• الصفحة الرئيسيةخريطة الموقعRSS
  • الصفحة الرئيسية
  • سجل الزوار
  • وثيقة الموقع
  • اتصل بنا
English Alukah شبكة الألوكة شبكة إسلامية وفكرية وثقافية شاملة تحت إشراف الدكتور سعد بن عبد الله الحميد
 
الدكتور سعد بن عبد الله الحميد  إشراف  الدكتور خالد بن عبد الرحمن الجريسي
  • الصفحة الرئيسية
  • موقع آفاق الشريعة
  • موقع ثقافة ومعرفة
  • موقع مجتمع وإصلاح
  • موقع حضارة الكلمة
  • موقع الاستشارات
  • موقع المسلمون في العالم
  • موقع المواقع الشخصية
  • موقع مكتبة الألوكة
  • موقع المكتبة الناطقة
  • موقع الإصدارات والمسابقات
  • موقع المترجمات
 كل الأقسام | مقالات شرعية   دراسات شرعية   نوازل وشبهات   منبر الجمعة   روافد   من ثمرات المواقع  
اضغط على زر آخر الإضافات لغلق أو فتح النافذة اضغط على زر آخر الإضافات لغلق أو فتح النافذة
  •  
    طريق لا يشقى سالكه (خطبة)
    عبدالله بن إبراهيم الحضريتي
  •  
    خطبة: مكانة العلم وفضله
    أبو عمران أنس بن يحيى الجزائري
  •  
    خطبة: العليم جلا وعلا
    الشيخ الدكتور صالح بن مقبل العصيمي ...
  •  
    في تحريم تعظيم المذبوح له من دون الله تعالى وأنه ...
    فواز بن علي بن عباس السليماني
  •  
    كل من يدخل الجنة تتغير صورته وهيئته إلى أحسن صورة ...
    فهد عبدالله محمد السعيدي
  •  
    محاضرة عن الإحسان
    د. عطية بن عبدالله الباحوث
  •  
    ملامح تربوية مستنبطة من قول الله تعالى: ﴿يوم تأتي ...
    د. عبدالرحمن بن سعيد الحازمي
  •  
    نصوص أخرى حُرِّف معناها
    عبدالعظيم المطعني
  •  
    فضل العلم ومنزلة العلماء (خطبة)
    خميس النقيب
  •  
    البرهان على تعلم عيسى عليه السلام القرآن والسنة ...
    د. محمد بن علي بن جميل المطري
  •  
    الدرس السادس عشر: الخشوع في الصلاة (3)
    عفان بن الشيخ صديق السرگتي
  •  
    القرض الحسن كصدقة بمثل القرض كل يوم
    د. خالد بن محمود بن عبدالعزيز الجهني
  •  
    الليلة التاسعة والعشرون: النعيم الدائم (2)
    عبدالعزيز بن عبدالله الضبيعي
  •  
    حكم مشاركة المسلم في جيش الاحتلال
    أ. د. حلمي عبدالحكيم الفقي
  •  
    غض البصر (خطبة)
    د. غازي بن طامي بن حماد الحكمي
  •  
    كيف تقي نفسك وأهلك السوء؟ (خطبة)
    الشيخ محمد عبدالتواب سويدان
شبكة الألوكة / ملفات خاصة / ملف الحج / خطب الحج
علامة باركود

أخلاق النبي الأمين في رحلة الشوق والحنين

أخلاق النبي الأمين في رحلة الشوق والحنين
السيد مراد سلامة

مقالات متعلقة

تاريخ الإضافة: 12/7/2022 ميلادي - 12/12/1443 هجري

الزيارات: 16467

 حفظ بصيغة PDFنسخة ملائمة للطباعة أرسل إلى صديق تعليقات الزوارأضف تعليقكمتابعة التعليقات
النص الكامل  تكبير الخط الحجم الأصلي تصغير الخط
شارك وانشر

أخلاق النبي الأمين في رحلة الشوق والحنين

 

الخطبة الأولى

الحمد لله الذي دعا عبادَه المؤمنين إلى حجِّ بيته الحرام؛ ليشهدوا منافعَ لهم، وليذكروا اسم الله على ما رزَقهم من بهيمة الأنعام، نحمَده ونستعينه ونستغفره ونتوب إليه، ونشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، ونشهد أن محمدًا عبده ورسوله، أرسله بين يدي الساعة بشيرًا ونذيرًا، وداعيًا إلى الله بإذنه وسراجًا منيرًا.

