• الصفحة الرئيسيةخريطة الموقعRSS
  • الصفحة الرئيسية
  • سجل الزوار
  • وثيقة الموقع
  • اتصل بنا
English Alukah شبكة الألوكة شبكة إسلامية وفكرية وثقافية شاملة تحت إشراف الدكتور سعد بن عبد الله الحميد
 
الدكتور سعد بن عبد الله الحميد  إشراف  الدكتور خالد بن عبد الرحمن الجريسي
  • الصفحة الرئيسية
  • موقع آفاق الشريعة
  • موقع ثقافة ومعرفة
  • موقع مجتمع وإصلاح
  • موقع حضارة الكلمة
  • موقع الاستشارات
  • موقع المسلمون في العالم
  • موقع المواقع الشخصية
  • موقع مكتبة الألوكة
  • موقع المكتبة الناطقة
  • موقع الإصدارات والمسابقات
  • موقع المترجمات
 كل الأقسام | مقالات شرعية   دراسات شرعية   نوازل وشبهات   منبر الجمعة   روافد   من ثمرات المواقع  
اضغط على زر آخر الإضافات لغلق أو فتح النافذة اضغط على زر آخر الإضافات لغلق أو فتح النافذة
  •  
    {وما النصر إلا من عند الله} ورسائل للمسلمين
    الشيخ محمد عبدالتواب سويدان
  •  
    من أقوال السلف في أسماء الله الحسنى: (الرزاق، ...
    فهد بن عبدالعزيز عبدالله الشويرخ
  •  
    الأحق بالإمامة في صلاة الجنازة
    عبد رب الصالحين أبو ضيف العتموني
  •  
    فضل الصبر على المدين
    د. خالد بن محمود بن عبدالعزيز الجهني
  •  
    تفسير قوله تعالى: { والذين إذا فعلوا فاحشة أو ...
    سعيد مصطفى دياب
  •  
    محاسن الإرث في الإسلام (خطبة)
    الشيخ د. إبراهيم بن محمد الحقيل
  •  
    تفسير: (لقد كان لسبإ في مسكنهم آية جنتان عن يمين ...
    تفسير القرآن الكريم
  •  
    علامات الساعة (2)
    تركي بن إبراهيم الخنيزان
  •  
    ما جاء في فصل الصيف
    الشيخ عبدالله بن جار الله آل جار الله
  •  
    أحكام التعاقد بالوكالة المستترة وآثاره: دراسة ...
    د. ياسر بن عبدالرحمن العدل
  •  
    خطبة: أم سليم ضحت بزوجها من أجل دينها (1)
    د. محمد جمعة الحلبوسي
  •  
    خطبة: التربية على العفة
    عدنان بن سلمان الدريويش
  •  
    حقوق الأولاد (1)
    د. أمير بن محمد المدري
  •  
    التلاحم والتنظيم في صفوف القتال في سبيل الله...
    أبو مالك هيثم بن عبدالمنعم الغريب
  •  
    أسس التفكير العقدي: مقاربة بين الوحي والعقل
    الشيخ حذيفة بن حسين القحطاني
  •  
    ابتلاء مبين وذبح عظيم (خطبة)
    د. محمود بن أحمد الدوسري
شبكة الألوكة / المواقع الشخصية / مواقع المشايخ والعلماء / الأستاذ الدكتور فؤاد عبدالمنعم أحمد / كتب / تحقيقات
علامة باركود

تحرير السلوك في تدبير الملوك

أ. د. فؤاد عبدالمنعم أحمد

مقالات متعلقة

تاريخ الإضافة: 28/4/2011 ميلادي - 24/5/1432 هجري

الزيارات: 16350

 حفظ بصيغة PDFنسخة ملائمة للطباعة أرسل إلى صديق تعليقات الزوارأضف تعليقكمتابعة التعليقات
النص الكامل  تكبير الخط الحجم الأصلي تصغير الخط
شارك وانشر

من تراث الفكر السياسي الإسلامي

تحرير السلوك في تدبير الملوك لأبي الفضل محمد ابن الأعرج

تحقيق ودراسة أ.د. فؤاد عبدالمنعم أحمد

من آيات الحكم في الإسلام

﴿ إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُكُمْ أَنْ تُؤَدُّوا الْأَمَانَاتِ إِلَى أَهْلِهَا وَإِذَا حَكَمْتُمْ بَيْنَ النَّاسِ أَنْ تَحْكُمُوا بِالْعَدْلِ إِنَّ اللَّهَ نِعِمَّا يَعِظُكُمْ بِهِ إِنَّ اللَّهَ كَانَ سَمِيعًا بَصِيرًا * يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَأُولِي الْأَمْرِ مِنْكُمْ فَإِنْ تَنَازَعْتُمْ فِي شَيْءٍ فَرُدُّوهُ إِلَى اللَّهِ وَالرَّسُولِ إِنْ كُنْتُمْ تُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآَخِرِ ذَلِكَ خَيْرٌ وَأَحْسَنُ تَأْوِيلاً ﴾ [النساء: 58 - 59].

 

﴿ إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالْإِحْسَانِ وَإِيتَاءِ ذِي الْقُرْبَى وَيَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنْكَرِ وَالْبَغْيِ يَعِظُكُمْ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ ﴾ [النحل: 90].

 

﴿ الَّذِينَ إِنْ مَكَّنَّاهُمْ فِي الْأَرْضِ أَقَامُوا الصَّلاَةَ وَآَتَوُا الزَّكَاةَ وَأَمَرُوا بِالْمَعْرُوفِ وَنَهَوْا عَنِ الْمُنْكَرِ وَلِلَّهِ عَاقِبَةُ الْأُمُورِ ﴾ [الحج: 41].

 

تقديم:

الحمد لله ربِّ العالمين المنقذ من الضَّلال، والمرشد إلى الحق، الهادي مَن يَشاء إلى صِراطه المستقيم.

والصَّلاة والسَّلام على رسوله الأمين، المبعوث بالهدى والشرع الخاتم رحمةً للعالمين.

والصَّلاة على آله وأصحابه والتابعين لهم بإحسانٍ إلى يوم الدين.

 

وبعدُ:

تبيَّن لنا أثناء تحضيرنا لرسالة الدكتوراه في الفقه السياسي الإسلامي المقارن[1] منذ قُرابة عِشرين عامًا أنَّ الكثير من كتب الفقه السياسي الإسلامي مخطوطة ومُبعثَرة بين الشرق والغرب، وعوَّل كِبار علمائنا على القليل المنشور وهو لا يُغنِي عن الكثير المدفون، وقرَّروا: أنَّ الفقه السياسي الإسلامي ما زال في مرحلة الطفولة يحبو ثم يكبو، وأنَّه في عالمنا المعاصر يُعانِي أزمة[2]، وذهب بعضهم أنَّه لا سياسة في الإسلام، وأنَّ الإسلام دِينٌ لا دولة، وعقيدةٌ دون نِظامٍ ولا شريعةٍ، وتصدَّى علماء الإسلام في كلِّ مكان، وكشفوا زيف هذه المقالة وبُهتانها، واستقرَّت الحقيقة التي أعلَنَها علماء الإسلام طوال أربعة عشر قرنًا بأنَّ الإسلام منهج حياة، وأنَّه عقيدة وشريعة ومبادئ لكافَّة مجالات الحياة الإنسانيَّة، وأنَّ الدولة خادمةٌ للدِّين، وأنَّه لا يخرج عن ضوابط الشرع الإسلامي إلا مَن يجهَلُ مَزاياه ومقاصده، وأنَّه ما من مزية أو حسنة في نظامٍ ما إلا في الشرع الإسلامي مثلها أو خير منها[3]، وأنَّ فقه السياسة في الإسلام يستمدُّ ذاتيَّته وأصالته من كتاب الله الكريم، وسنَّة نبيِّه الأمين، واستقراء التجربة الرائدة في عصر الرسول - صلَّى الله عليه وسلَّم - والخلفاء الراشدين، وقد كشف فُقَهاؤنا عن ذلك في مؤلفاتهم[4].

 

وقد وفَّقنا الله - تبارك وتعالى، ولله الحمد والمنَّة - إلى إخراج بعضِ هذه المصادر؛ فحقَّقنا "غياث الأُمَم في التياث الظُّلَم"؛ لإمام الحرمين أبي المعالي الجويني، المتوفَّى 478هـ، وكتاب "الشفاء في مواعظ الملوك والخلفاء"؛ لابن الجوزي المتوفَّى 597هـ، وكتاب "تحرير الأحكام في تدبير أهل الإسلام"؛ للإمام ابن جماعة المتوفَّى 733هـ.

 

ونُقدِّم اليوم كتاب "تحرير السلوك في تدبير الملوك"؛ لأبي الفضل محمد ابن الأعرج من علماء القرن العاشر الهجري.

ونعرض لدراسة ومقدمة عن المؤلف والكتاب.

 

المؤلف

أبو الفضل محمد ابن الأعرج


اعتمَدْنا في الترجمة للمؤلف على المصادر المعاصرة، وعلى الرغم من ذلك فليس بين أيدينا كثيرُ معلوماتٍ عن أبي الفضل محمد ابن الأعرج.

 

فقد أرَّخ له السخاوي في "الضوء اللامع"، ولم يُبيِّن تاريخ ولادته ولم يذكر وَفاته؛ لكونه كان حيًّا وقتَ تأليف السخاوي لكتابه، وعاشَ بعد السخاوي مدَّةً.

 

معالم حياته:

هو محمد بن عبدالوهاب بن عبداللطيف بن علي بن عبدالكافي السنباطي القاهري، ويُكنى أبا الفضل، ويُلقَّب بالكاتب الأعرج[5]، ويبدو أنَّ ذلك لعلَّةٍ جسديَّة فيه.

 

كان أبو الفضل من أسرةٍ شغَلَها طلبُ الرزق عن العلم؛ فوالده كان يشتَغِل بالتجارة، وإنْ لم تُحدِّد المصادر نوعَ هذه التجارة، وإنْ بعض أفراد أسرته اشتغل ببيع الكتب[6].

 

ونشأ أبو الفضل في حِفظ القران الكريم وانتمى إلى المذهب الشافعي، وجوَّد الخطَّ على يد أستاذه يس بن محمد بن مخلوف، الذي كان حسن العقل والخلق[7]، ويبدو لنا أنَّ هذه الصفات ألقَتْ بظِلالها على تلميذه أبي الفضل.

 

برع أبو الفضل في الكتابة، وتكسَّب بالنساخة، كما تصدَّى لتعليم الخطِّ في المدرسة الأشرفيَّة ووصَفَه ابن إياس - وهو معاصرٌ له - بأنَّه الكاتب المجيد وله خط جيد[8].

 

ومات أبو الفضل فجأةً على حِين غفلةٍ يوم الاثنين الموافق 28 ذي القعدة سنة 925هـ[9].

 

مؤلفاته:

لم تذكُر المصادر التي بين أيدينا كتبَه، ولكنَّ المؤلف أشار في الكتاب المحقَّق إلى أنَّه له:

• غرر الفوائد في منثور الفوائد (نثر).

• وله شعر بعنوان (درر الفوائد من منظوم الفرائد).

لم نقفْ على نسخ منها، ولا نعرفْ مضمونها، وهي كتبٌ سابقة على كتابه "تحرير السلوك في تدبير الملوك".

 

الكتاب


المخطوطة التي بين أيدينا تحمل عنوان: "تحرير السلوك في تدبير الملوك"، وهي مخطوطةٌ خزائنيَّة كُتِبتْ للسلطان الملك الأشرف قانصوه الغورى[10] المتوفى 922هـ.

 

وقد أغفل حاجي خليفة الإشارة إليها، واستدركها عليه البغدادي في "إيضاح المكنون" وقال: موجودٌ في دار الكتب بآيا صوفيا[11]، ولم يذكر اسم مؤلفها.

 

وقد صوَّرَها معهد المخطوطات العربيَّة، وحملت رقم 35 سياسة واجتماع في فهارسه، وأنها مجهولة المؤلف، وأنها بخطٍّ مشرقي نسخي جميل.

 

والمخطوطة تقع في 112 ورقة، كلُّ ورقة سبعة أسطر، ومتوسط الكلمات في السطر الواحد حوالي ست كلمات. وثابت في الصفحة [2/أ] بداية الكتاب:

"بسم الله الرحمن الرحيم

الحمد لله الذي فضَّل مُلوك الأمَّة المحمدية...".

 

وعلى هامش هذه الصفحة الجملة التالية: "أوقف هذه النسخةَ سلطانُنا الأعظم والخاقان المعظم، مالك البرَّيْن والبحرين، خادم الحرمين الشريفين، السلطان ابن السلطان الغزي محمود خان[12]، وقفًا صحيحًا شرعيًّا حرَّرَه الفقير أحمد شيخ زاد المفتش بأوقاف الحرمين الشريفين - غُفِر لهما".

 

ومسبوقة بختم السلطان المصدَّر بقوله تعالى:﴿ الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي هَدَانَا لِهَذَا وَمَا كُنَّا لِنَهْتَدِيَ لَوْلاَ أَنْ هَدَانَا اللهُ ﴾ [الأعراف: 43].

 

ومُذيَّل بختمٍ تضمَّن فيما يبدو لنا توقيعَ مفتش الحرمين بالخط التركي (انظر اللوحة رقم 2).

 

وثابت في الورقة [12/ب]: "كتبه أبو الفضل الأعرج، غفر الله له ولوالديه ولكافَّة المسلمين أجمعين" (انظر اللوحة رقم 3).

 

فالمخطوطة التي بين أيدينا أصيلةٌ بيد مُؤلِّفها صاحب الخط الجيد، وقع رفَعَها إلى مكتبة السلطان الملك الأشرف: قانصوه الغوري.

 

وقد كُتِبتْ بعد تولِّي السلطان قانصوه الملك؛ أي: بعد سنة 905هـ وقبل وفاته في 922هـ.

 

أهمية الكتاب


تبدو أهميَّة "تحرير السلوك في تدبير الملوك" أنَّه كُتِبَ إلى حاكم عَمَّ ظلمُه وانتشر الفساد في عصره؛ حتى صادَرَ أموالَ الناس، وألغى الميراث[13]، فكان واجب العلماء في عصره نصحه بالحق، فبيَّن له أبو الفضل أنَّ أساس الملك والحكم الصالح هو التمسُّك بحبل الشريعة الغرَّاء والتزامها والاعتماد في أمره ونهيه على نقضها وإبرامها، وإقامة حدود الله المانعة من ارتكاب الجرائم، واللازمة لحفظ النفوس وحراسة الأموال، وأن يكون اجتلاب الأموال للدولة عن مصادر مشروعة، فلا تُؤخَذ إلا بالحق والعدل، وأنْ يختار الأكفاء والأمناء للمناصب الكبرى والولايات العامَّة، وأنْ يكون لها جهازٌ يُراقب مَظاهر الخلَل في الإدارة، وأنْ يُراقِب ويُتابِع الأمور بنفسه.

 

وأنَّ الحاكم عليه التخلِّي عن الرذائل من الكِبر والعُجب، والغُرور والشح، ويتحلَّى بالفضائل بألاَّ يُسارِع إلى اتِّباع الشهوات، وأنْ يتثبَّت عند اعتِراض الشُّبهات، والاستشارة في الأمور العظيمة ممَّن يَراه أهلاً لها، ويعمل بمقتضى ما هو أقرَبُ إلى نيل المطلوب، وأصوب في دفْع المرهوب، وألا يُكثِر القول دون الفعل.

 

فلا يتحدَّث بما يريد من المهمَّات قبل إبرامه، وأنْ يشكر الله على نعمته بطاعته وتدبير أمور الرعيَّة والولاية بالعدل والإحسان.

 

مصادر الكتاب


أشار المؤلف أنَّه استعانَ في هذا الكتاب بِمَن سبَقَه في هذا الفن، وتبيَّن لنا أنَّه قد اعتمد على كتابين بصفةٍ خاصَّة هما:

• "الأحكام السلطانية والولايات الدينية"؛ لأبي الحسن الماوردي، المتوفَّى سنة 450هـ.

