية وتذكر أن جميع خدماتنا المميزة مجانية! سجل الآن.
شارك معنا
في نشر مشاركتك
في نشر الألوكة
سجل بريدك
  • بنر
  • بنر
كُتَّاب الألوكة
  • مئات الزوار يشاركون في يوم المسجد المفتوح في نابرفيل
  • مشروع إسلامي ضخم بمقاطعة دوفين يقترب من الموافقة الرسمية
  • ختام ناجح للمسابقة الإسلامية السنوية للطلاب في ألبانيا
  • ندوة تثقيفية في مدينة تيرانا تجهز الحجاج لأداء مناسك الحج
  • مسجد كندي يقترب من نيل الاعتراف به موقعا تراثيا في أوتاوا
  • دفعة جديدة من خريجي برامج الدراسات الإسلامية في أستراليا
  • حجاج القرم يستعدون لرحلتهم المقدسة بندوة تثقيفية شاملة
  • مشروع مركز إسلامي في مونكتون يقترب من الانطلاق في 2025

  • بنر
  • بنر

تابعونا على
 
حقوق النشر محفوظة © 1446هـ / 2025م لموقع الألوكة
آخر تحديث للشبكة بتاريخ : 27/11/1446هـ - الساعة: 15:13
أضف محرك بحث الألوكة إلى متصفح الويب