 

اللهم صلِّ وسلِّم وبارك على عبدك ورسولك محمدٍ، وارضَ اللهم عن آله، ومن دعا بدعوته، وعمل بسُنته، ونصَح لأُمته، وسلم تسليمًا كثيرًا، أما بعد:

 

فإخوة الإسلام، إن حجةَ الوداع التي حجَّها النبي صلى الله عليه وسلم كانت ترجمة فعلية لأخلاق خير البرية صلى الله عليه وسلم، فقد ترجم النبي هذه الأخلاق إلى واقع محسوس وملموس، فكانت الواقع التطبيقي للرسالة وكانت منهجًا تربويًّا يربي الأمة على الرحمة والتواضع والرِّفق واليسر، ورفع المشقة والعنَت عن الأمة، فهيَّا أعيروني القلوب والأسماع أيها الأحباب:

 

أولًا: رحلة الشوق والحنين:

لنعيش مع الحج، مع رحلة الشوق والحنين إلى بيت الله الأمين إلى رحلة الطهارة... إلى رحلة المغفرة... إلى رحلة العتق من النار... إليها يشتاق العاشقين، وإليها يهفو الفقراء والمساكين إجابةً لنداء إبراهيم عليه السلام... هامت الأنفس وطارت الأفئدة، ودمعت العيون واشتاقت الجوانح؛ يقول سبحانه وتعالى: ﴿ وَأَذِّنْ فِي النَّاسِ بِالْحَجِّ يَأْتُوكَ رِجَالًا وَعَلَى كُلِّ ضَامِرٍ يَأْتِينَ مِنْ كُلِّ فَجٍّ عَمِيقٍ ﴾ [الحج: 27].

 

هجرتُ الخلق طرًّا في هواك
وأَيتمت العيالَ لكي أراكَا
ولو قطَّعتني في الحب إِرْبًا
لَما حنَّ الفؤادُ إلى سواكا
تجاوز عن ضعيفٍ قد أتاك
وجاءك راجيًا يرجو نداكا
وإن يكُ يا مهيمنُ قد عصاكا
مقرًّا بالذنوب وقد دعاكا
وإن تغفِر فأنت لذاك أهلٌ
وإن تَطرُد فمن يرحَم سواكا

 

ويقول سبحانه وتعالى: ﴿ فَاجْعَلْ أَفْئِدَةً مِنَ النَّاسِ تَهْوِي إِلَيْهِمْ ﴾ [إبراهيم: 37].

 

واسمع إلى حال المنقطعين عن البيت لفقرٍ أو مرضٍ، ذكر الهروي في كتابه أنوار الحجج في أسرار الحج قال: خرجت أم أيمن زوجة أبي علي الروذباري من مصر وقت خروج الحاج إلى الصحراء، وترى الجمال تتجه إلى مكة وتتقطع أنفاسها، وهي تقول: هذه حسرة من انقطع عن البيت، فكيف حسرة من انقطع عن رب البيت؟![1].

 

ذكر ابن الجوزي رحمه الله عن محمد بن صالح قال: بينما أنا في الطواف إذ نظرت إلى أعرابي بدوي متعلق بأستار الكعبة، وقد شخَص بصره نحو السماء وهو يقول: يا خير من وفد الأنام إليه ذهبت أيامي وضعفت قوتي، وقد وردت بيتك الحرام المعظم المكرم بذنوب كثيرة لا تسعها الأرض ولا تغسلها البحار مستجيرًا بعفوك منها، وحططت رحلي بفنائك، واتفقت مالي في رضاك، فماذا الذي يكون من جزائك يا مولاي؟

 

ثم أقبل على الناس بوجهه، فقال: يا معشر الناس، ادعوا مَن وكزته الخطايا وغمرته البلايا، ارحموا أسيرَ ضرٍّ غريبَ فاقةٍ، سألتكم بالذي عمَّتكم الرغبة إليه، إلا سألتم الله تعالى أن يهبَ لي جُرمي ويغفر لي ذنوبي، ثم عاد فتعلق بأستار الكعبة، وقال: إلهي وسيدي عظيم الذنب مكروب وعن صالح الأعمال مردود، وقد أصبحت ذا فاقة إلى رحمتك يا مولاي.

