• الصفحة الرئيسيةخريطة الموقعRSS
  • الصفحة الرئيسية
  • سجل الزوار
  • وثيقة الموقع
  • اتصل بنا
English Alukah شبكة الألوكة شبكة إسلامية وفكرية وثقافية شاملة تحت إشراف الدكتور سعد بن عبد الله الحميد
 
الدكتور سعد بن عبد الله الحميد  إشراف  الدكتور خالد بن عبد الرحمن الجريسي
  • الصفحة الرئيسية
  • موقع آفاق الشريعة
  • موقع ثقافة ومعرفة
  • موقع مجتمع وإصلاح
  • موقع حضارة الكلمة
  • موقع الاستشارات
  • موقع المسلمون في العالم
  • موقع المواقع الشخصية
  • موقع مكتبة الألوكة
  • موقع المكتبة الناطقة
  • موقع الإصدارات والمسابقات
  • موقع المترجمات
 كل الأقسام | مقالات شرعية   دراسات شرعية   نوازل وشبهات   منبر الجمعة   روافد   من ثمرات المواقع  
اضغط على زر آخر الإضافات لغلق أو فتح النافذة اضغط على زر آخر الإضافات لغلق أو فتح النافذة
  •  
    صفة الوضوء
    تركي بن إبراهيم الخنيزان
  •  
    التمييز بين «الرواية» و«النسخة» في «صحيح البخاري»
    د. هيثم بن عبدالمنعم بن الغريب صقر
  •  
    أسماء الله الحسنى من خلال الجزء (السابع والعشرون) ...
    محمد نور حكي علي
  •  
    شرح متن طالب الأصول: (1) معنى البسملة
    أبو الحسن هشام المحجوبي ويحيى بن زكرياء ...
  •  
    من أقوال السلف في أسماء الله الحسنى: (القريب، ...
    فهد بن عبدالعزيز عبدالله الشويرخ
  •  
    قبسات من علوم القرآن (3)
    قاسم عاشور
  •  
    من دعاء الرسول صلى الله عليه وسلم
    الشيخ محمد جميل زينو
  •  
    اتقوا الأرحام
    أ. د. زكريا محمد هيبة
  •  
    ورع وإخلاص طلاب علم الأمس... مشاعل تنير دروب ...
    نوال محمد سعيد حدور
  •  
    {ونضع الموازين القسط ليوم القيامة} (خطبة)
    د. محمود بن أحمد الدوسري
  •  
    تفسير قوله تعالى: {يا أيها الذين آمنوا إن تطيعوا ...
    سعيد مصطفى دياب
  •  
    إزالة الغفلة (خطبة)
    الشيخ د. إبراهيم بن محمد الحقيل
  •  
    اتقوا فتنة التبرج
    د. لحرش عبد السلام
  •  
    كثرة تلاوته صلى الله عليه وسلم القرآنَ على فراشه ...
    الشيخ أ. د. عرفة بن طنطاوي
  •  
    عمى البصيرة يورد المهالك
    د. عبدالرحمن بن سعيد الحازمي
  •  
    شرح أحاديث الطهارة
    لطيفة بنت عبداللطيف
شبكة الألوكة / المواقع الشخصية / مواقع المشايخ والعلماء / الشيخ إبراهيم بن محمد الحقيل / خطب منبرية
علامة باركود

ذهاب الزمان واستقبال رمضان (خطبة)

ذهاب الزمان واستقبال رمضان (خطبة)
الشيخ د. إبراهيم بن محمد الحقيل

مقالات متعلقة

تاريخ الإضافة: 8/4/2021 ميلادي - 26/8/1442 هجري

الزيارات: 43757

 حفظ بصيغة PDFنسخة ملائمة للطباعة أرسل إلى صديق تعليقات الزوارأضف تعليقكمتابعة التعليقات
النص الكامل  تكبير الخط الحجم الأصلي تصغير الخط
شارك وانشر

ذهاب الزمان واستقبال رمضان

 