• و"العقد الفريد للملك السعيد"؛ للوزير ابن طلحة، المتوفَّى سنة 652هـ.

 

ونسأل الله - تبارك وتعالى - أنْ يتقبَّل أعمالنا وأنْ يجعلها خالصةً لوجهه الكريم.

الإسكندرية - شوال 1402هـ.

 

 

 

 

تحرير السلوك في تدبير الملوك

لأبي الفضل محمد ابن الأعرج

بسم الله الرحمن الرحيم


الحمد لله الذي فضَّل مُلوك الأمَّة المحمديَّة وسلاطين الملة الأحمديَّة على كثيرٍ من عِباده تفضيلاً، وجعَلَهم للأنام من حَوادث الأيَّام في آفاق بلاده ظلاًّ ظليلاً، وأوضح لهم إلى اكتساب الفضائل واجتناب الرذائل [2/ب] بعناية الأزليَّة سبيلاً، وأقام على سَعادتهم في مناهج معدلتهم من يُمن حَركاتهم وسَكناتهم دليلاً، وهداهم للنظر في مصالح الرعايا باستِعلام وَقائع القَضايا فهي تُتلَى عليهم بكرةً وأصيلاً.

 

نحمده على نِعَمٍ لم تعزب عنَّا طوالعها، ونشكُره على [3/أ] مِنَنٍ لم تنصب لدَيْنا مشارعها، حمْد مَن استنفد من القيام بشكره عدَّة أيامه إلا قليلاً.

 

وأشهد أن لا اله إلا الله مالك الملك الحكم العدل، الغني عن الشريك والوزير، والكفيل والظهير، والمعين والمشير، القيُّوم الذي لو رامت العقول الإحاطةَ بكُنْهِ تدبيره [3/ب] لرجع طرفها حسيرًا وخدها كليلاً.

 

وأشهد أنَّ سيدنا محمدًا عبدُه ورسوله الذي سبغت به نعمة الهداية أكمل سُبوغ، وجعل لها سُلطانًا نصيرًا أفضى إلى درك غاية الظفر ونهاية البُلوغ، وأيَّده بالكتاب العزيز الذي ضمَّنَه من نبأ الأوَّلين والآخِرين ما جعَلَه بإعجازه كفيلاً [4/أ] شهادة تفيضُ على الأسرار نورها، وتستفيض على الأنظار بظهورها، وتلقي على الشيطان منها قولاً ثقيلاً.

 

ونُصلِّي ونُسلِّم على المبعوث بالآيات الباهرة، والأحكام الزاهرة، التي أبرأت بأنوار حقِّها الساطعة من أنصاب القلوب عليلاً، سيدنا محمدٍ المبعوث [4/ب] بالصفات الطاهرة والمعجزات الظاهرة التي شفَتْ ببراهينها القاطعة من اضطراب النفوس غليلاً، وعلى مُبايِعيه ومُتابِعيه الذين أعلاهم الله أعلى المراتب بأعظم الوسائل، وأولاهم أولى المناقب بأكرم الشمائل، صلاةً وسلامًا لا يجد أحدٌ لسنَّة [5/أ] دَوامها المفترض تحويلاً، ورضي الله عن وُلاة أمور الموحِّدين، وحماة حَوْزة الدِّين، أئمَّة الإسلام الذين صدقوا ما عاهَدُوا الله عليه وما بدَّلوا تبديلاً، رضوانًا يحلُّهم به مَنازل آنسة من حَظائر قُدسه في جنَّات عدن خير مستقر وأحسن [5/ب] مقيلاً.

 

أمَّا بعدُ:

فقد وضح لذَوِي الدِّراية والعِرفان، وثبَت عند أولي الرواية بالدليل والبرهان، أنَّ السلطنة منزلةٌ عالية المقام، معدودةٌ من الرُّتَب العِظام، المضبوط بها مَصالِح الخواص والعوام، وأنَّ لعلوِّ فخرها وعلو قدرها امتنَّ الله [6/أ] بها على كليمه موسى - عليه السلام - حين استضعَفَ نفسَه عن أداء رسالة ربِّه، وخاف ألاَّ ينهض منفردًا بثقل أعباء ما أمَرَه الله به، فسأل الحقَّ - جلَّ وعلا - إسعادَه بإسعافه في ذلك بأخيه هارون، فقال: ﴿ وَأَخِي هَارُونُ هُوَ أَفْصَحُ مِنِّي لِسَانًا فَأَرْسِلْهُ [6/ب] مَعِيَ رِدْءًا يُصَدِّقُنِي إِنِّي أَخَافُ أَنْ يُكَذِّبُونِ ﴾[14].

 

فأجابَه الله إلى سُؤاله، وأجناه من شَجرة سُؤله ثمرة نَواله، ومنَحَه سلطنةً يقصر عن تأميل إدراكها الطالبون، ولا يقدر على مَنالها بجدٍّ واجتهادٍ الراغبون؛ فقال - تعالى -: ﴿ سَنَشُدُّ عَضُدَكَ بِأَخِيكَ وَنَجْعَلُ لَكُمَا سُلْطَانًا [7/أ] فَلاَ يَصِلُونَ إِلَيْكُمَا بِآَيَاتِنَا أَنْتُمَا وَمَنِ اتَّبَعَكُمَا الْغَالِبُونَ ﴾ [15]، وأنَّ الأحرى بِمَن ارتَضاه الله لها من خليقته، وناطَ أزِمَّة أُمورِها نقضًا وإبرامًا بقبضيه أنْ يأخُذ نفسه برعاية أحوالها، ويروضها في أفعالها وأقوالها، ويعلم يقينًا أنَّه متى قدر على سياسة [7/ب] نفسه كان على سياسة غيره أقدر، وإذا أهمل أمرَ نفسِه كان بإهمال غيره أجدر، كما قيل:

أَتَطْمَعُ أَنْ يُطِيعَكَ قَلْبُ سُعْدَى
وَتَزْعُمُ أَنَّ قَلْبَكَ قَدْ عَصَاكَا

 

وقد تُزيِّن نفس الإنسان له حُسنَ الظنِّ بها؛ فيعتقد أنَّه متَّصِف بمحاسن الأخلاق [8/أ] فيُعرِض عن مُراعاتها، ويَنقاد بزِمام الرضا عنها إلى مُتابعتها في شَهواتها، فيَبقَى وهو لا يعلم في أسْر هَواه مُرتهنًا معدودًا ممَّن زُيِّنَ له سوء عمله فرآه حسنًا، فيقوى نفسه عليه حتى تغلب عقله، ويلعب به هَواه، حتى يستنفد في شهواته قوله وفعله، ويكشفه [8/ب] صوارف غفلاته عن تأمُّل إصلاح شأنه، فتنسيه فروعه وأصله، فلا يشعُر إلا وقد أشرف به الصَّلَف على التَّلَف، فأفسد أمره كله، فمتى استَظهَر على هذه الحالة من مَبدأ أمره، واعتبر مواقع تزين النفس الأمَّارة بالسوء ببصيرة فكره وحصر أسباب التزيين [9/أ] فقطعها بشبا صبره، وزجر قلبه عن اتِّباع هَواه بِمُوجبات زجره، وقهَر نفسه فانقادَتْ طوع عقله في سرِّه وجهره، كان خليقًا أنْ تنقلب خلائقه الذاتيَّة حميدة، وطرائقه المأتيَّة سعيدة، ونظراته في تَصرِيف الحركات والسكنات سديدة [9/ب] فلا جرم تكون دولته دائمة ومدَّته مديدة، ولا يُدرِك هذا الاستظهار بعين اليقين إلا إذا أحاطَ علمًا بأسباب التزيين، فقطعها بحدِّ عزمه المبين، ودفعها بحدِّ ذي القوَّة المتين[16].

 

وأنَّه يتعيَّن على مَن رزَقَه الله نعمة السلطنة وحلاَّه بعقدها، وآتاه أزمَّة حلِّ [10/أ] الأمور وعقدها، وجعَلَه نائبًا في حماية بلاده ورعاية عباده، وإليه مآل مرجعها ومردها أنْ يصرف عناية اهتمامه المتقنة إلى النظر في عشرة أمور، وهي قرار قواعد الملك وقطب السلطنة:

الأول: حفظ بيضة الإسلام [10/ب] والقيام بحمايته في جميع أقطار بلاده ونواحي مملكته؛ لئلاَّ يَقوَى عليه بشوكة كافر، ولا تصل إليه يد فاجر، وذلك بإقامة الأمراء والأجناد، وإعداد الأهبة والاستعداد، وتحصيل مهمات الإمداد؛ لإرهاب الأعداء [11/أ] والأضداد.

 

والثاني: تفقُّد المعاقل والحصون والثغور؛ باعتبار أحوال ولاتها، واختيار رجال حماتها، والمبادرة إلى إصلاح عمائرها وذخائرها ومهمَّاتها.

 

والثالث: إقامة السياسات لدفْع العُتاة والمفسِدين، وردع الطُّغاة [11/ب] والمعتدين؛ فإنَّ بها يُستَرعى الرعايا لتحصيل المعايش والأقوات، ويعمُّ نفع البرايا بالأسفار التي لا تحصل إلا بأمْن الطرقات.

 

والرابع: إقامة حُدود الله المانعة من ارتكاب المحارم، الوازعة من اقتراف الجرائم، الرادعة عن اكتساب المظالم، فقد جعلها [12/أ] الله لحفْظ النُّفوس وحراسة الأموال، وأمر بإقامتها فلا يحلُّ إسقاطها بشفاعةٍ ولا سؤال.

 

والخامس: دَوام تمسُّكه بحبل الشريعة الغرَّاء والتزامها، واعتماده في أمر ونهيه على نقصها وإبرامها، واعتبار أمور القائمين بأحكام [12/ب] أحكامها، واعتناؤه بإقامة صلحاء قضاتها وحكَّامها، فبنصبه في أصل القضاة قطع النزاع، وصيانة الأموال والحقوق عن الإتلاف والضياع، وحفظ ذلك من أن تمدَّ إليه أيدي الاقتطاع، من ذوي البغي وأولي الأطماع [13/أ] وإقامة العقود المحتاج إليها على ما لها من الأوضاع.

 

والسادس: القيام بإقطاع الأمراء والأجناد، وأرزاق الحقوق اللازمة من العباد، وترتيبهم على مِقدار مَنازلهم وأحوالهم، وتفضيلهم بما يوجبه تفاضل الاحتياج إليهم في أعمالهم.

 

والسابع: [13/ب] الاهتمام بجهاب الأموال لاجتلاب أنواعها، ومواطن الغلال التي بها تقوية البلاد باعتبار مزارع ضياعها، وألاَّ تُؤخَذ إلا بالحق والعدل فهو أكبر حارس لها من ضَياعها.

 

والثامن: استخدام الكُفاة والأُمَناء والأتقياء، واستعمال [14/أ] النصحاء الصلحاء الأقوياء؛ لتكون الأحوال بكفايتهم ملحوظة مضبوطة، وبأمانتهم ونُصحهم محفوظة مَحُوطة.

 

والتاسع: الانتصاب لأمور العامَّة بأنْ يجلس لها وقتًا من الأوقات لكشْف المظالم، ولإقامة فريضة العدل لإزالة المظالم.

 

والعاشر: [14/ب] التطلُّع إلى مجددات الأحوال وحوادث المرور واستعمال الفكرة فيما يتجدَّد منها؛ مخافة طرئان مكررة ومحذور، بأنْ يجعل له عُيونًا يعتمدهم بصددها، وثقاة يعدُّهم لرصدها، فإنَّ حوادث الأقدار وتقلُّبات الأدوار [15/أ] قد تجعل الموافق مخالفًا، والموالي مجانبًا، والأمين خائنًا، والناصح غاشًّا، والساكن مُتحرِّكًا، والمقرب مباينًا فإذا تطلَّع إلى معرفة مُجدَّدات الأسباب ظهر له الخطأ من الصواب، وعلم المحق من المبطل المرتاب، فبادَرَ إلى إصلاح الخلل وإزالة الاضطراب.

 

[15/ب] فهذه الأمور العشرة أصولٌ شوامخ[17] ينشَأ منها شُعَبٌ مُتفرِّعة، وقواعد ورَواسِخ ينبني عليها أحكام متنوِّعة، فإذا لحظها السلطان بعين يقظته، وأدخل أحكام أحكامها في باب معرفته، أقام بما وجب عليه من حِراسة الملَّة وسياسة [16/أ] رعيَّته.

 

هذا، وإنِّي لَمَّا رأيتُ القيام بإعانة وُلاة الأمر الأئمَّة على ما تحمَّلوه من أعباء مصالح الأمَّة المهمَّة، بتعريفهم مناهج إرشادهم، وإسعافهم بمباهج إسعادهم، من لوازم طاعتهم التي لا بُدَّ لكلِّ مسلم منها، وتمام نصرتهم [16/ب] التي لا غِنًى لمستمسك بدِين الله عنها.

 

وألغيت المصنَّفات المُعتَبرة في أحكام رِياسة أئمَّة الإسلام المرعيَّة، والمؤلَّفات المشتهرة في أحكام سياسة الخاص والعام من الرعيَّة، أمَّا بسط ممل العزمات عن تصفُّحه عليلة أو وجيزة، مخل الرغبات [17/أ] في تلمُّحة قليلة، حَداني غرضٌ اختَلجَ في سِرِّي، وأملٌ اعتَلجَ في صدري، على أنْ أصرف همَّتي الفاترة وأبعث قريحتي القاصرة، إلى تأليف مختصر في قواعد تعريف رياسة الإمام ومعاقدها، وعوائد تصريف سياسة الأنام ومراشدها [17/ب] جامع لزبد هذه الأسباب، قاطع بما يشتمل عليه من فرائد الفوائد وزوائد المقاصد شبه الارتياب، واقع بإفادة التحقيق وإجادة التدقيق موقع الغرض من هذا الباب.

 

فاستَخرتُ الله الذي ما خابَ مَن استَخارَه، ولا مَن آبَ إليه [18/أ] واستَجارَه، وألَّفت هذا الكتاب البديع واللباب الرفيع من شرائف المعارف المسطورة، في نفائس كتب هذا الفن المشهورة، وجعلته في هذا الشأن عدةً لكل حام، حامل لأعباء الأمور، وعمدة لكل كافٍ كافل بمصالح الجمهور [18/ب] وسمَّيته إذ رسمته بـ(تحرير السلوك في تدبير الملوك)، ورتَّبته بعد أنْ هذَّبته على مقدمة مهمَّة وواسطة وخاتمة متمَّة.

 

أمَّا المقدمة: فتشمل على ما يتخلَّى عنه ولي الأمر من غرر النقائص الفاضحة، وما يتحلَّى به من غرر الخصائص الواضحة [19/أ].

 

وأمَّا الواسطة: فتشتمل على ما يعتمده ولي الأمر عند النظر في المظالم من الأحكام السلطانية، وما يعتمده حين الحكم من السياسات الدينية.

 

وأمَّا الخاتمة: فتشتمل على التبيان لما يُحكِمه ولي الأمر من الأعمال عند النظر في الجرائم بواضح البيان.

 

[19/ب] وأنا راغبٌ لكلِّ خاطب وصاله، وطلاب نواله، أعيان السادات وسادات الأعيان، الحائزين في حلبات البيان قصبات الرهان إذا جليت عليه عرائس جماله ونفائس كماله، ألاَّ يفوق لهدف الاختيار سهم الاختبار [20/أ] وأنْ يحذق إليه بصر الاعتقاد عند الانتقاد، فأيُّ جوادٍ لا يكبو، وأي مهنَّد لا ينبو، ومع هذا فإنَّ لسان التقصير عن القيام بالعُذر قصير، والمصنف وأنْ نظم (درر الفوائد في منظوم الفرائد) ونثر (غرر [20/ب] الفرائد في منثور الفوائد)، واستعان في تَرصِيف ما صنَّف، وتنقيح ما ألَّف من نقَّاد العبارة وفرسانها، بحسَّان البَراعة وسَحبانها، معرض لحاسد أو طاعن بقال وقيل، إلاَّ أنْ يُتاح له عاذر ومقيل، وإني لَأرجو أنْ يفخم أمره من الناس [21/أ] حر شأنه الصفح والستر.