 

يقول محمد بن صالح: ثم رأيته بعرفات وقد وضع يساره على أم رأسه يصرُخ ويبكي ويشهق ويقول: إلهي وسيدي ومولاي أضحكت الأرض بالزهر، وأمطرت السماء بالرحمة، والذي أعطيت الموحدين إن نفسي لواثقة لي ولهم منك بالرضا، وكيف لا يكون كذلك، وأنت حبيب من تحبَّب إليك، وقرةُ عين من لاذ بك وانقطع إليك؟ يا مولاي حقًّا حقًّا أقول، لقد أمرت بمكارم الأخلاق، فاجعل وفودي إليك عتقَ رقبتي من النار[2].

 

ثانيًا: أخلاق النبي الأمين في رحلة الشوق والحنين:

هيَّا أيها الأحباب لنُشنف الآذان بأخلاق النبي العدنان صلى الله عليه وسلم في رحلة الشوق والحنين.

 

تواضع النبي صلى الله عليه وسلم في الحج:

اعلموا بارك الله فيكم أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان جمَّ التَّواضُع، لا يعتريه كِبرٌ ولا بَطَرٌ على رِفْعَة قَدْرِه وعلوِّ منزلته، يخفض جناحه للمؤمنين ولا يتعاظم عليهم، ويجلس بينهم واحدًا منهم، ولا يُعْرَف مجلسه مِن مجلس أصحابه؛ لأنَّه كان يجلس حيث ينتهي به المجلس، ويجلس بين ظهرانيهم، فيجيء الغريب فلا يدري أيُّهم هو حتى يسأل عنه....

 

عَنْ أَبِي ذَرٍّ وَأَبِي هُرَيْرَةَ قَالَا: كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَجْلِسُ بَيْنَ ظَهْرَيْ أَصْحَابِهِ، فَيَجِيءُ الْغَرِيبُ فَلَا يَدْرِي أَيُّهُمْ هُوَ حَتَّى يَسْأَلَ، فَطَلَبْنَا إِلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنْ نَجْعَلَ لَهُ مَجْلِسًا يَعْرِفُهُ الْغَرِيبُ إِذَا أَتَاهُ، قَالَ: فَبَنَيْنَا لَهُ دُكَّانًا مِنْ طِينٍ، فَجَلَسَ عَلَيْهِ، وَكُنَّا نَجْلِسُ بِجَنْبَتَيْهِ، وَذَكَرَ نَحْوَ هَذَا الْخَبَرِ، فَأَقْبَلَ رَجُلٌ فَذَكَرَ هَيْئَتَهُ، حَتَّى سَلَّمَ مِنْ طَرَفِ السِّمَاطِ، فَقَالَ: السَّلَامُ عَلَيْكَ يَا مُحَمَّدُ قَالَ: «فَرَدَّ عَلَيْهِ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ»[3].

 

عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ أَنَّ رَجُلًا قَالَ: يَا مُحَمَّدُ يَا سَيِّدَنَا وَابْنَ سَيِّدِنَا، وَخَيْرَنَا وَابْنَ خَيْرِنَا، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «يَا أَيُّهَا النَّاسُ عَلَيْكُمْ بِتَقْوَاكُمْ، لَا يَسْتَهْوِيَنَّكُمُ الشَّيْطَانُ، أَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ عَبْدُ اللَّهِ وَرَسُولُهُ، وَاللَّهِ مَا أُحِبُّ أَنْ تَرْفَعُونِي فَوْقَ مَنْزِلَتِي الَّتِي أَنْزَلَنِي اللَّهُ»[4].

 

أما إن سالت عن تواضع الحبيب صلى الله عليه وسلم، فقد ظهر تواضعه في حجه صلى الله عليه وسلم؛ إذ كان يمشي كما يمشي الناس لا حراسة ولا طرد للناس من بين يديه، ولا يزاحم أحدًا صلى الله عليه وسلم، نستشعر في هذه المواطن التواضع لله، فقد كان النبي صلى الله عليه وسلم يرمي الجمرة، عَنْ قُدَامَةَ بْنِ عَبْدِ اللهِ قَالَ: «رَأَيْتُ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَرْمِي جَمْرَةَ الْعَقَبَةِ عَلَى نَاقَةٍ صَهْبَاءَ، لَا ضَرَبَ، وَلَا طَرَدَ، وَلَا إِلَيْكَ إِلَيْكَ»[5].

