• الصفحة الرئيسيةخريطة الموقعRSS
  • الصفحة الرئيسية
  • سجل الزوار
  • وثيقة الموقع
  • اتصل بنا
English Alukah شبكة الألوكة شبكة إسلامية وفكرية وثقافية شاملة تحت إشراف الدكتور سعد بن عبد الله الحميد
 
الدكتور سعد بن عبد الله الحميد  إشراف  الدكتور خالد بن عبد الرحمن الجريسي
  • الصفحة الرئيسية
  • موقع آفاق الشريعة
  • موقع ثقافة ومعرفة
  • موقع مجتمع وإصلاح
  • موقع حضارة الكلمة
  • موقع الاستشارات
  • موقع المسلمون في العالم
  • موقع المواقع الشخصية
  • موقع مكتبة الألوكة
  • موقع المكتبة الناطقة
  • موقع الإصدارات والمسابقات
  • موقع المترجمات
 كل الأقسام | مقالات شرعية   دراسات شرعية   نوازل وشبهات   منبر الجمعة   روافد   من ثمرات المواقع  
اضغط على زر آخر الإضافات لغلق أو فتح النافذة اضغط على زر آخر الإضافات لغلق أو فتح النافذة
  •  
    طريق لا يشقى سالكه (خطبة)
    عبدالله بن إبراهيم الحضريتي
  •  
    خطبة: مكانة العلم وفضله
    أبو عمران أنس بن يحيى الجزائري
  •  
    خطبة: العليم جلا وعلا
    الشيخ الدكتور صالح بن مقبل العصيمي ...
  •  
    في تحريم تعظيم المذبوح له من دون الله تعالى وأنه ...
    فواز بن علي بن عباس السليماني
  •  
    كل من يدخل الجنة تتغير صورته وهيئته إلى أحسن صورة ...
    فهد عبدالله محمد السعيدي
  •  
    محاضرة عن الإحسان
    د. عطية بن عبدالله الباحوث
  •  
    ملامح تربوية مستنبطة من قول الله تعالى: ﴿يوم تأتي ...
    د. عبدالرحمن بن سعيد الحازمي
  •  
    نصوص أخرى حُرِّف معناها
    عبدالعظيم المطعني
  •  
    فضل العلم ومنزلة العلماء (خطبة)
    خميس النقيب
  •  
    البرهان على تعلم عيسى عليه السلام القرآن والسنة ...
    د. محمد بن علي بن جميل المطري
  •  
    الدرس السادس عشر: الخشوع في الصلاة (3)
    عفان بن الشيخ صديق السرگتي
  •  
    القرض الحسن كصدقة بمثل القرض كل يوم
    د. خالد بن محمود بن عبدالعزيز الجهني
  •  
    الليلة التاسعة والعشرون: النعيم الدائم (2)
    عبدالعزيز بن عبدالله الضبيعي
  •  
    حكم مشاركة المسلم في جيش الاحتلال
    أ. د. حلمي عبدالحكيم الفقي
  •  
    غض البصر (خطبة)
    د. غازي بن طامي بن حماد الحكمي
  •  
    كيف تقي نفسك وأهلك السوء؟ (خطبة)
    الشيخ محمد عبدالتواب سويدان
شبكة الألوكة / آفاق الشريعة / منبر الجمعة / الخطب / تفسير القرآن
علامة باركود

إنه القرآن (خطبة)

إنه القرآن (خطبة)
الشيخ محمد عبدالتواب سويدان

مقالات متعلقة

تاريخ الإضافة: 15/8/2023 ميلادي - 28/1/1445 هجري

الزيارات: 13035

 حفظ بصيغة PDFنسخة ملائمة للطباعة أرسل إلى صديق تعليقات الزوارأضف تعليقكمتابعة التعليقات
النص الكامل  تكبير الخط الحجم الأصلي تصغير الخط
شارك وانشر

إنَّه القرآن


نص الخطبة:

الحمد لله الذي أنزل القرآن قيِّمًا ولم يجعل له عوجًا، يبشر المؤمنين، وينذر الكافرين، ويهدي العباد به إلى صراط مستقيم، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن سيدنا محمدًا عبده ورسوله، اللهم صلِّ وسلم وبارك عليه وعلى آله وأصحابه وأتباعه أجمعين، وبعد:

