المواقيت وما يجوز للمحرم بعد الإحرام

المواقيت وما يجوز للمحرم بعد الإحرام

المواقيت:

والمواقيت نوعان: زمانية ومكانية.

فالمواقيت الزمانية:

هي من أول شوال إلى عشر ذي الحجة، وهي: شوال، وذو القعدة، وعشر من ذي الحجة، وهذا قول الحنفية، ويرى الشافعية: أن يوم النحر لا يُعد منها؛ لأنه لا يصح فيه إنشاء الحج [1].

والمواقيت المكانية:

هي الأماكن التي حدَّدها الشارع للدخول في الإحرام، سواء كان الإحرام بحج أو عمرة.

وهي خمسة:

1- الجحفة: وتعرف الآن باسم رابغ، وهي قرية على ساحل البحر الأحمر، وهي ميقات أهل الشام ومصر وشمال إفريقيا وأهل أوروبا، وكل من مر بها من أهلها أو من غير أهلها.

2- قرن المنازل: وهي لأهل نجد وما جاورها من البلدان، كإمارات الخليج، وكذا من مر بها من غير أهلها.

3- ذات عِرق: وهو ميقات أهل العراق وإيران وما جاورهما.

4- يَلملم: وهو ميقات أهل الهند واليمن وباكستان وما جاورهم.

5- ذو الحليفة: وهو ميقات أهل المدينة المنورة - على ساكنها أفضل الصلاة وأزكى السلام[2].

هذا لمن كان خارج مكة، وأما أهل مكة، فيُحرمون من ديارهم، وإذا أرادوا العمرة، أحرموا من أدنى الحِل؛ كالجِعْرانة أو التنعيم، خارج حدود مكة.

وأما الذين يسكنون في الحل (خارج حدود مكة)، فيُحرِمون من بيوتهم، ثم يَمُرُّون على الميقات الذي يتْبعونه خارج حدود مكة.

ولا يجوز مجاوزة الميقات بدون إحرام، إلا أن يدخل مكة لحاجة كبيع أو شراء؛ لما روي عن ابن عباس - رضي الله عنه - أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: ((لا تجاوزِ الميقاتَ إلا بإحرام))، هذا قول الحنفية والمالكية [3].

وذهب الشافعية إلى جواز المرور على الميقات بدون إحرام؛ لقوله - صلى الله عليه وسلم -: ((فمن أراد الحج والعمرة))، وبما صح أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - دخل يوم فتح مكة وعليه عمامة سوداء بغير إحرام[4].

والراجح قول الحنفية؛ لما نقل عن ابن عباس قال: إنه إذا جاوز الوقت (الميقات) فلم يحرم حتى دخل مكة، رجع إلى الوقت فأحرم، وإن خشي الرجوع إلى الميقات، فإنه يحرم ويُهْرِيق لذلك دمًا.

فهذه المنطوقات أوْلَى من قول المخالف في قوله: ((فمن أراد الحج والعمرة)) إن ثبت أنه من كلام الرسول - صلى الله عليه وسلم - دون كلام الراوي.

أما ما نقل من أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - دخل مكة بدون إحرام، فهذا من خصوصيات رسول الله - صلى الله عليه وسلم - لحديث: ((مكة حرام لم تحل لأحد قبلي ولا لأحد بعدي، وإنما أُحِلت لي ساعة من نهار، ثم عادت حرامًا))، ولأن وجوب الإحرام لتعظيم هذه البقعة الشريفة، فيستوي فيه الحاج والمعتمر.

أنواع الإحرام: وهو ثلاثة أنواع:

1- الإحرام بالحج وحده:

وهو أن ينوي الحج بقلبه ويقول: اللهم إني أريد الحج فيسِّرْه لي وتقبلْه مني، ثم يبدأ بالتلبية، ويبقى إلى أن تنتهي أعمال الحج.

النوع الثاني: الإحرام بالعمرة وحدها:

وهو أن ينوي العمرة بقلبه، ويُسمَّى مَن أحرم بالعمرة في أشهر الحج متمتعًا؛ لقوله تعالى: ﴿ فَمَنْ تَمَتَّعَ بِالْعُمْرَةِ إِلَى الْحَجِّ فَمَا اسْتَيْسَرَ مِنَ الْهَدْيِ فَمَنْ لَمْ يَجِدْ فَصِيَامُ ثَلَاثَةِ أَيَّامٍ فِي الْحَجِّ وَسَبْعَةٍ إِذَا رَجَعْتُمْ ﴾ [البقرة: 196].

والمعنى: أنه بعد أن يؤدي مناسك العمرة يتحلل بالحلق والتقصير، ثم يمكث في مكة حلالاً، ويُحرم بالحج مثل أهل مكة، وعليه ذبح شاة، أو صيام عشرة أيام: ثلاثة في الحج، وسبعة عند رجوعه إلى وطنه.

النوع الثالث: القارن:

وهو أن يجمع بين الحج والعمرة بإحرام واحد في أشهر الحج [5]، وأفضل هذه الأنواع عند الحنفية هي القران، ثم التمتع، ثم الإفراد [6].

