الألفيات السيوطية

الألفيات السيوطية

الحمد لله وحده، والصلاة والسلام على من لا نبي بعده، وبعد:

فلا يخفى ما للنظم من تيسير لحفظ العلوم وضبطها، وكما قال العلامة السيوطي رحمه الله: النظم أيسر للحفظ وأسير للفظ.

وقال العلامة السفاريني:

وصار من عادة أهل العلمِ أن يعتنوا في سبر ذا بالنظمِ لأنه يسهل للحفظ كما يروق للسمع ويشفي من ظما

إلى غير ذلك من الشواهد والدلائل.

فلذا اعتنى به العلماء في كل عصر ومصر، فلا يخلو فن من الفنون ولا علم من العلوم الأصلية والفرعية النقلية والعقلية من منظومة تلخص مسائله وأصوله، وتيسير دلائله وفصوله، وترسي قواعده، وتجمع شوارده، وتقرب فوائده وفرائده، حتى نظموا في الفروسية والفراسة، بل قد وقفت على بعض المنظومات في السياسة!

وكان ممن برز في نظم العلوم وحاز قصب السبق في المنطوق منها والمفهوم علامة الدنيا ونادرة الزمان الإمام جلال الدين السيوطي عليه رحمات الله تترى، فقد لين له النظم وامتزجت العلوم بلحمه ودمه واستحضرها وكأنها بين عينيه وابتدأ نظم العلوم في سن مبكرة وفي ريعان شبابه ومقتبل عمره كأرجوزته في السلام التي نظمها وعمره17 عاماً![1].

ونظم رحمه عدة ألفيات في نفائس الفنون ومهمات العلوم - وأعني بالألفية تلك المنظومة التي قارب عدد أبياتها الألف سواء بالزيادة أو النقصان -.

فأحببت أن ألقي الضوء عليها في هذه المقالة على عجالة، فإني قد بسطت القول عنها وما يتعلق بها وبجهود العلماء حولها وبنسخها الخطية في ديوان العلامة السيوطي - يسر الله نشره -، والله المستعان وعليه التكلان، ولا حول ولا قوة إلا به.

(1)

ألفيته في أصول الفقه وأصول الدين والتصوف

الكوكب الساطع في نظم جمع الجوامع

قال رحمه الله في أولها:

للهِ حَمْدٌ لاَ يَزَالُ سَرْمَدَا يُؤْذِنُ بِازْديَادِ مَنٍّ أَبَدَا ثُمَّ عَلَى نَبِيِّهِ وَحِبِّهِ صَلاَتُهُ وَآلِهِ وَصَحْبِهِ وَهَذِهِ أُرْجُوزَةٌ مُحَرَّرَهْ أَبْيَاتُهَا مِثْلُ النُّجُومِ مُزْهِرَهْ ضَمَّنْتُهَا جَمْعَ الْجَوَامِعِ الَّذِي حَوَى أُصُولَ الْفِقْهِ وَالدِّينِ الشَّذِي إِذْ لَمْ أَجِدْ قَبْلِيَ مَنْ أَبْدَاهُ نَظْمًا وَلاَ بِعَقْدِهِ حَلاَّهُ وَلَمْ يَكُنْ مِنْ قَبْلِهِ قَدْ أُلِّفَا كَمِثْلِهِ وَلاَ الَّذِي بَعْدُ اقْتَفَى وَرُبَّمَا غَيَّرْتُ أَوْ أَزِيدُ مَا كَانَ مَنْقُوضًا وَمَا يُفِيدُ فَلْيَدْعُهَا قَارِئُهَا وَالسَّامِعُ بِكَوْكَبٍ وَلَوْ يُزَادُ السَّاطِعُ وَاللهَ في كُلِّ الأُمُورِ أَرْتَجِي وَمَا يَنُوبُ فَإِلَيْهِ ألْتَجِي يُحْصَرُ هَذَا النَّظْمُ في مُقَدِّمَهْ وَبَعْدَهَا سَبْعَةُ كُتْبٍ مُحْكَمَهْ

وقال في خاتمتها:

