• الصفحة الرئيسيةخريطة الموقعRSS
  • الصفحة الرئيسية
  • سجل الزوار
  • وثيقة الموقع
  • اتصل بنا
English Alukah شبكة الألوكة شبكة إسلامية وفكرية وثقافية شاملة تحت إشراف الدكتور سعد بن عبد الله الحميد
 
الدكتور سعد بن عبد الله الحميد  إشراف  الدكتور خالد بن عبد الرحمن الجريسي
  • الصفحة الرئيسية
  • موقع آفاق الشريعة
  • موقع ثقافة ومعرفة
  • موقع مجتمع وإصلاح
  • موقع حضارة الكلمة
  • موقع الاستشارات
  • موقع المسلمون في العالم
  • موقع المواقع الشخصية
  • موقع مكتبة الألوكة
  • موقع المكتبة الناطقة
  • موقع الإصدارات والمسابقات
  • موقع المترجمات
 كل الأقسام | مقالات شرعية   دراسات شرعية   نوازل وشبهات   منبر الجمعة   روافد   من ثمرات المواقع  
اضغط على زر آخر الإضافات لغلق أو فتح النافذة اضغط على زر آخر الإضافات لغلق أو فتح النافذة
  •  
    العشر من ذي الحجة وآفاق الروح (خطبة)
    حسان أحمد العماري
  •  
    فضائل الأيام العشر (خطبة)
    رمضان صالح العجرمي
  •  
    أفضل أيام الدنيا (خطبة)
    د. محمد بن مجدوع الشهري
  •  
    أحكام عشر ذي الحجة (خطبة)
    الشيخ عبدالرحمن بن سعد الشثري
  •  
    أحكام عشر ذي الحجة
    د. فهد بن ابراهيم الجمعة
  •  
    أدلة الأحكام المتفق عليها
    عبدالعظيم المطعني
  •  
    الأنثى كالذكر في الأحكام الشرعية
    الشيخ أحمد الزومان
  •  
    الإنفاق في سبيل الله من صفات المتقين
    د. خالد بن محمود بن عبدالعزيز الجهني
  •  
    النهي عن أكل ما نسي المسلم تذكيته
    فواز بن علي بن عباس السليماني
  •  
    الحج: آداب وأخلاق (خطبة)
    الشيخ محمد بن إبراهيم السبر
  •  
    يصلح القصد في أصل الحكم وليس في وصفه أو نتيجته
    ياسر جابر الجمال
  •  
    المرأة في القرآن (1)
    قاسم عاشور
  •  
    ملخص من شرح كتاب الحج (11)
    يحيى بن إبراهيم الشيخي
  •  
    الإنصاف من صفات الكرام ذوي الذمم والهمم
    د. ضياء الدين عبدالله الصالح
  •  
    الأسوة الحسنة
    نورة سليمان عبدالله
  •  
    أحكام المغالبات
    الشيخ عبدالله بن جار الله آل جار الله
شبكة الألوكة / ثقافة ومعرفة / إدارة واقتصاد
علامة باركود

العلاقات الدولية بين الوفاق والصدام (الجزء الأول)

العلاقات الدولية بين الوفاق والصدام (الجزء الأول)
ميسون سامي أحمد

مقالات متعلقة

تاريخ الإضافة: 21/9/2021 ميلادي - 13/2/1443 هجري

الزيارات: 7333

 حفظ بصيغة PDFنسخة ملائمة للطباعة أرسل إلى صديق تعليقات الزوارأضف تعليقكمتابعة التعليقات
النص الكامل  تكبير الخط الحجم الأصلي تصغير الخط
شارك وانشر

العلاقات الدولية بين الوفاق والصدام

الجزء الأول


العلاقات الدولية هي علم من العلوم السياسية يهتم بدراسة كافة الظواهر التي تتجاوز الحدود الدولية، ومن خلالها يمكن دراسة وتحليل الظاهرة السياسية على المستوى الدولي بكل أبعادها النظرية والواقعية[1]، وهي لا تقتصر على دراسة وتحليل الجوانب أو الأبعاد السياسية فقط والعلاقات بين الدول، وإنما تتعداها إلى مختلف الأبعاد الاقتصادية والعقائدية والثقافية والاجتماعية؛ فهي تشمل كل علاقة ذات طبيعة سياسية، أو من شأنها إحداث انعكاسات وآثارٍ سياسية تمتد إلى ما وراء الحدود الإقليمية لدولة واحدة، وتخصُّص العلاقات الدولية يركز على فهم حركة القوى المؤثرة في السياسة الدولية وتفسيرها[2].

