• الصفحة الرئيسيةخريطة الموقعRSS
  • الصفحة الرئيسية
  • سجل الزوار
  • وثيقة الموقع
  • اتصل بنا
English Alukah شبكة الألوكة شبكة إسلامية وفكرية وثقافية شاملة تحت إشراف الدكتور سعد بن عبد الله الحميد
 
الدكتور سعد بن عبد الله الحميد  إشراف  الدكتور خالد بن عبد الرحمن الجريسي
  • الصفحة الرئيسية
  • موقع آفاق الشريعة
  • موقع ثقافة ومعرفة
  • موقع مجتمع وإصلاح
  • موقع حضارة الكلمة
  • موقع الاستشارات
  • موقع المسلمون في العالم
  • موقع المواقع الشخصية
  • موقع مكتبة الألوكة
  • موقع المكتبة الناطقة
  • موقع الإصدارات والمسابقات
  • موقع المترجمات
 كل الأقسام | مقالات شرعية   دراسات شرعية   نوازل وشبهات   منبر الجمعة   روافد   من ثمرات المواقع  
اضغط على زر آخر الإضافات لغلق أو فتح النافذة اضغط على زر آخر الإضافات لغلق أو فتح النافذة
  •  
    طريق لا يشقى سالكه (خطبة)
    عبدالله بن إبراهيم الحضريتي
  •  
    خطبة: مكانة العلم وفضله
    أبو عمران أنس بن يحيى الجزائري
  •  
    خطبة: العليم جلا وعلا
    الشيخ الدكتور صالح بن مقبل العصيمي ...
  •  
    في تحريم تعظيم المذبوح له من دون الله تعالى وأنه ...
    فواز بن علي بن عباس السليماني
  •  
    كل من يدخل الجنة تتغير صورته وهيئته إلى أحسن صورة ...
    فهد عبدالله محمد السعيدي
  •  
    محاضرة عن الإحسان
    د. عطية بن عبدالله الباحوث
  •  
    ملامح تربوية مستنبطة من قول الله تعالى: ﴿يوم تأتي ...
    د. عبدالرحمن بن سعيد الحازمي
  •  
    نصوص أخرى حُرِّف معناها
    عبدالعظيم المطعني
  •  
    فضل العلم ومنزلة العلماء (خطبة)
    خميس النقيب
  •  
    البرهان على تعلم عيسى عليه السلام القرآن والسنة ...
    د. محمد بن علي بن جميل المطري
  •  
    الدرس السادس عشر: الخشوع في الصلاة (3)
    عفان بن الشيخ صديق السرگتي
  •  
    القرض الحسن كصدقة بمثل القرض كل يوم
    د. خالد بن محمود بن عبدالعزيز الجهني
  •  
    الليلة التاسعة والعشرون: النعيم الدائم (2)
    عبدالعزيز بن عبدالله الضبيعي
  •  
    حكم مشاركة المسلم في جيش الاحتلال
    أ. د. حلمي عبدالحكيم الفقي
  •  
    غض البصر (خطبة)
    د. غازي بن طامي بن حماد الحكمي
  •  
    كيف تقي نفسك وأهلك السوء؟ (خطبة)
    الشيخ محمد عبدالتواب سويدان
شبكة الألوكة / ملفات خاصة / ملف الحج / خطب الحج
علامة باركود

خطبة المسجد الحرام 30/ 11/ 1429ﻫـ

الشيخ الدكتور عبدالرحمن بن عبدالعزيز السديس


تاريخ الإضافة: 29/11/2008 ميلادي - 30/11/1429 هجري

الزيارات: 18450

 حفظ بصيغة PDFنسخة ملائمة للطباعة أرسل إلى صديق تعليقات الزوارأضف تعليقكمتابعة التعليقات
النص الكامل  تكبير الخط الحجم الأصلي تصغير الخط
شارك وانشر

