التحقيق في تبرئة العلامة السيوطي من كتاب (الروض الأنيق في فضائل الصديق)

التحقيق في تبرئة العلامة السيوطي من كتاب

(الروض الأنيق في فضائل الصديق)

الحمد لله ذي العزة والمجد، والصلاة والسلام على نبينا محمد وآله وصحبه، وبعد:

فإن العلَّامة السيوطيَّ ممن كثُرت تصانيفه، وغزُرت تآليفه، حتى طوَّفَت الدنيا شرقًا وغربًا، وانتفع بها العالمون عجمًا وعُرْبًا، ولهذه الكثرة الكاثرة، والوفرة الوافرة؛ صعُب على غير واحد من المتصدرين للعلم ضبطُ أسماء تصانيفه، وحصرُ عدد كتبه وتآليفه، بل وقد نُسبت إليه عدةُ كتب هو منها براء، وانتُحلت عليه بعض الأسفار وهي ليست له قطعًا بغير مِراء.

هذا، وإن من هذه الكتب المنحولة، والتي هي على تراثه موضوعة وفيه مدخولة:

(الروض الأنيق في فضائل الصديق)، وهو مطبوع منذ مدة بتحقيق الشيخ عامر أحمد حيدر، نشرته مؤسسة نادر الطبعة الأولى 1410 هـ، ومنشور على الشبكة العنكبوتية، ولإبطال نسبته إليه رحمه الله أقول، وبالله أحول وأصول:

1- لم يذكُرْه رحمه الله في ترجمته الذاتية في "التحدث بنعمة الله".

2- لم يذكره رحمه الله في ترجمته الذاتية في "حسن المحاضرة في أخبار مصر والقاهرة".

3- لم يذكره رحمه الله في فهرس مؤلفاته المفرد الذي خطه بيده، وعدَّد فيه تآليفه مرتبًا على الفنون.

4- لم يذكره تلميذه الشاذليُّ ضمن مؤلفاته في ترجمته المفردة لشيخه "بهجة العابدين".

5- لم يذكره تلميذه الداوديُّ في ترجمته المفردة لشيخه.

تنبيه:

للعلامة السيوطي كتابٌ ثابت له قطعًا بعنوان: "الروض الأنيق في مسند الصديق"، ذكره رحمه الله في فهرس مؤلفاته وفي "التحدث بنعمة الله"، ولعل من هنا سبب الوهم ومنشأه؛ بسبب التشابه في العنوانين، وقرب الموضوعين؛ لكن ذاك في الفضائل، وهذا في ما أسنده وهي أحاديثُ قلائل.

وهنا يُطرح سؤال مهم: مَن إذًا مصنِّف (الروض الأنيق في فضائل الصديق)؟

والجواب:

هو مُحَمَّد بن أبي مُحَمَّد بن عبدالرحمن بن أحْمَد الشهير بـأَبِي الحسن البكْرِيِّ الصدِّيقي الشَّافِعِي المصري، المُتَوَفَّى بها سنة 952 اثنتين وخمسين وتسعمائة هـ.

ولهذا عدة أدلة:

1- نسبه إليه صاحبُ إيضاح المكنون[1]، فقال:

الروض الأنيق في فضل أبي بكر الصديق: أربعون حديثًا لمحمد بن أبي الحسن محمد البكري صاحب الأحاديث المحذرات، أولها: الحمد لله الذي جعل خير هذه الأمة أبا بكر الصدِّيق، ورفع مقامه عن كل مقام بزيادة اليقين والتصديق... إلخ، وهو وصف مطابق للكتاب المطبوع المنسوب للعلامة السيوطي.

2- نسبه إليه صاحب هدية العارفين[2].

3- عثرت على مجموع محفوظ بالمكتبة التيمورية فيه أربعينات حديثية، كلها من تصنيف البكري المذكور، وفي ضمنها الروض الأنيق وفضائل الثلاثة الخلفاء الباقين عمَر وعثمان وعلي رضي الله عنهم أجمعين - وهي مما طُبعت منسوبة للإمام السيوطي خطأ أيضًا - وكلها على شاكلة واحدة ونفس الطريقة، وكُتبت بنفس النهج؛ بحيث لا يمتري المطَّلع عليها أنها من مشكاة واحدة ومنبع واحد، وأن جامعها هو البكري الصدِّيقي.

4- قوله في مقدمته:

...أما بعد، فهذا كتاب لقبته (الروض الأنيق في فضل الصديق)، أوردت فيه أربعين حديثًا مختصرة، سهلٌ حفظها على من أراد ذلك من البررة، وأسأل الله أن ينفعنا بالانتساب إليه، ويجمعنا وإياه في دار الزلفى لديه، بمحمد[3] صلى الله عليه وعلى آله وسلم آمين.

فقد نص في قوله: "وأسأل الله أن ينفعنا بالانتساب إليه" أنه بكري؛ ولذا تحير محقق الكتاب الأستاذ عامر أحمد حيدر، فعلق على هذه العبارة بقوله:

وبعد:

فقد حداني إلى جمع هذا المقال أني وجدت بعض أهل العلم المعاصرين جمع كتابًا في نقد كتاب "الروض الأنيق" للبكري، المنسوب خطأ للعلامة السيوطي، ومِن ثَمَّ وصف العلامة السيوطي بأمور هو منها براء، ألا فليعلم العالَمون، وليوقن العالِمون: أنه ليس للعلامة السيوطي، اللهم بلغت، اللهم فاشهد.

