• الصفحة الرئيسيةخريطة الموقعRSS
  • الصفحة الرئيسية
  • سجل الزوار
  • وثيقة الموقع
  • اتصل بنا
English Alukah شبكة الألوكة شبكة إسلامية وفكرية وثقافية شاملة تحت إشراف الدكتور سعد بن عبد الله الحميد
 
الدكتور سعد بن عبد الله الحميد  إشراف  الدكتور خالد بن عبد الرحمن الجريسي
  • الصفحة الرئيسية
  • موقع آفاق الشريعة
  • موقع ثقافة ومعرفة
  • موقع مجتمع وإصلاح
  • موقع حضارة الكلمة
  • موقع الاستشارات
  • موقع المسلمون في العالم
  • موقع المواقع الشخصية
  • موقع مكتبة الألوكة
  • موقع المكتبة الناطقة
  • موقع الإصدارات والمسابقات
  • موقع المترجمات
 كل الأقسام | مقالات شرعية   دراسات شرعية   نوازل وشبهات   منبر الجمعة   روافد   من ثمرات المواقع  
اضغط على زر آخر الإضافات لغلق أو فتح النافذة اضغط على زر آخر الإضافات لغلق أو فتح النافذة
  •  
    خطبة: (ومن يعظم شعائر الله فإنها من تقوى القلوب)
    الشيخ عبدالله محمد الطوالة
  •  
    سورة الكافرون.. مشاهد.. إيجاز وإعجاز (خطبة)
    د. صغير بن محمد الصغير
  •  
    من آداب المجالس (خطبة)
    الشيخ عبدالله بن محمد البصري
  •  
    خطر الميثاق
    السيد مراد سلامة
  •  
    أعظم فتنة: الدجال (خطبة)
    د. محمد بن مجدوع الشهري
  •  
    فضل معاوية والرد على الروافض
    الدكتور أبو الحسن علي بن محمد المطري
  •  
    ما جاء في فصل الشتاء
    الشيخ عبدالله بن جار الله آل جار الله
  •  
    من أقوال السلف في أسماء الله الحسنى: (الرحمن، ...
    فهد بن عبدالعزيز عبدالله الشويرخ
  •  
    تفسير: (فلما قضينا عليه الموت ما دلهم على موته ...
    تفسير القرآن الكريم
  •  
    تخريج حديث: إذا استنجى بالماء ثم فرغ، استحب له ...
    الشيخ محمد طه شعبان
  •  
    الخنساء قبل الإسلام وبعده
    الشيخ محمد جميل زينو
  •  
    اختر لنفسك
    د. حسام العيسوي سنيد
  •  
    فاذكروا آلاء الله لعلكم تفلحون (خطبة) - باللغة ...
    حسام بن عبدالعزيز الجبرين
  •  
    آية المحنة
    نورة سليمان عبدالله
  •  
    توزيع الزكاة ومعنى "في سبيل الله" في ضوء القرآن ...
    عاقب أمين آهنغر (أبو يحيى)
  •  
    النبي عيسى عليه السلام في سورة الصف: فائدة من ...
    أبو مالك هيثم بن عبدالمنعم الغريب
شبكة الألوكة / ملفات خاصة / ملف الحج / أعمال ومناسك الحج
علامة باركود

المنتقى المشبع من الشرح الممتع (45)

المنتقى المشبع من الشرح الممتع (45)
الشيخ تركي بن عبدالله الميمان

مقالات متعلقة

تاريخ الإضافة: 12/4/2012 ميلادي - 20/5/1433 هجري

الزيارات: 9283

 حفظ بصيغة PDFنسخة ملائمة للطباعة أرسل إلى صديق تعليقات الزوارأضف تعليقكمتابعة التعليقات
النص الكامل  تكبير الخط الحجم الأصلي تصغير الخط
شارك وانشر

المنتقى المشبع من الشرح الممتع (45)

باب صفة الحج والعمرة

 

أي: الكيفيَّة التي ينبغي أن يؤدَّى عليها الحجُّ والعمرة.

 

(يسنُّ للمُحلِّين بمكة الإحرامُ بالحجِّ يوم التَّروية)، المُحلُّ هو المتمتِّع؛ لأنَّه حلَّ من إحرامه، أو مَن كان من أهل مكَّة، فإنه مُحِل؛ لأنَّه باقٍ في مكة حلالاً، فيسنُّ لهم الإحرام بالحجِّ يومَ التروية، ويومُ التروية هو اليوم الثَّامن من ذي الحجة (قبل الزَّوال منها) أيْ: يسنُّ أنه يُحْرِم قبل الزَّوال من مكة، والصواب أنه لا يُحْرِم من مكَّة، بل يحرم من مكانه الذي هو نازلٌ فيه، (ويُجْزِئ من بقيَّة الحرم)؛ أيْ: ويجزئ الإحرام بالحجِّ من بقية الحرم، والراجح أنه لا يَنْبغي أن يخرج من الحرَم، وأن يحرم من الحرَم، ولكن لو أحرم من الحلِّ فلا بأس؛ لأنَّه سوف يدخل إلى الحرم.

 

(ويَبيت بِمنًى)؛ أيْ: ليلة التاسع، فيصلِّي الظهر والعصر والمغرب والعشاء والفجر؛ كلها في منًى، قصرًا بلا جمع؛ لأنَّ النبي صلَّى الله عليه وسلَّم لم يكن يَجْمع في منًى، والصَّحيح أنَّ أهل مكَّة كغيرِهم من الحُجَّاج في القَصْر والجمع، ولكنْ بشرط أن يكونوا مُسافِرين، وفي يومنا هذا إذا تأمَّل المتأمِّلُ يجد أنَّ منًى حيٌّ من أحياء مكَّة، وحينئذٍ يَقْوى القول بأنَّهم لا يقصرون في منى.

 

(فإذا طلعَت الشَّمس) من اليوم التَّاسع، (سار إلى عرَفة، وكلُّها موقِفٌ إلاَّ بَطْن عُرَنة)؛ دليله أنَّ النبِيَّ صلَّى الله عليه وسلَّم قال: ((كلُّ عرَفة موقف، وارفعوا عن بطن عُرَنة)).

 

(ويسنُّ أن يَجْمع بين الظُّهر والعصر)؛ أيْ: تقديمًا، كما فعل النبيُّ صلَّى الله عليه وسلَّم (ويقف راكبًا)؛ لأن النبي صلَّى الله عليه وسلَّم: "وقف على بعيره راكبًا، رافعًا يديه يدعو الله عزَّ وجلَّ ولَمَّا سقط الزِّمام أخذه بإحدى يديه، وهو رافعٌ الأخرى"، والمراد بالوقوف: المكث، لا الوقوف على القدَمين، (عند الصَّخرات) وهي معروفة لا تزال موجودة، (وجبل الرَّحْمة)، ويُقال له: جبل الدُّعاء، ويسمى إلال، وجبل عرفة، أو جبل الموقف، ويكون اتِّجاهه إلى القِبْلة كما في حديث جابر - رضي الله عنه. مسألةٌ: هل صعود الجبل مشروع؟ الجواب: من صعده تعبُّدًا، فصعوده مَمْنوع؛ لأنَّه بدعة، ومن صعده تفرُّجًا، فهذا جائز، ومن صعده إرشادًا للجُهَّال عمَّا يفعلونه ويقولونه، فصعوده مشروع.

 

(ويُكْثِر الدُّعاء مِمَّا ورد)؛ أي: مما ورد عن النبيِّ صلَّى الله عليه وسلَّم أو يكثر الدُّعاء بما يريد ومما ورَد، والمهمُّ أنه ينبغي للإنسان أن يُكْثر من الدُّعاء ومن الذِّكر؛ لقوله صلَّى الله عليه وسلَّم: ((أفضل الدُّعاء دعاء يوم عرَفة، وأفضل ما قلتُ أنا والنبيُّون من قَبْلي: لا إله إلاَّ الله، وحده لا شريك له)).

