• الصفحة الرئيسيةخريطة الموقعRSS
  • الصفحة الرئيسية
  • سجل الزوار
  • وثيقة الموقع
  • اتصل بنا
English Alukah شبكة الألوكة شبكة إسلامية وفكرية وثقافية شاملة تحت إشراف الدكتور سعد بن عبد الله الحميد
 
الدكتور سعد بن عبد الله الحميد  إشراف  الدكتور خالد بن عبد الرحمن الجريسي
  • الصفحة الرئيسية
  • موقع آفاق الشريعة
  • موقع ثقافة ومعرفة
  • موقع مجتمع وإصلاح
  • موقع حضارة الكلمة
  • موقع الاستشارات
  • موقع المسلمون في العالم
  • موقع المواقع الشخصية
  • موقع مكتبة الألوكة
  • موقع المكتبة الناطقة
  • موقع الإصدارات والمسابقات
  • موقع المترجمات
 كل الأقسام | مقالات شرعية   دراسات شرعية   نوازل وشبهات   منبر الجمعة   روافد   من ثمرات المواقع  
اضغط على زر آخر الإضافات لغلق أو فتح النافذة اضغط على زر آخر الإضافات لغلق أو فتح النافذة
  •  
    تخريج حديث: الاستطابة
    الشيخ محمد طه شعبان
  •  
    العشر وصلت... مستعد للتغيير؟
    محمد أبو عطية
  •  
    قصة موسى وملك الموت (خطبة)
    د. محمود بن أحمد الدوسري
  •  
    من أقوال السلف في أسماء الله الحسنى: (الشاكر، ...
    فهد بن عبدالعزيز عبدالله الشويرخ
  •  
    وقفات مع القدوم إلى الله (12)
    د. عبدالسلام حمود غالب
  •  
    تلك الوسائل!
    التجاني صلاح عبدالله المبارك
  •  
    حقوق المسنين (2)
    د. أمير بن محمد المدري
  •  
    تعوذوا بالله من أربع (خطبة)
    عبدالله بن عبده نعمان العواضي
  •  
    حكم المبيت بالمخيمات بعد طواف الوداع
    د. محمد بن علي اليحيى
  •  
    الخواطر والأفكار والخيالات وآثارها في القلب
    عبدالعزيز أبو يوسف
  •  
    طائر طار فحدثنا... بين فوضى التلقي وأصول طلب
    محفوظ أحمد السلهتي
  •  
    محبة القرآن من علامات الإيمان
    الشيخ أ. د. عرفة بن طنطاوي
  •  
    ملخص من شرح كتاب الحج (10)
    يحيى بن إبراهيم الشيخي
  •  
    نبذة عن روايات ورواة صحيح البخاري
    د. هيثم بن عبدالمنعم بن الغريب صقر
  •  
    المهاجرون والأنصار رضي الله عنهم والذين جاؤوا من ...
    أ. د. عبدالله بن ضيف الله الرحيلي
  •  
    الحج المبرور
    نورة سليمان عبدالله
شبكة الألوكة / ثقافة ومعرفة / روافد / موضوعات فكرية
علامة باركود

قضية الدين ومزاعم المنكرين

د. عبدالمقصود عبدالغني

المصدر: من كتاب "في الفكر الإسلامي الحديث والتحديات المعاصرة"
مقالات متعلقة

تاريخ الإضافة: 19/5/2008 ميلادي - 13/5/1429 هجري

الزيارات: 11014

 حفظ بصيغة PDFنسخة ملائمة للطباعة أرسل إلى صديق تعليقات الزوارأضف تعليقكمتابعة التعليقات
النص الكامل  تكبير الخط الحجم الأصلي تصغير الخط
شارك وانشر

قضية الدين ومزاعم المنكرين 

في حديثنا عن موقف الفكر الإسلامي من قضية الدين ومنكريه نعرض لأبرز مزاعم أولئك المنكرين، ونبين تهافتها، ثم نوضح أهمية الدين ووظيفته في الحياة، ولكن قبل هذا وذاك ينبغي أن نلقي الضوء على الدين وحاجة الإنسان إليه.

أولاً: الدين وحاجة الإنسان إليه
وكلمة الدين قد تطلق ويراد بها الدين الحق أو الدين الباطل، وهذا ما يمكن أن يفهم من قوله تعالى على لسان نبيه - صلى الله عليه وسلم -: {لَكُمْ دِينُكُمْ وَلِيَ دِينِ} [الكافرون: 6]، فقد أطلقَ الحقُّ سبحانه على ما كان عليه العرب في الجاهلية من وثنية وشرك - دينًا.
ويتميز الدين الحق بأنه وحي من الله تعالى لأنبيائه - عليهم السلام - لهداية أقوامهم، ولهذا فإنه قد يضاف إلى الله لصدوره عنه، وقد يضاف إلى النبي لظهوره منه، وقد يضاف إلى الأمة تدينهم به، وانقيادهم له.

وقُدِّمت تعريفات شتى للدين، منها ما ذكره التهانوي في كتابه "كشاف اصطلاحات الفنون" من القول بأن الدين: وضع إلهي سائق لذوي العقول باختيارهم إلى الصلاح في الدنيا، والفلاح في الآخرة.
ومنها ما ذكره الغربيون من القول بأنه: مجموعة واجبات الإنسان نحو الله، وواجباته نحو الجماعة، ونحو نفسه، أو القول بأنه: جملة العقائد والوصايا التي يجب أن توجهنا في سلوكنا مع الله، ومع الناس، ومع أنفسنا[1].

ويجب أن يُلاحَظ في الدين الحق شعورُ المرء وإحساسه بكائن أعلى علوًّا مطلقًا، وشعوره بعاطفة تدفعه للإيمان بهذا الكائن الأعلى، وتلزمه بعبادته، وتجعله يوقن بأن هذا الكائن الأعلى سيحاسبه في حياة أخرى على ما عمل في دنياه.
وقد نشأ الدين مع نشأة الإنسان؛ لأن الإنسان متدين بطبعه، بمعنى أن الشعور الديني أمر فطري أو غريزي في الإنسان، أصيل في أعماقه وإحساسه، وإذا كان الشعور الديني أصيلاً في الإنسان، فإن الدين قد لازمَ الإنسانَ منذ كان، وحيثما كان، ولا يمكن أن نجد عبر التاريخ جماعةً أو أمة خلت من دين؛ لأن الله تعالى قد أرسل إلى كل أمة نبيًّا يهديها إلى الحق، وينذر مَن يُعرِض عنه، قال تعالى: {وَإِنْ مِنْ أُمَّةٍ إِلاَّ خَلاَ فِيهَا نَذِيرٌ} [فاطر: 24]، وقد ذكر المؤرخ الروماني "بلوتارك" أن من الممكن أن تجد مدنًا بلا أسوار، وبلا ثروة، وبلا آداب، وبلا مسارح، ولكن لم يرَ إنسانٌ قط مدينةً بلا دين، أو لا تمارس العبادة، فالدين طابع الإنسان[2].

