• الصفحة الرئيسيةخريطة الموقعRSS
  • الصفحة الرئيسية
  • سجل الزوار
  • وثيقة الموقع
  • اتصل بنا
English Alukah شبكة الألوكة شبكة إسلامية وفكرية وثقافية شاملة تحت إشراف الدكتور سعد بن عبد الله الحميد
 
الدكتور سعد بن عبد الله الحميد  إشراف  الدكتور خالد بن عبد الرحمن الجريسي
  • الصفحة الرئيسية
  • موقع آفاق الشريعة
  • موقع ثقافة ومعرفة
  • موقع مجتمع وإصلاح
  • موقع حضارة الكلمة
  • موقع الاستشارات
  • موقع المسلمون في العالم
  • موقع المواقع الشخصية
  • موقع مكتبة الألوكة
  • موقع المكتبة الناطقة
  • موقع الإصدارات والمسابقات
  • موقع المترجمات
 كل الأقسام | مقالات شرعية   دراسات شرعية   نوازل وشبهات   منبر الجمعة   روافد   من ثمرات المواقع  
اضغط على زر آخر الإضافات لغلق أو فتح النافذة اضغط على زر آخر الإضافات لغلق أو فتح النافذة
  •  
    ماذا سيخسر العالم بموتك؟ (خطبة)
    حسان أحمد العماري
  •  
    فقه الطهارة والصلاة والصيام للأطفال
    د. محمد بن علي بن جميل المطري
  •  
    ثمرة محبة الله للعبد (خطبة)
    د. أحمد بن حمد البوعلي
  •  
    خطبة: القلق من المستقبل
    عدنان بن سلمان الدريويش
  •  
    فوائد وعبر من قصة يوشع بن نون عليه السلام (خطبة)
    د. محمود بن أحمد الدوسري
  •  
    خطبة: المخدرات والمسكرات
    الدكتور علي بن عبدالعزيز الشبل
  •  
    {وما النصر إلا من عند الله} ورسائل للمسلمين
    الشيخ محمد عبدالتواب سويدان
  •  
    من أقوال السلف في أسماء الله الحسنى: (الرزاق، ...
    فهد بن عبدالعزيز عبدالله الشويرخ
  •  
    الأحق بالإمامة في صلاة الجنازة
    عبد رب الصالحين أبو ضيف العتموني
  •  
    فضل الصبر على المدين
    د. خالد بن محمود بن عبدالعزيز الجهني
  •  
    تفسير قوله تعالى: { والذين إذا فعلوا فاحشة أو ...
    سعيد مصطفى دياب
  •  
    محاسن الإرث في الإسلام (خطبة)
    الشيخ د. إبراهيم بن محمد الحقيل
  •  
    تفسير: (لقد كان لسبإ في مسكنهم آية جنتان عن يمين ...
    تفسير القرآن الكريم
  •  
    علامات الساعة (2)
    تركي بن إبراهيم الخنيزان
  •  
    ما جاء في فصل الصيف
    الشيخ عبدالله بن جار الله آل جار الله
  •  
    أحكام التعاقد بالوكالة المستترة وآثاره: دراسة ...
    د. ياسر بن عبدالرحمن العدل
شبكة الألوكة / ملفات خاصة / رمضان / مواعظ وخواطر وآداب / مدارسة القرآن في رحاب رمضان / مقالات
علامة باركود

تأملات في آية الصيام (1)

د. محمد شلبي محمد

مقالات متعلقة

تاريخ الإضافة: 17/8/2011 ميلادي - 17/9/1432 هجري

الزيارات: 114926

 حفظ بصيغة PDFنسخة ملائمة للطباعة أرسل إلى صديق تعليقات الزوارأضف تعليقكمتابعة التعليقات
النص الكامل  تكبير الخط الحجم الأصلي تصغير الخط
شارك وانشر

تأملات في آية الصيام (1)

 