 

(ومن وقف ولو لحظةً من فجر يوم عرَفة إلى فجر يوم النَّحْر)؛ لقوله صلَّى الله عليه وسلَّم: ((من شهد صلاتنا هذه، ووقَف معنا حتَّى ندفع، وقد وقف قبل ذلك بعرفة ليلاً أو نهارًا، فقد تَمَّ حجُّه، وقضى تفثَه))، وجمهور العلماء على أنَّ وقت الوقوف يبدأ من الزَّوال فقط؛ لأنَّ النبي صلَّى الله عليه وسلَّم لم يقف قبل الزوال، ولا شكَّ أن هذا القول أحوط، (وهو أهْلٌ له، صحَّ حجُّه)، والذي هو أهلٌ للحجِّ هو مَن يلي: أوَّلاً: المسلم، ثانيًا: أن يكون مُحْرِمًا، ثالثًا: أن يكون عاقلاً، رابعًا: ألاَّ يكون سكرانًا، خامسًا: أنْ لا يكون مُغمًى عليه، والقول الثَّاني أنَّ وقوفه صحيح؛ لأنَّ عقله باقٍ لَم يَزُل، وهذا هو الراجح.

 

(وإلا) فيه ثلاثة أشياء، وهي: الأول: ألا يَقِف. الثاني: ألاَّ يقف في زمن الوقوف. الثالث: أن يقف وهو غير أهل للحج، (فلا) والتقدير: وإن لا يكن الأمر كذلك، فلا يصحُّ حجُّه.

 

(ومَن وقف نَهارًا ودفَع قبل الغروب، ولَم يعد قبله، فعليه دم)؛ لأنَّه ترك الواجب، وهو الوقوف بعرفة إلى الغروب؛ لمخالفة أمر النبيِّ صلَّى الله عليه وسلَّم في قوله: ((خذوا عنِّي مناسِكَكم))، قوله: "ولم يَعُد قبله" ظاهره أنَّه لو عاد بعد الغُروب فعليه دم، مع أنَّ ما بعد الغروب وقتٌ للوقوف، ولو قيل: يلزمه الدَّم إذا دفَع قبل الغروب مطلقًا، إلاَّ إذا كان جاهلاً ثم نُبِّه، فرجع ولو بعد الغروب فلا دم عليه، لكان له وجه، وهذا أقرب إلى القواعد مما ذهب إليه المؤلِّف.

 

(ومن وقف ليلاً فقط فلا)؛ فإنه يجزئه، ولا دم عليه؛ لعموم قوله صلَّى الله عليه وسلَّم: ((وقد وقف قبل ذلك بعرفة ليلاً أو نهارًا، فقد تم حجُّه، وقضى نفثه)).

 

(ثم يَدْفع بعد الغروب إلى مزدلفة بسكينة)؛ لأن النبيَّ صلَّى الله عليه وسلَّم: "دفع بعد الغروب، وأردف أسامةَ بن زيد خلفه، ودفع صلَّى الله عليه وسلَّم بسكينةٍ، وقد شنق الزِّمام لناقته، حتَّى إن رأسها من شدة الشنق يصيب مورك رحله، وهو يقول بيده اليُمنى: ((أيُّها الناس، السكينة))"؛ ((فإن البِرَّ ليس بالإيضاع)).

 

(ويُسْرِع في الفجوة)؛ أيْ: إذا أتى متَّسَعًا أسرع، وكان من هَدْي النبيِّ صلَّى الله عليه وسلَّم في دفعه أنَّه إذا وجد فجوةً نصَّ؛ أيْ: أسرع، كما أنه إذا أتى حبلاً من الحبال أرخى لناقته قليلاً؛ من أجل أن تَصعد، (ويَجمع بها بين العِشاءين)؛ أيْ: إذا وصل إلى مزدلفة، ولا يصل إليها - إذا دفَع بصفةِ دفْعِ رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم إلاَّ بعد دخول وقت العِشاء؛ ولهذا كان جمْعُ النبيِّ صلَّى الله عليه وسلَّم في مزدلفة جمْعَ تأخير، ولو صلَّى في الطريق لأجزأَه؛ لعموم الحديث: ((وجُعِلت لي الأرض مسجدًا وطَهورًا))، وهذا هو الصَّحيح.

 

مسألة: لو خَشِي خروج وقت العشاء، قبل أن يصل إلى مزدلفة، فإنَّه يجب عليه أن يصلِّي في الطريق، مسألة: الذي أرى من باب الرِّفق بالناس أنَّه متى وصلوا إلى مزدلفة مُبكِّرين قبل دخول العشاء، صلَّوُا المغرب والعشاء جميعًا، (ويبيت بها) وقد اختلف العلماءُ - رحمهم الله - في حكم المبيت في مزدلفة، ولكن القول الوسط - أحسن الأقوال - أنَّه واجبٌ يُجبَر بدم، (وله الدفع بعد نصف الليل)؛ لأنَّ الرسول صلَّى الله عليه وسلَّم بعث الضَّعَفة من أهله بليلٍ، وفي بعض الرِّوايات: سحَرًا، والمراد: نصف اللَّيل الشرعي، وهو نصف ما بين غروب الشَّمس وطلوع الفجر، والصحيح: أنَّ المعتبَر غروب القمر، وإن شئتَ فقل: إنَّ المعتبر البقاء في مزدلفة أكثر اللَّيل، ولكن يُؤخَذ من الليل المسافة ما بين الدَّفع من عرفةَ إلى وصول مزدلفة، ومن ثَمَّ كان من فِقْه أسماء بنت أبي بكرٍ رضي الله عنهما أنَّها كانت تنتظر حتى إذا غاب القمر دفعَتْ، وغروب القمر يكون في اللَّيلة العاشرة، يكون بعد مُضِيِّ ثلثي الليل تقريبًا، وكأنَّها - رضي الله عنها - اعتبَرَتْ نصف اللَّيل من نزول الناس في مزدلفة، ونزول الناس في مزدلفة إذا اعتبرنا النِّصف، فإنه يَزِيد على النصف الحقيقيِّ - الذي هو غروب الشَّمس إلى طلوع الفجر - بنحو هذا المقدار الذي اعتبَرَتْه أسماء، وهو غروب القمر، (وقبله فيه دم)؛ لأنَّه تركَ واجبًا (كوصوله إليها)؛ أيْ: إلى مزدلفة (بعد الفجر)، فإذا وصل إلى مزدلفة بعد الفجر، ولو بلحظة، لزِمَه دم؛ لأنَّه لم يَبِتْ بها، ولكن ظاهر حديث عروة بن مضرس - رضي الله عنه - أنَّ من أدرك صلاة الفجر في مزدلفة، على الوقت الذي صلَّى فيه الرسول صلَّى الله عليه وسلَّم يقتضي أنَّه لا شيء عليه؛ لقوله: ((من شَهِد صلاتنا هذه))، (لا قبله)؛ أيْ: لا إنْ وصلَ إليها قبل الفجر، ولو بعد نصف الليل، فإنَّه لا شيء عليه، مسألة: من حُصِرَ عن الوصول إلى مزدلِفة، ولم يُصلِّ إلا بعد طلوع الفجر، ومضى قدْرُ الصلاة، أو بعد طلوع الشَّمس، فإنه يقف ولو قليلاً ثم يستمرُّ؛ وذلك لأنَّه يشبه الصلاة إذا فاتَتْ لعذرٍ فإنه يقضيها، وهذا القول أقربُ إلى الصواب، ولو قيل أيضًا: بأنَّه يسقط الوقوف؛ لأنَّه فات وقته، لم يكن بعيدًا، فالراجح أنَّه لا يلزم بدم؛ لأنَّه تركَ هذا الواجب عَجزًا عنه. مسألة: في ليلة مزدلفة النَّوم؛ لأن الرسول صلَّى الله عليه وسلَّم اضطجع حتى طلع الصبح.