وإذًا فلا غناء له عن الدين، وعن معبود يخضع له، ويتجه إليه بالعبادة، وإذا ضل عن الدين الصحيح والمعبود الحق، فإنه يتخذ له دينًا آخر، ويبحث عن معبود يتعبد له؛ لأن الغريزة الدينية أصيلة في كل نفس، ولو لم تكن الغريزة الدينية أصيلة في النفس الإنسانية لعز على الأنبياء والمرسلين هدايةُ الناس، ولكان من الصعب عليهم أن يُوجِدوا الشعور الديني في نفوسهم.

والسؤال الذي يطرح نفسه في هذا المجال هو: هل نشأ الدين صحيحًا خاليًا من الانحرافات التي لحقته على مر العصور، أم نشأ وثنيًّا في أول الأمر، ثم ارتقى وتطور حتى وصل إلى التصور الصحيح، الذي يقوم أساسًا على مبدأ التوحيد؟
الواقع أننا نرى لدى الباحثين المتخصصين في دراسة الأديان الاتجاهين: نرى اتجاهًا يزعم أصحابُه أن الدين نشأ وثنيًّا، ثم أخذ يتجه شيئًا فشيئًا إلى التوحيد، ونرى اتجاهًا آخر يزعم أصحابه أن الدين نشأ صحيحًا، ثم لحقته الانحرافات المختلفة على مر العصور[3].

وإذا كنا لا نستطيع في هذا المجال أن نناقش الحجج التي استند إليها كلٌّ منهما، فإننا لا بد أن نقرر أن الاتجاه الثاني الذي يرى أن الدين نشأ صحيحًا - هو الصواب؛ لأن الدين الحق - كما قلنا - هو وحي الله تعالى، وقد علَّم سبحانه آدمَ أبا البشر الدينَ الصحيح، وكان أول درس لقنه له هو درس التوحيد، ثم وقعت الانحرافات في تاريخ البشرية، ولهذا فإن الرسالات الإلهية قد توالت؛ لتصحح مسار الدين من وقت إلى آخر، وتطهره من الانحرافات الدخيلة، وتخرج الناس من الظلمات إلى النور، إلى أن كانت الرسالة المحمدية، التي جعلها الله تعالى خاتمة الرسالات السماوية.

وهذا لا يعني أن الرشد والضلال في الدين كانا ظاهرتين متعاقبتين فقط صعودًا وهبوطًا، فالواقع يشهد بأنهما ظاهرتان متعاصرتان موزعتان في كل أمة وجيل، كما يشهد بأن المؤيدين للدين والمنكرين له قد وجِدوا في كل عصر.
ولا ينبغي أن يقال: كيف يكون هناك منكرون للدين، وقد سبق القول بأن الشعور الديني أصيل في النفس الإنسانية، ولا غناء للإنسان عن الدين؟ لا ينبغي أن يقال ذلك؛ لأن المنكرين إنما ينكرون الدين الإلهي، ويتخذون دينًا من الأديان الباطلة.

ثانيًا: مناقشة مزاعم المنكرين
إذا كانت نزعة الإنكار للدين الصحيح أو الدين الإلهي قد وجِدت في العصور القديمة، فإنها قد قويت واشتدت شراستها في العصر الحديث؛ لأنها وجدت في التقدم العلمي، وخاصة المذهب المادي، سندًا لها تقوم عليه، ذلك أن هذا المذهب اعتمد على التجرِبة، واعتبرها المصدر الوحيد للمعرفة اليقينية، والمقياس الصحيح والوحيد الذي تقاس به الحقائق، وعلى هذا فإن حقائق العلم وحدها هي الحقائق اليقينية؛ لأن مصدرها الطبيعة، أما الميتافيزيقا - بما فيها الدين - فوهْم وخداع؛ لأن مصدرها ما وراء الطبيعة، ولم تَثبُت بالتجربة، وكل ما أتى من غير طريق الطبيعة، ولم يدخل في نطاق التجربة - لا أساس له من الحق، وأدى ذلك إلى القول بأن الدين خرافة.

وإذا كانت هذه النزعة قد وجَدت لها سندًا علميًّا، فإن الصراع الذي حدث في أوربا بين الدين والعلم، واضطهاد رجال الدين للعلماء كان من أهم الأسباب التي نفخت فيها، وأشعلت نارها.
وبلغت نزعة الإنكار والعداء للدين ذروتها عند أعلام المذهب الماركسي، الذين صرحوا بأن الدين خدعة برجوازية، وأنه أفيون الشعوب، ولا بد من محاربته، وقد قرر أحدهم أن الحزب لا يستطيع أن يقف من الدين موقف الحياد؛ لأن الحزب يؤمن بالعلم، والعلم يتعارض مع الدين، والدين مناوئ للعلم[4].

ولم تقتصر هذه النزعة على الغرب؛ بل زحفت على الشرق، وظهرت في بعض البلاد كالهند التي سبقت إلى الأخذ بالعلم الحديث، وكان الإنجليز الذين يحتلونها آنذاك يشجعون نشر الأفكار الإلحادية في ثوب العلم، فساعدوا على نشر مذهب "دارون"، وجعلوه أساسًا للمذهب المادي الإلحادي، وهو المذهب الطبيعي، وقد نجح في نشر الإلحاد في صورة المذهب المادي أحدُ تلاميذ السيد أحمد خان، وهو "سميع الله خان"[5].
وظهرت أيضًا في تركيا بعد أن سارت في طريق الحضارة الغربية، وقد صرح أحد زعمائها، وهو "مصطفى كمال أتاتورك ت 1934م" بأن الإسلام عامل هدام، وأنه قد جنى على تركيا جناية كبيرة.

وعلى أي حال فإن للماديين المنكرين للدين مزاعمَ عديدةً، يضيق المقام عن تتبُّعها، ونكتفي بمناقشة ثلاثة منها، وهي:
الأول: زعم البعض منهم أن الدين اختراع محض، خلقته الرغبات البشرية المكبوتة في العقل الباطن؛ لكي تجد جنة خيالية، وأن العقائد والآراء الدينية ليست شيئًا أكثر من نظريات بدائية عن الطبيعة، إنهم يدَّعون أن الدين نتاج اللاشعور الإنساني، وأن الإله ليس سوى انعكاس للشخصية الإنسانية على شاشة الكون، وأن عقيدة الآخرة ليست إلا صورة مثالية للأماني الإنسانية، وأن الوحي والإلهام ليس إلا إظهارًا غير عادي لأساطير الأطفال المكبوتة.

الثاني: زعم بعض آخر منهم - وخاصة الماركسيين - أن الدين خدعة تاريخية، بمعنى أنه نتاج إنساني لنظام أو ظروف تاريخية معينة، وفي زعمهم أن العوامل التاريخية التي خلقت الدين هي النظام البرجوازي القديم، وهذا النظام القديم قد لقي حتفه، فلندَعِ الدين أيضًا يذهب معه.

الثالث: زعم البعض أن هذا العصر أصبح عصر العلم؛ لأن العلم أصبح قادرًا على تفسير كل شيء تفسيرًا علميًّا صحيحًا، ولم يَعُد الإنسان في حاجة إلى التفسير الديني الخرافي، فالعلم قد قضى على الدين، ولا مكان للدين في هذا العصر.