 

ولأن العلاقات الدولية لم تصبح علمًا أكاديميًّا إلا بعد الحرب العالمية الأولى؛ فإن تعريفاتها ما زالت حديثة ومتغيرة، وبدون الغوص في التعاريف الكثيرة فإننا نختار تعريفًا للعلاقات الدولية ونُعرِّفها بأنها: كافة التفاعلات والروابط المتبادلة؛ سواء كانت سياسية أو غير سياسية بين الكيانات المختلفة في إطار المجتمع الدولي[3]، فهي تفاعلات ومبادلات بين جانبي الحدود للدول المختلفة، كما أنها تشمل علاقات الدول والشعوب فيما بينها[4].

 

العلاقات الدولية قديمة قِدَمَ الإنسانية، غير أن هذه العلاقات كانت قائمة في الغالب على الحروب والتوسع، لذلك يرى الكثير من العلماء والباحثين - وبخاصة الغربيون منهم - أن العلاقات السياسية الدولية لم تنشأ إلا منذ مؤتمر وستفاليا، عندما ظهرت الدول القومية، فقد انبثق النظام السياسي الدولي بالشكل الذي نعرفه اليوم من النظام السياسي الأوروبي الذي ظهر في أعقاب انهيار الإقطاع في أوروبا[5]، وبرزت الدولة القومية الحديثة التي هيأت الأساس نحو قيام النظام الدولي الأوروبي الذي تبلْوَرت معالمه وتحدَّد إطاره العام في هذه المعاهدة، والتي أنهت الحروب الدينية في أوروبا، مبتدِئة بذلك حِقبة جديدة في تاريخ العلاقات الدولية، فقد قامت الدول القومية في أوروبا على أنقاض النظام الإمبراطوري الذي كان سائدًا في العالم[6].

 

وعلى الرغم من أن ظاهرة الصراع ظاهرة قديمة قدم الإنسان، وهي من سمات البشر، فإن ظاهرة الصراع في العلاقات الدولية تختلف عن بقية ظواهر العلاقات الدولية؛ نظرًا لتنوع وكثرة أبعادها، وتعقُّد وتقاطُعِ الأسباب المؤدية لها التي تنتج عنها بطبيعة الحال نتائجُ مختلفة، فالصراع ظاهرة إنسانية تنشأ عن تعارض المصالح، أو رغبة طرفين أو أكثر في القيام بأعمال متعارضة فيما بينها، والصراع يجري مدفوعًا بمجموعة من الرغبات والحاجات الخاصة، فعندما تشعر الأطراف المتفاعلة أن ثمة مصالحَ يمكن أن تجنيَها من جراء الانخراط في الصراع، فإنها تُقدِم على الدخول فيه وتغريها تلك المصالح بكسر قواعد سابقة، أو المغامرة بانتهاك أعرافٍ عامة لإدارة الصراعات على المستويات المختلفة.

 

الصراع موجود في الواقع بحكم توازنات وتعقد الواقع ذاته، غير أنه دائمًا ما يأتي ممتزجًا بالكثير من التبريرات الاجتماعية والاقتصادية والسياسية، فهناك سبب أصيل لأي صراع، كما أن هناك تبريرًا مباشرًا لوجوده، فظاهرة الصراع الدولي ظاهرة معقدة لتعدد أسبابها ومظاهرها ومصادرها وتأثيراتها المباشرة وغير المباشرة[7]، وقد اتفق على ذلك معظم علماء التنظير في العلاقات الدولية؛ فالصراع ليس إلا تعارضًا عميقًا في المصالح والأهداف والقِيَمِ بين أطراف الصراع، وتكون الأطراف فيه على وعيٍ بإمكانية عدم التوافق لموضعها؛ حيث يرغب كل طرف في احتلال موضع لا يُرضِي ولا يتفق مع رغبات الطرف أو الأطراف الأخرى[8].

 

فالصراع هو وضع بين طرفين أو أكثر يوجد بينهما تناقض في المصالح، ويتم التعبير عن هذا التناقض من خلال اتجاهات عدائية، ومحاولة الحصول أو تحقيق هذه المصالح من خلال تصرفات أو إجراءات تؤدي إلى الإضرار بالأطراف الأخرى؛ سواء أكانت بين أفراد أو جماعات أو دول، وتتفرع هذه المصالح إما حول الموارد المادية، أو السلطة والنفوذ، أو الهوية، أو المكانة والكرامة، أو حول القيم بما ترتبط به من ثقافات وأديان[9].

 

فمفهوم الصراع هو بدايةً يفترض تناقض المصالح أو القيم بين طرفين أو أكثر، وهو ثانيًا يشترط إدراك أطراف الموقف ووعيها بهذا التناقض، ثم هو ثالثًا يتطلب توافر أو تحقق الرغبة من جانب طرف أو الأطراف في تبنِّي موقفٍ لا يتفق بالضرورة مع رغبات الطرف الآخر، أو الأطراف الأخرى، بل إن هذا الموقف قد يتصادم مع باقي هذه المواقف[10].