خطبة المسجد الحرام

30/ 11/ 1429ﻫـ

الحمد لله، جعل البيت العتيق مثابةَ أمنٍ لمَنْ تهلَّل له وناجَى، وأعظم الأجر لقاصديه عمَّارًا وحجَّاجًا، وألَظُّوا: لبَّيْك اللهمَّ لبَّيْك ركبانًا وأفواجًا، وأشهد أن لا إله إلا الله، وحده لا شريك له، شهادةً تكون لجِنانِه مرتقًى ومِعراجًا، وأشهد أن نبيَّنا وسيدنا محمدًا عبد الله ورسوله، خير مَنْ سلك للمناسك سُهُولاً وفجاجًا، اللهم صلِّ عليه وعلى آله وصحبه، الذين هفتْ قلوبهم للكعبة الغرَّاء تأويبًا وإدلاجًا، والتابعين ومَن تبعهم بإحسان، يرجو ازدلافًا إلى ربِّه وابتهاجًا، وسلِّم - يا ربِّ - تسليمًا كبيرًا، ما هَمَتِ المُزْنُ غيثًا ثجَّاجًا.

أما بعدُ؛ فيا أيها المؤمنون:
خيرُ ما يُوصى به ويُدَّكر، ويُنحَل في العظات ويُعتَبَر، وأزكى إبهاج، لكل قاصدٍ وحاجٍّ - وصية الله في أقوم منهاج: ﴿ وَلَقَدْ وَصَّيْنَا الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ مِنْ قَبْلِكُمْ وَإِيَّاكُمْ أَنِ اتَّقُوا اللَّهَ ﴾ [النساء: 131].

أيها المسلمون في سائر الأمصار والأقطار، حجَّاجَ بيت الله الأبرار، ها هو موطن الحجِّ الأزهر، ويومه الأغرُّ الأكبر، قد أضاءتْ في سماء الأمة أنوارُه، وتلألأت لياليه وأشرق نهارُه، وعَبقَت بالبشائر أزهارُه، وبالخيرات والبركات ثمارُه، وسطعتْ في أفئدة الحجيج فضائلُه وآثاره، تهيَّجت لواعجَ الأشواق، وأفاضَتْ دموع الأحْداق، لكل قاصدٍ توَّاق.

وكم هي أمة الإسلام المبارَكة في لَهَفٍ إلى فَيْئه الحنون، وظله الوارف الأتون، أليس هو رحلة التوبة والمغفرة والصَّفاء، والطمأنينة والثناء، والتآلُف والإخاء؟ أمَا قدِ اكتنز منائحَ الأجر والرَّجاء، والرحمة والابتهال والدُّعاء؟
حَطَّتْ مَوَاكِبُ لِلْحَجِيجِ مَتَاعَهَا        وَالْكُلُّ مِنْ فَرْطِ  السَّعَادَةِ  يَجْأَرُ
زَهَلُوا عَنِ الدُّنْيَا  وَباطِلِ  لَهْوِهَا        وَتَذَكَّرُوا   الآثَامَ    لَوْ    تَتَذَكَّرُ


أيُّها الوفد الكرام، حجَّاج بيت الله الحرام:
بكلِّ الشَّرَف والفخار، وباسم قاطني هذه الدِّيار، نزُفُّ لكمْ ولأمتنا الإسلامية التَّهاني مُضَمَّخَةً، والتحايا مُعطَّرةً، في إطلال هذه المناسبة المبجَّلة، وحلول أيامها الغرّ المحجَّلة، جَعَلَها الله بمنِّه وكرمه فواتحَ خيرٍ وبركةٍ وانتصار، واجتماعَ تآلف وعزَّةٍ واستغفار، إنه هو الجواد الغفَّار.

