• الصفحة الرئيسيةخريطة الموقعRSS
  • الصفحة الرئيسية
  • سجل الزوار
  • وثيقة الموقع
  • اتصل بنا
English Alukah شبكة الألوكة شبكة إسلامية وفكرية وثقافية شاملة تحت إشراف الدكتور سعد بن عبد الله الحميد
 
الدكتور سعد بن عبد الله الحميد  إشراف  الدكتور خالد بن عبد الرحمن الجريسي
  • الصفحة الرئيسية
  • موقع آفاق الشريعة
  • موقع ثقافة ومعرفة
  • موقع مجتمع وإصلاح
  • موقع حضارة الكلمة
  • موقع الاستشارات
  • موقع المسلمون في العالم
  • موقع المواقع الشخصية
  • موقع مكتبة الألوكة
  • موقع المكتبة الناطقة
  • موقع الإصدارات والمسابقات
  • موقع المترجمات
 كل الأقسام | مقالات شرعية   دراسات شرعية   نوازل وشبهات   منبر الجمعة   روافد   من ثمرات المواقع  
اضغط على زر آخر الإضافات لغلق أو فتح النافذة اضغط على زر آخر الإضافات لغلق أو فتح النافذة
  •  
    فصلٌ: فيما إذا جُهل حاله هل ذُكر عليه اسم الله أم ...
    فواز بن علي بن عباس السليماني
  •  
    خطبة (المروءة والخلق والحياء)
    الدكتور علي بن عبدالعزيز الشبل
  •  
    تساؤلات وإجابات حول السنة
    عبدالعظيم المطعني
  •  
    الأيام المعلومات وذكر الله (خطبة)
    حسان أحمد العماري
  •  
    من تجاوز عن المعسر تجاوز الله عنه
    د. خالد بن محمود بن عبدالعزيز الجهني
  •  
    الدرس التاسع عشر: الشرك (2)
    عفان بن الشيخ صديق السرگتي
  •  
    الحذر من استبدال الأدنى بالذي هو خير
    د. عبدالرحمن بن سعيد الحازمي
  •  
    خطبة: اغتنام عشر ذي الحجة خير الأيام
    عبدالعزيز أبو يوسف
  •  
    إعلام النبلاء بفضل العلم والعلماء (خطبة)
    الشيخ محمد عبدالتواب سويدان
  •  
    تفسير: (فأعرضوا فأرسلنا عليهم سيل العرم وبدلناهم ...
    تفسير القرآن الكريم
  •  
    التحذير من الإسراف والتبذير
    الشيخ صلاح نجيب الدق
  •  
    استحباب أخذ يد الصاحب عند التعليم والكلام والمشي
    د. محمد بن علي بن جميل المطري
  •  
    مفهوم الخصائص لغة واصطلاحا وبيان أقسامها
    د. أحمد خضر حسنين الحسن
  •  
    خطبة: عشر ذي الحجة فضائل وأعمال
    الشيخ الدكتور صالح بن مقبل العصيمي ...
  •  
    علام يقتل أحدكم أخاه؟! خطورة العين وسبل الوقاية ...
    رمضان صالح العجرمي
  •  
    أحكام القذف - دراسة فقهية - (WORD)
    شهد بنت علي بن صالح الذييب
شبكة الألوكة / ملفات خاصة / رمضان / دروس رمضانية
علامة باركود

الدرس الخامس: الصبر

الدرس الخامس: الصبر
عفان بن الشيخ صديق السرگتي

مقالات متعلقة

تاريخ الإضافة: 9/3/2025 ميلادي - 9/9/1446 هجري

الزيارات: 1283

 حفظ بصيغة PDFنسخة ملائمة للطباعة أرسل إلى صديق تعليقات الزوارأضف تعليقكمتابعة التعليقات
النص الكامل  تكبير الخط الحجم الأصلي تصغير الخط
شارك وانشر

الدرس الخامس: الصبر

 

الصَبْرُ: حَبس النفس عن الجزع، وقد صَبَر فلانٌ عند المصيبة يَصْبِرُ صَبْرًا، واصطلاحًا: عرَّفه ابن القيم بقوله: هو خُلقٌ فاضلٌ من أخلاق النفس، يُمتنَع به مِن فعلِ ما لا يَحسُن ولا يَجمُل، وهو قوة من قوى النفس التي بها صلاحُ شأنها وقِوامُ أمرها.

