• الصفحة الرئيسيةخريطة الموقعRSS
  • الصفحة الرئيسية
  • سجل الزوار
  • وثيقة الموقع
  • اتصل بنا
English Alukah شبكة الألوكة شبكة إسلامية وفكرية وثقافية شاملة تحت إشراف الدكتور سعد بن عبد الله الحميد
 
الدكتور سعد بن عبد الله الحميد  إشراف  الدكتور خالد بن عبد الرحمن الجريسي
  • الصفحة الرئيسية
  • موقع آفاق الشريعة
  • موقع ثقافة ومعرفة
  • موقع مجتمع وإصلاح
  • موقع حضارة الكلمة
  • موقع الاستشارات
  • موقع المسلمون في العالم
  • موقع المواقع الشخصية
  • موقع مكتبة الألوكة
  • موقع المكتبة الناطقة
  • موقع الإصدارات والمسابقات
  • موقع المترجمات
 كل الأقسام | مقالات شرعية   دراسات شرعية   نوازل وشبهات   منبر الجمعة   روافد   من ثمرات المواقع  
اضغط على زر آخر الإضافات لغلق أو فتح النافذة اضغط على زر آخر الإضافات لغلق أو فتح النافذة
  •  
    خطبة: المخدرات والمسكرات
    الدكتور علي بن عبدالعزيز الشبل
  •  
    {وما النصر إلا من عند الله} ورسائل للمسلمين
    الشيخ محمد عبدالتواب سويدان
  •  
    من أقوال السلف في أسماء الله الحسنى: (الرزاق، ...
    فهد بن عبدالعزيز عبدالله الشويرخ
  •  
    الأحق بالإمامة في صلاة الجنازة
    عبد رب الصالحين أبو ضيف العتموني
  •  
    فضل الصبر على المدين
    د. خالد بن محمود بن عبدالعزيز الجهني
  •  
    تفسير قوله تعالى: { والذين إذا فعلوا فاحشة أو ...
    سعيد مصطفى دياب
  •  
    محاسن الإرث في الإسلام (خطبة)
    الشيخ د. إبراهيم بن محمد الحقيل
  •  
    تفسير: (لقد كان لسبإ في مسكنهم آية جنتان عن يمين ...
    تفسير القرآن الكريم
  •  
    علامات الساعة (2)
    تركي بن إبراهيم الخنيزان
  •  
    ما جاء في فصل الصيف
    الشيخ عبدالله بن جار الله آل جار الله
  •  
    أحكام التعاقد بالوكالة المستترة وآثاره: دراسة ...
    د. ياسر بن عبدالرحمن العدل
  •  
    خطبة: أم سليم ضحت بزوجها من أجل دينها (1)
    د. محمد جمعة الحلبوسي
  •  
    خطبة: التربية على العفة
    عدنان بن سلمان الدريويش
  •  
    حقوق الأولاد (1)
    د. أمير بن محمد المدري
  •  
    التلاحم والتنظيم في صفوف القتال في سبيل الله...
    أبو مالك هيثم بن عبدالمنعم الغريب
  •  
    أسس التفكير العقدي: مقاربة بين الوحي والعقل
    الشيخ حذيفة بن حسين القحطاني
شبكة الألوكة / آفاق الشريعة / منبر الجمعة / الخطب / الذكر والدعاء
علامة باركود

النصيحة الثالثة: استقبلوا أمواج البلاء بالدعاء والتضرع (خطبة)

النصيحة الثالثة: استقبلوا أمواج البلاء بالدعاء والتضرع (خطبة)
د. محمد جمعة الحلبوسي

مقالات متعلقة

تاريخ الإضافة: 19/2/2024 ميلادي - 9/8/1445 هجري

الزيارات: 8603

 حفظ بصيغة PDFنسخة ملائمة للطباعة أرسل إلى صديق تعليقات الزوارأضف تعليقكمتابعة التعليقات
النص الكامل  تكبير الخط الحجم الأصلي تصغير الخط
شارك وانشر

النصيحة الثالثة

استقبلوا أمواج البلاء بالدعاء والتضرع


إن الحمد لله، نحمده، ونستعينه، ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا، ومن سيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هــادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شـــــريك له، وأشهد أن محمدًا عبدُه ورســــــــولُه القائل: ((إِنَّهُ مَنْ لَمْ يَسْأَلِ اللَّهَ يَغْضَبْ عَلَيْهِ))[1].

