• الصفحة الرئيسيةخريطة الموقعRSS
  • الصفحة الرئيسية
  • سجل الزوار
  • وثيقة الموقع
  • اتصل بنا
English Alukah شبكة الألوكة شبكة إسلامية وفكرية وثقافية شاملة تحت إشراف الدكتور سعد بن عبد الله الحميد
الدكتور سعد بن عبد الله الحميد  إشراف  الدكتور خالد بن عبد الرحمن الجريسي
  • الصفحة الرئيسية
  • موقع آفاق الشريعة
  • موقع ثقافة ومعرفة
  • موقع مجتمع وإصلاح
  • موقع حضارة الكلمة
  • موقع الاستشارات
  • موقع المسلمون في العالم
  • موقع المواقع الشخصية
  • موقع مكتبة الألوكة
  • موقع المكتبة الناطقة
  • موقع الإصدارات والمسابقات
  • موقع المترجمات
 كل الأقسام | مقالات شرعية   دراسات شرعية   نوازل وشبهات   منبر الجمعة   روافد   من ثمرات المواقع  
اضغط على زر آخر الإضافات لغلق أو فتح النافذة اضغط على زر آخر الإضافات لغلق أو فتح النافذة
  •  
    من أقوال السلف في الإنصاف
    فهد بن عبدالعزيز عبدالله الشويرخ
  •  
    حرمة الاستمناء وكيفية العلاج (WORD)
    الشيخ ندا أبو أحمد
  •  
    الإمام مسلم بن الحجاج القشيري وكتابه الصحيح دراسة ...
    سارا بنت عبدالرحمن البشري
  •  
    حلق رأس المولود حماية ووقاية في السنة النبوية
    د. عبدالعزيز بن سعد الدغيثر
  •  
    حقوق الميت (1)
    د. أمير بن محمد المدري
  •  
    من أسباب النصر والتمكين (خطبة)
    أبو سلمان راجح الحنق
  •  
    أسباب البركة في البيوت
    رمضان صالح العجرمي
  •  
    شتان بين مشرق ومغرب: { قل هل يستوي الذين يعلمون ...
    د. عبدالرحمن بن سعيد الحازمي
  •  
    لا عاصم اليوم من أمر الله إلا من رحم
    نورة سليمان عبدالله
  •  
    الشيطان وما الشيطان!
    إبراهيم الدميجي
  •  
    الاطلاع والانتفاع بما قال فيه الرسول - صلى الله ...
    بكر البعداني
  •  
    خطبة: اتق المحارم تكن أعبد الناس
    عدنان بن سلمان الدريويش
  •  
    إفادة خبر الآحاد للعلم بين مقاييس أهل الحديث ...
    د. هيثم بن عبدالمنعم بن الغريب صقر
  •  
    من مائدة السيرة: إيذاء قريش للمسلمين
    عبدالرحمن عبدالله الشريف
  •  
    خالق الناس بخلق حسن (خطبة)
    ساير بن هليل المسباح
  •  
    فضل زيارة المسجد الحرام والمسجد النبوي
    الداعية عبدالعزيز بن صالح الكنهل
شبكة الألوكة / المواقع الشخصية / مواقع المشايخ والعلماء / الشيخ إبراهيم بن محمد الحقيل / خطب منبرية
علامة باركود

من أخبار الشباب (12) الإمام الأوزاعي رحمه الله تعالى

من أخبار الشباب (12) الإمام الأوزاعي رحمه الله تعالى
الشيخ د. إبراهيم بن محمد الحقيل

مقالات متعلقة

تاريخ الإضافة: 24/8/2022 ميلادي - 27/1/1444 هجري

الزيارات: 17400

 حفظ بصيغة PDFنسخة ملائمة للطباعة أرسل إلى صديق تعليقات الزوارأضف تعليقكمتابعة التعليقات
النص الكامل  تكبير الخط الحجم الأصلي تصغير الخط
شارك وانشر

من أخبار الشباب (12)