هذه هي أهم مزاعم المنكرين للدين، ونحاول مناقشتها وتفنيدها فيما يلي، بادئين بالأول منها:
1 - مناقشة الزعم الأول: في مناقشتنا لهذا الزعم الذي يدور حول إرجاع الدين إلى اللاشعور، يمكننا القول بأن زعم المنكرين أو الملحدين بأن الدين نتاج اللاشعور الإنساني، أو الرغبات البشرية المكبوتة في العقل الباطن، وأن العقائد والآراء الدينية ليست شيئًا أكثر من نظريات بدائية عن الطبيعة، حاول البشر استخدامها في تخليص الحقيقة من بشاعتها الأصلية - أن زعمهم هذا زعم باطل، ليس فيه شيء من الصواب، فلا يمكن أن يكون الدين نتاج اللاشعور الإنساني، ولا يمكن أن يكون الله والآخرة مجرد انعكاس لأماني الشخصية الإنسانية كما يزعمون، وإذا كنا لا ننكر القول بأن الذهن الإنساني يحتفظ بأفكار قد تظهر فيما بعد في صورة عادية، فإننا ننكر أن تكون هذه الفكرة مسوغًا لإبطال الدين؛ لأن القياس عليها يعتبر قياسًا في غير محله، ويعتبر استدلالاً على شيء غير عادي من واقع عادي، فهو أشبه بمن يشاهد مثَّالاً يصنع صنمًا، فيصرخ: هذا هو الذي قام بعملية خلق الإنسان، ومن معايب الفكر الحديث - كما يقول أحد الباحثين - أنه يستنبط مِن حادث عادي دليلاً غير عادي، فهذا الدليل الذي يزعم فيه الملحدون من علماء النفس أن فكرة النعيم والجنة ترجع إلى صدى الأماني التي تنشأ لدى الإنسان إبان طفولته، ولكن لم تسمح له الفرصة لتحقيقها، فتبقى دفينة في اللاشعور، ثم يفرض اللاشعور بدوره حياة أخرى، يتيسر له فيها تحصيل ما كان يتمناه، شأن الرجل الذي قد لا يظفر بما يحب في الواقع، فيحصله في المنام[6].

نقول هذا دليل لا وزن له من الناحية المنطقية؛ لأن القياس فيه قياس مع الفارق، ثم إن اللاشعور الإنساني - من الوجهة العلمية - فراغ في أصله، لا شيء فيه قبل مولد الإنسان، وإنما يستقر فيه عن طريق الشعور ما يشغله الآن؛ لأن اللاشعور ليس سوى مخزن للمعلومات والمشاهدات التي شاهدها الإنسان في حياته ولو مرة واحدة، ومن المستحيل أن يختزن حقائقَ لم يَعلَمها من قبل، ومما يثير الدهشةَ أن الدين الذي جاء على لسان الأنبياء يشتمل على حقائق أبدية، لم تخطر على بال أحد من الناس في أي زمان، فلو كان اللاشعور هو مخزن هذه المعلومات، فمن أين أتى بها هؤلاء الذين تكلموا عن أشياء لا سبيل لهم إلى العلم بها؟!

وأيضًا فإن الدين الذي جاء به الأنبياء يتصل من ناحية أخرى بالعلوم المختلفة؛ كالطبيعة والفلك والكيمياء، وعلم الحياة وعلم النفس، والتاريخ والحضارة والسياسة، وما إلى ذلك، وكل حديث في التاريخ الإنساني مصدره الشعور، فضلاً عن اللاشعور - لا يخلو من الأخطاء والأدلة الباطلة، أما الكلام النبوي فإنه بريء ولا شك من كل هذه العيوب، رغم اتصاله بالعلوم المختلفة، ولقد مرت قرون أثر قرون، أبطل فيها المتأخرون كثيرًا مما ادعاه الأولون، وما زال صدق كلام النبوة باقيًا على الزمان، ولم يستطع أحد - ولن يستطع - أن يدل على باطل جاء به، وكل من حاول ذلك قد أخفق.

 وإذا كان كلام الأنبياء الذي يتمثل في الكتب السماوية وأحاديثهم - يخلو من الأخطاء رغم اتصاله بالعلوم المختلفة، فلا يمكن أن يكون مصدره اللاشعور؛ لأن ما مصدره اللاشعور يكون مليئًا بالأخطاء، فمعظم ما نراه في المنام أو الأحلام ليس فيه شيء من الصواب، فكيف يكون كلام الأنبياء - وكله صادق وحق وصواب - من وحي اللاشعور؟! وكيف نقيس كلام الأنبياء وكله حق، على ما نراه في الأحلام وجله - إن لم يكن كله - كاذب، ونزعم بأن مصدرهما اللاشعور؟! إن هذا القياس - كما قلنا - في غير محله، ومن ثم فلا صحة إطلاقًا لزعمهم بأن الدين نتاج اللاشعور الإنساني، أو الرغبات البشرية المكبوتة في العقل الباطن.

وكذلك لا صحة إطلاقًا لزعمهم بأن العقائد والآراء الدينية ليست شيئًا أكثر من نظريات بدائية عن الطبيعة، ذلك أن الآراء الدينية قد تضمنت كثيرًا من الحقائق العلمية الصحيحة، التي لم يستطع العلم أن يصل إليها إلا بعد بحث وعناء، وها نحن نرى كثيرًا من العلماء المحققين في مجال الطبيعة والفلك والطب والحياة وغيرها، يعجبون عندما يجدون القرآن قد سبق إلى كثير من الحقائق العلمية التي توصلوا إليها، ولا يسمح المجال بالوقوف لتفصيل هذه الحقائق التي تضمنها القرآن الكريم.

2 - مناقشة الزعم الثاني: لقد رأينا أن هذا الزعم يُرجِع أصحابُه الدينَ إلى نظام اقتصادي معين، والواقع أن زعم الماركسيين بأن الدين خدعة تاريخية، وأن العوامل التاريخية وخاصة الاقتصادية التي خلقت الدين هي النظام البورجوازي، فهو زعم باطل، وليس له قيمة من الناحية العلمية، وأن فكرة هؤلاء الشيوعيين أو الماركسيين التي تقوم على الحتمية التاريخية، تنفي بشدة إرادة الإنسان، وتحيل الأحداث إلى تأثير عوامل الزمن الاقتصادية، وهذا يعني أن الإنسان لا شحصية له، فهو يصاغ في مجتمعه كما يصاغ الصابون في المصنع.

وإذا كان هذا صحيحًا فإننا نتساءل: كيف ثار ماركس على الأوضاع الاقتصادية، أو على النظام الرأسمالي الذي نشأ في رحابه؟ وإذا كان الدين وليد عصر له ظروف اقتصادية معينة، فلِمَ لَمْ تكن الماركسية هي الأخرى وليدة النظام الاقتصادي لعصرها؟ وإذا كانوا يرفضون أن تكون الماركسية وليدة النظام الاقتصادي لعصرها، فلماذا يزعمون إذًا أن الدين وليد عصر معين أو وليد ظروف اقتصادية معينة؟

فالفكرة إذًا خاطئة، ولا تقوم على أساس علمي، وعلى هذا بطَل ما زعموه من أن الدين وليد النظام البورجوازي، وأن الغاية من الدين كانت حماية حقوق البورجوازيين.

