• الصفحة الرئيسيةخريطة الموقعRSS
  • الصفحة الرئيسية
  • سجل الزوار
  • وثيقة الموقع
  • اتصل بنا
English Alukah شبكة الألوكة شبكة إسلامية وفكرية وثقافية شاملة تحت إشراف الدكتور سعد بن عبد الله الحميد
 
الدكتور سعد بن عبد الله الحميد  إشراف  الدكتور خالد بن عبد الرحمن الجريسي
  • الصفحة الرئيسية
  • موقع آفاق الشريعة
  • موقع ثقافة ومعرفة
  • موقع مجتمع وإصلاح
  • موقع حضارة الكلمة
  • موقع الاستشارات
  • موقع المسلمون في العالم
  • موقع المواقع الشخصية
  • موقع مكتبة الألوكة
  • موقع المكتبة الناطقة
  • موقع الإصدارات والمسابقات
  • موقع المترجمات
 كل الأقسام | مقالات شرعية   دراسات شرعية   نوازل وشبهات   منبر الجمعة   روافد   من ثمرات المواقع  
اضغط على زر آخر الإضافات لغلق أو فتح النافذة اضغط على زر آخر الإضافات لغلق أو فتح النافذة
  •  
    طريق لا يشقى سالكه (خطبة)
    عبدالله بن إبراهيم الحضريتي
  •  
    خطبة: مكانة العلم وفضله
    أبو عمران أنس بن يحيى الجزائري
  •  
    خطبة: العليم جلا وعلا
    الشيخ الدكتور صالح بن مقبل العصيمي ...
  •  
    في تحريم تعظيم المذبوح له من دون الله تعالى وأنه ...
    فواز بن علي بن عباس السليماني
  •  
    كل من يدخل الجنة تتغير صورته وهيئته إلى أحسن صورة ...
    فهد عبدالله محمد السعيدي
  •  
    محاضرة عن الإحسان
    د. عطية بن عبدالله الباحوث
  •  
    ملامح تربوية مستنبطة من قول الله تعالى: ﴿يوم تأتي ...
    د. عبدالرحمن بن سعيد الحازمي
  •  
    نصوص أخرى حُرِّف معناها
    عبدالعظيم المطعني
  •  
    فضل العلم ومنزلة العلماء (خطبة)
    خميس النقيب
  •  
    البرهان على تعلم عيسى عليه السلام القرآن والسنة ...
    د. محمد بن علي بن جميل المطري
  •  
    الدرس السادس عشر: الخشوع في الصلاة (3)
    عفان بن الشيخ صديق السرگتي
  •  
    القرض الحسن كصدقة بمثل القرض كل يوم
    د. خالد بن محمود بن عبدالعزيز الجهني
  •  
    الليلة التاسعة والعشرون: النعيم الدائم (2)
    عبدالعزيز بن عبدالله الضبيعي
  •  
    حكم مشاركة المسلم في جيش الاحتلال
    أ. د. حلمي عبدالحكيم الفقي
  •  
    غض البصر (خطبة)
    د. غازي بن طامي بن حماد الحكمي
  •  
    كيف تقي نفسك وأهلك السوء؟ (خطبة)
    الشيخ محمد عبدالتواب سويدان
شبكة الألوكة / آفاق الشريعة / منبر الجمعة / الخطب / تفسير القرآن
علامة باركود

حديث سورة القلم عن سيد العرب والعجم

حديث سورة القلم عن سيد العرب والعجم
عبدالله بن عبده نعمان العواضي

مقالات متعلقة

تاريخ الإضافة: 5/5/2023 ميلادي - 14/10/1444 هجري

الزيارات: 10686

 حفظ بصيغة PDFنسخة ملائمة للطباعة أرسل إلى صديق تعليقات الزوارأضف تعليقكمتابعة التعليقات
النص الكامل  تكبير الخط الحجم الأصلي تصغير الخط
شارك وانشر

حديث سورة القلم عن سيد العرب والعجم[1]

 