الإمام الأوزاعي رحمه الله تعالى


الْحَمْدُ لِلَّهِ الْخَلَّاقِ الْعَلِيمِ؛ خَلَقَ كُلَّ شَيْءٍ فَقَدَّرَهُ تَقْدِيرًا، وَدَبَّرَ مَا خَلَقَ فَأَحْسَنَهُ تَدْبِيرًا، نَحْمَدُهُ حَمْدًا كَثِيرًا، وَنَشْكُرُهُ شُكْرًا مَزِيدًا، وَأَشْهَدُ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ وَحْدَهُ لَا شَرِيكَ لَهُ؛ رَفَعَ أَقْوَامًا فَأَعْلَى فِي الْعَالَمِينَ ذِكْرَهُمْ، وَخَلَّدَ عَبْرَ الْقُرُونِ سِيَرَهُمْ؛ فَكَانُوا أُسْوَةَ الصَّالِحِينَ وَقُدْوَتَهُمْ، وَأَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ؛ حَضَّ عَلَى الْعِلْمِ وَنَوَّهَ بِالْعُلَمَاءِ، وَأَخْبَرَ أَنَّهُمْ وَرَثَةُ الْأَنْبِيَاءِ، صَلَّى اللَّهُ وَسَلَّمَ وَبَارَكَ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَأَصْحَابِهِ وَأَتْبَاعِهِ بِإِحْسَانٍ إِلَى يَوْمِ الدِّينِ.

 

أَمَّا بَعْدُ: فَاتَّقُوا اللَّهَ تَعَالَى وَأَطِيعُوهُ، وَأَقِيمُوا لَهُ دِينَكُمْ، وَأَسْلِمُوا لَهُ وُجُوهَكُمْ، وَاعْمَلُوا فِي دُنْيَاكُمْ مَا تَجِدُونَهُ ذُخْرًا أَمَامَكُمْ؛ فَإِنَّ الْمَوْعِدَ قَرِيبٌ، وَإِنَّ الْحِسَابَ عَسِيرٌ ﴿ اقْتَرَبَ لِلنَّاسِ حِسَابُهُمْ وَهُمْ فِي غَفْلَةٍ مُعْرِضُونَ * مَا يَأْتِيهِمْ مِنْ ذِكْرٍ مِنْ رَبِّهِمْ مُحْدَثٍ إِلَّا اسْتَمَعُوهُ وَهُمْ يَلْعَبُونَ ﴾ [الْأَنْبِيَاءِ: 1-2].

 

أَيُّهَا النَّاسُ: الْعِلْمُ بِاللَّهِ تَعَالَى نُورٌ يُضِيءُ الْقَلْبَ، وَيُزِيلُ مِنْهُ ظُلْمَةَ الْجَهْلِ، وَيَزْرَعُ الْإِيمَانَ وَالْيَقِينَ وَالطُّمَأْنِينَةَ، وَيُذْهِبُ الشَّكَّ وَالْجُحُودَ وَالْقَلَقَ؛ وَلِذَا كَانَ الْعُلَمَاءُ الرَّبَّانِيُّونَ أَعْلَامَ هُدًى، وَمَصَابِيحَ دُجًى، يَسْتَنِيرُ النَّاسُ بِعِلْمِهِمْ، وَيَقْتَدُونَ بِهِمْ، وَيَتَعَلَّمُونَ الْخَشْيَةَ مِنْهُمْ ﴿ إِنَّمَا يَخْشَى اللَّهَ مِنْ عِبَادِهِ الْعُلَمَاءُ ﴾ [فَاطِرٍ: 28].

 