 

لماذا سُمِّي الصَبرُ صبرًا؟

حكى أبو بكر بن الأنباري عن بعض العلماء أنه قال: (إنما سُمِّي الصبر صبرًا؛ لأن تمرُّرَه في القلب وإزعاجه للنفس، كتمرُّر الصبْر في الفم).

 

فضل الصبر والحث عليه من القرآن والسنة:

الصبرُ من أكثر الأخلاق التي اعتنى بها القرآن الكريم، وهو مِن أكثر ما تكرَّر ذكره في القرآن؛ قال الإمام أحمد رحمه الله: (ذكر الله سبحانه الصبر في القرآن في تسعين موضعًا).


أحدها: الأمر به كقوله: ﴿ وَاصْبِرْ وَمَا صَبْرُكَ إِلَّا بِاللَّهِ ﴾ [النحل: 127].


الثاني: النهي عما يُضاده؛ كقوله تعالى: ﴿ وَلَا تَسْتَعْجِلْ لَهُمْ ﴾ [الأحقاف: 35].


الثالث: تعليق الفلاح به؛ كقوله: ﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اصْبِرُوا وَصَابِرُوا وَرَابِطُوا وَاتَّقُوا اللَّهَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ ﴾ [آل عمران: 200]، فعلَّق الفلاح بمجموع هذه الأمور.


الرابع: الإخبار عن مضاعفة أجر الصابرين على غيره؛ كقوله: ﴿ أُولَئِكَ يُؤْتَوْنَ أَجْرَهُمْ مَرَّتَيْنِ بِمَا صَبَرُوا ﴾ [القصص: 54].


الخامس: تعليق الإمامة في الدين به وباليقين؛ قال الله تعالى: ﴿ وَجَعَلْنَا مِنْهُمْ أَئِمَّةً يَهْدُونَ بِأَمْرِنَا لَمَّا صَبَرُوا وَكَانُوا بِآيَاتِنَا يُوقِنُونَ ﴾ [السجدة: 24].

 

فضل الصبر والحث عليه من السنة النبوية:

عَنْ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ قَالَ: سَرَّحَتْنِي أُمِّي إِلَى رَسُولِ اللهِ (صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ) أَسْأَلُهُ طَعَامًا فَأَتَيْتُهُ وَقَعَدْتُ، فَجَاءَ نَاسٌ مِنْ الْأَنْصَارِ فَسَأَلُوهُ، فَأَعْطَاهُمْ، ثُمَّ سَأَلُوهُ، فَأَعْطَاهُمْ، ثُمَّ سَأَلُوهُ، فَأَعْطَاهُمْ، حَتَّى نَفِدَ مَا عِنْدَهُ، فَقَالَ لَهُمْ حِينَ أَنْفَقَ كُلَّ شَيْءٍ بِيَدِهِ: مَا يَكُونُ عِنْدِي مِنْ خَيْرٍ، فَلَنْ أَدَّخِرَهُ عَنْكُمْ، فَمَنْ سَأَلَنَا شَيْئًا فَوَجَدْنَاهُ، أَعْطَيْنَاهُ إِيَّاهُ، وَمَنْ يَسْتَعْفِفْ يُعِفَّهُ اللهُ، وَمَنْ يَسْتَغْنِ يُغْنِهِ اللهُ، وَمَنْ يَتَصَبَّرْ يُصَبِّرْهُ اللهُ، وَمَا أُعْطِيَ أَحَدٌ عَطَاءً خَيْرًا وَأَوْسَعَ مِنْ الصَّبْرِ[1].