فالهَدايةُ هي الطريقُ الموصِّلةُ للغَايةِ، بأيسَرِ وأقلِّ كُلفَةٍ، وهداية الخلق لما كانت طريقَ تحقيقِ الغاية التي خُلِق لأجلها الجنُّ والإنس؛ فإن الله تعالى قد جعل تلك الطريق غايةً من غايات نزول القرآن الكريم، وجعلها من أعظم وجوه إعجازه كونه كتاب هداية للناس: عربهم وعجمهم، عالمهم وجاهلهم، وما من شيء في الدنيا والآخرة إلا وقد بَيَّنَ القرآن سبل الرشاد والهداية فيه، وهِدَايةُ القُرآنِ هِدَايةٌ شَامِلَةٌ، تَضَمَّنَتْ كُلَّ مَا يَحتَاجُ إليه الإنسَانُ مِن هِدَاياتِ الدُّنيا والآخِرة، وهِدايَةُ القُرآنِ هِدَايةٌ مُتميزة، وهِدَايةُ القرآنِ هِدَايةٌ عَامَّة، لم تُحدَّد بمجالٍ مُعينٍ، ولا بزمَانٍ مُعينٍ، ولا بمقدَارٍ مُعينٍ، ولا بفئةٍ مُعينةٍ، وهِدَايةُ القرآنِ هِدايةٌ مَضْمُونةٌ، فهو يَهْدِي للحَقِّ، ويَهدِي للرُّشْدِ، ويَهدِي إلى صِراطٍ مُسْتَقِيم، وكثَيرةٌ هي الآياتُ التي تَصِفُ القرآنَ بأنَّهُ هُدًى؛ قال الله تعالى: ﴿ الم * ذَلِكَ الْكِتَابُ لَا رَيْبَ فِيهِ هُدًى لِلْمُتَّقِينَ ﴾ [البقرة: 1، 2]، وقال تعالى: ﴿ شَهْرُ رَمَضَانَ الَّذِي أُنْزِلَ فِيهِ الْقُرْآنُ هُدًى لِلنَّاسِ وَبَيِّنَاتٍ مِنَ الْهُدَى وَالْفُرْقَانِ ﴾ [البقرة: 185]، وقال تعالى: ﴿ قَدْ جَاءَكُمْ مِنَ اللَّهِ نُورٌ وَكِتَابٌ مُبِينٌ * يَهْدِي بِهِ اللَّهُ مَنِ اتَّبَعَ رِضْوَانَهُ سُبُلَ السَّلَامِ وَيُخْرِجُهُمْ مِنَ الظُّلُمَاتِ إِلَى النُّورِ بِإِذْنِهِ وَيَهْدِيهِمْ إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ ﴾ [المائدة: 15، 16]، وقال سبحانه: ﴿ يَاأَيُّهَا النَّاسُ قَدْ جَاءَتْكُمْ مَوْعِظَةٌ مِنْ رَبِّكُمْ وَشِفَاءٌ لِمَا فِي الصُّدُورِ وَهُدًى وَرَحْمَةٌ لِلْمُؤْمِنِينَ ﴾ [يونس: 57]، وقال سبحانه وتعالى: ﴿ إِنَّ هَذَا الْقُرْآنَ يَهْدِي لِلَّتِي هِيَ أَقْوَمُ وَيُبَشِّرُ الْمُؤْمِنِينَ الَّذِينَ يَعْمَلُونَ الصَّالِحَاتِ أَنَّ لَهُمْ أَجْرًا كَبِيرًا ﴾ [الإسراء: 9].

 

أيها المسلمون؛ هِدَايةُ القرآنِ هِدَايةٌ عَجِيبَةٌ، فكُلَّمَا ازدَادَ المؤمِنُ إيمانًا، ازدَادَ بهِ اهتِدَاءً: ﴿ قُلْ هُوَ لِلَّذِينَ آمَنُوا هُدًى وَشِفَاءٌ وَالَّذِينَ لَا يُؤْمِنُونَ فِي آذَانِهِمْ وَقْرٌ وَهُوَ عَلَيْهِمْ عَمًى ﴾ [فصلت: 44].

 

والاهِتِدَاءُ بالقرآنِ استِهْدَاءٌ بكُلِّ ما فيهِ مِنْ أوامِرَ وزَواجِرَ، وتَرغِيبٍ وتَرهِيبٍ، وتَوجِيهاتٍ وعِظاتٍ، فمن استَهدَى بالقرآنِ استَنارَ قَلبُهُ، واستَقامَتْ حَياتُهُ، وصَلُحتْ دُنيَاهُ وآخِرَتُهُ ﴿ وَنَزَّلْنَا عَلَيْكَ الْكِتَابَ تِبْيَانًا لِكُلِّ شَيْءٍ وَهُدًى وَرَحْمَةً وَبُشْرَى لِلْمُسْلِمِينَ ﴾ [النحل: 89].