وَمِنَ الْأَئِمَّةِ الْأَعْلَامِ، وَالْجَهَابِذَةِ الْكِبَارِ الْإِمَامُ أَبُو عَمْرٍو الْأَوْزَاعِيُّ، «شَيْخُ الْإِسْلَامِ، وَعَالِمُ أَهْلِ الشَّامِ» وُلِدَ فِي أَوَاخِرِ الْقَرْنِ الْأَوَّلِ الْهِجْرِيِّ، وَعَاشَ قَرِيبًا مِنْ سَبْعِينَ سَنَةً، تُوُفِّيَ أَبُوهُ وَهُوَ صَغِيرٌ، وَتَنَقَّلَتْ بِهِ أُمُّهُ بَيْنَ الْبُلْدَانِ بَحْثًا عَنِ الرِّزْقِ؛ فَاجْتَمَعَ عَلَيْهِ فِي صِغَرِهِ الْيُتْمُ وَالْفَقْرُ وَعَدَمُ الِاسْتِقْرَارِ، وَلَكِنَّ ذَلِكَ لَمْ يَحُلْ بَيْنَهُ وَبَيْنَ الْعِلْمِ، وَلَمْ يَكُنْ عُذْرًا فِي قُعُودِهِ عَنْ طَلَبِهِ مِنْ صِغَرِهِ، حَتَّى صَارَ مِنْ كِبَارِ الْعُلَمَاءِ فِي زَمَنِهِ، وَلُقِّبَ بِشَيْخِ الْإِسْلَامِ، وَكَانَ الْوَلِيدُ بْنُ مَزْيَدٍ يَتَعَجَّبُ مِنْ حِفْظِ اللَّهِ تَعَالَى لِلْأَوْزَاعِيِّ، حَتَّى قَالَ ابْنُهُ الْعَبَّاسُ بْنُ الْوَلِيدِ: «فَمَا رَأَيْتُ أَبِي يَتَعَجَّبُ مِنْ شَيْءٍ فِي الدُّنْيَا تَعَجُّبَهُ مِنَ الْأَوْزَاعِيِّ، فَكَانَ يَقُولُ: سُبْحَانَكَ تَفْعَلُ مَا تَشَاءُ! كَانَ الْأَوْزَاعِيُّ يَتِيمًا فَقِيرًا فِي حِجْرِ أُمِّهِ، تَنْقُلُهُ مِنْ بَلَدٍ إِلَى بَلَدٍ، وَقَدْ جَرَى حُكْمُكَ فِيهِ أَنْ بَلَّغْتَهُ حَيْثُ رَأَيْتُهُ، يَا بُنَيَّ! عَجَزَتِ الْمُلُوكُ أَنْ تُؤَدِّبَ نَفْسَهَا وَأَوْلَادَهَا أَدَبَ الْأَوْزَاعِيِّ فِي نَفْسِهِ، مَا سَمِعْتُ مِنْهُ كَلِمَةً قَطُّ فَاضِلَةً إِلَّا احْتَاجَ مُسْتَمِعُهَا إِلَى إِثْبَاتِهَا عَنْهُ، وَلَا رَأَيْتُهُ ضَاحِكًا قَطُّ حَتَّى يُقَهْقِهَ، وَلَقَدْ كَانَ إِذَا أَخَذَ فِي ذِكْرِ الْمَعَادِ، أَقُولُ فِي نَفْسِي: أَتُرَى فِي الْمَجْلِسِ قَلْبٌ لَمْ يَبْكِ؟!».

 

رَآهُ فِي شَبَابِهِ وَهُوَ يُصَلِّي الْإِمَامُ الْحَافِظُ التَّابِعِيُّ يَحْيَى بْنُ أَبِي كَثِيرٍ فَأُعْجِبَ بِصَلَاتِهِ، وَأَجْلَسَهُ إِلَيْهِ، وَصَارَ يُحَدِّثُهُ، وَالْأَوْزَاعِيُّ يَكْتُبُ عَنْهُ حَدِيثَهُ، ثُمَّ إِنَّهُ اقْتَرَحَ عَلَيْهِ أَنْ يَرْحَلَ إِلَى الْبَصْرَةِ لِيَلْقَى الْحَسَنَ الْبَصْرِيَّ وَابْنَ سِيرِينَ؛ لِيَأْخُذَ الْعِلْمَ عَنْهُمَا، وَكَانَ عُمْرُهُ آنَذَاكَ ثِنْتَيْنِ وَعِشْرِينَ سَنَةً، فَرَحَلَ إِلَيْهِمَا فَوَجَدَ الْحَسَنَ قَدْ مَاتَ، وَوَجَدَ ابْنَ سِيرِينَ مَرِيضًا.

 

وَلِغَزَارَةِ عِلْمِهِ، وَتَوَقُّدِ ذِهْنِهِ؛ تَصَدَّرَ لِلْفَتْوَى وَهُوَ صَغِيرٌ، وَلَمْ يُنْكِرْ عُلَمَاءُ عَصْرِهِ ذَلِكَ مِنْهُ، قَالَ أَبُو رَزِينٍ اللَّخْمِيُّ: «أَوَّلُ مَا سُئِلَ الْأَوْزَاعِيُّ عَنِ الْفِقْهِ سَنَةَ ثَلَاثَ عَشْرَةَ وَمِائَةٍ وَهُوَ يَوْمَئِذٍ ابْنُ خَمْسٍ وَعِشْرِينَ سَنَةً، ثُمَّ لَمْ يَزَلْ يُفْتِي بَعْدَ ذَلِكَ بَقِيَّةَ عُمْرِهِ إِلَى أَنْ تُوُفِّيَ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى».