قال الله تعالى: ﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيَامُ كَمَا كُتِبَ عَلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ * أَيَّامًا مَعْدُودَاتٍ فَمَنْ كَانَ مِنْكُمْ مَرِيضًا أَوْ عَلَى سَفَرٍ فَعِدَّةٌ مِنْ أَيَّامٍ أُخَرَ وَعَلَى الَّذِينَ يُطِيقُونَهُ فِدْيَةٌ طَعَامُ مِسْكِينٍ فَمَنْ تَطَوَّعَ خَيْرًا فَهُوَ خَيْرٌ لَهُ وَأَنْ تَصُومُوا خَيْرٌ لَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ * شَهْرُ رَمَضَانَ الَّذِي أُنْزِلَ فِيهِ الْقُرْآنُ هُدًى لِلنَّاسِ وَبَيِّنَاتٍ مِنَ الْهُدَى وَالْفُرْقَانِ فَمَنْ شَهِدَ مِنْكُمُ الشَّهْرَ فَلْيَصُمْهُ وَمَنْ كَانَ مَرِيضًا أَوْ عَلَى سَفَرٍ فَعِدَّةٌ مِنْ أَيَّامٍ أُخَرَ يُرِيدُ اللَّهُ بِكُمُ الْيُسْرَ وَلَا يُرِيدُ بِكُمُ الْعُسْرَ وَلِتُكْمِلُوا الْعِدَّةَ وَلِتُكَبِّرُوا اللَّهَ عَلَى مَا هَدَاكُمْ وَلَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ ﴾ [البقرة: 183 - 185].

يجِب قبل الشُّروع في عبادةٍ ما، أن يتأمَّل المسلم الآياتِ التي شرَع الله تعالى فيها هذه العبادة، فإنَّ في تدبر الألفاظ والمعاني موجِّهات للإيمان يجِب الأخذُ بها، فلكلِّ عبادة حِكَمٌ ومقاصدُ، وقِيمٌ وفوائد.

وفي هذه السطور نحاول الوقوفَ عندَ اللفظ القرآني لنستجليَ ما حُشِدَ به من معانٍ وأحكام.

 

أولاً: الفرق بين نداءات القرآن الكريم:

أوَّل ما يطالعنا في الآية نِداءُ القرآن: ﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا ﴾، ونداءات القرآن الكريم تتنوَّع بحسب القضية التي تلي النداء، فإذا قال: ﴿ يَا أَيُّها النَّاسُ ﴾ فهو غير ﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا ﴾.

 

وعامَّة ما وقفتُ عليه مِن نداء الناس وجدتُه أحدَ ثلاث قضايا: قضية دعويَّة، أو إرشاديَّة، أو تحذيريَّة.

فالدعوية كقوله تعالى: ﴿ يَا أَيُّهَا النَّاسُ اعْبُدُوا رَبَّكُمُ ﴾ [البقرة: 21]، ﴿ يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ ﴾ [النساء: 1]، ﴿ يَا أَيُّهَا النَّاسُ قَدْ جَاءَكُمُ الرَّسُولُ بِالْحَقِّ مِنْ رَبِّكُمْ فَآمِنُوا خَيْرًا لَكُمْ [النساء: 170]، ﴿يَا أَيُّهَا النَّاسُ قَدْ جَاءَكُمْ بُرْهَانٌ مِنْ رَبِّكُمْ وَأَنْزَلْنَا إِلَيْكُمْ نُورًا مُبِينًا﴾ [النساء: 174]، ﴿ قُلْ يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنِّي رَسُولُ اللَّهِ إِلَيْكُمْ جَمِيعًا ﴾ [الأعراف: 158].

والتوجيهيَّة: كقوله تعالى: ﴿ يَا أَيُّهَا النَّاسُ كُلُوا مِمَّا فِي الْأَرْضِ حَلَالًا طَيِّبًا وَلَا تَتَّبِعُوا خُطُوَاتِ الشَّيْطَانِ ﴾ [البقرة: 168].

وأمَّا التحذيريَّة: ﴿ إِنْ يَشَأْ يُذْهِبْكُمْ أَيُّهَا النَّاسُ وَيَأْتِ بِآخَرِينَ ﴾ [النساء: 133].