إن الحمد لله، نحمده ونستعينه ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا، ومن سيئات أعمالنا، مَن يهدِهِ الله فلا مضلَّ له، ومن يضلل فلا هاديَ له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمدًا عبده ورسوله، ﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلَا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ ﴾ [آل عمران: 102]، ﴿ يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالًا كَثِيرًا وَنِسَاءً وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي تَسَاءَلُونَ بِهِ وَالْأَرْحَامَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيبًا ﴾ [النساء: 1]، ﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلًا سَدِيدًا * يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزًا عَظِيمًا ﴾ [الأحزاب: 70، 71]؛ أما بعد:

أيها المسلمون، كان نبينا محمد عليه الصلاة والسلام أوفى قومه عقلًا، وأزكاهم حِلمًا، وأصدقهم حديثًا، وأكثرهم أمانة، وأنقاهم سريرة، وأحسنهم سيرة، وبذلك عرَفوه، وبهذه الصفات الحميدة ذكروه ومدحوه.

 

فلما بُعِثَ فيهم بدعوة الحق التي خالفت ملَّتَهم، وَصَفُوه بضدِّ ما كانوا يصفونه به، ورمَوه بما كانوا ينزِّهونه عنه، لا لكونه تغير عما كانوا يعهَدون، ولكن لأنه جاء بدين يقتلع عروق الوثنية التي بها يدينون.

 

فرمَوه بالجنون والسحر، والكذب والشعر، والكهانة والتلقي عن غيره من الناس؛ لأنهم لم يجدوا فيه مطعنًا يصدقون به عليه، فما كان منهم إلا قَذْفُه بهذا الزور والبهتان.

 

ولهذا الاعتداء الظالم؛ نزلت آيات من القرآن الكريم تُنزِّه رسول الله صلى الله عليه وسلم عن تلك التُّهم الْمُفْتراة، وتبين سموَّ رسول الله وعلوَّ مكانته، وعظيم دفاع الله عنه وحمايته له.

 

فمن تلك السور التي دافعت عن رسول الله عليه الصلاة والسلام سورة القلم.

 

هذه السورة المكية الكريمة نَفَتْ عن رسول صلى الله عليه وسلم وصف الجنون، الذي وصفه به المشركون، ونفت عنه إرادة منفعة دنيوية ينالها من دعوته إياهم.

 

وأثبتت لرسول الله سلامةَ عقله، وصحة رسالته، وكمال خُلُقِهِ، وثوابه العظيم الذي لا يعتريه نقص ولا انقطاع، وحماية الله له من شر أعدائه.

 

كما نهت هذه السورة الكريمة رسولَ الله عليه الصلاة والسلام عن طاعة المشركين، الذين اتصفوا بصفات ذميمة تنافي الخُلُق العظيم، الذي هو الوصف الراسخ لنبينا الكريم.

 

أيها المؤمنون، افتُتحت هذه السورة الكريمة بالقسم بالقلم والكتابة به - ولله أن يقسم بما شاء من خلقه - على أن رسولنا صلى الله عليه وسلم ليس بمجنون بسبب نعمة الله عليه بالنبوة، فليس هو بضعيف العقل، ولا سفيه الرأي؛ فقال تعالى: ﴿ ن وَالْقَلَمِ وَمَا يَسْطُرُونَ * مَا أَنْتَ بِنِعْمَةِ رَبِّكَ بِمَجْنُونٍ ﴾ [القلم: 1، 2].

 

وهذه التهمة الباطلة - معشر الكرام - عادة جارية على ألسنة المكذبين للأنبياء والمرسلين، وما جاء مشركو مكة إلا على منوالهم؛ قال تعالى: ﴿ كَذَلِكَ مَا أَتَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ مِنْ رَسُولٍ إِلَّا قَالُوا سَاحِرٌ أَوْ مَجْنُونٌ ﴾ [الذاريات: 52].

 

وقال قوم نوح عن نوح: ﴿ إِنْ هُوَ إِلَّا رَجُلٌ بِهِ جِنَّةٌ فَتَرَبَّصُوا بِهِ حَتَّى حِينٍ ﴾ [المؤمنون: 25].