 

كَبِرَ الشَّابُّ فِي سِنِّهِ وَعِلْمِهِ، وَأَصْبَحَ إِمَامًا يُشَارُ لَهُ بِالْبَنَانِ، وَيُرْحَلُ إِلَيْهِ مِنْ كُلِّ مَكَانٍ، وَيُطْلَبُ الْعِلْمُ عِنْدَهُ، فَمَا بَلَغَ خَمْسِينَ سَنَةً إِلَّا وَهُوَ الْإِمَامُ الْمُقَدَّمُ عَلَى غَيْرِهِ، قَالَ إِسْمَاعِيلُ بْنُ عَيَّاشٍ: «سَمِعْتُ النَّاسَ فِي سَنَةِ أَرْبَعِينَ وَمِائَةٍ يَقُولُونَ: الْأَوْزَاعِيُّ الْيَوْمَ عَالِمُ الْأُمَّةِ». وَقَالَ الْوَلِيدُ بْنُ مُسْلِمٍ: «مَا كُنْتُ أَحْرِصُ عَلَى السَّمَاعِ مِنَ الْأَوْزَاعِيِّ حَتَّى رَأَيْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي الْمَنَامِ، وَالْأَوْزَاعِيُّ إِلَى جَنْبِهِ، فَقُلْتُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ! عَمَّنْ أَحْمِلُ الْعِلْمَ؟ قَالَ: عَنْ هَذَا؟ وَأَشَارَ إِلَى الْأَوْزَاعِيِّ».

 

وَكَثُرَتِ الْمَسَائِلُ الَّتِي أَجَابَ عَنْهَا كَمَا قَالَ تِلْمِيذُهُ هِقْلُ بْنُ زِيَادٍ: «أَجَابَ الْأَوْزَاعِيُّ فِي سَبْعِينَ أَلْفَ مَسْأَلَةٍ، أَوْ نَحْوِهَا» حَتَّى كَانَ لَهُ مَذْهَبٌ فِقْهِيٌّ يُسَمَّى مَذْهَبَ الْأَوْزَاعِيِّ، انْتَشَرَ فِي الشَّامِ وَالْأَنْدَلُسِ.

 

وَعَمِلَ الْأَوْزَاعِيُّ بِمَا عَلِمَ؛ فَكَانَ شَدِيدَ الْخَشْيَةِ لِلَّهِ تَعَالَى، كَثِيرَ الصَّلَاةِ وَالْبُكَاءِ، يَقْضِي جُلَّ يَوْمِهِ وَلَيْلَتِهِ فِي الْعِلْمِ وَالْعِبَادَةِ وَالتَّحْدِيثِ وَالصَّلَاةِ، قَالَ الْوَلِيدُ بْنُ مَزْيَدٍ: «كَانَ الْأَوْزَاعِيُّ مِنَ الْعِبَادَةِ عَلَى شَيْءٍ مَا سَمِعْنَا بِأَحَدٍ قَوِيَ عَلَيْهِ». وَقَالَ الْوَلِيدُ بْنُ مُسْلِمٍ: «مَا رَأَيْتُ أَكْثَرَ اجْتِهَادًا فِي الْعِبَادَةِ مِنَ الْأَوْزَاعِيِّ». وَقَالَ ضَمْرَةُ بْنُ رَبِيعَةَ: «حَجَجْنَا مَعَ الْأَوْزَاعِيِّ سَنَةَ خَمْسِينَ وَمِائَةٍ، فَمَا رَأَيْتُهُ مُضْطَجِعًا فِي الْمَحْمَلِ فِي لِيلٍ وَلَا نَهَارٍ قَطُّ، كَانَ يُصَلِّي، فَإِذَا غَلَبَهُ النَّوْمُ، اسْتَنَدَ إِلَى الْقَتْبِ». وَقَالَ بِشْرُ بْنُ الْمُنْذِرِ: «رَأَيْتُ الْأَوْزَاعِيَّ كَأَنَّهُ أَعْمَى مِنَ الْخُشُوعِ». وَقَالَ ابْنُ كَثِيرٍ: «وَدَخَلَتِ امْرَأَةٌ عَلَى امْرَأَةِ الْأَوْزَاعِيِّ، فَرَأَتِ الْحَصِيرَ الَّذِي يُصَلِّي عَلَيْهِ مَبْلُولًا فَقَالَتْ لَهَا: لَعَلَّ الصَّبِيَّ بَالَ هَاهُنَا. فَقَالَتْ: لَا، هَذَا مِنْ أَثَرِ دُمُوعِ الشَّيْخِ فِي سُجُودِهِ، وَهَكَذَا يُصْبِحُ كُلَّ يَوْمٍ». وَكَانَ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى يَقُولُ: «مَنْ أَطَالَ قِيَامَ اللَّيْلِ هَوَّنَ اللَّهُ عَلَيْهِ وُقُوفَ يَوْمِ الْقِيَامَةِ». وَذَكَرَ سَبَبَ جِدِّهِ وَوَقَارِهِ فَقَالَ: «كُنَّا نَضْحَكُ وَنَمْزَحُ، فَلَمَّا صِرْنَا يُقْتَدَى بِنَا، خَشِيتُ أَنْ لَا يَسَعَنَا التَّبَسُّمُ».