 

وعامَّة ما وقفتُ عليه مِن نداء المؤمنين وجدتُه يتعلَّق بالقضايا السابقة ويَزيد عليها القضايا التشريعيَّة:

فالدعوية: كقوله تعالى: ﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا ادْخُلُوا فِي السِّلْمِ كَافَّةً وَلَا تَتَّبِعُوا خُطُوَاتِ الشَّيْطَانِ إِنَّهُ لَكُمْ عَدُوٌّ مُبِينٌ ﴾ [البقرة: 208]، وكقوله تعالى: ﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلَا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ ﴾ [آل عمران: 102].

 

وأمَّا التوجيهيَّة: فقوله تعالى: ﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَقُولُوا رَاعِنَا وَقُولُوا انْظُرْنَا وَاسْمَعُوا ﴾ [البقرة: 104]، وكقوله تعالى: ﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اسْتَعِينُوا بِالصَّبْرِ وَالصَّلَاةِ إِنَّ اللَّهَ مَعَ الصَّابِرِينَ ﴾ [البقرة: 153]، وكقوله تعالى: ﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تُبْطِلُوا صَدَقَاتِكُمْ بِالْمَنِّ وَالْأَذَى ﴾ [البقرة: 264]، وكقوله تعالى: ﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اصْبِرُوا وَصَابِرُوا وَرَابِطُوا وَاتَّقُوا اللَّهَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ ﴾ [آل عمران: 200].

 

وأمَّا التحذيريَّة: فقوله تعالى: ﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنْ تُطِيعُوا فَرِيقًا مِنَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ يَرُدُّوكُمْ بَعْدَ إِيمَانِكُمْ كَافِرِينَ ﴾ [آل عمران: 100]، وكقوله تعالى: ﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَتَّخِذُوا بِطَانَةً مِنْ دُونِكُمْ لَا يَأْلُونَكُمْ خَبَالًا وَدُّوا مَا عَنِتُّمْ قَدْ بَدَتِ الْبَغْضَاءُ مِنْ أَفْوَاهِهِمْ وَمَا تُخْفِي صُدُورُهُمْ أَكْبَرُ قَدْ بَيَّنَّا لَكُمُ الْآيَاتِ إِنْ كُنْتُمْ تَعْقِلُونَ ﴾ [آل عمران: 118].

 

وأمَّا التشريعيَّة: فكقوله تعالى: ﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُتِبَ عَلَيْكُمُ الْقِصَاصُ فِي الْقَتْلَى ﴾ [البقرة: 178]، وكقوله تعالى: ﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيَامُ ﴾ [البقرة: 183]، وكقوله تعالى: ﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَنْفِقُوا مِمَّا رَزَقْنَاكُمْ ﴾ [البقرة: 254]، وكقوله تعالى: ﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا يَحِلُّ لَكُمْ أَنْ تَرِثُوا النِّسَاءَ كَرْهًا ﴾ [النساء: 19]، وكقوله تعالى: ﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَقْرَبُوا الصَّلَاةَ وَأَنْتُمْ سُكَارَى ﴾ [النساء: 43]، وكقوله تعالى: ﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَذَرُوا مَا بَقِيَ مِنَ الرِّبَا ﴾ [البقرة: 278].

 

أمر لافت للنظَر:

أنَّ النداء في القضايا التشريعيَّة أتَى بوصف الإيمان وليس بوصف الإسلام، فلماذا؟

إنَّ الإيمان يشمَل في معناه الخاص العقائد، والإسلام يشمَل في معناه الخاص العبادات، ولكن لا يُمكن لأحدهما أن يفترِق عن الآخَر في التصوُّر العام للإسلام، فإذا أُفْرد أحدهما بالذِّكر دلَّ على الآخر، كما قال ابنُ تيمية: "إذا افترقَا اجتمعَا، وإذا اجتمعَا افترقَا" [مجموع الفتاوى: 1]، يقصد إذا افترقَا في اللفظ اجتمعَا في المعنى العام للإسلام، وإذا اجتمعَا في اللفظ افترقَا في المعنى الخاص.

ولكن لَمَّا كان الإيمانُ أسبقَ مِن الإسلام في التصوُّر، فالمرء يؤمِن، ثم يُسلِم نفسه لأوامر مَن آمَن به، جاء النِّداء بوصف الإيمان، كأنَّه يقول: يا أيها الذين آمنوا، إن كنتم آمنتم فأطيعوني فيما آمرُكم بكذا أو فيما أنهاكم عنْ كذا.