 

فتلقَّى رسول الله صلى الله عليه وسلم هذا الكتاب الكريم عن ربِّه تعالى ولم يكن يَدْرِه من قبل، فبلَّغه للناس، وهداهم به إلى الصراط المستقيم، ﴿ وَكَذَلِكَ أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ رُوحًا مِنْ أَمْرِنَا مَا كُنْتَ تَدْرِي مَا الْكِتَابُ وَلَا الْإِيمَانُ وَلَكِنْ جَعَلْنَاهُ نُورًا نَهْدِي بِهِ مَنْ نَشَاءُ مِنْ عِبَادِنَا وَإِنَّكَ لَتَهْدِي إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ ﴾ [الشورى: 52].

 

فمضى رسول الله صلى الله عليه وسلم يتلوه على الناس، فكان لسماعه بين الناس أثرٌ عظيمٌ.

 

ولأجل القرآن وعظمته، وعِزَّته وقوَّته، وتأثيره وهدايته، ضاق به الكُفَّار ذَرْعًا، وجهدوا أنفسهم عنه صدًّا ومنعًا، فأقدم عليه قوم منهم بالإحراق، ونفخوا في بغضه الأبواق، ولكن هيهات هيهات!

 

إنه القُرآنُ الذِي أَدْهَشَ العُقُولَ، وأَبْكَى العُيُونَ، وخضعت له المشاعر، وانقادَتْ لسماعه الأسماع، وطَأْطأتْ لَه رُؤوسُ الكُفْرِ.

 

ذكر ابن كثير في تاريخه: أن أَبا جَهْلٍ وَأَبا سُفْيَانَ وَالْأَخْنَس خرجوا ليلةً خلسةً لِيَسْمَعُوا مِنْ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم القرآنَ وَهُوَ يُصَلِّي فِي بَيْتِهِ، فَأَخَذَ كُلُّ رَجُلٍ مِنْهُمْ مَجْلِسًا لِيَسْتَمِعَ مِنْهُ، وَكُلٌّ لَا يَعْلَمُ بِمَكَانِ صَاحِبِهِ، فَبَاتُوا يَسْتَمِعُونَ للقرآن، وقد أخذت بألبابهم فصاحة القول وبلاغته ومعانيه العظام، التي ما عرفوها في شعر العرب، حَتَّى إِذَا أَصْبَحُوا وَطَلَعَ الْفَجْرُ تَفَرَّقُوا، فَجَمَعَهُمُ الطَّرِيقُ، فرأى بعضهم بعضًا، فَتَلَاوَمُوا، وَقَالَوا لِبَعْضٍ: لَا تَعُودُوا، فَلَوْ رَآكُمْ بَعْضُ سُفَهَائِكُمْ لَأَوْقَعْتُمْ فِي نَفْسِهِ شَيْئًا، ثُمَّ انْصَرَفُوا، حَتَّى إِذَا كَانَتِ اللَّيْلَةُ الثَّانِيَةُ فَعَلُوا مِثْلَ ذَلكَ، ثُمَّ انْصَرَفُوا، فَلَمَّا كَانَتِ اللَّيْلَةُ الثَّالِثَةُ فَعَلُوا مِثلَ ذَلكَ، فَلما جَمَعَهُمُ الطَّرِيقُ، فَقَالُوا: لَا نَبْرَحُ حَتَّى نَتَعَاهَدَ أَلَّا نَعُودَ فَتَعَاهَدُوا عَلَى ذَلِكَ، ثُمَّ تَفَرَّقُوا.