 

وَكَانَ زَاهِدًا فِي الدُّنْيَا وَزِينَتِهَا وَقَالَ: «مَنْ أَكْثَرَ ذِكْرَ الْمَوْتِ كَفَاهُ الْيَسِيرُ، وَمَنْ عَرَفَ أَنَّ مَنْطِقَهُ مِنْ عَمَلِهِ قَلَّ كَلَامُهُ». وَلَا عَجَبَ أَنَّهُ حِينَ مَاتَ لَمْ يُخَلِّفْ مِنَ الدُّنْيَا شَيْئًا يُذْكَرُ، وَهُوَ إِمَامُ عَصْرِهِ، قَالَ الْعَبَّاسُ بْنُ مَزْيَدٍ: «سَمِعْتُ أَصْحَابَنَا يَقُولُونَ: صَارَ إِلَى الْأَوْزَاعِيِّ أَكْثَرُ مِنْ سَبْعِينَ أَلْفَ دِينَارٍ… فَلَمَّا مَاتَ مَا خَلَّفَ إِلَّا سَبْعَةَ دَنَانِيرَ، بَقِيَّةٌ مِنْ عَطَائِهِ، وَمَا كَانَ لَهُ أَرْضٌ وَلَا دَارٌ. قَالَ الْعَبَّاسُ: نَظَرْنَا فَإِذَا هُوَ أَخْرَجَهَا كُلَّهَا فِي سَبِيلِ اللَّهِ تَعَالَى وَالْفُقَرَاءِ».

 

وَلَمَّا كَانَ الْأَوْزَاعِيُّ صَاحِبَ أَثَرٍ وَسُنَّةٍ، وَإِمَامًا فِي وَقْتِهِ لِلْأُمَّةِ؛ فَإِنَّهُ حَثَّ الْأُمَّةَ عَلَى التَّمَسُّكِ بِالْآثَارِ وَتَرْكِ الْأَهْوَاءِ وَالْآرَاءِ، فَأَوْصَى بَعْضَ أَصْحَابِهِ فَقَالَ: «عَلَيْكَ بِآثَارِ مَنْ سَلَفَ وَإِنْ رَفَضَكَ النَّاسُ، وَإِيَّاكَ وَآرَاءَ الرِّجَالِ وَإِنْ زَخْرَفُوهُ لَكَ بِالْقَوْلِ؛ فَإِنَّ الْأَمْرَ يَنْجَلِي وَأَنْتَ عَلَى طَرِيقٍ مُسْتَقِيمٍ». وَكَانَ يَقُولُ: «إِذَا أَرَادَ اللَّهُ تَعَالَى بِقَوْمٍ شَرًّا فَتَحَ عَلَيْهِمُ الْجَدَلَ، وَمَنَعَهُمُ الْعَمَلَ».

 

وَكَانَ الْأَوْزَاعِيُّ يُحَذِّرُ مِنْ شُذُوذِ الْعِلْمِ وَغَرَائِبِ الْأَقْوَالِ؛ لِأَنَّهَا بَوَّابَةُ الزَّنْدَقَةِ، وَمِنْ أَقْوَالِهِ فِي ذَلِكَ: «مَنْ أَخَذَ بِنَوَادِرِ الْعُلَمَاءِ خَرَجَ مِنَ الْإِسْلَامِ». «كَانَ يُقَالُ: وَيْلٌ لِلْمُتَفَقِّهِينَ لِغَيْرِ الْعِبَادَةِ، وَالْمُسْتَحِلِّينَ الْحُرُمَاتِ بِالشُّبُهَاتِ».

