• الصفحة الرئيسيةخريطة الموقعRSS
  • الصفحة الرئيسية
  • سجل الزوار
  • وثيقة الموقع
  • اتصل بنا
English Alukah شبكة الألوكة شبكة إسلامية وفكرية وثقافية شاملة تحت إشراف الدكتور سعد بن عبد الله الحميد
 
الدكتور سعد بن عبد الله الحميد  إشراف  الدكتور خالد بن عبد الرحمن الجريسي
  • الصفحة الرئيسية
  • موقع آفاق الشريعة
  • موقع ثقافة ومعرفة
  • موقع مجتمع وإصلاح
  • موقع حضارة الكلمة
  • موقع الاستشارات
  • موقع المسلمون في العالم
  • موقع المواقع الشخصية
  • موقع مكتبة الألوكة
  • موقع المكتبة الناطقة
  • موقع الإصدارات والمسابقات
  • موقع المترجمات
 كل الأقسام | مقالات شرعية   دراسات شرعية   نوازل وشبهات   منبر الجمعة   روافد   من ثمرات المواقع  
اضغط على زر آخر الإضافات لغلق أو فتح النافذة اضغط على زر آخر الإضافات لغلق أو فتح النافذة
  •  
    خطبة عيد الأضحى 1446هـ
    د. صغير بن محمد الصغير
  •  
    خطبة عيد الأضحى 1446
    عبدالعزيز أبو يوسف
  •  
    حكم صلاة الجمعة لمن صلى العيد إذا وافق يوم الجمعة ...
    عبد رب الصالحين أبو ضيف العتموني
  •  
    المسائل المختصرة في أحكام الأضحية
    د. فهد بن ابراهيم الجمعة
  •  
    الثامن من ذي الحجة
    د. سعد مردف
  •  
    خطبة عيد النحر 1446
    الشيخ عبدالله بن محمد البصري
  •  
    التشويق لفضائل النحر والتشريق (خطبة)
    الشيخ محمد بن إبراهيم السبر
  •  
    ما الحكم إذا اجتمع يوم العيد ويوم الجمعة في يوم ...
    د. فهد بن ابراهيم الجمعة
  •  
    وقفات مع عشر ذي الحجة (2)
    د. عبدالسلام حمود غالب
  •  
    خطبة عيد الأضحى المبارك: لزوم الإيمان في الشدائد
    الشيخ د. إبراهيم بن محمد الحقيل
  •  
    خطبة عيد الأضحى 1446هـ
    الشيخ محمد بن إبراهيم السبر
  •  
    دروس وأسرار من دعاء سيد الاستغفار
    د. محمد أحمد صبري النبتيتي
  •  
    تفسير قوله تعالى: { وليمحص الله الذين آمنوا ويمحق ...
    سعيد مصطفى دياب
  •  
    حكم الأضحية
    عبد رب الصالحين أبو ضيف العتموني
  •  
    خطبة حجة الوداع والدروس المستفادة منها (خطبة)
    مطيع الظفاري
  •  
    خطبة عيد الأضحى 1446
    د. عطية بن عبدالله الباحوث
شبكة الألوكة / آفاق الشريعة / مقالات شرعية / التفسير وعلوم القرآن / تفسير القرآن الكريم
علامة باركود

تفسير سورة الأنفال (الحلقة التاسعة) نماذج فريدة من الحزم والشدة واللين والرحمة

تفسير سورة الأنفال (الحلقة التاسعة) نماذج فريدة من الحزم والشدة واللين والرحمة<br />
الشيخ عبدالكريم مطيع الحمداوي

مقالات متعلقة

تاريخ الإضافة: 24/6/2023 ميلادي - 6/12/1444 هجري

الزيارات: 3653

 حفظ بصيغة PDFنسخة ملائمة للطباعة أرسل إلى صديق تعليقات الزوارأضف تعليقكمتابعة التعليقات
النص الكامل  تكبير الخط الحجم الأصلي تصغير الخط
شارك وانشر

تفسير سورة الأنفال (الحلقة التاسعة)

نماذج فريدة من الحزم والشدة واللين والرحمة


بسم الله الرحمن الرحيم، والحمد لله رب العالمين، وصلى الله على سيدنا محمد، وعلى آله وصحبه الغُرِّ الميامين.

 

قال الله تعالى: ﴿ يَاأَيُّهَا النَّبِيُّ حَسْبُكَ اللَّهُ وَمَنِ اتَّبَعَكَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ * يَاأَيُّهَا النَّبِيُّ حَرِّضِ الْمُؤْمِنِينَ عَلَى الْقِتَالِ إِنْ يَكُنْ مِنْكُمْ عِشْرُونَ صَابِرُونَ يَغْلِبُوا مِائَتَيْنِ وَإِنْ يَكُنْ مِنْكُمْ مِائَةٌ يَغْلِبُوا أَلْفًا مِنَ الَّذِينَ كَفَرُوا بِأَنَّهُمْ قَوْمٌ لَا يَفْقَهُونَ * الْآنَ خَفَّفَ اللَّهُ عَنْكُمْ وَعَلِمَ أَنَّ فِيكُمْ ضَعْفًا فَإِنْ يَكُنْ مِنْكُمْ مِائَةٌ صَابِرَةٌ يَغْلِبُوا مِائَتَيْنِ وَإِنْ يَكُنْ مِنْكُمْ أَلْفٌ يَغْلِبُوا أَلْفَيْنِ بِإِذْنِ اللَّهِ وَاللَّهُ مَعَ الصَّابِرِينَ * مَا كَانَ لِنَبِيٍّ أَنْ يَكُونَ لَهُ أَسْرَى حَتَّى يُثْخِنَ فِي الْأَرْضِ تُرِيدُونَ عَرَضَ الدُّنْيَا وَاللَّهُ يُرِيدُ الْآخِرَةَ وَاللَّهُ عَزِيزٌ حَكِيمٌ * لَوْلَا كِتَابٌ مِنَ اللَّهِ سَبَقَ لَمَسَّكُمْ فِيمَا أَخَذْتُمْ عَذَابٌ عَظِيمٌ * فَكُلُوا مِمَّا غَنِمْتُمْ حَلَالًا طَيِّبًا وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ * يَاأَيُّهَا النَّبِيُّ قُلْ لِمَنْ فِي أَيْدِيكُمْ مِنَ الْأَسْرَى إِنْ يَعْلَمِ اللَّهُ فِي قُلُوبِكُمْ خَيْرًا يُؤْتِكُمْ خَيْرًا مِمَّا أُخِذَ مِنْكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ * وَإِنْ يُرِيدُوا خِيَانَتَكَ فَقَدْ خَانُوا اللَّهَ مِنْ قَبْلُ فَأَمْكَنَ مِنْهُمْ وَاللَّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ ﴾ [الأنفال: 64- 71].

 

سورة الأنفال مقرِّرة لما وقع من نصر قبلها في غزوة بَدْر، ومهيِّئة لما بعده من ثماره وآثاره، وهي بذلك مراجَعة نقدية تستخلص من الماضي أعمق الدروس الإيمانية والتربوية والاجتماعية والاقتصادية والعسكرية، وتؤهل للمستقبل ما تقتضيه ظروفه من مواصلة بناء الدولة الناشئة وحمايتها وتثبيت أركانها، لا سيما وقد تنمر حولها وعليها القريب والبعيد، وليس لها إلا أن تدافع عن وجودها وأمنها أو تذهبَ ريحها، ولئن استنفدت الآيات السابق تفسيرها من هذه السورة أغلب دروس مرحلة الإعداد، فإن ما بقي منها لا غنى عن استيعابه والاسترشاد به والعمل بمقتضاه، كي يكتمل التأهيل وتتضح معالم الطريق، وينطلق العمل دقيقًا والسعي راشدًا، لا سيما والمشركون في مكة يعدون العدة للثأر مما أصابهم في بدر، وأبو سفيان الحانق الحاسد يصل الليل بالنهار، يجمع مرتزقة المقاتلين من تهامة وكنانة والأحباش ومختلف القبائل العربية في أصقاع الجزيرة، ويبذل لهم الأجور ذهبًا وفضةً خالصينِ، ويجمع للحرب الأسلحة سيوفًا ودروعًا، والخيل والإبل ركوبة وإطعامًا[1]؛ يتجارى به وبأسرته وقبيلته الحسد والبغض لرسول الله صلى الله عليه وسلم، والحرص على قتله ومحو أخباره وآثاره، والقضاء على دعوته في مهدها، وبلغت به الكراهية له والحقد المَرَضي عليه أن دعت زوجته هند بنت عتبة بإيعاز منه عندما مر جيش المشركين المتجه لأُحُد بالأبواء، إلى نبش قبر أُمِّ رسول الله صلى الله عليه وسلم آمنة بنت وهب، لولا اعتراض بعضهم على ذلك.