أحبتنا الحجيج:
بلاد الحرمينِ الشريفين رعاةً ورعايا، أرضًا وسماءً، صبحًا ومساء، جبالاً ووهادًا، سهولاً ومنئادًا، يستبشرون بكم ضيفًا عزيزًا مرقوبًا، ووفدًا كريمًا محبوبًا.
مَرْحَبًا فِي مَهْبِطِ الوَحْيِ الَّتِي        حَفَّهَا  الطُّهْرُ  وَفَيْضُ  المُنْعِمِ
أَمْرُهَا فِي النَّاسِ  مَا  أَعْظَمَهُ        أَذْهَلَتْ قَلْبَ  وَعَقْلَ  المُسْلِمِ

فطِبتُمْ وطاب مَمْشاكم، وكَرمتُم وكَرمَ مسعاكم، وبلَّغكم المولى رجاكم ومُناكم، شعاركم تلبيةٌ مجلجِلَةٌ بالتوحيد:
لَبَّيْكَ  يَا  رَبَّ   الحَجِي        جِ جُمُوعُهُ وَفدَتْ إِلَيْكْ
تَرْجُو  المَثَابَةَ  فِي  حِمَا        كَ وَتَبْتَغِي الزُّلْفَى لَدَيْكْ
لبَّيْكَ    وَالآَمَالُ    وَالْ        أَفْضَالُ مِنْ نُعْمَى يَدَيْكْ

ضيوف الرحمن:
أيا مَن أضْنَيْتُم الأبدان، وفارقتمُ الولدان والأوطان، وتجشَّمتم الفيافيَ والأخطار، وجُلْتُم الأجواء والبِحار، حاسري الرُّؤوس، خاشِعي النُّفوس؛ امتثالاً لأمر المنَّان، وداعي خليل الرحمن: ﴿ وَأَذِّنْ فِي النَّاسِ بِالْحَجِّ يَأْتُوكَ رِجَالًا وَعَلَى كُلِّ ضَامِرٍ يَأْتِينَ مِنْ كُلِّ فَجٍّ عَمِيقٍ * لِيَشْهَدُوا مَنَافِعَ لَهُمْ ﴾ [الحج: 27 - 28].

والإيمانُ المقترِن يعرك أبدانكم، والحنين الكمين حادي أبدانكم؛ كي تنيخوا مطايا الشوق بأعظم بقاع الله تفضيلاً، وأكرمها جُملةً وتفصيلاً، ﴿ وَلِلَّهِ عَلَى النَّاسِ حِجُّ الْبَيْتِ مَنِ اسْتَطَاعَ إِلَيْهِ سَبِيلًا ﴾ [آل عمران: 97].

وترتاد حِمى مَن؟ حمى الواحد الدَّيَّان، ﴿ وَمَنْ دَخَلَهُ كَانَ آَمِنًا ﴾ [آل عمران: 97]، هنيئًا لكم وقد كحَّلتم أعينكم بِرُؤية أرضٍ دَرَجَ عليها الحبيب، وانبثق منها نور الرِّسالة الرَّحيب، على صاحبها صلاة تترى، وسلام عبق رقيق، فَلْيَكُن ذلك تقويةً لإيمانكم، وبعثًا لعزائِمكم، وشحنًا لِهِمَمكم.

نعم - أيتها الوفود المباركة - ها قد حَقَّق الله سُؤْلكم، وبلَّغَكُم مأمولكم، فعاينتمُ البيت الأطهر، والمكان الأزهر الذي اجتبى حبَّات الشِّغاف فأبْهَر، ولسان حالكم: ما أطمر من أزعر.
قَدْ هَجَرْنَا الدِّيَارَ وَالأَهْلَ شَوْقًا        وَقَطَعْنَا  القِفَارَ  وَعْرًا   وَسَهْلاً
وَأَتَيْنَا    شُعْثًا    وَغُبْرًا    نُلَبِّي        وَدَمُوعُ الأَشْوَاقِ  تَزْدَادُ  هَطْلاً


أما أهطعت منكم القلوب إلى البيت العتيق محبةً وإجلالاً؟ وعنَتْ إليه المُقل وقد طوت رجاءات وآمالاً؟
بَيْتٌ لَهُ الشَّرَفُ المُؤَثَّلُ وَالثَّنَا        وَلَهُ  العُلاَ  وَالمَجْدُ   وَالإِيثَارُ
حَنَّتْ لَهُ حُبًّا قُلُوبٌ أَسْلَمَتْ        وَعَلَتْ لَهُ مِنْ عِزِّهِ  الأَمْصَارُ