وَتَمَّ مَا نَظَمْتُهُ مُيَسَّرَا سَهْلاً بَدِيعًا مُوجَزًا مُحَرَّرَا في عَامِ سَبْعَةٍ وَسَبْعِينَ الَّتِي بَعْدَ ثَمَانِمِائَةٍ لِلْهِجْرَةِ أُرْجُوزَةٌ فَرِيدَةٌ في أَهْلِهَا إِذْ لَمْ يَكُنْ في فَنِّهَا كَمِثْلِهَا حَوَتْ مِنَ الأَصْلَيْنِ وَالتَّصَوُّفِ مَا لاَ مَزِيدَ عَنْهُ في الْجَمْعِ الْوَفِي خَلَتْ مِنَ التَّعْقِيدِ وَالتَّقْعِيرِ وَالْحَشْوِ وَالتَّطْوِيلِ وَالتَّكْرِيرِ في أَلْفِ بَيْتٍ عَدُّهَا يَقِينَا وَأَرْبَعِ الْمِئِينَ مَعْ خَمْسِينَا بِحَيْثُ أَنِّي جَازِمٌ بِأَنْ لاَ يُمْكِنُ الاِخْتِصَارُ مِنْهَا أَصْلاَ وَلَوْ يَرُومُ أَحَدٌ يُنْشِيهَا أَتَى بِهَا أَكْثَرَ مِنْ ضِعْفَيْهَا فَأَحْمَدُ اللهَ عَلَى مَا سَهَّلاَ حَمْدًا يُنِيلُ مِنْ مَزَايَاهُ الْعُلَى مُصَلِّيًا عَلَى نَبِيٍّ عَمَّتِ مَكَارِمُ الْخُلْقِ بِهِ وَتَمَّتِ

(2)

ألفيته في أصول الحديث (علوم الحديث)

واسمها عقد الدرر في علوم الأثر

قال في مقدمتها:

للهِ حَمْدِى وإلَيهِ أَسْتَنِدْ وما يَنوبُ فَعَلَيْهِ أَعْتَمِدْ ثمَّ على نَبِيِّهِ مُحَمَّدِ خَيْرُ صَلاةٍ وسَلامٍ سَرْمَدِ وهذهِ أَلْفيَّةٌ تَحكِى الدُّرَرْ منظومةٌ ضَمَّنْتُها عِلْمَ الأَثَرْ فائِقةٌ أَلْفيَّةَ العِرَاقِي فِي الجَمْعِ والإِيجازِ وَاْتِّسَاقِ واللهُ يُجْرِيْ سابِغَ الإِحْسانِ لِيْ وَلَهُ ولِذَوِيْ الإِيْمَان

وقال في خاتمتها:

يُوسُفُ وَالْخَطِيبُ ذُو الْمَزِيَّهْ هَذَا تَمَامُ نَظْمِيَ الأَلْفِيَّهْ نَظَمْتُهَا فِي خَمْسَةِ الأَيَّامِ بِقُدْرَةِ الْمُهَيْمِنِ الْعَلاَّمِ خَتَمْتُهَا يَوْمَ الْخَمِيسِ الْعَاشِرِ يَا صَاحِ مِنْ شَهْرِ رَبِيعِ الآخِرِ مِنْ عَامِ إِحْدَى وَثَمَانِينَ الَّتِي بَعْدَ ثَمَانِمِائَةٍ لِلْهِجْرَةِ نَظْمٌ بَدِيعُ الْوَصْفِ سَهْلٌ حُلْوُ لَيْسَ بِهِ تَعَقُّدٌ أَوْ حَشْوُ فَاعْنَ بِهَا بِالْحِفْظِ وَالتَّفْهِيمِ وَخُصَّهَا بِالْفَضْلِ وَالتَّقْدِيمِ وَأَحْمَدُ اللَّهَ عَلَى الإِكْمَالِ مُعْتَصِمًا بِهِ بِكُلِّ حَالِ مُصَلِّيًا عَلَى نَبِيٍّ قَدْ أَتَمّْ مَكَارِمَ الأَخْلاقِ وَالرُّسْلَ خَتَمْ

(3)

ألفيته في النحو

واسمها (الفريدة)

قال رحمه الله في أولها:

أقول بعد الحمد والسلامِ على النبي أفصح الأنامِ النحو خير ما به المرء عني إذ ليس علم عنه حقاً يغتني وهذه ألفية فيه حوت أصوله ونفع طلاب قوت فائقة ألفية ابن مالكِ لكونها واضحة المسالك وجمعِها من الأصول ما خَلتْ عنه، وضبطِ مرسلاتٍ أُهملتْ ترتيبُها لم يحو غيري صُنعَهْ مقدمات ثم كتْبٌ سبعهْ وأسألُ الله وفاءَ الملتزَمْ فيها معَ النفع وحُسنِ المختتمْ

وقال في آخرها:

ومثل هذا أحرف القصيدة هذا تمام نظمي الفريدة فريدة في كل عِقد دُرةْ في جبهة المختصرات غُرةْ كافية للطالبين وافية بمقصدٍ، للمعضلات شافيةْ أتت من (التسهيل) بالخلاصةْ فما لقارئ بها خصاصةْ ترفل من بهجتها في الحلل قد غنيت بحسنها عن الحُلِي ليس بها حشو ولا تعقيد ولا ضرورة ولا تصريد[2] تعجب كلَّ كوكب وقاد مِن فهمه تلقاه بالمرصادِ يصد عنها كل كزٍّ[3] قاسِ[4] كأنه في الكبر كالخناسِ أعيذها بالشفع ثم الوتر من حاسد ممتحن بالختْرِ نظمتها نظما بديع النهجةِ سهلا، ووافى الختم في ذي الحجةِ من عام خمس وثمانين التي بعد ثمان مائة للهجرةِ فأحمد الله على إتمامها شكرا لِمَا يسر مِن نظامها ثم على نبيه أُصلي والآل والأصحاب أهل الفضلِ