 

وقال فرعون عن نبي الله موسى: ﴿ إِنَّ رَسُولَكُمُ الَّذِي أُرْسِلَ إِلَيْكُمْ لَمَجْنُونٌ ﴾ [الشعراء: 27].

 

فأي عقول لدى أولئك المشركين حين يُطْلِقون هذا الوصف الباطل على رسول الله عليه الصلاة والسلام؟

 

فهل من به مسٌّ من جنون يصرعه يمكنه أن يأتي بهذا الكلام الذي أعجزت فصاحته فصحاءهم، وأعيت بلاغته بلغاءهم، ووقف علماؤهم مَشْدُوهين مُبْلسين عند فخامته اللفظية والمعنوية، والأسلوبية والموضوعية؟

 

وهل يمكن لمصروع بجنونه، مفتون بغياب عقله، أن يأتيَ بمثل هذا القول الذي بلغ سماء البيان والصلاح في آدابه، وعقائده، وأخلاقه، ونظمه، وما زال على ذلك دون أن يتغير أو يناقض بعضه بعضًا؟

 

لو تفكَّروا ورجعوا إلى عقولهم، لَما صدرت منهم هذه الفرية؛ قال الله تعالى: ﴿ أَوَلَمْ يَتَفَكَّرُوا مَا بِصَاحِبِهِمْ مِنْ جِنَّةٍ إِنْ هُوَ إِلَّا نَذِيرٌ مُبِينٌ ﴾ [الأعراف: 184].

 

أيها الإخوة الفضلاء، لقد نفى الله تعالى عن رسوله تهمة الجنون؛ إثباتًا لصدق دعوته، وتسلية له من أذى مَن كذَّبه من قومه؛ حتى يستمر في دعوة الناس بلا سأم، وتتميمًا لإسعاد نبيه الكريم، وإذهابًا لحزنه.

 

كما أخبره سبحانه بأن أجرَهُ على صبره وإرشاده غير منقوص ولا منقطع؛ فقال تعالى: ﴿ وَإِنَّ لَكَ لَأَجْرًا غَيْرَ مَمْنُونٍ ﴾ [القلم: 3].

 

فيا لها من بشرى عظيمة – معشر المسلمين - لسيد المرسلين؛ بكون ثوابه متصلًا وكاملًا.

 

ولا عجب في ذلك، فكل خير تعمله أمته، وكل شر تجتنبه، فله من ذلك أجر؛ لأنه هو الذي دلها عليه؛ وقد قال صلى الله عليه وسلم: ((من دلَّ على خيرٍ فله مثل أجر فاعله))[2].

 

قال بعض المفسرين: "وقد بيَّن تعالى دوام أجره دون انقطاع؛ في قوله تعالى: ﴿ إِنَّ اللَّهَ وَمَلَائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيمًا ﴾ [الأحزاب: 56]، وصلوات الله تعالى عليه، وصلوات الملائكة، والمؤمنين، لا تنقطع ليلًا ولا نهارًا، وهي من الله تعالى رحمة، ومن الملائكة والمؤمنين دعاء"[3].

 

ثم انظروا رحمكم الله في الآية العظيمة بعد الآية السابقة، واسمعوها؛ قال تعالى: ﴿ وَإِنَّكَ لَعَلَى خُلُقٍ عَظِيمٍ ﴾ [القلم: 4].

 

ما أعظمها من آية في مبناها ومعناها! فبعد أن نفى الله عن رسوله الجنون بيَّن أنه على خُلُق عظيم، وهذا ينافي كونه مجنونًا، فكيف يكون ضعيف العقل، سفيه الحلم، وهو في أعلى درجات الخلق الكريم الذي لا يصدر عن صاحبه إلا كل جميل؟

 

وقد جاءت هذه الآية في هذا الأسلوب الخبري المؤكد بعدة مؤكدات، وأتى الخبر فيها دالًّا على قوة تمكُّن رسول الله عليه الصلاة والسلام من الأخلاق الحميدة، على طريقة الاستعلاء المجازي عند البلاغيين.