 

وَرَأَى رُؤْيَا عَجِيبَةً فَقَصَّهَا عَلَى ابْنِهِ وَأَمَرَهُ بِكَتْمِهَا إِلَى أَنْ يَمُوتَ، قَالَ ابْنُهُ مُحَمَّدٌ: «قَالَ لِي أَبِي: يَا بُنَيَّ! أُحَدِّثُكَ بِشَيْءٍ لَا تُحَدِّثْ بِهِ مَا عِشْتُ: رَأَيْتُ كَأَنَّهُ وُقِفَ بِي عَلَى بَابِ الْجَنَّةِ، فَأُخِذَ بِمِصْرَاعَيِ الْبَابِ، فَزَالَ عَنْ مَوْضِعِهِ، فَإِذَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَمَعَهُ أَبُو بَكْرٍ وَعُمَرُ يُعَالِجُونَ رَدَّهُ، فَرَدُّوهُ، فَزَالَ، ثُمَّ أَعَادُوهُ. قَالَ: فَقَالَ لِي رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: يَا عَبْدَ الرَّحْمَنِ! أَلَا تُمْسِكُ مَعَنَا؟ فَجِئْتُ حَتَّى أُمْسِكَ مَعَهُمْ، حَتَّى رَدُّوهُ».

 

رَحِمَ اللَّهُ تَعَالَى الْإِمَامَ الْأَوْزَاعِيَّ وَالْعُلَمَاءَ الْعَامِلِينَ، وَجَمَعَنَا بِهِ فِي دَارِ النَّعِيمِ.

 

وَأَقُولُ قَوْلِي هَذَا وَأَسْتَغْفِرُ اللَّهَ لِي وَلَكُمْ...

 

الخطبة الثانية:

الْحَمْدُ لِلَّهِ حَمْدًا طَيِّبًا كَثِيرًا مُبَارَكًا فِيهِ كَمَا يُحِبُّ رَبُّنَا وَيَرْضَى، وَأَشْهَدُ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ وَحْدَهُ لَا شَرِيكَ لَهُ، وَأَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ، صَلَّى اللَّهُ وَسَلَّمَ وَبَارَكَ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَأَصْحَابِهِ وَمَنِ اهْتَدَى بِهُدَاهُمْ إِلَى يَوْمِ الدِّينِ.

أَمَّا بَعْدُ: فَاتَّقُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوهُ ﴿ وَاتَّقُوا يَوْمًا تُرْجَعُونَ فِيهِ إِلَى اللَّهِ ثُمَّ تُوَفَّى كُلُّ نَفْسٍ مَا كَسَبَتْ وَهُمْ لَا يُظْلَمُونَ ﴾ [الْبَقَرَةِ: 281].

 

أَيُّهَا الْمُسْلِمُونَ: كَانَ الْإِمَامُ الْأَوْزَاعِيُّ مِنْ أَكْثَرِ الْعُلَمَاءِ احْتِسَابًا عَلَى النَّاسِ، وَصَدْعًا بِالْحَقِّ، لَا يَخْشَى فِي اللَّهِ تَعَالَى لَوْمَةَ لَائِمٍ. حَتَّى رَأَى رُؤْيَا فِي ذَلِكَ، فَقَالَ: «رَأَيْتُ كَأَنَّ مَلَكَيْنِ نَزَلَا فَأَخَذَا بِضَبْعِي فَعَرَّجَانِي إِلَى اللَّهِ تَعَالَى وَأَوْقَفَانِي بَيْنَ يَدَيْهِ فَقَالَ: أَنْتَ عَبْدِي عَبْدُ الرَّحْمَنِ الَّذِي تَأْمُرُ بِالْمَعْرُوفِ وَتَنْهَى عَنِ الْمُنْكَرِ، قَالَ: قُلْتُ: بِعِزَّتِكِ رَبِّ أَنْتَ أَعْلَمُ، قَالَ: فَرَدَّانِي إِلَى الْأَرْضِ».