لا تَسْأَلَنَّ بُنَيَّ آدَمَ حَاجَةً
وَسَلِ الَّذِي أَبوَابُه لا تُحْجَبُ
اللهُ يَغْضَبُ إِن تَرَكْتَ سُؤَالَهُ
وَبُنَيَّ آدَمَ حِينَ يُسْأَلُ يَغْضَبُ


﴿ يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلَا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ ﴾ [آل عمران: 102].

 

﴿ يَاأَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالًا كَثِيرًا وَنِسَاءً وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي تَسَاءَلُونَ بِهِ وَالْأَرْحَامَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيبًا ﴾ [النساء: 1].

 

﴿ يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلًا سَدِيدًا * يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزًا عَظِيمًا ﴾ [الأحزاب: 70، 71]، أَمَّا بَعْدُ:

فَإِنَّ خَيْرَ الْحَدِيثِ كِتَابُ اللهِ، وَخَيْرَ الْهَدْيِ هَدْيُ سيدنا مُحَمَّدٍ صلى الله عليه وسلم، وَشَرَّ الأُمُورِ مُحْدَثَاتُهَا، وَكُلَّ مُحْدَثَةٍ بِدْعَةٌ، وَكُلَّ بِدْعَةٍ ضَلالَةٌ، وَكُلَّ ضَلالَةٍ في النَّارِ.

 

فلا زلنا مع وصية سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم، هذه الوصية التي يقول فيها: ((حَصِّنُوا أَمْوَالَكُمْ بِالزَّكَاةِ، وَدَاوُوا مَرْضَاكُمْ بِالصَّدَقَةِ، وَاسْتَقْبِلُوا أَمْوَاجَ الْبَلَاءِ بِالدُّعَاءِ وَالتَّضَرُّعِ))[2]، ووقفنا في الجمعتين الماضيتين مع نصيحتين من هذه الوصية: النصيحة الأولى هي ((حَصِّنُوا أَمْوَالَكُمْ بِالزَّكَاةِ))، والنصيحة الثانية: ((وَدَاوُوا مَرْضَاكُمْ بِالصَّدَقَةِ)).

 

واليوم نكمل حديثنا مع النصيحة الثالثة والأخيرة من هذه الوصية، وهي ((وَاسْتَقْبِلُوا أَمْوَاجَ الْبَلَاءِ بِالدُّعَاءِ وَالتَّضَرُّعِ))، فنبيُّكم صلى الله عليه وسلم أراد من خلال هذه النصيحة أن يُذكِّر الأمة بعبادة عظيمة، هذه العبادة هي من أجلِّ العبادات، هذه العبادة هي سبب لتفريج الهموم، وتنفيس الكروب، وانشراح الصدور وتيسير الأمور، هذه العبادة هي سبب لدفع البلاء قبل نزوله، ورفع البلاء بعد نزوله، هذه العبادة سبب في نجاة صاحبها من النار والعذاب الأليم يوم القيامة، إنها عبادة الدعاء والتضرُّع.


ولذلك لو تصفحت كتاب الله تعالى ستجد أن الله تعالى قد تحدث عن هذه العبادة في أكثر من ثلاثمائة آية، كل ذلك ليُنبِّه الأمة على أهمية هذه العبادة في حياتها وبعد مماتها.