 

ومن قرأ سيرة رسول الله، ونظر في سنته، علِم عظمة أخلاقه، وكمال آدابه، وعلوَّ كعبه في آفاق الخصال الحسنة، والشيم النبيلة.

 

عن أنسٍ رضي الله عنه قال: ((كان النبي صلى الله عليه وسلم أحسن الناس خلقًا))[4].

 

وعن أبي عبدالله الجدلي قال: ((قلت لعائشة رضي الله عنها: كيف كان خلق رسول الله صلى الله عليه وسلم في أهله؟ قالت: كان أحسن الناس خُلُقًا، لم يكن فاحشًا، ولا متفحشًا، ولا صخَّابًا بالأسواق، ولا يجزي بالسيئة مثلها، ولكن يعفو ويصفح))[5].

 

وعن سعد بن هشام بن عامر، قال: ((أتيت عائشة، فقلت: يا أم المؤمنين، أخبريني بخُلُق رسول الله صلى الله عليه وسلم، قالت: ألست تقرأ القرآن؟ قلت: بلى، قالت: كان خُلُقُه القرآن؛ أمَا تقرأ قول الله عز وجل: ﴿ وَإِنَّكَ لَعَلَى خُلُقٍ عَظِيمٍ ﴾ [القلم: 4]))[6].

 

ومعنى كان خلقه القرآن "أنه كان تأدب بآدابه، وتخلق بأخلاقه، فما مدحه القرآن كان فيه رضاه، وما ذمَّه القرآن كان فيه سخطه"[7].

 

"فكان كلامه مطابقًا للقرآن، تفصيلًا له وتبيينًا، وعلومه علوم القرآن، وإرادته وأعماله ما أوجبه وندب إليه القرآن، وإعراضه وتركه لِما منع منه القرآن، ورغبته فيما رغِب فيه، وزهده فيما زهِد فيه، وكراهته لِما كرِهه، ومحبته لِما أحبه، وسعيه في تنفيذ أوامره وتبليغه، والجهاد في إقامته، فترجمت أم المؤمنين - لكمال معرفتها بالقرآن وبالرسول وحسن تعبيرها - عن هذا كله بقولها: كان خلقه القرآن"[8].

 

عباد الله، وبعد أن بيَّن تعالى أن رسوله على خلق عظيم، نهاه عن طاعة المشركين فيما يخالف أمرَ رب العالمين.

 

وذكر سبحانه الفارق بين نبيه الكريم صاحب الخلق العظيم، وبين أولئك المشركين الذين يتصفون بأسوأ الأخلاق، فذكر خصالًا ذميمة هي من صفات مَن رماه بالجنون، وأكثرها جاء بصيغة مبالغة؛ فقال تعالى: ﴿ فَلَا تُطِعِ الْمُكَذِّبِينَ * وَدُّوا لَوْ تُدْهِنُ فَيُدْهِنُونَ * وَلَا تُطِعْ كُلَّ حَلَّافٍ مَهِينٍ * هَمَّازٍ مَشَّاءٍ بِنَمِيمٍ * مَنَّاعٍ لِلْخَيْرِ مُعْتَدٍ أَثِيمٍ * عُتُلٍّ بَعْدَ ذَلِكَ زَنِيمٍ ﴾ [القلم: 8 - 13].

 

فالصفة الأولى: كثرة الْحَلِف:

وكثرة الحلف تدل على نوع استخفاف بالمحلوف به، وجرأة عليه، والاعتياد على ذلك قد يوصل إلى الحلف الكاذب.

 

وهذا كله مذموم في شريعتنا؛ قال تعالى: ﴿ وَلَا تَجْعَلُوا اللَّهَ عُرْضَةً لِأَيْمَانِكُمْ ﴾ [البقرة: 224]، وقال: ﴿ وَاحْفَظُوا أَيْمَانَكُمْ ﴾ [المائدة: 89].

 

وعن أبي قتادة الأنصاري، أنه سمع رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: ((إياكم وكثرة الحلف في البيع؛ فإنه ينفق، ثم يمحق))[9].