الْحَمْدُ لِلَّهِ الْعَلِيمِ الْحَكِيمِ، اللَّطِيفِ الْخَبِيرِ؛ خَلَقَ عِبَادَهُ فَابْتَلَاهُمْ بِالدِّينِ وَالدُّنْيَا، فَمِنْهُمْ مَنْ جَعَلَ الدُّنْيَا زَادَهُ إِلَى الْآخِرَةِ، وَمِنْهُمْ مَنْ مَلَكَ عَلَى قَلْبِهِ حُبُّ الدُّنْيَا فَنَسِيَ آخِرَتَهُ، نَحْمَدُهُ حَمْدًا كَثِيرًا، وَنَشْكُرُهُ شُكْرًا مَزِيدًا، وَأَشْهَدُ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ وَحْدَهُ لَا شَرِيكَ لَهُ؛ جَعَلَ اللَّيْلَ وَالنَّهَارَ آيَتَيْنِ يَعْمَلَانِ فِي بَنِي آدَمَ؛ فَيُقَرِّبَانِ الْبَعِيدَ، وَيُبْلِيَانِ الْجَدِيدَ، وَيَشِبُّ بِهِمَا الْأَطْفَالُ، وَيَهْرَمُ بِهِمَا الشَّبَابُ، وَيَسُوقَانِ الْجَمِيعَ إِلَى الْقُبُورِ، فَمَنْ عَمِلَ صَالِحًا حَمَدَ عَيْشَهُ فِي الدُّنْيَا، وَمَنْ عَمِلَ سُوءًا وَدَّ أَنَّهُ لَمْ يُخْلَقْ فِيهَا، وَأَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ؛ كَانَ أَزْهَدَ النَّاسِ فِي الدُّنْيَا، وَأَعْظَمَهُمْ رَغْبَةً فِي الْآخِرَةِ؛ وَكَانَ يَصُومُ حَتَّى يُقَالَ: لَا يُفْطِرُ، وَيُفْطِرُ حَتَّى يُقَالَ: لَا يَصُومُ، صَلَّى اللَّهُ وَسَلَّمَ وَبَارَكَ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَأَصْحَابِهِ وَأَتْبَاعِهِ بِإِحْسَانٍ إِلَى يَوْمِ الدِّينِ.

 

أَمَّا بَعْدُ: فَاتَّقُوا اللَّهَ تَعَالَى وَأَطِيعُوهُ، وَلَا تَغْتَرُّوا بِدُنْيَاكُمْ؛ فَإِنَّكُمْ مُفَارِقُوهَا إِلَى قُبُورِكُمْ ثُمَّ إِلَى أُخْرَاكُمْ، وَلَا مَفَرَّ مِنْ ذَلِكَ ﴿ كُلُّ نَفْسٍ ذَائِقَةُ الْمَوْتِ وَإِنَّمَا تُوَفَّوْنَ أُجُورَكُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ فَمَنْ زُحْزِحَ عَنِ النَّارِ وَأُدْخِلَ الْجَنَّةَ فَقَدْ فَازَ وَمَا الْحَيَاةُ الدُّنْيَا إِلَّا مَتَاعُ الْغُرُورِ ﴾ [آلِ عِمْرَانَ: 185].

 

أَيُّهَا النَّاسُ: لَا تَكَادُ شَمْسٌ تُشْرِقُ إِلَّا وَتَغْرُبُ، وَكَأَنَّ الْيَوْمَ لَحْظَةٌ. وَلَا يُهِلُّ هِلَالٌ إِلَّا وَيَأْفُلُ، وَكَأَنَّ الشَّهْرَ يَوْمٌ. وَلَا يَكَادُ عَامٌ يَبْدَأُ إِلَّا وَيَنْتَهِي، وَكَأَنَّ السَّنَةَ جُمْعَةٌ. وَلَا يَمْضِي رَمَضَانُ إِلَّا عَادَ سَرِيعًا، وَذَهَبَ سَرِيعًا، وَأَهْلُ الْعَافِيَةِ يُحِسُّونَ ذَلِكَ فِي حَيَاتِهِمْ حَتَّى تَنْقَضِيَ الْأَعْمَارُ وَمَا يَشْعُرُونَ بِهَا. وَسُرْعَةُ مُضِيِّ الزَّمَنِ مِنْ عَلَامَاتِ السَّاعَةِ؛ كَمَا فِي حَدِيثِ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ: قَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «لَا تَقُومُ السَّاعَةُ حَتَّى يَتَقَارَبَ الزَّمَانُ، فَتَكُونَ السَّنَةُ كَالشَّهْرِ، وَيَكُونَ الشَّهْرُ كَالْجُمُعَةِ، وَتَكُونَ الْجُمُعَةُ كَالْيَوْمِ، وَيَكُونَ الْيَوْمُ كَالسَّاعَةِ، وَتَكُونَ السَّاعَةُ كَاحْتِرَاقِ السَّعَفَةِ؛ الْخُوصَةُ» رَوَاهُ أَحْمَدُ وَصَحَّحَهُ ابْنُ حِبَّانَ.