هذا سيدنا يونس عليه السلام، هذا النبي الذي أرسله الله تعالى إلى أهل نينوى ليدعوهم إلى عبادة الله تعالى وحده، وترك عبادة الأصنام، ولكنه لم يستجب إليه أحد قط، فغضب عليهم وتوعَّدهم بنزول العذاب عليهم، ثم تركهم وذهب مغاضبًا إلى الشاطئ، وهناك التقمه الحوت، كما قال تعالى: ﴿ وَإِنَّ يُونُسَ لَمِنَ الْمُرْسَلِينَ * إِذْ أَبَقَ إلى الْفُلْكِ الْمَشْحُونِ * فَسَاهَمَ فَكَانَ مِنَ الْمُدْحَضِينَ * فَالْتَقَمَهُ الْحُوتُ وَهُوَ مُلِيمٌ ﴾ [الصافات: 139 - 142]، فلما أصبح في بطن الحوت انقطعت صلته بالمخلوقين جميعًا، لا ولد، ولا زوجة، ولا أهل، ولا أصحاب، وأصبح في ظلمات ثلاث: (ظلمة الليل، وظلمة البحر، وظلمة بطن الحوت)، وفي تلك الظلمات نادى سيدنا يونس عليه السلام، تضرع إلى الله عز وجل بالدعاء، قال: ﴿ لَا إِلَهَ إِلَّا أَنْتَ سُبْحَانَكَ إِنِّي كُنْتُ مِنَ الظَّالِمِينَ ﴾ [الأنبياء: 87]، فسمعت الملائكة صوت سيدنا يونس عليه السلام، فقالت الملائكة: يا رب صوت معروف، من عبد معروف، لا ندري أين مكانه؛ لأن صوته معروف كان يُسبِّح دائمًا، الملائكة لم تعرف في أي قارة، هل هو في إفريقيا، أم في آسيا، أم في البحر أم في النيل أم في دجلة؟ لكن الله تعالى يدري أين هو، يدري بالزمان والمكان: ﴿ وَعِنْدَهُ مَفَاتِحُ الْغَيْبِ لَا يَعْلَمُهَا إِلَّا هُوَ وَيَعْلَمُ مَا فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ وَمَا تَسْقُطُ مِنْ وَرَقَةٍ إِلَّا يَعْلَمُهَا وَلَا حَبَّةٍ فِي ظُلُمَاتِ الْأَرْضِ وَلَا رَطْبٍ وَلَا يَابِسٍ إِلَّا فِي كِتَابٍ مُبِينٍ ﴾ [الأنعام: 59]، فقال لهم الله تعالى: أَمَا تَعْرِفُونَ ذَاكَ؟ قَالُوا: لَا يَا رَبِّ، وَمَنْ هُوَ؟ قَالَ: عَبْدِي يُونُسُ، قَالُوا: عَبْدُكَ يُونُسُ الَّذِي لَمْ يَزَلْ يُرْفَعُ لَهُ عَمَلٌ مُتَقَبَّلٌ وَدَعْوَةٌ مُجَابَةٌ، قالوا: يا رب، أو لا تَرْحَمُ مَا كَانَ يَصْنَعُ فِي الرَّخَاءِ فَتُنَجِّيَهُ مِنَ الْبَلَاءِ؟ قَالَ: بَلَى، فَأَمَرَ الْحُوتَ فَطَرَحَهُ فِي الْعَرَاءِ[3].

 

ولذلك قال تعالى في كتابه العزيز: ﴿ وَذَا النُّونِ إِذْ ذَهَبَ مُغَاضِبًا فَظَنَّ أَنْ لَنْ نَقْدِرَ عَلَيْهِ فَنَادَى فِي الظُّلُمَاتِ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا أَنْتَ سُبْحَانَكَ إِنِّي كُنْتُ مِنَ الظَّالِمِينَ * فَاسْتَجَبْنَا لَهُ وَنَجَّيْنَاهُ مِنَ الْغَمِّ وَكَذَلِكَ نُنْجِي الْمُؤْمِنِينَ ﴾ [الأنبياء: 87، 88]، فهل بعد كلام الله من كلام؟! وهل بعد هذا الوعد الإلهي من وعد؟! فالله تعالى عندما قال: ﴿ فَاسْتَجَبْنَا لَهُ وَنَجَّيْنَاهُ مِنَ الْغَمِّ وَكَذَلِكَ نُنْجِي الْمُؤْمِنِينَ ﴾ [الأنبياء: 88] كأنَّ الله تعالى أراد أن يقول للمسلم: يا مسلم، إذا وقعت في بطن حوت الأزمات، ووقعت في بطن حوت الابتلاءات، ووقعت في بطن حوت الأمراض والأسقام، ووقعت في بطن حوت الهموم والغموم، ووقعت في بطن حوت المشاكل والمصائب، فتضرع إلى الله تعالى كما تضرع يونس عليه السلام من قبل، ادْعُ الله في ظلمة الليل كما دعا يونس في ظلمات ثلاث، فإن فعلت ذلك استجبنا لك ونجَّيناك من الغم كما استجبنا ليونس ونجَّيناه من الغَمِّ ﴿ فَاسْتَجَبْنَا لَهُ وَنَجَّيْنَاهُ مِنَ الْغَمِّ وَكَذَلِكَ نُنْجِي الْمُؤْمِنِينَ ﴾ [الأنبياء: 88]؛ ولذلك يقول النبي صلى الله عليه وسلم: ((دَعْوَةُ ذِي النُّونِ إِذْ دَعَا وَهُوَ فِي بَطْنِ الحُوتِ: لا إِلَهَ إِلَّا أَنْتَ سُبْحَانَكَ، إِنِّي كُنْتُ مِنَ الظَّالِمِينَ، فَإِنَّهُ لَمْ يَدْعُ بِهَا رَجُلٌ مُسْلِمٌ فِي شَيْءٍ قَطُّ إِلَّا اسْتَجَابَ اللَّهُ لَهُ))[4].