 

ويقف الصراع كمفهوم وممارسة بين مستويين؛ الأول: الاختلاف الطبيعي أو المصطنع والناجم عن التباين في العقائد أو الرؤى أو المصالح بين الجماعات الإنسانية، وهنا فإن الفشل في إيجاد مساحات من الفهم والقبول والتناغم المشترك يحوِّل الاختلاف إلى صراع بين تلك الجماعات للدفاع عن ذات ومصالح كل طرف، والمستوى الثاني: الأزمة؛ وهي مرحلة متقدمة من الصراع بين المجموعات المختلفة يصل بها إلى حد الاقتتال أو الانهيار العام للنظام الاجتماعي، وهنا فالصراع هو النزاع الناتج عن الاختلاف جراء تباين الرؤى والعقائد والأفكار والبرامج والمصالح بين مجموعتين أو أكثر، فجوهر حركة الصراع يتولد من الاختلاف أو الفشل في تسويته، أو إبداع الحلول المناسبة له[11].

 

وأسباب الصراع قد تكون سياسية أو اقتصادية أو إستراتيجية أو اجتماعية، وفي مجمل مظاهر الصراع لا تقع الحرب وإن كان الصراع يؤدي للحرب[12].

 

تنقسم الصراعات إلى صراعات داخلية ضمن إطار المجتمع والوطن والدولة الواحدة، كالصراعات السياسية والعِرقية والطائفية، وصراعات خارجية كما في صراع الدول على خلفيات وتنازعات سياسية أو اقتصادية أو عسكرية[13]، ويعتبر العنف إحدى آليات إدارة الصراع وحسمه، كما أن العدوانية والعنف ينتجان عن الصراع، والصراع قد يكون عنيفًا أو غير عنيف من الناحية المادية، وقد يكون شاملًا أو محدودًا[14].

 

وللصراع بعدان؛ بعد سلبي مرتبط بالتدمير والاستغلال، وبعد إيجابي يتمثل بـ(الدفع) نحو عمل أو حل مشكلات، أو التبادل الإيجابي بين الأطراف المعنية، فالصراع متضمن لدوافع الإنجاز والارتباط وغيرها من الدوافع الإيجابية؛ أي: إن الصراع في بعض أبعاده يمثل عنصرًا خلَّاقًا في العلاقات الإنسانية، فهو يمثل وسيلة للتغيير يمكن من خلالها تحقيق القيم الاجتماعية المتعلقة بالرفاهية والعدالة، وفرص تحقيق وتنمية الذات[15].

 

إن الصراع الدولي - كما يشير بعض الباحثين - ينشأ نتيجة إدراك متبادل متناقض بين دولتين أو أكثر حول المصالح المادية أو القيم الإنسانية، وهو يمس بوجه خاص قضايا؛ مثل: السيادة الوطنية، الأمن، الهوية، وغير ذلك، وقضايا الصراع الدولي أصبحت أكثر تعقيدًا بسبب تعدد الأطراف المتنازعة، وبتناقض المصالح أو الأهداف والدوافع فيما بينها[16]، وقد مثَّلت ظاهرة الصراع الجانب الأكثر بروزًا في السياسة الدولية المعاصرة، فتحليل الواقع المعاصر يثبت غلبة العداء في عالم العلاقات الدولية، وإن البيئة الدولية صارت تتسم كبيئةِ حربٍ، وإن السلام في الواقع الدولي بدا وكأنه على سبيل التأقيت ونظرًا لمصلحة طالبيه[17].

 

يرى هانس مورغنثاو أن فكرة الصراع هي في الواقع جوهر السياسة ولبُّها، فالسياسة الدولية الخارجية والداخلية ليستا إلا وجهين مختلفين لظاهرة واحدة؛ هي الصراع من أجل السلطة؛ أي: القوة والهيمنة[18]، فجوهر العلاقات الدولية عنده هو السياسة الدولية وهو الصراع بين الدول المستقلة من أجل القوة[19]، ويفترض جيبلين بأن الطبيعة الجوهرية للعلاقات الدولية لم تتغير عبر آلاف السنين؛ إذ تستمر العلاقات الدولية في كونها صراعًا متكررًا على الثروة والقوة بين الأفراد المنشغلين في حالة الفوضى[20].