 

أي: لا توسع له الطرق، ولا يضرب الناس، ولا يطردون الناس من أجله صلى الله عليه وسلم، بل كان يمشي عليه الصلاة والسلام متواضعًا مع الماشين، لا يطرد الناس من حوله، ولا يضرب الناس من أجله، إنما يأتي وقورًا متواضعًا لله خاشعًا له، يرمي الجمرة كما يرميها الناس، منه يتعلم الناس وبه يقتدون، ويلتمسون منه التواضع، يلتمسون منه صحيح العبادة والنسك، فيمتثلون أمره، ويقتفون أثره عليه الصلاة والسلام.

 

قال الطيبي رحمه الله: أي: ما كان يضربون الناس، ولا يطردونهم، ولا يقولون: تنحوا عن الطريق كما هو عادة الملوك، والجبابرة، والمقصود التعريض بالذين كانوا يعملون ذلك؛ اهـ.

 

وذكر السيوطي رحمه الله أن أول بدعة ظهرت قول الناس: الطريق الطريق، أقول: قد رضينا في هذا الزمان بإليك وإليك، وبـ(الطريق الطريق) عليك، فإنه نشأ ناس يدفعون بأيديهم، وأرجلهم، ويدوسون بدوابهم، وهم ساكتون، ﴿ أُولَئِكَ كَالْأَنْعَامِ بَلْ هُمْ أَضَلُّ أُولَئِكَ هُمُ الْغَافِلُونَ ﴾ [الأعراف: 179][6].

 

ومن تواضعه صلى الله عليه وسلم أنه كان يمشي بسكينة دون تكبُّر ولا خُيلاء، ويدعو الناس إلى ذلك، وكان إذا تسير إليه تسليم الحجر يستلمه، أو أشار إليه بمحجن كان معه، عَنْ قُدَامَةَ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ قَالَ: «رَأَيْتَ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَلَى نَاقَتِهِ يَسْتَلِمُ الْحَجَرَ بِمِحْجَنِهِ»[7].

 

فنلتمس من رسولنا التواضع، وعدم الزحام، وعدم أذى العباد، فالرسول عليه الصلاة والسلام كان يطوف بالبيت، فإن استطاع أن يستلم الحجر بيده فعلٍ ولا يزاحم، وإن لم يستطع أشار إليه بمحجنه، ثم انصرف عليه الصلاة والسلام، لا يزاحم الناس ولا يؤذيهم.

 

ومن تواضعه صلى الله عليه وسلم في الحج أنه أبَى أن يُخَصَّ بماء دون الناس وشرب من زمزم، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ طَافَ بِالْبَيْتِ وَهُوَ عَلَى بَعِيرِهِ، وَاسْتَلَمَ الْحَجَرَ بِمِحْجَنٍ كَانَ مَعَهُ، قَالَ: وَأَتَى السِّقَايَةَ، فَقَالَ: "اسْقُونِي"، فَقَالُوا: إِنَّ هَذَا يَخُوضُهُ النَّاسُ، وَلَكِنَّا نَأْتِيكَ بِهِ مِنَ البَيْتِ، فَقَالَ: "لَا حَاجَةَ لِي فِيهِ، اسْقُونِي مِمَّا يَشْرَبُ مِنْهُ النَّاسُ"[8].

 

عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ جَاءَ إِلَى السِّقَايَةِ، فَاسْتَسْقَى، فَقَالَ الْعَبَّاسُ: يَا فَضْلُ، اذْهَبْ إِلَى أُمِّكَ فَأْتِ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِشَرَابٍ مِنْ عِنْدِهَا، فَقَالَ: "اسْقِنِي"، فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، إِنَّهُمْ يَجْعَلُونَ أَيْدِيَهُمْ فِيهِ، فَقَالَ: "اسْقِنِي"، فَشَرِبَ مِنْهُ، ثُمَّ أَتَى زَمْزَمَ وَهُمْ يَسْقُونَ وَيَعْمَلُونَ فِيهَا، فَقَالَ: "اعْمَلُوا فَإِنَّكُمْ عَلَى عَمَلٍ صَالِحٍ"، ثُمَّ قَالَ: "لَوْلَا أَنْ تُغْلَبُوا لَنَزَعْتُ حَتَّى أَضَعَ الْحَبْلَ عَلَى هَذِهِ" - يَعْنِي عَاتِقَهُ - وَأَشَارَ إِلَى عَاتِقِهِ..[9].