 

بل هذا نبينا صلى الله عليه وسلم يحدثنا عن أهمية الدعاء، ويُبين لنا أن الدعاء سبب في رفع البلاء بعد وقوعه، فقال صلى الله عليه وسلم قصة الثلاثة الذين انطبقت عليهم الصخرة: ((انْطَلَقَ ثَلاثَةُ رَهْطٍ مِمَّنْ كَانَ قَبْلَكُمْ حَتَّى أَوَوُا الْمَبِيتَ إلى غَارٍ فَدَخَلُوهُ، فَانْحَدَرَتْ صَخْرَةٌ مِنَ الْجَبَلِ فَسَدَّتْ عَلَيْهِمُ الْغَارَ، فَقَالُوا: إِنَّهُ لا يُنْجِيكُمْ مِنْ هَذِهِ الصَّخْرَةِ إِلَّا أَنْ تَدْعُوا اللَّهَ بِصَالِحِ أَعْمَالِكُمْ، فَقَالَ رَجُلٌ مِنْهُم: اللَّهُمَّ كَانَ لي أَبَوَانِ شَيْخَانِ كَبِيرَانِ، وَكُنْتُ لا أَغْبِقُ قَبْلَهُمَا أَهْلًا وَلا مَالًا، فَنَأَى بِي في طَلَبِ شيء يَوْمًا، فَلَمْ أُرِحْ عَلَيْهِمَا حَتَّى نَامَا، فَحَلَبْتُ لَهُمَا غَبُوقَهُمَا فَوَجَدْتُهُمَا نَائِمَيْنِ، وَكَرِهْتُ أَنْ أَغْبِقَ قَبْلَهُمَا أَهْلًا أَوْ مَالًا، فَلَبِثْتُ وَالْقَدَحُ عَلَى يَدَيَّ أَنْتَظِرُ اسْتِيقَاظَهُما حَتَّى بَرَقَ الْفَجْرُ، فَاسْتَيْقَظَا فَشَرِبَا غَبُوقَهُمَا، اللَّهُمَّ إِنْ كُنْتُ فَعَلْتُ ذَلِكَ ابْتِغَاءَ وَجْهِكَ فَفَرِّجْ عَنَّا مَا نَحْنُ فِيهِ مِنْ هَذِهِ الصَّخْرَةِ، فَانْفَرَجَتْ شَيْئًا لا يَسْتَطِيعُونَ الْخُرُوجَ)).

 

قَالَ النَّبِي صلى الله عليه وسلم: ((وَقَالَ الآخَرُ: اللَّهُمَّ كَانَتْ لي بِنْتُ عَمٍّ كَانَتْ أَحَبَّ النَّاسِ إِلَيَّ، فَأَرَدْتُهَا عَنْ نَفْسِها، فَامْتَنَعَتْ مِنِّي حَتَّى أَلَمَّتْ بِها سَنَةٌ مِنَ السِّنِينَ، فجاءتني فَأَعْطَيْتُها عِشْرِينَ وَمِائَةَ دِينَارٍ عَلَى أَنْ تُخَلِّي بَيْنِي وَبَيْنَ نَفْسِها، فَفَعَلَتْ حَتَّى إِذَا قَدَرْتُ عَلَيْها قَالَتْ: لا أُحِلُّ لَكَ أَنْ تَفُضَّ الْخَاتَمَ إِلَّا بِحَقِّهِ، فَتَحَرَّجْتُ مِنَ الْوُقُوعِ عَلَيْها، فَانْصَرَفْتُ عَنْها وَهْي أَحَبُّ النَّاسِ إليَّ وَتَرَكْتُ الذَّهَبَ الَّذِى أَعْطَيْتُها، اللَّهُمَّ إِنْ كُنْتُ فَعَلْتُ ذَلِكَ ابْتِغَاءَ وَجْهِكَ فَافْرُجْ عَنَّا مَا نَحْنُ فِيهِ، فَانْفَرَجَتِ الصَّخْرَةُ، غَيْرَ أَنَّهُمْ لا يَسْتَطِيعُونَ الْخُرُوجَ مِنْهَا)).