 

الصفة الثانية: كثرة المهانة:

ففي الآية: ﴿ وَلَا تُطِعْ كُلَّ حَلَّافٍ مَهِينٍ ﴾ [القلم: 10]، وقد فُسِّر المهين هنا بالكذَّاب والفاجر، والعاجز والحقير، والْمِكثار من الشر.

 

الصفة الثالثة: كثرة الهمز:

والهمز: الطعن في الناس وإيذاؤهم، ويُطلَق أيضًا على الغِيبة، فالهمَّاز هو الذي يُكْثِر من غِيبة الناس.

 

والهمز من الأخلاق السيئة المتوعَّد أصحابها؛ قال تعالى: ﴿ وَيْلٌ لِكُلِّ هُمَزَةٍ لُمَزَةٍ ﴾ [الهمزة: 1].

 

عن أنسٍ رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((لما عُرِجَ بي مررت بقومٍ لهم أظفار من نحاسٍ، يخمِشون وجوههم وصدورهم، فقلت: من هؤلاء يا جبريل؟ قال: هؤلاء الذين يأكلون لحوم الناس، ويقعون في أعراضهم))[10].

 

الصفة الرابعة: كثرة المشي بالنميمة:

ففي الآية: ﴿ هَمَّازٍ مَشَّاءٍ بِنَمِيمٍ ﴾ [القلم: 11].

 

والسعيُ بين الناس بالنميمة للإفساد بينهم عمل قبيح، يأباه الخُلُق الفاضل؛ ولهذا نهى عنه شرعنا الحكيم، وعدَّه من أسباب عذاب القبر.

 

عن ابن عباسٍ رضي الله عنهما: ((أن رسول الله صلى الله عليه وسلم مرَّ بقبرين يُعذَّبان، فقال: إنهما يُعذَّبان، وما يُعذَّبان في كبير، بلى إنه كبير؛ أما أحدهما، فكان يمشي بالنميمة، وأما الآخر، فكان لا يستتر من بول))[11].

 

الصفة الخامسة: كثرة المنع للخير:

وقد فُسِّر منع الخير هنا بالإمساك الشديد للمال بخلًا وشحًّا، وفُسِّر بشدة منع أي خير يصل إلى أهله، وكفى بهذا ذمًّا لصاحبه.

 

فأما البخل بالحقوق الواجبة، وعن الأعمال المالية الفاضلة، فإنه من أسوأ أخلاق الإنسان؛ قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((خَصْلتان لا تجتمعان في مؤمن: البخل، وسوء الخلق))[12].

 

وأما منع الخير عن الناس، فهو صفة تدل على خبث النفس، وهو يمنع صاحبه الفلاح؛ قال تعالى: ﴿ وَافْعَلُوا الْخَيْرَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ ﴾ [الحج: 77].

 

الصفة السادسة: الاعتداء:

أي: الاعتداء على الناس في أموالهم وأنفسهم وأعراضهم.

 

وهذا من الظلم الكبير، والخلق المقيت، والناس بفطرتهم يكرهون من يعتدي عليهم، ويبغي عليهم في حقوقهم.

 

وعندنا في الإسلام: ((المسلم من سلِم المسلمون من لسانه ويده))[13].

 

الصفة السابعة: كثرة الإثم:

بحيث لا يَدَعُ صاحب هذه الصفة ذنبًا إلا ارتكبه، وهذا غاية ما يكون عليه المرء من انحطاط الأخلاق، وسقوط الآداب.

 

وفي هذه الصفات الثلاث؛ قال تعالى: ﴿ مَنَّاعٍ لِلْخَيْرِ مُعْتَدٍ أَثِيمٍ ﴾ [القلم: 12].

 

الصفة الثامنة: الجفوة والغلظة والفظاظة، وسوء الأدب، وجفاء الطبع:

وهذه الصفة الذميمة تدعو إلى فعل كل سوء، وتجنح بصاحبها إلى طريق النار.