 

فقد رد النبي -صلى الله عليه وسلم- إكرام العباس بشراب خاص؛ لأن ذلك الإكرام تعارض مع مصلحة أخرى هي مصلحة التواضع التي ظهرت من شربه مما يشرب منه الناس، وعدم التقذر من المأكولات والمشروبات التي يضع الناس أيديهم فيها.

 

رحمة النبي صلى الله عليه في حجة الوداع بأمته:

إخوة الإسلام، يقول الله تعالى في شأن حبيبه صلى الله عليه وسلم: ﴿ وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلَّا رَحْمَةً لِلْعَالَمِينَ ﴾ [الأنبياء: 107]، ويقول جل شأنه: ﴿ لَقَدْ جَاءَكُمْ رَسُولٌ مِنْ أَنْفُسِكُمْ عَزِيزٌ عَلَيْهِ مَا عَنِتُّمْ حَرِيصٌ عَلَيْكُمْ بِالْمُؤْمِنِينَ رَءُوفٌ رَحِيمٌ ﴾ [التوبة: 128].

 

ويقول تعالى ذكره: ﴿ وَمَا جَعَلَ عَلَيْكُمْ فِي الدِّينِ مِنْ حَرَجٍ ﴾ [الحج: 78]، ويقول سبحانه: وتعالي في شأن الرسالة: ﴿ يُرِيدُ اللَّهُ بِكُمُ الْيُسْرَ وَلَا يُرِيدُ بِكُمُ الْعُسْرَ ﴾ [البقرة: 185]، وإذا تأمَّلنا في رحلة الشوق والحنين، لرأينا كيف تجلت رحمة النبي صلى الله عليه وسلم.

 

رحمة في فرض الحج مرة واحدة:

إخوة الإسلام، من رحمة النبي بأمته أنه جعل الحج مرة واحدة في العمر لأجل التيسير والرحمة، وهذا تيسير عظيم ورحمة كبيرة، وتقدير لظروف عموم الناس..

 

ومع هذا التيسير الكبير فإن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يتعامل مع الأمر برحمته المعهودة، وبرفقه العظيم، فزاد الأمرَ تيسيرًا ورفقًا..

 

لقد وقف يومًا يخطب في الناس، فقال: عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ: خَطَبَنَا وَقَالَ مَرَّةً: خَطَبَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَقَالَ: «أَيُّهَا النَّاسُ، إِنَّ اللَّهَ عَزَّ وَجَلَّ قَدْ فَرَضَ عَلَيْكُمُ الْحَجَّ فَحُجُّوا»، فَقَالَ رَجُلٌ: أَكُلَّ عَامٍ يَا رَسُولَ اللَّهِ؟ فَسَكَتَ، حَتَّى قَالَهَا ثَلَاثًا، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "لَوْ قُلْتُ: نَعَمْ، لَوَجَبَتْ، وَلَمَا اسْتَطَعْتُمْ"، ثُمَّ قَالَ: «ذَرُونِي مَا تَرَكْتُكُمْ، فَإِنَّمَا هَلَكَ مَنْ كَانَ قَبْلَكُمْ بِكَثْرَةِ سُؤَالِهِمْ وَاخْتِلَافِهِمْ عَلَى أَنْبِيَائِهِمْ، فَإِذَا أَمَرْتُكُمْ بِشَيْءٍ، فَأْتُوا مِنْهُ مَا اسْتَطَعْتُمْ، وَإِذَا نَهَيْتُكُمْ عَنْ شَيْءٍ، فَدَعُوهُ»[10].

 

كان النبي قادرًا على الحج كل عام، بل من المؤكد أنه كان يشتاق لمثل هذه العبادة الجليلة، لكنه لا يريد أن يقيس الأمر على نفسه، بل يريد أن يقيس الأمر على عموم المسلمين، وذلك بمن فيهم من الضعفاء والكبار والنساء، والمشغولين أو غير المشتاقين إلى هذه العبادة، والرجل يسأل ويكرر أفي كل عام يا رسول الله؟ والرسول لن يُجيب بنعم إلا إذا أراد الله، ولكنه يعلم أن الأمة - كما ذكرنا قبل ذلك - إذا شدَّدت على نفسها شدَّد الله عليها، ولذلك ذكَّرهم رسول الله بما حدث مع الأمم السابقة التي كانت تُكْثِر من الأسئلة دون احتياج، والرسول يريد أن يرحم هذه الأمة، وينقذها من أي هَلَكَة.