 

عباد الله؛ "خَرَجَ أَبُو بَكْرٍ مُهَاجِرًا قِبَلَ الحَبَشَةِ، حَتَّى إِذَا بَلَغَ بَرْكَ الغِمَادِ لَقِيَهُ ابْنُ الدَّغِنَةِ، وَهُوَ سَيِّدُ القَارَةِ، فردَّه، وقال له: َأَنَا لَكَ جَارٌ، فَارْجِعْ فَاعْبُدْ رَبَّكَ بِبِلادِكَ، فَارْتَحَلَ ابْنُ الدَّغِنَةِ، فَرَجَعَ مَعَ أَبِي بَكْرٍ، فَطَافَ فِي أَشْرَافِ كُفَّارِ قُرَيْشٍ، فَقَالَ لَهُمْ: إِنَّ أَبَا بَكْرٍ لا يَخْرُجُ مِثْلُهُ وَلا يُخْرَجُ، أَتُخْرِجُونَ رَجُلًا يُكْسِبُ المَعْدُومَ، وَيَصِلُ الرَّحِمَ، وَيَحْمِلُ الكَلَّ، وَيَقْرِي الضَّيْفَ، وَيُعِينُ عَلَى نَوَائِبِ الحَقِّ، فَأَنْفَذَتْ قُرَيْشٌ جِوَارَ ابْنِ الدَّغِنَةِ، وَآمَنُوا أَبَا بَكْرٍ، وَقَالُوا لِابْنِ الدَّغِنَةِ: مُرْ أَبَا بَكْرٍ، فَلْيَعْبُدْ رَبَّهُ فِي دَارِهِ، فَلْيُصَلِّ وَلْيَقْرَأْ مَا شَاءَ، وَلا يُؤْذِينَا بِذَلِكَ، وَلا يَسْتَعْلِنْ بِهِ، فَإِنَّا قَدْ خَشِينَا أَنْ يَفْتِنَ أَبْنَاءَنَا وَنِسَاءَنَا، قَالَ ذَلِكَ ابْنُ الدَّغِنَةِ لِأَبِي بَكْرٍ، فَطَفِقَ أَبُو بَكْرٍ يَعْبُدُ رَبَّهُ فِي دَارِهِ، وَلا يَسْتَعْلِنُ بِالصَّلاةِ، وَلا القِرَاءَةِ فِي غَيْرِ دَارِهِ، ثُمَّ بَدَا لِأَبِي بَكْرٍ، فَابْتَنَى مَسْجِدًا بِفِنَاءِ دَارِهِ وَبَرَزَ، فَكَانَ يُصَلِّي فِيهِ، وَيَقْرَأُ القُرْآنَ، فَيَتَقَصَّفُ عَلَيْهِ نِسَاءُ المُشْرِكِينَ وَأَبْنَاؤُهُمْ، يَعْجَبُونَ وَيَنْظُرُونَ إِلَيْهِ، وَكَانَ أَبُو بَكْرٍ رَجُلًا بَكَّاءً، لا يَمْلِكُ دَمْعَهُ حِينَ يَقْرَأُ القُرْآنَ، فَأَفْزَعَ ذَلِكَ أَشْرَافَ قُرَيْشٍ مِنَ المُشْرِكِينَ"؛ (رواه البخاري).

 

إنه القرآن خافَه الكُفَّار فعنه صدُّوا، وفي حربهم إيَّاه شدُّوا، وقد فرشوا بساط العداء له ومَدُّوا، وما لسماع الناس عنه فحسب ردُّوا، بل دعوا للغو فيه وجهدوا، قال تعالى: ﴿ وَقَالَ الَّذِينَ كَفَرُوا لَا تَسْمَعُوا لِهَذَا الْقُرْآنِ وَالْغَوْا فِيهِ لَعَلَّكُمْ تَغْلِبُونَ ﴾ [فصلت: 26]، ولكن أنَّى لكفٍّ أن تحجب ضوء الشمس؟! فرغم حربهم الإعلامية وتشديداتهم الداخلية المحذرة من سماع القرآن لقاطني مكة ووافديها إلا أنهم لم يفلحوا مع كل الناس، فالطفيل بن عمرو الدوسي حينما قدم مكة وعرفت قريش مكانته حذَّرته تحذيرًا شديدًا من سماع رسول الله، حتى بلغ به الأمر إلى أن حشا القطن في أذنيه؛ لكي لا يسمع النبيَّ صلى الله عليه وسلم ولكن رحمة الله بالهداية متى ما أُريد لها النفاذ إلى القلوب فلن يمنعها شيء، قال الطفيل: فأبى الله إلا أن يسمعني بعض قوله، فسمعت كلامًا حسنًا، فقلت في نفسي: واثكل أمي! والله إني لرجل لبيب شاعر ما يخفى عليَّ الحسن من القبيح، فما يمنعني أن أسمع من هذا الرجل ما يقول، فإن كان الذي يأتي به حسنًا قبلته، وإن كان قبيحًا تركته... فعرض عليَّ رسول الله صلى الله عليه وسلم الإسلام وتلا عليَّ القرآن، فلا والله ما سمعت قولًا قطُّ أحسن منه، ولا أمرًا أعدل منه، فأسلمت وشهدت شهادة الحق.