فيا لله، كم لهذه البِقاع الشريفة والمشاعر المنيفة من مُحبٍّ يكابِد الحنين وغرامه، والتبريح وسقامه؛ ليتضمَّخَ في جنباتها بعبق المغفرة والتُّقى، وليَبُلَّ هيامه برحيق الرِّضا والهدى، كيف والدُّموع الحرَّاء على الوجنات تلفح، والتباريح تترى في الأطواء لا تبرح؟ حتى إذا قابلها لا يملك دمع العين من حيث جرى، بيان مشاعرهم يردد هاتفًا:
وَسِرْنَا نَشُقُّ البِيدَ  لِلْبَلَدِ  الَّذِي        لِجَهْدٍ  وَشِقٍّ   لِلنُّفُوسِ   بَلَغْنَاهُ
رِجَالاً وَرُكْبَانًا عَلَى كُلِّ ضَامِرٍ        وَمِنْ كُلِّ ذِي فَجٍّ  عَمِيقٍ  أَتَيْنَاهُ


أيها الحجاج الميامين:
وهذا البلد الأمين قدِ اختصه العليم الحكيم بخصائص لا تبلى، وأحكامٍ في التنزيل تتلى، يأتي في الذُّؤَابة منها الأمن الوارف الموطَّد، والأمان السابغ المؤكد، قال - تعالى - مُقْسمًا ومنوِّهًا: ﴿ وَهَذَا الْبَلَدِ الْأَمِينِ ﴾ [التين: 3]، وقال عزَّ شأنه: ﴿ وَإِذْ جَعَلْنَا الْبَيْتَ مَثَابَةً لِلنَّاسِ وَأَمْنًا ﴾ [البقرة: 125].

ولِعِظَم منزلة هذا البيت، وسمو مكانته، ها هو الحبيب - صلى الله عليه وسلم - ينثر بين يدي أم القرى ذوب إحساسه المتَصَعِّد في شريف أنفاسه؛ بقوله - عليه الصلاة والسلام -: ((والله إنكِ لخير وأحب أرض الله إلى الله، ولولا أني أُخرجتُ منكِ ما خرجت)) أخرجه الإمام أحمد والترمذي.

وقد أحاط - جلَّ جلاله - هذا الأمن بحصنٍ منيع، وتهديد مريع، لمن قصده بريبة، أو أمَّه بنكر وخطيئة، ﴿ وَمَنْ يُرِدْ فِيهِ بِإِلْحَادٍ بِظُلْمٍ نُذِقْهُ مِنْ عَذَابٍ أَلِيمٍ ﴾ [الحج: 25]، ذلكم يرعاكم الله الأمن الأزلي المستمر، والاطمئنان الرباني المستقر، ولا غرو فهو:
بَلَدٌ شَرِيفٌ بِالمَنَاسِكِ مَجْدُهُ        مَرَّتْ عَلَى تَعْظِيمِهِ الأَعْصَارُ
مَا زَاغَ  فِيهِ  زَائِغٌ  إِلاَّ  غَدَا        دَاء  لَهُ   أَوْ   غَالَهُ   إِعْصَارُ


أخي الحاج المبارك الكريم:
لا يخفى على شريف علمكم أن قدسيَّة الحرمين الشريفين الشامخة، وحرمتهما العظيمة الراسخة - عقيدةٌ أزلية ثابتة، لا تغيرها العصور والمستجدات والأَزَمات، وكلا أن تنقضها الأزمان والمدلهمات، وحاشا أن تخضع للمساومات والمزايدات، زادها الله تشريفًا وتنويهًا، وبلَّغ الحجيج منها أماني لم تزل تنويها.

