حماية الماء من التلوث

حماية الماء من التلوث

يقول الله تعالى: ﴿ ظَهَرَ الْفَسَادُ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ بِمَا كَسَبَتْ أَيْدِي النَّاسِ لِيُذِيقَهُمْ بَعْضَ الَّذِي عَمِلُوا لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ ﴾ [الروم: 41].

بنظمِ القرآن الفريد يضعنا الحقُّ تبارك وتعالى أمام ما نسمِّيه اليوم "مشكلة تلوث البيئة" وجهًا لوجه.

إن علماء البيئة بعد دراستهم لا يمكن أن يَزيدوا على وصف القرآن لتلك القضيةِ شيئًا غير ذلك، بل يَعجِز علمُهم عن أن يعطوا التوصيف الدقيق في كلمات قليلة.

وانظر إلى إعجاز القرآن وهو يضعنا أمامها في نقاط محددة في الآية السابقة:

أولًا: ظهور الفساد بمعناه المادي.

ثانيًا: ظهوره في البرِّ والبحر.

ثالثًا: السبب في ذلك هو فعل الإنسان، وليس فعل غيره من المخلوقات.

رابعًا: التأثير السلبي على الناس ﴿ لِيُذِيقَهُمْ ﴾.

خامسًا: رحمة الله بالناس لأن يذيقهم بعضَ الذي عملوا، وليس كلَّ الذي عملوا.

سادسًا: التشريع الحكيم لعلاج التلوث المادي بالعودة إلى الله.

وهنا نناقش مشكلة السحب الجائر للماء الجوفي، وطرق تلوث تلك المياه، ووسائل الحدِّ من تلوثها.

السحب الجائر وتلوث الماء الجوفي:

مما لا شكَّ فيه أن محتوى الماء الجوفيِّ لن يتأثر طالما كان معدَّل سحب الماء الجوفي يُساوي أو يقل قليلًا عن معدل تغذية الخزان الجوفي.

فإذا كان السحب الجائر للماء الجوفيِّ يؤدي إلى انخفاض مستوى الماء الجوفي، فإنه في النهاية يؤدي إلى حدوث هبوط في سطح الأرض، يؤثِّر تأثيرًا سلبيًّا على المباني، والطرق، وأنابيب البترول، ولتلافي هذا الهبوطِ تُستخدم التغذية الصناعية.

وقد يؤدِّي السحب الجائر إلى تلوث الماء الجوفي؛ حيث يؤدي الميلُ الشديد للمستوى إلى سرعة سريان الماء، ويقل بالتالي زمنُ تنقية الماء، كما أن اتجاه السريان قد يتغير من جراء السحب الشديد للماء، وأخيرًا يؤدي السحب الشديد إلى تداخُلِ الماء المالح مع الماء العذب.

وتحدُث ظاهرة تحوُّل الماء العذب إلى ماء مالح، خاصة بالقرب من المناطق الساحلية، من امتزاج ماء البحر Salt Water Intrusion مع الماء الجوفي الغائر، وحينما يغور الماء فجأة فإنه لا يمرُّ على طبقات الصخر التي تقوم بدور المصفاة، ومن هنا يَتبيَّنُ وجهُ الإعجاز في الآية بين الربط بين غور الماء وعدم عذوبته.

ويتكوَّن مخروط السحب نتيجة ضخِّ الماء بمعدَّل أسرعَ من سريانه خلال الخزائن، وانخفاض مستوى الماء الجوفي عامة نتيجة الاستخدام الجائر للماء الجوفي.

♦ تلوث الماء الجوفي Ground water pollution:

الماء الجوفي بطبيعته ماءٌ صالح للاستعمال، وتعتمد كثيرٌ من البلدان والمدن عليه في الوفاء بالتزاماتها منه، ولكن قد يحدُث تلوُّثٌ لهذا الماء.

وتأتي مصادر التلوث من النواحي التالية:

1) التلوث بالآفات والمبيدات الزراعية والمذيبات والأسمدة خاصة النيترات Nitrates.

2) إذابة مياه الأمطار لبعض الملوثات قبل أن تخزن في الخزان الجوفي.

3) تركيز العناصر الثقيلة مثل الزئبق والرصاص والكروم والنحاس والكادميوم، بجانب السموم والكيماويات المستخدمة في المنازل والمنظفات الصناعية.

4) الأحماض الناتجة من المناجم.

5) حِفظ ودفن النفايات الذرية.

6) المخلَّفات المنزلية وحفر الدفن "أماكن جمع القمامة".

7) التسرب من محطات الصرف الصحي ومصانع الكيماويات ومحطات البترول.

8) الأنهار الملوثة في حالة تغذيتها للخزان الجوفي.

9) الملوثات الموجودة في الهواء عند ذوبانها بواسطة مياه الأمطار ثم وصولها إلى الخزان الجوفي.

حل مشاكل تلوث الماء الجوفي:

بما أن الوقاية خيرٌ من العلاج؛ لذا يلزم بدايةً منعُ تلوث الماء الجوفي عن طريق منع ملوثات الهواء، وملوثات التربة، وملوثات مياه الصرف الصحي، وملوثات أماكن دفن المخلفات وغيرها، من الوصول إلى المياه الجوفية.

ومن الممكن الحدُّ من مشكلة تلوث الماء الجوفي عن طريق:

1- انتقاء مواضعِ دفن المخلَّفات، حيث تُقام فوق طبقات غير منفذة؛ لعزل ملوثات الزبالة من الوصول إلى خزائن الماء الجوفي. وتختار المواقع، بحيث تكون عالية عن مستوى الماء الجوفي، أو في مناطق ضخٍّ وليست مناطق تغذية، مع تبطين قاعدة الموقع بالطين غير المنفذ، وعزلها عن الماء بواسطة غطاء غير منفذ.

2- التقليل من السحب الشديد الجائر باستخدام مولدات الرفع القوية حتى يمرَّ الماء ببطء؛ مما يعطي وقتًا كافيًا لتنقية الماء.

3- عدم تلويث الأنهار والبحيرات؛ للارتباط بين مستوى الماء الجوفي وبينها.

4- تنظيف وطلاء صهاريج محطات الصرف الصحي، واستخدام كشافات خاصة لمعرفة أماكن تسرُّب مياه الصرف الصحي.

5- الاهتمام بدور العمليات الطبيعية في تنقية مياه الصرف الصحي، حيث تتحلَّل ملوثات الماء، وتسحب المواد الصلبة التي تمكث في قيعان صهاريج محطات الصرف الصحي كلَّ خمس سنوات، وتمرر المياه في التربة الرملية عبر قنوات مفروشة بالحصى، حيث تتحلل الموادُّ العضوية إلى موادَّ غيرِ ضارة.

ومن المهم أن تمرَّ تلك المياهُ بسرعة بطيئة، وفي حالة مرورها في تربة رملية يمكن ترشيح الماء من مخلَّفات الإنسان خلال مروره بها لمسافة 100 - 150 مترًا.

أما في حالة مرور مياه الصرف الصحي خلال شقوق في الصخور الصلبة مثل الجرانيت، أو الفجوات المتصلة في الحجر الجيري، فستظل المياه مختلطة بالملوثات على امتداد مسافات طويلة من محطات معالجة مياه الصرف الصحي.

6- إنشاء محطات شبكات الصرف الصحي ومحطات المعالجة بالزيت.

شكل (29): تلوث الماء الجوفي بفعل الملوثات الكيميائية ومحطات الوقود

شكل(30): تلوث الماء الجوفي عن طريق أماكن دفن القمامة

شكل(31): تلوث الماء الجوفي عن طريق شبكات الصرف الصحي