 

وهذا ابن الخطاب رضي الله عنه كان في الجاهلية خصمًا عنيدًا، وعدوًّا للإسلام لدودًا حتى قيل: لو سلم حمار الخطاب لما أسلم عمر، فما الذي غيَّره؟ ومن الذي حوله من النقيض إلى النقيض؟ إنه القرآن الذي سمع منه عمرُ قولَ الحق: ﴿ طه * مَا أَنْزَلْنَا عَلَيْكَ الْقُرْآنَ لِتَشْقَى * إِلَّا تَذْكِرَةً لِمَنْ يَخْشَى * تَنْزِيلًا مِمَّنْ خَلَقَ الْأَرْضَ وَالسَّمَاوَاتِ الْعُلَى ﴾ [طه: 1 - 4]، فاندهش عمر لهذه القوارع والتنزيه والتعظيم، فتأثَّر عمر ورقَّ قلبُه، ولان صَدْرُه حتى عُرِف تأثير القرآن في وجهه، ثم أعلن بعدها إسلامه.

 

ويقدم جبير بن مطعم على رسول الله صلى الله عليه وسلم في فداء الأسرى بعد بَدْر، فإذا برسول الله يقرأ سورة الطور يُرتِّلها، وما عرفت الدنيا أجمل ترتيلًا من رسول الله صلى الله عليه وسلم، فَلَمَّا بَلَغَ هَذِهِ الآيَةَ: ﴿ أَمْ خُلِقُوا مِنْ غَيْرِ شَيْءٍ أَمْ هُمُ الْخَالِقُونَ * أَمْ خَلَقُوا السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ بَلْ لَا يُوقِنُونَ * أَمْ عِنْدَهُمْ خَزَائِنُ رَبِّكَ أَمْ هُمُ الْمُصَيْطِرُونَ ﴾ [الطور: 35 - 37]، قَالَ جبير بن المطعم: "كَادَ قَلْبِي أَنْ يَطِيرَ"؛ رواه البخاري، قال ابن كثير: فكان هذا سبب هدايته؛ إذ أسلم فيما بعد.

 

وهذه شهادة الْوَلِيد بْن الْمُغِيرَةِ لما جَاءَ إلى النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم فَقَرَأَ عَلَيْهِ الْقُرْآنَ، فرجع إلى قومه يعلنها صريحة: وَاللَّهِ، إِنَّ لِقَوْلِهِ الَّذِي يَقُولُ حَلَاوَةً، وَإِنَّ عَلَيْهِ لَطَلَاوَةً، وَإِنَّهُ لَمُثْمِرٌ أَعْلَاهُ، مُغْدِقٌ أَسْفَلُهُ، وَإِنَّهُ لَيَعْلُو وَمَا يُعْلَى، وَإِنَّهُ لَيَحْطِمُ مَا تَحْتَهُ؛ صحَّحَه الحاكم ووافقه الذهبي.

 

أيها المسلمون؛ ولم يكن تأثير وهداية هذا القرآن خاصًّا بالعرب وحدهم، بل لقد امتدَّ هذا الأثر إلى العَجَم الذين قد لا يفهمونه، فإنَّ النَّجَاشِيَّ الحبشي الأَعجَمِيَّ الذي لا يَنطِقُ العَربيةَ لَمَّا سَمِعَ القرآنَ بَكَى وأَبكَى؛ قال تعالى: ﴿ وَإِذَا سَمِعُوا مَا أُنْزِلَ إِلَى الرَّسُولِ تَرَى أَعْيُنَهُمْ تَفِيضُ مِنَ الدَّمْعِ مِمَّا عَرَفُوا مِنَ الْحَقِّ يَقُولُونَ رَبَّنَا آمَنَّا فَاكْتُبْنَا مَعَ الشَّاهِدِينَ ﴾ [المائدة: 83]، فقد نزلت هذه الآية في النجاشي.

