جرامرد الناصري التلميذ النجيب المنسي للعلامة السيوطي

جرامرد الناصري

التلميذ النجيب المنسي للعلامة السيوطي

(1)

الحمد لله وحده، والصلاة والسلام على مَن لا نبيَّ بعده، وعلى آله وصحبه، والتابعين لهم بإحسان وبعد:

فبحكم اشتغالي بتراث العلامة السيوطي - رحمه الله - وإعداد ترجمة حافلة له، لفت انتباهي قِلَّة مَن عُرفوا بالتلمذة عليه والأخذ عنه، والمشهورون منهم ندرة مِن تلك القِلَّة؛ كيوسف الأرميوني الشافعي، ومحمد بن علي الداودي المالكي - وأفرد لشيخه ترجمة[1] - ومحمد بن علي الصالحي الحنفي، وعبدالقاهر الشاذلي - وأفرد لشيخه ترجمة سماها (بهجة العابدين)[2] - ومحمد بن علي بن طولون الصالحي الحنفي[3].

وأثناء بحثي عن مخطوطات هذا الإمام العظيم الجبل وجدتُ أن هناك تلميذًا قد لا يقلُّ أهمية ومنزلة عن تلامذته سالفي الذكر، قد لازم شيخه العلامة السيوطي سنوات، وقرأ عليه، ونسَخ مجموعة من كتبه الكبار، وقابل معه عدةً منها، وأجازه شيخه، ووصفه بأحسن الثناء؛ ألا وهو: جرامرد الناصري.

وبعد البحث الشديد لم أجد مَن ترجم لهذا العلم ترجمة مفردة أو عرَّف به، اللهمَّ إلا ما وصفه به شيخه حافظ عصره وفخْر قُطرِه ومِصْرِه، وهو الخبير بأحوال الرجال عامَّة وبه خاصة، وحسبه بذلك شرفًا وفخرًا، وسيأتي ذكر العبارات التي حلاه بها شيخه، فأحببتُ أن أسلط الضوء على هذا العلَم والإمام، وأن أحيي ذكره وأنشره بين الأنام؛ مِن باب الوفاء له ولشيخه، وخدمة للعلم والعلماء، وأسأل الله الكريم من فضله وكرمه.

••••

(1)

جاء في آخر نسخة خطية نفيسة من ألفية "نظْم الدرر في علم الأثر"؛ للعلامة السيوطي - رحمه الله - بخط تلميذه جرامرد، كتب في آخرها:

تمَّت الألفية المباركة يوم الجمعة ثالث عشر شوال سنة خمس وثمانين وثمانمائة، علَّقها لنفسه: الفقير إلى عفو ربه: جرامرد الناصري مِن طبقة الأشرفية، مصُلِّيًا ومُسلمًا، وصلى الله على سيدنا محمد وآله وصحبه وسلم، وحسْبُنا الله ونعم الوكيل.

وعلى النسخة إجازة العلامة السيوطي له بخطه ونصها:

"الحمد لله، وسلام على عباده الذين اصطفى، قرأ عليَّ هذه الألفية - تأليفي - كاتبها الفاضل المتقن الصالح: نظام الدين جرامرد الحنفي الناصري، وأجزتُ له روايتها عني، وجميع مروياتي ومؤلَّفاتي، وكتب: عبدالرحمن بن أبي بكر السيوطي الشافعي - لطَف الله به".

ونستفيد منها: أن من منسوخات هذا العلم ومقروءاته ألفية (نظم الدرر) كاملة سنة 885 هـ، يعني: بعد 4 سنوات مِن نَظمِها، وكان عمر مؤلفها حين القراءة عليه 36 سنة.

وأنه حنفي المذهب، ناصري النِّسبة، من طبقة الأشرفية.

••••

(2)

جاء في آخر نسخة خطية نفيسة من "اللآلئ المصنوعة في الأحاديث الموضوعة"؛ للعلامة السيوطي - رحمه الله - بخط تلميذه جرامرد في قريب من 400 لوحة كتب في آخرها:

كتبه لنفسِه ولمن شاء الله مِن بعده المملوك جرامرد الناصري الحنفيُّ، غفر الله له ولمشايخه ولمحبيه فيه، ولمن دعا له بالمغفرة، ولجميع المسلمين آمين، ووقع الفراغ منه يوم الجمعة المبارك الخامس من شهر ربيع الأول سنة 910، وصلى الله على سيدنا محمد وآله وصحبه، وسلَّم تسليمًا كثيرًا دائمًا بدوامِه.

وعلى النُّسخة إجازة العلامة السيوطي له بخطه ونصُّها:

الحمد لله، قرأه عليَّ مِن أوله إلى آخره صاحبه الفاضل المُفنن المتقن الصالح نظام الدين جرامرد الحنفي، وأجزت له، ك[4] مؤلفه: عبدالرحمن بن أبي بكر السيوطي الشافعي - لطف الله به، آمين.

ونستفيد منها:

• أنه كان مملوكًا، فيا حسرة على كثير من الأحرار ممَّن أعرضوا عن العلم أو تكاسلوا في طلبه.

• أن لقبه نظام الدين.

• أنه لازم شيخه هذه المدة الطويلة حتى قبل وفاته بسنَة وشهر تقريبًا.

• نفاسة تلك النسخة من اللآلئ المصنوعة التي لم يعتمد عليها مَن نشَر الكتاب.

••••

(3)

قال العلامة الزرقاني في شرح المواهب اللدنية بالمِنَح المحمدية بعد كلام له (ص: 64): "وهو الذي وقع لنا في جزء ابن نجيد، وهو ستة وخمسون حديثًا بخط جرامرد التركي الناصري الحنفي تلميذ السيوطي، وعليه خط السيوطي".

ولم أقف على هذا الجزء، يسَّر الله ذلك.

ونستفيد منه أنه كان تركيًّا، ويُضاف إلى ثبت مقروءاته على شيخه.

••••

تنبيه:

تصحَّف اسم جرامرد إلى جرارد في طبعة ألفيَّة السيوطي في علوم الحديث التي علَّق عليها الشيخ أحمد شاكر - رحمه الله - ونقل هذا الخطأ شيخُنا محمد علي آدم الأثيوبي المكي - حفظه الله - في شرحه لألفية السيوطي.

تنبيه آخر:

تصحَّف اسم جرامرد إلى جرابرد في مقدمة تحقيق شيخنا الفاضل طارق بن عوض الله لـ(تدريب الراوي) فليُتنبه لذلك.

••••

هذا ما تيسر في هذه المقالة على عُجالة، ولها تتمات بإذْن ربِّ البريات، ورَحِم الله العلامة السيوطيَّ، ورحم تلميذه النجيب جرامرد الناصري، وجزاهما خيرًا على ما قدّماه للإسلام والمسلمين، ونفعنا بما تركاه من العلم النافع.

وكتب:

محمد آل رحاب

القاهرة العامرة

قرب الجامع الطولوني الذي كان يُملي فيه العلامة السيوطي الحديث ويعقد مجلس تحديثه، وبجوار جامع شيخون الذي تولى مشيخته، أعاد الله مجدهما وسالف عزِّهما.

الاثنين 29 - رجب - 1436 هـ.