 

هل يصلِّي الوتر في تلك الليلة؟ الجواب: الأصل أنَّه كان لا يدَعُ الوتر حضَرًا ولا سفرًا، فنقول: إنَّه يوتر تلك الليلة. مسألة: الدَّفْع في آخر اللَّيل يختصُّ بأهل الأعذار من الضُّعفاء؛ كالنِّساء ونحوهنَّ، (فإذا صلَّى الصبح أتى المشعر الحرام) المشعر الحرام: جبل صغير معروفٌ في مزدلفة، وعليه المسجد المبنيُّ الآن؛ لأن النبيَّ صلَّى الله عليه وسلَّم ركب ناقته، ووقف عند المشعر الحرام راكبًا، لكنَّه قال: ((وقفتُ هاهنا وجَمْع كلها موقف)) (فيَرْقاه أو يقف عنده، ويحمد الله ويكبِّره، ويَقرأ: ﴿ فَإِذَا أَفَضْتُمْ مِنْ عَرَفَاتٍ ﴾ [البقرة: 198]؛ الآيتين)، وقراءة هاتين الآيتين لا أعلم فيها سُنَّة، لكنها مناسِبة؛ لأنَّ الإنسان يذكِّر نفسه بما أمرَ الله به في كتابه، (ويدعو حتَّى يُسفِر)؛ يعني: يدخل في سفرِ الصبح بحيث يتبيَّن الضَّوء، ويرى النَّاسُ بعضُهم بعضًا؛ لحديث جابرٍ - رضي الله عنه -: حتى أسفر جدًّا، فيدفع قبل أن تطلع الشَّمس، (فإذا بلغ مُحسِّرًا أسرع رمْيةَ حجرٍ)؛ لأن النبِيَّ صلَّى الله عليه وسلَّم أسرع فيه، ومُحسِّر بطنُ وادٍ عظيم، والظاهر أنَّه لا يمكن الإسراع الآن؛ لأنَّ الإنسان محبوسٌ بالسيارات، (وأخَذَ الحصى)، والذي يظهر لي من السُّنة أن الرسول صلَّى الله عليه وسلَّم أخذ الحصى من عند الجمرة؛ لأنَّه "أمرَ ابن عبَّاس أن يلقط له الحصى، وهو واقفٌ يقول للنَّاس: ((بأمثال هؤلاء فارْموا))"، وأمَّا أخْذُه من مزدلفة، فليس بمستحبٍّ، (وعدده سبعون)، والصحيح أنه لا يَأخذ السبعين، وإنَّما يأخذ الحصى كلَّ يومٍ في يومِه، مِن طريقِه وهو ذاهبٌ إلى الجمرة؛ لأنَّ الشيء الذي ليس عليه دليل، يكون عدَمُ فعله - لا سيَّما في العبادة - هو الدَّليل. (بين الحِمَّص والبُنْدق، فإذا وصل إلى مِنًى، وهي من وادي محسِّر إلى جمرة العقبة)، وحَدُّها شرقًا وغربًا: من وادي محسِّر إلى جمرة العقبة، والحدُّ لا يدخل في المحدود، لا ابتداءً ولا انتهاء، وبهذا يتقرَّر أن وادي محسِّر ليس من مِنًى، وأنَّ جمرة العقبة ليست من منًى، ومن الشمال والجنوب؛ قال العلماء: كلُّ سُفوح الجبال الكبيرة، ووجوهها التي تتَّجه إلى منًى من منى، وبناء على هذا تكون منًى واسعةً جدًّا (رماها بسبع حصَيات)؛ اقتداءً برسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم (متعاقبات)؛ أيْ: واحدة بعد الأخرى، فلو رمى السبع جميعًا من شدَّة الزحام، لم تَجْزِه إلاَّ عن واحدة، ولو وضع الحصى وضعًا، فإنه لا يُجْزِئ، فلا بدَّ من الرمي؛ لقوله صلَّى الله عليه وسلَّم: ((بأمثال هؤلاء فارموا)) - هل يشترط أن تكون متواليةً؟ الأصل في العبادة المكوَّنة من أجزاء: أن تكون أجزاؤها متوالية، إلاَّ إذا تعذَّرَت الموالاة بشدَّة الزحام، فينبغي أن يَسقط وجوبُ الموالاة، والمقصود أن تقَعُ الحصاة في الحوض، سواءٌ ضربَت العمود أم لم تضربه، (يرفع يده حتَّى يرى بياض إبطه)، وهذا إذا كان الإنسان بعيدًا، لكن إذا كان قريبًا فلا حاجة إلى الرَّفع؛ إذِ المَقصود هو الرَّمي، (ويكبِّر مع كل حصاة)، وبهذا تُعرف الحكمة من رمي الجمرات، قال صلَّى الله عليه وسلَّم: (( إنَّما جُعِل الطواف بالبيت، وبالصفا والمروة، ورمي الجمار لإقامة ذِكْر الله))، (ولا يُجْزِئ الرَّمي بغيرها)؛ أيْ: بغير الحصى؛ لأنَّ المسألة تعبُّدية، (ولا بها ثانيًا)؛ أيْ: بأن ترمي بحصاةٍ رُمِي بها، والقول الراجح: أن الحصاة المرميَّ بها مجزئة، (ولا يقف)؛ أيْ: بعد رمي الجمرة للدُّعاء، بل ينصرف إلى المنحر، كما فعل النبيُّ صلَّى الله عليه وسلَّم (ويقطع التلبية قبلها)؛ يعني: قبل الرمي؛ لقول الفضل بن عبَّاس رضي الله عنهما: إن النبيَّ صلَّى الله عليه وسلَّم: "لم يزَلْ يلبِّي حتَّى رمى جمرة العقبة"؛ ولأنَّه إذا بدأ شُرِع له ذِكْرٌ آخر، وهو التكبير، (ويَرمي بعد طلوع الشمس) هذا هو الأفضل؛ لأن النبيَّ صلَّى الله عليه وسلَّم "رمى بعد طلوع الشمس" (ويُجْزِئ بعد نصف الليل)؛ أيْ: يجزئ الرمي بعد نصف ليلة النَّحر، وظاهر كلام المؤلِّف أنه يُجْزِئ مطلقًا للقويِّ والضعيف، والذَّكَر والأنثى، وسبَقَ بيانُ ذلك، (ثم ينحر هدْيًا إن كان معه)، قال جابرٌ - رضي الله عنه -: "ثُمَّ انصرف إلى المنحر فنحر"، (ويحلق أو يقصِّر من جميع شعره) لو قال المؤلِّف: "ثم يحلق..." لكان أولَى؛ حتى تَعرف أنه مرتَّب، والفاضل الحلق؛ لأنَّ النبي صلَّى الله عليه وسلَّم دعا للمُحلِّقين ثلاثًا، وللمُقصِّرين مرَّة؛ ولأن الله قدَّمَه في الذِّكْر، فقال تعالى: ﴿ لَتَدْخُلُنَّ الْمَسْجِدَ الْحَرَامَ إِنْ شَاءَ اللَّهُ آمِنِينَ مُحَلِّقِينَ رُؤُوسَكُمْ وَمُقَصِّرِينَ لَا تَخَافُونَ ﴾ [الفتح: 27]، والتقصير لا بدَّ أن يكون شاملاً لرأسه، بحيث يَظْهر لمن رآه أنَّه مقصِّر، لا من كل شعرةٍ بِعَيْنها، (وتُقصِّر منه المرأةُ قدْرَ أنملة)، وهي مفصل الإصْبَع؛ أيْ: إنَّ المرأة تمسك ضفائرَ رأسها إن كان لها ضفائر، أو بأطرافه، وتقصُّ قدر أنملة، ومقدار ذلك سنتيمترانِ تقريبًا، وأمَّا ما اشتهر عند النِّساء أنَّ الأنملة أن تَطْوي المرأةُ طرَفَ شعرها على إصبعها، فمتى التقى الطَّرفان فذاك الواجب، فغير صحيح.