وأخبر النبي (صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ) بأن الصبر عند الصدمة الأولى، عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ قَالَ: مَرَّ رَسُولُ اللهِ (صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ) بِامْرَأَةٍ تَبْكِي عِنْدَ قَبْرٍ، فَقَالَ لَهَا: اتَّقِي اللهَ وَاصْبِرِي، فَقَالَتْ لَهُ: إِلَيْكَ عَنِّي، فَإِنَّكَ لَمْ تُصَبْ بِمُصِيبَتِي ـ وَلَمْ تَعْرِفْهُ ـ فَجَاوَزَهَا وَمَضَى، فَمَرَّ بِهَا رَجُلٌ فَقَالَ: مَا قَالَ لَكِ رَسُولُ اللهِ (صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ)؟ قَالَتْ: مَا عَرَفْتُهُ، قَالَ: إِنَّهُ لَرَسُولُ اللهِ (صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ)، فَأَخَذَ بِهَا مِثْلُ الْمَوْتِ فَجَاءَتْ إِلَى بَابِهِ، فَلَمْ تَجِدْ عَلَيْهِ بَوَّابًا، فَقَالَتْ: يَا رَسُولَ اللهِ، وَاللهِ مَا عَرَفْتُكَ، فَقَالَ النَّبِيُّ (صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ): إِنَّ الصَّبْرَ عِنْدَ أَوَّلِ صَدْمَةٍ[2].

 

أقسام الصبر:

قسمه الماوردي إلى ستة أقسام فقال:

فأول أقسامه وأولاها: الصبر على امتثال ما أمر الله تعالى به، والانتهاء عما نهى الله عنه؛ لأن به تَخلُص الطاعة، وبها يصح الدين وتُؤدَّى الفروض، ويستحق الثواب؛ كما قال في محكم الكتاب: ﴿ إِنَّمَا يُوَفَّى الصَّابِرُونَ أَجْرَهُمْ بِغَيْرِ حِسَابٍ ﴾ [الزمر: 10]، وليس لِمَن قلَّ صبره على طاعة حظٍّ مِن برٍّ، ولا نصيب من صلاحٍ، وهذا النوع من الصبر إنما يكون لفرط الجزع وشدة الخوف، فإن من خاف الله وصبر على طاعته، ومن جزع من عقابه وقَف عند أوامره.


الثاني: الصبر على ما تقتضيه أوقاته مِن رَزية قد أجهده الحزن عليها، أو حادثة قد كدَّه الهمُّ بها، فإن الصبر عليها يعقُبه الراحة منها، ويُكسبه المثوبة عنها، فإن صبر طائعًا، وإلا احتمل همًّا لازمًا، وصبر كارهًا آثِمًا.


الثالث: الصبر على ما فات إدراكُه من رغبةٍ مرجوَّة، وأعوَز نيلُه مِن مَسرة مأمولة؛ فإن الصبر عنها يعقُب السلو منها، والأسف بعد اليأس خرقٌ.


الرابع: الصبر فيما يُخشى حدوثه من رهبة يَخافها، أو يحذَر حلوله من نكبة يخشاها، فلا يتعجل همَّ ما لم يأت، فإن أكثر الهموم كاذبة، وإن الأغلب من الخوف مدفوعٌ.


الخامس: الصبر فيما يتوقَّعه من رغبة يرجوها، وينتظر من نعمة يأمُلها، فإنه إن أدهشه التوقع لها، وأذهله التطلع إليها، انسدَّت عليه سبلُ المطالب واستفزَّه تسويل المطامع، فكان أبعد لرجائه وأعظم لبلائه.


السادس: الصبر على ما نزل من مكروهٍ، أو حلَّ من أمر مخوفٍ، فبالصبر في هذا تنفتح وجوه الآراء، وتُستدفع مكائد الأعداء، فإن مَن قلَّ صبره عَزُبَ رأيُه، واشتد جزعُه، فصار صريع همومه، وفريسةَ غمومه، وقد قال الله تعالى: ﴿ وَاصْبِرْ عَلَى مَا أَصَابَكَ إِنَّ ذَلِكَ مِنْ عَزْمِ الْأُمُورِ ﴾ [لقمان: 17].