ومن الصحيح أن البورجوازيين قد يستغلون - أحيانًا - الدين لتحقيق مطامعهم، وامتصاص دماء الفقراء، وقد يحدث أن تستغل طبقةٌ الدينَ في سبيل المحافظة على مصالحهم، قد يحدث هذا أو ذاك، ولكن هذا كله لا يكون إلا بتحريف الدين، وفهم مبادئه على غير المراد منها.

ومن الواضح أن الماركسيين قد نظروا إلى دين معين، في ظروف معينة، وفي بيئة معينة، وخرجوا من ذلك بأحكام عامة أذاعوها عن الأديان كلها، ولا شك أن ذلك قصور في منهج البحث، فليس من الحق في شيء أن تعمم الأحكام التي استنبطت من النظر في دين معين على جميع الأديان.

ثم إننا نتساءل: وهل قضت الماركسية على الظلم والاستغلال؟
إن التجربة الواقعية تُثبِت أن الماركسية لم تقضِ على الاستغلال أو الظلم، وها هي روسيا، لقد سادت الماركسية فيها أكثر من نصف قرن من الزمان، وقد ادعت روسيا من خلالها أن أحوال البلاد المادية قد تغيرت تمامًا، وأن النظام الزراعي وتقسيم الأموال والمبادلة قد جرت على أسس غير استغلالية، ولكن وجدنا بعض قادة الروس أنفسهم بعد موت ستالين يقرون بأن الظلم والفساد كانا رائجين في عهده، وأنه كان يستغل الشعب كما يستغله الحكام في البلاد الرأسمالية أو الاستعمارية، ولو وضعنا في اعتبارنا الرقابة الشديدة على الصحف ووسائل الإعلام - وهي التي تمكَّن بها ستالين من أن يذيع على العالم أن عهده هو عهد العدل والإنصاف - فلا ريب أن هذه الرقابة موجودة هناك اليوم أيضًا، ومن هنا تفهم أن الأمور تجري وراء ستار الدعاية على ما كانت عليه في عهد ستالين، وإذا كان المؤتمر العشرون (1956) للحزب الشيوعي الروسي قد أفشى مظالم ستالين، فلا غرابة أن يجيء المؤتمر الأربعون للحزب الشيوعي بإفشاء مظالم حكام روسيا اليوم.

إن هذا النظام الذي استغرق تجربته أكثر من نصف قرن من الزمان لَيدلُّنا على أن الإنسان لا يتغير بتغير نظام الزراعة والمبادلة المزعوم، ولو كان العقل الإنساني تابعًا للنظام الاقتصادي فلماذا نجد الظلم والفساد والاستغلال في نظام روسيا الشيوعي؟[7] وإذًا فليس العقل الإنساني نتاجًا للظروف الاقتصادية، وليس الدين وليد النظام الإقطاعي أو البورجوازي.

3 - مناقشة الزعم الثالث: يتلخص هذا الزعم - كما ذكرنا - في أن العلم قد قضى على الدين، ولا مكان للدين في عصر العلم، والواقع أن هذا الزعم يعتمد على فكرة راجت في الغرب، ومؤداها أن الدين والعلم متعارضان أو متناقضان، وكانت هذه الفكرة نتيجة لما حدث هناك من صراع بينهما.

وإذا كان العداء قد اشتد في أوربا بين العلم والدين المسيحي في تصور الكنيسة له، فإن هذا العداء لا يمكن أن يُتصوَّر بين الإسلام والعلم، ولا يمكن أن يغني العلم عن الإسلام، ذلك أن الإسلام - وأيضًا الدين المسيحي في حقيقته - لا ينكر العلم ولا يعارضه، ولا نبالغ إذا قلنا: إن الإسلام قد حث الإنسان على طلب العلم من المهد إلى اللحد، حتى ولو كان في الصين، ودعا إلى التفكير والنظر في ملكوت الله تعالى، وأثنى على العلم، وكرَّم العلماء، ورفع من مكانتهم حتى جعلهم ورثة الأنبياء؛ وذلك لأنهم هم الذين يستطيعون بالعلم أن يقفوا على آيات الله، ويدركوا ما في الكون من أسرار وعجائب، ويروا عظمة الله تعالى، ويكفي أن نقول: إن الاتجاه التجريبي الذي تجلى في القرآن - كتاب الإسلام الخالد - هو الذي فتح لأوربا الطريق إلى التقدم العلمي، فالحركة العلمية الكبرى التي نشأ منها العلم الحديث في أوربا قد استمدت مفتاحها أو منهجها من المسلمين، الذين عرفوا أصوله من وحي الإسلام وتوجيهه.

وعلى ذلك فإن العلاقة بينهما علاقة وثيقة؛ لأنهما يبحثان حقيقة واحدة هي (الوجود)، إلا أن أحدهما وهو العلم، يتناول مظهرها وهو الطبيعة أو الحقيقة الخارجية، وثانيهما وهو الدين، يتناول باطنها وهو الحقيقة الداخلية، فكل منها إذًا يلمس المطلق من ناحية، العلم يلمسه من جانب المادة، والدين يلمسه من جانب الروح، ولما كانت الصلة وثيقة بين المادة والروح كان العلم والدين متصلين، وكان الواحد منهما يخصب الآخر ولا يتعارض معه.

وليس معنى هذا أننا نلغي أي تمايز بينهما؛ بل إننا نرى أن مجال التمايز بينهما يتمثل في أن العلم ينظر إلى الحقيقة مجزأة، أما الدين فينظر إليها بوصفها كُلاًّ، وقد أشار إلى هذا "إقبال"، فبيَّن أنه ينبغي ألا ننسى أن العلم ليس نظرة واحدة منسقة للحقيقة؛ بل هو مجموعة من النظرات الجزئية للحقيقة، أشتات من تجربة كلية، لا تظهر منسجمة بعضها مع بعض، فعلم الطبيعة، وعلم الأحياء، وعلم النفس، تبحث في المادة، وفي الحياة، وفي العقل، كل منها في مجاله، ولكنك إذا سألت عن كيفية العلاقة المتبادلة بين المادة والحياة والعقل، أخذَتْ تتجلى لك عند ذلك جزئيةُ العلوم المختلفة التي تتناول البحث فيها، وتبيَّن لك عجزُ كل واحد منها عن أن يجيب وحده عن سؤالك هذا إجابة شافية.

والواقع أن العلوم الطبيعية مثلها - كما يقول إقبال - مثل الجوارح العديدة، تنقض على جسم الطبيعة الميت، فيذهب كل منها بجزء، والطبيعة من حيث هي موضوع العلم أمر عملت فيه الصنعة إلى حد بعيد، صنعة نشأت عن عملية الانتقاء التي لا بد للعلم من أن يخضع الطبيعة لها، حتى تتحقق لها الإجادة والتدقيق.

أما الدين فإنه ينظر إلى الحقيقة بوصفها كلاًّ لا يتجزأ، ولهذا يجب أن يتخذ له مكانًا مركزيًّا في أي تركيب من موضوعات التجارب الإنسانية جمعاء[8].
فالدين على هذا هو الطريق للكشف عن سر الكون كله، والتعرف إلى خالقه، والتعامل معه معاملة تليق بمقامه.
أما العلم فهو حصيلة التجارِب، ونتيجة المحاولات لمعرفة أسرار جزئيات الكون المادي، ثم استخدام ذلك وتسخيره للانتفاع به.