ثم إنَّ الإيمان هو المميِّز للعمل الصالح مِن العمل الباطل، فذكر الوصْف الحاكِم على العَملِ بالإخلاص الدَّاعي للقَبول.

 

ثانيًا: لفظ الفرضية:

قال تعالى: ﴿ كُتِبَ عَلَيْكُمْ ﴾، ولم يقلْ: فُرِض، والاختيار دليلُ الحِكمة، والحِكمة هي في اختيار لفظ [كُتِب]؛ أنَّ الصيام عبادةٌ شاقة، فهي امتناعٌ عن أمور محبوبة وضروريَّة للبدن، والنَّفْس في فِطرتها تنفر مِن المنع إلى الإباحة، فكان المقام أن تُذكَر الفرضية بلفظ "كتب"؛ لأنَّ الكتابة في معنَى التكليف أوْثَق وأقوى مِن لفظ "فرض"، ألاَ ترَى أنَّ مديرًا ما لو كَلَّف موظفًا عندَه بأمر ما شفهيًّا، فإنَّ ذلك سيكون أقل حتميةً مِن أن يكتُب له التكليف رسميًّا؟ والكتابة في اللُّغة بمعنى الجمْع والتثبيت؛ قال ابن فارس: "الكاف والتاء والباء: أصلٌ صحيح واحد يدلُّ على جمْع شيءٍ إلى شيءٍ"؛ [مقاييس اللغة].

 

ثالثًا: ﴿ كَمَا كُتِبَ عَلَى الَّذِين مِنْ قَبْلِكُمْ ﴾:

الحِكمة مِن ذِكر أنَّ الصيام شُرِع لمن قبلنا ظاهِرة.

فالصيام لما كان شاقًّا يسَّر الله أمْرَ تكليفه وهوَّنه بذِكر هذه الحقيقة، فالمرء يتثبت بأخيه ويتمثَّل به في مواجهةِ كلِّ شديد؛ أي: لستم وحدَكم مَن خُصصتم بهذه العبادة الشاقَّة، هذا وجه.

ووجه آخَر أنَّنا أمَّة يتنافس بعضُها مع بعض في مرضاةِ الله تعالى، وكذلك يجِب علينا أن نُرِي الله من أنفسنا خيرًا فيما شرَع لنا وننافس مَن قبلنا في ذلك، حتى نحسنَ ونُتقن ونُخلص أكثرَ ممَّا كان أتقياؤهم يَفْعلون، فهي عبارةٌ مذكورة للحثِّ.

 

رابعًا: ﴿ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ ﴾:

الحِكمة العُليا من فرْض الصيام تحقيقُ مقام إيماني عالٍ.

إنَّه التقوى.

وانظر إلى هذا المعنَى العظيم: لما حرَمناالله تعالى في الصِّيام من الزاد المادي أعْطانا زادًا خيرًا منه: ﴿ وَتَزَوَّدُوا فَإِنَّ خَيْرَ الزَّادِ التَّقْوَى ﴾ [البقرة: 197].

ويَكفي أن لا إله إلا الله هي "كلمة التقْوى".

إنَّ التقيَّ لن يَظلم ولن يَكذب، ولن يَنظر لحرام، ولن يسبَّ ولن يؤذي، حتى ولو كان كلُّ ذلك في صغير هيِّن.

فالتقوى زاد المؤمنين في حياتِهم الآخرة كما أنَّ الطعام زادُ حياتهم الدنيا، والتقوى التي يحقِّقها الصيام هي ميزانُ معادن الناس عندَ الله تعالى: ﴿ إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِنْدَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ ﴾ [الحجرات: 13].

 

ولكن كيف يُحقِّق الصيام مقامَ التقوى؟

إنَّ الصيام له خَصيصة تخصُّه دون سائر العبادات، فكلها عبادات فِعلية، أمَّا الصيام فهو عبادة تركيَّة، والناس مطَّلعون على الفعليَّات وليسوا بمطَّلعين على التركيَّات، فمراقبة الله تعالى على الوجهِ الأمْثل هي في الصيام الذي لا يَطَّلع عليه إلا الله، والعبادة التي لا دخْلَ فيها للرِّياء هي صوم رمضان، فليس بتطوُّع يستكثر المرء به ويباهي، ولكن فَرْض يلزمه أداؤه.