ما يجوز عند بداية الإحرام:

إذا أراد الإحرامَ، اغتسل أو توضأ، والغسل لما روي أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - "اغتسل لإحرامه".

ثم يلبس ثوبين جديدين (إزار ورداء)، ولا بأس بأن يمَسَّ طِيبًا؛ لقول عائشة - رضي الله عنها -: "كنت أُطَيِّبُ رسول الله - صلى الله عليه وسلم - لإحرامه قبل أن يحرم"، ثم يصلي ركعتين عند إحرامه، ثم يقول: اللهم إني أريد الحج فيسِّرْه لي، وتقبَّلْه مني، ثم يُلَبِّي عقب صلاته، فإذا لبى فقد أحرم[7].

ما يجوز للمحرم بعد إحرامه:

يجوز للمحرم الاغتسال لعذر أو لغير عذر، ولا يجوز له أن يمسَّ طِيبًا؛ لقول رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: ((الحاجُّ الشعِثُ التَّفِلُ))[8]، ولا بأس بأن يستظل بالبيوت والخِيَم، أو الشمسية بشرط ألا يُلصقَها برأسه، ولا بأس أن يشُد على وسطه الهميان، وهي حافظة النقود له ولغيره، وله أن يصطاد من حيوان البحر ما يشاء، وله أن يذبح الحيوان المستأنَس.

ولا يجوز له التعرض لصيد البر ما دام مُحرِمًا؛ لقوله تعالى: ﴿ وَحُرِّمَ عَلَيْكُمْ صَيْدُ الْبَرِّ مَا دُمْتُمْ حُرُمًا ﴾ [المائدة: 96].

ولا بأس برفع الصوت والتلبية؛ لقوله - صلى الله عليه وسلم - ((الحج: العَجُّ والثَّجُّ)) [9].

ما يجب على القارن والمتمتع:

أما المتمتع، فيجب عليه الهدي بالإجماع؛ لقوله تعالى: ﴿ فَمَنْ تَمَتَّعَ بِالْعُمْرَةِ إِلَى الْحَجِّ فَمَا اسْتَيْسَرَ مِنَ الْهَدْيِ ﴾ [البقرة: 196]، والهَدْي اختلف فيه الصحابة - رضوان الله عليهم -:

فروي عن علي، وابن عباس، وابن مسعود - رضي الله عنهم - أنهم قالوا: هو شاة.

وعن ابن عمر وعائشة - رضي الله عنهم -: بدنة أو بقرة.

والحاصل أن اسم الهدي يقع على الإبل، والبقر، والغنم، لكنَّ الشاة ههنا مرادة من الآية الكريمة بإجماع الفقهاء؛ حتى أجمعوا على جوازها عن المتعة.

والدليل عليه: ما روي عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أنه سئل عن الهدي، فقال: ((أدناه شاة))، إلا أن البدنة أفضل؛ لأنها أكثر لحمًا وقيمةً من البقرة، والبقرة أكثر لحمًا وقيمة من الشاة، فكان أنفع للفقراء، فكان أفضل.

وشروط وجوبه:

القدرة عليه؛ لأن الله تعالى أوجب ما استيسر من الهدي، ولا وجوب إلا على القادر، فإن لم يقدر، فصيام ثلاثة أيام في الحج، وسبعة إذا رجع إلى أهله؛ لقوله - عز وجل -: ﴿ فَمَنْ لَمْ يَجِدْ فَصِيَامُ ثَلَاثَةِ أَيَّامٍ فِي الْحَجِّ وَسَبْعَةٍ إِذَا رَجَعْتُمْ تِلْكَ عَشَرَةٌ كَامِلَةٌ ﴾ [البقرة: 196].

فإذا مضت الأيام ولم يصُم، فقد فات الصوم، وسقط عنه، وعاد الهَدْيُ، فإن لم يقدر عليه يتحلل، وعليه دمانِ: دم التمتع، ودم التحلل.

ويشترط في الهدي السلامة من العيوب كالضحايا.

ويوم ذبحه:

يوم النحر؛ لفعل النبي - صلى الله عليه وسلم - وهذا هو الصحيح عند جمهور الفقهاء [10].

ويذبح الهدي في الحرم مطلقًا، ويجب تفرقة لحمه به عند الشافعي وأحمد، ويرى الإمام أبو حنيفة: أنه يجوز نقله إلى الحِلِّ، هذا إذا كانت الحاجة تدعو إلى نقله إلى فقراء المسلمين في كل البلدان، وهذا هو ما يجري عليه العمل الآن في المملكة العربية السعودية؛ حيث يقومون بتبريد اللحوم، ونقلها إلى الفقراء من المسلمين في معظم البلدان.

أما القارن، فحكمه حكم المتمتع في وجوب الهدي عليه إن وجد، والصوم إن لم يجد، وإباحة الأكل منه للغني والفقير؛ لقوله تعالى: ﴿ فَكُلُوا مِنْهَا وَأَطْعِمُوا الْبَائِسَ الْفَقِيرَ ﴾ [الحج: 28][11].