 

(ثم قد حلَّ له كلُّ شيء إلا النِّساء)، ظاهره أنْ لا يحل هذا الحِل إلاَّ بعد الرمي والنَّحر، والحلق أو التقصير؛ أيْ: فِعْل الثَّلاثة، والظاهر أنَّ اشتراط النحر غيرُ مراد، وأنه يحلُّ التحلُّل الأول بدونه، وقال بعض العلماء: إنه يحل بالرمي، ولكن الذي يظهر لي: أنه لا يحل إلاَّ بعد الرمي والحلق؛ لحديث: ((إذا رمَيْتم وحلَقْتم، فقد حلَّ لكم كلُّ شيء إلا النِّساء))؛ ولحديث عائشة - رضي الله عنها -: "كنت أطيِّب النبيَّ صلَّى الله عليه وسلَّم لإحرامه قبل أن يُحرِم، ولحلِّه قبل أن يطوف بالبيت"، ولو كان يحلُّ بالرمي لقالت: ولحلِّه قبل أن يحلق، (والحِلاَقُ والتَّقصير نسُك)؛ لأن النبيَّ صلَّى الله عليه وسلَّم دعا للمحلِّقين وللمقصِّرين، ولا يدعو إلاَّ لشيء مطلوبٍ شرعًا (لا يلزم بتأخيره)؛ أيِ: الحلق والتقصير (دمٌ)، لكن لا يمكن أن يتحلَّل التحلل الثاني حتَّى يحلق أو يقصِّر، والذي يظهر أنَّه لا يجوز تأخيره عن شهر ذي الحجَّة؛ لأنَّه نسُك، وقد قال تعالى: ﴿ الْحَجُّ أَشْهُرٌ مَعْلُومَاتٌ ﴾ [البقرة: 197]، (ولا بتقديمه على الرمي والنحر)؛ يعني: لو قدم الحلق أو التَّقصير على الرمي والنحر، كان جائزًا، فالسُّنة إذا وصل إلى منًى أن يبدأ برمي جمرة العقبة، ثم نَحْر الهدي، ثم الحلق أو التَّقصير، ثم الطواف، ثم السَّعي، فإنْ قدَّم بعضها على بعضٍ، فالصحيح أنَّ ذلك جائز، سواء كان لعذرٍ أو لغير عذر؛ لأن النبيَّ صلَّى الله عليه وسلَّم كان يُسأل في ذلك اليوم عن التقديم والتَّأخير، فيقول: ((افعل ولا حرج)).

 

(فصل): (ثم يُفِيض إلى مكَّة)؛ أيْ: يَنْزل الحُجَّاج من منًى إلى مكَّة في ضُحى يوم النَّحر؛ لأن النبيَّ صلَّى الله عليه وسلَّم أفاض إليها في الضُّحى، (ويطوف القارِنُ والمُفْرِد بنيَّة الفريضة طوافَ الزيارة)، ويسمَّى أيضًا: طواف الإفاضة، وسبَقَ أنْ بيَّنَّا أن الطواف والسَّعي والرمي وما أشبهَها، كلها تعتبر أجزاء من عبادةٍ واحدة، وأن النيَّة في أوَّلِها كافيةٌ عن النية في بقيَّة أجزائها، ونصَّ على المُفرِد والقارن؛ لِدَفْعِ ما قيل من أنَّ المفرد والقارن يطوفان للقدوم أولاً إذا لم يكونا دخلاَ مكَّة من قبل، ثم يطوفان للزِّيارة، فيَطوفان طوافَيْن؛ لأنَّه من الجائز لهما شرعًا أن يَذهبا من الميقات رأسًا، إلى منًى أو عرفة دون أن يَطوفا للقدوم، بخلاف المتمتِّع؛ لأنَّه لا بدَّ أن يدخل مكَّة، ويتمَّ عمرته، وما ذهب إليه المؤلِّف هو الصواب؛ وذلك أنَّه اجتمع عند المُفرِد والقارن طواف قدوم، وطواف فَرْض، فاكتفى بطواف الفرض عن القُدوم، (وأوَّل وقته بعد نصف ليلة النَّحر)، ولكن بِشَرط أن يسبقه الوقوف بعرفة ومزدلفة، (ويسنُّ في يومه)؛ أيْ: ويسنُّ طواف الزيارة في يوم العيد؛ اتِّباعًا لسنة الرسول صلَّى الله عليه وسلَّم (وله تأخيره)؛ أيْ: تأخير طواف الإفاضة، والصَّواب أنه لا يجوز تأخيره عن شهر ذي الحجَّة، إلا إذا كان هناك عُذر، (ثم يسعى بين الصَّفا والمروة إن كان متمتِّعًا)؛ وذلك لأنه يلزمه طوافانِ وسَعْيان؛ طوافٌ وسعي للعمرة، وطواف وسعيٌ للحج، (أو غيره) وهو المُفرِد والقارن، (ولم يكن سعَى مع طواف القدوم)؛ أيْ: فإنْ سعى فلا يُعيد السعي؛ لقول جابرٍ - رضي الله عنه -: "لم يَطُف النبيُّ صلَّى الله عليه وسلَّم ولا أصحابه بالصَّفا والمروة إلاَّ طوافًا واحدًا؛ طوافه الأوَّل"، ويُفهَم من كلام المؤلِّف أنَّ القارن والمفرد يجوز لهما أن يقدِّما سعي الحج بعد طواف القدوم، ويجوز أن يُؤخِّراه، وكلُّ هذا جائز، ولو قدَّم السعي على طواف القدوم لا يُجْزِئ؛ لأنَّه لم يكن بعد طواف نُسك، وبه تَعرف خطأ مَن أفتى أهلَ مكَّة الذين يُحْرِمون بالحجِّ من مكة أن يَطوفوا بالبيت وبالصفا والمروة بنيَّة سعي الحجِّ، وأهلُ مكَّة طوافُهم طواف قدوم، فلا يُجْزِئهم تقديم السَّعي.

 

(ثم قد حلَّ له كلُّ شيء)؛ أيْ: كلُّ شيء حَرُم عليه بالإحرام، فإنَّه يحلُّ له إذا طاف طوافَ الإفاضة، وسعَى سعْيَ الحجِّ إذا كان متمتِّعًا، أو كان مفردًا أو قارنًا، ولم يكن سعى مع طواف القدوم، (ثم يشرب من ماء زمزم)، ظاهر كلامه أنَّه يشرب من ماء زمزم بعد السَّعي، وليس مرادًا، بل يشرب من ماء زمزم بعد الطواف؛ لأنَّ النبي صلَّى الله عليه وسلَّم شربه بعد الطواف.

 

مسألة: هل الشُّرب من ماء زمزم بعد الطواف سنَّة مقصودة؟ الجواب: عندي في هذا تردُّد، أمَّا أصل الشرب من زمزم فسُنَّة، (لما أحب)؛ أيْ: ينويه لما أحبَّ؛ لقوله صلَّى الله عليه وسلَّم: ((ماء زمزم لِمَا شُرِب به))، وهذا فيه تردُّد، أما شُربه لإزالة العطش ولدفع الجوع وللمرض فواضح؛ لأنَّ المرض علَّة بدنيَّة عضوية، يمكن أن يزول بشرب زمزم، كما يزول العطش والجوع، لكن المسائل المعنويَّة العقلية، الإنسان يشكُّ في هذا، إلاَّ أن نقول: لا يضرُّك، انْوِ ما تريد، إن كان الحديث يتناوله حصل المقصود، وإلاَّ لَم تأثَم، (ويتضلَّع منه)؛ أيْ: يملأُ بطنه حتى يَمْتلئ ما بين أضلاعه؛ وقد ورد حديثٌ في ذلك، لكنْ فيه نظَر، وهو: ((إنَّ آية ما بيننا وبين المنافقين أنَّهم لا يتضلَّعون من ماء زمزم))، (ويدعو بما ورد)، قال في "الروض": "يقول: بسم الله، اللَّهم اجعله لنا عِلمًا نافعًا، ورِزقًا واسعًا، ورِيًّا وشِبَعًا، وشفاءً من كلِّ داء، واغسِلْ به قلبي، واملأْه من خشيتك".