 

وكانت أخبار هذا الإعداد وهذه التعبئة النفسية والعسكرية تتوارد على المسلمين في المدينة المنورة يسمعونها ويتناقلونها، وهم مرهقون قد خرجوا حديثًا من معركة لم يخبروا مثلها من قبل، ويحتاجون إلى بيان من الله في أمرها، وإلى دعم غيبي يقوي العزائم ويسمو بالهِمَم، لا سيَّما والعامل النفسي لدى حَمَلة القيم والمبادئ هو نقطة الارتكاز الإيماني الذي يقوي ثقة المقاتلين بربهم، ويذكرهم بالقوة الغالبة القاهرة التي تحميهم وتبارك جهادهم وتجزيهم بأعمالهم؛ لذلك نزل الوحي الكريم يثبت الله به قلوبهم على الحق، ويقول لنبيه صلى الله عليه وسلم: ﴿ يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ ﴾، وكفاه صلى الله عليه وسلم تكريمًا وتشريفًا وفضلًا ورفع درجة ألا يناديه الله تعالى في القرآن الكريم إلا بصفته نبيًّا أو بصفته رسولًا، كما في قوله تعالى: ﴿ يَاأَيُّهَا الرَّسُولُ لَا يَحْزُنْكَ الَّذِينَ يُسَارِعُونَ فِي الْكُفْرِ ﴾ [المائدة: 41]، وقوله عز وجل: ﴿ يَاأَيُّهَا الرَّسُولُ بَلِّغْ مَا أُنْزِلَ إِلَيْكَ مِنْ رَبِّكَ ﴾ [المائدة: 67]، وغيره من جميع الأنبياء والرسل عليهم السلام نودوا بأسمائهم الشخصية؛ كما في قوله تعالى: ﴿ وَقُلْنَا يَاآدَمُ اسْكُنْ أَنْتَ وَزَوْجُكَ الْجَنَّةَ ﴾ [البقرة: 35]، وقوله عز وجل: ﴿ إِذْ قَالَ اللَّهُ يَاعِيسَى إِنِّي مُتَوَفِّيكَ وَرَافِعُكَ إِلَيَّ ﴾ [آل عمران: 55]، وقوله: ﴿ يَامُوسَى إِنِّي اصْطَفَيْتُكَ عَلَى النَّاسِ بِرِسَالَاتِي وَبِكَلَامِي ﴾ [الأعراف: 144]، وقوله: ﴿ يَاإِبْرَاهِيمُ أَعْرِضْ عَنْ هَذَا إِنَّهُ قَدْ جَاءَ أَمْرُ رَبِّكَ ﴾ [هود: 76].

 

وبعد ندائه صلى الله عليه وسلم بصفته نبيًّا، خاطبه تعالى قائلًا: ﴿ حَسْبُكَ اللَّهُ وَمَنِ اتَّبَعَكَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ ﴾ [الأنفال: 64]، فكان هذا الخطاب الإلهي خير تطمين وتأمين للمسلمين في ظروفهم الحرجة، وكفار قريش يعدون لهم ويجيشون؛ كما في قوله تعالى: ﴿ الَّذِينَ قَالَ لَهُمُ النَّاسُ إِنَّ النَّاسَ قَدْ جَمَعُوا لَكُمْ فَاخْشَوْهُمْ فَزَادَهُمْ إِيمَانًا وَقَالُوا حَسْبُنَا اللَّهُ وَنِعْمَ الْوَكِيلُ ﴾ [آل عمران: 173]، وقوله عز وجل: ﴿ قُلْ حَسْبِيَ اللَّهُ عَلَيْهِ يَتَوَكَّلُ الْمُتَوَكِّلُونَ ﴾ [الزمر: 38]؛ لأن "الحسْب" لغةً معناه الكفاية، تقول: شيء حسابٌ؛ أي: كافٍ، وأحسبت فلانًا وحسَّبته إذا أعطيته ما يرضيه أو يكفي حاجته، وحَسْبُك هذا؛ أيْ: كَفاكَ، وأَحْسَبَني ما أعطاني؛ أي: كفاني، وتزاد عليه الباء، فيُقال: بحسبك ما جنيت من تجارتك؛ أي: يكفيك ما ربحته منها.

 

وحرف النداء: ﴿ يَا ﴾ في الآية موجَّه للرسول صلى الله عليه وسلم لفظًا كما هو موجه للمسلمين تبعًا؛ إذ الخطاب له خطاب لقومه، و﴿ أيُّ ﴾ نكرة مقصودة منادى، و﴿ ها ﴾ حرف تنبيه، و﴿ النَّبِيُّ ﴾ نعت للمنادى "أيُّ"، أو بدل منه، أو عطف بيان له تَبِعه في الرفع لفظًا، أما قوله تعالى: ﴿ حَسْبُكَ ﴾ فمبتدأ أضيف إليه كاف المخاطب، خبره اسم الجلالة ﴿ اللَّهُ ﴾، والجملة الاسمية ﴿ حَسْبُكَ اللَّهُ ﴾ جواب النداء لا محل لها من الإعراب؛ أي: يكفيك الله ويكفي المؤمنين المجاهدين معك أمرَ الأعداء المتربصين بكم في مكة، وما يعدونه لحربكم، كما كفاكم من قبل ونصركم في بَدْر إذ اتبعتم ما أنزله الله إليكم، وتوفرت فيكم صفات الإيمان الحق في قوله تعالى لكم: ﴿ إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ الَّذِينَ إِذَا ذُكِرَ اللَّهُ وَجِلَتْ قُلُوبُهُمْ وَإِذَا تُلِيَتْ عَلَيْهِمْ آيَاتُهُ زَادَتْهُمْ إِيمَانًا وَعَلَى رَبِّهِمْ يَتَوَكَّلُونَ * الَّذِينَ يُقِيمُونَ الصَّلَاةَ وَمِمَّا رَزَقْنَاهُمْ يُنْفِقُونَ * أُولَئِكَ هُمُ الْمُؤْمِنُونَ حَقًّا ﴾ [الأنفال: 2 - 4]، وامتثلتم لما نُصِحْتُمْ به في قوله تعالى: ﴿ يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَطِيعُوا اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَلَا تَوَلَّوْا عَنْهُ وَأَنْتُمْ تَسْمَعُونَ ﴾ [الأنفال: 20]، وقوله عز وجل: ﴿ يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اسْتَجِيبُوا لِلَّهِ وَلِلرَّسُولِ إِذَا دَعَاكُمْ لِمَا يُحْيِيكُمْ وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ يَحُولُ بَيْنَ الْمَرْءِ وَقَلْبِهِ وَأَنَّهُ إِلَيْهِ تُحْشَرُونَ ﴾ [الأنفال: 24]، وقوله سبحانه: ﴿ وَأَطِيعُوا اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَلَا تَنَازَعُوا فَتَفْشَلُوا وَتَذْهَبَ رِيحُكُمْ وَاصْبِرُوا إِنَّ اللَّهَ مَعَ الصَّابِرِينَ * وَلَا تَكُونُوا كَالَّذِينَ خَرَجُوا مِنْ دِيَارِهِمْ بَطَرًا وَرِئَاءَ النَّاسِ وَيَصُدُّونَ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ وَاللَّهُ بِمَا يَعْمَلُونَ مُحِيطٌ ﴾ [الأنفال: 46، 47] ولقد رأيتم كيف صدقكم الله وعده فأيَّدكم في بَدْر على ضعفكم وما ارتكبه بعضكم من تنافس وخلاف كادت بهما تذهب ريحكم، ونصركم وأنتم قليل، ثلاثمائة وثلاثة عشر رجلًا، على جيش من المشركين تعداده ألف مقاتل، كأن كل مقاتل منكم قاتل ثلاثةً من المشركين وغلبهم، وعلمتم بكل هذا أن النصر من الله تعالى وحده لا من غيره، وأنه بمقدار صدق الإيمان ومقتضياته في الجهاد يكون النصر تامًّا وناجزًا وحاسمًا، وبمقدار ضعف الإيمان واختلاله يكون الخسار والحسرة والبوار، وأن ثمار السعي بصدق الساعي واستقامة المسعى، قال صلى الله عليه وسلم فيما رواه عن ربه أنه تعالى يقول: ((إنما هي أعمالكم أحصيها لكم ثم أوفيكم إياها، فمن وجد خيرًا فليحمد الله، ومن وجد غير ذلك فلا يلومَنَّ إلا نفسه)).