 

قَالَ النَّبِىُّ صلى الله عليه وسلم: ((وَقَالَ الثَّالِثُ: اللَّهُمَّ إِنِّي اسْتَأْجَرْتُ أُجَرَاءَ فَأَعْطَيْتُهُمْ أَجْرَهُمْ، غَيْرَ رَجُلٍ وَاحِدٍ تَرَكَ الَّذِي لَهُ وَذَهَبَ فَثَمَّرْتُ أَجْــــرَهُ حَتَّى كَثُرَتْ مِنْهُ الأَمْــــوَالُ، فَجَاءَنِي بَعْدَ حِينٍ فَقَالَ: يَا عبدالله، أَدِّ إليَّ أَجْرِي، فَقُلْتُ لَهُ: كُلُّ مَا تَرَى مِنْ أَجْرِكَ مِنَ الإِبِلِ وَالْبَقَرِ وَالْغَنَمِ وَالرَّقِيـــــــقِ، فَقَالَ: يَا عبدالله، لا تَسْتَـــــــــهْزِئْ بِي، فَقُلْتُ: إِنِّي لا أَسْتَهْزِئُ بِكَ. فَأَخَذَهُ كُلَّهُ فَاسْتَاقَهُ فَلَمْ يَتْــــــرُكْ مِنْهُ شَيـــْئًا، اللَّهُــــمَّ فَإِنْ كُنْتُ فَعَلْتُ ذَلِكَ ابْتِــــــغَاءَ وَجْـــــــهِكَ فَافــــــْرُجْ عَنَّا مَا نَحْنُ فِيهِ، فَانْفَرَجَتِ الصَّخْرَةُ فَخَرَجُوا يَمْشُونَ))[5].

 

فأنا من خلال هذه الخطبة أقول لك:

يا أيها المريض، يا من أقعدك المرض في الفراش، تضرَّع إلى الله تعالى في جوف الليل، يا أيها المدين، يا من أثقل الدَّيْن كاهلك، تضرع إلى الله في ظلمة الليل، يا أيها المهمــوم والمغمـــوم والمكروب، تضرع إلى الله وادْعُ بدعوة سيدنا يونس ﴿ لَا إِلَهَ إِلَّا أَنْتَ سُبْحَانَكَ إِنِّي كُنْتُ مِنَ الظَّالِمِينَ ﴾ [الأنبياء: 87]، يا أيها العقيم، يا من تبحث عن الذرية، تضرَّع إلى الله في جوف الليل، يا أيها المظلوم، يا من هضم الظالمُ حقَّك، تضرَّع إلى الله بالدعاء.


فنبيُّك صلى الله عليه وسلم يقـــــول: ((إِنَّ اللَّهَ حَيِيٌّ كَرِيمٌ يَسْتَحْيِي إِذَا رَفَعَ الرَّجُلُ إِلَيْهِ يَدَيْهِ أَنْ يَرُدَّهُــــــمَا صِفْرًا خَائِبَتَيْنِ))[6]، ويقول أيضًا: ((مَا أَصَابَ أَحَدًا قَطُّ هَمٌّ وَلَا حَزَنٌ، فَقَالَ: اللَّهُمَّ إِنِّي عَبْدُكَ، ابْنُ عَبْدِكَ، ابْنُ أَمَتِكَ، نَاصِيَتِي بِيَدِكَ، مَاضٍ فِيَّ حُكْمُكَ، عَدْلٌ فِيَّ قَضَاؤُكَ، أَسْأَلُكَ بِكُلِّ اسْمٍ هُوَ لَكَ سَمَّيْتَ بِهِ نَفْسَكَ، أَوْ عَلَّمْتَهُ أَحَدًا مِنْ خَلْقِكَ، أَوْ أَنْزَلْتَهُ فِي كِتَابِكَ، أَوِ اسْتَأْثَرْتَ بِهِ فِي عِلْمِ الْغَيْبِ عِنْدَكَ، أَنْ تَجْعَلَ الْقُرْآنَ رَبِيعَ قَلْبِي، وَنُورَ صَدْرِي، وَجِلَاءَ حُزْنِي، وَذَهَابَ هَمِّي، إِلَّا أَذْهَبَ اللَّهُ هَمَّهُ وَحُزْنَهُ، وَأَبْدَلَهُ مَكَانَهُ فَرَحًا))، قَالَ: فَقِيلَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، أَلَا نَتَعَلَّمُها؟ فَقَالَ: ((بَلَى، يَنْبَغِي لِمَنْ سَمِعَها أَنْ يَتَعَلَّمَها)) [7].

