أحكام الأضحية

أحكام الأضحية

الحمد لله رب العالمين، وأشهد أن لا إله إلا الله وليُّ الصالحين، وأشهد أن سيدنا محمدًا رسول الله، صلى الله عليه وآله وسلم.

ثم أما بعد:

فإن من نِعَم الله - عز وجل - أن يسَّر لنا أمورًا وجعلنا نستطيعها، ومع ذلك فهو - عز وجل - يأجرُناعليها ويُثيبنا، وهذا من نِعم الله - سبحانه وتعالى - ومن رحمته بنا: ﴿ وَمَا بِكُمْ مِنْ نِعْمَةٍ فَمِنْ اللَّهِ ﴾ [النحل: 53].

ومن هذه النعم: نعمةُ الأضحية، فهيا بنا نعرف ونتذكر بعض الأحكام الخاصة بالأضحية.

أولاً: تعريف الأضحية:

لغة: الأضحية بضم الهمزة مع تشديد الياء ((الأُضحيَّة))، أو بدون همزة مع فتح الضاد ((الضَحيَّة))، وهي الشاةُ تذبح ضحوة.

أما التعريف من الناحية الشرعية: فهي ما يذبح من بهيمة الأنعام يوم العيد وأيام التشريق.

ثانيًا: مشروعية الأضحية:

الأضحية مشروعة بالكتاب والسنَّة وإجماع الأمة؛ من كتاب الله - تعالى - يقول - عز وجل -: ﴿ إِنَّا أَعْطَيْنَاكَ الْكَوْثَرَ * فَصَلِّ لِرَبِّكَ وَانْحَرْ * إِنَّ شَانِئَكَ هُوَ الأَبْتَرُ ﴾ [الكوثر: 1-3].

ومن السنة: قول أنس - رضي الله عنه - قال: ((ضحَّى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بكبشينِ أملحين أقرنين، ذبحهمابيده، وسمَّى وكبَّر، ووضع رِجْله على صفاحهما))؛ رواه البخاري.

وأجمعت الأمَّة على مشروعية الأضحية.

ثالثًا: هل الأضحية واجبة أم مسنونة؟!

اختلف العلماء - رحمهم الله تعالى - في هذه المسألة على قولين:

القول الأول: أنها مسنونة - أي: سنَّة - وليست بواجبة، واستدلوا بما ورد في حديث أم سلمة - رضي الله تعالى عنها - قالت: قال النبي - صلى الله عليه وسلم -: ((إذا دخل العشْرُ وأراد أحدُكم أن يضحِّيَ، فلا يمسَّ من شَعَره وبشَرِه شيئًا))؛ والحديث رواه مسلم.

فأخذوا من قول النبي - صلى الله عليه وسلم -: ((وأراد أحدكم أن يضحي))، أنه جعل "إرادة الأضحية" للفرد، وقالوا: لو كانت واجبةً لقال: "فلا يمس" دون أن يقول: "وأراد".

أما القول الثاني: فهو بوجوب الأضحية، واستدلوا بحديث النبي - صلى الله عليه وسلم -: ((من كان له سَعة ولم يضَحِّ، فلا يقربن مُصلانا))[1].

فقالوا: لولا وجوبها ما كان تاركها ممنوعًا من قُرْب مصلى العيد.

والقول الثاني بالوجوب لعله الأرجح، وقد رد الإمام شيخ الإسلام ابن تيمية على قول من استدل بقول النبي - صلى الله عليه وسلم -: ((وأراد أحدُكم أن يضحي)) بأن هذا قول عام فليس كل أحد يستطيع الأضحية، وأيضًا فإن الله - سبحانه وتعالى - قال: ﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا قُمْتُمْ إِلَى الصَّلاةِ فَاغْسِلُوا وُجُوهَكُمْ وَأَيْدِيَكُمْ إِلَى الْمَرَافِقِ وَامْسَحُوا بِرُءُوسِكُمْ وَأَرْجُلَكُمْ إِلَى الْكَعْبَيْنِ ﴾؛ أي: إذا أردتم القيامَ إلى الصلاة، والوضوء للصلاة واجب، فكيف يُستدل بهذا القول على أنها ليست واجبة؟

فكل من استطاع الأضحية ويسر الله - تعالى - له أن يضحي، فعليه أن يضحي.

رابعًا: لماذا الأضحية؟

1- يُتعبَّد بها ويُتقرَّب بها إلى الله تعالى.

2- هي سنة أبي الأنبياء سيدنا إبراهيم - عليه الصلاة والسلام - وسنة نبينا محمد - صلى الله عليه وسلم.

3- التوسعة على الأهل والأقارب والتيسير على الفقراء والمحتاجين.

4- شكر نعمة الله - تعالى - علينا.

5- تذكُّر طاعة سيدنا إبراهيم، وسيدنا إسماعيل - عليهما الصلاة والسلام - لربهما - عز وجل.

خامسًا: ما لا يجزئ وما لا يجوز في الأضاحي:

الأضحية قربة يتقرب بها العبدُ إلى ربه - سبحانه وتعالى - فعليه أن يختارها سليمة من العيوب، وليعلم أن ما ينفقه في سبيل الله - عز وجل - تبقى حسناتُه ينتفع بها في يومٍ كان مقداره خمسين ألف سنة، يوم لا ينفع مال ولا بنون، إلا من أتى اللهَ بقلب سليم، وهناك بعض العيوب لا تجوز في الأضاحي:

1- العَوْراء البيِّن عورها، وأيضًا العمياء التي لا تستطيع الرؤية.

2- العرجاء البيِّن عرَجها، والتي لا تستطيع أن تضع رِجْلها على الأرض أثناء المشي.

3- المريضة البيِّن مرضها.