 

والقُرآنُ لَم يَكُنْ لِيؤثِّرَ أو لِيَخْضَعَ لِعظَمَتِهِ الإِنسُ فحَسبُ، بلْ هَؤلاءِ الجِنُّ سَمِعُوه فاهْتَدَوا وأَسلَمُوا وأَذْعَنُوا، ورَجَعُوا إلى قَوْمِهِمْ، فقَالُوا: ﴿ إِنَّا سَمِعْنَا قُرْآنًا عَجَبًا * يَهْدِي إِلَى الرُّشْدِ فَآمَنَّا بِهِ وَلَنْ نُشْرِكَ بِرَبِّنَا أَحَدًا ﴾ [الجن: 1، 2]، فَأَنْزَلَ اللَّهُ عَلَى نَبِيِّهِ صلى الله عليه وسلم ﴿ قُلْ أُوحِيَ إِلَيَّ أَنَّهُ اسْتَمَعَ نَفَرٌ مِنَ الْجِنِّ ﴾ [الجن: 1].

 

وإن المُتتبِّع لطرق تأثير القرآن الكريم ووسائله المُوصِّلة إلى الاهتداء به يجدها متعددة؛ لأن الناس مختلفون في وسائل تأثرهم، فلا تدخل الهداية بالقرآن إلى قلوبهم من سبيل واحدة؛ بل من سُبُل مختلفة، وكما اهتدى به السابقون فلا يزال يهتدي به اللاحقون، فهذا عصرنا عصر العلم والتقدُّم التقني والعلمي المتنوِّع يكشف للعالم أن القرآن ما زال تأثيرُه باقيًا؛ بل يزداد يومًا بعد يوم، ويدل على ذلك مواكب العلماء والعباقرة والباحثين وعامة الناس الذين يقبلون على الإسلام مهتدين، منبهرين بهذا الكتاب المعجز الذي اشتمل على ألوان متعددة من أساليب الهداية والتأثير في الخلق على اختلاف لغاتهم وتخصُّصاتهم.

 

ومن الجدير بالذكر أن هذا التأثير الهادي الذي يولده القرآن في بعض القرَّاء أو المستمعين له حتى يسوقهم إلى الصراط المستقيم؛ لا يعني أن غيرهم ممن يحسبون من أهل الاستقامة أنهم في غِنًى عن هداية القرآن، ليس الأمر كذلك، بل كل إنسان محتاج إلى هداية القرآن وحُسْن أثره في نفسه، إمَّا تعديلًا للمسار، وإمَّا زيادة إشراق ووضوح عليه، ولكن الأمر يحتاج إلى بعض الآلات للوصول إليه، أشار إلى بعض ذلك ابن القيم فقال: "إذا أردت الانتفاع بالقرآن فاجمع قلبك عند تلاوته وسماعه، وألْقِ سمعك واحضر حضور من يخاطبه به من تكلَّم به سبحانه منه إليه، فإنه خاطب منه لك على لسان رسوله، قال تعالى: ﴿ إِنَّ فِي ذَلِكَ لَذِكْرَى لِمَنْ كَانَ لَهُ قَلْبٌ أَوْ أَلْقَى السَّمْعَ وَهُوَ شَهِيدٌ ﴾ [ق: 37]، وذلك أن تمام التأثير لما كان موقوفًا على مؤثِّرٍ مقتضٍ، ومحل قابل، وشرط لحصول الأثر، وانتفاء المانع الذي يمنع منه تضمنت الآية بيان ذلك كله بأوجز لفظ وأبينه وأدله على المراد".

 

أقول ما تسمعون، وأستغفر الله لي ولكم.

الخطبة الثانية

الحمد لله، والصلاة والسلام على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين، أما بعد:

فكم هو جميل أن نتحدَّث عن القرآن في كل وقت، ولرفعة هذا القرآن ما نزل به إلا أفضل الملائكة، على قلب خير الرسل، نزل به جبريل فأصبح جبريل أفضل الملائكة، ونزل على محمد صلى الله عليه وسلم فصار محمد سيد الخلق، وجاء القرآن إلى أُمَّة محمد فأصبحت أمة محمد خير أمة، ونزل القرآن في شهر رمضان فأصبح رمضان خير الشهور، ونزل القرآن في ليلة القدر فأصبحت ليلة القدر سيدة الليالي.

 

إنه القرآن، ربيع المؤمنين، وحداء القانتين، ما طابت الحياة إلا معه، ولا نجاة إلا بالاستمساك به ﴿ فَمَنِ اتَّبَعَ هُدَايَ فَلَا يَضِلُّ وَلَا يَشْقَى ﴾ [طه: 123].