 

ثم وقد اطمأنت النفوس إلى المعية الإلهية نصرة وتأييدًا، أمر الله تعالى نبيَّه صلى الله عليه وسلم أن يُذكِّر المسلمين بما ينتظرهم من الدفاع عن دينهم وأهلهم وعشيرتهم، ورد عدوان قريش عليهم، فقال تعالى: ﴿ يَاأَيُّهَا النَّبِيُّ حَرِّضِ الْمُؤْمِنِينَ عَلَى الْقِتَالِ ﴾ [الأنفال: 65] والتحريض لغة هو المبالغة في الحضِّ على الشيء والحثِّ عليه، والتحريض على القتال من جديد في هذه الآية الكريمة وقد قاتل المسلمون من قبل في بَدْر، إعلامٌ ربانيٌّ لهم بقتال وشيك يقبلون عليه أو يُفرض عليهم، وحث لهم على الاستعداد له وتعاطي أسبابه والإقبال عليه أو يهلكون؛ ولذلك دأب النبي صلى الله عليه وسلم على تحريض المسلمين على القتال كلما صفَّهم في معركة، منذ أُذِن للمسلمين بالقتال دفاعًا عن أنفسهم ودينهم بقوله تعالى: ﴿ أُذِنَ لِلَّذِينَ يُقَاتَلُونَ بِأَنَّهُمْ ظُلِمُوا وَإِنَّ اللَّهَ عَلَى نَصْرِهِمْ لَقَدِيرٌ * الَّذِينَ أُخْرِجُوا مِنْ دِيَارِهِمْ بِغَيْرِ حَقٍّ إِلَّا أَنْ يَقُولُوا رَبُّنَا اللَّهُ ﴾ [الحج: 39، 40] كما كان في بَدْر إذ قال لهم: ((قُومُوا إلى جنة عرضها السموات والأرض))، فقال عمير بن الحمام: "عرضها السموات وَالْأَرْض؟" فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((نعم))، فقال: "بَخٍ بَخٍ"، فقال صلى الله عليه وسلم: ((ما يحملك على قولك بخٍ بخٍ؟))، قال: "رجاء أن أكون من أهلها"، قال صلى الله عليه وسلم: ((فإنك من أهلها))، فتقدَّم الرجل فكسر جفن سيفه[2]، وأخرج تمرات فجعل يأكل منهن، ثم ألقى بقيتهن من يده، وقال: لئن أنا حييت حتى آكلهن إنها لحياة طويلة، ثم تقدم فقاتل حتى قتل رضي الله عنه، وتحقق لهم بذلك النصر على ما كان في بعضهم من تردُّد واختلاف؛ إذ كان جيش المشركين ثلاثة أضعافهم، كأن الواحد من المسلمين قد غلب ثلاثة من المشركين [3].

 

ثم وعدهم تعالى بخير من نصر يوم بَدْر إن تلافوا أخطاءهم السابقة، فقال عز وجل: ﴿ إِنْ يَكُنْ مِنْكُمْ عِشْرُونَ صَابِرُونَ ﴾ [الأنفال: 65]، واشترط لانتصار العشرين مقاتلًا، أن يتحلَّوا بالصبر، الصبر على الإيمان وضوحًا وصدقًا وثباتًا، وعلى القتال إقدامًا وإقبالًا وتثبُّتًا، وعلى الصف وحدة وتماسكًا وتراصًّا، وعلى أوامر القيادة سمعًا وطاعةً وانضباطًا، وعلى النفس إعراضًا عن هواجسها ووساوسها وتعلُّقها بشهواتها ومطامعها ﴿ يَغْلِبُوا مِائَتَيْنِ ﴾ [الأنفال: 65]، فهم قادرون على غلبة مائتين من عدوِّهم؛ أي: بنسبة مقاتل مسلم واحد يغلب عشرة مقاتلين من عدوهم، وهو ما عمل به رسول الله صلى الله عليه وسلم من قبل مرةً؛ إذ عقد لحمزة رضي الله عنه راية أول سرية في المدينة، وبعثه إلى سيف البحر من ناحية العيص في ثلاثين مقاتلًا من المهاجرين، ليس فيهم من الأنصار أحد، فلقي أبا جهل بن هشام في ثلاثمائة من أهل مكة، فحجز بينهم مجدي بن عمرو الجهني الذي كان موادِعًا للفريقين، فانصرف بعضهم عن بعض ولم يكن بينهم قتال، ثم أكد تعالى النسبة نفسها توضيحًا وتبسيطًا بقوله عز وجل: ﴿ وَإِنْ يَكُنْ مِنْكُمْ مِائَةٌ يَغْلِبُوا أَلْفًا ﴾ [الأنفال: 65]؛ أي: وإن اتصف بهذه الصفات مائة مقاتل منكم فهم قادرون على غلبة ألف، وقيد غلبتهم بكفر خصومهم، فقال عز وجل: ﴿ مِنَ الَّذِينَ كَفَرُوا ﴾ [الأنفال: 65] تحريمًا منه تعالى ضمنيًّا لأي قتال يقع بين المسلمين، وبيانًا لأسباب هزيمة الكفر أمام الإيمان ﴿ بِأَنَّهُمْ قَوْمٌ لَا يَفْقَهُونَ ﴾ [الأنفال: 65]؛ أي: ذلك بأنهم كفروا بربِّهم وجهلوا الحكمة من الحياة والعاقبة بعد الممات، ولم يفقهوا سِرَّ العلاقة الإيمانية الكامنة بين المؤمن المتوكل على ربه، والرب الناصر لعبده، ولو عرفوا ذلك لكانوا معكم وفي صفكم مناصرين[4].