 

قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((ألا أخبركم بأهل النار؟ قالوا: بلى، قال: كل عُتُلٍّ جَوَّاظٍ مستكبرٍ))[14].

 

الصفة التاسعة: الشهرة بالشر:

وهذه الصفة لا يصل إليها الإنسان إلى بعد إدمان الشرور، والمجاهرة بها، بحيث إذا ذُكر ذلك الإنسان بين الناس، تذكروا به الشر.

 

وهذا - معشر المسلمين - من سوء الصيت بين العباد، ومن البعد عن المعافاة وحسن الختام.

 

قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((كل أمتي معافًى إلا المجاهرين، وإن من المجاهرة أن يعمل الرجل بالليل عملًا، ثم يصبح وقد ستره الله عليه، فيقول: يا فلان، عملت البارحة كذا وكذا، وقد بات يستره ربه، ويصبح يكشف ستر الله عنه))[15].

 

فشتان ما بين هذا وبين من يُعرَف بين الناس بالخير وحسن السمعة، الذين إذا رُؤوا ذُكِرَ الله تعالى.

 

عن أسماء بنت يزيد قالت: قال النبي صلى الله عليه وسلم: ((ألا أخبركم بخياركم؟ قالوا: بلى، قال: الذين إذا رؤوا ذُكِرَ الله، أفلا أخبركم بشراركم؟ قالوا: بلى، قال: المشَّاؤون بالنميمة، المفسدون بين الأحبة، الباغون للبُرَآءِ العَنَتَ))[16].

 

وفي هاتين الصفتين الأخيرتين؛ قال تعالى: ﴿ عُتُلٍّ بَعْدَ ذَلِكَ زَنِيمٍ ﴾ [القلم: 13].

 

أرأيتم - عباد الله - كيف دافع الله تعالى عن رسوله عليه الصلاة والسلام مبينًا عظمة ما هو عليه من الخُلُق الكريم، وكاشفًا ما كان عليه أعداؤه من الخُلُق الذميم.

 

فتمسكوا - رحمكم الله - بأخلاق نبيكم واقتدوا به فيها، وإياكم وكثرة الحلف والمهانة، واحذروا منع الخير، والاعتداء، والتمادي في الآثام، وتجنبوا الهمز والنميمة، والشهرة بالشر والغِيبة؛ فإنها أخلاق رديئة، وخصال مذمومة مقيتة.

 

نسأل الله أن يجعلنا من المقتدين بنبينا في أخلاقه، وسائر هديه وآدابه.

 

أقول قولي هذا، وأستغفر الله لي ولكم.

 

الخطبة الثانية

الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين؛ أما بعد أيها المسلمون:

ففي نهاية هذه السورة الكريمة، ذكر الله تعالى ثلاثة أمور تتعلق بنبينا محمد عليه الصلاة والسلام.

 

الأمر الأول: إبطال معاذير المشركين في عدم استجابتهم لدعوة النبي عليه الصلاة والسلام؛ ببيان أن رسول الله لم يطلب منهم على دعوته أجرًا دنيويًّا، يؤدي إلى غرمهم والإثقال المادي عليهم؛ قال تعالى: ﴿ أَمْ تَسْأَلُهُمْ أَجْرًا فَهُمْ مِنْ مَغْرَمٍ مُثْقَلُونَ ﴾ [القلم: 46].

 

بل دعاهم رسول الله إلى الله، وهو لا يريد منهم جزاءً أو شكورًا، وقال لهم كما قال كل رسول قبله لقومه: ﴿ وَمَا أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ مِنْ أَجْرٍ إِنْ أَجْرِيَ إِلَّا عَلَى رَبِّ الْعَالَمِينَ ﴾ [الشعراء: 109].

 

الأمر الثاني: أمر الله لنبيه الكريم بالاستمرار في دعوة المشركين، والصبر على أذاهم، وانتظار حكم الله فيهم، وترك الضَّجَر من إعراضهم وصدهم، كما ضجِرَ ذو النون عليه السلام من قبل.

