لقاء مجلة الحرس الوطني مع شيخ القراء كريّم راجح (2)

لتحميل النسخة الضوئية من الحوار

اضغط هنا

(اضغط على الرابط بالزر الأيمن للفأرة واختر "حفظ باسم" أو "save link as")

في الحوار معه الذي نشرنا جزأه الأول في العدد الماضي، تحدث فضيلة الشيخ محمد كريّم راجح، شيخ القراء بدمشق عن جوانب من سيرته ورحلته مع القرآن، حفظاً وتعليماً وتدريساً وإجازةً لحفّاظ كتاب الله.

وفي هذه الحلقة يكمل رحلته بالحديث عن القراءات السبع والفرق بينها وبين الأحرف السبع، وأيضاً السند في القراءات حيث إن الشيخ راجح بينه وبين الرسول صلى الله عليه وسلم (27) شخصاً، فإلى الجزء الثاني والأخير مع الشيخ كريّم راجح، لنسمع منه في هذا الشهر المبارك، شهر القرآن، ما يثلج الصدور وتطيب به النفوس في العلاقة مع كتاب الله - عز وجل:

القراءات السبع والأحرف السبعة:

هل هناك فرق بين القراءات السبع والأحرف السبعة؟

• القراءات السبع جزء من الحروف السبعة، وفي الحديث الشريف أن النبي عليه الصلاة والسلام قال: (أنزل القرآن على سبعة أحرف) لم يقل سبع قراءات وإنما قال على سبعة أحرف، القرآن على سبعة أحرف مسألة فيها خلاف وصلت الاقوال فيها إلى خمسة وثلاثين قولاً حتى قيل إن هذا الحديث من المتشابه الذي ترك علمه إلى الله عز وجل، والأحرف السبعة كلها موجودة في المصحف الذي جمعه زيد - رضي الله عنه - ووضع عند أبي بكر - رضي الله عنه - وقصة جمعه معروفة وهي لما كثر القتل بقراء الصحابة في معركة اليمامة جاء عمر إلى أبي بكر الصديق - رضي الله عنه - وقال: ياخليفة رسول الله، أدرك القرآن الكريم فإني أخشى أن يذهب بذهاب القراء... إلى آخره فجمع زيد الصحف التي كتب فيها القرآن بأمر أبي بكر الصديق مع لجنة باختيار أبي بكر الصديق وبقيت عنده هذه الصحف، وجمع المصحف بين دفتيه عند أبي بكر الصديق، وبعد وفاته رضي الله تعالى عنه بقيت عند عمر- رضي الله عنه -.

وبعدما توفي عمر - رضي الله عنه - بقيت عند حفصة - رضي الله عنها - ولما صار الخلاف في المعارك في أذربيجان جاء حذيفة بن اليمان - رضي الله عنه - وقال للخليفة عثمان - رضي الله عنه: (أدرك القرآن الكريم، فإني رأيت الناس يختلفون فيه فأخشى أن يختلفوا فيه اختلاف النصارى واليهود في التوراة والإنجيل) لأن الأحرف السبعة كانت مدونة لديه، فحينئذ أمر عثمان زيدًا بكتابته مع بعض الصحابة، فكتبوه في مصاحف متعددة وزعت، وكانت كتابتهم على حرف واحد، وهذا الحرف الواحد كان مكتوباً بغير شكل ولا نقط وغالبا ليس فيه ألفات أيضاً، والرجوع إلى كتب الرسم يبين هذا الشيء فالقراءات المتواترة لا تخالف هذا الرسم ويبدو أن القراءات كلها بحرف واحد وأنها مبنية على هذا الرسم.

الاهتمام بالقراءات:

ما فائدة دراسة علم القراءات وما فائدة جمع القراءات؟

• في السلف الأول، ما كان شخص يجمع القراءات العشر أو السبع، فلم يكن هناك إنسان متخصص بفقه معين، ولم يكن هناك إنسان متخصص بقراءة كتاب معين، كان العلم منتشراً. وبعد ذلك، لما صار هناك قراء وأصبح ممكناً أن يحصر العلم أو الموضوع العلمي في كتاب، حصرت القراءات العشر أو السبع في كتاب وألفت كتب متعددة في هذا الموضوع، فوجد من يتخصص، وفي الأصل لم يكن متخصصون، فهناك متخصصون في علم الأصول، وفي علم الفقه وهناك متخصص بفقه الشافعي مثل الطب، الآن هناك من هو متخصص بالأذن والحنجرة، وهناك من هو متخصص بالقلب...