 

وإلى ذي الغنى المطلق أمدُّ كفَّ الفقر المحقق أنْ يجعلني فيه من المخلِصين، وبأذيال كرمه العام أعلق يد الفاقة والإعدام، أنْ يجعله ذخيرة لي يوم الدين، وبباب عَفوِه العزيز أَقِفُ وقفة المعترف بالعجز [21/ب] والتقصير، سائلاً ستر عيوبي جمعًا، وإليه سبحانه أضرَعُ ألاَّ يجعلني من الذين ضَلَّ سعيهم في الحياة الدنيا وهم يحسَبون أنهم يُحسِنون صُنعًا، ومن فيضه الجمِّ أسأله المعونة على حزن الأمر وسهله، وفيما خصَّ وعمَّ أتوكَّل عليه [22/أ] وأعتصم بحبله، فهو الجواد الكريم، البرُّ الرحيم.

 

وهذا حين شُروعنا في بَيان المقصود، من الكلام على مقاصد الكتاب بفضل مانح الجود، فنقول وبالله الإعانة على الإبانة:

الكلام على المقدمة الحرية بالتقدمة


اعلَمْ أنَّ أولى ما تطلَّعت إليه أفكار [22/ب] الملوك التي هي ملوك الأفكار، ورَغِبت فيه نفوسُهم الشريفة التي خصَّها الله بِمِشكاة الأنوار، وأسجل لها حاكم السعادة بشرف الهمَّة وصَفاء الفكرة حتى يَكاد زيتها يُضِيء ولو لم تمسَسْه نار - التخلِّي عن الرذائل والتحلي بالفضائل.

 

[23/أ] وأنَّ للرذائل أمهات إذا أبعدَتْها النفس عنها وأزالَتْها منها استعدَّت للإنصاف بشرف الخلاء بلا خِلاف.

فأولها: الكبر.

وثانيها: العجب.

وثالثها: الغرور.

ورابعها: الشح.

وخامسها: الكذب.

 

• فأمَّا الكبر فهو جالبٌ [23/ب] لسخط الله المليك القهَّار؛ قال الله - تعالى -: ﴿ كَذَلِكَ يَطْبَعُ اللَّهُ عَلَى كُلِّ قَلْبِ مُتَكَبِّرٍ جَبَّارٍ ﴾[18].

 

وروينا عن رسول الله - صلَّى الله عليه وسلَّم - فيما يَروِيه عن الله - جلَّت عظمتُه - أنَّه - تعالى - يقول: "الكبرياء رِدائي والعظمة إزاري فمَن نازَعني في شيءٍ منها قصَمتُه"[19].

 

[24/أ] وقلَّما اتَّصَف ملكٌ بصفة الكبر إلا اختلَّت أحوال مملكته، واضطربت قواعد دولته، وعميت عليه أبناء مَصالِحه وقلَّ مواليه، وظهرت مقالته بسِهام أعاديه.

 

• وأمَّا العجب فهو من المُهلِكات؛ قال الله - تعالى - ترهيبًا لعباده المتدبرين: [24/ب] ﴿ وَيَوْمَ حُنَيْنٍ إِذْ أَعْجَبَتْكُمْ كَثْرَتُكُمْ فَلَمْ تُغْنِ عَنْكُمْ شَيْئًا وَضَاقَتْ عَلَيْكُمُ الْأَرْضُ بِمَا رَحُبَتْ ثُمَّ وَلَّيْتُمْ مُدْبِرِينَ ﴾[20].

 

وروينا عن رسول - صلَّى الله عليه وسلَّم - أنه قال: ((ثلاث مهلكات: شحٌّ مُطاع، وهوى مُتَّبع، وإعجاب المرء بنفسه))[21].

 

ومن الحكم الصادر عن حُكَماء العلماء [25/أ] الذين شرَّفهم الله بنزل قدسه، مَن استهواء العجب حتى نظر في عطفَيْه، واختال في بردَيْه، ولم يرَ لغيره فضلاً عليه، فقد اكتسب التلف ممَّا فوق في سهام المقت إليه، واحتقب ما يورثه ندامةً وحسرةً يوم يعضُّ الظالم على يدَيْه[22].

 

• وأمَّا [25/ب] الغُرور فهو مضلٌّ بصاحبه إلى العطب، سائقٌ له ورطات هَلاكٍ ذات شُعَب، وهو أنْ يرى المغرور الأحوال في مَباديها منتظمة في سلك السداد، والأمور في أوائلها جارية على وفْق المراد، والأوقات ساكنة عن هُبوب عَوارِض البغي [26/أ] والفَساد، والاختلافات الشاغلة قد نزَلتْ بساحات الأعداء والأضداد، فيظنُّ أنَّ هذه الحالة واجبة الاطِّراد، دائمة الاستِمرار بلا انقِطاعٍ ولا نفاد، فيغترُّ بذلك فيهمل التأهُّب ويغفل عن الاستعداد، فتفاجئه حوادث الخلل وتُباغِته نوازل [26/ب] الزلل، فتسد عنه أبواب الصلاح وتفتح عليه أبواب الفساد، وأعظم مَوارِد الغرور نفاق المادحين ومدح المنافقين، وتملُّق المقرَّبين وتقرُّب المتملِّقين، الذين اتَّخذوا الكذب والنِّفاق وسيلةً، وجعلوا المكر والخداع أحبولة وحيلة [27/أ] فمتى وجدوا لنفاقهم نفاقًا وسوقًا، ولكذبهم قبولاً وتصديقًا نصبوه سُلَّمًا إلى مَرامهم، وأقاموا المغتر بهم غرضًا لسِهامهم، واتَّخذوه عرضة لاستِهزائهم به واستِقسامهم، وقد عدَّ العلماء وأساطين الحكماء هذا النوع من الاغترار من أقوى [27/ب] الأسباب، وحثوا أكابر الملوك على التيقُّظ له عند الإسهاب فيه والإطناب، ونبَّهوا على الاحتِراز منه والتجنُّب عند أرباب الألباب، فإنَّ أقلَّ ما فيه رَواج الاستِسخار والاستِهزاء ونِفاق الكَذِب بلا ارتياب[23].

 

ولهذا المعنى أمر [28/أ] النبي - صلَّى الله عليه وسلَّم - بإهانة مُباشِريه بقوله: ((أحثوا في وجوه المدَّاحِين التراب))[24].

 

• وأمَّا الشحُّ فهو من الأسباب التي أخبر الرسول - صلَّى الله عليه وسلَّم - بكونها مهلكة للورى، ويَكفِي في ذمِّه أنَّ الفلاح مقرونٌ بالسلامة منه والتوقِّي بلا [28/ب] مراء؛ قال الله - تعالى - في كتابه المكنون: ﴿ وَمَنْ يُوقَ شُحَّ نَفْسِهِ فَأُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ ﴾[25].

 

ومن الحِكَم البالغة: الشحيح مطرودٌ مقامات الكِرام، معدود من سيِّئات الأيَّام، مقصود بسهام الملامة بين الأنام، لا يَسُود أبدًا، ولا يبلغ مقصدًا[26].

 

[29/أ] وأمَّا الكذب فيَكفِي في ذمِّه أنَّه يجانب الإيمان، ويسلب خصيصة الإنسان، فإنَّ النطق هو الفارق بينه وبين سائر الحيوان، وآلته المعبر بها عمَّا في الضمائر، المتوصل بها عند التخاطُب إلى إظهار ما في السرائر - هي اللسان، فإذا استعمَلَه صاحبه [29/ب] في الكذب فغيَّر الأشياءَ عن حقائقها وأبرز الباطل في صورة الحق، وأخبر بالأمور على خِلاف ما هي عليه، وكسا المحال لباس الصدق - فقد سقط الوُثوق به من القُلوب عند الأخبار، ولم يبقَ لما يصدر عنه أثَر ولا اعتبار.

 

ومن الحِكَم البالغة: [30/أ] الكذب يسلب صاحبه صفةَ الصلاح، ويلبسه جلباب الافتِضاح، ويجعل درَّ نعته لغوًا منثورًا، ولو نظَمَه الجوهري في سمط الصحاح[27].

 

فهذه الرذائل الخمسة يتعيَّن على السلطان أنْ يَصُون نفسه وشرف همَّته وعزَّ سلطانه وحسن سمعته [30/ب] عن شيءٍ منها؛ لأنها أمَّهات النقائص الوضيعة، المحطَّة لذوي الأقدار الرفيعة، ومنها يتطرَّق تزيين الفضائح وتحسين القبائح، فإنَّه قَلَّ ما كانَتْ فيه إلاَّ اختلَّت أحوال مملكته بلا نِزاع، واضطربتْ قواعد دولته ونفرت عنه قلوب [31/أ] الأتْباع، وعميت عليه أنباء المصالح، وظهرت مقاتله لسهام عدوِّه الكاشح، ومالَتْ عنه خواطر ناصِرِيه، واتَّسع لألسُن الطاعنين مجال المقال فيه، وسقط وقعه من نفوس رَعاياه وجنوده، وزالَ الوثوق بوعده والخوف من وعيده.

 

[31/ب] فواجبٌ على السلطان إذا تخلَّى عن هذه النقائص أنْ يتحلَّى من الخصائص الحِسان بما يَزداد به مَهابةً ووقارًا، ويكسبه عظمة وفخارًا، ويُعلِي له في العالم شأنًا ومَنارًا، ويُبقِي له على الأبد ذِكرًا وفخارًا.

 

وها أنا أنبِّه على شيءٍ منها تنبيهًا أعتمد [32/أ] فيه اقتصار واختصار فعليه ألاَّ يسارع إلى اتِّباع الشهوات، وأنْ يتثبت عند اعتراض الشبهات، وأنْ يجانب سُرعة الحركات وخفَّة الإشارات، ويُدِيم إطراق طرفه ومُلازمة صمته إلا عند الحاجة في أكثر الأوقات [32/ب] فإنَّ أنفاس الملك ملحوظة، وألفاظه منقولة على ممرِّ الساعات، وكلام الإنسان ترجمان عقله وبرهان فضله، ومَن كثُر كَلِمُه كبُر ندَمُه.

 

ويختار عند الكلام أعذبَ الألفاظ وأحسنها، وأعدلها وأجزلها وأبينها، ويجهر بصوته [33/أ] في كلامه؛ ليكون أبين لسامعيه، وأوقع في القلوب، ويجعل وعيدَه بالتأديب على مِقدار الذنوب؛ جمعًا بين مصلحة العقوبة والانزجار، ومصلحة اجتناب الإثم بمجاوزة الحدِّ والمقدار[28].

 

ويجتهد في منْع نفسه من الغضب؛ فإنَّه أشرُّ قاهر [33/ب] وأضرُّ مُعانِد ومجاهر، وهو إذا غلب أعظمَ الأشياء فسادًا لنظام المرام، وأبلغ الأمور تأثيرًا في انتقاض قواعد تدبير الإبرام، فإنْ قدَّر الله عليه بشيءٍ منه فليحذر جزمًا من أنْ يُباشِر في تلك الحالة فعلاً أو ينفذ حكمًا[29].

 

وكما يجبُ الاحتراز [34/أ] من الغضب فكذلك يتعيَّن الاحتراس من اللجاج؛ لأنَّه حليف العطب، وهو ممَّا يثمر الزلل في العاجل، ويُسفِر عن الندامة في الآجل، ويدفعه الحق خير من التَّمادِي في الباطل، ولا يستعمل في الناس حالة واحدة، بل يعتمد [34/ب] في كلِّ قضية ما يليق بصاحبها من لين وشدَّة، وإقبال وإعراض، وبشر وانقِباض، ووصل وقطع، وإجابة ومنع، وإحسان وإساءة، وزيادة ونُقصان، وتجاوُز وانتِقام، وإقدام وإحجام، وعفو وعِقاب، وظهور واحتِجاب، فإنَّ استعمال [35/أ] كل حالة في محلِّها مع مستحقِّها أكمل تدبيرًا وأجمع لبلوغ الأرب، ووضعها في غير محلِّها أفضى إلى توقُّع الضرر ومفتاح لباب الغضب، وطِباع العالم غير متوازنة، وأخلاقهم على التحقيق متباينة؛ فمنهم مَن يصلحه الإقبال عليه [35/ب] والإحسان إليه، ومنهم مَن يعدله الإعراض عنه والانتقام منه[30].

 

وليعلم أنَّ من أعمِّ الأشياء نفعًا وأعظمها في المصالح وقعًا، كتمان سرِّه وإخفاء أمره، وألاَّ يطلع أحدًا على ما عزم على فعله قبل إتمامه، ولا يتحدَّث بما يريد من المهمَّات [36/أ] قبل إبرامه؛ فإنَّ ذلك من أقوى أسباب الظفر بالمطالِب، وأنكا في قلوب الأعداء وأعون على نجح المقاصد والمآرِب[31].

 

لكنْ من الأسرار والأمور ما يستغنى فيه اطِّلاع ناصح حكيم، ومشاورة صديق حميم، يرى نُصحه لإمامه من طاعته لربه [36/ب] ويعدُّه عند الله من أعظم أسباب قُربه، فيستَعِين برأيه في المهمَّات، وينتفع بفكره عند الملمَّات، ومتى حدَث أمرٌ من الأمور العظيمة، أو وقَع خطب من الخطوب الجسيمة، يَكثُر الاستشارة فيه فيمَن يراه لذلك أهلاً، ويسمع رأي كلِّ واحدٍ منهم على انفراده [37/أ] وينظُر فيما سمعه فرعًا واصلاً.

 

ويعمل بمقتضى ما هو الأقرب إلى نيل المطلوب، والأصوب في دفع المرهوب، ويُعمِل الفكر فيما يرد عليه ولا يهمل الاحتراز والحذر في عَواقِب الأمور وما يَؤُول إليه.

 

ويجتهد ألاَّ يفتح بابًا يعييه سدُّه [37/ب] ولا يَرمِي سهمًا يعجزه ردُّه؛ فقد قيل:

وَإِيَّاكَ وَالأَمْرَ الَّذِي قَدْ تَوَسَّعَتْ
مَوَارِدُهُ ضَاقَتْ عَلَيْكَ المَصَادِرُ
فَمَا حَسَنٌ أَنْ يَعْذِرَ المَرْءُ نَفْسَهُ
وَلَيْسَ لَهُ مِنْ سَائِرِ النَّاسِ عَاذِرُ[32]

 

ولا يجعل أوقاته كلَّها مصروفةً إلى نوعٍ واحد، من مَصادِره والموارد [38/أ]؛ فإنَّ ذلك إنْ كان جدًّا واجتهادًا في تدبير مصالح ما هو مُتولِّيه ضجرت النفوس منه، وسَئِمت الفكرة فيه، وربما أدَّى إلى خلَل، وساقَ إلى زلَل، بل عليه أنْ يحصر ساعاته، ويقسم أوقاته، فيصرف منها قسطًا إلى النظَر في مصالح ولايته ورعيَّته [38/ب] وقِسطًا إلى اختِلائه بنفسه لراحته، وقسطًا يخصُّه بتضرُّعه إلى الله - تعالى - وقيامه بشكر نعمه وأداء عبادته، وكما أنَّه يقسم أوقاته ويخصُّ كلاًّ منها بحالةٍ لا يليق أنْ يوقع في غيرها من مهمَّاته؛ كوقت رُكوبه على جاري عادته، ووقت نظره [39/أ] في مصالح ولايته، ووقت جُلوسِه لكشْف قَضايا رعيَّته، ووقت دُخول جُنوده عليه لأداء وظيفته خِدمته، ووقت استِحضار مَن يحضر من الرسل لأداء رسالته، ووقت اختِلائه بنفسه طلبًا للراحة في خلوته، ووقت [39/ب] سُكونه ومنامه وقَيْلولته، ووقت استِئناسه بِمَنْ يحضُره لِمُحادَثته، ووقت قيامه بفريضة الله - تعالى - وطاعته، ولكلِّ حالةٍ من هذه الحالات، ووقتٍ من هذه الأوقات، أوانٌ جُعِلَ علمًا عليها لا يتعدَّاها، وزمانًا منسوبًا إليه [40/أ] لا يليقُ به سِواها[33]، فكذلك عليه أنْ يستَعِين في الأعمال بكُفاة العمال في المهمَّات الثِّقال بأجلاد الرجال، فيُفوِّض كلَّ عملٍ إلى مَن قدَّمته قدم راسخة في معرفته، وأيَّدَتْه يد باسطة في دِرايته وتجربته، ولا يُفوِّض [40/ب] عمل عالم إلى جاهل، ولا عمل بنية إلى خامل، ولا عمل متيقِّظ إلى غافل، ولا عمل ذي جبلة إلى عاطل، فإنْ غفل عن ذلك فقد باعَ حقًّا بباطل، واعتاضَ عن قسي بباقل، وسلط على دولته لسان كلِّ قائل.