 

لقد ذهب بعض المفسرين لهذه الآية الكريمة إلى أنها منسوخة بالآية بعدها، وهي قوله تعالى: ﴿ الْآنَ خَفَّفَ اللَّهُ عَنْكُمْ وَعَلِمَ أَنَّ فِيكُمْ ضَعْفًا ﴾ [الأنفال: 66] إلا أن الآيتين معًا ليستا أمرًا للتنفيذ والعمل الناجز، ليجوز النسخ بينهما؛ بل هما مجرد تقرير لتناسب القوة الإيمانية مع القوة الكافرة، وإذ بيَّن تعالى أن القوة الإيمانية في أعلى درجاتها لدى المقاتل المسلم الواحد ينتصر بها على عشرة من المقاتلين الكُفَّار، فعجب لذلك بعض المسلمين واستكثروه على قوَّتهم، رد عليهم تعالى بقوله: ﴿ الْآنَ خَفَّفَ اللَّهُ عَنْكُمْ وَعَلِمَ أَنَّ فِيكُمْ ضَعْفًا ﴾، والضَّعف لغة نقيض القوة، ورد بفتح الضاد وضمها، قرأه أبو جعفر "ضُعفاء" بصيغة الجمع وضم الضاد، وقرأه عاصم وحمزة وخلف بفتح الضاد "ضَعفًا"، وباقي الرواة قرءوه بضم الضاد "ضُعفًا"، إلا أن بعض أصحاب اللغة يرون أن الضُّعف بالضم للجسد خاصة، من قَوْله تَعَالَى: ﴿ اللَّهُ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ ضَعْفٍ ثُمَّ جَعَلَ مِنْ بَعْدِ ضَعْفٍ قُوَّةً ثُمَّ جَعَلَ مِنْ بَعْدِ قُوَّةٍ ضَعْفًا وَشَيْبَةً ﴾ [الروم: 54]، والضَّعف بِالْفَتْح يكون فِي الْجَسَد والرأي وَالْعقل، وقيل: هما بمعنى واحد لغتان: لغةُ الحجاز الضَّمُّ، ولغةُ تميم الفتح، إلا أن هذا التقسيم ليس مطلقًا، ومعنى الآية الكريمة أن إقراركم بالضعف والقصور عن أن يغلب الواحد منكم عشرة من الكفار يعلمه الله تعالى فيكم، ولكن مَنْ في مستواكم من السابقة والتجربة العميقة ببَدْر وما تلقيتموه قبلها وأثناءها من التربية الإيمانية والعسكرية والدعم الإلهي لا ينزل بكم عن أن يغلب منكم الواحد الصابر اثنين من عدوكم: ﴿ فَإِنْ يَكُنْ مِنْكُمْ مِائَةٌ صَابِرَةٌ يَغْلِبُوا مِائَتَيْنِ وَإِنْ يَكُنْ مِنْكُمْ أَلْفٌ يَغْلِبُوا أَلْفَيْنِ ﴾ [الأنفال: 66]، ثم ربط الغلبة بإذن الله ومشيئته والصبر على مشقة القتال، فقال تعالى: ﴿ بِإِذْنِ اللَّهِ وَاللَّهُ مَعَ الصَّابِرِينَ ﴾ [الأنفال: 66]، كما في قوله تعالى: ﴿ وَمَا النَّصْرُ إِلَّا مِنْ عِنْدِ اللَّهِ الْعَزِيزِ الْحَكِيمِ ﴾ [آل عمران: 126]، وقوله تعالى: ﴿ يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اصْبِرُوا وَصَابِرُوا وَرَابِطُوا وَاتَّقُوا اللَّهَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ ﴾ [آل عمران: 200]، وفي صحيح البخاري عن ابن عباس قال: "لما نزلت: ﴿ إِنْ يَكُنْ مِنْكُمْ عِشْرُونَ صَابِرُونَ يَغْلِبُوا مِائَتَيْنِ ﴾ [الأنفال: 65] شَقَّ ذلكَ علَى المُسْلِمِينَ حِينَ فُرِضَ عليهم ألَّا يَفِرَّ واحِدٌ مِن عَشَرَةٍ، فَجَاءَ التَّخْفِيفُ، فَقالَ: ﴿ الْآنَ خَفَّفَ اللَّهُ عَنْكُمْ وَعَلِمَ أَنَّ فِيكُمْ ضَعْفًا فَإِنْ يَكُنْ مِنْكُمْ مِائَةٌ صَابِرَةٌ يَغْلِبُوا مِائَتَيْنِ ﴾ [الأنفال: 66]، قالَ: فَلَمَّا خَفَّفَ اللَّهُ عنْهمْ مِنَ العِدَّةِ نَقَصَ مِنَ الصَّبْرِ بقَدْرِ ما خُفِّفَ".

 

وروى عطاءٌ عن ابن عبَّاسٍ قال: "لما نزل التكليف الأوَّلُ ضَجَّ المهاجرون، وقالوا: "يا ربَّنا نحن جِياع، وعدونا شِباع، ونحن في غربة وعدونا في أهلهم، ونحن قد أُخرِجنا من ديارنا وأموالنا، وعدونا ليس كذلك"، وقال الأنصارُ: "شُغِلْنَا بعَدُوِّنَا، وواسينا إخواننا"، فنزل التَّخفيف".

 

لقد كان لهذا الدعم الرباني المعنوي أثره المرجو في نفوس صحابة رسول الله صلى الله عليه وسلم، فأقبلوا في معركة بَدْر على عدوِّهم يقتلون ويأسرون، غير أن بعضهم لشدة فقرهم آثروا أثناء الاشتباك أسر المشركين بدل قتلهم، إلْجَاءً لهم إلى افتداء أنفسهم بالمال، كما جرت به العادة في الجاهلية، فبلغ بذلك عدد أسرى المشركين سبعين، أكثرهم من أشد قادة قريش على الإسلام والمسلمين قبل الهجرة وبعدها، قتل الرسول صلى الله عليه وسلم منهم رجلين كانا الأشد عدوانًا على المسلمين، أولهما عقبة بن أبي معيط من بني أمية، قتله علي بن أبي طالب رضي الله عنه، وكان عدو الله يضع في طريق رسول الله صلى الله عليه وسلم الأوساخ والنجاسات، وحاول قتله خنقًا وهو يصلي في الحرم المكي، ولما أمر النبي صلى الله عليه وسلم بقتل عقبة - كما في رواية حماد بن سلمة عن عطاء بن السائب عن الشعبي - قال عقبة: أتقتلني يا محمد من بين قريش؟ فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((نعم، أتدرون ما صنع هذا بي؟ جاء وأنا ساجد خلف المقام فوضع رجله على عنقي وغمزها فما رفعها حتى ظننت أن عيني ستندران، وجاء مرة أخرى بسلا شاة فألقاه على رأسي وأنا ساجد فجاءت فاطمة فغسلته عن رأسي))، فنادى عقبة: يا معشر قريش، علامَ أقتل مِنْ بين مَنْ ههنا؟ فقيل له: "على عداوتك لله ورسوله".

 

والثاني هو النضر بن الحارث الذي كتب صحيفة قريش لمقاطعة بني هاشم وبني عبد المطلب وعدم الزواج منهم أو تزويجهم أو الشراء منهم أو بيع الطعام لهم وللمسلمين جميعًا، وكان من أكبر المشككين في القرآن الكريم والمحرِّضين على قتال المسلمين، يرحل إلى شمال شرق الجزيرة العربية يطلب أساطير الفرس والروم واليهود كي يضاهي بها القرآن ويشكك في النبوة.

 

أما غيرهما من الأسرى فقد أمر الرسول صلى الله عليه وسلم صحابته بإحسان ضيافتهم وإكرامهم؛ كما قال تعالى: ﴿ وَيُطْعِمُونَ الطَّعَامَ عَلَى حُبِّهِ مِسْكِينًا وَيَتِيمًا وَأَسِيرًا * إِنَّمَا نُطْعِمُكُمْ لِوَجْهِ اللَّهِ لَا نُرِيدُ مِنْكُمْ جَزَاءً وَلَا شُكُورًا ﴾ [الإنسان: 8، 9]، فامتثلوا وأحسنوا الامتثال، كما قال أبو عزيز بن عمير وهو من أسرى بدر: "كنت في نفر من الأنصار، فكانوا إذا قدَّموا غداءهم وعشاءهم، أكلوا التمر وأطعموني البُرَّ؛ لوصية رسول الله صلى الله عليه وسلم إياهم بنا"، وقال أسير آخر هو أبو العاص بن الربيع: "كنت في رهط من الأنصار، جزاهم الله خيرًا، كنا إذا تعشَّينا أو تغدَّينا آثروني بالخبز وأكلوا التمر، والخبز معهم قليل والتمر زادهم، حتى إن الرجل لتقع في يده كسرة فيدفعها إليَّ"، وقال أسير آخر هو الوليد بن الوليد بن المغيرة: "كانوا يحملوننا ويمشون"، أي إذا رأوا منهم جريحًا أو مريضًا أو متعبًا، حملوه رفقًا به.