 

وقد ارتبط مفهوم الصراع بمفهوم الحرب بعد ظهور عدة مفاهيم في العلاقات الدولية، خاصة في القرنين السادس عشر والسابع عشر؛ حيث اتسمت هذه المرحلة بالنمو الاقتصادي والتطور الثقافي؛ مما ولَّد تعارضًا في المصالح بين الدول؛ فكانت الحرب هي السمة الطابعة على العلاقات، ودليل ذلك قيام الحربين العالميتين: الأولى والثانية.

 

كانت الحرب صفة أساسية للدول، واعتُبرت عملًا قانونيًّا تقوم به الدول لإثبات كيانها، فلم تكن الحرب نشاطًا محرمًا، خاصة مع اقترانها بالقيم الأخلاقية والدينية والدفاع عن السلطة السياسية[21]، وقد اعتبر بعض المفكرين مثل كلسن الذي بحث في موضوع الحرب العادلة - اعتبر أن اللجوء إلى القوة في سبيل إقامة الحق أمرًا مشروعًا، وبيَّن بأن ليس كل عدوان أمرًا غير مشروع، كما أن كل حرب دفاعية لا تعتبر مشروعة إلا إذا توضح الهدف الذي ثارت من أجله هذه الحرب، وهي ظاهرة مرافقة للعلاقات الدولية[22].

 

كما يرى كلاوز فتز أن الحرب من أعمال العنف الذي يستهدف إكراه الخصم على تنفيذ إرادتنا، فالحرب تعبر عن ظاهرة استخدام العنف والإكراه كوسيلة لحماية مصالح، أو لتوسيع نفوذ، أو لحسم خلاف حول مصالح متعارضة بين طرفين من البشر بوسيلة العنف، ولذلك فهي حالة استثنائية في حياة الدول؛ لأن الأصل فيها هو الحياة الطبيعية العادية؛ أي: السِّلم، في حين يعتقد البعض العكس؛ أي: إن الأصل هو الحرب، كما يقول ريمون آرون حسب المثل البريطاني بأن السلام ما هو إلا فترة راحة بين حربين[23].

 

ويُلاحَظ على الأدبيات الغربية لتحديدها لمفهوم الصراع بشكل عام، والصراع الدولي بشكل خاص أنها تنظر إلى العلاقات بين الدول على أنها قائمة على فكرة الهيمنة أو النفوذ والقوة والمصلحة الذاتية، مما يجعل الحالة الصراعية للعلاقات بين الدول هي الحالة الطبيعية؛ أي: إن الصراع الدولي وضع طبيعي، وهو الوضع المتوقع في العلاقات بين الدول المتباينة في القوة والمصالح، وذلك راجع إلى الفكر أو الرؤية الغربية المادية للحياة، وما ينتج عنها من الأنانية التي تُعنَى بالاهتمام بالمكاسب والمنافع الذاتية سواء المادية أو المعنوية[24]، وبذلك أصبحت الحرب سمة طبيعية للعلاقات الدولية، فهي عمل ينطوي على استعمال العنف، وقد عبر كلاوز فيتز عن ذلك بكلمات شهيرة؛ حيث قال: إن الحرب ليست مجرد ممارسة سياسية، بل هي (أداة سياسية حقيقية) استمرارًا للعمل السياسي بوسائل أخرى[25].

 

عالم السياسة الآن - نظريًّا وتطبيقيًّا - هو عالم القوة والصراع، فالسياسة لا يمكن تصورها خارج ميدان الصراع، ولأن الصراع عملية سياسية؛ فلا بد لها من أكثر من طرف ضالع في العملية، وأن تكون هذه الأطراف متعارضة في نشاطاتها، ومن الطبيعي أن يستخدم كل طرف من الوسائل ما يكفل له تحقيق ما يريد[26]، إذ إن التدافُعَ والصراع يستلزم قوتين، أو جبهتين كل جبهة تمثل مصالح معينة، إلا إن الصراع لا يمكن أن يستمر إلى الأبد، فـ(العلاقات الدولية هي علاقات يمتزج فيها الصراع بالوفاق بنسب متفاوتة، والمعركة هي أحد مظاهر الصراع جنبًا إلى جنب مع الوسائل السياسية والاقتصادية والعقائدية)[27]، والسلاح الوسيلة المجربة لتحقيق مطالب الدولة المحاربة، وأكثر من ذلك فهي تعتبر وعلى لسان الرئيس جورج بوش نفسه: (إن الحرب هي الوسيلة التي تكتشف بها الأمم مواردَ قوتها الداخلية قبل قوتها الخارجية، والبوتقة التي تتبلور فيها شخصيتها وتتجسد إرادتها، ثم هي بعد ذلك أوثق رباط لوحدتها وأقوى حافظٍ لتماسكها)، وهنا فليس في وظيفة الحروب حل المشاكل، ولكن في وظيفة الحروب أن تكسر الحواجز، وتفتح الأبواب، وتضبط موازين القوة بما يتيح للسياسة أن تؤدي دورها وتحقق هدفها بتصميم وعزم[28].