 

ومن الحِكَم الباهرة مَن استَعان في عمله بغير [41/أ] كفء أضاعَه، ومَن فوَّض أمرَه إلى عاجِزٍ عنه فقد أفسد أوضاعه[34].

 

وليحذر كلَّ الحذر من أنْ يُولِّي أحد الخلق أمرًا دينيًّا أو دنيويًّا بشَفاعة أو رِعاية لِحُرمة أو لقَضاء الحق إذا لم يكنْ أهلاً للولاية، ولا ناهِضًا تحصل بتقليده الكفاية [41/ب] فإنْ أحبَّ مُكافَأة مَن هذه صفته كافَأَه بالمال والصِّلات وقطع طمَعَه عمَّا لا يصلح له من الولايات؛ ليكون قاضيًا لحقه بماله لا بمملكته، قائمًا بما لا بُدَّ منه من حُقوق ولايته.

 

وهذا المعنى هو الذي اعتَمدَه كسرى أنو شروان لإحكام قواعد مُلكه [42/أ] وتأييده، وإتمام مقاصد تدبيره وتأكيده، حتى أنَّه - على ما يُقال - وضَع على بابه خشبةً من ساجٍ مكتوب عليها بالذهب: الأعمال بالكفاة، والحقوق على بيوت الأموال[35].

 

ومن الحِكَم الزاهرة: أي ملكٍ ملَكَ جدُّه هزلَه، وحقَّق فعلُه قولَه [42/ب]، وقهَر رأيُه هواه في تدبيره، وعبَّر ظاهره عمَّا في ضميره، ولم يخدَعْه رِضاه عن حقِّه، وفوَّض كلِّ عمل إلى مُستحقِّه، واستعمل بالكفاءة لا بشَفاعة المتعرِّضين، ولم يأخُذ بالسعاية قبل الكشف، ولا استهواه تحرُّض المتعرِّضين - فهو خليق [43/أ] باستِحقاق المملكة، وارتداء جلبابها، جدير بها، ولم يكنْ أواصره وعَناصره من أربابها[36].

 

وإلى هذا الحال انتهى بنا الكلامُ على مقدمة الكتاب، فلنشرع في الكلام على الواسطة بعون الملك العلام، فنقول والله للعفو مسؤول:

اعلَمْ أنَّ الله [43/ب] - جلَّ جلاله وتقدَّس كماله - شرع الزواجر والعُقوبات ردعًا للعباد عن الفساد، ووضع الرَّوادع والسياسات حِفظًا لنظام المعاش والمعاد، فوجب على مَن قلَّدَه القيام برعاية خلقه، وألزمه النظر في مَظالم العِباد، الإحاطة بالسياسة [44/أ] الدينية تحرِّيًا للنجاة من عذاب يوم التَّناد، ولا تكون سياسته غاشمةً خارجة عن قواعد دِين الإسلام، وأحكامه آثمة باطلة في شريعة النبي - عليه السلام - ويكون من الغشمة الجاهِلين الذين سيُجزَوْن بغشِّهم جحيمًا، ومن الجهلة الظالمين [44/ب] الذين سيصلَوْن بظُلمهم سعيرًا ويُسقَون حميمًا، بل من المنذِرين في كتاب الله المكنون بقوله - عزَّ اسمه -: ﴿ وَمَنْ لَمْ يَحْكُمْ بِمَا أَنْزَلَ اللهُ فَأُولَئِكَ هُمُ الْكَافِرُونَ ﴾[37]، فمعرفة ما لا يجوزُ له وما يجوزُ تَهدِيه إلى صراط مستقيم، وتُنجيه من عَذاب أليم، وتعلمه أنَّ [45/أ] الناظر في المظالم أوسع من القُضاة في محال النظر مجالاً، وأعم منهم في الفحص عن المظالم والجرائم أعمالاً، وأكثر منهم في الكشف عن الحق أسبابًا، وأفتح منهم على الأنام للنجح أبوابًا؛ إذ له النظَر فيما تنظُر فيه القُضاة، وما لا تنظُر فيه من [45/ب] الحكومات.

 

وله النظر قبل التظلُّم إليه في الجرائم والظلمات، وله إرهاب المتهم بالظلم والجريمة قبل الثبوت بالإقرار أو البيِّنة القويمة، وله الحمل على الاعتراف بالحق والحبس في المظالم، وله الضرب للاعتراف عند ظهور الأمارات في الجرائم [46/أ] وله تأديب المدَّعَى عليه إذا ثبَت الحق بالبيِّنة بعد الإنكار، وله حمْل المجرمين على التوبة للإجبار، وليس للقُضاة هذه السياسات، ولا لهم قبل الرَّفع إليهم النظر في المظالم والخصومات، وإنما لهم النظر فيها بعد رفعها إليهم، ولا [46/ب] طريق لكشفها لهم سوى عِلمهم أو الإقرار أو البيِّنة العادلة لديهم.

 

وبالجملة: فالناظر في المظالم يَمتاز عن القضاة بوُجوهٍ كثيرة[38]، إذا تقرَّر هذا فاعلم أشرق الله قلبك بأنوار اليقين، ونظمك في سِلك عباده المتقين - أنَّه يُشتَرط في الناظر في المظالم [47/أ]:

أنْ يكون جليلَ القدر، نافذَ الأمر، عظيمَ الهيبة، ظاهرَ العفَّة، قليلَ الطمع، كثيرَ الورَع، لا تأخُذه في الله لومةُ لائم، ولا تدنس دينه ولا عِرضه الرشوة بالقائم؛ إذ يَحتاج إلى سَطوة الولاة، وتثبُّت القُضاة، فينبغي أنْ يكون جامعة بين صفتي الفريقين [47/ب] ويكون لجلاله قدرة نافذة الأمر من الجهتين[39].

 

ويكون سهلَ الحجاب، نزه الأصحاب، وأنْ يستَكمِل مجلس نظره بخمسة أصناف، لا يستَغنِي عنهم، ولا ينتظم أمره إلا بهم:

الصنف الأول: الحماة والأعوان والكماة والشجعان؛ لجذب القوي [48/أ] وتقويم الجريء.

 

الصنف الثاني: القُضاة لاستعلام ما يثبت عندهم من حُقوق الأنام، ولمعرفة ما يجري في مجالسهم من الوقائع بين الأخصام.

 

والصنف الثالث: الفقهاء ليرجع إليهم فيما أشكل، ويسأل منهم عمَّا أبهم وأعضل.

 

والصنف الرابع: [48/ب] الكُتَّاب ليكتبوا ما جرى بين الخصوم في مجلس المخاصمة، وما تُوجَّه لهم أو عليهم من الحقوق اللازمة.

 

والصنف الخامس: الشهود ليشهدهم على ما أوجبه من حقٍّ واجب أو أمْضاه من حكم لازب[40].

 

فإذا استكمل مجلس المظالم بما ذكرناه من هذه [49/أ] الأصناف الخمسة شرع حينئذٍ في نظره.

 

والمواضع التي ينظر فيها ويحكمها عشرة:

الأول منها: النظر في تَعدِّي الولاة على الرعيَّة، وأخْذهم بالعُنف والعُدول عن سِيرة العدل المرعيَّة، فيكون لِمَسيرهم متصفحًا، ولأحكامهم متعرفًا، ولأمورهم مستطلعًا [49/ب] وعن أحوالهم مستكشفًا؛ ليُقوِّيهم إنْ أنصفوا، ويكفهم إنْ عسفوا، ويستبدل بهم إذا هم بالعدل لم يتَّصفوا، حُكِي أنَّ عمر بن عبدالعزيز - رضِي الله عنه - خطب الناس في أوَّل خِلافته خطبةً أعرَبَ فيها عن قيامه في الله ومعدلته فقال:

[50/أ] أيُّها الناس، أوصيكم بتقوى الله؛ فإنَّه لا يقبل غيرَها، ولا يرحم إلا أهلَها، وقد كان قومٌ من الولاة منعوا الحقَّ حتى اشتُرِي منهم شراءً، وبذلوا الباطل حتى افتُدِي منهم فداءً، والله لولا سنَّةٌ من الحق أُمِيتَتْ فأحييتُها، وسنَّة من الباطل أُحيِيت فأمتُّها ما باليتُ [50/ب] أنْ أعيش فَواقًا[41] واحدًا، فالسعيد منكم مَن يحوي رشدًا، أصلِحوا آخِرتكم يصلح لكم دُنياكم، إنَّ امرأً ليس بينه وبين آدم إلا ميت لمغرق في الموتى، وعن قريبٍ بكأس المنية يُؤتَى، كل امرئٍ مصبح أهله، والموت أدنى من شِراك نعله.

 

الثاني: النظَر [51/أ] في جور العمَّال فيما يجبُّونه من الأموال، فيرجع فيه إلى القَوانين العادِلة في دَواوين الأئمَّة، فيحمل الناس عليها ويأخُذ العمال بها ويَقُودهم إليها، وينظر فيما استَزادوه، فإنْ رفَعُوه إلى بيت المال أمَر بردِّه على أصحابه، وإنْ أخَذُوه لأنفُسهم استرجعه منهم لأربابه [51/ب].

 

حُكِي عن المهدي - رحمه الله - أنَّه جلس يومًا للنظَر في مظالم العباد، فرفعت إليه قصص في الكسور فسأل عن ذلك تحرِّيًا للرَّشاد، فقال له سليمان بن وهب: كان عمر بن الخطاب - رضي الله عنه - قسط الخراج على أهل السواد وعلى ما فتح من نَواحِي المشرق والمغرب وريا [52/أ] وعينا بالاجتهاد، وكانت الدراهم والدنانير مضروبةً على وزن كسرى وقيصر في غالب الأرض، وكان أهل البلاد يُؤدُّون فيما في أيديهم من المال عددًا، ولا ينظُرون في فضل بعض الأوزان على بعض، ثم فسد الناس فصاروا يُؤدُّون من الخراج [52/ب] المال الدراهم الطبريَّة؛ وهي أربعة دوانيق، ويمسكون الدرهم الوافي الذي وزنه مثقال، فلمَّا ولي زياد العراق طالب بأداء الوافي، وألزمهم الكسور، وجار في ذلك في زمن بني أمية العمَّالُ إلى أنْ ولي عبدالملك بن مروان فنظر بين الوزنين في نقص كلاهما وكماله [53/أ] وقدَّر الدرهم على نصف وخمس من المثقال، وترك المثقال على حاله، ثم أنَّ الحجاج أعادَ المطالبة بالكسور حتى أسقطها عمر بن عبدالعزيز - رضِي الله عنه - وأعادَها من بعده إلى زمن المنصور، إلى أنْ حزب السواد بذلك الظلم فأراد المنصور عمارة البلاد [53/ب] فأزال الخراج عن الحِنطة والشعير ورقًا، وصيَّره مقاسمة، وهما أكثر السواد، وبقي اليسير من الحبوب والنحل على رسم الخراج المعتاد، وهو ذا يُلزِمهم الآن المؤمن، فتأمَّل المهدي - رحمه الله - مقالةَ سليمان وتدبَّر وقال: مَعاذَ الله أنْ ألزم الناس ظلمًا تقدَّم العمل به [54/أ] أو تأخَّر، أسقطوه عن الناس؛ فالعدل أقوم.

 

فقال الحسن بن مخلد: إنْ أسقط أمير المؤمنين هذا ذهب من أموال السلطان اثنا عشر ألف ألف درهم، فقال المهدي - رحمه الله - مقالة عدل في المقال: عليَّ أنْ أقيم حقًّا، وأزيل ظلمًا، وإنْ أجحف بيت المال.

 

[54/ب] الثالث: النظر في كُتَّاب الدواوين والإحاطة بأحوالهم؛ لأنهم أُمَناء المسلمين على ثبوت أموالهم فيما يستوفونه منهم ويوفرونه لهم من الحقوق في الحال والمال، فيتصفَّح ما وكل إليهم تدبيرُه من الأعمال؛ فإنْ وجدهم نقدوا الحق في دخل [55/أ] أو خرج إلى زيادة أو نقصان في تفصيل أو أجمال أعادَه إلى قوانينه العادلة، واستعمل السياسة معهم في المقابلة على تجاوُزه ودعا للعمال.

 

حُكِي أنَّ المنصور - رحمه الله - بلَغه أنَّ جماعة من كتاب ديوانه زوَّروا فيه وغيَّروا، فأمر بإحضارهم إليه [55/ب] وتقدَّم بتأديبهم فقال شابٌّ منهم وهو يضرب بين يديه:

أَطَالَ اللهُ عُمْرَكَ فِي صَلاَحٍ
وَعِزٍّ يَا أَمِيرَ المُؤْمِنِينَا
بِعَفْوِكَ أَسْتَجِيرُ فَإِنْ تُجَازَى
فَإِنَّكَ عِصْمَةٌ لِلْعَالَمِينَا
وَنَحْنُ الكَاتِبُونَ وَقَدْ أَسَأْنَا
فَهَبْنَا [56/أ] لِلْكِرَامِ الْكَاتِبِينَا

 

فأمَر بتخليتهم، وأطلَق الفتى، ورضي عليه ووصَلَه بأنعامه وأحسن إليه؛ لأنَّه ظهرتْ فيه الإنابة، ولاحَتْ له منه النجابة[42].

 

وهذه الأقسام الثلاثة لا يحتاج الناظِر في المظالم في تصفُّحها إلى متظلِّم [56/ب] من ظالم.

 

الرابع: النظر في تظلُّم المسترزقة من بيت المال من الأجناد والعلماء والقضاة وغيرهم من نقص أرزاقهم، وتأخيرها عنهم، أو إجحاف النظَّار بهم، فيرجع إلى دِيوانه في فرض العطاء العادل فيجريهم عليه من غير إهمال.

 

[57/أ] وينظُر فيما نقصوه أو منعوه، فإنْ أخَذَه ولاة أمورهم استرجعه لهم.

 

وإنْ لم يَأخُذوه قَضاهم إياه من بيت المال في الحال.

 

كتب بعض ولاة الأجناد إلى المأمون - رحمه الله -: إنَّ الجند قد شغبوا ونهبوا وساءَتْ أخلاقهم.

 

فكتب إليه المأمون: لو [57/ب] عدلت لم يشغبوا، ولو قويت لم ينهبوا، وعزله عنهم، وزاد أرزاقهم[43].

 

الخامس: النظر في ردِّ الغصوب.

وهي ضربان:

غصوب سلطانية: قد تغلَّب عليها ولاة الجور والعدوان؛ كالأملاك المقبوضة من أربابها لرغبةٍ فيها، وتُعاد على أصحابها، فالناظر في [58/أ] المظالم إنْ عَلِمَ بها قبل التظلُّم إليه أمَر بردِّها، وأنْ لم يعلم بها فهو موقوفٌ على تظلُّم أهلها.

 

ويجوز أنْ يرجع عند تظلُّمهم إلى ديوان السلطنة، فإنْ وجد فيه ذكر قبضها على ملاكها عمل به وأمر بردِّها إليه، ولم يحتجْ فيه إلى بيِّنة تشهد به، وكان [58/ب] ما وجد في الديوان كافيًا يعتمد عليه[44].

 

حُكِي عن عمر بن عبدالعزيز[45] - رضِي الله عنه - أنَّه ظهر يومًا إلى الصلاة بعد الزَّوال فصادَفَه رجل ورد من اليمين متظلمًا فقال:

تَدْعُونَ حَيْرَانَ مَظْلُومًا بِبَابِكُمُ
فَقَدْ أَتَاكَ بَعِيدُ الدَّارِ مَظْلُومَا

 

[59/أ] فقال: وما ظلامتك، فقال: غصبني الوليد بن عبدالملك ضيعتي بيد العدوان.