 

نماذج من صبر الأنبياء صلوات الله وسلامه عليهم:

أيوب عليه السلام وصبره على البلاء:

كان نبي الله أيوب عليه السلام غايةً في الصبر، وبه يُضرب المثل في ذلك؛ قال تعالى: ﴿ وَأَيُّوبَ إِذْ نَادَى رَبَّهُ أَنِّي مَسَّنِيَ الضُّرُّ وَأَنْتَ أَرْحَمُ الرَّاحِمِينَ * فَاسْتَجَبْنَا لَهُ فَكَشَفْنَا مَا بِهِ مِنْ ضُرٍّ وَآتَيْنَاهُ أَهْلَهُ وَمِثْلَهُمْ مَعَهُمْ رَحْمَةً مِنْ عِنْدِنَا وَذِكْرَى لِلْعَابِدِينَ ﴾ [الأنبياء: 83، 84].

 

نماذج من صبر نبينا محمد (صلى الله عليه وسلم):

لقد صبَر الرسول (صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ)، وبلغ صبره مبلغًا عظيمًا، و(لا يُعلَم أحدٌ مرَّ به من المصائب والمصاعب والمشاق والأزمات، كما مرَّ به (صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ) وهو صابر محتسب، ﴿ وَاصْبِرْ وَمَا صَبْرُكَ إِلَّا بِاللَّهِ ﴾ [النحل: 127].


صبَر على اليتم والفقر والعوز والجوع والحاجة، والتعب والحسد والشماتة، وغلبة العدو أحيانًا، وصبر على الطرد من الوطن، والإخراج من الدار، والإبعاد عن الأهل، وصبر على قتل القرابة والفتك بالأصحاب، وتشريد الأتباع وتكالب الأعداء، وتحزُّب الخصوم، واجتماع المحاربين وصَلف المغرضين، وكِبر الجبَّارين، وجهل الأعراب، وجفاء البادية ومكر اليهود، وعُتو النصارى وخبث المنافقين، وضراوة المحاربين، وصبَر على تجهُّم القريب وتكالب البعيد، وصولة الباطل وطغيان المكذبين.


عَنْ عَبْدِ اللَّهِ قَالَ: بَيْنَا رَسُولُ اللَّهِ (صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ) سَاجِدٌ وَحَوْلَهُ نَاسٌ مِنْ قُرَيْشٍ مِنَ المُشْرِكِينَ؛ إِذْ جَاءَ عُقْبَةُ بْنُ أَبِي مُعَيْطٍ بِسَلَى جَزُورٍ، فَقَذَفَهُ عَلَى ظَهْرِ النَّبِيِّ (صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ)، فَلَمْ يَرْفَعْ رَأْسَهُ حَتَّى جَاءَتْ فَاطِمَةُ، فَأَخَذَتْ مِنْ ظَهْرِهِ، وَدَعَتْ عَلَى مَنْ صَنَعَ ذَلِكَ][3].