 

ليست قضية العنف والصراعات الدولية في حياة المجتمعات أمرًا نادر الحدوث، لا يتوقع المرء وقوعه في حياة المجتمعات والحضارات وتدافعاتها، بل إن التغيرات والمنعطفات الكبرى في التاريخ كثيرًا ما تقترن في الذهن بأحداث وصراعات دامية، ويُذكِي حركة هذا الصراع والتدافع الاجتماعي في الأمم ما يصيب علاقات الأمم وحضاراتها وطُرُقَ عَيشِها من الخلل الذي يدفع القويُّ الأقدر أو الأكثر توازنًا للاندفاع نحو مناطق الضعف والخلل لملئها والهجمة عليها[29]، فالقانون ليس سيدًا في صراعات العالم، ولكن حقائق القوة لها السيادة طول الوقت[30]، و(حكمة السياسة دومًا هي إدارة العلاقات لتعظيم المصالح وتقليل الخسائر)[31].

 

في علاقات الدول لا توجد عداوات دائمة أو صداقات دائمة، ولكن هناك دومًا مصالح دائمة، قد تلتقي أو تتعارض مع مصالح آخرين، فالصلح والعداء ليسا دائمين في السياسة، والمصالح أقوى دائمًا من الكلمات.

 

الأمر المتوقع أن عالم المستقبل لن يكون عالمًا بلا نزاعات، وهذه النزاعات تمتد عبر الحدود القومية بسبب العوامل العرقية والدينية، وكذا حول الحدود السياسية، كما أن التباين في التطور الاقتصادي والتكنولوجي بين دول العالم يساهم في تأجيج الصراعات، وهذا لا ينفي أن بعضًا من الصراعات تتحكم فيها العوامل الحضارية والثقافية؛ فحروب الإبادة التي تمارَس ضد المسلمين في كثير من بقاع العالم كمسلمي ميانمار - مثلًا - ساندها التواطؤ الغربي، وتعتبر مؤشرًا على أن العامل الحضاري يبقى حاضرًا في صراعات العالم، ولكنه ليس العامل الوحيد[32].

 

ومن المتوقع أن الحروب القادمة ستأخذ الطابع الإقليمي؛ حيث تستطيع القوى الكبرى مواجهة بعضها خارج أراضيها، ودون أية خسائر مباشرة تقع على مدنها وسكانها ومواردها، وهي تستطيع عن طريق التوازن الإقليمي تعديل ميزان القوى العالمي لمصلحتها، سواء بالحفاظ عليه، أو تحطيمه[33].

 

تم اعتماد عدة وحدات لتحليل وتفسير الصراعات في مجال العلاقات الدولية؛ منها: الطبيعة الإنسانية، الدول الوطنية، المنظمات الدولية، النظام الدولي، الحضارات.

 

فعند بعض الباحثين أن طبيعة العلاقات الدولية هي انعكاس واضح للطبيعة الإنسانية الميالة إلى الشر والأنانية، وحب السيطرة على الآخرين، والشك فيهم، والخوف منهم، وهي ثابتة لا تتغير، وعليه فالعلاقات التي تقوم بين مختلف البشر تكون محكومة كثيرًا بهذا السلوك، وهو ما يجعلها تميل إلى النزاعية بدلًا من التعاونية، ويلجأ فيها الأفراد لتحقيق مصالحهم المختلفة والمتناقضة في بعض الأحيان إلى مبدأ القوة الذي يكون في هذه الحالة مشروعًا بوصفه يؤمِّن بقاء الأفراد ويحقق مصالحهم، فسلوك الدول لا يختلف كثيرًا عن سلوك الأفراد عند بعض الباحثين، فالدول مدفوعة بعامل الشك وعدم الثقة في نوايا الآخرين، وبالرغبة في تحقيق مصالحها على حساب الآخرين تلجأ إلى استعمال القوة أو التهديد بها؛ ما يخلق جوًّا مناسبًا للأعمال العدائية، وبيئة خصبة لتنامي واستمرار النزاعات التي قد تتحول إلى حروب، فهو صراع مستمر من أجل القوة.

 

بينما يرى آخرون أن هذه الطبيعة الصراعية والتنافسية متأصلة في سلوك الدول، وفي العلاقات بينها منذ الأزل، وهي مرشحة لأن تبقى كذلك في المستقبل؛ إذ لا يوجد ما يمكن أن يغيِّرها في نظر الباحثين.