 

وَفِي الْقُرْآنِ وَالسُّنَّةِ نُصُوصٌ كَثِيرَةٌ تُبَيِّنُ سُرْعَةَ انْقِضَاءِ الدُّنْيَا مَهْمَا طَالَ أَمَلُ ابْنِ آدَمَ فِيهَا، وَمَهْمَا عُمِّرَ وَرَأَسَ وَرَبَعَ فِيهَا:

فَمِنْهَا نُصُوصٌ تُبَيِّنُ أَنَّ قِيَامَ السَّاعَةِ قَرِيبٌ جِدًّا، وَمِنْهَا قَوْلُ اللَّهِ تَعَالَى: ﴿ اقْتَرَبَ لِلنَّاسِ حِسَابُهُمْ وَهُمْ فِي غَفْلَةٍ مُعْرِضُونَ ﴾ [الْأَنْبِيَاءِ: 1]، وَقَوْلُهُ تَعَالَى: ﴿ اقْتَرَبَتِ السَّاعَةُ وَانْشَقَّ الْقَمَرُ ﴾ [الْقَمَرِ: 1]، وَقَوْلُهُ تَعَالَى: ﴿ وَمَا يُدْرِيكَ لَعَلَّ السَّاعَةَ قَرِيبٌ ﴾ [الشُّورَى: 17]، وَأَبْلَغُ مِنْ ذَلِكَ فِي شِدَّةِ قُرْبِهَا قَوْلُهُ تَعَالَى: ﴿ وَمَا أَمْرُ السَّاعَةِ إِلَّا كَلَمْحِ الْبَصَرِ أَوْ هُوَ أَقْرَبُ إِنَّ اللَّهَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ ﴾ [النَّحْلِ: 77]. وَقَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «بُعِثْتُ أَنَا وَالسَّاعَةَ هَكَذَا، وَيُشِيرُ بِإِصْبَعَيْهِ فَيَمُدُّ بِهِمَا» رَوَاهُ الشَّيْخَانِ.

 

وَمِنْهَا نُصُوصٌ تَضْرِبُ الْأَمْثَالَ بِالدُّنْيَا كَمَاءٍ أُنْزِلَ مِنَ السَّمَاءِ، فَأَنْبَتَتْ بِهِ الْأَرْضُ، ثُمَّ تَحَوَّلَ إِلَى هَشِيمٍ؛ ﴿ إِنَّمَا مَثَلُ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا كَمَاءٍ أَنْزَلْنَاهُ مِنَ السَّمَاءِ فَاخْتَلَطَ بِهِ نَبَاتُ الْأَرْضِ مِمَّا يَأْكُلُ النَّاسُ وَالْأَنْعَامُ حَتَّى إِذَا أَخَذَتِ الْأَرْضُ زُخْرُفَهَا وَازَّيَّنَتْ وَظَنَّ أَهْلُهَا أَنَّهُمْ قَادِرُونَ عَلَيْهَا أَتَاهَا أَمْرُنَا لَيْلًا أَوْ نَهَارًا فَجَعَلْنَاهَا حَصِيدًا كَأَنْ لَمْ تَغْنَ بِالْأَمْسِ كَذَلِكَ نُفَصِّلُ الْآيَاتِ لِقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ ﴾ [يُونُسَ: 24]، وَكُرِّرَ هَذَا الْمَثَلُ الْعَظِيمُ فِي سُوَرِ الْكَهْفِ وَالزُّمَرِ وَالْحَدِيدِ. فَمُثِّلَتِ الدُّنْيَا بِالْمَاءِ الَّذِي يُنْبِتُ الزَّرْعَ، وَالْمَاءُ يَغُورُ فِي الْأَرْضِ، أَوْ يَتَبَخَّرُ بِالشَّمْسِ فَلَا يَبْقَى، وَكَذَلِكَ الدُّنْيَا تَزُولُ وَتَفْنَى. وَالْمَاءُ لَا يَقِرُّ فِي مَكَانٍ، وَكَذَلِكَ زَهْرَةُ الدُّنْيَا لَا تَسْتَقِرُّ لِأَحَدٍ عَلَى الدَّوَامِ. وَالْمَاءُ إِذَا نَزَلَ بِقَدْرِ مَا يَنْفَعُ الْأَرْضَ أَنْبَتَتْ زَرْعَهَا، وَاهْتَزَّتْ بِخُضْرَتِهَا، وَانْتَفَعَتِ الْأَحْيَاءُ بِهَا، وَإِذَا زَادَ عَنْ حَدِّ النَّفْعِ أَغْرَقَ الْأَرْضَ، وَأَتْلَفَ الزَّرْعَ، وَأَهْلَكَ النَّاسَ. وَكَذَلِكَ الدُّنْيَا إِذَا أَخَذَ الْعَبْدُ مِنْهَا مَا يُقِيمُ أَوَدَهُ، وَيُبَلِّغُهُ فِي مَسِيرِهِ إِلَى رَبِّهِ عَزَّ وَجَلَّ، انْتَفَعَ بِهَا؛ لِأَنَّهُ جَعَلَ الدُّنْيَا مَطِيَّةَ الْآخِرَةِ. وَأَمَّا إِذَا أَصَابَهُ الشَّرَهُ فِي جَمْعِ الدُّنْيَا وَالتَّمَتُّعِ بِهَا أَهْلَكَتْهُ؛ وَلِذَا قِيلَ: «حُبُّ الدُّنْيَا رَأْسُ كُلِّ خَطِيئَةٍ».