♦ ♦ ♦ ♦

صورة المخطوط المنحول، وهو محفوظ ببرلين، ومنه مصورة بالجامعة الإسلامية برقم 1163

الغلاف

أول الكتاب

صورة تثبت النسبة الصحيحة للبكري الصديقي، من مجموع محفوظ بالمكتبة التيمورية المودعة بدار الكتب المصرية العامرة، وهو العنوان رقم 33.

تنبيه:

وممن وهم في نسبته للعلامة السيوطي الأستاذ طارق الطواري، ونشره مع الكتب الثلاثة في فضائل عمر وعثمان وعلي، التي جُمعت في مخطوطة برلين، ونسبها الناسخ خطأً للعلامة السيوطي.

وجمعها في كتاب سماه: (الفضائل المجتمعة في الخلفاء الأربعة)، وقال في مقدمته بتاريخ: 29/ 7 /1424هـ:

تمهيد

بسم الله الرحمن الرحيم

الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على رسوله الأمين، وآله الطيبين، وصحابته والتابعين، وبعد:

فإن من نعمة الله علينا أن يستخدمنا في طاعته وخدمة دينه، وإن من أجلِّ النعم نعمة الاشتغال بعلوم الشريعة، ومن أشرفها علم الحديث رواية ودراية، وهأنذا أُخرِج جوهرةً من مكنونها، ودرة من بحرها، ننفض عنها الغبار، ونُخرجها من متراكم البحار؛ لعل الله أن ينفع بها، وتأخذ مكانها في المكتبة الإسلامية.

وفي الواقع هي مخطوط جليل القدر، عظيم النفع، للإمام السيوطي، تكلم فيه عن مناقب الخلفاء الراشدين الأربعة المهديِّين، حيث جمع فيه لكل خليفة أكثرَ من أربعين حديثًا نبويًّا، فصار جملة ما ورد في المخطوط مائة وستين حديثًا، وقد قسم السيوطي المخطوط إلى أربعة أقسام، كل قسم أطلق عليه الخليفة المراد ذكر فضله ومرتبته حسب ترتيبه في الخلافة.

فكانت الأولى بعنوان: الروض الأنيق في فضل الصديق.

والثانية: الدرر في فضائل عمر.

والثالثة: تحفة العجلان في فضائل عثمان.

والرابعة: القول الجلي في فضائل علي.

وقد جمعتها جميعًا في مسمى واحد أسميته: (الفضائل المجتمعة في الخلفاء الأربعة)، إلا أنني أفردت كل مخطوط بجزء خاص به داخل هذا الكتاب، بحيث ينتهي المخطوط بفهارسه الكاملة، وقد قمت بتخريج الأحاديث الواردة، وعزوتها إلى مصدرها، وترجمة رجالها مع الحكم على السند.

بالإضافة لإثبات نسبة المخطوط للمؤلف ووصفها، مع ترجمة مختصرة عن الإمام السيوطي؛ إذ هو غني عن التعريف والإطالة، مع التنبيه على بعض الأحاديث الضعيفة والموضوعة، والتي في الصحيح والحسن غُنيةٌ عنها.

ثم قدَّمت بمقدمة حول فضائل الخلفاء الأربعة رضي الله عنهم كإجمال للفضائل التي سيرد ذكرُها مفصلة في الكتاب، ولا يفوتني أن أتقدم بجزيل الشكر ووافر الامتنان لإدارة الأبحاث بجامعة الكويت لدعمها لهذا المشروع برقم ( HH05/02 )، فلهم خالص الشكر والتقدير.

والله أسأل السداد والقبول، وصلى الله على نبينا محمد وعلى آله وصحبه وسلم.

د. طارق محمد الطواري

قسم التفسير والحديث

كلية الشريعة جامعة الكويت. انتهى

♦ ♦ ♦ ♦

تنبيه آخر:

ذكر الأستاذ الفاضل إياد الطباع في كتابه "الإمام السيوطي معلمة العلوم" ضمن حديثه عن مؤلفاته رقم 577 كتاب الروض الأنيق في مسند الصديق، ورمز له بـ ط، يعني: أنه طبع، وهذا وهم، فالذي طبع هو "الروض الأنيق في فضل الصديق" للبكري، منسوبًا خطأً للإمام السيوطي.

♦ ♦ ♦ ♦

خاتمة

في ذكر بعض مصنفات أهل العلم التي عنوانها: (الروض الأنيق):

1- الروض الأنيق في مسند الصديق رضي الله عنه؛ للعلامة السيوطي.

2- الروض الأنيق في فضائل الصديق رضي الله عنه؛ للبكري الصديقي.

3- الروض الأنيق والغصن الوريق في علم البديع الرقيق؛ لعبدالله بن المختار، الحميري.

4- الروض الأنيق والوعظ الرشيق؛ لابن غانم عبدالسلام بن أحمد ت 678هـ.

5- الروض الأنيق في مدح سيد الأنام أبي بكر الصديق؛ لعثمان بن الحاج فخرالدين، المكي.

6- الروض الأنيق في وصول الطالبين إلى مقام التحقيق؛ لمحمد بن علي، النقشبندي.

7- الروض الأنيق في إثبات إمامة أبي بكر الصديق؛ لمحمد بن حاتم بن زنجويه، البخاري ت 359 هـ.

8- الروض الأنيق الزاهي في أحكام المصلي والساهي؛ لأبي محمد عبدالسلام بن الطيب بن محمد القادري الحسني الفاسي.

9- الروض الأنيق في الشعر الرقيق؛ لفرج بن حسين آل عمران ت 1398 هـ.

10- الروض الأنيق؛ للشيخ عبدالرحمن مضاي المدرس بالحرم النبوي.

11- الروض الأنيق في فضل الصديق؛ لشمس الدين محمد بن أحمد المنهاجي الأسيوطي (المتوفى: 880هـ).