قيام رمضان لمحمد بن نصر المروزي

مِن مصنَّفات الصيام

قيام رمضان

لمحمد بن نصر المروزي

مِن مصنَّفات الصيام التي فقدت ولا نعلَم عنها شيئًا، والتي صنفت في القرن الثالث الهجري ولم نعرِفْ عنها سوى من اختصار المؤرخ الكبير أحمد بن علي المقريزي لها، وذلك في القرن التاسع الهجري، وذلك مع كتابينِ آخَرين للإمام محمد بن نصر المروزي، وهما: "قيام الليل"، و"الوتر".

والكتاب يُعَد أحد الأجزاء الحديثية التي قام المروزي بتصنيفها، والمتعلقة بموضوع واحد، وهي في موضوع قيام رمضان، والتهجد فيه؛ حيث يتميَّز هذا الجزء الحديثي بميزة هامة، هي مزجُه بين الأحاديث والآثار عن الصحابة ومَن بعدهم، وبين المناقشات الفقهية وبيان الاختلاف بين الصحابة والفقهاء، الذي برع فيه الإمام المروزي، وسبَق به علماءَ عصره.

أصل الكتاب:

أصلُ هذا الكتاب لم نجده، ولكن اعتمدنا - في معرفتِه - على مختصره الذي قام بوضَعْه: أحمد بن علي بن عبدالقادر المقريزي، وتم طبع هذا المختصر لهذا الكتاب مع كتابين آخرين، هما: (قيام الليل، والوتر) في لاهور لأول مرة عام 1320 هـ؛ وذلك اعتمادًا على نسخة مخطوطة بخط المقريزي نفسه، وُجدت بمكتبة الشيخ شمس الحق العظيم آبادي، بتحقيق الشيخ عبدالتواب الملتاني، ثم أعاد نشره وتحقيقه من جديد الشيخ عبدالشكور الأثري مع بعض التعليقات المفيدة، وذلك سنة 1389 هـ في باكستان.

وأشار إلى هذه النسخة المؤرخ فؤاد سزكين في "تاريخ التراث" (1/ 3/ 197 - 198)، وكذلك كارل بروكلمان في "تاريخ الأدب العربي": 3/ 159.

وقد ذكَر حاجي خليفة في كتابه "كشف الظنون": أن نسبةَ هذا الكتاب للإمام المروزي صحيحةٌ، وذكَره البغدادي في "هديَّة العارفين".

المؤلف:

شيخ الإسلام محمد بن نصر المروزي، أبو عبدالله (202 - 294 هـ = 817 - 906 م) إمام في الفِقه والحديث، قال عنه الحاكم: إمام عصره بلا مدافعةٍ في الحديث.

كان مِن أعلمِ الناس باختلاف الصحابة فمَن بعدهم في الأحكام.

قال عنه الذهبيُّ في سير أعلام النبلاء:

"الإمام، شيخ الإسلام، أبو عبدالله، الحافظ، كتَب الكثير، وبرَع في علوم الإسلام، وكان إمامًا مجتهدًا علَّامة، مِن أعلمِ أهل زمانه باختلاف الصحابة والتابعين، قَلَّ أن ترى العيونُ مِثلَه"؛ [سير أعلام النبلاء، ط. الرسالة (14/ 34)].

وُلد ببغداد، ونشأ بنَيسابور، ورحل رحلةً طويلة، استوطن بعدها سمرقند، وتُوفِّيَ بها.

قال أبو بكر الصبغي: أدركتُ إمامينِ لم أُرزَقِ السماع منهما: أبو حاتم الرازي، ومحمد بن نصر المروزي، فأما ابن نصر، فما رأيتُ أحسنَ صلاةً منه، لقد بلغني أن زنبورًا قعَد على جبهته، فسال الدمُ على وجهِه ولم يتحرَّكْ.

له كتب كثيرة، منها كتاب: (تعظيم قدر الصلاة)، وكتاب: (رفع اليدين)، و(القسامة) في الفقه، قال أبو بكر الصَّيرفيُّ: لو لم يكُنْ له غيرُه، لكان مِن أفقهِ الناس، و(المسند - خ) في الحديث، وكتاب: (ما خالَف به أبو حنيفةَ عليًّا وابنَ مسعود).

واختصر المقريزي ثلاثةً مِن كتبه، طُبِعت في جزء واحد، وهي (قيام الليل)، و(قيام رمضان)، و(الوتر).

الكتاب:

يظهَر في هذا المختصر براعةُ المروزي في علوم الحديث، وعلوُّ كعبِه فيه، وتمكُّنُه مِن علوم الفقه والخلاف، وقد اختصر الكتابَ المؤرخُ المقريزي في غير إخلالٍ؛ فحافَظ على السمات العامة للكتاب، وأقوال الإمام المروزي، ومناقشاته الفقهية المتبحرة، مع حذفِ المكرَّر مِن أسانيد الحديث، كما حذَف أسانيد الآثار، ولم يتعرَّضْ لكلام المروزيِّ في المجمَل.

ويتناول هذا الكتابُ حُكمَ صلاةِ التطوع جماعةً، والخلاف الوارد فيها، والترغيب في قيام رمضان، وبيان أن النبيَّ صلى الله عليه وسلم صلَّاه جماعةً في الليل، ثم الكلام على عددِ ركعاتها، وترجيح إحدى عَشْرةَ ركعة في التراويح؛ تأسِّيًا بفعل النبي صلى الله عليه وسلم، ومقدار القراءة فيها، وحُكم إمامة النساء والصبيان، وحُكم القراءة مِن المصحف أثناء صلاة القيام برمضان، وفضل ليلة القدر، والليلة التي تلتمس فيها، وباب طلبِ ليلة القدر في الليالي الفردية، وما أماراتها، وباب الترغيب في الدعاء في ليلة القدر وما يُدْعى به، وباب قيام ليلة العيد، وباب مَن صلَّى ليلة القدر العِشاءَ في جماعة، وباب مَن رخَّص أو كره الصلاة بين التراويح، وأدلة كل فريق، وترجيحات المروزي بعد تنقيح رأي كل فريق، وحضور النساء صلاة الجماعة في قيام رمضان.. وغيرها مِن المسائل المتعلقة بقيام رمضان.

تحقيقات الكتاب:

حقَّق مختصَرَ الكتاب الذي قام به الإمام المقريزي كلٌّ من الشيخ عبدالتواب الملتاني، والشيخ عبدالشكور الأثري، ولكن كانت الطباعة غير مفيدة؛ لكونها كانت بالخط الحجري القديم، الذي صعَّب الاستفادة منه، وصدرت أول طبعة حديثة للكتاب مصفوفة إلكترونيًّا مِن نشر حديث أكاديمي بباكستان عام 1408 هـ - 1988 م، بإشراف: محمد إلياس عبدالقادر.

كما حقَّق مختصَرَ الكتاب أيضًا كلٌّ مِن د. محمد أحمد عاشور - جمال عبدالمنعم الكومي، وذلك في طبعة دار الاعتصام - الدار الذهبية؛ حيث قاما بوضع مقدمة مختصرة للمصنِّف والمختصِر، مع بيان منهجهما في التحقيق، وبيَّنا أنهما اعتمدا على نسخة لاهور في التحقيق مع تخريج الأحاديث، والترجمة لرجال الأسانيد، وشرح ما غمض من ألفاظه، مع تنقيح النص مِن التصحيف والتحريف، وتذييله بعدة فهارس.