عن عَائِشَةَ زَوْج النَّبِيِّ (صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ) أَنَّهَا قَالَتْ لِرَسُولِ اللَّهِ (صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ) يَا رَسُولَ اللَّهِ، هَلْ أَتَى عَلَيْكَ يَوْمٌ كَانَ أَشَدَّ مِنْ يَوْمِ أُحُدٍ، فَقَالَ: لَقَدْ لَقِيتُ مِنْ قَوْمِكِ، وَكَانَ أَشَدَّ مَا لَقِيتُ مِنْهُمْ يَوْمَ الْعَقَبَةِ؛ إِذْ عَرَضْتُ نَفْسِي عَلَى ابْنِ عَبْدِ يَالِيلَ بْنِ عَبْدِ كُلَالٍ، فَلَمْ يُجِبْنِي إِلَى مَا أَرَدْتُ، فَانْطَلَقْتُ وَأَنَا مَهْمُومٌ عَلَى وَجْهِي، فَلَمْ أَسْتَفِقْ إِلَّا بِـ(قَرْنِ الثَّعَالِبِ)، فَرَفَعْتُ رَأْسِي، فَإِذَا أَنَا بِسَحَابَةٍ قَدْ أَظَلَّتْنِي، فَنَظَرْتُ فَإِذَا فِيهَا جِبْرِيلُ، فَنَادَانِي فَقَالَ: إِنَّ اللَّهَ عَزَّ وَجَلَّ قَدْ سَمِعَ قَوْلَ قَوْمِكَ لَكَ، وَمَا رُدُّوا عَلَيْكَ، وَقَدْ بَعَثَ إِلَيْكَ مَلَكَ الْجِبَالِ لِتَأْمُرَهُ بِمَا شِئْتَ فِيهِمْ، قَالَ: فَنَادَانِي مَلَكُ الْجِبَالِ، وَسَلَّمَ عَلَيَّ، ثُمَّ قَالَ: يَا مُحَمَّدُ، إِنَّ اللَّهَ قَدْ سَمِعَ قَوْلَ قَوْمِكَ لَكَ وَأَنَا مَلَكُ الْجِبَالِ، وَقَدْ بَعَثَنِي رَبُّكَ إِلَيْكَ لِتَأْمُرَنِي بِأَمْرِكَ، فَمَا شِئْتَ إِنْ شِئْتَ أَنْ أُطْبِقَ عَلَيْهِمْ الْأَخْشَبَيْنِ، فَقَالَ لَهُ رَسُولُ اللَّهِ (صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ): بَلْ أَرْجُو أَنْ يُخْرِجَ اللَّهُ مِنْ أَصْلَابِهِمْ مَنْ يَعْبُدُ اللَّهَ وَحْدَهُ لَا يُشْرِكُ بِهِ شَيْئًا[4].


وصبره (صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ) على المنافقين: عَنْ أُسَامَةَ بْن زَيْدٍ أَنَّ النَّبِيَّ (صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ) رَكِبَ حِمَارًا عَلَيْهِ إِكَافٌ تَحْتَهُ قَطِيفَةٌ فَدَكِيَّةٌ، وَأَرْدَفَ وَرَاءَهُ أُسَامَةَ، وَهُوَ يَعُودُ سَعْدَ بْنَ عُبَادَةَ فِي بَنِي الْحَارِثِ بْنِ خَزْرَجِ، وَذَلكَ قَبْلَ وَقْعَةِ بَدْرٍ، حَتَّى مَرَّ بِمَجْلِسٍ فِيهِ أَخْلَاطٌ مِنْ الْمُسْلِمِينَ وَالْمُشْرِكِينَ عَبَدَةِ الْأَوْثَانِ وَالْيَهُودِ، فِيهِمْ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ أُبَيَّ، وَفِي الْمَجْلِسِ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ رَوَاحَةَ، فَلَمَّا غَشِيَت الْمَجْلِسَ عَجَاجَةُ الدَّابَّةِ، خَمَّرَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ أُبَي أَنْفَهُ بِرِدَائِهِ، ثُمَّ قَالَ: لَا تُغَبِّرُوا عَلَيْنَا، فَسَلَّمَ عَلَيْهِمْ النَّبِيُّ (صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ) ثُمَّ وَقَفَ فَنَزَلَ، فَدَعَاهُمْ إِلَى اللَّهِ وَقَرَأَ عَلَيْهِمْ الْقُرْآنَ، فَقَالَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ أُبَيّ: أَيُّهَا الْمَرْءُ، لَا أَحسَنَ مِنْ هَذَا، إِنْ كَانَ مَا تَقُولُ حَقًّا فَلَا تُؤْذِنَا فِي مَجَالِسِنَا، وَارْجِعْ إِلَى رَحْلِكَ، فَمَنْ جَاءَكَ مِنَّا فَاقْصُصْ عَلَيْهِ،فَقَالَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ رَوَاحَةَ: اغْشَنَا فِي مَجَالِسِنَا، فَإِنَّا نُحِبُّ ذَلِكَ، قَالَ: فَاسْتَبَّ الْمُسْلِمُونَ وَالْمُشْرِكُونَ وَالْيَهُودُ، حَتَّى هَمُّوا أَنْ يَتَوَاثَبُوا، فَلَمْ يَزَلْ النَّبِيُّ (صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ) يُخَفِّضُهُمْ، ثُمَّ رَكِبَ دَابَّتَهُ حَتَّى دَخَلَ عَلَى سَعْدِ بْنِ عُبَادَةَ، فَقَالَ: أَيْ سَعْدُ، أَلَمْ تَسْمَعْ إِلَى مَا قَالَ أَبُو حُبَابٍ - يُرِيدُ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ أُبَيّ - قَالَ كَذَا وَكَذَا، قَالَ: اعْفُ عَنْهُ يَا رَسُولَ اللَّهِ، وَاصْفَحْ، فَوَاللَّهِ لَقَدْ أَعْطَاكَ اللَّهُ الَّذِي أَعْطَاكَ، وَلَقَدْ اصْطَلَحَ أَهْلُ هَذِهِ الْبُحَيْرَةِ أَنْ يُتَوِّجُوهُ فَيُعَصِّبُوهُ بِالْعِصَابَةِ، فَلَمَّا رَدَّ اللَّهُ ذَلِكَ بِالْحَقِّ الَّذِي أَعْطَاكَهُ شَرِقَ بِذَلِكَ، فَذَلِكَ فَعَلَ بِهِ مَا رَأَيْتَ، فَعَفَا عَنْهُ النَّبِيُّ (صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ)[5].