 

ثم جرى التداول في أمر الأسرى فرأى أبو بكر الصديق رضي الله عنه أخذ الفدية منهم وعدم قتلهم قائلًا: "يا رسول الله، هؤلاء بنو العم والعشيرة والإخوان، وإني أرى أن تأخذ منهم الفدية، فيكون ما أخذناه قوة لنا على الكُفَّار، وعسى أن يهديهم الله فيكونوا لنا عضدًا"، وقال عبدالله بن رواحة رضي الله عنه: "يا رسول الله، انظر واديًا كثير الحطب فأدخلهم فيه، ثم أضرمه عليهم نارًا"، وقال عمر رضي الله عنه: "اضْربْ أعْنَاقَهُمْ، فإنهم أئِمَّةُ الكُفْر، وإنَّ الله أغْنَاكَ عَنِ الفِدَاءِ، فمكِّني من فُلاَن - لنَسِيبٍ لَهُ - ومكِّنَ عَليًّا وحَمْزَةَ مِنْ أخويهما، فَلْنَضْربْ أَعنَاقَهُمْ"، فلم يَهْو ذلك رسول الله صلى الله عليه وسلم، وقال: ((إنَّ اللَّهَ لَيُلَيِّنَ قُلُوبَ رِجَالٍ حَتَّى تكُونَ أَلْيَنَ من كُلِّ لين، وإن الله ليُشَدِّدُ قُلوب رِجَالٍ حتَّى تَكُونَ أَشَدَّ من الحِجَارَةِ، وإن مَثلَكَ يا أَبَا بَكْر مَثَلُ إبراهيم، قال: ﴿ فَمَنْ تَبِعَنِي فَإِنَّهُ مِنِّي وَمَنْ عَصَانِي فَإِنَّكَ غَفُورٌ رَحِيمٌ ﴾ [إبراهيم: 36]، ومَثَلُكَ يا عُمَرُ مَثَلُ نوح، قال: ﴿ رَبِّ لَا تَذَرْ عَلَى الْأَرْضِ مِنَ الْكَافِرِينَ دَيَّارًا ﴾ [نوح: 26]، ثم خيَّر رسول الله صلى الله عليه وسلم أصحابه فاختاروا الفداء، فتمَّت مفاداة الأسرى، وأسلم من أسلم منهم وعاد إلى مكة من عاد.

 

إلا أن هذين الخيارين اللذين تم التداول حولهما – القتل أو الفداء – لم يكونا الأسلم والأصوب في تلك المرحلة التأسيسية من نشأة دولة الإسلام الأولى؛ لأنهما مخالفان لما أراده الله من الجهاد وما وجه إليه من معانيه وأهدافه وخططه، فنزل الوحي يعاتب أطراف الشورى جميعًا بقوله تعالى: ﴿ مَا كَانَ لِنَبِيٍّ أَنْ يَكُونَ لَهُ أَسْرَى حَتَّى يُثْخِنَ فِي الْأَرْضِ تُرِيدُونَ عَرَضَ الدُّنْيَا وَاللَّهُ يُرِيدُ الْآخِرَةَ وَاللَّهُ عَزِيزٌ حَكِيمٌ * لَوْلَا كِتَابٌ مِنَ اللَّهِ سَبَقَ لَمَسَّكُمْ فِيمَا أَخَذْتُمْ عَذَابٌ عَظِيمٌ ﴾ [الأنفال: 67، 68]، وكان من تأثر رسول الله صلى الله عليه وسلم بهذا العتاب أن بكى وشاركه أبو بكر البكاء، فلما رآهما عمر قال: "يا رسول الله، أخبرني من أي شيء تبكي أنت وصاحبك؟ فإن وجدت بكاء بكيت، وإن لم أجد بكاء تباكيت لبكائكما"، فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((لِلَّذِي عَرَضَ عَلَيَّ أَصْحَابُكَ مِنْ أَخْذِهُمُ الْفِدَاءَ، فَقَدْ عُرِضَ عَلَيَّ عَذَابُهُمْ أَدْنَى مِنْ هَذِهِ الشَّجَرَةِ))، وأشار إلى شجرة قريبة.

 

وكما هو الأسلوب التربوي المعهود من القرآن عند تصحيح الأخطاء بعد وقوعها؛ إذ يعاتب ويغفر ويُبيِّن الصواب والحق، نبَّه عز وجل أولًا إلى ما ارتكبه المسلمون أثناء المعركة من أخطاء ما كان لها أن تصدر منهم، فقال تعالى: ﴿ مَا كَانَ لِنَبِيٍّ أَنْ يَكُونَ لَهُ أَسْرَى حَتَّى يُثْخِنَ فِي الْأَرْضِ ﴾ [الأنفال: 67]، وهو الخطأ الأول المرتكب؛ أي: لم يكن مناسبًا لكم ولا جائزًا لكم أو مفيدًا لكم أو مقبولًا منكم عند الله أن تأخذوا المشركين أسرى قبل أن تثخنوا فيهم قتلًا.

 

وحرف "ما" في هذه الآية الكريمة للنفي، و"كان" فعل ماضٍ تام؛ أي: ما جاز أو لا يجوز، والمصدر المؤول من "أنْ" والفعل في قوله تعالى: ﴿ أَنْ يَكُونَ ﴾ فاعل، و﴿ يَكُونَ ﴾ فعل مضارع من كان الناقصة، خبرها مقدم هو شبه الجملة من الجار والمجرور: "لَهُ"، واسمها "أَسْرَى"، ولفظ: "أَسْرَى" من الأسر؛ وهو الحبس والاعتقال والإمساك، بزنة: فَعْلَى جمع أسير ومأسور، مثل جريح ومجروح وجرحى، وقتيل ومقتول وقتلى، قرأه أبو عمرو وأبو جعفر: "أُسارى" بزنة "فُعالَى" جَمْعَ جمْعٍ. وحرف "حَتَّى" للغاية التي هي الإثخان، وفعل "يثخن" ماضيه: "أثخن"، وقرئ بالتشديد: "يُثَخِّن"، مشتقٌّ من الثَّخانة، وهي الغِلَظ والكثافة مع استرخاء في الأجسام، فيقال: ثخُن ثخانة: اللبن والدم إذا خثر وتلبَّد، ويُسْتَعار للتعبير عن كثرة الجراحات والقتل، فيقال: أثْخَنَتْه الجراح؛ أي: أثقلته حتى أثْبَتَتْه، وأثخنه في المعركة إذا أثقله ضربًا وتركه قتيلًا أو مليئًا بالجراح والدماء لا يستطيع الحركة، والإثخان في الأرض السير فيها فتحًا وقهرًا للأعداء، كما كان عليه الأمر في الحروب قديمًا وحديثًا.

 

لقد ارتكب المسلمون في هذه القضية خطأين، وكان العتاب عليهما دقيقًا وقاسيًا:

كان على الخطأ الأول دقيقًا؛ لأنه لم يقع عقب الانتصار في بدر ولا أثناء التشاور حول الأسرى، وإنما كان أثناء المعركة وفي خضمها وخلال الاشتباك مع المشركين فيها، كما هو صريح قوله تعالى: ﴿ مَا كَانَ لِنَبِيٍّ أَنْ يَكُونَ لَهُ أَسْرَى حَتَّى يُثْخِنَ فِي الْأَرْضِ ﴾ [الأنفال: 67]؛ إذ قيَّد جواز اتخاذ الأسرى بحصول الإثخان في المشركين، وما لم يحصل إثخان لم يجز أسر؛ أي: لم يكن لائقًا بالمسلمين ولا جائزًا لمن في مستواهم الإيماني أن يتخذوا أسرى ممن ارتكبوا أفظع الجرائم الإنسانية وقد جاءوا مهاجمين معتدين ظالمين، حتى يثخنوا فيهم جراحًا وقتلًا وتشريدًا، فيقمعوا بذلك من جنَّدهم وسلَّحهم وأرسلهم، ولا يفكرون مجددًا في الجراءة على استضعاف المسلمين والاعتداء عليهم، وهو ما وافق فيه القرآن سيدنا سعد بن معاذ رضي الله عنه فيما رواه ابن إسحاق قال: "فلما وضع القوم أيديهم يأسرون -أي: المشركين- ورسول الله صلى الله عليه وسلم في العريش، وسعد بن معاذ قائم على باب العريش الذي فيه رسول الله صلى الله عليه وسلم متوشِّحًا السيف، في نفر من الأنصار يحرسون رسول الله، يخافون عليه الكرة، ورأى رسول الله صلى الله عليه وسلم في وجه سعد الكراهية لما يصنع الناس، فقال له: ((والله لكأنَّك يا سعد تكره ما يصنع القوم))؟ فقال: "أجل والله يا رسول الله، كانت هذه أول وقعة أوقعها الله بأهل الشرك، فكان الإثخان في القتل أحب إليَّ من استبقاء الرجال".