وعلى هذا يكون العلم جزءًا من الدين؛ لأن موضوعه - وهو جزئيات الكون - مندرج في الموضوع الكلي للدين، وهو الكون كله، فهما يتناولان حقيقة واحدة، إلا أن الدين يتناولها ككل، بينما العلم يتناول جزئياتها.
وإذا كان الأمر كذلك، فإن المدخل إلى الحقيقة عن طريق ما يكشفه الإدراك الحسي - لا يؤدي إلى رأي فيها يتعارض معارضة جوهرية مع رأي الدين في طبيعتها القصوى.

ومن ثم فإن الدين لم يكن ليخشى أي رأي من الآراء الجزئية عن الحقيقة، والعلوم الطبيعية جزئية بطبيعتها، فإذا كان لها أن تظل أمينة لطبيعتها ووظيفتها، فينبغي ألا تقيم نظريتها على اعتبار أنها رأي كامل عن الحقيقة.
فالدين إذًا لا يتعارض مع العلم، ولا يخشى منه شيئًا، ولا يمكن أن يأتي العلم الصحيح بما يتعارض مع الدين.

وهذا ما يقرره أيضًا كثير من المفكرين، من أمثال الشيخ محمد عبده الذي أشار إلى أنه لا تعارض بين الدين والعلم؛ لأن كلاًّ منهما يدرس إلى حد ما نفس الظواهر، ولكل منهما غاية خاصة يتجه إليها[9]، كما أشار إلى أن الدين من موازين العقل البشري التي وضعها الله؛ لترد من شططه، وأنه على هذا الوجه يعد صديقًا للعلم، باعثًا على البحث في أسرار الكون، داعيًا إلى احترام الحقائق الثابتة، ومن ثم فإن الدين يأخذ في رأيه بيد العلم، ويتعاونان معًا على تقويم العقل والوجدان[10].

ونستطيع أن نقول ونحن مطمئنون: إن الدين وخاصة الإسلام لا يناقض العلم مطلقًا، ولا يخشى منه شيئًا، لأن الكتاب الناطق بالدين (القرآن) لا يمكن أن يناقض كتاب الكون الصامت (الطبيعة)؛ لأن مبدع الكتابين واحد، فالله هو الذي وضع قوانين الطبيعة، وهو أيضًا الذي أنزل الكتاب، فلا يمكن إذًا أن يختلف قوله مع فعله، قال تعالى عن القرآن: {تَنْزِيلاً مِمَّنْ خَلَقَ الْأَرْضَ وَالسَّمَوَاتِ الْعُلاَ} [طه: 4].

وعلى هذا فإن الماديين الملحدين الذين يرون أن العلم قد قضى على الدين، وأنه لا مكان للدين في عصر العلم - ليسوا على صواب في هذا الرأي؛ لأن منزلة الدين من العلم بمنزلة الروح من الجسد، ولا يمكن أن يغني العلم عن الدين وخاصة الإسلام، إن العلم سلاح ذو حدين، يمكن أن يحمل السعادة والخير إلى الإنسانية، ويمكن أن يكون قوة مدمرة لكل ما بنتْه الإنسانية على مسار التاريخ من جهود، ولا يمكن أن يكون العلم مصدر السعادة للإنسان إلا إذا سار في ركاب الدين واهتدى بهديه، ومهما تقدم العلم فلا يمكن أن يغني الإنسان عن الدين؛ لأن الدين حاجة ضرورية من حاجات الإنسان التي لا يمكن أن يستغني عنها، ولا أدل على ذلك من أن الملحدين بعد أن أنكروا الدين السماوي اتخذوا من الطبيعة معبودًا لهم، لأن الشعور الديني - كما قلنا - شعور فطري، لم يستطيعوا أن يهربوا منه.

ولعلنا نستطيع أن نقول في اطمئنان: إن الزعم بأن العلم يغني عن الدين ليس إلا إدعاء باطلاً، لا يجد له سندًا أو حجة من واقع الحياة، ولا من شواهد التاريخ، فما كان العلم ليعصم من الزلل الخُلقي، ولا يستطيع أن يقيم في النفس وازعًا يزع صاحبها عن الهوى، فقد يعرف الإنسان وجه الشر واضحًا ثم يأتيه عامدًا متعمدًا، وقد يرتكب الإنسان الشر مرة ومرة دون أن يجد لذلك وخزًا في ضميره، أما الدين فهو الذي يعصم صاحبه عن الوقوع في الشر، ويدفعه إلى محاربة شهواته، ويجعل المرء يحس بالندم إذا اقترف إثمًا، ويسارع إلى الإقلاع والتوبة عن ذنبه.

ولست في حاجة إلى القول بأن صاحب الدين يأتي ما يأتي من الإثم على حذر وخوف، وعلى تحرج وندم، ومن بات على هذا الحال فجدير به أن يصبح مجانبًا للشر، كارهًا للإثم، وبهذا المعنى فهم كثير من المفسرين الآية الكريمة: {إِنَّ الصَّلَاةَ تَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنْكَرِ} [العنكبوت: 45]، حيث يكون للإنسان من استصحاب الدين حارس، إن غفل ساعة أو لحظة فلا بد أن يتيقظ وتكون له السيادة، ومن الحق أنه لا شيء يقوم مقام الدين في تزكية النفس وتطهيرها، وفي إقامة الوازع القوي اليقظ، وفي بعث الضمير وجعله رقيبًا داخليًّا، أو سلطة قائمة في داخل الإنسان تحاسبه وتصرفه عن اقتراف السوء.

إن صاحب الدين يجد فيه عزاء لآلامه، ومواساة لمصائبه، بما يدعوه إليه دينُه من الرضا بما قدَّر الله له، والاطمئنان لما أراده الله به، فالله لا يريد إلا الخير ولو كان في ظاهره شرًّا {وَعَسَى أَنْ تَكْرَهُوا شَيْئًا وَهُوَ خَيْرٌ لَكُمْ وَعَسَى أَنْ تُحِبُّوا شَيْئًا وَهُوَ شَرٌّ لَكُمْ} [البقرة: 216]، والمؤمن بذلك لا ييأس من رحمة الله مهما اشتدت به المصائب، إنه إذا لم يجد العزاء في حياته فإنه لا يستسلم لليأس؛ لأنه يؤمن بأنه سينال أجره أو حسابه في الحياة الأخرى، ولا شك أن هذه طاقة كبيرة من طاقات الأمل والرجاء، إذا استحكم اليأس واشتد الكرب، لا تُفتَح إلا لمن كان على دين، ولا يجد عندها الطمأنينة والعزاء إلا مَن ذاق قلبُه طعمَ اليقين، أما الملْحد فإنه إذا اشتدت به الآلام استبد اليأس بقلبه، وأظلمت الدنيا في وجهه، ونظر إلى الحياة بمنظار أسود، وعندئذ يلجأ إلى شرب المخدرات؛ كي ينسى همومه وآلامه، وقد يلجأ إلى الانتحار هربًا من الحياة.