 

فقال: يا مزاحم، أتاني بدفتر الصوافي، فوجد فيه: أضفى عبدالله الوليد بن عبدالملك ضيعة فلان.

 

قال لكاتبه: أخرجها من الدفتر، وأحسِن صلته.

 

[59/ب] وكتب برَدِّها إليه وأطلق له ضعف نفقته[46].

 

والضرب الثاني:

غصوب تغلَّب عليها ذوو الأيدي القويَّة، وتصرَّفوا فيها تصرُّف الملاك بالجور والغلَبَة والقهريَّة.

 

ورد هذا موقوفٌ على تظلُّم أربابه ممَّن غصبه بالجور والفجور، ولا [60/أ] ينتزع من أيدي غصابه إلا بأحد أربعة أمور:

• إمَّا باعتراف الغاصب له بإقراره، وإمَّا بعِلم الناظر في المظالم ومعرفته بأخباره، فيجوزُ له أنْ يحكم بعلمه واستبصاره.

 

• وإمَّا بيِّنة تشهد على الغاصب بغصبه، وتشهد للمغضوب منه بملكه دون [60/ب] الناس.

 

• وإمَّا بتظاهُر الأخبار التي ينتفي عنها التواطؤ ولا يختلج فيها الشكوك والالتباس؛ لأنَّه لَمَّا جاز للشهود أنْ يشهَدُوا في الأملاك بتظاهُر الأخبار كان حُكم الناظر في المظالم بذلك أحق وأحرى عند أولي الأبصار[47].

 

السادس: النظر في [61/أ] مشارفة الأوقاف؛ فإنْ كانت عامة يبتدئ بتصفحها ليُجرِّبها على سبيلها، ويمضيها على شروط واقفها إذا عرفها:

• إمَّا من دواوين الحكَّام والمنتدبين لحِراسة الأحكام.

 

• وإمَّا من دواوين السلطنة على ما جرَى فيها المعاملة المقرَّرة، أو ثبت لها من ذكرٍ [61/ب] وتسميةٍ مُعتَبرة.

 

• وإمَّا من كتبٍ فيها قديمة يقَع في النفس صحَّتها، ويقضى العمل باعتبارها عند رُؤيتها[48].

 

وإنْ كانت خاصَّة فيتوقَّف نظره فيها على تظلُّم أهلها عند التنازُع فيها؛ لكونها وَقْفًا على خُصوم متعينين للخِصام.

 

ويعمل عند التشاجُر [62/أ] فيها على ما يثبت به الحقوق عند القُضاة الأعلام، ولا يجوزُ أنْ يرجع فيها إلى ديوان السلطنة كما يفعل في الوقف العام، ولا إلى ما ثبت من ذكرٍ في الكتب إذا لم يشهد بها شهود معدلون عند الحكام.

 

السابع: النظر في تنفيذ ما توقَّف من أحكام [62/ب] القُضاة لضعفهم عن إنفاذه، وعَجزِهم عن المحكوم عليه؛ لعُلوِّ قدره، وعظم خطره، وقوَّة يده، وتفرُّده وامتناعه.

 

ويكون الناظر في المظالم أقوى يدًا، وأنفذ أمرًا؛ فينفذ الحكم بسَطوته، بل على مَن تَوجَّه إليه بانتزاع حقِّ الغير من يده أو بإلزامه [63/أ] بالخروج ممَّا في ذمَّته.

 

الثامن: النظَر فيما عجز عنه الناظِرون في الحِسبة من المصالح العامَّة، والمنافع الشاملة، والحِسابات التامَّة؛ كالمجاهرة بمنكر ضعُف المحتسب عن دفْعه والتعدِّي في الطريق من مُتعدٍّ عجز عن منعه، والتسطِّي في حقِّ مَن لم [63/ب] يقدر على ردعه، فيأخذهم بحق الله - تعالى - في جميعها من غير إهمالٍ، ويأمر بحمْلهم على واجباته.

 

التاسع: النظر في مُراعاة العبادات الظاهرة؛ كالجُمَع والأعياد والحج والجهاد، من تقصير فيها أو إخلال بشروطها الواجبة [64/أ] على العباد، فحقوق الله - تعالى - أولى أنْ تستوفى، وفروضُه أحق أنْ تُؤدَّى كما أراد.

 

العاشر: النظر بين المتشاجرين والحكم بين المتنازعين، ولا يخرج عن موجب الحق ومُقتضاه، ولا يسوغ له أنْ يحكُم بينهم بما لا يحكم به الحكام والقُضاة، لكنْ للناظر [64/ب] في المظالم حسب ما يقترن بالدعوى ممَّا يُقوِّيها أو يضعفها وبحسب تجرُّدها عن أمور سياسة ليس للقاضي أنْ يُباشِرها ويصرفها.

 

والأمور المقوِّية للدعوى المقتضية لإرهاب المدَّعَى عليه ستة أمور:

أحدها: أنْ يكون مع المدَّعِي كتابٌ فيه [65/أ] شهود عدول حضور يشهدون بصحَّة دَعواه، فالذي يختصُّ به نظر الناظر في المظالم شيئان:

أحدهما: أنْ يبتدئ باستدعاء الشهود للشهادة ليسأل منهم عمَّا عندهم في تنازُع الخصوم من الحق المستبان، وعادة القضاة تكليف المدَّعِي بإحضار [65/ب] بيِّنته، ولا يسمعوا لها إلا بعد مسألته.

 

وثانيهما: إنكار على الجاحد بحسب حاله في الوَجاهة والدِّيانة وعدمها عند الاستنصار، وبحسب شواهد أحواله عن أمارات بُطلان الإنكار وعدمها عند الاستنصار، فإذا أحضر الشهود [66/أ] فإنْ كان كلٌّ من المتنازعين جليلَ القدر عظيمَ الشأن من أبناء جِنسه باشَر الناظر في المظالم في ذلك على ما تقتضيه السياسة بنفسه، وألا يردُّ النظر إلى قاضِيهِ بمحضرٍ منه، إنْ كان مُتوسِّطين أو على بُعدٍ منه إن كان خاملين[49].

 

حُكِيَ أنَّ المأمون [66/ب] كان يجلس للمظالم يوم الأحد، فنهض ذاتَ يومٍ من مجلس نظره، والشمس قد زالت، فتلقَّتْه امرأةٌ في ثياب رثَّة وقالت:

يَا خَيْرَ مُنْتَصِفٍ يَهْدَى لَهُ الرَّشَدُ
وَيَا إِمَامًا بِهِ قَدْ أَشْرَقَ البَلَدُ
تَشْكُو إِلَيْهِ حَفِيدَ المُلْكِ أَرْمَلَةٌ
عَدَا عَلَيْهَا فَمَا تَقْوَى بِهِ أَسَدُ
فَابْتَزَّ مِنْهَا ضِيَاعًا بَعْدَ مَنْعَتِهَا
لَمَّا تَفَرَّقَ عَنْهَا الأَهْلُ وَالوَلَدُ

 

فأطرَقَ المأمون مفكرًا في مقالتها، ثم رفع رأسه وقال مجيبًا لها:

مِنْ دُونِ مَا قُلْتِ زَالَ الصَّبْرُ وَالجَلَدُ
وَأَقْرَحَ القَلْبَ هَذَا الحُزْنُ وَالكَمَدُ
هَذَا أَوَانُ صَلاَةِ الظُّهْرِ فَانْصَرِفِي
وَأَحْضِرِي الخَصْمَ فِي اليَوْمِ الَّذِي أَعِدُ
المَجْلِسُ السَّبْتُ إِنْ يُقْضَ الجُلُوسُ لَنَا
أُنْصِفْكِ مِنْهُ وَإِلاَّ المَجْلِسُ الأَحَدُ[50]

 

فانصرفت وحضرت يوم الأحد أوَّل الناس، فوقفت في مجلس المتظلِّمين، فقال لها المأمون: مَن خصمك؟ فقالت: [68/أ] القائم على رأسك العباس بن أمير المؤمنين، فقال المأمون لقاضيه يحيى بن أكثم: أجلِسْها معه وانظُر بينهما، فأُجلِستْ معه والمأمون ينظُر إليها فجعل كلامها يعلو، فزجرها بعض الحجَّاب، فقال المأمون: دعْها؛ فإنَّ الحق أنطقها والباطل أخرسه، وأمر [68/ب] بردِّ ضِياعها إليها.

 

ففعل المأمون في النظر بينهما ما تقتضيه السياسة؛ حيث كان بمحضر منه ولم يباشر بنفسه؛ لأنَّ الخصم امرأة يجلُّ المأمون عن محاورتها، وابنه من جَلالة القدر بمكان لا يقدر غيره على إلزامه الحق وإحراجه عنه، فردَّ النظر [69/أ] بمحضرٍ منه إلى مَن كفاه محاورة المرأة في استيضاح الدعوى والحجَّة، وباشَر بنفسه تنفيذَ الحكم وإلزام ابنه الحقَّ وسلوك المحجَّة[51].

 

الثاني: من مُقوِّيات الدعوى أنْ يقترن بها كتابٌ يدلُّ على صحَّتها فيه شهود معدولون غائبون عن المخاضعة [69/أ] فالذي يختصُّ بالناظر في المظالم هنا أربعة أشياء يعتمدها حين المحاكمة:

أحدها: إرهاب المدَّعَى عليه، فربما تعجَّل بقوَّة الهيبة من إقراره ما يُغنِي عن سَماع البيِّنة عند إنكاره.

 

وثانيها: التقدُّم بإحضار الشهود إذا عرف مكانهم ولم يدخل الضرر [70/أ] الشاق عليهم عند إحضارهم.

 

وثالثها: الأمر بملازمة المدَّعَى عليه ثلاثة أيام، ويجتهد رأيه في الزيادة عليها بحسب الحال من قوَّة الأمارة ودلائل الصحَّة والإلزام.

 

ورابعها: أنْ ينظُر في الدعوى بتَصوُّره الجميل، فإنْ كانت مالاً في الذمَّة كلَّفَه [70/ب] إقامة الكفيل، وإنْ كانت عينًا قائمةً كالعقار حجر عليه فيها، ولا يرفع حكم يده عنها، بل يرد استغلالها إلى أمينٍ يحفظه على مُستحقِّيه منها.

 

فإنْ تطاوَلتْ مُدَّة إحضار الشهود ووقَع اليأس من إحضارهم، اعتمد الناظر في المظالم هنالك سؤال المدَّعَى [71/أ] عليه عن سبب دخوله في يده، وإنْ لم يرَ أبو حنيفة والشافعي ذلك.

 

إذ للناظر في المظالم استعمالُ الجائز، ولا يلزمه الاقتصار على الواجب كما يلزم ذلك القُضاة، فإنْ أجاب بما يقطع المنازعة أمضاه، وإلا فصَل بينهما بموجب الشرع ومُقتضاه[52].

 

[72/أ] الثالث من مُقوِّيات الدعوى: أنْ يكون في الكتاب المقترن بها شهود حضور، لكنَّهم غير معدلين، فالذي يختصُّ به الناظر في المظالم أنْ يتقدَّم فيها بإحضار الشهود، فإنْ كانوا من ذوي الهيئات وأهل الصيانة [73/أ] فالثقة بشهادتهم أقوى، وإنْ كانوا بعد الكشف عن أحوالهم أراذل فلا يُعوَّل عليهم؛ بل يقوى إرهاب الخصم بهم حين الدعوى، وإنْ كانوا أوساطًا فيجوز له أنْ يستظهر بتحليفهم إنْ رآه قبل الشهادة أو بعدها، ثم هو في سماع شهادة الصنفين [73/ب] الآخرين في ثلاثة أمور:

• إمَّا أنْ يسمعها بنفسه فيحكم بها، وأمَّا أنْ يردَّ إلى القاضي سماعها ليُؤدِّيها القاضي إليه، ويكون الحكم فيها موقوفًا عليه؛ لأنَّ القاضي لا يحكم إلا بشهادة مَن يثبت عدالته لدَيْه.

 

• وإمَّا أنْ تردَّ سماعها إلى الشهود المعدلين فإنْ ردَّ إليهم نقل شهادة [74/أ] أولئك إليه لم يلزم استكشاف أحوالهم وتطلبها، وإن ردَّ إليهم الشهادة عنده بما يصحُّ من شهادتهم لَزِمَهم الكشف عمَّا يقتضي قبول شهادتهم ليشهدوا بها بعد العلم بصحَّتها ليكون تنفيذ الحكم بحسبها.

 

الرابع من مُقوِّيات الدعوى: [74/ب] أنْ يكون في الكتاب المقترن بها شهود معدلون غير أحياء، فالذي يختصُّ بنظر الناظر في المظالم ها هنا ثلاثة أشياء:

أحدها: إرهاب المدَّعَى عليه بما يضطره إلى الصدق والاعتراف بالحق.

 

وثانيها: سؤاله عن سبب دخوله يده لجواز أنْ يجيب بما [75/أ] يتَّضِح به الحق ويعرف به المحق.

 

وثالثها: سؤاله من جِيران المتنازع فيه والمتنازعين عن المتنازع فيه ليتوصَّل بهم إلى الكشف عن الحال ووُضوح الحق ومعرفة المحق والصدق، فإنْ لم يصلْ إلى الحق بواحدٍ من هذه الثلاثة ردَّها إلى وساطة عظيم القدر مُطاع [75/ب] عالم بالمصالح، له بهما بمعرفة وبما يتنازعان فيه خبرة؛ ليضطرَّهما بطول المدَّة وكثرة التردُّد الصادق والتصالح.

 

والخامس: من مقويات الدعوى: أنْ يكون مع المدَّعِي خط المدَّعَى عليه بما تضمَّنته الدعوى فنظر المظالم فيه يقتضي سؤال المدَّعَى عليه [76/أ] عن الخط الذي أحضَرَه المدَّعِي عند الشكوى بأنْ يُقال: هذا خطُّك، فإنِ اعترف به يسأل بعد اعترافه عن صحَّة ما تضمَّنه فإنِ اعتَرَف بصحَّته صارَ مُقِرًّا وألزم حكم إقراره، وإنْ لم يعترف بصحَّته فمَن ولاَّه النظر في المظالم من حكم عليه إذا اعترف [76/ب] بأنَّه خطُّه، وأنْ يعترف بصحَّته واعتباره، وجعل ذلك من شواهد الحقوق اعتبارًا للعُرف والذي عليه مُحقِّقوهم وما يَراه جميع الفقهاء الأعلام أنَّه لا يجوز للناظر منهم أنْ يحكم بمجرَّد الخط حتى يعترف بصحَّة ما فيه؛ إذ نظر المظالم لا يُبِيح ما حظره الشرع [77/أ] من الأحكام، وللنظر في المظالم في هذه الصورة أنْ يرجع إلى ما ذكر في خطِّه، فإنْ قال: كتبتُه ليقرضني وما أعطاني القدر الذي استقرضه أو ليدفع إليَّ ثمن ما بعت له ولم يدفع لي ثمن الذي بعته، فهذا بما يفعل الناس أحيانًا، ونظر المظالم أنْ يستعمل [77/ب] الناظر في المظالم فيه من زواجر الإرهاب والردع يشهد به الحال وتقوى به الأمارة، ثم يرده إلى الوساطة، فإنْ أفضَتْ إلى الصلح تم المقصود، وإلا بتَّ القاضي الحكم بينهما على مقتضى الشرع، وإنْ أنكر المدَّعَى عليه الخطَّ فمَن ولاه النظر [78/أ] في المظالم مَن يختبر الخط بخطوطه التي كتَبَها، ويُكلِّفه من كثْرة الكتابة ما يمنعه من التصنُّع فيها، ويجمع بين الخطين فإنْ لم يَتغايَرا وتشابها حكم به عليه؛ عملاً بقول مَن يجعل الاعترافَ بالخط مُوجِبًا للحُكم عليه، والذي عليه المحقِّقون منهم أنْ يفعل [78/ب] ذلك لا يكون للحكم بل لتوجه الإرهاب إليه، وتكون الشبهة مع إنكاره للخطِّ أضعف منها مع اعتِراف به، وترتَفِع إن كان الخط متباينَ الأوضاع ويرهب المدَّعِي عند تبايُن الخط، ثم يرد والمدَّعَى عليه إلى الوساطة، فإنْ أفضت [79/أ] إلى الصلح تَمَّ المقصود، وإلا بتَّ القاضي الحكم بينهما بما يقتضيه الشرع وقطع النزاع.