 

وكان العتاب على الخطأ الثاني قاسيًا؛ لأن مرتكبيه زمرة من خيار الأمة مهاجرين وأنصارًا، وكشف الله من نفوسهم أسبابه ودوافعه، وواجههم به معاتبًا وموبخًا، فقال عز وجل: ﴿ تُرِيدُونَ عَرَضَ الدُّنْيَا ﴾ [الأنفال: 67]؛ أي: أخطأتم إذ آثرتم عَرَض الدنيا الذي هو فدية الأسرى على أجر الإثخان في المشركين، وعرض الدنيا مطلقًا هو ما يعرض للإنسان من نعيمها، فيَزَّيَّنُ في عينه وقلبه ويحبه ويختاره ويسعى له، كما في قوله تعالى: ﴿ زُيِّنَ لِلنَّاسِ حُبُّ الشَّهَوَاتِ مِنَ النِّسَاءِ وَالْبَنِينَ وَالْقَنَاطِيرِ الْمُقَنْطَرَةِ مِنَ الذَّهَبِ وَالْفِضَّةِ وَالْخَيْلِ الْمُسَوَّمَةِ وَالْأَنْعَامِ وَالْحَرْثِ ذَلِكَ مَتَاعُ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَاللَّهُ عِنْدَهُ حُسْنُ الْمَآبِ ﴾ [آل عمران: 14]، ولئن كان المسلمون في ظروف تأسيس دولتهم بالمدينة فقراء، فقد كان الأولى بهم أن يمتثلوا لأمر الله ويؤثروا طاعة ما أمروا به من الإثخان في العدو ﴿ وَاللَّهُ يُرِيدُ الْآخِرَةَ ﴾ [الأنفال: 67]، والله تعالى يريد لكم إيثار ثواب الآخرة بإقامة أمر الدين واستئصال المجرمين ﴿ وَاللَّهُ عَزِيزٌ حَكِيمٌ ﴾ [الأنفال: 67]، له العزة وحده بحكمته يقضي بينكم ويختار لكم ما وعدكم به من النصر في الدنيا وإقامة أمر الدين واستئصال المجرمين مقرونًا بثواب الآخرة. وهو ما وجه إليه القرآن الكريم بتفصيل أكثر في سورة محمد بقوله عز وجل: ﴿ فَإِذَا لَقِيتُمُ الَّذِينَ كَفَرُوا فَضَرْبَ الرِّقَابِ حَتَّى إِذَا أَثْخَنْتُمُوهُمْ فَشُدُّوا الْوَثَاقَ فَإِمَّا مَنًّا بَعْدُ وَإِمَّا فِدَاءً حَتَّى تَضَعَ الْحَرْبُ أَوْزَارَهَا ذَلِكَ وَلَوْ يَشَاءُ اللَّهُ لَانْتَصَرَ مِنْهُمْ وَلَكِنْ لِيَبْلُوَ بَعْضَكُمْ بِبَعْضٍ وَالَّذِينَ قُتِلُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ فَلَنْ يُضِلَّ أَعْمَالَهُمْ ﴾ [محمد: 4]، وما روي عن ابن عباس قال: "كان الله تعالى قد أمر بإكثار القتل بقوله: ﴿ فَاضْرِبُوا فَوْقَ الْأَعْنَاقِ وَاضْرِبُوا مِنْهُمْ كُلَّ بَنَانٍ ﴾ [الأنفال: 12]، فأبى أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم يوم بَدْر إلا أسر بعضهم رغبة في الفداء فصار معصية منهم ومخالفة، فنزلت الآية: ﴿ مَا كَانَ لِنَبِيٍّ أَنْ يَكُونَ لَهُ أَسْرَى حَتَّى يُثْخِنَ فِي الْأَرْضِ ﴾ [الأنفال: 67]؛ أي: إن الترتيب الطبيعي للخطوات الحربية في المعركة تبدأ بالإثخان، فإن استنفد الإثخان دوره كان الأسر بعده، ثم أعقبه المَنُّ أو الفداء.

 

لقد عومل الأسرى بصفتهم أفرادًا عاديين لا بصفتهم جنودًا في تحالف لقبائل من المشركين تقودهم قريش ويشكلون قوةً ضاربةً، فلم يكن لأسرهم ولا لفدائهم أو المن عليهم أي مكسب سياسي أو حربي للمسلمين، وكان ينبغي أن تكون معركة بدر حاسمةً، وأن يوجه الجهد فيها لاستئصال أصل الداء أو إضعافه وقمعه وتقليصه على الأقل، ولا يتحقَّق هذا إلا بالإثخان فيهم بما يخيف من سلَّحَهم وموَّلَهم وحرَّضَهم على المسلمين وأرسلهم للعدوان، وإذ فاتت المسلمين فرصةُ الإثخان في ساحة المعركة ثم فاتتهم بإطلاق سراح الأسرى فرصة المساومة بهم والضغط بهم على مشركي قريش وكنانة والأحابيش وغيرهم من مختلف القبائل المتحالفة معهم، من أجل كَفِّ شرِّهم عن المدينة أو تأجيله، فقد فاتت المسلمين فرصٌ كثيرةٌ للكسب المعنوي والعسكري والسياسي، في ظروف حاجتهم واضطرارهم؛ لذلك عقب عز وجل على هذه الأخطاء بما يستحقه مرتكبوها لو لم يدركهم لطفه ورحمته ومغفرته، فقال: ﴿ لَوْلَا كِتَابٌ مِنَ اللَّهِ سَبَقَ ﴾ [الأنفال: 68] لولا ما سبق في علم الله مما كتبه لكم من الرحمة والمغفرة ﴿ لَمَسَّكُمْ فِيمَا أَخَذْتُمْ عَذَابٌ عَظِيمٌ ﴾ [الأنفال: 68]، لنالكم بما أخذتم من الفدية عقاب شديد، وقد روي أنهم أمسكوا أيديهم عمَّا أخذُوا من الفداء عقب نزول هذه الآية، فنزل قوله تعالى: ﴿ فَكُلُوا مِمَّا غَنِمْتُمْ ﴾ [الأنفال: 69]؛ أي: فقد أباح الله لكم ما أخذتم من غنائم الحرب وأموال الفداء ﴿ حَلَالًا طَيِّبًا ﴾ [الأنفال: 69]، أكلًا مباحًا ومستساغًا مستطابًا ﴿ وَاتَّقُوا اللَّهَ ﴾ [الأنفال: 69]، فيما أبيح لكم من الطيبات فلا تسرفوا، وفيما نيط بكم من التكاليف والواجبات فلا تقصروا ﴿ إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ ﴾ [الأنفال: 69]، لما ارتكبتم ﴿ رَحِيمٌ ﴾ بكم، فلا يشدد عليكم، وذلك لمنزلة أهل بدر عند الله، وهم خير المسلمين حينئذٍ، وقد قال فيهم صلى الله عليه وسلم: ((وما يدريك؟ لعَلَّ الله قد اطَّلَع على أهل بدر فقال: اعملوا ما شئتم فقد غفرت لكم))[5].