 

(ثم يرجع، فيبيت بمنًى ثلاثَ ليالٍ)؛ أيْ: ثم يرجع من مكَّة بعد أن يطوف ويسعى، فيبيت ثلاث ليالٍ، هذا إنْ تأخَّر، وإن تعجَّل فليلتَيْن، (فيرمي الجمرة الأولى)، وتُسمَّى الجمرة الصُّغرى، (وتلي مسجد الخيف بسبع حصيات، ويجعلها عن يساره)، ويستقبل القبلة، ولا يرمي تلقاء وجهه، (ويتأخَّر قليلاً ويدعو طويلاً)، وقد ورد عن النبيِّ صلَّى الله عليه وسلَّم أنه بقدر ما يقرأ سورة البقرة، رافعًا يدَيْه، (ثم الوُسْطى مثلها)، لكن يجعلها عن يمينه والقبلة أمامه، (ثم جمرة العقبة ويجعلها عن يمينه، ويستبطن الوادي) ويستقبل القبلة، ويرمي من بطن الوادي، ويجعلها عن يمينه كالوُسطى، ولكن الصحيح خلافُ ما ذكَرَه المؤلِّف، والصحيح أنه يَستقبل القبلة في الأولى والوُسطى، ويجعل الجمرة بين يدَيْه، وما ذكره من الصِّفات مردودٌ بأنَّه لا دليل عليه، أما الثالثة فيَرْميها من بطن الوادي مستقبِلَ الجمرة، وتكون الكعبةُ عن يساره، ومنًى عن يمينه؛ لأنَّ عبدالله بن مسعود - رضي الله عنه - رماها كذلك، وقال: "هذا مقامُ الذي أنزلت عليه سورة البقرة"، (ولا يقف عندها)؛ أيْ: لا يقف عند جمرة العقبة، فإذا رمَاها انصرف؛ لأنَّ الدُّعاء التابع للعبادة يكون جوفَ العبادة، لا بعدها.

 

(يفعل هذا في كلِّ يوم من أيام التَّشريق بعد الزوال)؛ أيْ: زوال الشَّمس، ويكون الزَّوال عند منتصف النهار، فلا يجزئ الرمي قبل الزوال؛ لأن النبيَّ صلَّى الله عليه وسلَّم: "رمَى بعد الزوال"، وقال: ((لِتَأخذوا عنِّي مناسكَكم))؛ وهذا هو القول الراجح؛ أعني القول بمنع الرَّمي قبل الزوال، وذهب بعض العلماء إلى إجزاء الرَّمي ليلاً، وقال: إنه لا دليل على التحديد بالغروب؛ لأن النبيَّ صلَّى الله عليه وسلَّم حدَّد أوله بفعله، ولم يحدِّد آخره، وقد سُئِل الرسول صلَّى الله عليه وسلَّم فقيل: رمَيْتُ بعدما أمسيت، قال: ((لا حرج))؛ ولهذا نرى أنَّه إذا كان لا يتيسَّر للإنسان الرَّمي في النهار، أو تيسَّر لكن مع المشقَّة، فإنَّه يرمي في الليل، (مستقبِلَ القبلة مرتبًا)، والمراد بالتَّرتيب: أن يَرمي الأُولى ثم الوسطى ثم العقَبَة، والدليل قوله صلَّى الله عليه وسلَّم: ((لتأخذوا عنِّي مناسككم))، ولكن نقول: ما دام الإنسانُ في سعةٍ، فيجب التَّرتيب، لكن إذا كان الأمر قد فات بفوات أيَّام التشريق، وجاء وسأل فقال: إنِّي رميتُ من غير أن أعلم، فبدأت بجمرة العقبة، فلا بأس بإفتائه بأنَّ رميه صحيح؛ لأنَّه ليس هناك قولٌ عن الرسول صلَّى الله عليه وسلَّم بوجوب الترتيب بينها.

 

(فإن رماه كلَّه في الثالث أجزأه)، وظاهر كلام المؤلِّف أنَّه لا شيء عليه، (ويرتبه بنيَّتِه)؛ أيْ: يرتِّب الأيام بنيَّته، فمثلاً يبدأ برمي أوَّل يومٍ بالأولى، ثم الوُسطى، ثم جمرة العقبة، ثم يعود فيَرْمي لليوم الثاني، يبدأ بالأولى، ثم الوُسْطى، ثم العقبة، ثم يعود فيرمي للثَّالث، يبدأ بالأُولى، ثم الوسطى، ثم العقَبة؛ لأنَّ كلَّ يوم عبادةٌ مستقلَّة، وما ذهب إليه المؤلِّف - رحمه الله - من جواز جمع الرمي في آخِر يومٍ ضعيفٌ؛ لأنَّ النبي صلَّى الله عليه وسلَّم رمى كلَّ يوم في يومه، وقال: ((لتأخذوا عنِّي مناسككم))، ولأنَّه رخَّص للرُّعاة أن يَرموا يومًا، ويَدْعوا يومًا، وكلمة "رخَّص" تدلُّ على أنَّ من سواهم لا رُخْصة له، وعلى هذا فالقول الصحيح: أنَّه لا يجوز أن يؤخِّر رمي الجمرات إلى آخر يومٍ إلاَّ في حالٍ واحدة؛ مثل أن يكون مَنْزله بعيدًا، ويصعب عليه أن يتردَّد كل يوم، لا سيَّما في أيام الحرِّ والزحام؛ لأنَّ هذا أولى بالعذر من الرُّعاة الَّذين رخَّص لهم النبيُّ - صلَّى الله عليه وسلَّم.

 

(فإنْ أخَّره عنه)؛ أيْ: عن آخر يومٍ من أيام التشريق، فعليه دمٌ؛ أيْ: ولو لعذر، لكن إذا كان لعذرٍ يسقط عنه الإثم، وأمَّا جَبْرُه بالدَّم، فلا بد منه، (أو لم يَبِت بها فعليه دم)؛ أيْ: لم يبت بها ليلتين إنْ تعجَّل، أو ثلاث ليالٍ إن تأخَّر، فعليه دم، وسبق ما يُراد بالدم عند الإطلاق، وعُلِم منه أنَّه لو ترك ليلةً من الليالي، فإنَّه ليس عليه دم، وهو كذلك، بل عليه إطعامُ مسكينٍ إنْ ترك ليلةً، وإطعام مسكينَيْن إن ترك ليلتين، وعليه دمٌ إنْ ترك ثلاث ليالٍ.

 

(ومن تعجَّل في يومين)، والمراد باليومين الحادي عشر والثاني عشر؛ لقوله تعالى: ﴿ وَاذْكُرُوا اللَّهَ فِي أَيَّامٍ مَعْدُودَاتٍ فَمَنْ تَعَجَّلَ فِي يَوْمَيْنِ ﴾ [البقرة: 203]، (خرَجَ قبل الغروب)؛ لِيَصدُقَ عليه أنه تعجَّل في يومين، (وإلاَّ)؛ أيْ: وإلاَّ يخرج قبل غروب الشمس (لزِمَه المبيت) ليلة الثالث عشر (والرمي من الغد) بعد الزوال، كاليومين قبله، والدليل أنَّ الله قال: ﴿ فِي يَوْمَيْنِ ﴾ [البقرة: 203]، و"في" للظرفيَّة، والظرف لا بدَّ أن يكون أوسع من المظروف، وعليه؛ فلا بد أن يكون الخروج في نفس اليومين، وقد رُوي عن عمر - رضي الله عنه -: أنَّ من أدركه المساء فإنه يَلْزمه البقاء.

 

(فإذا أراد الخروج من مكَّة، لم يخرج حتَّى يطوف للوداع)؛ لحديث ابن عبَّاس رضي الله عنهما: "أُمِر النَّاس أن يكون آخِرُ عهدهم بالبيت، إلاَّ أنه خُفِّف عن الحائض"، والصَّواب أن طواف الوداع واجب، وصرَّح بعض الأصحاب أنَّه إذا أراد الخروج من مكَّة إلى بلده لم يَخرج حتَّى يطوف للوداع، ووَجْه التَّقييد بالبَلد أنَّه إذا أراد الخروج إلى بلدٍ آخر، فإنَّه لم يزَلْ في سفر، ولم يرجع، والذي يظهر أن التَّقييد أصَحُّ من الإطلاق، لكنْ بشرط أن يكون خرجَ إلى البلد الذي أراده بنيَّة الرُّجوع إلى مكَّة لينشئ السفر منها إلى بلده.