 

والسادس من مُقوِّيات الدعوى: إظهار الحِساب بما تضمَّنته الدعوى، وهذا يكونُ في المعاملات بلا ارتياب، فإنْ كان الحساب المدَّعِي فالشبهة فيه أضعف [79/ب] ونظر المظالم فيه أنْ يرعى نظم الحساب، فإنْ كان مختلاًّ يحتمل فيه الإدخال، فذلك لضعف الدعوى أشبه منه بقوَّتها عند الاعتبار، وإنْ كان نظمه صحيحًا منسقًا فالثقة به أقوى، فيقتضي من الإرهاب بحسب شواهده، ثم يردان إلى الواسطة [80/أ] ثم يلي الحكم الثابت بِمُقتَضى الشريعة الشريفة المقدار.

 

وإنْ كان الحساب للمدَّعَى عليه كانت الدعوى به أقوى، ثم ذلك الحساب إنْ كان منسوبًا إلى خطِّ المدَّعَى عليه فالناظر المظالم فيه أنْ يسأل من المدَّعَى عليه أهو خطك ليُحِيط علمًا بما بيدَيْه [80/ب] فإنِ اعترف به يقولُ له: أتعلَم ما فيه؟ فإنْ أقرَّ بمعرفته يقولُ له: أتعلم ما فيه؟ فإنْ أقرَّ يقول له: أتعلم صحَّته؟ فإنْ أقرَّ بصحَّته صار بهذه الثلاثة مقرًّا بمضمون الحساب؛ فيُؤخَذ بما فيه.

 

وإنْ لم يعترف بصحَّته فمَن حكَم بالخط من ولاة النظر في المظالم يحكُم عليه [81/أ] بموجب حسابه، وإنْ لم يعترف بصحَّته فالذي عليه المحقِّقون منهم وهو قول الفقهاء أنَّه لا يحكم عليه بالحساب الذي اعترف بصحَّة ما فيه، لكن يقتضى من فضل الإرهاب به أكثر ممَّا اقتضاه الخط المرسل من زواجر رهبته.

 

ثم يردان إلى الواسطة [81/ب] ثم إلى بتِّ القُضاة الأعلام، وإنْ كان ذلك الخط منسوبًا إلى كاتبٍ سُئِل المدَّعَى عليه، فإنِ اعترف به أخذ به وتوجه الإلزام، وإنْ أنكره أرهب فإنِ اعترف به وبصحَّة ما فيه صار شهادةً على المدَّعَى عليه، فيحكم عليه بشهادة [82/أ] كاتبه إنْ كان عدلاً مرضيًّا، ويقضي بالشاهد واليمين مذهبًا إنْ كان شافعيًّا، وسياسةً إنْ كان حنفيًّا، ويشهد بما تقضتيه شواهد الحال؛ فإنَّ لها في المظالم تأثيرًا في اختلاف الأحكام، ولكل حال منها حدٌّ في الإرهاب لا يجوز أنْ يجاوز [82/ب] عنه تمييزًا بين الأحوال بما يقتضيه شُروطها في حالتي النقض والإبرام، وأمَّا الأمور المُضعِفة للدعوى المقتضية لإرهاب المدَّعِي فهي أيضًا ستَّة أمور:

الأول منها: أنْ يكون مع المدَّعَى عليه كتاب فيه شُهود معدَّلون حضور [83/أ] يشهَدون بما يُوجِب بُطلان الدعوى بأنْ يشهدوا عليه بأحقيَّته للمدَّعَى عليه ما ادَّعى به، أو يشهدون على إقرار المدَّعِي بأنَّه لا حقَّ له فيما ادَّعاه أو على إقرار أبيه الذي ذكر انتقال الملك عنه إليه، على أنَّه لا حقَّ له فيما ادَّعاه أو يشهدوا [83/ب] للمُدَّعَى عليه بأنَّه مالك جائز لما ادَّعاه عليه فتبطل بهذه الشهادة دَعواه، ويقتَضِي نظرُ المظالم تأديبه بحسب حاله، فإنْ ذكر أنَّ الشهادة عليه بالابتِياع كانت على سبيل الرَّهن والإلجاء، فهذا ما يفعله الناس أحيانًا فينظر في كتاب الابتياع [84/أ] فإنْ ذكر فيه أنَّه غير رهن ولا إلجاء ضعفت شُبهة هذه الدَّعوى بلا امتراء، وإنْ لم يذكر فيه قويتْ شُبهة هذه الدعوى، وكان الإرهاب في الجهتين بمقتضى شواهد الحالين، فيرجع إلى الكشف بالمجاورين والخلطاء، فإنْ بان ما يوجب العدول عن ظاهر [84/ب] الكتاب عمل عليه، وإن لم يبين كان إمضاء الحكم بما يشهد به شهود الابتياع أحق وأولى عند العلماء، فإنْ سأل المدَّعَى عليه إحلاف المدَّعِي بأنَّ الابتِياع المدَّعِي به كان حقًّا عليه، ولم يكن على سبيل الرهن والإلجاء، فقد اختلف في جَواز إحلافه الأئمَّة [85/أ] الفقهاء؛ فمنهم مَن أجاز ذلك لاحتمال ما ادَّعاه وإمكانه، وامتنع آخرون من أصحاب الإمام الشافعي - رضي الله عنه - عن إحلافه؛ لأنَّ إقراره المتقدِّم يُخالِف دَعواه المتأخِّرة ولوالي النظر في المظالم أنْ يعمل من القولين بما تقتَضِيه شواهد الحالين، وهكذا [85/ب] لو كانت الدعوى دنيا في الذمَّة وأظهر المدَّعَى عليه كتاب براة منه معتبرة، فذكر المدَّعِي أنه أشهد عليه قبل القبض ولم يقبض كان إحلاف المدَّعَى عليه على ما تقدم ذكره.

 

والثاني من مضعفات الدعوى: أنْ يكون شهود الكتاب المبطل للدعوى [86/أ] عدولاً غائبين فحينئذٍ لا يخلو الأمر، أمَّا أنْ يكون إنكار المدَّعَى عليه متضمنًا الاعترافَ بسبب دُخول ما ادَّعى عليه في يده المتأملين أو لم يكن مُتضمِّنًا الاعترافَ بذلك السبب.

 

فالأول: مثل أنْ يقول المدَّعَى عليه: لا حق للمدَّعِي في هذه الضيعة [86/ب] التي ابتعتها منه ودفعت ثمنها إليه وهذا كتاب عهدتي بالإشهاد عليه.

 

والثاني: مثل أنْ يقول: هذه الضيعة لي، لا حق فيها للمدَّعِي.

 

• ففي الأول يصيرُ المدَّعَى عليه مدعيًا بكتابٍ قد غابَ شهوده، فيكون على ما مضى وله زيادة يد وتصرف وتكون [87/أ] الأمارة أقوى وشواهد الحال أظهر، وإنْ لم تثبت بها ملك، وللناظر في المظالم أنْ يرهبهما بحسب ما تقتضيه شواهد أحوالهما ويوجه إليهما وعيدَه، ويأمر بإحضار الشهود إنْ أمكن، ويضرب لحضورهم أجلاً ويردهما فيه إلى الواسطة [87/ب] فإنْ أفضَتْ إلى صُلحٍ عن تَراضٍ تقوَّ المطلوب عند الخصومات، ويعدل عن سَماع الشهادة إذا حضرت، وإنْ لم يلتزما بينهما صلحًا أمعن في الكشف باستعمال ثلاثة أمور يفعل منها ما يختارُه ويُؤدِّي إليه اجتهاده بحسب الأمارات [88/أ] فأمَّا انتزاع الضيعة من يد المدَّعَى عليه وتسليمها إلى المدَّعي إلى أنْ تقومَ البينة عليه بطريقه، وإمَّا يسلمها إلى أمينٍ تكون يده ويحفظ استغلالها على مُستحقِّيه وإمَّا يقرها في يد المدَّعَى عليه، ويحجز عليه فيها ويتولاها أمينًا يحفظ استغلالها عن الضياع، هذا [88/ب] إذا كان الناظر راجيًا ظهورَ الحق بالكشف أو حُضور الشهود للأداء، وأمَّا إذا كان آيسًا منه بتَّ الحكم بينهما وقطع النزاع، فلو سأل المدَّعَى عليه إحلافَ المدَّعِي أحلفه له إنْ كان ذلك بتًّا للحكم بينهما على الوجه المدَّعَى.

 

• وأمَّا في الثاني: [89/أ] وهو ألاَّ يكون إنكار المدَّعَى عليه متضمنًا لسبب الدخول في يده مثلما يقول: هذه الضيعة لي حقٌّ فيها لهذا المدَّعِي، وتكون شهادة الكتاب على المدَّعَى عليه إمَّا على إقراره بأن لا حق له فيها، وإمَّا بإنشاء ملك للمدَّعَى عليه، فعلى الناظر في المظالم أنْ يقرَّ [89/ب] الضيعة في يد المدَّعَى عليه، ولا ينتزعها منه ويحويها، فأمَّا الحجز عليه فيها وحِفظ استغلالها مدَّةَ الكشف المُعتَبر بشواهد أحواليهما فإلى اجتهاد الناظر في المظالم فيما يراه فيها منهما إلى أنْ يثبت الحكم بينهما.

 

الثالث من مضعفات الدعوى: [90/أ] أنْ يكون شهود الكتاب المبطل للدعوى حضورًا غير معدلين، فيراعي الناظر في المظالم فيهم ما قدَّمناه جنبه المدَّعِي والمدَّعَى عليه من أحوالهم الثلاثة من غير إهمال، ويراعى حال إنكار المدَّعَى عليه هل يتضمَّن الاعترافَ بالسبب أم لا، فيعمل [90/ب] في ذلك بما قدَّمناه؛ تعويلاً على اجتهاد رأيه في شواهد الأحوال.

 

الرابع من مضعفات الدعوى: أنْ تكون شهود الكتاب المبطل للدعوى معدلون موتى، فليس يتعلَّق به حكمٌ أصلاً إلا في الإرهاب المجرَّد الذي يقتَضِي فصْل الكشف، ثم يعمل في بتِّ الحكم [91/أ] على ما تضمَّنَه الإنكار من الاعتراف بالسبب وعدمه ليكون الحكم فصلاً.

 

الخامس من مضعفات الدعوى: أنْ يُظهِر المدَّعَى عليه ما يوجب إكذابه في الدعوى، فيعمل فيه بما قدَّمناه في الخطوط، ويكون الإرهاب به معتبرًا بشاهد الحال [91/ب] وما تقتضيه التقوى.

 

السادس من مضعفات الدعوى: أنْ يظهر في الدعوى حساب يقتضي بُطلانها، فيعمل فيه بما قدمناه في الخطوط مع اعتماد الضوابط ومراعاتها، ويكون الإرهاب والكشف والمطاولة معتبرًا بشواهد الحال، ثم يبتُّ الحكم [92/أ] بعد الإياس؛ قطعًا للتنازُع.

 

وحال التجرُّد عن مضعفات الدعوى ومقوياتها فالذي يقتضي نظر المظالم فيها هو مُراعاة حال المتنازعين في غلبة الظنِّ في جنبه المدَّعِي أو المدَّعَى عليه أو من استوائهما فيه، فغلبة الظن في إحدى الجهتين إنما يُؤثِّر في إرهابهما [92/ب] والكشف عن حالهما، وليس لفصل الحكم بينهما تأثير لغلبة الظن، فإنْ كان عليه الظن في جنبة المدَّعي والريبة في جنب المدَّعَى عليه عند الحكم بينهما، فذلك يكون على ثلاثة أوجه:

أحدها: أنْ يكون المدَّعِي مع خلوِّه من حجَّة يظهرها ضعيف الحال مستلان الجنبة [93/أ] والمدَّعَى عليه ذا بأسٍ وقُدرة مشتهرة، فإذا ادَّعى عليه غَصْبَ دار أو ضيعة غلب في الظن أنَّ مثله مع لينه واستضعافه لا يتجوز في دعواه على مَن كان ذا بأس وذا سطوة ومقدرة.

 

وثانيها: أنْ يكون المدَّعِي مشهورًا بالصدق والأمانة [93/ب] والمدَّعَى عليه معروفًا بالكذب والخيانة، فيغلب على الظن صدْق المدَّعِي في دعواه واعتماد خوفه فيما خاصَم فيه وتَقواه.

 

وثالثها: أنْ تتساوى أحوالهما غير أنَّه قد عُرِفَ للمدَّعِي يدٌ متقدِّمة، وليس يعرف لدُخول يد المدَّعَى عليه سبب [94/أ] حادث يُعتَمد عليه، فالذي يقتضيه نظرُ الناظر في المظالم في هذه الأحوال الثلاثة.

 

شيئان: إرهاب المدَّعَى عليه لتوجه الريبة إليه وسؤاله عن سبب الدخول في يده وحُدوث ملكه، فإنَّ مالكًا يرى ذلك مذهبًا في القَضاء مع الارتِياب، فكان نظر [94/ب] المظالم به أولى، وربما أنف المدَّعَى عليه لنفسه مع علوِّ منزلته عن مساواة خَصمه في المحاكمة، فينزل عمَّا في يده لخصمه عفوًا وإيثارًا لرِفعة الجناب.

 

حُكِي أنَّ أمير المؤمنين موسى الهادي جلَس يومًا لمظالم وعمارة بن حمزة قائمًا على رأسه [95/أ]، وكان ذا منزلةٍ عالية عند الهادي، فحضر رجلٌ من المتظلِّمين فادَّعى أنَّ عمارة غصب ضيعة له، فأمر الهادي عمارة بالجلوس معه للمحاكمة، فقال عمارة: يا أمير المؤمنين، إنَّ كانت الضيعة له فلا أنازعه فيها، وإنْ كانت لي فقد وهبتُها له، ولا [95/ب] أبيع موضعي من مجلس أمير المؤمنين بِمُساواتي له في المخاصمة.

 

وإنْ كانت غلبة الظن في جنبة المدَّعَى عليه فذلك أيضًا يكون من ثلاثة أوجه:

أحدها: أنْ يكون المدَّعِي مشهورًا بالظلم والخيانة، والمدَّعَى عليه معروفًا بالإنصاف والأمانة [96/أ] والصدق.

 

وثانيها: أنْ يكون المدَّعِي ديِّنًا مبتذلاً، والمدَّعَى عليه نزهًا صيِّنًا، فيطلب إحلافه قصدًا بها إيذاية بين الخلق.

 

وثالثها: أن يكون لدخول يد المدَّعَى عليه سبب معروف، وليس يُعرَف لدعوى المدَّعِي سبب، فيكون عليه الظن في هذه الأحوال الثلاثة في جنبة المدَّعَى عليه، والريبة متوجِّهة إلى المدَّعِي وفي حاصله.

 

فمذهب مالك - رحمه الله - في مثل هذه الحالة إن كانت الدعوى بعين قائمة، لم يسمعها إلا بعد ذِكر السبب الموجب لها، وإنْ كانت [96/ب] في الذمَّة لم يسمعها إلا أنْ يقسم المدَّعِي لنفسه بأنَّه كان بينه وبين المدَّعَى عليه محاكمة.