فمَن يَحسُّ هذه المعاني في الصيام يظلُّ طولَ وقته مراقبًا لله تعالى الذي يعلم أنَّه الواحد الأحَد الذي يطَّلع على صومه الخفيِّ، فلو اختلَى فأكَل فأنَّى لأحد أن يعلم ذلك؛ لذا لا يستطيع أن يُقدِم على فِعل حرام وهو يستحضر مراقبةَ الله تعالى له.

فالتقوى نتاجُ الإحساس بمراقبة الله تعالى للعبْد، وبُعْد العبدِ عن الرِّياء والعُجْب.

وفي الصيام عِلل أُخرى وأحْكام، ولكن ذكَرْنا أظهرَها على حسب اللفظ القرآني، ولنا في بقيَّة المقاصِد مقالٌ خاص - إن شاء الله تعالى.

 

خامسًا: ﴿ أَيَّامًا مَعْدُودَاتٍ ﴾:

مِن التسهيل والتهوين ذِكْر هذا الأمر.

وأظهر التفاسير على أنَّ المقصود بالأيَّام المعدودات شهر رمضان، وليس الأيام التي كانت تُصام قبلَ فرْضه، فهو أيَّام معدودات، وللطاهِر بن عاشور تفريقٌ حسَن بين معدودات ومعدودة؛ إذ ذكَر أنَّ العرب إذا وصفتْ جمعًا لغير عاقل وأوَّلته بمعنى جماعة قالوا مثلاً: معدودة، وإذا زاد قليلاً فأوَّلوه بمعنى جماعات قالوا: معدودات، فقوله تعالى: ﴿ أَيَّامًا مَعْدُودَات ﴾ أكثر مِن قوله ﴿ أَيَّامًا مَعْدُودة ﴾؛ وذلك لأنَّ الشهر ثلاثون يومًا.

ومنه يتَّضح أنَّ اليهود حين قالوا: ﴿ لَنْ تَمَسَّنَا النَّارُ إِلَّا أَيَّامًا مَعْدُودَةً ﴾ [البقرة: 80]، كانوا يَرَوْنها أيَّامًا قليلة جدًّا، وكذلك قوله تعالى: ﴿ دَرَاهِمَ مَعْدُودَةٍ ﴾ [يوسف: 20].

 

سادسًا: ﴿ فَمَنْ كَانَ مِنْكُم مَريضًا... فِدْيةٌ طَعَامُ مِسْكِين ﴾:

مِن ملامح التسهيل التدرُّج في التكليف.

فمِن يُسْر الله تعالى أن تدرّج في تكليف عبادِه بالأمور التي تشقُّ عليهم، فكما تدرّج في تحريم الرِّبا والخمر تدرّج كذلك في تشريع الصِّيام.

 

وكان التدرُّج على وجهين:

الأول: أنْ شرَع الصيام مفرقًا، فكان ثلاثة أيَّام مِن كل شهر، ثم بعدَ أن تمكَّن الصيام فيهم شرَع شهرًا كاملاً.

الثاني: لما شرَع الشهر كاملاً كان فيه للصحيح القادِر على الصيام جوازُ الصوم وجواز الإفطار، وله إنْ أفطر أن يُطعِم كلَّ يوم مسكينًا، ثم لما تمكَّن الأمر أكثرَ نسخ هذا الحُكم وأصبح صومُ رمضان عزيمةً على القادر، وبقِي ذوو الأعذار؛ مَن كان مريضًا أو مسافرًا أفطر وقضَى، ومَن كان طاعنًا في السنِّ أفْطر وأطعم.