 

(فإنْ أقام) أفادنا المؤلِّف بهذا أنه لا بدَّ أن يكون هذا الطواف آخِرَ أموره، وهو كذلك؛ لقول ابن عبَّاس رضي الله عنهما: "أمر الناس أن يكون آخر عهدهم بالبيت، إلاَّ أنه خفف عن الحائض"، وقوله: "فإنْ أقام" سواءٌ كانت الإقامة طويلةً أو قصيرة، إلا أنَّهم استثنَوْا من ذلك إذا أقام لانتظار الرُّفقة، أو أُذِّن للصلاة فلا بأس أن يصلِّي، وكذلك لو تبيَّن له عطلٌ في سيارته بعد الطواف، فجلس في مكَّة؛ من أجل إصلاحه، فإنه لا يلزمه إعادة الطَّواف؛ لأنَّه إنما أقام لسببٍ، متَى زال واصلَ سفرَه، (أو اتَّجر بَعْده أعاده)، وعُلِم من ذلك أنَّه لو اشترى حاجةً، أو باعها في طريقه، أو هدايا لأهله لا تجارة، فإنه لا بأس به، على أنَّنا نَرْغب أن يكون شراؤه قبل طوافه. مسألة: الذي يوجب إعادة طواف الوداع، فيما لو تأخَّر بنية الإقامة ولو ساعة، لغير ما استثنى.

 

(وإنْ تركَه غير حائض رجع إليه)، إلاَّ إذا طَهُرت الحائض قبل مُفارقة بنيان مكَّة، فإنه يلزمها الرُّجوع، أمَّا إذا طَهُرت بعد مفارقة البنيان ولو بيسير، ولو داخل الحرَم، فإنَّه لا يلزمها أن ترجع، والدَّليل: قول ابن عبَّاس رضي الله عنهما: "إلاَّ أنه خفف عن الحائض" والنُّفساءُ مِثلُها، (فإن شقَّ أو لم يرجع فعليه دم)، والدليل: أنَّ ابن عباس رضي الله عنهما قال: "من ترك شيئًا مِن نسُكِه، أو نَسِيَه، فليُهْرِق دمًا"، ونحن نفتي الناس بالدَّم، وإنْ كان في النَّفس شيءٌ من ذلك، لكن من أجْل انضِباط النَّاس، وحَمْلِهم على فعل المناسك الواجبة، بإلزامهم بهذا الشَّيء.

 

(وإنْ أخَّر طواف الزيارة، فطافه عند الخروج، أجزأ عن الوداع)؛ لأنَّ المقصود من طواف الوداع أن يكون آخِر عهده بالبيت، وقد حصل بطواف الإفاضة، وإذا كان متمتِّعًا فإنه يقوم بالطَّواف، ويأتي بالسعي بعده، والسَّعي تابعٌ للطواف، فلا يضرُّ أن يفصل بين الطَّواف وبين الخروج، وهذا عندي أقرب من القول بتقديم السعي. مسألة: جمع طواف الإفاضة وطواف الوداع لا يَخْلو من ثلاث حالات:

 

الأولى: أن ينوي طواف الإفاضة فقط: فيُجزئ، كما تجزئ الفريضة عن تحيَّة المسجد، وهذه أحسَنُ الصُّور.

 

الثانية: أن ينوِيَهما جميعًا: فيجزئ أيضًا؛ لقوله صلَّى الله عليه وسلَّم: ((إنَّما الأعمال بالنيات، وإنما لكلِّ امرئٍ ما نوى)).

 

الثالثة: أن ينوي طواف الوداع فقط: فإنه لا يجزئه عن طواف الإفاضة، ولا عن طواف الوداع.

 

(ويقف غيرُ الحائض بين الرُّكن والباب داعيًا بما ورد)، قال في "الروض": "يُلصِق به وجهه وصدره وذراعيه وكفَّيه مبسوطتَيْن"، وهذا يُسمَّى "الالتزام"، والمكان يسمَّى "المُلتزَم"، وهذه مسألةٌ اختلف فيها العلماء، وسبب الخلاف: أنَّه لم تَرِد فيه سُنَّة، لكن الصحابة - رضي الله عنهم - يفعلون ذلك عند القدوم، والفقهاء قالوا: يفعله عند المُغادرة. ويدعو بما أحبَّ ويصلِّي على النبي صلَّى الله عليه وسلَّم وعلى هذا؛ فالالتزام لا بأس به، ما لم يكن فيه أذيَّة وضيق، (وتقف الحائض ببابه وتدعو بالدعاء) ولا دليلَ أنَّها تأتي وتقف بباب المسجد تدعو بهذا، وعلى هذا؛ فيكون هذا القولُ ضعيفًا لا يُعمل به، (وتستحبُّ زيارة قبر النبيِّ صلَّى الله عليه وسلَّم وقبْرَيْ صاحِبَيْه) والدليل: أمْرُ النبيِّ صلَّى الله عليه وسلَّم بزيارة القبور، وهو عامٌّ يشمل قبر النبيِّ صلَّى الله عليه وسلَّم وقبر غيره.

 

(وصفة العُمْرة: أن يُحْرِم بها من الميقات)، أو من مُحاذاته إن لم يمرَّ به، أو مما دونه إن كان دون الميقات، (أو من أدنى الحلِّ)، ولا يلزمه أن يقصد التَّنعيم أو الجعرانة (من مكِّي) هو ساكن مكَّة، (ونحوه)، هو الآفاقيُّ المقيم بمكَّة، فكلاهما يُحْرِم من أدنى الحل، (لا من الحرَم)، لا يحرم للعمرة من الحرم، فإنْ فعلَ انعقدَ إحرامه، ولكن يلزمه دمٌ، (فإذا طاف وسعى وقصَّر، حلَّ)، وأسقط المؤلِّفُ ذِكْر الحلق؛ بناءً على أنَّ مراده عمرة المتمتِّع، (وتُباح) العمرة (كلَّ وقت)، لكن ذكر شيخُ الإسلام - رحمه الله - اتِّفاقَ السَّلف على أنَّه يُكْرَه تكرار العمرة، وقال الإمام أحمد: "لا يعتمر إلاَّ إذا حمم رأسه"؛ أيْ: اسْوَدَّ من الشعر، وبناءً على هذا يكون ما يفعله العامَّة الآن من تكرار العمرة، لا سيَّما في رمضان، خلافَ ما عليه السَّلف، وأمَّا قوله صلَّى الله عليه وسلَّم: ((العمرة إلى العمرة كفَّارة لما بينهما))؛ فهو مُطلَق، مقيَّدٌ بعمل السَّلف - رضوان الله عليهم - هل العمرة لها أوقات فاضلة؟ نعم، وفي رمضان تَعْدل حجَّة، كما صحَّ عن النبي صلَّى الله عليه وسلَّم وتسنُّ أيضًا في أشهر الحج، والظَّاهر أنَّ العمرة في رمضان أفضل، (وتجزئ عن الفرض)؛ أيِ: العمرة تُجْزئ عن الفرض في أيِّ وقت أدَّاها، فعمرة المتمتِّع تجزئ عن الفرض، وعمرة القارن تجزئ عن الفرض؛ لقوله صلَّى الله عليه وسلَّم لعائشة: ((طَوافُكِ بالبيت وبالصَّفا والمروة يسَعُك لحجِّك وعمرتك))، فأثبتَ النبيُّ صلَّى الله عليه وسلَّم لها حجًّا وعمرة.