قديماً كان الطبيب يعرف كل شيء، ولكن كلما توسع العلم تخصص فيه رجال، وهكذا فعلم القراءات صار فيه تخصص كبقية العلوم.

أما الشطر الثاني من السؤال وهو: ما فائدة جمع هذه القراءات؟

أولاً. يجب على المسلمين أن يكون فيهم من يعرف هذه القراءات وإلا فإنها ستضيع، تعرف أن قراءات القرآن حفظُها في الصدور لا في السطور، والسطور تساعد الصدور.. هذا الشيء الأول.

الشيء الثاني: كم من الأحكام الفقهية مبنية على القراءات؟ كثير.

الشيء الثالث: الأحكام اللغوية، كم من الأحكام اللغوية مبنية على القراءات؟ فمثلاً التفسير، القراءات هي التي حفظت للأمة العربية التفسير، حفظت الهمزات، الإمالة، التقليل، الفتح، والنقل، وكل هذا إنما جاء من القراءات، القراءات للغة، للأدب، للفقه للقرآن، والقراءات واجب حفظها من أجل حفظ القرآن الكريم وقراءاته.

نظم الشاطبية والطيبة:

تكرر في الحوار الشاطبية والطيبة، نود لو توضحون للقارئ الفرق بين النظمين وأهميتهما...

• الشاطبية نظم للتيسير، و(الدرة) على نمط الشاطبية نظم لكتاب واحد عمله الشيخ ابن الجزري، ولذلك الوجوه فيه قليلة. بينما (الطيبة) هي نظم لكتب متعددة كثيرة جداً ولذلك كثرت الوجوه في الطيبة حتى ما يختلط كتاب بكتاب ووجه بوجه، لأنه كما أن الفقهاء لا يجيزون التلفيق، كذلك القراء لا يجيزون التلفيق:

وهذا مبحث طويل وصعب في وقتنا الآن، يحتاج لدراسة، ولذلك أنا أنصح بحفظ الشاطبية وإذا كان عنده وقت يحفظ الدرة.

ولهذا قال الشاطبي في آخرها:

... فهذا مع التوفيق كاف محصِّلا

والطيبة للمتخصصين، يعني يستطيع الإنسان أن يجمع أي علم مع الشاطبية، لكن الطيبة تحتاج إلى متفرغ.

هل يمكن للقارئ أن يحفظ القراءات بالشاطبية فقط، ولا يتطرق إلى الطيبة أو الدرة؟

• يكفي، أكثر ما في الطيبة تكرار، مثلاً في الطيبة يذكر الإمالة لابن ذكوان لكنها في الشاطبية غير موجودة، فالإمالة موجودة في الشاطبية، فهي تكرار، أبيات الشاطيبة 1173 بيتاً، (والدرة) نيف وأربعمائة، والطيبة ألف ونيف.

القراءات بدون الشاطبية:

هل يمكن للقارى أن يعرف القراءات بدون حفظ الشاطبية؟

• ممكن ولكن لا يستطيع أن يقرأ، ولا يستطيع أن يستحضر ولا يستطيع أن يحفظها، يعني أنت لا تستطيع أن تستحضر من الذي قرأ بالقراءة الفلانية، فيدخل بعضها على بعض، ولكن لو تحفظ الشاطبية، تجد الأمر ميسراً. مثلاً:

ومالك يوم الدين راويه ناصر وعند سراط والسراط لِ قنبلا

يعني (مالك يوم الدين) بهذا الشكل بالفاتحة (راويه) يعني الكسائي (ناصر يعني عاصماً) وعند (سراط) بالسين و(السراط) (لِ قنبلاً) قنبل هو الذي يقرأها، لو أنت تقدر تحفظ الحفظ هذا وتكرر عليك في القرآن آلاف المرات لوجدت الأمر صعباً، لكن لو أنت تحفظ الشاطبية وتطلع عليها:

جعلت أبا جاد على كل قارئ دليلاً على المنظوم أول أولاً

تفنن أن يأتي بالقارئ بحرفه أي برمزه.