وبعد أن عرضنا لأهم مزاعم المنكرين للدين، وبيَّنا موقف الفكر الإسلامي منها، وكيف فندها أعلامه ودحضوها، نتحدث عن أهمية الدين للحياة في نظر هؤلاء الأعلام.

ثالثًا: أهمية الدين ووظيفته في الحياة
يعتبر الدين وخاصة الإسلام على جانب كبير من الأهمية للحياة بالنسبة للفرد والمجتمع، وليس أدل على هذه الأهمية من الأهداف التي يحققها لهما، والتي بدونها لا يتحقق للفرد سعادة، ولا أمن ولا طمأنينة ولا استقرار، ولا يتوفر للمجتمع التماسك والتعاون، والمودة والتراحم والسلام، وهذه الأهداف التي يسعى إليها الدين عديدة، وإذا كنا لا نستطيع أن نفصل القول فيها، فإننا نشير إلى بعض هذه الأهداف فيما يلي:

1 - إن الدين يحقق للإنسانية ما تحتاج إليه اليوم، وما تحتاج إليه الإنسانية اليوم يمكن أن يتلخص - كما يقول إقبال - في ثلاثة أمور هي:
أ - تأويل الكون تأويلاً روحيًّا.
ب - تحرير روح الفرد.
ج - وضع مبادئ أساسية ذات أهمية عالمية توجه تطور المجتمع الإنساني على أساس روحي[11].

وقد يقال: إن أوربا في العصر الحديث قد أقامت نظمًا مثالية على هذه الأسس، دون الاعتماد على الدين.
والواقع أن هذا القول صحيح إلى حد ما، ولكنه فضلاً عما فيه من مكر وخداع - إذ يريد أن يثبت أن العقل يغني عن الدين - يغفل حقيقة أساسية، وهي "أن التجربة بيَّنت أن الحقيقة التي يكشفها العقل المحض لا قدرة لها على إشعال جذوة الإيمان القوي الصادق، تلك الجذوة التي يستطيع الدين وحده أن يشعلها"[12].

ولعل مما يؤيد ذلك أن كل الاقتراحات المتعلقة بإنشاء ديانة إنسانية في إطار عقلي مجرد - قد فشلت، فقد نادى فلاسفة كثيرون من أمثال "هكسلي" بضرورة تلمس ديانة مؤسَّسة على النظر العقلي، ومعتمدة على الدراسات النفسية، لمعرفة كيفية إقناع الناس بها، ولكن ظهر للكثير من الباحثين فشلُ مثل هذه الديانة؛ لعجزها عن إرضاء الاحتياجات الإنسانية،[13] ولأن مثل هذه الديانة لا قدرة لها على إشعال جذوة الإيمان، تلك الجذوة التي اختص بها الدين، وهذا هو السبب في أن التفكير المجرد لم يؤثِّر في الناس إلا قليلاً، في حين أن الدين استطاع دائمًا أن ينهض بالأفراد، ويبدل الجماعات بقضها وقضيضها وينقلهم من حال إلى حال.

ويتضح هذا في مجال التشريع مثلاً، ذلك أن امتثال الفرد للقانون المدني قد يكون امتثالاً شكليًّا، يتحين الفرصة للتهرب والانسلاخ والإفلات من يد القانون، لأن القانون لا يعرف إلا ما كان واضحًا وصريحًا لا لبس فيه، وليس له سلطان على الضمائر والقلوب، أما القوانين الدينية فمُشرعُها يعلم خائنة الأعين وما تخفي الصدور، وهذه عقيدة يعتقد صحتَها كلُّ متدين، فاحتياله على مخالفة هذه القوانين الإلهية يشكل انفصامًا وصراعًا في ذات نفسه؛ لعدم تلاقي العقيدة مع سلوكه، فيحس الألم، ووخز الضمير، والندم عند ارتكابه الجريمة، حتى وإن كان قد ارتكبها في الظلام؛ لأنه يدرك أن الله مطلع عليه.

ويتضح أيضًا في مجال العقائد والأخلاق، فإن هذه العقائد والأخلاق إذا بُنِيَت على التفكير المجرد، لا تترك أثرًا يُذكَر في نفوس الناس، وكثيرًا ما يخالفها الإنسان؛ لأنه يعتقد أنها مبنية على التفكير الوضعي، وقد يكون هذا التفكير خاطئًا، أما العقائد والأخلاق الدينية فلا شك أنها تترك أعظم الأثر في نفوس الناس، أفرادًا وجماعات، لأنهم يؤمنون بأن مصدرها الله الذي يعلم وحده حقيقة النفس الإنسانية، وهو الذي يشرع لها ما يصلحها.

ولهذا فإن مثالية أوربا - كما يقول إقبال - لم تكن أبدًا من العوامل الحية المؤثرة في وجودها، ولهذا أنتجت ذاتًا ضالة، أخذت تبحث عن نفسها بين ديمقراطيات لا تعرف التسامح، وكل همها استغلال الفقير لصالح الغني، وإن أوربا اليوم هي أكبر عائق في سبيل الرقي الأخلاقي للإنسان[14].

2 - إن الدين هو وحده القادر على إعداد الإنسان العصري إعدادًا خلقيًّا يؤهله لتحمل التبعة العظمى، التي لا بد من أن يتمخض عنها تقدُّم العلم الحديث، وأن يرد إليه تلك النزعة من الإيمان، التي تجعله قادرًا على الفوز بشخصيته في الحياة الدنيا، والاحتفاظ بها في دار البقاء.
إن السمو إلى مستوى جديد في فهم الإنسان لأصله ولمستقبله، من أين جاء؟ وإلى أين المصير؟ هو وحده الذي يكفل له آخر الأمر الفوز على مجتمعٍ يحركه تنافس وحشي على حضارة فقدت وحدتها الروحية، بما انطوت عليه من صراع بين القيم الدينية والقيم السياسية[15].

والحق أن الدين بما يتضمنه من حقائقَ تتصل بالعقيدة والأخلاق والسلوك والتهذيب - يمد الإنسان بطاقة جبارة، وبزاد فكري وروحي، فيستطيع أن يَثبُت أمام العواصف والفتن الهوجاء التي أدى إليها العلم الحديث، وخاصة العلم الوضعي وما نتج عنه من الإلحاد، الذي يعصف بالقيم الروحية، والأخلاق المثالية، ويجر الإنسانية إلى نهاية لا يعلم مداها إلا الله.

لقد فتح المذهب الوضعي أو الطبيعي بابَ الإلحاد على مصراعيه، وزعزع مكانة القيم المعنوية في النفوس، وجعل الإنسان يطغى ويظن أنه استغنى، معتقدًا أنه ليس هناك إله، وأنه لا حياة إلا حياتنا الدنيا، لقد سلبه إيمانَه في مصيره، وجعله يكف عن توجيه روحه إلى الحياة الروحية.
وهذا كله جعل الحاجة ماسة إلى إعداد الإنسان وتزويده بالعقيدة والأخلاق التي تجعله يَثبُت أمام العواصف، وتحقق له الفوز على مجتمع يعاني من الأنانية، والأثرة الجارفة، والتنافس الوحشي البغيض الذي لا يقدِّر كرامة الإنسان، ولا يحقق هذا إلا الدين.