 

وأمْر آخَر يقتضيه ذِكر التيسير، يذكره هذا الحديث:

عن البراء - رضي الله عنه - قال: كانَ أصحابُ محمد - صلَّى الله عليه وسلَّم - إذا كان الرَّجلُ صائمًا فحضر الإفطار فنام قبْلَ أن يُفطِر لم يأكلْ ليلتَه ولا يومَه حتى يُمسي، وإنَّ قيس بن صرمة الأنصاري كان صائمًا فلمَّا حضَر الإفطار أتى امرأته فقال لها: أعندَكِ طعام؟ قالت: لا، ولكن أنطَلِق فأطلب لك، وكان يومَه يعمل فغلبتْه عيناه، فجاءتْه امرأتُه فلمَّا رأته قالت: خيبة لك، فلمَّا انتصف النهار غُشِي عليه فذكر ذلك للنبي - صلَّى الله عليه وسلَّم - فنزلت هذه الآية: ﴿ أُحِلَّ لَكُمْ لَيْلَةَ الصِّيَامِ الرَّفَثُ إِلَى نِسَائِكُمْ ﴾ [البقرة: 187]، ففرِحوا بها فرحًا شديدًا، ونزلت: ﴿ وَكُلُوا وَاشْرَبُوا حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَكُمُ الْخَيْطُ الْأَبْيَضُ مِنَ الْخَيْطِ الْأَسْوَدِ ﴾ [البقرة: 187].

 

ما بالكم لو لم يَحدُث هذا التيسير، هل كنتم ستمتنِعون عن عبادةِ الصيام؟!

كان لا محالةَ ستفعلون، وتتكيَّفون، ولكن كنتم ستتعبون أشدَّ التعب ويشقُّ عليكم أشدَّ المشقَّة.

إذا تأملتَ أنَّكَ لم يكن لديك خيار الرفض ستذوق طعمَ التيسير الإلهي في تشريعه هذا.

 

سابعًا: ﴿ وَأَنْ تَصُومُوا خَيْرٌ لَكُمْ ﴾:

الحثُّ الإلهي داخلٌ في إطار التدرُّج التشريعي، فقبل الفرْض يأتي الحثُّ والتشجيع، كما يأتي التكريهُ قبل التحريم، كما كان في تحريمِ الخمْر.

وما بالكم بصحابي كريم يقال له: ﴿ وَأَنْ تَصُومُوا خَيْرٌ لَكُمْ ﴾؟ إنَّه لا محالة لا بدَّ أن يأخذ بما هو خيرٌ له، حتى يصيرَ ذلك هينًا عليه بالاعتياد، فتأتي مرحلةُ الفرضية وهم لها مهيَّؤون أشدَّ التهيئة.

 

ولكن لماذا كان الصيامُ خيرًا لنا من عدمه؟

إجابة هذا السؤال تتناول جوانبَ الخيريَّة في الصيام للأفراد والأمَّة كلها، وهو مضمونُ المقال التالي - بإذن الله تعالى.





 حفظ بصيغة PDFنسخة ملائمة للطباعة أرسل إلى صديق تعليقات الزوارأضف تعليقكمتابعة التعليقات
شارك وانشر

مقالات ذات صلة

  • تأملات في آية الكرسي
  • تأملات في سورة الإخلاص
  • تأملات في آيات الربا في كتاب الله
  • تأملات في قوله تعالى: {إن المتقين في جنات وعيون}
  • تأملات في آية الصيام (2)
  • يريد الله بكم اليسر
  • فمن شهد منكم الشهر فليصمه
  • من أسرار القرآن: فرضية الصيام وعلاقتها بنداءات سورة البقرة

مختارات من الشبكة

  • صيام التطوع(مقالة - آفاق الشريعة)
  • من آداب الصيام: صيام ستة أيام من شوال بعد صيام شهر رمضان(مقالة - آفاق الشريعة)
  • أحكام متفرقة في الصيام(مقالة - ملفات خاصة)
  • أجوبة مختصرة حول أحكام صيام التطوع(مقالة - ملفات خاصة)
  • أحكام صيام التطوع(مقالة - ملفات خاصة)
  • من صيام التطوع: صيام الأحد والاثنين والخميس والجمعة(مقالة - ملفات خاصة)
  • من صيام التطوع: صيام السبت(مقالة - ملفات خاصة)
  • من صيام التطوع: صيام أيام البيض(مقالة - آفاق الشريعة)
  • فضل صيام الست من شوال: صيام الدهر كله(مقالة - آفاق الشريعة)
  • صيام الجوارح صيام لا ينتهي (PDF)(كتاب - مكتبة الألوكة)

 


تعليقات الزوار
5- الأخت السائلة اليمنية
د. محمد شلبي محمد - مصر 07-04-2021 08:16 AM

أختنا الكريمة .. وكيف يأتي النسخ في نفس الآية .. لا يأتي النسخ إلا في آية أخرى .. ولو أتممت قراءتك لقرأت: (فمن شهد منكم الشهر فليصمه) [ من جاء عليه رمضان وهو واع به مدرك له.. فليصمه وجوبًا ]، ثم ذكر الرخص .. والرخص استثناء من الحكم العام .. وهو فرض الصوم على جميع القادرين.