 

قال تعالى: ﴿ فَاصْبِرْ لِحُكْمِ رَبِّكَ وَلَا تَكُنْ كَصَاحِبِ الْحُوتِ إِذْ نَادَى وَهُوَ مَكْظُومٌ * لَوْلَا أَنْ تَدَارَكَهُ نِعْمَةٌ مِنْ رَبِّهِ لَنُبِذَ بِالْعَرَاءِ وَهُوَ مَذْمُومٌ * فَاجْتَبَاهُ رَبُّهُ فَجَعَلَهُ مِنَ الصَّالِحِينَ ﴾ [القلم: 48 - 50].

 

وقد امتثل نبينا محمد عليه الصلاة والسلام هذا الأمر، فصبر، واستمر، ودعا وتحمل الأذى، حتى أتاه اليقين من رب العالمين.

 

الأمر الثالث: بيان ما كان عليه المشركون من الْحَنَقِ والغيظ والكره لرسولنا صلى الله عليه وسلم، حتى إنهم كادوا أن يصيبوه بأعينهم لما سمعوه يتلو القرآن، لولا أن حماه الله منهم، وهذا يدل على أن العين حق، وهو مما تعارف عليه البشر.

 

قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((استعيذوا بالله؛ فإن العين حق، ولو كان شيء سابق القدر لسبقته العين، وإذا استُغسلتم فاغسلوا))[17].

 

وقال: ((إذا رأى أحدكم من نفسه أو ماله أو أخيه ما يعجبه، فلْيَدْعُ بالبركة؛ فإن العين حق))[18].

 

سبحان الله! كيف افتتحت السورة بنفي الجنون عن رسول الله، واختتمت به؛ فنفت الجنون عنه بسبب النبوة في أولها، وبيَّنت أنه على خلق عظيم، وذلك ينافي الجنون وسَفَهَ العقل، ونفته عنه في آخرها بسبب ما جاء به من القرآن، مبينة أن القرآن ما هو إلا تذكرة وموعظة للعالمين.

 

قال تعالى: ﴿ وَإِنْ يَكَادُ الَّذِينَ كَفَرُوا لَيُزْلِقُونَكَ بِأَبْصَارِهِمْ لَمَّا سَمِعُوا الذِّكْرَ وَيَقُولُونَ إِنَّهُ لَمَجْنُونٌ * وَمَا هُوَ إِلَّا ذِكْرٌ لِلْعَالَمِينَ ﴾ [القلم: 51، 52].

 

عباد الله، إن قَدْرَ نبينا عند ربه لَعظيم؛ فلقد دافع الله عنه وبيَّن ما كان عليه من الخلق الكريم، فينبغي لنا أن ندافع عنه، وننشر فضائله ومناقبه، ونقارن ذلك بما عليه أعداؤه من سوء الأخلاق، وذميم الأعمال، وبضدها تتميز الأشياء.

 

وعلينا أن ندرك قدر الصبر والتضحيات التي بذلها رسولنا الكريم في تبليغ هذا الدين العظيم، حتى وصل إلينا كاملًا نقيًّا.

 

فعليه صلى الله ما قلم جرى
وجلا الدياجي نوره المتبسمُ
وعلى الذي ملأ الوجود ضياؤه
صلوا عليه مدى الزمان وسلموا


[1] أُلقيَت في مسجد الشوكاني في: 8/ 10/ 1444هـ، 28/ 4/ 2023م.

[2] رواه مسلم.

[3] أضواء البيان في إيضاح القرآن بالقرآن (8/ 247).

[4] متفق عليه.

[5] رواه أحمد والترمذي وغيرهما، وإسناده صحيح.

[6] رواه مسلم وأحمد.

[7] جامع العلوم والحكم (18/ 14).

[8] التبيان في أقسام القرآن (2/ 218).

[9] رواه مسلم.

[10] رواه أبو داود، وأحمد، والطبراني، وهو صحيح.

[11] متفق عليه.

[12] رواه الترمذي، والبخاري في الأدب المفرد، وهو صحيح.

[13] متفق عليه.

[14] متفق عليه.

[15] رواه البخاري.