 

(وأركان الحجِّ: الإحرام) هو نيَّة النُّسك، وليس لُبْس ثوب الإحرام، ولكن يجب أن تعرف الفرق بين مَن نوى أن يحجَّ، ومن نوى الدُّخول في الحج، فالثاني هو الرُّكن، وأما مَن نوى أن يحج فلم يُحْرِم، فلا صلة له بالرُّكن، والدليل على أنَّ الإحرام ركن: قوله صلَّى الله عليه وسلَّم: ((إنَّما الأعمال بالنِّيات، وإنَّما لكلِّ امرئٍ ما نوى)).

 

(والوقوف)؛ أيْ: بعرَفة؛ لقوله صلَّى الله عليه وسلَّم: ((الحجُّ عرفة))، ولقوله تعالى: ﴿ فَإِذَا أَفَضْتُمْ مِنْ عَرَفَاتٍ فَاذْكُرُوا اللَّهَ عِنْدَ الْمَشْعَرِ الْحَرَامِ ﴾ [البقرة: 198].

 

(وطواف الزِّيارة)، ويُقال له: طواف الإفاضة، وهو الطَّواف الذي يقَعُ في يوم العيد، أو ما بعده، ويُشترَط أن يقع بعد الوقوف بعرفة ومزدَلِفة، ودليلُ ذلك قوله تعالى: ﴿ ثُمَّ لْيَقْضُوا تَفَثَهُمْ وَلْيُوفُوا نُذُورَهُمْ وَلْيَطَّوَّفُوا بِالْبَيْتِ الْعَتِيقِ ﴾ [الحج: 29].

 

(والسَّعي)، وأصَحُّ الأقوال أنه ركن، لا يتمُّ الحج إلاَّ به؛ لقوله تعالى: ﴿ إِنَّ الصَّفَا وَالْمَرْوَةَ مِنْ شَعَائِرِ اللَّهِ ﴾ [البقرة: 158]، ولقوله صلَّى الله عليه وسلَّم: ((اسعَوْا؛ فإنَّ الله كتب عليكم السَّعي)). مسألة: زاد بعض العلماء المبيتَ بمزدلفة، لكن أعدل الأقوال، وأصوَبُها أنَّه واجب.

 

(وواجباته) والفرق بين الواجب والرُّكن: أن الواجب يصحُّ الحج بدونه، والرُّكن لاَّ يصح إلا به (الإحرام من الميقاتِ المعتبَرِ له)، أمَّا أصل الإحرام فهو ركنٌ، والدليل على وجوبه من الميقات قولُه صلَّى الله عليه وسلَّم: ((يهلُّ أهل المدينة...))، وقوله صلَّى الله عليه وسلَّم فيما رواه ابن عمر رضي الله عنهما: "فرضَ رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم لأهل المدينة ذا الحُلَيفة".

 

(والوقوف بعرَفة إلى الغروب)؛ لأنَّ النبي صلَّى الله عليه وسلَّم مكَثَ فيها إلى الغروب.

 

(والمبيت لغير أهل السِّقاية والرِّعاية بمنًى)، المراد: المبيت بمنًى في ليالي أيام التشريق، دون المبيت في ليلة التاسع؛ فإنَّه ليس بواجب، بل هو سنَّة، والدليل على الوجوب: أنَّ النبي صلَّى الله عليه وسلَّم: "رخَّص لعمِّه العبَّاس أن يبيت في مكَّة ليالِيَ التشريق من أجل السقاية"، والرخصة تُقابلها عزيمة، ولقوله صلَّى الله عليه وسلَّم: ((لِتَأْخذوا عنِّي مناسككم))، وقد بات في منًى، وقوله: "لغير أهل السقاية والرعاية"، وأهل السِّقاية؛ أيْ: سقاية الحُجَّاج من زمزم، والرِّعاية: رعاية إبلِ الحُجَّاج؛ وذلك أنَّ الناس فيما سبق كانوا يحجُّون على الإبل، فإذا نزلوا في منًى، احتاجوا إلى مَن يرعى إبلهم؛ لأنَّ بَقاءها في منًى فيه تضييق، وربَّما لا يتوفَّر لها العلف الكافي؛ لهذا يذهب بها الرُّعاة إلى محلاَّت أخرى؛ من أجل الرَّعي، وقد رخَّص صلَّى الله عليه وسلَّم للرُّعاة أن يدَعُوا المبيت بمنًى ليالِيَ منى؛ لاشتغالهم برعاية الإبل. مسألة: يُقاس على الرُّعاة والسقاة مَن يشتغلون بمصالح الناس في هذه الأيام، فيُرخَّص لهم أن يبيتوا خارج منى.

 

(ومزدلفة إلى بعد نصف الليل) يُفهَم منه أنَّ أهل السقاية والرِّعاية يجوز لهم تَرْكُ المبيت بالمزدلفة، ولا أعلم لهذا دليلاً من السُّنة، فاستِثْناء السُّقاة والرعاة من وجوب المبيت بالمزدلفة فيه نظَرٌ ظاهر. مسألة: الذين لا يجدون مكانًا للمبيت بمنًى يَنْزلون عند آخِر خيمةٍ من خيام أهل منًى؛ استدلالاً بقوله تعالى: ﴿ فَاتَّقُوا اللَّهَ مَا اسْتَطَعْتُمْ ﴾ [التغابن: 16]. القول الصحيح أن الدَّفع إنَّما يكون في آخر اللَّيل كما سبق، وكانت أسماءُ بنت أبي بكر رضي الله عنهما تنتظر غروبَ القمر، فإذا غاب دفعت.

 

(والرَّمي)؛ أيْ: رمي الجمار؛ في يوم العيد جمرةً واحدة، وفي الأيَّام الثلاثة التي بعد العيد ثلاث جمرَات، والدليل على أنَّ الرمي من الواجبات أن النبيَّ صلَّى الله عليه وسلَّم قال فيه: ((إنَّما جُعِل الطواف بالبيت وبالصفا والمروة ورمي الجمار لإقامة ذِكْر الله ))، وقوله: ((لتأخذوا عنِّي مناسككم)) وقال: ((بأمثال هؤلاء فارموا))، ولا بد أن يكون الرَّمي: مرتَّبًا، وأن يكون بِحَجر، وأن يكون بسبع حصيات.

 

(والحِلاَق)، ويَنوب عنه التقصير، ودليلُ الحلق فعل النبيِّ صلَّى الله عليه وسلَّم وقوله تعالى: ﴿ لَتَدْخُلُنَّ الْمَسْجِدَ الْحَرَامَ إِنْ شَاءَ اللَّهُ آمِنِينَ مُحَلِّقِينَ رُؤُوسَكُمْ ﴾ [الفتح: 27]، قال العلماء: وإذا عبَّر بِجُزء من العبادة عن العبادة، كان ذلك دليلاً على وجوبه فيها.

 

(والوداع)؛ أي: "طواف الوداع"، والصحيح: أنَّه ليس من واجبات الحجِّ، وإنَّما يجب على مَن سافر، وعلى هذا فلا يتوجَّه عَدُّه في واجبات الحجِّ، لكنَّه واجبٌ على من أراد الخروجَ من مكَّة، ودليلُ هذا حديث ابن عبَّاس رضي الله عنهما قال: "أمر الناس أن يكون آخر عهدهم بالبيت، إلاَّ أنَّه خفف عن الحائض"، ولقوله أيضًا في اللفظ الآخر: ((لا ينفِرَنَّ أحدٌ حتَّى يكون آخر عهده بالبيت)).

 

(والباقي) من أقوال الحجِّ وأفعالِه: (سُنَن).