 

والشافعي وأبو حنيفة - رحمهما الله - لا يريان ذلك في حُكم القضاة، فأمَّا في نظر المظالم الموضوع على الأصلح في الفعل الجائز دون الواجب المتعين فيسوغ [97/أ] ذلك عند ظهور الريبة وقصد العنت، ويُبالِغ في الكشف بالأسباب المؤدِّية إلى ظهور الحق المبين، فإنْ وقف الأمر على التحالُف فهو غاية الحكم الذي لا يجوزُ دفع طالب عنه في نظر القضاة الأعيان، ولا في نظر المظالم إذا لم يكف عنه إرهاب [97/ب] ولا وعظ، فإن فرَّق دعاويه وأراد أنْ يحلفه في كل مجلس منها على بعضها قصدًا لإعناته وبهدلته فالذي يوجبه حكم القضاة أنَّه لا يمتنع من تبعيض الدعاوى وتفريق الأيمان، والذي ينتجه نظر المظالم أنْ يؤمر المدَّعِي بجمع دَعاوِيه المتعدِّدة [98/أ] عند ظُهور الإعنات منه وإحلاف الخصم على جميعها يمينًا واحدةً، وأمَّا إنِ اعتدلتْ حال المتنازعين وتقابَلتْ شُبهة المتشاجرين ولم يترجَّح أحدهما بأمارة ولا ظن فينبغي أنْ يساوى بينهما في العظة، وهذا ممَّا يتَّفِق عليه القضاة وولاة [98/ب] أمور النظر في المظالم، ثم يختصُّ ولاة أمور النظر في المظالم بعد العظة بالإرهاب لهما معًا لتساويهما بالكشف ما يعرف به المحق منهما عمَّا عليه المبطل الآثِم، فإنْ لم يظهر بالكشف عن أصل الدعوى وانتقال الملك فإن ظهر بالكشف ما يُفصَل به تنازعهما [99/أ] ردَّهما إلى وساطة وجوه الخير وأكابر العشائر، فإنْ فصلوا ما بينهما تَمَّ المقصود، وإلا كان فصل القضاة بينهما هو خاتمة أمرهما بحسب ما يراه المباشر لبتِّ الحكم والاستنابة فيه للأكابر، انتهى الكلام على الواسطة.

 

فلنشرع [99/ب] في الكلام على الخاتمة التي هي لإتمام الكلام رابطة، فنقول وبالله التوفيق والهداية:

اعلم أنَّ الجرائم محظورات شرعية زجَر الله - تعالى - عنها بحدٍّ أو تعزير، وأنَّ للناظر في المظالم فيها من الأعمال ما ليس لمفاحيل القضاة المشاهير، ليس [100/أ] لهم أنْ يحبسوا المتهوم بسرقةٍ أو زنا للكشف والاستبراء اختبارًا، ولا أنْ يأخذوه بأسباب الإقرار إخبارًا، ولا أنْ يسمَعوا الدعوى على المتهم بالسرقة ممَّن ليس خصمًا مستحقًّا للمال المسروق قطعًا، ولا على المتَّهم بالزنا إلا أنْ يذكر المدَّعِي المرأة التي زنا [100/ب] بها، ويصفها بما يكون - زنا - موجبًا للحد شرعًا، فإنْ أقرَّ المتهوم بعد شرائط سَماع الدعوى أخذوه بموجب إقراره، وإنْ أنكر وكانت بيِّنة سمعوها عليه بعد إنكاره، وإنْ لم تكن بيِّنة أحلفوه في حُقوق العباد كالسرقة والقذف ونحوهما لا في حقوق [101/أ] الله - تعالى - كالزنا والخمر وحد المحاربة، وإنْ كان للناظر في المظالم الذي يرفع إليه هذا المتهوم أميرًا أو من أولاد الأحداث والمعاون، كان له مع هذا المتهوم من أسباب الكشف والاستِبراء ما ليس للقضاة والحكام، وذلك من تسعة أوجُه يختلف بها حكم الناظرين:

[101/ب] الأول: أنَّه لا يجوز للناظر في المظالم أنْ يسمع المظلوم من أعوان الإمارة من غير تحقيق الدعوى المقرَّرة، ويرجع إلى قولهم في الإخبار عن حال المظلوم؛ هو من أهل الريب أو معروف بمثل ما قذف به لذوي الخواص أو العموم، فإنْ يرده من ذلك خفَّت التُّهمة وضعفت فيعجل إطلاقه ولم يغلظ عليه، وإن وصَفوه بأمثاله وعرفوه بأشباهه عظُمت التهمة، فيستعمل [102/أ] فيها من حال الكشف ما سنذكُره آنفًا ونشير إليه.

 

الثاني: أنَّ له أنْ يُراعِي شواهد الحال وأوصاف المتَّهم في قوَّة التهمة وضعفها فإنْ كانت التهمة بزنا وكان المتَّهِم للنساء ذا فكاهة وخلابة قويت التهمة، وإنْ كان [102/ب] بضدِّه ضعُفت وتعذَّر تعريفها، وإنْ كانت التهمة بسرقةٍ وكان المتهوم له شَطارة أو في بدنه آثار ضرب أو كان معه حين أخذ منه قويت التهمة، وإنْ كان بضده ضعفت وخفيت الأمارة.

 

الثالث: أنَّ له حبس المتهوم قبل ثبوت [103/أ] التهمة بالبيِّنة أو الإقرار للكشف واستبراء، واختلف في مدَّة حبسه، فذهب البعض إلى أنها مقدَّرة بشهرٍ واحد لا يتجاوَزه، وبعضهم إلى أنها ليست مقدَّرة بل موكول إلى الناظر في المظالم، وهذا أشبه عند النظر.

 

الرابع: أنَّ له إذا قويت التهمة [103/ب] أنْ يضرب المتهوم ضرب تقرير لا ضرب حد ليحمله على الصدق فيما قذف به.

 

فإنْ أقرَّ تحت الضرب حكم عليه بعول، وإنْ ضرب ليصدق عن حالةٍ فأقرَّ تحت الضرب ترك ضربه واستعيد إقراره، فإذا [104/أ] أعاده كان مأخوذًا بالإقرار الثاني دون الأول.

 

الخامس: أنَّ له فيمَن تكرَّر منه الجرائم ولا ينزجر عنها بالحدود أنْ يستديم حبسه وزجره إذا استضرَّ الناس بجرائمه حتى يموت بعد أنْ يقوم بقُوته وكسوته من بيت المال [104/ب] ليدفع ضرره عن الناس وشرَّه.

 

السادس: أنَّ له إحلاف المتهوم في حُقوق الله - تعالى - وحقوق العباد، ويغلظ عليه اليمين ويضيق عليه بالطلاق والعتاق واستبراء حاله وكشفًا عن أمره.

 

السابع: أنَّ له أنْ يأخُذ أهل الجرائم بالتوبة إجبارًا، ويظهر [105/أ] من الوعيد عليهم ما يَقودُهم إليها طوعًا واختيارًا، ولا يضيق عليهم بالوعيد بالقتل فيما لا يجب فيه القتل؛ لأنَّه وعيد إرهاب يخرج عن حدِّ الكذب إلى حدِّ التعزير والأدب، ولا يجوزُ أنْ يحقق وعيده بالقتل، فيقتل فيما لا يجب [105/أ] فيه القتل تحرِّيًا للرهب.

 

الثامن: أنَّ له أنْ يسمَع شهادة أهل المِهَن ويعتمدهم، ومَن لا يجوزُ أنْ يسمع قولهم القُضاة وإنْ كثُر عددهم.

 

التاسع: أنَّ له النظرَ في المواثبات وإنْ لم توجب عزمًا ولا حدًّا، فإن لم يكن بأحد المتواثبين أثرٌ فقد ذهب [106/أ] بعضُهم إلى أنَّه يبدأ بسَماع قول مَن سبَق بالدعوى، وإنْ كان بأحدهما أثر بدَأ بسَماع قوله ولا يراعي السبق بالشكوى، والذي عليه أكثَر الفقهاء أنَّه يسمع قول أسبقهما بالدعوى ويكون المبتدي بالمواثبة أعظمها جرمًا، وأغلظها تأديبًا، وأوقر [106/ب] ويجوز أنْ يخالف بينهما في التأديب من وجهين:

أحدهما: بحسب اختلافهما في الافتراء والتعدِّي والضرر.

 

وثانيهما: بحسب اختلافهما في الهيبة والصيانة وعلو القدر، وإذا رأى من الصلاح في ردع السفلة أنْ يشهرهم وينادي عليهم بجرائمهم ساغَ له ذلك الأمر [107/أ] فهذه تسعة أوجُه يقع بها الفرق في الجرائم بين نظر الناظر في المظالم ونظر القضاة الأعلام في حال الاستبراء قبل ثُبوت الحدِّ؛ لاختصاص الأمراء بالسياسة، واختصاص القضاة بالأحكام.

 

فأمَّا بعد ثُبوت جَرائمهم بالإقرار أو البيِّنة [107/ب] (فيستَوِي) في إقامة الحدود والزواجر حال الأمراء والقضاة.

 

والزواجر نوعان: حد وتعزير.

والحدود ضربان:

• أحدها ما كان من حُقوق الله - تعالى - وهو ضربان:

أحدهما: ما وجب في ترك مفروض.

وثانيهما: ما وجب في ارتكاب محظور.

 

• وثانيهما ما كان من حقوق العباد.

[108/أ] بالردة إنْ لم يتبْ، وإنْ تركها استثقالاً لفعلها معترفًا بوُجوبها، فذهب أبو حنيفة - رضي الله عنه - أنَّه لا يُقتَل لكنَّه يحبس، ثم يضرب في وقت كلِّ صلاة حتى يقوم بها، وقال أحمد بن حنبل وطائفةٌ من الفقهاء من أصحاب الحديث: يُقتَل حدًّا لا كفرًا [108/ب] وذلك بعد استتابَتِه، فإنْ تابَ وأجاب إلى فِعلها تُرِكَ وأُمِرَ بها، فإنْ قال: أصلِّيها في منزلي وكل إلى أمانته، ولم يجبر على فعلها بمشهدٍ من الناس، وإنِ امتَنَع من التوبة قُتِلَ بتركها في الحال على أحد قولي الشافعي - رضِي الله عنه - من غير تَوانٍ أو بعد ثلاثة [109/أ] أيَّام على القول الثاني، واختلف أصحاب الشافعي - رحمه الله - في وجوب قتله بترك قضاء الصلوات الفوائت إذا امتنع عن قضائها؛ فذهب بعضهم إلى قتله بها كما يقتل بالامتناع عن أداء الوقتيَّات حين أدائها، وذهب آخَرون إلى أنَّه لا يُقتَل بها [109/ب] لاستِقرارها في الذمة بالفوات، ويُصلَّى عليه بعد قتله، ويُدفَن في مقابر المسلمين؛ لأنَّه منهم، ويكون ماله لورثته.

 

• وأمَّا تارك الصيام فلا يُقتَل بإجماع الفقهاء الذين قولهم نقولٌ، ويُحبَس عن الطعام والشراب مدَّةَ صيام شهر رمضان ويُؤدَّب [110/أ] ويُعزَّر إنْ كتَمَها بغير شبهة يرجع إليها، فإنْ تعذر أخْذها منه لامتِناعه حُورِب عليها.

 

• وأمَّا الحج فلا يُتصوَّر تأخيره عن الوقت إلا بالموت عند مَن يقول بوجوبه على التراخي كالشافعي - رحمة الله عليه.

 

وعند القائلين بوجوبه على الفور كأبي حنيفة [110/ب] ومالك في المشهور عنه، وأحمد في أظهر روايتيه، وإنْ كان يتصور تأخيره عن وقته لا يُقتَل به، ولا يُعزَّر على إهماله؛ لأنَّ فعله بعد الوقت الأول أداء لا قضاء، فإنْ مات قبل أدائه حجَّ عنه في ماله، وأمَّا الممتنع من حُقوق العباد من ديون [111/أ] أو غيرها فتُؤخذ منه إجبارًا إذا أمكن بعُذرته، ويحبس بها إذا تعذَّر، إلا أنْ يكون معسرًا فينظر إلى ميسرته.

 

فهذا حُكم ما وجب بترك المفروضات على أهل الإيمان، وأمَّا ما وجب بارتكاب المحظورات فضربان:

أحدهما: ما كان من حقوق الله [111/ب] - تعالى - وهي أربعة:

حد الزنا وشرب الخمر والسرقة وقطع الطريق.

 

والضرب الثاني: ما كان من حُقوق العباد، وهو شيئان:

حد القذف والود في الجنايات.

 

وتفصيل الحدود والتعازير وكميَّتهما وكيفيَّتهما على التحقيق مذكورةٌ في كتب الفقه، فليرجع إليها، ويُعوَّل ولي [112/أ] الأمر عن مُطالَعتها عليها.

 

هذا آخِر ما سمح بوضعه الخاطر الفاتر في بطون هذه الدفاتر، وتلجلجَتْ به ألسنة الأقلام في أفواه المحابر من تحرير السلوك في تدبير الملوك.

 

كتبه أبو الفضل محمد بن الأعرج غفر الله له ولوالديه ولكافَّة المسلمين أجمعين [112/ب] وصلَّى الله على سيدنا محمد وآله وصحبه وسلَّم.

 

وحسبنا الله ونعم الوكيل

تَمَّ الكتاب بعون الملك الوهَّاب.

 

الفهارس الفنية

1- فهرس شواهد القرآن الكريم.

2- فهرس شواهد الحديث النبوي الشريف.

3- فهرس شواهد الشعر.

4- فهرس مصادر التحقيق والدراسة.

5- مضمون الكتاب.

 

1- فهرس الآيات القرآنية:

رقم السورة

اسم السورة

الآية

رقمها

الصفحة

5

المائدة

﴿ وَمَنْ لَمْ يَحْكُمْ بِمَا أَنْزَلَ اللَّهُ... ﴾

44

 

9

التوبة

﴿ وَيَوْمَ حُنَيْنٍ إِذْ أَعْجَبَتْكُمْ كَثْرَتُكُمْ... ﴾

25

30

28

القصص

﴿ وَأَخِي هَارُونُ هُوَ أَفْصَحُ... ﴾

34

 

28

القصص

﴿ سَنَشُدُّ عَضُدَكَ بِأَخِيكَ... ﴾

35

 

40

غافر

﴿ كَذَلِكَ يَطْبَعُ اللَّهُ عَلَى كُلِّ قَلْبِ مُتَكَبِّرٍ جَبَّارٍ ﴾

35

 

59

الحشر

﴿ وَمَنْ يُوقَ شُحَّ نَفْسِهِ... ﴾

9

32

64

التغابن

﴿ وَمَنْ يُوقَ شُحَّ نَفْسِهِ... ﴾

16

32

 

2- فهرس الأحاديث النبوية:

الحديث

رقم الصفحة

((احثوا في وجوه المداحين التراب))

30

((ثلاث مهلكات: شح مطاع...))

30

((الكبرياء ردائي والعظمة إزاري))

30

 

3- فهرس شواهد الشعر:

مطلع البيت

الصفحة

أتطمع أن يطيعك قلب سعدى = وتزعم أن قلبك قد عصاكا

25

وإياك والأمر الذي قد توسعت = موارده ضاقت عليك المصادر

35

أطال الله عمرك في صلاح = وعز يا أمير المؤمنينا

41

تدعون حيران مظلومًا ببابكم = فقد أتاك بعيد الدار مظلومًا

43

يا خير منتصف يهدى له الرشد = ويا إمامًا به قد أشرق البلد

47

من دون ما قلت يميل الصبر والجلد = وأقرح القلب هذا الحزن والكمد

47

 

4- مصادر التحقيق والدراسات:

- القرآن الكريم

(أ)

- الأحكام السلطانية والولايات الدينية؛ لأبي الحسن علي بن محمد بن حبيب الماوردي، المتوفى 450هـ، الحلبي، القاهرة، 1386هـ-1966م.

- الأحكام السلطانية؛ لأبي يعلى محمد بن الحسن الفراء، المتوفى 458هـ، تحقيق: محمد حامد الفقي، الحلبي، القاهرة، 1357هـ-1939م.

- أزمة الفكر السياسي الإسلامي؛ للأستاذ الدكتور عبدالحميد متولي، المكتب المصري الحديث، القاهرة، 1970م.

- الأعلام (قاموس تراجم لأشهر الرجال والنساء من العرب والمستعربين والمستشرقين)؛ لخير الدين الزركلي، المتوفى 1397هـ، الطبعة الثالثة بيروت، 1389هـ-1969م.

- أعلام النبلاء بتاريخ حلب الشهباء؛ لمحمد راغب الطباخ الحلبي، سبعة مجلدات، طبع في حلب، 1342هـ.