معاشر الحجاج الأكارم:
من أهم الأسس والمرتكزات، وأعظم الأُصول المهمات التي يجب تحقيقها من قِبَل الحجاج خاصة، والمسلمين عامة، تجريد التوحيد لرب العبيد، وتمحيصه عن الشرك والتنديد؛ امتثالاً لقول العزيز الحميد: ﴿ وَإِذْ بَوَّأْنَا لِإِبْرَاهِيمَ مَكَانَ الْبَيْتِ أَلاَّ تُشْرِكْ بِي شَيْئًا ﴾ [الحج: 26]، فأعظم منافع الحج ومقاصده، وآثاره السنية وفوائده - تحقيق التوحيد لله رب العالمين.
فَلِوَاحِدٍ كُنْ وَاحِدًا فِي وَاحِدْ        أَعْنِي  طَرِيقَ  الحَقِّ   وَالإِيمَانِ


عن جابر - رضيَ الله عنه - قال: فأهلَّ رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بالتوحيد: ((لبَّيكَ اللهمَّ لبيك، لبيك لا شريك لك لبيك، إن الحمد والنعمة لك والملك لا شريك لك))، وكذلك التحقق بالإخلاص؛ لأنه الأصل والنبراس، وهو في الأقوال والأفعال أهم بناءٍ وأساس، ألا لله الدين الخالص، يقول - صلى الله عليه وسلم – في حجة الوداع: ((اللهمَّ حجة لا رِياء فيها ولا سُمعة))؛ أخرجه ابن ماجه بسندٍ حسن.

مواكب الحجيج:
ويلتحق بتلك الأصول النِّهَاع أصل المحبَّة والتأسي والاتِّباع، فمحبَّتُه - صلى الله عليه وسلم - اقتداء واهتداء، لا امتحان وادِّعاء: ﴿ قُلْ إِنْ كُنْتُمْ تُحِبُّونَ اللَّهَ فَاتَّبِعُونِي يُحْبِبْكُمُ اللَّهُ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ ﴾ [آل عمران: 31].

وقال - صلى الله عليه وسلم -: ((خُذُوا عني مناسككم))، ولكن - يا عباد الله - دون زيادة وإحداث، أو نقص أو إنكاث، مع استشعار لعظمة هذه الفريضة الجليلة، ومقاصدها السامية النبيلة، أليست هي الرُّكن الخامس لأركان الإسلام، وإحدى شعائره العظام؟

في الصحيح أنه - صلى الله عليه وسلم - قال: ((والحج المبرور ليس له جزاء إلاَّ الجنة))؛ أخْرجه البخاري.

ألا فلْيَكُنْ مِلْء برودكم قول الحبيب - صلى الله عليه وسلم - مبشرًا: ((من حج فلم يرفث ولم يفسق، رجع من ذنوبه كيوم ولدتْه أمه))؛ متفق عليه.
فَكَمْ حَامِدٍ وَكَمْ ذَاكِرٍ  وَمُسَبِّحٍ        وَكَمْ مُذْنِبٍ يَشْكُو لِمَوْلاَهُ بَلْوَاهُ
وَظَلَّ  حَجِيجُ  اللهِ  لِلَّيْلِ   وَاقِفًا        فَقِيلَ انْفِرُوا فَالكُلُّ مِنْكُمْ  قَبِلْنَاهُ

أمة الإسلام، وفود بيت الله الحرام:
إن شعيرة الحج في جوهرها البديع، ومظهرها الألِق المنيع، لَتَدْعونا لاتخاذها منعطفًا عمليًّا ومنارًا، ووثبة جادَّة لِحَلِّ قضايانا ومسارًا.
فَحَتَّامَا الشَّتَاتُ وَالاختلاَفُ حَتَّامَا        وَإِلَامَ    التَّنَاثُرُ    وَالتَّنَافُرُ    إِلاَمَا؟

لقد حل الأوان وحان الآن؛ لاغتنام شَرَف الزمان والمكان؛ لمعالجة مِحَن الأمة ونِزاعاتها، ووحر صُدُورها وخلافاتها؛ إقليميًّا، ودوليًّا، وعالميًّا، وأن يكونَ هذا الاجتماع الرَّبَّاني نبراسًا للأعمال، ورائدًا للآمال، وعهدًا للتناصر، وتثبيت الأواصر، ومستأنفًا لنبذ التراخي، وتأكيد التآخي؛ ﴿ وَاعْتَصِمُوا بِحَبْلِ اللَّهِ جَمِيعًا وَلَا تَفَرَّقُوا ﴾ [آل عمران: 103]، لا سيما في أولى قضايانا الكبرى، قضيَّة إخواننا في الأرض المباركة "فلسطين"، الذين جَرَّحَتْهم ظلمات الحصار والخطوب، وانقسامات الإخوة على شتى أهواءٍ ودروب، وإخواننا في بلاد الرافدين الذين قرحتهم مآسي الحروب، فأين رابطة العقيدة؟ أين أخوة الإيمان؟ ﴿ إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ إِخْوَةٌ ﴾ [الحجرات: 10].