 

فلا تستهن بالدعاء ولا تستهزئ به.

أَتَهزَأُ بِالدُّعاءِ وَتَزدَريهِ
وَما تَدري بِما صَنَعَ الدُّعاءُ
سِهامُ اللَّيلِ لا تُخطِي وَلَكِن
لَها أَمَدٌ وَلِلأَمَدِ انقِضاءُ


فالدُّعاءَ الدعاءَ؛ فهو كنز عَظيم، وسلاحٌ مَتين، ورابطة بينك وبين الله، لا وسيط فيها ولا دخيل، لا تَستسلم للأقدار، فالله سبحانه على كلِّ شيء قدير: ﴿ إِنَّمَا أَمْرُهُ إِذَا أَرَادَ شَيْئًا أَنْ يَقُولَ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ ﴾ [يس: 82] أقول ما تسمعون، وأستغفر الله لي ولكم ولسائر المسلمين من كل ذنبٍ وخطيئةٍ، فاستغفروه، إنه كان للأوَّابين غفورًا.

 

الخطبة الثانية

مسألتنا الفقهية تتعلق بسؤال: هل يجوز قتل الحشرات التي توجد في البيت والمحلات مثل النمل والصراصير وما أشبه ذلك؟

والجواب: لقد شَرَعَ الإسلامُ ما يَحفَظُ على المَرءِ حَياتَه وأمْوالَه من التَّلَفِ، ومن ذلك أنَّه أقَرَّ قتْلَ بعضِ الحَيواناتِ والطُّيورِ؛ لِما تُسبِّبُه من أذًى وضَرَرٍ على النَّاسِ؛ لذلك قال العلماء (رحمه الله): الحشرات ونحوها ثلاثة أقسام:

القسم الأول: قسم أمرت الشريعة الإسلامية بقتله، حتى لو وجد في وســـــط الكعبة، فهذا القسم يقتل في الحل والحرم؛ لقوله صلى الله عليه وسلم: ((خَمْسٌ فَوَاسِقُ، يُقْتَلْنَ فِي الْحَرَمِ: الْفَأْرَةُ، وَالْعَقْرَبُ، وَالْغُرَابُ، وَالْحُدَيَّا - وهي طائِرٌ يُشبِهُ الغُرابَ، ويَخطَفُ صِغارَ الفِراخِ وما يُشبِهُها- وَالْكَلْبُ الْعَقُورُ - وهو الذي يَهجُمُ على النَّاسِ وعلى الحَيَواناتِ- ))[8]. والوزغ أيضًا أمرت الشريعة بقتله.

 

القسم الثاني: ما نهت عن قتله، فهذا لا يقتل لا في الحلِّ ولا في الحَرَم، مثل: النملة والنحلة والهدهد والصرد؛ ((لأن النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم نَهَى عَنْ قَتْلِ أَرْبَعٍ مِنَ الدَّوَابِّ: النَّمْلَةُ، وَالنَّحْلَةُ، وَالْهُدْهُدُ، وَالصُّرَدُ))[9] قال الإمام المناوي (رحمه الله): (نَهَى عَنْ قَتْلِ أَرْبَعٍ مِنَ الدَّوَابِّ: النَّمْلَة: قَالَ الخَطابِي: أَرَادَ النَّمْلَ السُّلَيْمَانِي الكِبَار ذَوَات الأَرْجُلِ الطِّوَالِ؛ فَإِنَّهَا قَلِيْلَةُ الأَذَى، وَالنَّحْلَة؛ لِكَثْرَةِ مَنَافِعِهَا، فَيَخْرُجُ مِنْهَا العَسَلُ وَهُوَ شِفَاءٌ، وَالشَّمْعُ وَهُوَ ضِيَاءٌ، وَالهُدْهُد؛ لِأَنَّهُ لَا يَضُرُّ وَلَا يَحِلُّ أَكْلُهُ، وَالصُّرَد: طَائِرٌ فَوْقَ العُصْفُوْرِ، نِصْفُهُ أَبْيَضُ وَنِصْفُهُ أَسْوَدُ؛ لِتَحْرِيْمِ أَكْلِهِ وَلَا مَنْفَعَةَ فِي قَتْلِهِ، وَقِيْلَ: كَانَتِ العَرَبُ تَتَشَاءَمُ بِهِ، فَنَهَى عَنْ قَتْلِهِ؛ لِيْنَخَلِعَ عَنْ قُلُوْبِهِمْ مَا ثَبَتَ فِيْهَا لَهُ مِن اعْتِقَادِهِم الشُّؤْمَ بِهِ)[10].