 

وَشُبِّهَتِ الدُّنْيَا بِالْأَرْضِ الْمُخْضَرَّةِ؛ لِأَنَّهَا تَخْضَرُّ وَتَزْدَانُ ثُمَّ تَصْفَرُّ وَتَغْبَرُّ وَتَزُولُ زِينَتُهَا، وَكَذَلِكَ مَبَاهِجُ الدُّنْيَا تَغُرُّ النَّاظِرِينَ، وَيَعْجَبُونَ بِزِينَتِهَا وَزَهْرَتِهَا، ثُمَّ تَزُولُ عَنْ أَصْحَابِهَا بِمُصِيبَةٍ تُكَدِّرُهَا، أَوْ مَوْتٍ يَقْطَعُ لَذَّتَهَا؛ وَلِذَا كَثُرَ فِي الْقُرْآنِ وَصْفُهَا بِأَنَّهَا مَتَاعُ الْغُرُورِ؛ ﴿ وَمَا الْحَيَاةُ الدُّنْيَا إِلَّا مَتَاعُ الْغُرُورِ ﴾ [الْحَدِيدِ: 20].

 

وَرَغْمَ هَذَا التَّحْقِيرِ وَالتَّقْلِيلِ مِنْ شَأْنِ الدُّنْيَا؛ فَإِنَّ الْوَاحِدَ مِنَ النَّاسِ لَا يَعِيشُ إِلَّا جُزْءًا ضَئِيلًا جِدًّا مِنْهَا؛ فَلَوْ عَاشَ مِئَةَ سَنَةٍ فَكَمْ نِسْبَتُهَا لِعُمْرِ الدُّنْيَا إِذَا كَانَتْ أُلُوفًا مِنَ السِّنِينَ لَا يَعْلَمُ قَدْرَهَا إِلَّا اللَّهُ تَعَالَى؛ وَلِذَا كَانَتِ الْآجَالُ مَضْرُوبَةً، وَالْمَوْتُ يَهْدِمُ لَذَائِذَ الدُّنْيَا، وَلَا يَسْتَطِيعُ أَحَدٌ رَدَّ الْمَوْتَ أَوْ دَفْعَهُ أَوْ تَأْجِيلَهُ؛ ﴿ قُلْ فَادْرَءُوا عَنْ أَنْفُسِكُمُ الْمَوْتَ إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ ﴾ [آلِ عِمْرَانَ: 168]، وَقَالَ تَعَالَى: ﴿ أَيْنَمَا تَكُونُوا يُدْرِكْكُمُ الْمَوْتُ وَلَوْ كُنْتُمْ فِي بُرُوجٍ مُشَيَّدَةٍ ﴾ [النِّسَاءِ: 78]، وَقَالَ تَعَالَى: ﴿ كُلُّ نَفْسٍ ذَائِقَةُ الْمَوْتِ ثُمَّ إِلَيْنَا تُرْجَعُونَ ﴾ [الْعَنْكَبُوتِ: 57]، وَقَالَ تَعَالَى: ﴿ قُلْ إِنَّ الْمَوْتَ الَّذِي تَفِرُّونَ مِنْهُ فَإِنَّهُ مُلَاقِيكُمْ ﴾ [الْجُمُعَةِ: 8].