(4)

ألفيته في البلاغة

واسمها: عقود الجمان

قال في أولها:

قَالَ الْفَقِيرُ عَابِدُ الرَّحْمَنِ اَلْحَمْدُ لِلَّهِ عَلَى الْبَيَانِ وَأَفْضَلُ الصَّلاَةِ وَالسَّلاَمِ عَلَى النَّبِيِّ أَفْصَحِ الْأَنَامِ وَهَذِهِ أُرْجُوزَةٌ مِثْلُ الْجُمَانْ ضَمَّنْتُها عِلْمَ الْمَعَانِي وَالْبَيَانْ لَخَّصْتُ فِيهَا مَا حَوَى التَّلْخِيصُ مَعْ ضَمِّ زِيَادَاتٍ كَأَمْثَالِ اللُّمَعْ مَا بَيْنَ إِصْلاَحٍ لِمَا يُنْتَقَدُ وَذِكْرِ أَشْيَاءَ لَهَا يُعْتَمَدُ وفيه أبحاثٌ مهماتٌ تَجي عن شيخِنا العلامةِ الكافِيَجي[5] وَضَمِّ مَا فَرَّقَهُ لِلْمُشْبِهِ وَاللَّهَ رَبِّيْ أَسْأَلُ النَّفْعَ بِهِ وَأَنْ يُزَكِّيْ عَمَلِيْ وَيُعْرِضَا عَنْ سُوئِهِ وَأَنْ يُنِيلَنَا الرِّضَا

وقال في خاتمتها:

وينبغي التأنيق في ابتداء وفي تخلص وفي انتهاء بأعذب اللفظ وحسن النظم وصحة المعنى وطبق الفهم فليجتنب في اللفظ ما يطير به وما منه المقام ينفر وخيره مناسب للحال وسمه براعة استهلال واعن بتشبيب يجئ في الكلام قبل الشروع ما يمهد المرام وراع في تخلص للمقصد ملائما لما به قد ابتدى وربما إلى سواه ينتقل كما رأى المخضرمون والأول والحسن في فصله بأما بعد أو هذا كما في ذكر صاد قد تلوا وزاد في التبيان حسن المطلب بعد وسيلة أتى بالطلب وإن يجئ في الانتهاء مؤذن بختمه فهو البليغ الأحسن وسور القرآن في ابتدائها وفي خلوصها وفي انتهائها واردة أبلغ وجه وأجل وكيف لا وهو كلام الله جل ومن لها أمعن في التأمل بان له كل خفي وجلي وتم ذا النظم بتيسير الأحد سلخ جمادى الثاني في يوم الأحد من عام ثنتين وسبعين التي بعد ثمانمائة للهجرة في ألف بيت كالنجوم تزهر وكالرياض فاح منها الزهر أرجوزة فريدة في أهلها إذ لم يكن في فنها كمثلها بكر منيع سترها لمن دنا ومن أتاها خاضعا نال المنى زففتها لمن نهاه راجح ومهرها منه الدعاء الصالح علّي إذا صرت قرين الرمس تنفعني دعوته في بؤسي والحمد لله على الإنعام حمدا يفوق البدر في التمام مصلياً على نبيّ قد علت أوصافه بين الورى وكملت

(5)

ألفيته في الفقه

وهي الخلاصة

وقد أفردت عنها مقالا نشر في الألوكة، فلا داعي للتكرار.

(6)

ألفيته في القراءات

وهذه لم أقف على خبر لها إلى الآن ولا رأيت من نقل عنها ولا سمعت أن أحداً وقف عليها، أسال الله تيسير حصولها إن كانت موجودة.

وكل هذه الألفيات الست قد شرحها الإمام أو حشى عليها سوى ألفية القراءات-حسب علمي-، والله تعالى أعلم.

♦♦♦♦

هذا ومِن نظمي:

ستُّ أراجيز وكلُّ واحدةْ ألفية أو فوقَ ألفٍ زائدةْ سطَّرها العلامةُ الأسيوطي[6] أنعِمْ به من عالمٍ مَغبوطِ فريدةٌ في النحو ثم كَوكبُ لدى الأصول ساطعٌ ومُذْهَبُ ثُمَّتَ في الحديث عِقدُ الدُّررِ وفي القراءات كذا لم تظهرِ وبعدها العقودُ للجُمان في علمَيِ البيان والمعاني آخرها -يا صاحبي- الخلاصةْ في الفقه، فاحفظها بلا خصاصة وكلُّها بيَّنها مُعَلِّقا إلا القراءات على ما حُقِّقا يسِّرْ لنا اللهم يا ذا المنِّ الحفظَ والفهم وحققْ ظنِّي