- إيضاح المكنون في الذيل على كشف الظنون عن أسامي الكتب والفنون: لإسماعيل باشا البغدادي، منشورات مكتبة المثنى بغداد.

 

(ب)

- بدائع الزهور في وقائع الدهور؛ لمحمد بن أحمد بن إياس الحنفي، المتوفى 928هـ، تحقيق: محمد مصطفى وآخرين، إستنابول، مطبعة الدولة، 1932.

- البدر الطالع بمحاسن من بعد القرن السابع؛ للقاضي العلامة شيخ الإسلام محمد بن علي الشوكاني، المتوفى 1250هـ، مطبعة السعادة، مصر، 1348هـ.

 

(ت)

- تاريخ الأمم والملوك؛ لأبي جعفر محمد بن جرير الطبري، المتوفى 311هـ، طبعة دار القاموس الحديث، بيروت، دون تاريخ.

- تاريخ بغداد (أو مدينة السلام)؛ للخطيب البغدادي، المتوفى 463هـ، طبعة دار الكتاب العربي بيروت، دون تاريخ.

- تاريخ الخلفاء؛ لجلال الدين السيوطي، تحقيق: محيي الدين عبدالحميد، التجارية، مصر 1969.

- تحفة الوزراء؛ المنسوب لأبي منصور عبدالملك الثعالبي، المتوفى 429هـ، تحقيق: ريجينا هاينكه، بيروت، 1975م.

- التحفة الملوكية في الآداب السياسية؛ المنسوب لأبي الحسن الماوردي، المتوفى 450هـ، تحقيق: الدكتور فؤاد عبدالمنعم، مؤسسة شباب الجامعة، الإسكندرية، 1398هـ-1977م.

 

(ج)

- الجامع الصغير؛ لجلال الدين عبدالرحمن السيوطي، المتوفى 911هـ، دار القلم، القاهرة 1966.

 

(ح)

- حلية البشر في تاريخ القرن الثالث عشر: لعبدالرزاق البيطار، المتوفى 1335هـ، تحقيق: محمد بهجة البيطار، مطبوعات المجمع العلمي بدمشق، 1383هـ-1963م.

 

(د)

- دول الإسلام؛ للذهبي، أبي عبدالله محمد بن أحمد بن عثمان، المتوفى 748هـ، تحقيق: فهيم محمد شلتوت ومحمد مصطفى إبراهيم، الهيئة المصرية للكتاب، 1974م.

 

(س)

- سيرة الإمام أحمد بن حنبل؛ لأبي الفضل صالح بن أحمد بن حنبل، المتوفى 265هـ، تحقيق الدكتور: فؤاد عبدالمنعم، مؤسسة شباب الجامعة، الإسكندرية، 1400هـ.

- سيرة عمر بن عبدالعزيز؛ لأبي الفرج عبدالرحمن بن الجوزي، المتوفى 597هـ، تحقيق: محب الدين الخطيب، مطبعة المؤيد، مصر، 1331 هـ.

 

(ش)

- شذرات الذهب في أخبار من ذهب؛ لابن العماد، أبي الفلاح عبدالحي الحنبلي، المتوفى 1089هـ، مطبعة المقدس، القاهرة، 1350هـ.

- الشفاء في مواعظ الملوك والخلفاء؛ لابن الجوزي، مؤسسة شباب الجامعة، الإسكندرية، 1398هـ-1978م.

 

(ص)

- صفة الصفوة؛ لابن الجوزي، تحقيق: محمود فاخوري، وخرج أحاديثه: محمد رمراس، دار الوعي، دمشق، 1389هـ-1969م.

 

(ض)

- الضوء اللامع لأهل القرن التاسع؛ لشمس الدين محمد بن عبدالرحمن السخاوي، المتوفى 902هـ، منشورات دار مكتبة الحياة، بيروت.

 

(ع)

- عصر المأمون؛ لأحمد فريد الرفاعي، طبع بمصر، 1346هـ.

- العقد الفريد للملك السعيد؛ للوزير أبي سالم محمد بن طلحة، المتوفى 652هـ، مطبعة الوطن، القاهرة، 1318هـ.

(غ)

- غياث الأمم في التياث الظلم؛ لإمام الحرمين أبي المعالي الجويني، المتوفى 478هـ، تحقيق الدكتور: فؤاد عبدالمنعم أحمد والدكتور مصطفى حلمي، دار الدعوة بالإسكندرية، الطبعة الثانية، 1402هـ.

 

(ق)

- قوانين الوزارة؛ للإمام أبي الحسن الماوردي، المتوفى 450هـ، تحقيق: الدكتور فؤاد عبدالمنعم أحمد والدكتور مصطفى حلمي، الطبعة الثانية، مؤسسة شباب الجامعة، 1398هـ-1978م.

 

(م)

- مبادئ نظام الحكم في الإسلام مع المقارنة بالمبادئ الدستورية الحديثة؛ للأستاذ الدكتور عبدالحميد متولي، طبعة دار المعارف، 1386هـ-1966م.

- ملامح الانقلاب الإسلامي في خلافة عمر بن عبدالعزيز؛ للدكتور عماد الدين خليل، الطبعة الخامسة، مؤسسة الرسالة، بيروت، 1339هـ-1979م.

 

فهرس مضمون الكتاب

الموضوع

رقم الصفحة

من آيات الله في الإسلام

5

تقديم

7

مقدمة

9

1- المؤلف: أبو الفضل محمد بن الأعرج

9

معالم عن حياته

9

مؤلفاته

10

2- الكتاب

11

وصف المخطوطة

11

أهمية الكتاب

13

مصادر الكتاب

13

النص المحقق

21

مقدمة المؤلف

23

أهمية السلطنة

24

قواعد الملك

25

سبب تأليف الكتاب

28

المقدمة الحرية بالتقدمة

29

الفضائل التي يجب أن يتحلى بها الحاكم والرذائل التي يجب أن يتخلى عنها الحاكم

30

النظر في المظالم

37

صفات ناظر المظالم

38

المواضع التي ينظر فيها

39

الأمور المقوية للدعوى

46

الأمور المضعفة للدعوى

52

الخاتمة

57

الفهارس الفنية

74

 



[1] موضوع: مبدأ المساواة في الإسلام - بحث من الناحية الدستورية - مع المقارنة بالديمقراطية الغربية والنظام الماركسي.

[2] أستاذنا الجليل الدكتور: عبدالحميد متولي، في تقديمه لكتابه الكبير "في مبادئ نظام الحكم في الإسلام مع مقارنة بالمبادئ الدستورية الحديثة"، سنة 1966، و"أزمة الفكر السياسي الإسلامي"، طبعة 1970م.

[3] "غياث الأمم"؛ لإمام الحرمين الجويني، 170.

[4] راجع تقديم كتاب "التحفة الملوكية في الآداب السياسية"؛ المنسوب للماوردي، ص5-22.

[5] "الضوء اللامع": 11: 129.

[6] "الضوء اللامع": 9: 92-93.

[7] "الضوء اللامع": 10: 213.

[8] "بدائع الزهور في وقائع الدهور": 314:5.

[9] "بدائع الزهور في وقائع الدهور": 314:5.

[10] هو قانصوه بن عبدالله الظاهري الأشرفي (نسبةً إلى الأشرف قايتباي) الغوري، ويكنى أبا النصر، الملقب بالملك الأشرف، وُلِد سنة 850هـ، بُويِع بسلطنة مصر بقلعة الجبل في القاهرة سنة 905هـ، مات قهرًا، وضاعَتْ جثَّته تحت سنابك الخيل في (مرج دابق) معركة مع السلطان سليم العثماني في سنة 922هـ، انظر في مصادر ترجمته: "بدائع الزهور"؛ لابن إياس 3: 58 وما بعدها، و"أعلام النبلاء"؛ للطباخ 3: 112-164، 5: 390، و"البدر الطالع" 2: 55، و"شذرات الذهب" 8: 23، 113، 144، و"الأعلام"؛ للزركلي 6: 23.

[11] "إيضاح المكنون": 4: 32.

[12] هو السلطان محمود خان ابن السلطان عبدالحميد، وُلِد سنة ألف ومائة وتسعين، وتولَّى السلطنة في سنة 1220هـ، وتُوفِّي سنة 1255هـ، "حلية البشر في تاريخ القرن الثالث عشر" 3: 1456-1467.

[13] "البدر الطالع" 2: 55، و"شذرات الذهب" 8: 114.

[14] [القصص: 34].

[15] [القصص: 35].

[16] "العقد الفريد للملك السعيد" 142، 143.

[17] "العقد الفريد للملك السعيد" ص137، وقارن: "الأحكام السلطانية"؛ للماوردي 15، 16.

[18] [غافر: 35].

[19] صحيح، متفق عليه.

[20] [التوبة: 25].

[21] حديث ضعيف، رواه الطبراني في "الأوسط" عن أنس، "الجامع الصغير" ص125.

[22] "العقد الفريد للملك السعيد": 137.

[23] "العقد الفريد للملك السعيد": ص137.

[24] حديث صحيح، أخرجه الترمذي عن أبي هريرة، وأخرجه ابن عدي في "الكامل"، وأبو نعيم في "الحلية" عن ابن عمر، "الجامع الصغير" 11.

[25] [الحشر: 9، التغابن: 16].

[26] "العقد الفريد للملك السعيد": 138.

[27] "العقد الفريد"؛ لابن طلحة 138.

[28] "العقد الفريد للملك السعيد": 139.

[29] "العقد الفريد للملك السعيد": 139.

[30] "العقد الفريد للملك السعيد": 140، مع تغيير يسير.

[31] "العقد الفريد للملك السعيد": 140.

[32] "العقد الفريد للملك السعيد": 140، 141.

[33] "العقد الفريد للملك السعيد": 141.

[34] "العقد الفريد للملك السعيد": 141.

[35] "العقد الفريد للملك السعيد": 142.

[36] "العقد الفريد للملك السعيد": 142.

[37] [المائدة: 44].

[38] قارن: "الأحكام السلطانية"؛ للماوردي ص219، 220.

[39] "الأحكام السلطانية"؛ للماوردي 77، مع تغيير يسير.

[40] "الأحكام السلطانية"؛ للماوردي 80.

[41] الفواق: الوقت بين قبضتي الحالب للضرع؛ أي: كناية عن الوقت القصير، "المعجم الوسيط": 713.

[42] "الأحكام السلطانية"؛ للماوردي 80، 81، مع تصرُّف يسير.

[43] المأمون هو عبدالله بن هارون الرشيد بن محمد بن أبي جعفر المنصور، ويكنى بأبي العباس، ولد سنة سبعين ومائة، تولى الخلافة 198هـ، وأسهم في ترجمة كتب العلم والفلسفة بمهرة التراجمة، وقرَّب إليه العلماء والفقهاء والمحدِّثين والشعراء، مات سنة 218هـ، ودُفِن في طرطوس، انظر في ترجمته: الطبري: "تاريخ الرسل والملوك": 10: 293، و"تاريخ بغداد": 10:183، ولأحمد الرفاعي كتاب ضخم عن "عصر المأمون".

النص في "قوانين الوزارة"؛ للماوردي ص71، و"تحفة الوزراء"؛ المنسوب للثعالبي ص57، و"الشفاء في مواعظ الملوك والخلفاء" ص67.

[44] "الأحكام السلطانية": 82.

[45] عمر بن عبدالعزيز بن مروان بن الحكم، وكنيته أبو حفص، ولي الخلافة سنة 99هـ، وساد حكمه عدل الخلفاء الراشدين، وتوفي سنة 101هـ.

لابن الجوزي: "سيرة عمر بن عبدالعزيز"، و"صفة الصفوة": 2: 113-127، والذهبي: "دول الإسلام": 71:1، و"تاريخ الخلفاء"؛ للسيوطي 227-246، وللدكتور عمادالدين خليل ترجمة جيدة عن عمر بن عبدالعزيز بعنوان "ملامح الانقلاب الاسلامي في خلافة عمر بن عبدالعزيز".

[46] "الأحكام السلطانية": 82.

[47] "الأحكام السلطانية": 84.

[48] "الأحكام السلطانية": 82.

[49] "الأحكام السلطانية"؛ للماوردي 84.

[50] "الأحكام السلطانية": 84.

[51] "الأحكام السلطانية"؛ للماوردي 85.

[52] "الأحكام السلطانية"؛ للماوردي 85.





 حفظ بصيغة PDFنسخة ملائمة للطباعة أرسل إلى صديق تعليقات الزوارأضف تعليقكمتابعة التعليقات
شارك وانشر

مقالات ذات صلة

  • حسن السلوك الحافظ لدولة الملوك
  • تحرير الأحكام في تدبير أهل الإسلام للإمام بدر الدين بن جماعة
  • عصر الملوك في تاريخ بني إسرائيل (1)
  • هنيئا لك إن أحبك ملك الملوك

مختارات من الشبكة

  • تحرير السلوك في تدبير الملوك(كتاب - موقع الأستاذ الدكتور فؤاد عبدالمنعم أحمد)
  • من فوائد التوحيد(مقالة - آفاق الشريعة)
  • الذخر الحرير بشرح مختصر التحرير لأحمد بن عبد الله البعلي(مقالة - ثقافة ومعرفة)
  • سرايا "الملك لازار" تدعو الصرب إلى التحرك لتحرير "ميتروفيتسا"(مقالة - المسلمون في العالم)
  • أهمية تحرير المصطلحات(مقالة - موقع د. عبدالعزيز بن سعد الدغيثر)
  • مخطوطة تحرير الأحكام في تدبير أهل الإسلام(مخطوط - مكتبة الألوكة)
  • تحرير الأحكام في تدبير أهل الإسلام للإمام بدر الدين بن جماعة المتوفي سنة 733(كتاب - موقع الأستاذ الدكتور فؤاد عبدالمنعم أحمد)
  • الإسلام يدعو إلى تحرير العبيد من الرق وكفل للإنسان حق الحرية(مقالة - آفاق الشريعة)
  • خطابات الضمان، تحرير التخريج، وبيان الحكم، ومناقشة البدائل(مقالة - موقع د. طالب بن عمر بن حيدرة الكثيري)
  • خصم الأوراق التجارية، تحرير التخريج، وبيان الحكم، ومناقشة البدائل(مقالة - موقع د. طالب بن عمر بن حيدرة الكثيري)

 



أضف تعليقك:
الاسم  
البريد الإلكتروني (لن يتم عرضه للزوار)
الدولة
عنوان التعليق
نص التعليق

رجاء، اكتب كلمة : تعليق في المربع التالي

مرحباً بالضيف
الألوكة تقترب منك أكثر!
سجل الآن في شبكة الألوكة للتمتع بخدمات مميزة.
*

*

نسيت كلمة المرور؟
 
تعرّف أكثر على مزايا العضوية وتذكر أن جميع خدماتنا المميزة مجانية! سجل الآن.
شارك معنا
في نشر مشاركتك
في نشر الألوكة
سجل بريدك
  • بنر
  • بنر
كُتَّاب الألوكة
  • مشروع مركز إسلامي في مونكتون يقترب من الانطلاق في 2025
  • مدينة روكفورد تحتضن يوما للمسجد المفتوح لنشر المعرفة الإسلامية
  • يوم مفتوح للمسجد يعرف سكان هارتلبول بالإسلام والمسلمين
  • بمشاركة 75 متسابقة.. اختتام الدورة السادسة لمسابقة القرآن في يوتازينسكي
  • مسجد يطلق مبادرة تنظيف شهرية بمدينة برادفورد
  • الدورة الخامسة من برنامج "القيادة الشبابية" لتأهيل مستقبل الغد في البوسنة
  • "نور العلم" تجمع شباب تتارستان في مسابقة للمعرفة الإسلامية
  • أكثر من 60 مسجدا يشاركون في حملة خيرية وإنسانية في مقاطعة يوركشاير

  • بنر
  • بنر

تابعونا على
 
حقوق النشر محفوظة © 1446هـ / 2025م لموقع الألوكة
آخر تحديث للشبكة بتاريخ : 16/11/1446هـ - الساعة: 14:43
أضف محرك بحث الألوكة إلى متصفح الويب