 

إنه القرآن، مَنْ رام السعادة في الدارين فيلزم ما بين دفتيه ليجعله سميره وأنيسه، ويتخذه رفيقه وجليسه، جاوزت فضائله كل فضل، وحاز أهله أعلى نُزُلٍ، فخير الناس في دنيا الناس هم أهل القرآن، قال صلى الله عليه وسلم: "خَيْرُكُمْ مَنْ تَعَلَّمَ القُرآنَ وَعَلَّمَهُ"؛ رواه البخاري.

 

وعن عثمان بن عفان رضي الله عنه قال: قال النبيُّ صلَّى الله عليه وسلَّم: "إنَّ أَفْضَلَكُمْ مَنْ تَعَلَّمَ القُرآنَ وَعَلَّمَهُ"؛ رواه البخاري.

 

تلاوته كلها خير، ولا تأتِ إلَّا بخير، قال صلى الله عليه وسلم: "الماهرُ بالقرآن مع السَّفَرة الكِرام البَرَرة، والذي يقرأ القرآن ويتتعتع فيه وهو عليه شاقٌّ فله أجران"؛ رواه مسلم.

 

حاز الأجر العظيم من قرأ حروفه وكلماته فكيف بسوره وأجزائه! و﴿ الم ﴾ في ديوان الحسنات بثلاثين، فيا حسرتاه على المُفرِّطين!

 

هذا الكتاب العزيز الكريم يأتي يوم القيامة شفيعًا لأصحابه، قال صلى الله عليه وسلم: "اقْرَؤُوا القُرآنَ، فإنَّه يأتي شافِعًا لأصحابِه، اقْرَؤُوا الزَّهْراوَينِ: البَقَرةَ، وآلَ عِمرانَ؛ فإنَّهما يأتيانِ يَومَ القيامةِ كأنَّهما غَمامَتانِ أو غَيايَتانِ أو فِرقانِ من طَيرٍ صَوافَّ تُحاجَّانِ عن صاحِبِهما، اقْرَؤُوا البَقَرةَ؛ فإنَّ أخذَها بَرَكةٌ، وتَرْكَها حَسرَةٌ، ولا تَستطيعُها البَطَلَةُ"؛ رواه مسلم.

 

إنه القرآن، شرف في الدنيا والآخرة، ورفعةٌ وكرامةٌ أعَدَّها الله لأهل القرآن ﴿ لَقَدْ أَنْزَلْنَا إِلَيْكُمْ كِتَابًا فِيهِ ذِكْرُكُمْ أَفَلَا تَعْقِلُونَ ﴾ [الأنبياء: 10].

 

وفي الحديث أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "إن اللهَ يَرفعُ بهذا الكِتابِ أقْوامًا ويَضَعُ به آخَرِينَ"؛ رواه مسلم.

 

وأهل القرآن هم أكثرُ الناس اغتباطًا يوم القيامة، قال صلى الله عليه وسلم: "يُقال لقارئ القرآن: اقرأ وارق ورتِّل كما كنت تُرتِّل في الدنيا؟ فإن منزلتك عند آخر آية تقرؤها"؛ رواه أبو داود.

 

أيها المسلمون، لقد عرَف عظمة كلام ربِّ العالمين سَلَفُ هذه الأمة، فعجَّت به ألسنتُهم، ورقَّت لهم قلوبُهم، واقشعرَّت من وعده ووعيده جلودُهم؛ نعم، لقد قرأوا حروفه، وأقاموا حدوده، وتدبَّروا معانيه، وتفكَّروا في عجائبه، وعملوا بمحكمه، وآمنو بمتشابهه، فأصبحوا خيرَ أمةٍ أُخرِجت للناس، كان الواحد منهم يسير في أرض الله وهو يحمل أخلاق القرآن، وآداب القرآن، ومبادئ القرآن، فانتشر الإسلام ودخل الناس في دين الله أفواجًا ببركة هذا القرآن الذي هذَّب أهلَه وزكَّى نفوسَهم، وقوَّم سلوكَهم، فجعلهم أسوةً ومثلًا باقيًا.