 

وَمَنْ عُمِّرَ فِي الدُّنْيَا مَا عُمِّرَ، وَلَوْ عَاشَ أَلْفَ سَنَةٍ؛ فَكَأَنَّهُ عِنْدَ الْمَوْتِ وَالْحَشْرِ وَالْحِسَابِ مَا عَاشَ فِيهَا إِلَّا لَحْظَةً؛ ﴿ وَيَوْمَ يَحْشُرُهُمْ كَأَنْ لَمْ يَلْبَثُوا إِلَّا سَاعَةً مِنَ النَّهَارِ يَتَعَارَفُونَ بَيْنَهُمْ ﴾ [يُونُسَ: 45]، وَقَالَ تَعَالَى: ﴿ يَتَخَافَتُونَ بَيْنَهُمْ إِنْ لَبِثْتُمْ إِلَّا عَشْرًا * نَحْنُ أَعْلَمُ بِمَا يَقُولُونَ إِذْ يَقُولُ أَمْثَلُهُمْ طَرِيقَةً إِنْ لَبِثْتُمْ إِلَّا يَوْمًا ﴾ [طه: 103-104]، وَقَالَ تَعَالَى: ﴿ قَالَ كَمْ لَبِثْتُمْ فِي الْأَرْضِ عَدَدَ سِنِينَ * قَالُوا لَبِثْنَا يَوْمًا أَوْ بَعْضَ يَوْمٍ فَاسْأَلِ الْعَادِّينَ ﴾ [الْمُؤْمِنُونَ: 112-113]، وَقَالَ تَعَالَى: ﴿ كَأَنَّهُمْ يَوْمَ يَرَوْنَ مَا يُوعَدُونَ لَمْ يَلْبَثُوا إِلَّا سَاعَةً مِنْ نَهَارٍ بَلَاغٌ ﴾ [الْأَحْقَافِ: 35]، وَقَالَ تَعَالَى: ﴿ كَأَنَّهُمْ يَوْمَ يَرَوْنَهَا لَمْ يَلْبَثُوا إِلَّا عَشِيَّةً أَوْ ضُحَاهَا ﴾ [النَّازِعَاتِ: 46]، وَقَالَ أَعْلَمُ النَّاسِ بِالدُّنْيَا وَحَقِيقَتِهَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «وَاللَّهِ مَا الدُّنْيَا فِي الْآخِرَةِ إِلَّا مِثْلُ مَا يَجْعَلُ أَحَدُكُمْ إِصْبَعَهُ هَذِهِ فِي الْيَمِّ، فَلْيَنْظُرْ بِمَ تَرْجِعُ؟» رَوَاهُ مُسْلِمٌ. وَقَالَ الْحَسَنُ الْبَصْرِيُّ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى: «ابْنَ آدَمَ، طَإِ الْأَرْضَ بِقَدَمِكَ، فَإِنَّهَا عَنْ قَلِيلٍ قَبْرُكَ، فَوَاللَّهِ مَا زِلْتَ فِي هَدْمِ عُمُرِكَ مُنْذُ سَقَطْتَ مِنْ بَطْنِ أُمِّكَ».