إنَّنا باسم جُمُوع الحجيج، ننادي إخواننا في مواقع الحدث: في الأمة خلافاتٍ ونزاعاتٍ وانقساماتٍ كادت أن تضيع جوهر قضاياها، وتحبط آمالها، وتجرِّئ عليها أعداءها، لكننا - بحمد الله - رغم ذلك كله لمتفائلون، فلتُبشري يا فلسطين وغزة للنصر والشموخ والعزة.

إن هذه الشعيرة المباركة للمناسبة العظيمة؛ لأن نزجي للعالم أكتع الهدايات الربانية، والرحمات المحمدية، التي تهتف بالحقِّ والعدل والأمن والسلام، وتُرفرف بالرحمة والتسامح والصفاء والوئام، وتنبذ الظلم والفساد، والعنف والإرهاب، والتفجيرات والقرصنة بآخرةٍ، والإجرام مهما كانت أسبابُه ودوافعُه.

وما المبادرات البطولية الإنسانية العالمية؛ إلا خير ما يُختتم به العام، ويزدان شرفًا بها الهام، وتلك - وايم الله - أمارة الكياسة والحكمة والتبجيل بين الأنام، كلل الله الجهود بالقبول والتسديد والتوفيق المديد، ودوام التأييد إنه جوادٌ كريمٌ.

معاشر الحجيج:
تلكم يرعاكم الله إشراقات ونفحات من روحانية الأنساب، تضيء المبهم، وتنير الأحلام، فالله الله في تعظيم البلد الحرام، عما يدنسه حسًّا ومعنى، والبدار البدار في تعظيم هذه الشعيرة المباركة روحًا ومبنى، ﴿ ذَلِكَ وَمَنْ يُعَظِّمْ شَعَائِرَ اللَّهِ فَإِنَّهَا مِنْ تَقْوَى الْقُلُوبِ ﴾ [الحج: 32]، ولتحذروا - وفقكم الله لمراضيه - تعريضها للنقائض والصراط، والهنات والفرطات، وعليكم بوركتم بالفقه في أحكام المناسك والتبصر فيها، اسلكوا لذلك كل سبيل وفج، سلوا العلماء والدعاء عما أشكل عليكم، فهم - بحمد الله - على طرف السمام منكم.

اجعلوا من هذه المناسبة المانحة فرصة سانحة لإشحاذ القلوب، وحط الأوزار والذُّنُوب، وتطهير الخطايا والحوب، ونميرًا عذبًا لاكتساب الحسنات ورفعة الدرجات قبل الندم والفوات، والحسرات على الهفوات، ﴿ الْحَجُّ أَشْهُرٌ مَعْلُومَاتٌ فَمَنْ فَرَضَ فِيهِنَّ الْحَجَّ فَلَا رَفَثَ وَلَا فُسُوقَ وَلَا جِدَالَ فِي الْحَجِّ وَمَا تَفْعَلُوا مِنْ خَيْرٍ يَعْلَمْهُ اللَّهُ وَتَزَوَّدُوا فَإِنَّ خَيْرَ الزَّادِ التَّقْوَى وَاتَّقُونِ يَا أُولِي الْأَلْبَابِ ﴾ [البقرة: 197].

نسأل الله - عزَّ وجلَّ - في أول الأمر وبادئه، وختامه وعائده، أن يوفق حجاج بيته الحرام، وأن يُعينهم على أداء مناسكهم على التَّمام، وأن يجعل حجهم مبرورًا، وذنبهم مغفورًا، وسعيهم مشكورًا، وأن يعيدهم إلى بلادهم سالمين عالمين، مأجورين غير مأزُورينَ.