 

وعند بعض الباحثين لا ترتبط طبيعة السياسة الدولية بالطبيعة الإنسانية، وإنما ترتبط بعامل هيكلي يتمثل في مفهوم الفوضى الذي يعني غياب سلطة عليا تفوق سلطات الدول؛ مما يجعل وظيفة تأمين البقاء أو تحقيق الأمن تقع على عاتق الدول نفسها، وهذا ما يدفع الدول إلى تعزيز قدراتها العسكرية من أجل صيانة أمنها؛ إذًا وضع الفوضى هو الذي يخلق حالة الشك واللايقين في نوايا وسلوكيات الدول فيما بينها، ومن ثَمَّ فاحتمالات قيام الحروب تبقى دائمًا واردة في أجندة الدول، فالطبيعة الفوضوية ميزة أبدية وغير قابلة للتغير، ومفهوم الفوضى هو العنصر المميز والمحدد لطبيعة السياسة الدولية ككل، والتي لا يمكن أن تتغير إلا في حالة واحدة فقط؛ هي الخروج من حالة الفوضى إلى شكل جديد من أشكال التنظيم الدولي، وهنا يفقد مصطلح العلاقات الدولية مبررَ وجوده، فالتغيير هو السنة الكونية الطبيعية التي تعبر عن الاستمرار والبقاء[34].

 

إن البنية الفوضوية للنظام الدولي ترفع من درجات عدم الثقة والشكوك بين الدول؛ حيث إن احتمالات الحرب في الأنظمة الفوضوية تدفع الدول للحفاظ على الجيوش حتى في أوقات السلم، وبذلك تصبح الحرب سمة دائمة من سمات السياسات الدولية، ويجب على الدول في هذه الحالة أن تمنح اهتمامًا بقوتها[35].

 

ثم بدأ دور الدولة الوطنية يتراجع كوحدة تحليل أساسية وكفاعل مركزي في العلاقات الدولية، فالدولة الوطنية أصبحت تحت تأثير وضغط جبهتين: الجبهة الأولى: تتمثل في تقلص دورها ووظائفها بسبب العولمة التي أفرزت فواعلَ أخرى من غير الدولة؛ كالمنظمات الدولية والإقليمية والمؤسسات الدولية العالمية، أما الجبهة الثانية: فتتمثل في مطالب الأقليات الإثنية والعرقية بالاستقلال والبروز، بعدما تحول الصراع في العلاقات الدولية من صراع بين دول إلى صراع داخل الدول[36].

 

وبعد أن كانت الدول الفاعل الرئيس في احتضان البعد الديني داخل هوية الدولة،كثُر الفاعلون والمشاركون في التفاعلات الدولية من جماعات وحركات دينية، ولم تعد الدولة وحدها هي الفاعل الرئيس في العلاقات الدولية، بل أصبح هناك لاعبون آخرون كالمنظمات الدولية والشركات متعددة الجنسية[37]، وهذه الفواعل الجديدة تقوم بدور مساوٍ أو يفوق الدول كوحدة تحليل أساسية في العلاقات الدولية، ولا ننسى دور الجماعات الدينية؛ إذ إن تصاعد دورها سيؤدي إلى عدم استقرار النظام الدولي؛ نظرًا لقدرة هذه الجماعات على استخدام العنف في التعبير عن آرائها والتعبير عن وجهات نظرها المعارضة للنظام العالمي، وقدرتها على تجاوز دور الدولة، واحتلال مكانها في النظام الدولي، وتعبئة وتنشيط الانتماءات الدينية في سبيل البحث عن هوية دينية عالمية.



[1] النظرية السياسية المعاصرة، د. عادل فتحي ثابت، مصر، 2006 - 2007، ص: 351.

[2] قراءة في كتاب "نظريات العلاقات الدولية: التخصص والتنوع"، للمؤلف: تيم دان وميليا كوركي، وستيف سميث، المترجم: ديما الخضرا، ط1، أحمد قاسم حسين، باحث في المركز العربي للأبحاث ودراسة السياسات، مجلة سياسات عربية، العدد 20، أيار/ مايو، 2016، ص: 154.

[3] مقدمة في العلاقات الدولية، هايل عبدالمولى طشطوش، قسم العلوم السياسية، جامعة اليرموك، الأردن، 2010م، ص: 12، 13.

[4] العلاقات الدولية: دراسة تحليلية في الأصول والنشأة والتاريخ والنظريات، الدكتور علي عودة العقابي، بغداد، 2010م، ص: 27.

[5] العلاقات السياسية الدولية: دراسة في الأصول والنظريات، الدكتور إسماعيل صبري مقلد، المكتبة الأكاديمية، القاهرة - مصر، 1991م، ص: 45.

[6] مقدمة في العلاقات الدولية، ص: 41.

