كلام ابن إياس عن شيخه جلال الدين السيوطي في نشق الأزهار في عجائب الأقطار

كلام ابن إياس عن شيخه جلال الدين السيوطي

في نشق الأزهار في عجائب الأقطار

الحمد لله وحده، والصلاة والسلام على من لا نبي بعده.

وبعد:

فقد كنتُ ذكرتُ في مقالٍ سابق كلامَ الإمام السخاوي عن العلامة السيوطي في سيرته الذاتية "إرشاد الغاوي".

وفي مقال ثانٍ كلامَ العلامة عمر الشماع الحلبي عن العلَّامة جلال الدين السيوطي في عيون الأخبار.

وفي مقال ثالث كلام المؤرِّخ ابن الحمصي عن شيخه العلَّامة السيوطي في (حوادث الزمان ووفَيَات الشيوخ والأقران).

فأحببتُ أن أذكر في هذا المقال كلامَ ابن إياس الحنفي (ت 930هـ) عن شيخه جلال الدين السيوطي في (نشق الأزهار في عجائب الأقطار)، وكل هذا ضمن مشروعي الجامع لترجمة وآثار العلامة جلال الدين السيوطي، يسَّر الله إتمامه.

♦ ♦ ♦

وأقدِّم بفائدتين:

الأولى:

شرح غريب العنوان:

قال الرازي في مختار الصحاح (ص: 311) ن ش ق:

(اسْتَنْشَقَ) الْمَاءَ وَغَيْرَهُ: أَدْخَلَهُ فِي أَنْفِهِ، وَاسْتَنْشَقَ الرِّيحَ: شَمَّهَا، وَ(نَشِقَ) مِنْهُ رِيحًا طَيِّبَةً؛ أَيْ: شَمَّ.

♦ ♦ ♦

الثانية:

تعريف موجز بالكتاب:

قال حاجي خليفة في كشف الظنون عن أسامي الكتب والفنون (2/ 1953):

نشق الأزهار، في عجائب الأقطار[1]؛ لمحمد بن إياس الحنفي، المتوفى سنة: 930، أخذه من: (تواريخ الأمم)، وذكر فيه: أغرب ما سمعه، وأعجبَ ما رآه، من عجائب مصر، وأعمالها، وما صنعَت الحكماء فيها، وذكر: طرفًا يسيرًا من ملوكها القدماء، ومن أخبار النيل، والأهرام، وابتدأ فيه بذكر طرف يسير من أخبار الفلك، وعلم الهيئة.

وفي معجم المطبوعات العربية والمعربة (1/ 43):

نشق الأزهار في عجائب الأمصار، يتضمَّن أخبارًا وفوائد عن بعض البلدان، وفيه ذكر أخبار أموال خراج أراضي مصر، ونبذة لطيفة في أخبار زيادة النيل.

طبع قسم من الكتاب مع ترجمة فرنساوية في باريس سنة 1807 م، بعناية الأستاذ لانكلس.

♦ ♦ ♦

وإلى كلامه عن شيخه رحمهما الله ونفعنا بعلمهما:

الموضع الأول:

قال ابن إياس رحمه الله:

وفي سنة خمس وستين وثمانمائة أوفى النِّيل المبارك ونزل الأتابكي جرباش كرت، وفتح السد على العادة؛ وذلك في أوائل دولة الملك الظاهر خشقدم.

وفي سنة ست وستين وثمانمائة توقف النيل عن الزيادة، وتغيَّر [346/ ب] لونه وطعمه، وعفَّ الناس منه في أوائل أبيب، واستمرَّ على هذا التوقف أربعة عشر يومًا، وقلقَت الناس لذلك، وارتفع سِعر الغلال، وعزَّ وجود الخبز في الأسواق، ووقع الغلاء في تلك الأيام، واستمرَّ النيل على التوقُّف، وكثر القال والقيل بين الناس، وزعموا أنَّ النيل لم يطلع في تلك السنة، وهمَّ الظاهر خشقدم بهدم المقياس؛ حتى لا يَعلم الناس الزيادةَ من النقصان، فأشار الشيخ أمين الدين الأقصرائي على السلطان بالتثبُّت في ذلك، ثم إن السلطان رسم لقضاة القضاة ومشايخ العلم بأن يتوجَّهوا إلى المقياس، ويقيموا به وليسألوا اللهَ تعالى في الزيادة، فتوجَّهوا وأقاموا بالمقياس أيامًا وهم يدْعون الله تعالى بالزيادة، ثمَّ بعد مضي أربعة عشر يومًا زاد أصبعين، فطلع ابن أبي الرداد، وبشَّر السلطانَ بزيادة تلك الأصبعين، فألبسه سلاري صوف بسنجاب، واستمرَّت تلك الزيادة حتى أوفى في آخر مسرى.

وفي هذه الواقعة يقول الجلال السيوطي رحمه الله تعالى [347/ أ]:

عاتبتُ هذا النيل في ترك الوفا فأجابني حالًا بغير توقفِ سأفِي وإن خانوا وأصفح عنهمُ ما كدْتُ أُفسدُه ومثلي مَن يَفِي

♦ ♦ ♦

الموضع الثاني:

وقال رحمه الله:

وفي سنة ست وتسعين وثمانمائة أوفى النيل المبارك ليلة عيد الفطر، فلمَّا بلغ السلطان أمر الوفاء، أخَّر فتح السد في ذلك اليوم، وكسر في اليوم الثاني من شوال، ووافق ذلك الخامس من مسرى، فصار العيد عيدين، فعُدَّ ذلك من النوادر.

وفي هذه الواقعة يقول شيخنا الجلال السيوطي رحمة الله عليه شعرًا:

يوم عيد الفطر وافى بهناءٍ وسعادهْ ختم الصوم ووافى النِّ يل في أحسن عادهْ يا له مِن يومِ عيدٍ فيه حُسْنى وزيادهْ

♦ ♦ ♦

وقال رحمه الله:

وفي سنة إحدى وستين وسبعمائة أخذ قاع النِّيل فجاء اثني عشر ذراعًا، وكان الوفاء في سادس مسرى، أربعة وعشرون ذراعًا على ما نقله المقريزي في [336/ أ] الخطط، وقد أنكر بعضُ الناس ذلك، فأيَّد قول المقريزي الشيخ جلال الدين السيوطي فيما أورده في كتابه المسمى: بـ(كوكب الروضة)[2]: أنَّ النيل زاد في تلك السنة نحو أربعة وعشرين ذراعًا؛ كما أورده المقريزي، وبلغَت الزيادة في تلك السنة ما يقرب من ذلك،؛ وذلك في دولة الملك الناصر حسن بن محمد بن قلاون.

♦ ♦ ♦

انتهى ما أورده رحمه الله مما يتعلَّق بالعلامة السيوطي - طيَّب الله ثراه - ولا يخفى ما في هذه النُّصوص من نقول عزيزة، وخاصَّة ما يتعلَّق بشِعر العلامة السيوطي في المناسبات.

وأشكر أخي الكريم المفضال Rafe Adeeli، الذي أفادني بهذه النقول، وهو قد حقَّق الكتاب في رسالة ماجستير، يسَّر الله له نشره ونفع به.

والحمد لله أولًا وآخرًا وظاهرًا وباطنًا.