 

فَحَرِيٌّ بِالْمُؤْمِنِ الَّذِي يُؤْمِنُ بِهَذِهِ النُّصُوصِ الْعَظِيمَةِ فِي بَيَانِ حَقِيقَةِ الدُّنْيَا، وَمُدَّةِ مُكْثِ الْإِنْسَانِ فِيهَا أَنْ يَعْتَبِرَ بِهَا، وَيَأْخُذَ الْعِظَةَ مِنْهَا، وَلَا سِيَّمَا أَنَّهَا تَمُرُّ عَلَيْهِ كَثِيرًا فِي آيَاتِ اللَّهِ تَعَالَى سَمَاعًا وَقِرَاءَةً، فَلَا يَجْعَلُ الدُّنْيَا أَكْبَرَ هَمِّهِ، وَلَا يُفْسِدُ بِحُبِّهَا قَلْبَهُ. بَلْ يَتَبَلَّغُ مِنْهَا بِمَا يُعِينُهُ عَلَى طَاعَةِ اللَّهِ تَعَالَى، وَيَجْتَهِدُ فِي تَزْكِيَةِ نَفْسِهِ بِالْأَعْمَالِ الصَّالِحَةِ، فَفِي ذَلِكَ الْفَوْزُ وَالْفَلَاحُ؛ ﴿ قَدْ أَفْلَحَ مَنْ زَكَّاهَا * وَقَدْ خَابَ مَنْ دَسَّاهَا ﴾ [الشَّمْسِ: 9، 10].

 

وَأَقُولُ قَوْلِي هَذَا وَأَسْتَغْفِرُ اللَّهَ لِي وَلَكُمْ...

 

الخطبة الثانية

الْحَمْدُ لِلَّهِ حَمْدًا طَيِّبًا كَثِيرًا مُبَارَكًا فِيهِ كَمَا يُحِبُّ رَبُّنَا وَيَرْضَى، وَأَشْهَدُ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ وَحْدَهُ لَا شَرِيكَ لَهُ، وَأَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ، صَلَّى اللَّهُ وَسَلَّمَ وَبَارَكَ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَأَصْحَابِهِ وَمَنِ اهْتَدَى بِهُدَاهُمْ إِلَى يَوْمِ الدِّينِ.

 

أَمَّا بَعْدُ: فَاتَّقُوا اللَّهَ تَعَالَى وَأَطِيعُوهُ، ﴿ وَاتَّقُوا يَوْمًا تُرْجَعُونَ فِيهِ إِلَى اللَّهِ ثُمَّ تُوَفَّى كُلُّ نَفْسٍ مَا كَسَبَتْ وَهُمْ لَا يُظْلَمُونَ ﴾ [الْبَقَرَةِ: 281].

 

أَيُّهَا الْمُسْلِمُونَ: هَذِهِ آخَرُ جُمْعَةٍ مِنْ شَعْبَانَ، وَمَا هِيَ إِلَّا بِضْعَةُ أَيَّامٍ وَيَهِلُّ عَلَيْنَا شَهْرُ رَمَضَانَ، شَهْرُ الصَّلَاةِ وَالصِّيَامِ وَالتَّرَاوِيحِ وَالْقُرْآنِ، شَهَرُ الْجُودِ وَالْبِرِّ وَالْإِحْسَانِ.. شَهْرٌ يَتَغَيَّرُ فِيهِ نَمَطُ عَيْشِ الْمُؤْمِنِينَ.. وَتَتَغَيَّرُ مَعَهُ قُلُوبُهُمْ؛ تَعَلُّقًا بِطَاعَةِ اللَّهِ تَعَالَى، وَمُلَازَمَةً لِلْقُرْآنِ. فَحَرِيٌّ بِأَهْلِ الْإِيمَانِ أَنْ يَسْتَقْبِلُوا الشَّهْرَ الْكَرِيمَ بِالتَّوْبَةِ النَّصُوحِ ﴿ وَتُوبُوا إِلَى اللَّهِ جَمِيعًا أَيُّهَا الْمُؤْمِنُونَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ ﴾ [النُّورِ: 31]. وَأَنْ يَعْلَمُوا أَنَّ الْغَايَةَ الْعُظْمَى مِنْ مَقَامِهِمْ فِي الدُّنْيَا هِيَ عِبَادَةُ اللَّهِ تَعَالَى، وَرَمَضَانُ مَوْسِمٌ لِلْعِبَادَةِ، وَلَا قِيمَةَ لِلْعُمْرِ إِذَا لَمْ يَمْتَلِئْ بِالْمُنْجَزَاتِ، وَأَفْضَلُ الْمُنْجَزَاتِ وَأَنْفَعُهَا عِبَادَةُ اللَّهِ تَعَالَى، وَالْإِقْبَالُ عَلَيْهِ سُبْحَانَهُ؛ فَإِنَّ ذَلِكَ يَجْمَعُ لِلْعَبْدِ وَلِلنَّاسِ خَيْرَيِ الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ. رَوَى أَبُو بَكْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ: «أَنَّ رَجُلًا قَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، أَيُّ النَّاسِ خَيْرٌ؟ قَالَ: مَنْ طَالَ عُمُرُهُ، وَحَسُنَ عَمَلُهُ، قَالَ: فَأَيُّ النَّاسِ شَرٌّ؟ قَالَ: مَنْ طَالَ عُمُرُهُ وَسَاءَ عَمَلُهُ» رَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ وَقَالَ: حَسَنٌ صَحِيحٌ. وَكُلُّ مَا كَانَ فِي طَاعَةِ اللَّهِ تَعَالَى فَهُوَ حَسَنٌ، وَكُلُّ مَا كَانَ فِي مَعْصِيَتِهِ فَهُوَ سَيِّئٌ.