 

وَكَانَ الْأَوْزَاعِيُّ يَقِفُ مَعَ الضُّعَفَاءِ الْمَظْلُومِينَ ضِدَّ الظَّلَمَةِ الْأَقْوِيَاءِ، قَالَ مُحَمَّدُ بْنُ عَجْلَانَ: «لَمْ أَرَ أَحَدًا أَنْصَحَ لِلْمُسْلِمِينَ مِنَ الْأَوْزَاعِيِّ». بَلْ يَنْتَصِفُ لِغَيْرِ الْمُسْلِمِينَ إِذَا ظُلِمُوا، كَمَا وَقَفَ مَعَ نَصَارَى لُبْنَانَ لَمَّا أَجْلَاهُمْ بَعْضُ قَادَةِ الْعَبَّاسِيِّينَ بِجَرِيرَةِ بَعْضِهِمْ، وَشَفَعَ لِآخَرِينَ فِي تَخْفِيضِ الْجِزْيَةِ أَوِ الْخَرَاجِ عَنْهُمْ؛ وَلِذَا لَا عَجَبَ أَنَّ الْأَوْزَاعِيَّ أَحَبَّهُ الْمُسْلِمُونَ وَأَهْلُ الذِّمَّةِ عَلَى حَدٍّ سَوَاءٍ؛ لِأَنَّهُ كَانَ نَصِيرًا لِلْمَظْلُومِينَ، قَالَ سَالِمُ بْنُ الْمُنْذِرِ: «لَمَّا سَمِعْتُ الضَّجَّةَ بِوَفَاةِ الْأَوْزَاعِيِّ خَرَجْتُ، فَأَوَّلُ مَنْ رَأَيْتُ نَصْرَانِيًّا قَدْ ذَرَّ عَلَى رَأْسِهِ الرَّمَادَ، فَلَمْ يَزَلِ الْمُسْلِمُونَ مِنْ أَهْلِ بَيْرُوتَ يَعْرِفُونَ لَهُ ذَلِكَ، وَخَرَجْنَا فِي جَنَازَتِهِ أَرْبَعَةَ أُمَمٍ، فَحَمَلَهُ الْمُسْلِمُونَ، وَخَرَجَتِ الْيَهُودُ فِي نَاحِيَةٍ، وَالنَّصَارَى فِي نَاحِيَةٍ، وَالْقِبْطُ فِي نَاحِيَةٍ».

 

لَقَدْ بَلَغَ الْإِمَامُ الْأَوْزَاعِيُّ هَذَا الْمَبْلَغَ الْعَظِيمَ وَهُوَ الْيَتِيمُ الْفَقِيرُ؛ لِأَنَّ اللَّهَ تَعَالَى رَفَعَهُ بِالْعِلْمِ وَالْعَمَلِ، فَجَدَّ فِي الطَّلَبِ، حَتَّى نَالَ الْإِمَامَةَ فِي الدِّينِ، فَسَخَّرَ عِلْمَهُ وَإِمَامَتَهُ وَمَنْزِلَتَهُ فِي نَفْعِ النَّاسِ، وَلَمْ يَجْعَلْهَا مَطِيَّةً لِلدُّنْيَا وَزِينَتِهَا، وَلَمْ يُسَخِّرْهَا فِي مَصَالِحِهِ الْخَاصَّةِ دُونَ النَّاسِ، أَوْ يَتَقَرَّبْ بِهَا إِلَى ذَوِي الْمَالِ وَالْجَاهِ. فَحَرِيٌّ بِكُلِّ شَابٍّ مُسْلِمٍ أَنْ يَأْخُذَ الْعِبْرَةَ مِنْ سِيرَةِ هَذَا الْإِمَامِ الْكَبِيرِ الَّذِي لَمْ يَكُنْ يُتْمُهُ وَفَقْرُهُ حَائِلًا بَيْنَهُ وَبَيْنَ الْعِلْمِ وَالْإِمَامَةِ فِي الدِّينِ. وَمَا أَحْوَجَ الشَّبَابَ فِي دِرَاسَتِهِمْ إِلَى قُدْوَةٍ جَادَّةٍ فِي الْعِلْمِ وَالتَّعْلِيمِ وَالْعَمَلِ؛ فَإِنَّ مَنْ جَدَّ فِي صِغَرِهِ عَزَّ فِي كِبَرِهِ، وَمَنْ ضَيَّعَ وَقْتَهُ وَعُمْرَهُ لَمْ يَنَلْ مُبْتَغَاهُ، وَطَلَبُ الْعِلْمِ أَفْضَلُ مَا اشْتَغَلَ بِهِ الشَّبَابُ، قَالَ أَبُو الدَّرْدَاءِ رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ: «تَعَلَّمُوا؛ فَإِنَّ الْعَالِمَ وَالْمُتَعَلِّمَ فِي الْأَجْرِ سَوَاءٌ، وَلَا خَيْرَ فِي سَائِرِ النَّاسِ بَعْدَهُمَا».