4- بل هو مذكور تفسيرها
محمد شلبي محمد - مصر 18-07-2015 11:32 PM

أخي ياسر - البحرين
السلام عليكم ورحمة الله
قد تعرضت لذلك أخي الكريم
راجع "سادسا: فمن كان منكم مريضا..."

3- أين أمر الفرض الإلزامي !!!!
سائلة - اليمن 26-06-2014 05:16 PM

عند قراءة الآية والتفسير ،،، لم أجد بما نسخت الآية فأتى أمر الصيام الإلزامي للجميع ،،، فالآية حتى الآن تقول بأن من لا يريد الصيام عليه بالإطعام ،،، فبما نسخت الآية يا تُرى !!!

2- ملاحظة
ياسر - البحرين 17-06-2014 02:26 PM

لم يتطرق المفسر إلى الآتي (وعلى الذين يطيقونه إطعام مسكين) لم يفسرها .. الله سبحانه وتعالى يوجد للعباد أن الدين يسر قال تعالى (ما يريد الله عليكم في دين من حرج) الذين يطيقونه هم من لا يتحمل المشقه نتيجه لتكوين الخلقي فيهم فقال الله لهم إطعام مسكين ولأن الله الإله الغامر المحبة لعباده أكد لعباده في نهايه الآية التالي قال سبحانه (وإن تصوموا خير لكم) صدق الله العظيم الخيرة أي أن هناك من قد أجاز لهم الله الخيرة بالإفطار وهذا دين الإسلام اليسير وقضى الله لهم بدائل المريض أيام أخر والمسافر أيام آخر والذين يطيقونه أي ضعفاء فإطعام مسكين يعادل صوم يوم من رمضان والله أعلم العالمين.

1- ilyes
ilyes - algira 04-12-2013 09:30 PM

mchaa lah

1 

أضف تعليقك:
الاسم  
البريد الإلكتروني (لن يتم عرضه للزوار)
الدولة
عنوان التعليق
نص التعليق

رجاء، اكتب كلمة : تعليق في المربع التالي

مرحباً بالضيف
الألوكة تقترب منك أكثر!
سجل الآن في شبكة الألوكة للتمتع بخدمات مميزة.
*

*

نسيت كلمة المرور؟
 
تعرّف أكثر على مزايا العضوية وتذكر أن جميع خدماتنا المميزة مجانية! سجل الآن.
شارك معنا
في نشر مشاركتك
في نشر الألوكة
سجل بريدك
  • بنر
  • بنر
كُتَّاب الألوكة
  • مشروع مركز إسلامي في مونكتون يقترب من الانطلاق في 2025
  • مدينة روكفورد تحتضن يوما للمسجد المفتوح لنشر المعرفة الإسلامية
  • يوم مفتوح للمسجد يعرف سكان هارتلبول بالإسلام والمسلمين
  • بمشاركة 75 متسابقة.. اختتام الدورة السادسة لمسابقة القرآن في يوتازينسكي
  • مسجد يطلق مبادرة تنظيف شهرية بمدينة برادفورد
  • الدورة الخامسة من برنامج "القيادة الشبابية" لتأهيل مستقبل الغد في البوسنة
  • "نور العلم" تجمع شباب تتارستان في مسابقة للمعرفة الإسلامية
  • أكثر من 60 مسجدا يشاركون في حملة خيرية وإنسانية في مقاطعة يوركشاير

  • بنر
  • بنر

تابعونا على
 
حقوق النشر محفوظة © 1446هـ / 2025م لموقع الألوكة
آخر تحديث للشبكة بتاريخ : 16/11/1446هـ - الساعة: 14:43
أضف محرك بحث الألوكة إلى متصفح الويب