 

فهذا لا يقتل لا في الحل ولا في الحرم، إلا إذا ‌آذى، فإنه يدافع بالأسهل فالأسهل، فإن لم يندفع إلا بالقتل ‌قتل.

 

القسم الثالث: ما سكتت عنه؛ كالصراصير والجُعْلان والخنفساء وما أشبهه، هذه قال بعض العلماء: إنه يحرم قتلها، وقال بعضهم: إنه يكره، وقال بعضهم: إنه يُباح؛ لكن الأولى ألا تقتل، لماذا؟ لأن الله تبارك وتعالى قال: ﴿ تُسَبِّحُ لَهُ السَّمَاوَاتُ السَّبْعُ وَالْأَرْضُ وَمَنْ فِيهِنَّ وَإِنْ مِنْ شَيْءٍ إِلَّا يُسَبِّحُ بِحَمْدِهِ وَلَكِنْ لَا تَفْقَهُونَ تَسْبِيحَهُمْ إِنَّهُ كَانَ حَلِيمًا غَفُورًا ﴾ [الإسراء: 44] فدعها تسبح الله عز جل.

 

والخلاصة: إذا وُجد الأذى من النمل أو الصراصير أو الخنافس أو غيرها مما يؤذي فإنها تقتل بالمبيدات الحشرية وليس بحرقها بالنار، فعَنْ عَبْدِاللهِ، قَالَ: كُنَّا مَعَ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم، فَمَرَرْنا بِقَرْيةِ نَمْلٍ، فَأُحْرِقَتْ، فَقَالَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم: ((لَا يَنْبَغِي لِبَشَرٍ أَنْ يُعَذِّبَ بِعَذَابِ اللهِ عَزَّ وَجَلَّ))[11]، ولقوله صلى الله عليه وسلم: ((إنهُ لا ينبغِي أن يُعذِّبَ بالنار إلا رَبُّ النارِ))[12].

 


[1] سنن الترمذي، أَبْوَابُ الدَّعَوَاتِ- باب: (5/ 317)، برقم (3373).
[2] أخرجه أبو داود في كتابه المراسيل، كتاب الطهارة، باب في الزكاة، رقم: (105) مرسلًا، واللفظ له. ورواه الطبراني في الأوسط، رقم: (1963) والبيهقي، الزكاة، فصل فيمن آتاه الله مالًا من غير مسألة، رقم: (3279). قال المنذري في الترغيب والترهيب: «رُوِي مرسلًا ورُوِي متصلًا والمرسل أشبه، 1/301، رقم: (1112) وهو حديث حسن. والمرسل عند جمهور الفقهاء حجة شرعية.
[3] تفسير القرآن العظيم لابن كثير: (5/ 323).
[4] الترمذي، أَبْوَابُ الدَّعَوَاتِ- باب: (5/ 409) برقم (3505).
[5] صحيح البخاري، كتاب الإجارة - باب من استأجر أجيرًا فترك أجره فعمل فيه المستأجر فزاد: (3/ 119)، برقم (2272)، وصحيح مسلم، كتاب الرقاق- بَاب قِصَّةِ أَصْحابِ الْغَارِ الثَّلَاثَةِ وَالتَّوَسُّلِ بِصَالِحِ الْأَعْمَالِ: (4/ 2099)، برقم (2743).
[6] صحيح البخاري، كتاب الإجارة - باب من استأجر أجيرًا فترك أجره فعمل فيه المستأجر فزاد: (3/ 119)، برقم (2272)، وصحيح مسلم، كتاب الرقاق- بَابُ قِصَّةِ أَصْحَابِ الْغَارِ الثَّلَاثَةِ وَالتَّوَسُّلِ بِصَالِحِ الْأَعْمَالِ: (4/ 2099)، برقم (2743).
[7] سنن الترمذي، أَبْوَابُ الدَّعَوَاتِ- باب: (5/ 448)، برقم (3556)، وقال الترمذيُّ: حسنٌ غريب، ورواه بعضُهم ولم يرفعْه. وصحَّحه الذهبي في كتاب ((العرش)): (ص:59)، وحسَّنه ابن حجر في ((الأمالي الحلبية)): (1/126)، وجوَّد إسنادَه الصنعانيُّ في ((العدة على الإحكام)) (3/36).
[8] صحيح مسلم، كِتَابُ الْحَجِّ - بَابُ مَا يَنْدُبُ لِلْمُحْرِمِ وَغَيْرِهِ قَتْلَهُ مِنَ الدَّوَابِّ فِي الْحِلِّ وَالْحَرَمِ: (2/ 857)، برقم (1198).
[9] سنن أبي داود، كتاب الأدب - باب في قتل الذَّرِّ: (7/ 539)، برقم (5267)، إسناده صحيح.
[10] فيض القدير (6/336).
[11] أخرجه أحمد في مسنده: (7/ 118)، برقم (4018) قال شعيب الأرنؤوط: صحيح، وهذا إسناد صحيح على شرط مسلم إن ثبت سماع عبدالرحمن بن عبدالله بن مسعود من أبيه لهذا الحديث؛ فقد سمع من أبيه شيئًا يسيرًا كما قال الحافظ في التقريب.
[12] سنن أبي داود، كتاب الأدب - باب في قتل الذَّرِّ: (7/ 540)، برقم (5268) إسناده صحيح.