[7] نحن والآخر والصراع، نبيل حاجي نائف، الحوار المتمدن، 13/ 8/ 2008.

[8] إدارة الصراعات والأزمات الدولية، دكتور إسماعيل عبدالفتاح عبدالكافي، مصر، ص: 25.

[9] إدارة الصراعات وفض المنازعات، سامي إبراهيم الخزندار، مركز الجزيرة للدراسات، دوحة - قطر، 1435هـ -2014م، ط1، ص: 62.

[10] مفهوم الصراع: دراسة في الأصول النظرية للأسباب والأنواع، دكتور منير محمود بدوي، 24/ 3/ 2014، نقلًا عن الموقع : http://www.alma3raka.net/spip.php?article102.

[11] نحن والآخر والصراع.

[12] إدارة الصراعات والأزمات الدولية، ص: 16.

[13] نحن والآخر والصراع.

[14] إدارة الصراعات والأزمات الدولية، ص: 26.

[15] مفهوم الصراع: دراسة في الأصول النظرية للأسباب والأنواع.

[16] إدارة الصراعات والأزمات الدولية، ص: 69.

[17] العلاقات الدولية في الإسلام وقت الحرب، نادية محمود مصطفى ومجموعة باحثين، المعهد العالمي للفكر الإسلامي - القاهرة، ط1، 1417هـ - 1996م، ص: 132.

[18] الصراع الدولي بعد الحرب الباردة، خالد المعيني، سوريا، دار كيوان للطباعة والنشر والتوزيع، 2009، ص: 150.

[19] العلاقات الدولية دراسة تحليلية في الأصول والنشأة والتاريخ والنظريات، ص: 28.

[20] نظرية الواقعية في العلاقات الدولية دراسة نقدية مقارنة في ضوء النظريات المعاصرة، الدكتور أنور محمد فرج، مركز كردستان للدراسات الإستراتيجية، السليمانية، 2007، ص: 374.

[21] إدارة الصراعات والأزمات الدولية، ص: 13.

[22] مقدمة في العلاقات الدولية، ص: 102، 103.

[23] دور الأطراف الخارجية في النزاعات الدولية دراسة حالة النزاع في إقليم دارفور، 2003 - 2014، عبدالسلام جحيش، سليمان أبكر محمد، المركز العربي للدراسات الإستراتيجية والسياسية والاقتصادية، برلين - ألمانيا، ط1، 2018، ص: 16، 20.

[24] إدارة الصراعات وفض المنازعات، ص: 64، والعلاقات السياسية الدولية دراسة في الأصول والنظريات، ص: 225.

[25] فهم العلاقات الدولية، كريس براون، ترجمة ونشر مركز الخليج للأبحاث، دبي - الإمارات العربية المتحدة، ط1، 2004، ص: 127، 129.

[26] فلسفة الثورات العربية، سلمان بو نعمان، مركز نماء للبحوث والدراسات، ص: 3، 97، 152.

[27] التحولات الإستراتيجية الخطيرة زلزال عاصفة الصحراء وتوابعه، أمين هويدي، دار الشروق، بيروت، القاهرة، ط1، 1418هـ - 1998م، ص: 152.

[28] الإمبراطورية الأمريكية والإغارة على العراق، محمد حسنين هيكل، دار الشروق، القاهرة، ط3، 2004م، ص: 54.

[29] العنف وإدارة الصراع السياسي في الفكر الإسلامي بين المبدأ والخيار، رؤية إسلامية، عبدالحميد أحمد أبو سليمان، دار السلام للطباعة والنشر، القاهرة، مصر، ط1، 1423هـ - 2002م، ص: 4، 70.

[30] حرب الخليج أوهام القوة والنصر، محمد حسنين هيكل، مركز الأهرام للنشر، القاهرة، ط1، 1412-1992، ص: 16.

[31] حرب الخليج والفكر العربي، دكتور عبدالمنعم سعيد، دار الشروق، القاهرة، ط1، 1413هـ - 1993م، ص: 54.

[32] تحليل الصراعات الدولية المعاصرة: بين الأبعاد الثقافية والاعتبارات الإستراتيجية، دكتور فوزي نور الدين، مجلة العلوم الإنسانية - جامعة محمد خيضر - بسكرة، العدد 36/ 37، 11/ 2014، ص: 189.

[33] الحروب وتوازن القوى دراسة شاملة لنظرية توازن القوى وعلاقتها الجدلية بالحرب والسلام، دكتور إبراهيم أبو خزام، الأهلية للنشر والتوزيع، المملكة الأردنية الهاشمية - عمان، طبع في لبنان، ط1، 1999م، ص: 288.