[16] رواه البخاري في الأدب المفرد، وأحمد، وابن ماجه بسند حسن.

[17] رواه البخاري، ومسلم، وابن ماجه.

[18] رواه أحمد، والنسائي، والحاكم، وهو صحيح.





 حفظ بصيغة PDFنسخة ملائمة للطباعة أرسل إلى صديق تعليقات الزوارأضف تعليقكمتابعة التعليقات
شارك وانشر

مقالات ذات صلة

  • إعراب سورة القلم
  • آيات من سورة القلم بتفسير الإمام الزركشي
  • تفسير سورة القلم
  • تفسير سورة القلم كاملة
  • التوحيد في سورة القلم

مختارات من الشبكة

  • لطائف وإشارات حول السور والآي والمتشابهات(مقالة - آفاق الشريعة)
  • لا تحرمهم من قلمك(مقالة - حضارة الكلمة)
  • معنى السورة لغة واصطلاحا(مقالة - آفاق الشريعة)
  • القلم في ديوان عناقيد الضياء للشاعر الدكتور عبدالرحمن العشماوي(مقالة - حضارة الكلمة)
  • القلم معنى يتوسع مع الزمن(مقالة - حضارة الكلمة)
  • تفسير سور المفصل 212 - سورة الأعلى ج 1 - مقدمة لتفسير السورة(مادة مرئية - موقع الشيخ د. خالد بن عبدالرحمن الشايع)
  • حديث: ألا أعلمك سورتين من خير سورتين قرأ بهما الناس؟(مقالة - آفاق الشريعة)
  • مخطوطة جزء من حديث أبي نصر العكبري ومن حديث أبي بكر النصيبي ومن حديث خيثمة الطرابلسي(مخطوط - مكتبة الألوكة)
  • نقد النقد الحديثي المتجه إلى أحاديث صحيح الإمام البخاري: دراسة تأصيلية لعلم (نقد النقد الحديثي) (PDF)(كتاب - مكتبة الألوكة)
  • شرح الحديث الخامس من أحاديث الأربعين النووية (حديث النهي عن البدع)(محاضرة - مكتبة الألوكة)

 



أضف تعليقك:
الاسم  
البريد الإلكتروني (لن يتم عرضه للزوار)
الدولة
عنوان التعليق
نص التعليق

رجاء، اكتب كلمة : تعليق في المربع التالي

مرحباً بالضيف
الألوكة تقترب منك أكثر!
سجل الآن في شبكة الألوكة للتمتع بخدمات مميزة.
*

*

نسيت كلمة المرور؟
 
تعرّف أكثر على مزايا العضوية وتذكر أن جميع خدماتنا المميزة مجانية! سجل الآن.
شارك معنا
في نشر مشاركتك
في نشر الألوكة
سجل بريدك
  • بنر
  • بنر
كُتَّاب الألوكة
  • الدورة الخامسة من برنامج "القيادة الشبابية" لتأهيل مستقبل الغد في البوسنة
  • "نور العلم" تجمع شباب تتارستان في مسابقة للمعرفة الإسلامية
  • أكثر من 60 مسجدا يشاركون في حملة خيرية وإنسانية في مقاطعة يوركشاير
  • مؤتمرا طبيا إسلاميا بارزا يرسخ رسالة الإيمان والعطاء في أستراليا
  • تكريم أوائل المسابقة الثانية عشرة للتربية الإسلامية في البوسنة والهرسك
  • ماليزيا تطلق المسابقة الوطنية للقرآن بمشاركة 109 متسابقين في كانجار
  • تكريم 500 مسلم أكملوا دراسة علوم القرآن عن بعد في قازان
  • مدينة موستار تحتفي بإعادة افتتاح رمز إسلامي عريق بمنطقة برانكوفاتش

  • بنر
  • بنر

تابعونا على
 
حقوق النشر محفوظة © 1446هـ / 2025م لموقع الألوكة
آخر تحديث للشبكة بتاريخ : 11/11/1446هـ - الساعة: 0:55
أضف محرك بحث الألوكة إلى متصفح الويب