 

وبمقدار ما كان فرح المسلمين بما غفر لهم، وبما أبيح لهم من الغنائم والفدية، كان حزنُ الأسرى لما أخذ من أموالهم، ومجادلتهم فيه وفي قدره، كما في موقف العباس عَمِّ النبي صلى الله عليه وسلم؛ إذ حاول الاستعفاء من الفداء ثم ماكس في قدرها، وقال لرسول الله صلى الله عليه وسلم: "يَا رَسُولَ اللَّهِ، إِنِّي قَدْ كُنْتُ مُسْلِمًا"، فقال له صلى الله عليه وسلم: ((اللَّهُ أَعْلَمُ بِإِسْلَامِكَ فَإِنْ يَكُنْ كَمَا تَقُولُ فَاللَّهُ يَجْزِيكَ بِذَلِكَ، فَأَمَّا ظَاهِرُ أَمْرِكَ فَكَانَ عَلَيْنَا، فَافْدِ نَفْسَكَ وَابْنَيْ أَخَوَيْكَ نَوْفَلَ بْنَ الْحَارِثِ بْنِ عَبْدِ الْمُطَّلِبِ وَعَقِيلَ بْنَ أَبِي طَالِبٍ، وَحَلِيفَكَ عُتْبَةَ بْنَ عَمْرٍو أَخَا بَنِي الْحَارِثِ بْنِ فِهْرٍ))، فرد العباس بقوله: "مَا ذَاكَ عِنْدِي يَا رَسُولَ اللَّهِ"، أو قال: "يا محمد، تركتني أتكفَّف قريشًا ما بقيت"، فقال له الرسول صلى الله عليه وسلم: ((فَأَيْنَ الْمَالُ الَّذِي دَفَنْتَهُ أَنْتَ وَأُمُّ الْفَضْلِ؟ فَقُلْتَ لَهَا: إِنْ أُصِبْتُ فِي سَفَرِي هَذَا فَهَذَا الْمَالُ لِبَنِي الْفَضْلِ وَعَبْدِاللَّهِ وَقُثَمٍ))، فقال العباس: "يَا رَسُولَ اللَّهِ، إِنِّي لَأَعْلَمُ أَنَّكَ رَسُولُ اللَّهِ، إِنَّ هَذَا لَشَيْءٌ مَا عَلِمَهُ غَيْرِي وَغَيْرُ أُمِّ الْفَضْلِ، فَاحْسِبْ لِي يَا رَسُولَ اللَّهِ مَا أَصَبْتُمْ مِنِّي عِشْرِينَ أُوقِيَّةً مِنْ مَالٍ كَانَ مَعِي"، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((لَا، ذَاكَ شيء أَعْطَانَا اللَّهُ مِنْكَ))، فَفَدَى نَفْسَهُ وَابْنَيْ أَخَوَيْهِ وَحَلِيفَهُ، وَأَنْزَلَ اللَّهُ فِيهِ: ﴿ يَاأَيُّهَا النَّبِيُّ قُلْ لِمَنْ فِي أَيْدِيكُمْ مِنَ الْأَسْرَى ﴾ [الأنفال: 70]، قَالَ ابْنُ إِسْحَاقَ: "وَكَانَ أَكْثَرُ الْأُسَارَى فِدَاءً الْعَبَّاسَ بْنَ عَبْدِ الْمُطَّلِبِ؛ لِأَنَّهُ كَانَ رَجُلًا مُوسِرًا، فَافْتَدَى نَفْسَهُ بِمِائَةِ أُوقِيَّةٍ مِنْ ذَهَبٍ"، فآتاه الله خيرًا ممَّا أخذ منه؛ إذ قدم على رسول الله صلى الله عليه وسلم مال البحرين ثمانون ألفًا، فتوضَّأ لصلاة الظهر وما صلَّى حتى فرَّقه، وأمر العباس أن يأخذ منه فأخذ منه ما قدر على حمله، ويقول: هذا خير مما أخذ مني وأرجو المغفرة".

 

لذلك وتطييبًا لنفوس الأسرى واستمالة لهم إلى الإسلام وفتحًا لباب التوبة والمواطنة الآمنة في المجتمع المسلم وتخفيفًا لما شق عليهم من الفدية أوصى الله بهم رسوله صلى الله عليه وسلم وقال له: ﴿ يَاأَيُّهَا النَّبِيُّ قُلْ لِمَنْ فِي أَيْدِيكُمْ مِنَ الْأَسْرَى ﴾ [الأنفال: 70] الذين مكَّنكم الله منهم ﴿ إِنْ يَعْلَمِ اللَّهُ فِي قُلُوبِكُمْ خَيْرًا ﴾ [الأنفال: 70]، صدقًا ونوايا طيبة واستعدادًا لمعرفة الحق والإيمان به ﴿ يُؤْتِكُمْ خَيْرًا مِمَّا أُخِذَ مِنْكُمْ ﴾ [الأنفال: 70] يُنِلْكُم أحسن مما فديتم به أنفسكم، وما أنفقتموه في الحرب على المسلمين ﴿ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ﴾ [الأنفال: 70] عدوانكم عليهم وما ارتكبتموه في حقهم من الأذى ﴿ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ ﴾ [الأنفال: 70]، يغفر لمن تاب صادقًا، برحمته التي وسعت كل شيء، قال ابن عباس: "نزلت هذه الآية في عباس وأصحابه، قالوا: "يا رسول الله، آمنا بما جئت به، ولنَنْصَحَنَّ لك على قومنا"، فأنزل الله هذه الآية"، وأظهر غيرهم من الأسرى التودُّد للمسلمين والرغبة في الإسلام من غير أن يعلنوا إسلامهم صراحةً، فقال تعالى يطمئن رسوله صلى الله عليه وسلم: ﴿ وَإِنْ يُرِيدُوا خِيَانَتَكَ ﴾ [الأنفال: 71]: وإن يرد هؤلاء الأسرى خداعك بادِّعاء الإيمان أو المسالمة وكف الأذى عنك وعن المسلمين ثم العودة إلى الكفر والعدوان والحرب ﴿ فَقَدْ خَانُوا اللَّهَ مِنْ قَبْلُ ﴾ [الأنفال: 71]، فإنهم قد جرَّبوا مع مشركي قومهم خيانتك والغدر بك وبالمسلمين من قبل ﴿ فَأَمْكَنَ مِنْهُمْ ﴾ [الأنفال: 71]، فلم يفلحوا وأعانك الله عليهم ومكَّنَك الله من رقابهم ﴿ وَاللَّهُ عَلِيمٌ ﴾ [الأنفال: 71] بمكرهم لا يخفى عليه حالهم ومكرهم ﴿ حَكِيمٌ ﴾ [الأنفال: 71]، فيما يحكم به من كَفِّ شرهم عنكم، ورد كيدهم في نحورهم، قال تعالى: ﴿ وَرَدَّ اللَّهُ الَّذِينَ كَفَرُوا بِغَيْظِهِمْ لَمْ يَنَالُوا خَيْرًا وَكَفَى اللَّهُ الْمُؤْمِنِينَ الْقِتَالَ وَكَانَ اللَّهُ قَوِيًّا عَزِيزًا ﴾ [الأحزاب: 25].

 

إن المؤمن الحق في جميع أمره عزيز النفس في حالَي قوَّته وضعفه:

في حال قوته رحيم متسامح لا يطغى ولا يقسو، له القدوة والأسوة في رسول الله صلى الله عليه وسلم وقد قال عنه تعالى: ﴿ لَقَدْ جَاءَكُمْ رَسُولٌ مِنْ أَنْفُسِكُمْ عَزِيزٌ عَلَيْهِ مَاعَنِتُّمْ حَرِيصٌ عَلَيْكُمْ بِالْمُؤْمِنِينَ رَءُوفٌ رَحِيمٌ ﴾ [التوبة: 128] حكيم لا تستبد به الأهواء غضبًا أو رضًا، عزيز بعِزَّة الله في أقواله وأهوائه وأعماله وعلاقاته؛ لقوله تعالى: ﴿ فَلَا تَهِنُوا وَتَدْعُوا إِلَى السَّلْمِ وَأَنْتُمُ الْأَعْلَوْنَ وَاللَّهُ مَعَكُمْ وَلَنْ يَتِرَكُمْ أَعْمَالَكُمْ ﴾ [محمد: 35]، وقوله عز وجل: ﴿ وَلِلَّهِ الْعِزَّةُ وَلِرَسُولِهِ وَلِلْمُؤْمِنِينَ وَلَكِنَّ الْمُنَافِقِينَ لَا يَعْلَمُونَ ﴾ [المنافقون: 8].