 

(وأركان العمرة: إحرامٌ) هي: نيَّة الدخول في العمرة (وطَوافٌ وسَعْي) معروفان، (وواجباتها: الحِلاق، والإحرام من ميقاتها)، أمَّا الطواف والسعي: فلأنَّ النبيَّ صلَّى الله عليه وسلَّم أمر عائشةَ - رضي الله عنها - أن تطوف وتسعى، وقال: ((طوافُكِ بالبيت وبالصفا والمروة يسَعُك لحجِّك وعمرتك))، وأمَّا الإحرام من الميقات، فلأنَّ النبي صلَّى الله عليه وسلَّم وقَّتَ المواقيت، وقال: ((هُنَّ لهنَّ ولمن أتى عليهن من غير أهلهنَّ، مِمَّن أراد الحجَّ أو العمرة))، وأمَّا الحلق، فلِمَا تقدَّم. ولم يذكر طواف الوداع، فظاهرُ كلامه أنه لا يجب، والرَّاجح عندي: أنه واجبٌ على المعتمِر؛ لعموم قوله صلَّى الله عليه وسلَّم: ((لا ينفرنَّ أحدٌ حتَّى يكون آخر عهده بالبيت))، ولأنَّه صلَّى الله عليه وسلَّم سَمَّاها في حديثِ عمرو بن حزم - الذي تلقَّتْه الأمة بالقبول - الحجَّ الأصغر، فقال: ((العمرة الحجُّ الأصغر))، وإذا سُمِّيَت باسْمِه، كان الأصل موافقتها له في الأحكام، إلاَّ ما استثني.

 

(فمن ترك الإحرام لَم ينعقد نسُكه)؛ لقوله صلَّى الله عليه وسلَّم: ((إنَّما الأعمال بالنيات، وإنَّما لكلِّ امرئٍ ما نوى))، وهذا الرَّجل لم يَنوِ الدُّخول في النُّسك، فلا يكون داخلاً فيه، ولكن تصوير هذه المسألة قد يكون صعبًا، وإلاَّ فمِن المعلوم أنَّ الإنسان إذا فعلَ أفعال العبادة لا بدَّ أن يكون قد نواها، (ومن ترك ركنًا غيره)؛ أي: غير الإحرام، ولكن إنْ كان الركن يفوت - ولا يصحُّ التمثيل إلاَّ بالوقوف فقط - فإنه في هذه الحال يفوته الحج (أو نيَّته لم يتم نُسكه إلاَّ به)؛ أيْ: لا بدَّ أن يأتي به، أمَّا الوقوف عند الفقهاء، فإنَّه لا يشترط له النية، والصحيح أن الطواف والسعي لا تشترط لهما النيَّة؛ لأن الطواف والسعي جزءٌ من عبادةٍ مكوَّنة من أجزاء، فتكفي النيَّة في أولها كالصلاة، وعليه فلا تُشترط نية التَّعيين؛ أيْ: إنه طواف للحج، أما نيَّة الطواف فلا بدَّ منها، والدليل على أنَّ تارك الركن لا يصحُّ حجُّه: أن الركن هو الماهية التي تبنى عليها العبادة؛ ولقوله صلَّى الله عليه وسلَّم في الوقوف: ((مَن أتى ليلة جمع قبل الصُّبح، فقد أدرك))، يدلُّ على أنه إذا فاته الوقوف بعرفة فاته الحج.

 

(ومَن ترك واجبًا فعليه دمٌ) إذا أُطلِق الدَّم في لسان الفقهاء فهو: سُبُع بدَنةٍ، أو سُبع بقَرة، أو واحدةٌ من الضَّأن أو المَعْز، ولا بدَّ فيها من شروط الأضحية، وهي أن تكون قد بلغَت السنَّ المعتبَرة، وهو في الإبل خمسُ سنين، وفي البقر سنَتان، وفي المعز سنَة، وفي الضَّأن نصف سنة (ستَّة أشهر)، ولا بد أيضًا أن تكون سليمةً من العيوب المانعة من الإجزاء؛ كالعَور البيِّن، ونحوه، وهذا الدم دَمُ جُبْران لا شُكران، وعليه؛ فيَجب في الحرَم أن يتصدَّق به جميعه على فقراء الحرم، ويُوزَّع في الحرَم، والدليل على هذا قول ابن عبَّاس رضي الله عنهما: "وترك شيئًا من نسكه أو نسيه، فلْيُهْرِق دمًا"، وإن كان ثبوته من حيث النَّظر والاستدلال فيه مناقشة واعتراض، فنقول: إنَّ هذا من باب تربية المسلمين على التزامهم بالواجب، وحينئذٍ نقول لمن ترك واجبًا: اذبَحْ فدية في مكَّة، ووَزِّعها على الفقراء بنفسك، أو وكِّل من تثقُ به، فإن كنتَ غير قادر، فتوبَتُك تُجزِئ عن الصِّيام؛ لقوله تعالى: ﴿ فَاتَّقُوا اللَّهَ مَا اسْتَطَعْتُمْ ﴾ [التغابن: 16]، وهذا هو الذي نراه في هذه المسألة.





 حفظ بصيغة PDFنسخة ملائمة للطباعة أرسل إلى صديق تعليقات الزوارأضف تعليقكمتابعة التعليقات
شارك وانشر

مقالات ذات صلة

  • المنتقى المشبع من الشرح الممتع (40)
  • المنتقى المشبع من الشرح الممتع (41)
  • المنتقى المشبع من الشرح الممتع (42)
  • المنتقى المشبع من الشرح الممتع (43)
  • المنتقى المشبع من الشرح الممتع (44)
  • المنتقى المشبع من الشرح الممتع (46)
  • المنتقى المشبع من الشرح الممتع (47)

مختارات من الشبكة

  • المنتقى المشبع من الشرح الممتع (39)(مقالة - ملفات خاصة)
  • المنتقى المشبع من الشرح الممتع (38)(مقالة - ملفات خاصة)
  • المنتقى المشبع من الشرح الممتع (37)(مقالة - ملفات خاصة)
  • المنتقى المشبع من الشرح الممتع (36)(مقالة - ملفات خاصة)
  • المنتقى المشبع من الشرح الممتع (35)(مقالة - ملفات خاصة)
  • المنتقى المشبع من الشرح الممتع (34)(مقالة - ملفات خاصة)
  • المنتقى المشبع من الشرح الممتع (33)(مقالة - ملفات خاصة)
  • المنتقى المشبع من الشرح الممتع (32)(مقالة - ملفات خاصة)
  • المنتقى المشبع من الشرح الممتع (31)(مقالة - آفاق الشريعة)
  • المنتقى المشبع من الشرح الممتع (30)(مقالة - آفاق الشريعة)

 



أضف تعليقك:
الاسم  
البريد الإلكتروني (لن يتم عرضه للزوار)
الدولة
عنوان التعليق
نص التعليق

رجاء، اكتب كلمة : تعليق في المربع التالي

مرحباً بالضيف
الألوكة تقترب منك أكثر!
سجل الآن في شبكة الألوكة للتمتع بخدمات مميزة.
*

*

نسيت كلمة المرور؟
 
تعرّف أكثر على مزايا العضوية وتذكر أن جميع خدماتنا المميزة مجانية! سجل الآن.
شارك معنا
في نشر مشاركتك
في نشر الألوكة
سجل بريدك
  • بنر
  • بنر
كُتَّاب الألوكة
  • بمشاركة 75 متسابقة.. اختتام الدورة السادسة لمسابقة القرآن في يوتازينسكي
  • مسجد يطلق مبادرة تنظيف شهرية بمدينة برادفورد
  • الدورة الخامسة من برنامج "القيادة الشبابية" لتأهيل مستقبل الغد في البوسنة
  • "نور العلم" تجمع شباب تتارستان في مسابقة للمعرفة الإسلامية
  • أكثر من 60 مسجدا يشاركون في حملة خيرية وإنسانية في مقاطعة يوركشاير
  • مؤتمرا طبيا إسلاميا بارزا يرسخ رسالة الإيمان والعطاء في أستراليا
  • تكريم أوائل المسابقة الثانية عشرة للتربية الإسلامية في البوسنة والهرسك
  • ماليزيا تطلق المسابقة الوطنية للقرآن بمشاركة 109 متسابقين في كانجار

  • بنر
  • بنر

تابعونا على
 
حقوق النشر محفوظة © 1446هـ / 2025م لموقع الألوكة
آخر تحديث للشبكة بتاريخ : 13/11/1446هـ - الساعة: 23:33
أضف محرك بحث الألوكة إلى متصفح الويب