[34] دور الأطراف الخارجية في النزاعات الدولية دراسة حالة النزاع في إقليم دارفور، ص: 28، والعلاقات السياسية الدولية دراسة في الأصول والنظريات، ص: 19.

[35] تحليل الصراعات الدولية المعاصرة: بين الأبعاد الثقافية والاعتبارات الإستراتيجية، ص: 180.

[36] النظريات التفسيرية للعلاقات الدولية بين التكيف والتغير في ظل تحولات عالم ما بعد الحرب الباردة، الدكتور عبدالناصر جندلي، كلية الحقوق والعلوم السياسية، جامعة الحاج لخضر - باتنة، الجزائر، مقالة في مجلة الفكر - العدد الخامس، ص: 124، 126.

[37] مقدمة في العلاقات الدولية، ص: 35.





 حفظ بصيغة PDFنسخة ملائمة للطباعة أرسل إلى صديق تعليقات الزوارأضف تعليقكمتابعة التعليقات
شارك وانشر

مقالات ذات صلة

  • الإسلام والآخر في العلاقات الدولية
  • العلاقات الدولية بين الوفاق والصدام (الجزء الثاني) النظريات التفسيرية للصراعات الدولية قبل الحرب الباردة
  • العلاقات الدولية بين الوفاق والصدام (الجزء الثالث) النظريات التفسيرية للصراعات الدولية بعد الحرب الباردة
  • العلاقات الدولية بين الوفاق والصدام (الجزء الرابع) رؤية نقدية للنظريات التفسيرية للصراعات الدولية

مختارات من الشبكة

  • قاعدة ذهبية للمحافظة على جودة ومتانة العلاقات البشرية بين أطراف العلاقات(محاضرة - مكتبة الألوكة)
  • تدبير علاقة الصائم مع غيره(مقالة - ملفات خاصة)
  • تسويق العلاقات(مقالة - ثقافة ومعرفة)
  • صور من العلاقات الزراعية في العراق إبان القرن الثامن عشر (دراسة في وثائق تاريخية جديدة)(مقالة - ثقافة ومعرفة)
  • الشرق والغرب: منطلقات العلاقات ومحدداتها (الجغرافيا)(مقالة - موقع د. علي بن إبراهيم النملة)
  • العلاقات الدلالية بين ألفاظ الطبيعة في القرآن الكريم(رسالة علمية - مكتبة الألوكة)
  • العلاقات السياسية والحضارية بين دولة المماليك والإمبراطورية البيزنطية (WORD)(رسالة علمية - مكتبة الألوكة)
  • إسبانيا: مدير العلاقات بين الأديان يزور مسجد مدريد(مقالة - المسلمون في العالم)
  • بين شبكة الاتصالات وشبكة العلاقات.. التشبيك بالتشريك(مقالة - ملفات خاصة)
  • العلاقات الاجتماعية بين مثالية الإسلام وإجحاف الآخر(مقالة - ثقافة ومعرفة)

 



أضف تعليقك:
الاسم  
البريد الإلكتروني (لن يتم عرضه للزوار)
الدولة
عنوان التعليق
نص التعليق

رجاء، اكتب كلمة : تعليق في المربع التالي

مرحباً بالضيف
الألوكة تقترب منك أكثر!
سجل الآن في شبكة الألوكة للتمتع بخدمات مميزة.
*

*

نسيت كلمة المرور؟
 
تعرّف أكثر على مزايا العضوية وتذكر أن جميع خدماتنا المميزة مجانية! سجل الآن.
شارك معنا
في نشر مشاركتك
في نشر الألوكة
سجل بريدك
  • بنر
  • بنر
كُتَّاب الألوكة
  • الذكاء الاصطناعي تحت مجهر الدين والأخلاق في كلية العلوم الإسلامية بالبوسنة
  • مسابقة للأذان في منطقة أوليانوفسك بمشاركة شباب المسلمين
  • مركز إسلامي شامل على مشارف التنفيذ في بيتسفيلد بعد سنوات من التخطيط
  • مئات الزوار يشاركون في يوم المسجد المفتوح في نابرفيل
  • مشروع إسلامي ضخم بمقاطعة دوفين يقترب من الموافقة الرسمية
  • ختام ناجح للمسابقة الإسلامية السنوية للطلاب في ألبانيا
  • ندوة تثقيفية في مدينة تيرانا تجهز الحجاج لأداء مناسك الحج
  • مسجد كندي يقترب من نيل الاعتراف به موقعا تراثيا في أوتاوا

  • بنر
  • بنر

تابعونا على
 
حقوق النشر محفوظة © 1446هـ / 2025م لموقع الألوكة
آخر تحديث للشبكة بتاريخ : 1/12/1446هـ - الساعة: 22:18
أضف محرك بحث الألوكة إلى متصفح الويب