 

وفي حال ضعفه واثق بربه مستعلٍ بإيمانه، لا يخنع أو يخون أو يهون، أو يعطي الدنية من نفسه أو عرضه أو قومه، حَسْبُه الله دائمًا، ورائده الصدق دومًا، ورفاق دربه المؤمنون في كل لحظة، مستغنٍ بما عند الله عما عند الناس، وبما في الآخرة عما في الدنيا، وبما يريده الله عما تهفو إليه نفسه أو تتطلع إليه أهواؤه، ممتثلًا لقول ربه عز وجل: ﴿ تُرِيدُونَ عَرَضَ الدُّنْيَا وَاللَّهُ يُرِيدُ الْآخِرَةَ ﴾ [الأنفال: 67].

 

بهذه النفس العالية والمواقف الجادة والاختيار الحر الحازم الحكيم والأخلاق المستعلية عن النقائص، أقام رسول الله صلى الله عليه وسلم دولته وعامل عدوَّه وحليفه وحبيبه، وترك من نفسه للمؤمنين الأسوة والقدوة الحسنة.

 


[1] استطاع أبو سفيان أن يحشد لمعركة أُحُد ثلاثة آلاف مقاتل كاملي التسليح، و700 درع، ومائتي فرس، وثلاثة آلاف بعير، وخمس عشرة ناقة.

[2] جفن السيف: غمده وغِلافه.

[3] كان عدد المسلمين في بَدْر ثلث عدد المشركين، عدد المسلمين ثلاثمائة وبضعة عشر رجلًا معهم فرسان، وعدد المشركين ألف رجل معهم مائتا فرس.لف ألقف رجل معهم مائتا .

[4] روى الواحديُّ في البسيط: أنه وقف جيش مؤتة، وهم ثلاثة آلاف، وأمراؤهم على التَّعاقب زيد بن حارثة ثمَّ جعفر بن أبي طالب ثمَّ عبدالله بن رواحة، لمائتي ألف من المشركين، مائة ألف من الرُّومِ، ومائة ألف من المستعربة، وهم لخم وجذام.

[5] عن أبي عبدالرحمن السلمي، عن علي رضي الله عنه، قال: بعثني رسول الله صلى الله عليه وسلم وأبا مرثد الغنوي والزبير بن العوام، وكلنا فارس، قال: انطلقوا حتى تأتوا روضة خاخ، فإن بها امرأة من المشركين معها كتاب من حاطب بن أبي بلتعة إلى المشركين، فأدركناها تسير على بعير لها حيث قال رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقلنا: الكتاب، فقالت: ما معنا كتاب، فأنخناها فالتمسنا فلم نر كتابًا، فقلنا: ما كذب رسول الله صلى الله عليه وسلم لتخرجن الكتاب أو لنجردنك، فلما رأت الجد أهوت إلى حجزتها وهي محتجزة بكساء فأخرجته، فانطلقنا بها إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقال عمر: يا رسول الله، قد خان الله ورسوله والمؤمنين، فدعني فلأضرب عنقه، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: ((ما حملك على ما صنعت؟))، قال حاطب: والله، ما بي ألَّا أكون مؤمنًا بالله ورسوله صلى الله عليه وسلم، أردت أن يكون لي عند القوم يد يدفع الله بها عن أهلي ومالي، وليس أحد من أصحابك إلا له هناك من عشيرته من يدفع الله به عن أهله وماله، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: ((صدق ولا تقولوا له إلا خيرًا))، فقال عمر: إنه قد خان الله ورسوله والمؤمنين، فدعني فلأضرب عنقه، فقال: صلى الله عليه وسلم: ((أليس من أهل بدر؟ لعلَّ الله اطَّلَع إلى أهل بدر فقال: اعملوا ما شئتم فقد وجبت لكم الجنة)) أو: ((فقد غفرت لكم)).





 حفظ بصيغة PDFنسخة ملائمة للطباعة أرسل إلى صديق تعليقات الزوارأضف تعليقكمتابعة التعليقات
شارك وانشر

مقالات ذات صلة

  • تفسير سورة الأنفال للحافظ ابن حجر من فتح الباري
  • تفسير سورة الأنفال كاملة
  • تفسير سورة الأنفال (الحلقة الثامنة) سياسة السلم والحرب والعهود وفاء أو نقضا أو نبذا

مختارات من الشبكة

  • غرائب وعجائب التأليف في علوم القرآن (13)(مقالة - آفاق الشريعة)
  • منتقى التفاسير في تفسير سورة البقرة: تفسير الآيات من (135 - 152) (WORD)(كتاب - مكتبة الألوكة)
  • منتقى التفاسير في تفسير سورة البقرة: تفسير الآيات من (102 - 134) (WORD)(كتاب - مكتبة الألوكة)
  • منتقى التفاسير في تفسير سورة البقرة: تفسير الآيات من (65 - 101) (WORD)(كتاب - مكتبة الألوكة)
  • منتقى التفاسير في تفسير سورة البقرة: تفسير الآيات من (1 - 40) (WORD)(كتاب - مكتبة الألوكة)
  • منتقى التفاسير في تفسير سورة البقرة: تفسير الآيات من (40 - 64) (WORD)(كتاب - مكتبة الألوكة)
  • مفسر وتفسير: ناصر الدين ابن المنير وتفسيره البحر الكبير في بحث التفسير (PDF)(كتاب - مكتبة الألوكة)
  • شرح كتاب المنهج التأصيلي لدراسة التفسير التحليلي (المحاضرة الثالثة: علاقة التفسير التحليلي بأنواع التفسير الأخرى)(مادة مرئية - موقع الشيخ أ. د. عرفة بن طنطاوي)
  • فوائد مختارة من تفسير ابن كثير (1) سورة الفاتحة(مقالة - آفاق الشريعة)
  • التنبيه على أن " اليسير من تفسير السعدي " ليس من تفسيره(مقالة - آفاق الشريعة)

 



أضف تعليقك:
الاسم  
البريد الإلكتروني (لن يتم عرضه للزوار)
الدولة
عنوان التعليق
نص التعليق

رجاء، اكتب كلمة : تعليق في المربع التالي

مرحباً بالضيف
الألوكة تقترب منك أكثر!
سجل الآن في شبكة الألوكة للتمتع بخدمات مميزة.
*

*

نسيت كلمة المرور؟
 
تعرّف أكثر على مزايا العضوية وتذكر أن جميع خدماتنا المميزة مجانية! سجل الآن.
شارك معنا
في نشر مشاركتك
في نشر الألوكة
سجل بريدك
  • بنر
  • بنر
كُتَّاب الألوكة
  • بعد عامين من البناء افتتاح مسجد جديد في قرية سوكوري
  • بعد 3 عقود من العطاء.. مركز ماديسون الإسلامي يفتتح مبناه الجديد
  • المرأة في المجتمع... نقاش مفتوح حول المسؤوليات والفرص بمدينة سراييفو
  • الذكاء الاصطناعي تحت مجهر الدين والأخلاق في كلية العلوم الإسلامية بالبوسنة
  • مسابقة للأذان في منطقة أوليانوفسك بمشاركة شباب المسلمين
  • مركز إسلامي شامل على مشارف التنفيذ في بيتسفيلد بعد سنوات من التخطيط
  • مئات الزوار يشاركون في يوم المسجد المفتوح في نابرفيل
  • مشروع إسلامي ضخم بمقاطعة دوفين يقترب من الموافقة الرسمية

  • بنر
  • بنر

تابعونا على
 
حقوق النشر محفوظة © 1446هـ / 2025م لموقع الألوكة
آخر تحديث للشبكة بتاريخ : 8/12/1446هـ - الساعة: 14:24
أضف محرك بحث الألوكة إلى متصفح الويب