ستة مليارات للبحث العلمي

6.000.000.000 للبحث العلمي

الذين استمعوا وشاهدوا الإعلان التفصيلي لميزانية المملكة للعام المالي 1407هـ/ 1408هـ استوقفتهم الأرقام، والملاحظ في جمع من الناس في مناسبة يوم الأربعاء 30 /4 /1407هـ أن كل واحد من هؤلاء أرهف السمع عندما أعلنت أرقام تهمُّهُ مباشرة من حيث انتماؤه الوطني، وكنت قد ركزت على مخصصات التعليم العالي وأنا أستمع إلى المراسيم الملكية..فوجدت الإعلان عنها جاء في المقدمة بعد ثلاثة مراسيم فقط، وفي هذا دلالة لا تخفى على الجميع من حيث اهتمام الدولة بالركيزة العلمية، وحاولت سريعًا حصر الاعتمادات للتعليم العالي فوجدتها قد فاقت الستة آلاف مليون ريال عندما أضفت إلى الجامعات كليات البنات والكليات الأخرى ومدينة الملك عبدالعزيز للعلوم والتقنية.

هذا المبلغ يتوقع منه أن يصرف خلال عام مالي واحد؛ ولذلك فهو مبلغ غير يسير يخصص لجانب واحد من جوانب عدة من مرافق الدولة.

هذا المبلغ الكبير قد خصص منه للبحث العلمي جزء كبير أيضًا ولا شك، سواء كان ذلك للبحث العلمي التطبيقي أو للبحث العلمي التقني أو البحث العلمي الاجتماعي أو البحث الإنساني (العلوم الإنسانية) وهذا يدعو المتهم بالبحث العلمي إلى أن يقول كلمة في ظل الظروف الراهنة التي شهدت فيها البلاد مرحلة من المراجعة في الميزانية العامة للدولة، فجاء التركيز على جوانب تحتم التركيز عليها في سبيل الانتقال من مرحلة التنمية التي ركزت على البنية الأساسية إلى مرحلة التنمية التي تركز على شغل هذه البنية الأساسية بأبناء الوطن المؤهلين عقيدة وعلمًا وخبرة، فجاء الحديث على الترشيد في القبول لدى الجامعات، وقل إن شئت: جاء الحديث على إرشاد القبول لدى الجامعات، فصار التركيز على الدعوة إلى الاتجاه إلى الجوانب العلمية التطبيقية والجوانب التقنية، وصار التركيز على الدعوة إلى الاتجاه نحو التعليم الفني والمهني (المتوسط) الذي يخرج السواعد والخبرات إلى جانب الباحثين والدارسين.

وعن طريق التركيز على التعليم العالي تبرز هنا فكرة التركيز على تخريج العلماء والباحثين بدلًا من التركيز على دفعات من (الخريجين) الذين يكون عهد الكثيرين منهم بالتعليم العالي مقتصرًا على فترة التحصيل العلمي فقط.

أسلوب التقويم:

ماذا لو قوِّمت الجامعات بالنظر إلى عدد البحوث والدراسات والمشروعات التي أنجزتها بدلًا من تقويمها بعدد الذين تخرجوا منها؟

قد يعتقد البعض أن مفهوم هذا الحديث يوحي بتقليل أهمية البحث العلمي، والواقع ينفي ذلك؛ لوجود مراكز البحوث والمختبرات والمعامل وكثرة المشروعات التي تتبناها مدينة الملك عبدالعزيز للعلوم والتقنية، وليس هذا هو مفهوم الحديث، ولكن الذي لا بد من عدم إغفاله أن البحث العلمي لم يقف إلى الآن موازيًا لحاجة البلاد، ويمكن النظر إلى الاستعانة بالخبرات الأجنبية دليلًا على حاجتنا إلى البحث العلمي لدى مؤسساتنا العلمية والتعليمية، وليس من الحكمة عدم التأكيد على ذلك من قبل الكاتب.