وصبره (صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ) على فقْد الأولاد والأحباب: فمات عمه أبو طالب، وتوفيت زوجته خديجة، وتوفي ابنه، وقُتل عمه حمزة، فصلوات ربي وسلامه عليه.

 

نماذج من صبر الصحابة رضوان الله عليهم:

صَبرُ آل ياسر رضي الله عنهم:

وآل ياسر رضي الله عنهم - عمار، وأبوه ياسر، وأمه سُمية - يعذِّبهم المشركون بسبب إيمانهم فيصمدون، عن عثمان قال: (أما إني سأُحدثكم حديثًا عن عمار: أقبلت أنا والنبي (صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ) في البطحاء حتى أتينا على عمار وأمه وأبيه وهم يعذَّبون، فقال ياسر للنبي صلى الله عليه وسلم: الدهر هكذا، فقال له النبي (صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ): اصبِر، ثم قال: اللهم اغفِر لآل ياسر، وقد فعلت، وروى الحاكم في المستدرك عن ابن إسحاق قال: كان عمار بن ياسر وأبوه وأمه أهل بيت إسلام، وكان بنو مخزوم يعذِّبونهم، فقال رسول الله (صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ): صبرًا يا آل ياسر، فإن موعدكم الجنة[6].


أم سلمة رضي الله عنها وصبرها عند فقْد ابنها:

وهذه أم سلمة تصبر عن موت فلذة كبدها، يروي لنا أنس قصتها، فيقول: أن أبا طلحة كان له ابن يُكنى أبا عمير، قال: فكان النبي (صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ) يقول: أبا عمير ما فعل النغير؟ قال: فمرض وأبو طلحة غائب في بعض حيطانه فهلك الصبي فقامت أم سليم فغسلته وكفنته وحنطته وسجت عليه ثوبا وقالت: لا يكون أحد يخبر أبا طلحة حتى أكون أنا الذي أُخبره، فجاء أبو طلحة كالًّا وهو صائم، فتطيَّبت له وتصنَّعت له، وجاءت بعشائه، فقال: ما فعل أبو عمير؟ فقالت: تعشَّى وقد فرغ، قال: فتعشى وأصاب منها ما يصيب الرجل من أهله، ثم قالت: يا أبا طلحة، أرأيت أهل بيت أعاروا أهل بيت عاريةً، فطلبها أصحابها، أيردُّونها أو يَحبِسونها؟ فقال: بل يردونها عليهم، قالت: احتسِب أبا عمير، قال: فغضِب وانطلق إلى النبي (صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ)، فأخبره بقول أُم سليم، فقال (صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ): بارك الله لكما في غابر ليلتكما[7].