 

وَصَلُّوا وَسَلِّمُوا عَلَى نَبِيِّكُمْ...





 حفظ بصيغة PDFنسخة ملائمة للطباعة أرسل إلى صديق تعليقات الزوارأضف تعليقكمتابعة التعليقات
شارك وانشر

مقالات ذات صلة

  • من أخبار الشباب (5) الإمام مالك
  • من أخبار الشباب (6) الإمام الشافعي رحمه الله تعالى
  • من أخبار الشباب (7) أبو حاتم الرازي رحمه الله تعالى
  • من أخبار الشباب (8) أبو زرعة الرازي رحمه الله تعالى
  • من أخبار الشباب (9) ابن أبي حاتم رحمه الله تعالى
  • من أخبار الشباب (10) سفيان بن عيينة رحمه الله تعالى
  • من أخبار الشباب (11): الإمام الليث بن سعد رحمه الله تعالى
  • من أخبار الشباب (14) الإمام ابن مهدي رحمه الله تعالى
  • رؤيتان تعرفان بمنزلة الأوزاعي رحمه الله تعالى (ت 157 هـ)

مختارات من الشبكة

  • من أخبار الشباب (13) الإمام سفيان الثوري رحمه الله تعالى(مقالة - موقع الشيخ إبراهيم بن محمد الحقيل)
  • مخطوطة إخبار الأحياء بأخبار الإحياء(مخطوط - مكتبة الألوكة)
  • كتاب أخبار العلماء بأخبار الحكماء للقفطي (ت 646هـ / 1248م)(مقالة - موقع د. أنور محمود زناتي)
  • مخطوطة إخبار المستفيد بأخبار خالد بن الوليد(مخطوط - مكتبة الألوكة)
  • كتاب أخبار البحتري لمحمد بن يحيى الصولي (ت 335هـ / 946م)(مقالة - موقع د. أنور محمود زناتي)
  • أخبار الإمام البخاري وجامعه الصحيح (PDF)(كتاب - مكتبة الألوكة)
  • المنثور من أخبار شيخ الإسلام ابن تيمية: سلالات تاريخية عن الإمام ابن تيمية (PDF)(كتاب - مكتبة الألوكة)
  • خطبة: كيف يتحلى الشباب بالوقار؟(مقالة - آفاق الشريعة)
  • خطبة: كيف ننجح في التواصل مع الشباب؟(مقالة - آفاق الشريعة)
  • الشباب والعمل التطوعي: طاقة إيجابية تصنع الفرق(مقالة - مجتمع وإصلاح)

 



أضف تعليقك:
الاسم  
البريد الإلكتروني (لن يتم عرضه للزوار)
الدولة
عنوان التعليق
نص التعليق

رجاء، اكتب كلمة : تعليق في المربع التالي

مرحباً بالضيف
الألوكة تقترب منك أكثر!
سجل الآن في شبكة الألوكة للتمتع بخدمات مميزة.
*

*

نسيت كلمة المرور؟
 
تعرّف أكثر على مزايا العضوية وتذكر أن جميع خدماتنا المميزة مجانية! سجل الآن.
شارك معنا
في نشر مشاركتك
في نشر الألوكة
سجل بريدك
  • بنر
  • بنر
كُتَّاب الألوكة
  • مدينة نازران تستضيف المسابقة الدولية الثانية للقرآن الكريم في إنغوشيا
  • الشعر والمقالات محاور مسابقة "المسجد في حياتي 2025" في بلغاريا
  • كوبريس تستعد لافتتاح مسجد رافنو بعد 85 عاما من الانتظار
  • 57 متسابقا يشاركون في المسابقة الرابعة عشرة لحفظ القرآن في بلغاريا
  • طلاب هارفارد المسلمون يحصلون على مصلى جديد ودائم بحلول هذا الخريف
  • المعرض الرابع للمسلمين الصم بمدينة دالاس الأمريكية
  • كاتشابوري تحتفل ببداية مشروع مسجد جديد في الجبل الأسود
  • نواكشوط تشهد تخرج نخبة جديدة من حفظة كتاب الله

  • بنر
  • بنر

تابعونا على
 
حقوق النشر محفوظة © 1447هـ / 2025م لموقع الألوكة
آخر تحديث للشبكة بتاريخ : 25/2/1447هـ - الساعة: 16:51
أضف محرك بحث الألوكة إلى متصفح الويب