والحق أننا نتهلل بشرًا عندما نقرأ في صحافتنا عن إنجاز علمي قام به أحد منسوبي جامعاتنا، ونفتخر به، ولنا أن نفتخر بهذا، وهذه الانطباعة نجد ما يوازيها أيضًا عندما تعلن جامعة من جامعاتنا عن تخريج العدد الكبير من طلبتها، والذي أحب أن أصل إليها هو التأكيد على التركيز على البحث العلمي ولو كان على حساب عدد المقبولين في الجامعة، خاصة في الوقت الذي نلاحظ فيه أن هناك مجموعة غير قليلة من خريجي المدارس الثانوية يطرقون أبواب الجامعات، وليس هناك مؤشر سلبي عندما لا تفتح لهم هذه الأبواب بغرض الترشيد.

وإذا أضفنا إلى ذلك أن الدولة قد أعطت الطالب الكثير والكثير وأكثر مما يناله أي طالب في العوالم الأخرى وجدنا أن هناك حاجة إلى إعادة النظر - ليس من حيث المكافأة - الشهرية فحسب - ولكن أيضًا من حيث مجانية السكن ورمزية الغذاء والكتاب من حيث القيمة، بحيث أصبح كثير من الطلاب يسيء استخدام هذا العطاء ويتصور بعض الغافلين منهم أن هذا أصبح من واجبات الجامعة حياله، مما انعكست آثاره على التحصيل العلمي والشخصي للخريج الذي نرغبه خريجًا باحثًا يمتلك أرضية ثقافية عميقة الجذور.

أسلوب الأداء:

وفي سبيل التركيز على البحث العلمي بين الجامعات والمعاهد العليا والمؤسسات التعليمية، وإعطاء هذا الجانب الأهمية الأولى والرئيسية ولو على حساب القبول، لا بد من التأكيد على مبدأ التعاون بين الجامعات السعودية بالدرجة الأولى، ومن ثم التأكيد على التعاون بين الجامعات الخليجية والعربية في سبيل الوصول إلى طريقة أفضل في أداء يوفر الشيء الكثير من الجهد والمال والذهن، الذي سيصرف على البحث العلمي، ومجالات التعاون كثيرة يحتاج كل مجال منها إلى دراسة وعناية ورعاية؛ كالاشتراك في استخدام الكتاب وتداوله بين الجامعات، والاشتراك في استخدام المعمل والمختبر، وخاصة إذا كانت بعض الجامعات لا تركز كثيرًا على مجالات تركز عليها الجامعة الأخرى، ولكنها تحتاج إلى المعمل والمختبر فتستعين بشقيقاتها في سبيل القيام بالأبحاث والدراسات، والاشتراك في مجالات زيارة أعضاء هيئة التدريس.

وكنت قد تحدثت عن هذا في مجال مستقل..والاشتراك في مناقشات الرسائل العلمية وتسهيل هذا الأسلوب والتخلص من عوائق إدارية تحول دون اللجوء إليه، ولعل لهذا الموضوع حديثًا خاصًّا لأهميته، ويدخل فيه تسهل تبادل الخبرة بين الجامعات على المستوى العلمي (الأكاديمي) والاشتراك في برامج تقنية يمكن من خلاله تبادل المعلومات..إلخ..

أساليب التعاون كثيرة وتحتاج إلى التنبه على أهميتها والاتصال المباشر بين الجماعات في سبيل تحقيقها..كل هذا ليتهيأ الجو إلى الاتجاه نحو التركيز على البحث العلمي النظري والتطبيقي والتقني على حد سواء.

ومن ثم تستغل ميزانيات التعليم العالي بأسلوب تتطلبه المرحلة العلمية المتقدمة التي نمر بها، ومزيدًا من الخير والنماء والبناء، وكان الله في عون الجميع! الجزيرة - السبت 3 جمادى الأولى 1407هـ. 3 يناير 1987م - العدد 5210.