تطلع مثلاً وهو يتكلم عن (سُخْريَّا) في سورة المؤمنون، هي في غيرها من القرآن لكن في سورة (المؤمنون) وسورة (ص) يقول: (وكسرك سخريا بها) أي المؤمنون (وبصادها) (على ضمه أُعطى شفاءً وأكملا) أي بالمؤمنون (وبصادها) فهو ب(أعطي) نافع و(شفاءً) حمزة والكسائي وانتهى بالواو لقوله: (متى تنتهي آتيك بالواو فيصلا) براعة عجيبة وقدرة، لا يستطيع أن يفعل أحد مثلما ما فعل الشاطبي. ثم انظر إلى المعنى الظاهر الذي تريده، لكن انظر المعنى الأدبي (ضمه) الضم من حيث القراءات المراد الضم وهو الرفع، لكن لاحظ أن الضم ضم العظم إذا انكسر بعضه إلى بعض، وضم العظم إلى العظم أعطى شفاء، يشفى، إذا لم تضمه فلن يشفى، انظر إلى القدرة:

وكسرك سخريا بها وبصادها على ضمه أعطى شفاءً وأكملا

أعطي براعة عجيبة، وهذا شيء منتشر، عنده قدرة لغوية وقوله:

ومالك يوم الدين راويه ناصر وعند سراط والسراط لِ قنبلا

هذا البيت له قصة أنا أحفظها لطيفة جداً: شيخنا الشيخ عبدالقادر - رحمة الله عليه - كان يجلس مرة في بعض الأندية العلمية وكان هناك شخص من المتخصصين بالأدب ويبدو أنه أستاذ في الأدب، أنا أعرف اسم هذا الرجل، إلا أن الشيخ كان حريصاً ألا يسميه، مشايخنا كان عندهم أدب مع الناس، لا يغتابون الناس، مجالسهم تخلو من الغيبة - رحمهم الله تعالى- وليست كمجالسنا الآن. أراد الرجل أن يهزأ بالشيخ عبدالقادر، هذا الذي كان في نفسه، قال له: ياشيخ عبدالقادر، الشاطبية كتاب عظيم لكنه لا يخلو من اللحن. فقال له الشيخ: أنا والله ما أعرف أن فيه لحناً، فإن كنت تراه فأطلعني عليه. قال له: في أول بيتين تقريباً في أوائلها يقول:

(ومالك يوم الدين روايه ناصر وعند سراط والسراط لِ قنبلا)

قال: (قنبلا) غير ممنوع من الصرف فهو مصروف وإنما من أجل النظم قال (قنبلا) للضرورة.

فضحك الشيخ وقال له: ياهذا، هذا البيت ليس هكذا، هذا البيت ليس فيه لحن وليس فيه ضرورة شعرية، ولكن أنا وأنت نستعين على إعراب هذا البيت، أنت تكتب وأنا أعرب.

أخذ الرجل الأداة والورق وكتب (وعند السراط والسراط لقنبلا) وكتب اللام موصولة بقنبل.

الشيخ أخذ البيت وقال: يا سيدي هذا خطأ، الصحيح أن تكتب اللام لحالها وقنبلا لحالها، وحينئذ (لِ) هذه فعل أمر من (يلي) بمعنى (تبع)، الأمر من (يلي) (لِ).

ومثله: وعى يعي عِ، والواجب هاء السكت (لم يَعِهْ) ولي يلي (لِ) فعل أمر مبني على حذف حرف العلة، والكسرة قبله دليل عليها وفاعله ضمير مستتر وجوباً تقديره أنت، فلم يسع هذا الرجل إلا أن يخرج من المجلس فلم يعد إليه فتعجب الشيخ، شيء عجيب جداً، أنا أتمنى من الأساتذة الأفاضل، وكلهم أفاضل أفضل مني أن ينظروا هذه الجواهر ويبينوها للقراء.