كتاب الله يهديني
بحب الله يرويني
بآياتٍ لها مددٌ
ونور الذكر يحميني
بأحرفه هداياتٌ
تعلمني وتكفيني
وأحفظه ليسعدني
وحكمته تُناديني
ومن نيران ينقذني
ومن سَقَرٍ ينجيني
وقول الله معتصمي
ومن سقمٍ يداويني
ويرفعني ببركته
وأرجو أن يُزكِّيني
ونور الله أنزله
على حقٍّ وتمكين
ويعرف فضله حجرٌ
بوجهٍ كاد يفنيني
وأهل الكفر موعدهم
بيوم الحشر والدين
فلا تعجل وأمهلهم
وأنظرهم إلى حين

 

اللهم انصُر الإسلام والمسلمين، واجعلنا من أهل القرآن العاملين، واجعل القرآن ربيع قلوبنا ونور أبصارنا وجلاء أحزاننا، آمين، وأقم الصلاة.





 حفظ بصيغة PDFنسخة ملائمة للطباعة أرسل إلى صديق تعليقات الزوارأضف تعليقكمتابعة التعليقات
شارك وانشر

مقالات ذات صلة

  • وكان هذا القرآن (خطبة)
  • تدبر القرآن (خطبة)
  • آداب تلاوة القرآن (خطبة)
  • حالنا مع القرآن (خطبة)

مختارات من الشبكة

  • كلمات وصفت القرآن(مقالة - آفاق الشريعة)
  • واجبنا نحو القرآن الكريم (خطبة)(مقالة - آفاق الشريعة)
  • إنه لقرآن كريم(مقالة - آفاق الشريعة)
  • في القرآن منهج السعادة (ما أنزلنا عليك القرآن لتشقى) خطبة عيد الفطر 1443(محاضرة - موقع الشيخ د. خالد بن عبدالرحمن الشايع)
  • شهر القرآن يا أهل القرآن (خطبة)(مقالة - ملفات خاصة)
  • التربية في القرآن الكريم: ملامح تربوية لبعض آيات القرآن الكريم - الجزء الثاني (PDF)(كتاب - مكتبة الألوكة)
  • محاضرات في الدفاع عن القرآن: المحاضرة الرابعة: رد دعوى الطاعنين بالقول بنقص القرآن(مادة مرئية - موقع الشيخ أ. د. عرفة بن طنطاوي)
  • محاضرات في الدفاع عن القرآن: المحاضرة الثالثة: أصول وقواعد في الدفاع القرآن(مادة مرئية - موقع الشيخ أ. د. عرفة بن طنطاوي)
  • محاضرات في الدفاع عن القرآن: المحاضرة الأولى: تعريف القرآن عند أهل السنة والجماعة(مادة مرئية - موقع الشيخ أ. د. عرفة بن طنطاوي)
  • رحلتي مع القران (76) وعاء القرآن(مقالة - مكتبة الألوكة)

 



أضف تعليقك:
الاسم  
البريد الإلكتروني (لن يتم عرضه للزوار)
الدولة
عنوان التعليق
نص التعليق

رجاء، اكتب كلمة : تعليق في المربع التالي

مرحباً بالضيف
الألوكة تقترب منك أكثر!
سجل الآن في شبكة الألوكة للتمتع بخدمات مميزة.
*

*

نسيت كلمة المرور؟
 
تعرّف أكثر على مزايا العضوية وتذكر أن جميع خدماتنا المميزة مجانية! سجل الآن.
شارك معنا
في نشر مشاركتك
في نشر الألوكة
سجل بريدك
  • بنر
  • بنر
كُتَّاب الألوكة
  • الدورة الخامسة من برنامج "القيادة الشبابية" لتأهيل مستقبل الغد في البوسنة
  • "نور العلم" تجمع شباب تتارستان في مسابقة للمعرفة الإسلامية
  • أكثر من 60 مسجدا يشاركون في حملة خيرية وإنسانية في مقاطعة يوركشاير
  • مؤتمرا طبيا إسلاميا بارزا يرسخ رسالة الإيمان والعطاء في أستراليا
  • تكريم أوائل المسابقة الثانية عشرة للتربية الإسلامية في البوسنة والهرسك
  • ماليزيا تطلق المسابقة الوطنية للقرآن بمشاركة 109 متسابقين في كانجار
  • تكريم 500 مسلم أكملوا دراسة علوم القرآن عن بعد في قازان
  • مدينة موستار تحتفي بإعادة افتتاح رمز إسلامي عريق بمنطقة برانكوفاتش

  • بنر
  • بنر

تابعونا على
 
حقوق النشر محفوظة © 1446هـ / 2025م لموقع الألوكة
آخر تحديث للشبكة بتاريخ : 11/11/1446هـ - الساعة: 16:33
أضف محرك بحث الألوكة إلى متصفح الويب