 

وَلِأَهَمِّيَّةِ رَمَضَانَ فِي حَيَاةِ الْمُؤْمِنِ كَانَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يُبَشِّرُ أَصْحَابَهُ بِقُدُومِهِ، كَمَا فِي حَدِيثِ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يُبَشِّرُ أَصْحَابَهُ: «قَدْ جَاءَكُمْ رَمَضَانُ، شَهْرٌ مُبَارَكٌ، افْتَرَضَ اللَّهُ عَلَيْكُمْ صِيَامَهُ، تُفْتَحُ فِيهِ أَبْوَابُ الْجَنَّةِ، وَتُغْلَقُ فِيهِ أَبْوَابُ الْجَحِيمِ، وَتُغَلُّ فِيهِ الشَّيَاطِينُ، فِيهِ لَيْلَةٌ خَيْرٌ مِنْ أَلْفِ شَهْرٍ، مَنْ حُرِمَ خَيْرَهَا فَقَدْ حُرِمَ» رَوَاهُ أَحْمَدُ.

 

فَلْنُحْسِنْ -عِبَادَ اللَّهِ- اسْتِقْبَالَ الشَّهْرِ الْكَرِيمِ بِالتَّوْبَةِ مِنَ الذُّنُوبِ، وَالْإِقْبَالِ عَلَى اللَّهِ تَعَالَى بِالْقُلُوبِ، وَحِمَايَةِ الْأَسْمَاعِ وَالْأَبْصَارِ مِنَ الْحَرَامِ؛ فَإِنَّ عَرْضَ الْحَرَامِ عَلَى الْأَسْمَاعِ وَالْأَبْصَارِ يَكْثُرُ فِي رَمَضَانَ، وَأَجْهِزَتُهُ تُصَاحِبُ النَّاسَ وَلَا تُفَارِقُهُمْ، وَهِيَ فِي أَيْدِيهِمْ أَوْ جُيُوبِهِمْ، وَالشَّاشَاتُ أَمَامَهُمْ فِي بُيُوتِهِمْ، فَالْحَذَرَ الْحَذَرَ مِنْ ذَهَابِ أَجْرِ الصِّيَامِ وَالْقِيَامِ بِمَعَاصِي الْأَبْصَارِ وَالْأَسْمَاعِ. وَيَجِبُ صَوْنُ الْأَلْسُنِ عَنِ الْغِيبَةِ وَالنَّمِيمَةِ وَالْقِيلِ وَالْقَالِ، وَشَغْلُهَا بِالذِّكْرِ وَالِاسْتِغْفَارِ وَالْقُرْآنِ، وَنَبِيُّنَا صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ: «مَنْ لَمْ يَدَعْ قَوْلَ الزُّورِ وَالْعَمَلَ بِهِ وَالْجَهْلَ، فَلَيْسَ لِلَّهِ حَاجَةٌ أَنْ يَدَعَ طَعَامَهُ وَشَرَابَهُ» رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ.

 

اللَّهُمَّ بَلِّغْنَا رَمَضَانَ، وَبَارِكْ لَنَا فِيهِ، وَسَلِّمْهُ لَنَا، وَسَلِّمْنَا لَهُ، وَتَسَلَّمْهُ مِنَّا مُتَقَبَّلًا، يَا ذَا الْجَلَالِ وَالْإِكْرَامِ..