 

نماذج من صبر العلماء المتقدمين:

صبر الإمام أحمد بن حنبل رحمه الله على محنة خلق القرآن، أُخذ أحمد بن حنبل في محنة خلق القرآن أيام المأمون؛ ليُحمَل إلى المأمون ببلاد الروم، وأخذ معه أيضًا محمد بن نوح مقيدين، ومات المأمون قبل أن يلقاه أحمد، فَرُدَّ أحمد بن حنبل ومحمد بن نوح في أقيادهما، فمات محمد بن نوح في الطريق، ورد أحمد إلى بغداد مقيدًا، ودخل على الإمام أحمد بعض حفاظ أهل الحديث بالرقة وهو محبوس، فجعلوا يذاكرونه ما يروى في التقيَّة من الأحاديث، فقال أحمد: وكيف تصنعون بحديث خباب: إن من كان قبلكم كان يُنشر أحدهم بالمنشار، ثم لا يصده ذلك عن دينه؟! فيئِسوا منه، وقال إبراهيم البوشنجي: ذكروا أن المعتصم رقَّ في أمر أحمد، لما علق في العقابين، ورأى ثبوته وتصميمه، وصلابته في أمره، حتى أغراه ابن أبي دؤاد، وقال له: إن تركته قيل: إنك تركتَ مذهب المأمون، وسخطت قوله، فهاجه ذلك على ضربه.

 

ما الباعث على الصبر؟

يجب أن يكون الباعث على الصبر ابتغاء وجه الله عز وجل، والتقرب إليه ورجاء ثوابه، لا لإظهار الشجاعة وقوة النفس، وغير ذلك من الأغراض؛ قال تعالى: ﴿ وَالَّذِينَ صَبَرُوا ابْتِغَاءَ وَجْهِ رَبِّهِمْ ﴾ [الرعد: 22]، قال السعدي في تفسيره للآية: (ولكن بشرط أن يكون ذلك الصبر ابْتِغَاءَ وَجْهِ رَبِّهِمْ، لا لغير ذلك من المقاصد والأغراض الفاسدة، فإن هذا هو الصبر النافع الذي يَحبِس به العبدُ نفسَه؛ طلبًا لمرضاة ربه، ورجاءً للقرب منه، والحظوة بثوابه، وهو الصبر الذي من خصائص أهل الإيمان، وأما الصبر المشترك الذي غايته التجلد ومنتهاه الفخر، فهذا يَصدُر من البر والفاجر، والمؤمن والكافر، فليس هو الممدوح على الحقيقة).

 

فوائد الصبر:

1- دليل على كمال الإيمان وحسن الإسلام.

2- يُورث الهداية في القلب.

3- يُثمر محبَّة الله ومحبَّة الناس.

4- سببٌ للتمكين في الأرض.

5- الفوز بالجنة والنجاة من النار.

6- معية الله للصابرين.

7- الأمن من الفزع الأكبر يوم القيامة.

8- مظهر من مظاهر الرجولة الحقة وعلامة على حسن الخاتمة.

9- صلاة الله ورحمته وبركاته على الصابرين.



[1] رواه البخاري.

[2] رواه البخاري.

[3] رواه البخاري.

[4] رواه البخاري ومسلم.

[5] رواه البخاري ومسلم.

[6] رواه الحاكم في المستدرك، سكت عنه الذهبي في التلخيص.

[7] رواه ابن حبان، وقال الشيخ الألباني: صحيح.