 

الخطبة الثانية

صور من رحمة الرسول صلى الله عليه وسلم في الحج:

وفي حجته الوحيدة ظهرت آيات رحمة النبي صلى الله عليه وسلم تَتْرَى، فمن دلائل رحمته بالحجاج في هذه الحجة أنه كان يعلم أن مناسك الحج غير مشهورة بين الناس كمناسك الصلاة والصيام، وذلك لأن الحج لا يتكرر إلا قليلًا، وقد لا يتكرر أبدًا في حياة الإنسان، ولذلك كان يقبل صلى الله عليه وسلم تغييرات في ترتيب المناسك ولا يلوم أبدًا فاعليها، من ذلك ما رواه عبد الله بن عمرو بن العاص رضي الله عنهما من أن رسول الله صلى الله عليه وسلم وَقَفَ عَلَى رَاحِلَتِهِ فَطَفِقَ نَاسٌ يَسْأَلُونَهُ، فَيَقُولُ الْقَائِلُ: مِنْهُمْ يَا رسول الله صلى الله عليه وسلم، إِني لَمْ أَكُنْ أَشْعُرُ أَن الرَّمْيَ قَبْلَ النَّحْرِ فَنَحَرْتُ قَبْلَ الرمْيِ، فَقَالَ رسول الله صلى الله عليه وسلم: "فَارْمِ وَلا حَرَجَ"، قَالَ: وَطَفِقَ آخَرُ يَقُولُ: إِني لَمْ أَشْعُرْ أَن النَّحْرَ قَبْلَ الْحَلْقِ فَحَلَقْتُ قَبْلَ أَنْ أَنْحَرَ فَيَقُولُ: "انْحَرْ وَلا حَرَجَ"، قَالَ: فَمَا سَمِعْتُهُ يُسْأَلُ يَوْمَئِذٍ عَنْ أَمْرٍ مِما يَنْسَى الْمَرْءُ وَيَجْهَلُ مِنْ تَقْدِيمِ بَعْضِ الأُمُورِ قَبْلَ بَعْضٍ وَأَشْبَاهِهَا، إِلا قَالَ رسول الله صلى الله عليه وسلم "افْعَلُوا ذَلِكَ وَلا حَرَجَ"[11].

 

رمي الجمرات بحصى صغير:

ومن رحمة النبي صلى الله عليه وسلم أنه رمى الجمرات بحصى مثل حصى الخذف عَنْ جَابِرٍ قَالَ: دَفَعَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَعَلَيْهِ السَّكِينَةُ، وَأَوْضَعَ فِي وَادِي مُحَسِّرٍ، فَأَرَاهُمْ مِثْلَ حَصَى الْخَذْفِ، وَأَمَرَهُمْ بِالسَّكِينَةِ، وَقَالَ: «لِتَأْخُذْ أُمَّتِي مَنْسَكَهَا، فَإِنِّي لَا أَدْرِي لَعَلِّي لَا أَلْقَاهُمْ بَعْدَ عَامِهِمْ هَذَا»[12]، وهو حصى صغير في حجم حبة الباقلَّا؛ كما يقول الإمام النووي وهذا الحجم الصغير حتى لا يؤذي إنسانًا بطريق الخطأ..

 

وكان -صلى الله عليه وسلم- أرحمَ الخلق بآله وأهل بيته، وأسهلَهم وألينَهم عريكةً، ويتجلى ذلك في مواقف أكثر من أن تحصر؛ منها: عَنِ ابْنِ أَبِي مُلَيْكَةَ، قَالَ: قَالَتْ عَائِشَةُ: دَخَلَ عَلَيَّ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَأَنَا بِسَرِفَ وَأَنَا أَبْكِي، فَقَالَ: «مَا يُبْكِيكِ يَا عَائِشَةُ؟»، فَقَالَتْ: قُلْتُ: يَرْجِعُ النَّاسُ بِنُسُكَيْنِ، ثُمَّ أَرْجِعُ بِنُسُكٍ وَاحِدٍ قَالَ: «وَلِمَ ذَاكَ؟» قُلْتُ: إِنِّي حِضْتُ قَالَ: «ذَاكَ شَيْءٌ كَتَبَهُ اللَّهُ عَلَى بَنَاتِ آدَمَ، اصْنَعِي مَا يَصْنَعُ الْحَاجُّ».