السند في القراءات:

فضيلة الشيخ، نريد أن نعرف شيئاً عن إجازة القرآن الكريم والفائدة منها، والسند في القرآن الكريم وعلو السند...

• الإجازة هي التي تضمن لنا أن هذا القرآن من عند الله، فأنا الآن لو أعطيتك صورة عن إجازتي: قرأ الشيخ كريم راجح على الشيخ أحمد الحلواني والشيخ محمود وأنا قرأت على هذا ختمت بالعشرة، والشيخ محمود فائز والشيخ أحمد الحلواني قرأ على الشيخ محمد سليم الحلواني، والشيخ محمد سليم الحلواني قرأ على الشيخ أحمد الحلواني، والشيخ أحمد الحلواني قرأ على الشيخ المرزوقي والشيخ المرزوقي قرأ على فلان وهكذا إلى سيدنا ابن عباس إلى رسول الله إلى جبريل إلى رب العزة، فهذا سند موثوق مئة على المئة، وتجد هذه الأسانيد سواء في مصر أو في دمشق أو في غيرها، بعضها مثل بعض لاتخالفها، مثلما تجد القراءات والتجويد لا يختلفان، والتجويد الصحيح لا يختلف، كان الشيخ يقرئنا مثلاً لورش مثلاً (لقد أحصاهم وعدهم عداً)، سمعت الشيخ الشعشاعي يقرأ هكذا تماماً (بالإمالة الصغرى) تماماً مثل قراءة شيخنا مئة على مئة مع قراءة الشيخ الشعشاعي، لكنها ليست متماثلة مع قراءة بعض القراء الذين نسأل الله أن يهديهم، صارت القراءة تجارة يتاجرون بها إلا من رحم ربك.

بيني وبين الرسول 27 شخصاً!

فضيلة الشيخ، كم بينك وبين الرسول صلى الله عليه وسلم في إجازتكم المقروءة؟

• سبعة وعشرون شخصاً، ليس أعلى من سندي في دمشق إلا سند الشيخ بكري الطرابيشي، هذا قرأ على الشيخ محمد سليم الحلواني، أنا حفظت الشاطبية على الشيخ محمد سليم الحلواني وجمعت عليه وسنده أعلى من سندي بدرجة، ولذلك أنا توقيراً لهذا الرجل واحتراماً أعده أستاذي.

يا فضيلة الشيخ: أنتم أجزتم كثيراً من طلابكم.. هل يمكن أن تذكر بعضهم؟

• ثق أنني نسيت أكثرهم، لأنني لا أحفل بنفسي ولا أحب أن أذكر لنفسي، منهم: إمام جامع الحصري، وأذكر منهم الأستاذ يوسف الفريح، والأستاذ محمد فهد خاروف أجزته بالقراءات، وممن أجزتهم برواية حفص وشعبة: الدكتور أبو الطيب محمد توفيق بن الشيخ محمد تيسير المخزومي والدكتور طارق بن محمد الخويطر...

سبق أن قرأنا لكم قصائد يا فضيلة الشيخ وقد طلبنا منكم أن تقرؤوا لنا منها.

• لي قصيدة قوامها ثلاثون بيتاً في تهنئة شيخنا الحلواني - رحمه الله- بمشيخة القراء.

ولي قصيدة في مدح النبي عليه الصلاة والسلام- وهذه أبيات قلتها في الصبر:

تَصَبَّرْ فؤادي، كلُّ ليل له فجرُ ولا بد بعد العسر أن يأتي اليسرُ وربُّك لا تبديلَ يوماً لحكمه له كلَّ يوم في خلائقه أمرُ فسلَّمْ إليه الأمر إنْ كنت حازماً ولاتيأسَنْ مما ينوب ولا ما يعرو

وكنت مرة في أحد المجالس وصاروا يتناسبون، هذا يقول: أنا منسوب للنبي، وآخر يقول: منسوب لعمر بن الخطاب... فسألوني: أنت منسوب إلى من؟ فقلت مرتجلاً:

إذا القوم بالأنساب يوماً تفاخروا فحسبيَ أني مسلم وابن مسلم

المصدر: مجلة الحرس الوطني/ رمضان 1424هـ، نوفمبر 2003م، باب: آفاق إسلامية.