وتحية تقدير، وإجلال وإعزاز، للعاملين على راحة الحجيج في كافة الصعد والمواقع، المدنية والأمنية، وهنيئًا لهم هذا الشرف العظيم، والمرتبة السَّنية، لا زال العون والسداد أليفهم، والإخلاص والاحتساب حليفهم؛ اللهم آمين.

بارك الله لي ولكم في القرآن والسُّنَّة، ونفعني وإياكم بما فيهما منَ الآيات والحكمة، أقول قولي هذا، وأستغفر الله العظيم الجليل لي ولكم، ولكافة المسلمين من كل ذنب، فاستغفروه وتوبوا إليه، إن ربي رحيمٌ ودودٌ.


الخطبة الثانية
الحمد لله، امتَنَّ على الحجيج بالنَّفَحات والأَوْقات، وخَصَّهم بالتلبية أزكى هُتاف، وأشهد أن لا إله لا الله، وحده لا شريك له، أتم المناسك بشعيرة الطَّواف، وأشهد أن نبينا محمدًا عبد الله ورسوله، سني الشمائل، زكي الأوصاف، صلى الله وسلم وبارك عليه، وعلى آله وصحبه، الأُلَى انتفعوا من مقاصد الحج بين نهلٍ واغتراف، ومن تبعهم بإحسانٍ إلى يوم الدين.

أما بعد:
فاتقوا الله عباد الله، اتقوا الله يا حجاج بيت الله، واعمروا أوقاتكم الشريفة بالطاعات، وازدلفوا في الأيام العشر بمزيد القُرُبات، فنعمتِ الفضائل في هذه الأيام القلائل.

أمة الإسلام:
منَ المنن التي ينشرها لسان الشاكرين، ويلهج بها ذِكْر الذاكرين - التواصي على العشر الأول من ذي الحجة الميمون، كيف وقد أقسم بها الباري في محكم كتابه، وعظَّم شأنها في بديع خطابه؟ فقال - سبحانه -: ﴿ وَالْفَجْرِ * وَلَيَالٍ عَشْرٍ ﴾ [الفجر: 1 - 2]، قال الحافظ ابن كثير وغيره منَ المحققين - رحمهم الله -: "المراد بها عشر ذي الحجة"، وقال جلَّ اسمه: ﴿ وَيَذْكُرُوا اسْمَ اللَّهِ فِي أَيَّامٍ مَعْلُومَاتٍ ﴾ [الحج: 28].

كما حث المصطفى - صلى الله عليه وسلم – على اهتبال أوقاتها، وانتهاج ساعاتها، فعن ابن عباس - رضي الله عنهما - قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: ((ما من أيامٍ العمل الصالح فيها أحب إلى الله - عزَّ وجلَّ - من هذه الأيام))، قالوا: يا رسول الله، ولا الجهاد في سبيل الله؟ قال: ((ولا الجهاد في سبيل الله؛ إلا رجلٌ خرج بنفسه وماله، ثم لم يرجع من ذلك بشيء))، خرَّجه البخاري في صحيحه، زاد أحمد في "مسنده": ((فأكثروا فيهن من التكبير، والتهليل، والتحميد)).

الله أكبر الله أكبر، يا بشراكِ أمة الإسلام، ويا نُعمى لكم أيها الحجاج الكرام، يا له من فضل عظيم! وموسم للخيرات وافر جميل، فأكثروا فيه من الإحسان والمرور، والطاعات والخُيُور، مع التحلي بجميل السجايا، وشريف الأخلاط والشمائل، ولزوم السكينة، والتزام النظام، ويُخص بكريم الوسادة، ونبل الرسالة، وحسن الإفادة - الحجاج الميامين؛ لأنهم الأحرى من حيث الهدوء، والرفق والرحمة، والتوجيه والإرشاد، وحُسن التَّعامل.