3 - ومن أهداف الدين التي يحققها للإنسان هذا الهدف الذي عبَّر عنه إقبال تعبيرًا موجزًا بقوله: إن هدف الدين الأسمى تكيف الإنسان وهدايته في تدبيره لنفسه، وفي صِلاته بغيره[16].

وهذه العبارة تتسع للكثير من الوظائف، فإنها تشمل الوظائف النفسية الفردية التي تجعل من الدين غذاء ضروريًّا لقوى النفس، كما تشمل الوظائف الاجتماعية التي لا يكون موضوعها الفرد وحده، وإنما يكون موضوعها المجتمع ككل، ويكون لها شأن كبير وأثر خطير في حياة الجماعة، لا يقل عن أثرها النفسي على الفرد ذاته، إن لم يَفُق هذا الأثر النفسي.

لقد اهتم الدين بتكوين شخصية الفرد، فدعاه إلى إثبات ذاته وتقويتها، وحثه على تربية هذه الذات حتى تتمكن من الترقي والسمو، إلى أن تصل إلى الله وتنال منه الشهادة على خلودها[17].
وبالإضافة إلى هذا فإن الدين يقدم للفرد العقيدة الصحيحة، ويصون عقله عن كل ما يؤثر في قدرته على التمييز بين الحق والباطل، والخطأ والصواب، والضار والنافع، وأيضًا فإن الدين يصون الفرد عن كل ما يخدش كرامته.

والواقع أن الدين في تاريخه الطويل حاول أن يصحح فكر الإنسان في كثير من الأشياء المتعلقة بنفسه، وبالعالم ككل.
وكما اهتم الدين بتكوين شخصية الفرد، وحرص على أن تكون شخصية سوية، فإنه اهتم بالمقومات الضرورية للمجتمع، ورسم له حدود العلاقات بينه وبين غيره من المجتمعات، كما وضح حدود العلاقات بين أفراده بعضهم مع بعض، ووضع له مبادئ مثالية تقوم عليها نظمه الأخلاقية والسياسية، وتصونه من التفتت والضعف، وسن له الأحكام التي تحقق له الأمن والأمان، وتصونه من عبث المجرمين.

ولا شك أن هذا يبين أن الدين وخاصة الإسلام ليس فقط مجموعة من القواعد أو قوانين السلوك، تتحدد بها واجبات الإنسان نحو خالقه، وإنما هو أيضًا نظام اجتماعي كامل يتضمن كافة أوجه النشاط الإنساني، وكافة القوانين المنظمة لهذا النشاط، والتي تضمن صلاح النفس، وقد قرر ابن حزم أن الشرائع غايتها إصلاح الناس، ودفع المفسدة التي تترتب على ترك الناس هملاً وبدون قانون أو وازع.

4 - ومن الأهداف التي يحققها الدين أنه يعرفنا بالحقيقة، ويصحح أفكارنا المتعلقة بالإلهيات، وقد عبر إقبال عن هذا بقوله: "الدين هو الطريقة الجدية الوحيدة للبحث في الحقيقة، والدين - بوصفه نوعًا من رياضة عالية رفيعة - يصحح أفكارنا في فلسفة الإلهيات، أو يجعلنا على الأقل نشك في الحركة العقلية البحتة التي تكون هذه الأفكار"[18].

والواقع أن الدين حاول أن يوضح للإنسان كثيرًا من الأمور أو الأشياء المتعلقة بنفسه وبالعالم ككل، حاول أن يجيب عن أسئلة كثيرة طالما شغلت الإنسان، وأقضت مضجعه، أسئلة تقول: من أنا؟ وما نفسي تلك التي أشعر بها؟ وهذا العالم ماذا يعني بالنسبة لي؟ لِمَ وجِدت ولِمَ أموت؟ وما هي صفات ذلك الذي يتجاوز حدود سيطرتي وسلطاني؟ ومن الذي خلقني وخلق هذا العالم؟ وباختصار ما المصدر؟ وما الكينونة؟ وما المصير؟
ولا يستطيع العقل وحده أن يقدم إجابة شافية لهذه الأسئلة يطمئن لها قلب الإنسان، ومن ثم كان الدين ضروريًّا له؛ لأنه هو الذي يقدم له تلك الإجابة الشافية.

5 - ومن تلك الأهداف أن الدين والإسلام خاصة هو الذي يقوِّم المدنية، ويشيد النظام، ويدعم السعادة الإنسانية؛ لأنه تضمن الأسس أو الأركان التي لها الأثر البالغ في تحقيق ذلك، وأهم هذه الأسس - كما يذكر الأفغاني - ما يأتي:

أ - صقل العقول بصقال التوحيد، وتطهيرها من لوث الأوهام، فمن أهم أصوله الاعتقاد بأن الله متفرد بتصريف الأكوان، متوحد في خلق الأفعال، وأن من الواجب طرح كل ظن في إنسان أو جماد يكون له في الكون أثر من نفع أو ضر، أو إعطاء أو منع، أو إعزاز أو إذلال، أو نحو ذلك من خرافات، كل واحدة منها كافية في ضلال العقول، أو طمس أنوارها.

ب - أن الإسلام فتح أبواب الشرف للأنفس كلها، وأثبت لكل نفس الحق في السمو، ومحق امتياز الأجناس وتفاضل الأصناف، وقوَّم الناس بالكمال العقلي والنفسي، فالناس إنما يتفاضلون بالعقل والفضيلة لا بأي شيء آخر، وقد لا نجد في الأديان الأخرى ما يجمع أطراف هذه القاعدة.
جـ - أن الإسلام يكاد يكون منفردًا بين الأديان بتقريع المعتقدين بلا دليل، وتوبيخ المتبعين للظنون، فهو كلما خاطبَ خاطبَ العقلَ، وكلما احتكم احتكم إلى العقل، تنطق نصوصه بأن السعادة من نتائج العقل والبصيرة، وأن الشقاء والضلالة من لواحق الغفلة، وإهمال العقل، وانطفاء نور البصيرة.

د - أن الإسلام أوجب تعليم سائر الأمة، وتنوير عقولها بالمعارف والعلوم، وفرض نصْبَ المعلم ليؤدي عمل التعليم، وإقامة المؤدب الآمر بالمعروف الناهي عن المنكر، فقال: {وَلْتَكُنْ مِنْكُمْ أُمَّةٌ يَدْعُونَ إِلَى الْخَيْرِ وَيَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ} [آل عمران: 104]، وقال: {فَلَوْلاَ نَفَرَ مِنْ كُلِّ فِرْقَةٍ مِنْهُمْ طَائِفَةٌ لِيَتَفَقَّهُوا فِي الدِّينِ وَلِيُنْذِرُوا قَوْمَهُمْ إِذَا رَجَعُوا إِلَيْهِمْ لَعَلَّهُمْ يَحْذَرُونَ} [التوبة: 122][19].

ولا شك أن الإسلام بهذا كله يحرر الإنسان من الخضوع للطواغيت، ويطهر عقله من الخرافات، ويحميه من الوقوع في الشقاء والضلال، بتحذيره من التقليد الأعمى واتباع الظنون، ويحقق المساواة في المجتمع؛ لأنه يحارب الفوارق الطبقية، ويحمي الفضيلة، ويقاوم الرذيلة، ويحمي المجتمع من عبث الأشرار والمجرمين.