4- العجفاء الهزيلة.

وقد جاء عن البراء بن عازب - رضي الله عنه - أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: ((أربع لا تجوز))، وفي رواية: ((لا تجزئ في الأضاحي، العوراء البيِّن عورها، والمريضة البين مرضها، والعرجاء البين عرجها، الرواية: والكسيرة أو والكسيرالتي لا تُنْقي))؛ صحيح رواه الخمسة.

فعلينا أن نختار الأضحية من أحسن الأموال عندنا، ولقد كان صحابةُ النبي - صلى الله عليه وسلم - يسمنون الأضاحي، وكلما كانت سمينة وعظيمة اللحم، كان أجرُها أكبرَ من الأضاحي لله - عز وجل.

ولا تجوز الأضحيةُ بغير بهيمة الأنعام ((البدن - البقر - الغنم "ضأن وماعز")).

سادسًا: هل يجوز اشتراك أكثر من واحد في أضحية واحدة؟

• بالنسبة للشاة لا يجوز أن يشترك أكثرُ من واحد فيها؛ فهي تكفي عن الرجل وأهل بيته؛ كما جاء في حديث أبي أيوب الأنصاري - رضي الله تعالى عنه -: ((كان الرجلُ يذبح الشاةَ عنه، وعن أهل بيته)).

• أما البدنة (الجمل أو الناقة) والبقرة فتكفي في سبعة؛ كما جاء في حديث جابر بن عبدالله - رضي الله تعالى عنه -: ((نحَرْنا في عام الحديبية البدنة عن سبعة، والبقرة عن سبعة))؛ رواه مسلم.

سابعًا: شروط الأضحية:

1- أن تكون من بهيمة الأنعام كما أشرنا سابقًا.

2- ألا يقلَّ سن الضأن والماعز عن سنة كاملة، وفي حالة الإعسار فيجوز أن يضحي على الجذعة من الضأن وهي التي بلغت سنُّها ستةَ أشهر وبدأت في السابع، وذلك في الضأن فقط.

ويشترط في البقر أن تكون قد أتمت سنتين وبدأت في الثالثة، ويشترط في البدن (الإبل) أن تكون قد أتمت أربع سنوات، ودخلت في الخامسة؛ لأن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: ((لا تذبحوا إلا مسنَّة، إلا أن يعسرَ عليكم فتذبحوا جذعة من الضأن))؛ أخرجه مسلم.

ثامنًا: وقت الأضحية:

• يقول الله - عز وجل -: ﴿ فَصَلِّ لِرَبِّكَ وَانْحَرْ ﴾ [الكوثر: 2].

• ويقول النبي - صلى الله عليه وسلم -: ((إن أول ما نبدأ به في يومنا هذا نصلي ثم نرجع فننحر، فمن فعل ذلك فقد أصاب سنتَنا، ومن ذبح قبل فإنما هو لحمٌ قدَّمه لأهله، وليس من النسك في شيء))؛ أخرجه البخاري.

• وقال - صلى الله عليه وسلم -: ((من ذبح قبل الصلاة، فإنما يذبح لنفسه، ومن ذبح بعد الصلاة، فقد تم نسكُه، وأصاب سنَّة المسلمين))؛ رواه البخاري.

فوقت ذبح الأضحية يبدأ بعد صلاة عيد الأضحى، ويستمر حتى اليوم الثالث من أيام التشريق، لكن لا بد أن يعلم الجميع أن السنَّةَ ذبْحُ الأضحية بعد الصلاة، ولا تؤخر إلا بسبب خارج عن الإرادة، ولا يكون التأخيرُ بسبب وفاة أحد أو ميلاد أحد، بل تكون بسببٍ، مِثل: أنه لم يجد ما يُضحِّي به إلا أيام التشريق، أو لم يجد من يذبح له إذا كان لا يعرف كيفية ذبْحِ الأضحية، أو لسبب من الأسباب التي لا يؤاخَذُالإنسانُ على التأخير بسببها.

تاسعًا: كيفية الذبح أو النحر:

• تنحر الإبل معقولةً قدمُها اليسرى الأمامية.

• أما البقر والغنم فتذبح بعد إضجاعها على جنبها الأيسر، ويكون وجه الذبح ناحية القِبلة، ويضع رِجْله على صفاحها، ويسمِّي ويكبِّر، ويقول: اللهم هذا منك وإليك، عني وعن أهل بيتي، اللهم تقبَّلْها مني، ويذبح على بركة الله تعالى، ويكون الذبح بسكين حادة حتى يحسن الذبح، ((إن الله كتب الإحسانَ على كل شيء؛ فإذا ذبحتم فأحسنوا الذِّبْحة، وإذا قتلتم فأحسنوا القِتْلة))، جاء ذلك في حديث النبي محمد - صلى الله عليه وسلم.

وعلى المسلم أن يُخلِص لله - عز وجل - في جميع أعماله؛ يقول الله - تعالى -: ﴿ فَمَنْ كَانَ يَرْجُوا لِقَاءَ رَبِّهِ فَلْيَعْمَلْ عَمَلاً صَالِحًا وَلا يُشْرِكْ بِعِبَادَةِ رَبِّهِ أَحَدًا ﴾ [الكهف: 110].

فلا بد أن تكون نيتُه في الأضحية لله - عز وجل - وليعلم أن الله - تعالى -: ﴿ لَنْ يَنَالَ اللَّهَ لُحُومُهَا وَلا دِمَاؤُهَا وَلَكِنْ يَنَالُهُ التَّقْوَى مِنْكُمْ ﴾ [الحج: 37].

وأسأل اللهَ - عز وجل - أن يتقبَّلَ منا ومن المسلمين جميعًا صالح الأعمال.