ويتأكد ذلك في حق القائمين على مؤسسات وحملات الحج والعمرة، فليتَّقوا الله في وفود الرحمن، وضيوف الملك الدَّيَّان، وإنهم بإذن الله لفاعلون، وعند حسن الظن بهم صائرون، والله المسؤول بمنِّه وكرمه أن يتقبَّلَ منكم ومنَّا فضلاً منه وجودًا ومنًّا، إنه خير مسؤول ومدعو، وأفضل مأمولٍ ومرجو.
هذا وصلوا وسلموا - رحمكم الله - على النبي المصطفى، والرسول المجتبى.




 حفظ بصيغة PDFنسخة ملائمة للطباعة أرسل إلى صديق تعليقات الزوارأضف تعليقكمتابعة التعليقات
شارك وانشر


مختارات من الشبكة

  • خطبة المسجد الحرام 21/5/1433 هـ - التحذير من أكل المال الحرام(مقالة - موقع الشيخ د. أسامة بن عبدالله خياط)
  • التعريف بالبلد الحرام(مقالة - موقع د. محمود بن أحمد الدوسري)
  • خطبة المسجد الحرام 13 / 12 / 1434 هـ - وصايا للحجاج في ختام الحج(مقالة - آفاق الشريعة)
  • خطبة المسجد الحرام 28 / 11 / 1434 هـ - أخلاقنا في الحروب(مقالة - آفاق الشريعة)
  • خطبة المسجد الحرام 21 / 11 / 1434 هـ - مظاهر العبودية لله في الحج(مقالة - موقع الشيخ د. أسامة بن عبدالله خياط)
  • خطبة المسجد الحرام 14 / 11 / 1434 هـ - الفهم والإدراك(مقالة - آفاق الشريعة)
  • خطبة المسجد الحرام 7 / 11 / 1434 هـ - حسن التصرف والوعي(مقالة - آفاق الشريعة)
  • خطبة المسجد الحرام 23 / 10 / 1434 هـ - حقوق الجار في الإسلام(مقالة - آفاق الشريعة)
  • خطبة المسجد الحرام 16 / 10 /1434 هـ - أهمية الوحدة بين المسلمين(مقالة - آفاق الشريعة)
  • خطبة المسجد الحرام 17 / 9 / 1434 هـ - الشكر وفضل الشاكرين(مقالة - آفاق الشريعة)

 



أضف تعليقك:
الاسم  
البريد الإلكتروني (لن يتم عرضه للزوار)
الدولة
عنوان التعليق
نص التعليق

رجاء، اكتب كلمة : تعليق في المربع التالي

مرحباً بالضيف
الألوكة تقترب منك أكثر!
سجل الآن في شبكة الألوكة للتمتع بخدمات مميزة.
*

*

نسيت كلمة المرور؟
 
تعرّف أكثر على مزايا العضوية وتذكر أن جميع خدماتنا المميزة مجانية! سجل الآن.
شارك معنا
في نشر مشاركتك
في نشر الألوكة
سجل بريدك
  • بنر
  • بنر
كُتَّاب الألوكة
  • الدورة الخامسة من برنامج "القيادة الشبابية" لتأهيل مستقبل الغد في البوسنة
  • "نور العلم" تجمع شباب تتارستان في مسابقة للمعرفة الإسلامية
  • أكثر من 60 مسجدا يشاركون في حملة خيرية وإنسانية في مقاطعة يوركشاير
  • مؤتمرا طبيا إسلاميا بارزا يرسخ رسالة الإيمان والعطاء في أستراليا
  • تكريم أوائل المسابقة الثانية عشرة للتربية الإسلامية في البوسنة والهرسك
  • ماليزيا تطلق المسابقة الوطنية للقرآن بمشاركة 109 متسابقين في كانجار
  • تكريم 500 مسلم أكملوا دراسة علوم القرآن عن بعد في قازان
  • مدينة موستار تحتفي بإعادة افتتاح رمز إسلامي عريق بمنطقة برانكوفاتش

  • بنر
  • بنر

تابعونا على
 
حقوق النشر محفوظة © 1446هـ / 2025م لموقع الألوكة
آخر تحديث للشبكة بتاريخ : 11/11/1446هـ - الساعة: 0:55
أضف محرك بحث الألوكة إلى متصفح الويب