 

• عَنْ عَائِشَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا أَنَّهَا قَالَتْ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، يَرْجِعُ أَصْحَابُكَ بِأَجْرِ حَجٍّ وَعُمْرَةٍ وَلَمْ أَزِدْ عَلَى الْحَجِّ، فَقَالَ لَهَا: اذْهَبِي وَلْيُرْدِفْكِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ، فَأَمَرَ عَبْدَ الرَّحْمَنِ أَنْ يُعْمِرَهَا مِنْ التَّنْعِيمِ، فَانْتَظَرَهَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِأَعْلَى مَكَّةَ حَتَّى جَاءَتْ [13].

 

سقوطُ طواف الوداع عن الحائض والنفساء، فيجب على الحاج إذا فرغ من حجِّه أن يطوف طواف الوداع، ثم يرجع إلى أهله، لكن خُفِّف عن الحائض والنفساء، فلا يجب عليهما البقاء في مكة حتى تطهرا ثم تودعان، فعن عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا قَالَ: «أُمِرَ النَّاسُ أَنْ يَكُونَ آخِرُ عَهْدِهِمْ بِالْبَيْتِ، إِلَّا أَنَّهُ خُفِّفَ عَنِ الحَائِضِ»[14].

 

الإذنُ للضَّعفة أن يدفعوا من مزدلفة إلى منًى قبل الناس؛ حتى لا يضايقهم الأقوياء أثناء دفعهم إلى منى، فقد كان عَنِ ابْنِ عُمَرَ أَنَّهُ كَانَ يُقَدِّمُ ضَعَفَةَ أَهْلِهِ فَيَقِفُونَ عِنْدَ الْمَشْعَرِ الْحَرَامِ بِلَيْلٍ فَيَذْكُرُونَ اللَّهَ مَا بَدَا لَهُمْ، ثُمَّ يَدْفَعُونَ، فَمِنْهُمْ مَنْ يَأْتِي مِنًى لِصَلَاةِ الصُّبْحِ، وَمِنْهُمْ مَنْ يَأْتِي بَعْدَ ذَلِكَ وَأُولَئِكَ ضَعَفَةُ أَهْلِهِ. وَيَقُولُ: أَذِنَ رَسُولُ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- فِي ذَلِكَ [15].

 

الدعاء..



[1] كتاب صفة الصفوة ج2 ص931.

[2] كتاب صفة الصفوة ج2 ص932 ،933.

[3] رواه أبو داود (4698)، والنَّسائي (4991). وسكت عنه أبو داود، وصحَّحه الألباني في ((صحيح أبي داود)) (4698).

[4] رواه أحمد (3/153) (12573)، والنسائي في ((السنن الكبرى)) (9 /103) مِن حديث أنس رضي الله عنه. وجوَّد إسناده الشَّوكاني كما في ((الفتح الرباني)) (1 /336)، وصحَّح إسناده أحمد شاكر في ((عمدة التفسير)) (1/611).

[5] مسند أحمد ط الرسالة (24/ 138) وأخرجه النسائي في "المجتبى" 5 /270، وفي "الكبرى" (4067) ، وابن ماجه (3035)، وابن أبي عاصم في "الآحاد والمثاني" (1499)، والطبراني في "الكبير" 19/ (78).

[6] مرقاة المفاتيح شرح مشكاة المصابيح (5/ 1793).

[7] مسند أحمد ط الرسالة (24/ 139)، وأخرجه الطبراني في "الكبير" 19/ (80)، وفي "الأوسط" (8024).

[8] مسند أحمد ط الرسالة (3/ 341) وأخرجه البخاري (1635).

[9] رواه البخاري: 1635.

[10] مسند أحمد، ط الرسالة (16/ 355)، وأخرجه مسلم (1337).

[11] مسند أحمد ط الرسالة (11/ 488)، وأخرجه مسلم (1306) (332)، وابن الجارود في "المنتقى" (488).

[12] مسند أحمد ط الرسالة (23/ 205) وأخرجه ابن أبي عاصم في "الجهاد" (113)، وأبو يعلى (2075)، والطبراني في "مسند الشاميين" (755)

[13] صحيح البخاري ط- أخرى (7/ 511).