 حفظ بصيغة PDFنسخة ملائمة للطباعة أرسل إلى صديق تعليقات الزوارأضف تعليقكمتابعة التعليقات
شارك وانشر

مقالات ذات صلة

  • الدرس الأول: كيف نستقبل رمضان
  • الدرس الثاني: فضل تلاوة القرآن وآداب تلاوته
  • الدرس الثالث: نعمة الوقت والعمر
  • الدرس الرابع: فضل الصلوات المسنونة والتراويح
  • الدرس السادس: الإيثار
  • الدرس السابع: الصدقة
  • الدرس الثامن: الإسراف
  • الدرس التاسع: الغفلة
  • الدرس العاشر: أمراض القلوب وعلاجها
  • الدرس الحادي عشر: أسباب هلاك الأمم
  • الدرس الحادي عشر: الإيمان بالأسماء والصفات
  • الدرس الثالث عشر: القناعة
  • الدرس الرابع عشر: الخشوع في الصلاة (1)
  • الدرس السابع عشر: آثار الذنوب على الفرد والمجتمع
  • الدرس الثامن عشر: الشرك

مختارات من الشبكة

  • التمهيد للدرس: أهدافه، شروطه، طرقه(مقالة - مجتمع وإصلاح)
  • من آداب المتعلم: عدم مقاطعة المعلم أثناء الدرس(مقالة - آفاق الشريعة)
  • دروس في النقد والبلاغة: الدرس الخامس عشر: مقدمة في الإيجاز والإطناب(مقالة - حضارة الكلمة)
  • دروس في النقد والبلاغة: الدرس الخامس: المقابلة(مقالة - حضارة الكلمة)
  • شرح كتاب الدروس المهمة - الدرس الخامس- (الإيمان باليوم الآخر)(مادة مرئية - مكتبة الألوكة)
  • دروس في النقد والبلاغة: الدرس الثامن عشر: التعبير الحقيقي والتعبير الخيالي(مقالة - حضارة الكلمة)
  • دروس في النقد والبلاغة الدرس السابع عشر: الإيجاز والإطناب في الشعر(مقالة - حضارة الكلمة)
  • دروس في النقد والبلاغة الدرس السادس عشر: الإيجاز والإطناب(مقالة - حضارة الكلمة)
  • دروس في النقد والبلاغة: الدرس الرابع عشر: التقديم والتأخير في الشعر(مقالة - حضارة الكلمة)
  • دروس في النقد والبلاغة: الدرس الثالث عشر: التقديم والتأخير(مقالة - حضارة الكلمة)

 



أضف تعليقك:
الاسم  
البريد الإلكتروني (لن يتم عرضه للزوار)
الدولة
عنوان التعليق
نص التعليق

رجاء، اكتب كلمة : تعليق في المربع التالي

مرحباً بالضيف
الألوكة تقترب منك أكثر!
سجل الآن في شبكة الألوكة للتمتع بخدمات مميزة.
*

*

نسيت كلمة المرور؟
 
تعرّف أكثر على مزايا العضوية وتذكر أن جميع خدماتنا المميزة مجانية! سجل الآن.
شارك معنا
في نشر مشاركتك
في نشر الألوكة
سجل بريدك
  • بنر
  • بنر
كُتَّاب الألوكة
  • ختام ناجح للمسابقة الإسلامية السنوية للطلاب في ألبانيا
  • ندوة تثقيفية في مدينة تيرانا تجهز الحجاج لأداء مناسك الحج
  • مسجد كندي يقترب من نيل الاعتراف به موقعا تراثيا في أوتاوا
  • دفعة جديدة من خريجي برامج الدراسات الإسلامية في أستراليا
  • حجاج القرم يستعدون لرحلتهم المقدسة بندوة تثقيفية شاملة
  • مشروع مركز إسلامي في مونكتون يقترب من الانطلاق في 2025
  • مدينة روكفورد تحتضن يوما للمسجد المفتوح لنشر المعرفة الإسلامية
  • يوم مفتوح للمسجد يعرف سكان هارتلبول بالإسلام والمسلمين

  • بنر
  • بنر

تابعونا على
 
حقوق النشر محفوظة © 1446هـ / 2025م لموقع الألوكة
آخر تحديث للشبكة بتاريخ : 24/11/1446هـ - الساعة: 12:14
أضف محرك بحث الألوكة إلى متصفح الويب