 حفظ بصيغة PDFنسخة ملائمة للطباعة أرسل إلى صديق تعليقات الزوارأضف تعليقكمتابعة التعليقات
شارك وانشر

مقالات ذات صلة

  • النصيحة الأولى: حصنوا أموالكم بالزكاة (خطبة)
  • النصيحة الثانية: داووا مرضاكم بالصدقة
  • السنن المتعلقة بالدعاء

مختارات من الشبكة

  • فوائد من حديث: الدين النصيحة(مقالة - موقع د. طالب بن عمر بن حيدرة الكثيري)
  • النصيحة في دراسة علوم الشريعة (3 / 3)(مقالة - آفاق الشريعة)
  • خطبة المسجد النبوي 22/2/1434 هـ - النصيحة وفضل قبولها(مقالة - آفاق الشريعة)
  • آفة النصيحة(مقالة - آفاق الشريعة)
  • الدين النصيحة(مقالة - آفاق الشريعة)
  • مخطوطة النصيحة فيما ورد من الأدعية الصحيحة(مخطوط - مكتبة الألوكة)
  • كتاب النصيحة في الأدعية الصحيحة لعبد الواحد المقدسي(محاضرة - مكتبة الألوكة)
  • النصيحة من الغيبة والنميمة (خطبة)(مقالة - آفاق الشريعة)
  • الطريقة الصحيحة عند إسداء النصيحة (خطبة)(مقالة - آفاق الشريعة)
  • الدين النصيحة (خطبة)(مقالة - آفاق الشريعة)

 



أضف تعليقك:
الاسم  
البريد الإلكتروني (لن يتم عرضه للزوار)
الدولة
عنوان التعليق
نص التعليق

رجاء، اكتب كلمة : تعليق في المربع التالي

مرحباً بالضيف
الألوكة تقترب منك أكثر!
سجل الآن في شبكة الألوكة للتمتع بخدمات مميزة.
*

*

نسيت كلمة المرور؟
 
تعرّف أكثر على مزايا العضوية وتذكر أن جميع خدماتنا المميزة مجانية! سجل الآن.
شارك معنا
في نشر مشاركتك
في نشر الألوكة
سجل بريدك
  • بنر
  • بنر
كُتَّاب الألوكة
  • مشروع مركز إسلامي في مونكتون يقترب من الانطلاق في 2025
  • مدينة روكفورد تحتضن يوما للمسجد المفتوح لنشر المعرفة الإسلامية
  • يوم مفتوح للمسجد يعرف سكان هارتلبول بالإسلام والمسلمين
  • بمشاركة 75 متسابقة.. اختتام الدورة السادسة لمسابقة القرآن في يوتازينسكي
  • مسجد يطلق مبادرة تنظيف شهرية بمدينة برادفورد
  • الدورة الخامسة من برنامج "القيادة الشبابية" لتأهيل مستقبل الغد في البوسنة
  • "نور العلم" تجمع شباب تتارستان في مسابقة للمعرفة الإسلامية
  • أكثر من 60 مسجدا يشاركون في حملة خيرية وإنسانية في مقاطعة يوركشاير

  • بنر
  • بنر

تابعونا على
 
حقوق النشر محفوظة © 1446هـ / 2025م لموقع الألوكة
آخر تحديث للشبكة بتاريخ : 16/11/1446هـ - الساعة: 14:43
أضف محرك بحث الألوكة إلى متصفح الويب