[14] رواه البخاري (1755)، ومسلم (1328).

[15] رواه البخاري (1676)، ومسلم (1295).





 حفظ بصيغة PDFنسخة ملائمة للطباعة أرسل إلى صديق تعليقات الزوارأضف تعليقكمتابعة التعليقات
شارك وانشر

مقالات ذات صلة

  • بيان شيء من أخلاق النبي - صلى الله عليه وسلم -
  • خطبة المسجد النبوي 14/8/1432هـ - أخلاق النبي صلى الله عليه وسلم
  • من أخلاق النبي صلى الله عليه وسلم: الرحمة
  • من أخلاق النبي صلى الله عليه وسلم
  • كمال أخلاق النبي صلى الله عليه وسلم
  • الرحمة من أخلاق النبي صلى الله عليه وسلم
  • قبسات من أخلاق النبي محمد صلى الله عليه وسلم
  • أخلاق النبي محمد صلى الله عليه وسلم
  • نثر الياسمين من أخلاق النبي مع العصاة والمخالفين
  • أخلاق النبي مع العصاة والمخالفين

مختارات من الشبكة

  • العقد الثمين في حب النبي الأمين صلى الله عليه وسلم(مقالة - ثقافة ومعرفة)
  • هدي النبي الأمين في إقامة أعراس المسلمين (PDF)(كتاب - مكتبة الألوكة)
  • كن من الفائزين بكثرة الصلاة على النبي الأمين محمد صلى الله عليه وسلم(مادة مرئية - موقع الشيخ د. خالد بن عبدالرحمن الشايع)
  • رد القوي المتين على من سب أو عاب النبي الأمين صلى الله عليه وسلم (WORD)(كتاب - مكتبة الألوكة)
  • الأربعين في خصائص النبي الأمين صلى الله عليه وسلم (PDF)(كتاب - مكتبة الألوكة)
  • قرارات التعيين بتوقيع النبي الأمين(مقالة - آفاق الشريعة)
  • تحفة الزائرين لمدينة النبي الصادق الأمين (2)(مقالة - ثقافة ومعرفة)
  • تحفة الزائرين لمدينة النبي الصادق الأمين (1)(مقالة - ثقافة ومعرفة)
  • البلد الأمين: أشواق وحنين (خطبة)(مقالة - ملفات خاصة)
  • شوق وحنين إلى البلد الأمين(مقالة - آفاق الشريعة)

 



أضف تعليقك:
الاسم  
البريد الإلكتروني (لن يتم عرضه للزوار)
الدولة
عنوان التعليق
نص التعليق

رجاء، اكتب كلمة : تعليق في المربع التالي

مرحباً بالضيف
الألوكة تقترب منك أكثر!
سجل الآن في شبكة الألوكة للتمتع بخدمات مميزة.
*

*

نسيت كلمة المرور؟
 
تعرّف أكثر على مزايا العضوية وتذكر أن جميع خدماتنا المميزة مجانية! سجل الآن.
شارك معنا
في نشر مشاركتك
في نشر الألوكة
سجل بريدك
  • بنر
  • بنر
كُتَّاب الألوكة
  • الدورة الخامسة من برنامج "القيادة الشبابية" لتأهيل مستقبل الغد في البوسنة
  • "نور العلم" تجمع شباب تتارستان في مسابقة للمعرفة الإسلامية
  • أكثر من 60 مسجدا يشاركون في حملة خيرية وإنسانية في مقاطعة يوركشاير
  • مؤتمرا طبيا إسلاميا بارزا يرسخ رسالة الإيمان والعطاء في أستراليا
  • تكريم أوائل المسابقة الثانية عشرة للتربية الإسلامية في البوسنة والهرسك
  • ماليزيا تطلق المسابقة الوطنية للقرآن بمشاركة 109 متسابقين في كانجار
  • تكريم 500 مسلم أكملوا دراسة علوم القرآن عن بعد في قازان
  • مدينة موستار تحتفي بإعادة افتتاح رمز إسلامي عريق بمنطقة برانكوفاتش

  • بنر
  • بنر

تابعونا على
 
حقوق النشر محفوظة © 1446هـ / 2025م لموقع الألوكة
آخر تحديث للشبكة بتاريخ : 11/11/1446هـ - الساعة: 0:55
أضف محرك بحث الألوكة إلى متصفح الويب