هذه هي بعض الأهداف التي يحققها الدين، وهي تكشف بدون شك عن أهمية الدين وضرورته للفرد والمجتمع، وإذا كان الماديون الملحدون يزعمون أنه لا مكان للدين في هذا العصر عصر العلم، فإننا نرى أن الدين إذا كان لازمًا في أي عصر من العصور، فإنه ألزم للمجتمع في هذا العصر الذي طغت عليه المادة، وأصبحت الإنسانية تعاني فيه من الأنانية والأثرة الجارفة، وتعاني من التنافس البغيض، وتعاني من القلق والاضطراب النفسي، وتعانى من شبح الحرب الذي يهددها ليل نهار، وتعانى من الخداع والنفاق والغش والتضليل، وتعانى من الاضطرابات والفوضى الاجتماعية، والانحطاط الخلقي، والقلق الاقتصادي، والإفلاس الروحي، لقد أصبحت الإنسانية في مسيس الحاجة إلى الدين الذي يحفظ عليها حياتها، وينقذها مما تجره عليها المادية الملحدة، وما أحوجَ العلمَ أيضًا في هذا العصر إلى الدين؛ لأن فتوحاته وتقدمه قد جعلت في إمكانه أن يدمر البشرية رأسًا على عقب، أن يقضي على ثماره وما بناه للإنسانية من مدنية ورقي، والدين هو الذي يحفظ عليه ثماره، ويقوده إلى طريق الخير، إن الدين باختصار شديد يحقق للمجتمع ثلاثة أشياء حيوية، تضمن السلوك السوي، والسيرة المستقيمة في حياة هذا المجتمع، وهذه العناصر الحيوية هي: الحياء والأمانة والصدق، وكل عنصر من هذه العناصر له مقوماته الخاصة، ونتائجه القيمة بالنسبة للفرد وبالنسبة للمجتمع[20]. 


[1]انظر: الدكتور/ محمد دراز "الدين" ص 29. 
[2]السابق ص 81. 
[3]انظر: الدكتور/ محمد كمال جعفر "في الدين المقارن" ص 45. 
[4]انظر: الأستاذ/ طارق حجي "الشيوعية والأديان" ص 59. 
[5]انظر: الدكتور/ محمود قاسم "جمال الدين الأفغاني" ص 106. 
[6]انظر: "الإسلام يتحدى" لوحيد الدين خان، ص 26. 
[7]انظر: "الإسلام يتحدى" ص 36. 
[8]إقبال: "تجديد" ص 52. 
[9]الشيخ محمد عبده: "رسالة التوحيد" ص 45. 
[10]الشيخ محمد عبده: "الإسلام والنصرانية" ص 134. 
[11]انظر: كتابه "تجديد التفكير الديني" ص 207. 
[12]السابق ص 207. 
[13]الدكتور كمال جعفر: "في الفلسفة والأخلاق" ص 45. 
[14]إقبال: "تجديد" ص 207. 
[15]المرجع السابق ص 217. 
[16]إقبال: "تجديد" ص 6. 
[17]راجع: إقبال "ديوان الأسرار والرموز" ص 28 وما بعدها. 
[18]إقبال: "تجديد" ص 212. 
[19]انظر: الأفغاني "الرد على الدهريين" ص 71 وما بعدها. 
[20]راجع: الأفغاني "الرد على الدهريين" ص 82 وما بعدها، ترجمة الشيخ محمد عبده. 




 حفظ بصيغة PDFنسخة ملائمة للطباعة أرسل إلى صديق تعليقات الزوارأضف تعليقكمتابعة التعليقات
شارك وانشر

مقالات ذات صلة

  • خطبة المسجد النبوي 12/3/1431هـ

مختارات من الشبكة

  • جواب شبهة: نقصان الدين قبل نزول آية الإكمال واختلاف العلماء على مسائل الدين مع كمالها(مقالة - آفاق الشريعة)
  • إجازة بخط الحافظ شمس الدين السخاوي (831هـ - 902هـ) لتلميذه جمال الدين القرتاوي سنة (899هـ)(كتاب - مكتبة الألوكة)
  • قصيدة ثائية في أسماء المجددين وأن منهم الحافظ السيوطي جلال الدين للعلامة بدر الدين الغزي(مقالة - ثقافة ومعرفة)
  • العلامة جلال الدين السيوطي في عيون أقرانه ومعاصريه (1) علاء الدين المرداوي(مقالة - ثقافة ومعرفة)
  • إجازة الإمام علم الدين البلقيني لتلميذه العلامة جلال الدين السيوطي(مقالة - ثقافة ومعرفة)
  • إجازة الإمام محيي الدين الكافيجي لتلميذه العلامة جلال الدين السيوطي(مقالة - ثقافة ومعرفة)
  • إجازة الإمام شمس الدين السيرامي لتلميذه العلامة جلال الدين السيوطي(مقالة - ثقافة ومعرفة)
  • من تراجم الشعراء: البهاء زهير - ابن سناء الملك - نجم الدين - مهذب الدين(مقالة - ثقافة ومعرفة)
  • من تراجم الشعراء: صلاح الدين الصفدي - صفي الدين الحلي - ابن سعيد المغربي(مقالة - ثقافة ومعرفة)
  • الدين المؤجل والمعجل ودين الله ودين الآدمي(مقالة - آفاق الشريعة)

 



أضف تعليقك:
الاسم  
البريد الإلكتروني (لن يتم عرضه للزوار)
الدولة
عنوان التعليق
نص التعليق

رجاء، اكتب كلمة : تعليق في المربع التالي

مرحباً بالضيف
الألوكة تقترب منك أكثر!
سجل الآن في شبكة الألوكة للتمتع بخدمات مميزة.
*

*

نسيت كلمة المرور؟
 
تعرّف أكثر على مزايا العضوية وتذكر أن جميع خدماتنا المميزة مجانية! سجل الآن.
شارك معنا
في نشر مشاركتك
في نشر الألوكة
سجل بريدك
  • بنر
  • بنر
كُتَّاب الألوكة
  • مسابقة للأذان في منطقة أوليانوفسك بمشاركة شباب المسلمين
  • مركز إسلامي شامل على مشارف التنفيذ في بيتسفيلد بعد سنوات من التخطيط
  • مئات الزوار يشاركون في يوم المسجد المفتوح في نابرفيل
  • مشروع إسلامي ضخم بمقاطعة دوفين يقترب من الموافقة الرسمية
  • ختام ناجح للمسابقة الإسلامية السنوية للطلاب في ألبانيا
  • ندوة تثقيفية في مدينة تيرانا تجهز الحجاج لأداء مناسك الحج
  • مسجد كندي يقترب من نيل الاعتراف به موقعا تراثيا في أوتاوا
  • دفعة جديدة من خريجي برامج الدراسات الإسلامية في أستراليا

  • بنر
  • بنر

تابعونا على
 
حقوق النشر محفوظة © 1446هـ / 2025م لموقع الألوكة
آخر تحديث للشبكة بتاريخ : 29/11/1446هـ - الساعة: 21:31
أضف محرك بحث الألوكة إلى متصفح الويب