 

وَصَلُّوا وَسَلِّمُوا عَلَى نَبِيِّكُمْ...





 حفظ بصيغة PDFنسخة ملائمة للطباعة أرسل إلى صديق تعليقات الزوارأضف تعليقكمتابعة التعليقات
شارك وانشر

مقالات ذات صلة

  • استقبال رمضان (خطبة)
  • استقبال رمضان في عيون الأطفال
  • استقبال رمضان بين اعتناء السلف، وتسيب بعض الخلف
  • الأسرة في استقبال رمضان
  • استقبال رمضان
  • استقبال رمضان عند أهل الإيمان
  • استقبال رمضان
  • التوبة والندم على ما فات واستقبال شهر رمضان بقلب متلهف للطاعات
  • استقبال المسلمين لرمضان بين السابقين وفي هذا الزمان (خطبة)
  • استقبال رمضان
  • التوبة واستقبال رمضان (خطبة)
  • أحوال الناس في استقبال رمضان (خطبة)
  • خطبة استقبال رمضان
  • استقبال رمضان (خطبة)
  • رمضان والأخسرون أعمالا (خطبة)

مختارات من الشبكة

  • {ونضع الموازين القسط ليوم القيامة} (خطبة)(مقالة - موقع د. محمود بن أحمد الدوسري)
  • إزالة الغفلة (خطبة)(مقالة - موقع الشيخ إبراهيم بن محمد الحقيل)
  • خطبة: موسى عليه السلام وحياته لله عز وجل(مقالة - آفاق الشريعة)
  • خطبة: العدل ضمان والخير أمان(مقالة - آفاق الشريعة)
  • الورد والآس من مناقب ابن عباس (خطبة)(مقالة - آفاق الشريعة)
  • أنين مسجد (4) وجوب صلاة الجماعة وأهميتها (خطبة)(مقالة - موقع د. صغير بن محمد الصغير)
  • عاشوراء بين ظهور الحق وزوال الباطل (خطبة)(مقالة - آفاق الشريعة)
  • على ضفاف عاشوراء {ودمرنا ما كان يصنع فرعون وقومه} (خطبة)(مقالة - آفاق الشريعة)
  • خطبة: يكفي إهمالا يا أبي(مقالة - آفاق الشريعة)
  • خطبة: فتنة التكاثر(مقالة - آفاق الشريعة)

 



أضف تعليقك:
الاسم  
البريد الإلكتروني (لن يتم عرضه للزوار)
الدولة
عنوان التعليق
نص التعليق

رجاء، اكتب كلمة : تعليق في المربع التالي

مرحباً بالضيف
الألوكة تقترب منك أكثر!
سجل الآن في شبكة الألوكة للتمتع بخدمات مميزة.
*

*

نسيت كلمة المرور؟
 
تعرّف أكثر على مزايا العضوية وتذكر أن جميع خدماتنا المميزة مجانية! سجل الآن.
شارك معنا
في نشر مشاركتك
في نشر الألوكة
سجل بريدك
  • بنر
  • بنر
كُتَّاب الألوكة
  • ستولاك تستعد لانطلاق النسخة الثالثة والعشرين من فعاليات أيام المساجد
  • موافقة رسمية على مشروع تطويري لمسجد بمدينة سلاو يخدم التعليم والمجتمع
  • بعد انتظار طويل.. وضع حجر الأساس لأول مسجد في قرية لوغ
  • فعاليات متنوعة بولاية ويسكونسن ضمن شهر التراث الإسلامي
  • بعد 14 عاما من البناء.. افتتاح مسجد منطقة تشيرنومورسكوي
  • مبادرة أكاديمية وإسلامية لدعم الاستخدام الأخلاقي للذكاء الاصطناعي في التعليم بنيجيريا
  • جلسات تثقيفية وتوعوية للفتيات المسلمات بعاصمة غانا
  • بعد خمس سنوات من الترميم.. مسجد كوتيزي يعود للحياة بعد 80 عاما من التوقف

  • بنر
  • بنر

تابعونا على
 
حقوق النشر محفوظة © 1447هـ / 2025م لموقع الألوكة
آخر تحديث للشبكة بتاريخ : 21/1/1447هـ - الساعة: 14:34
أضف محرك بحث الألوكة إلى متصفح الويب