• الصفحة الرئيسيةخريطة الموقعRSS
  • الصفحة الرئيسية
  • سجل الزوار
  • وثيقة الموقع
  • اتصل بنا
English Alukah شبكة الألوكة شبكة إسلامية وفكرية وثقافية شاملة تحت إشراف الدكتور سعد بن عبد الله الحميد
 
الدكتور سعد بن عبد الله الحميد  إشراف  الدكتور خالد بن عبد الرحمن الجريسي
  • الصفحة الرئيسية
  • موقع آفاق الشريعة
  • موقع ثقافة ومعرفة
  • موقع مجتمع وإصلاح
  • موقع حضارة الكلمة
  • موقع الاستشارات
  • موقع المسلمون في العالم
  • موقع المواقع الشخصية
  • موقع مكتبة الألوكة
  • موقع المكتبة الناطقة
  • موقع الإصدارات والمسابقات
  • موقع المترجمات
 كل الأقسام | مقالات شرعية   دراسات شرعية   نوازل وشبهات   منبر الجمعة   روافد   من ثمرات المواقع  
اضغط على زر آخر الإضافات لغلق أو فتح النافذة اضغط على زر آخر الإضافات لغلق أو فتح النافذة
  •  
    في تحريم تعظيم المذبوح له من دون الله تعالى وأنه ...
    فواز بن علي بن عباس السليماني
  •  
    كل من يدخل الجنة تتغير صورته وهيئته إلى أحسن صورة ...
    فهد عبدالله محمد السعيدي
  •  
    محاضرة عن الإحسان
    د. عطية بن عبدالله الباحوث
  •  
    ملامح تربوية مستنبطة من قول الله تعالى: ﴿يوم تأتي ...
    د. عبدالرحمن بن سعيد الحازمي
  •  
    نصوص أخرى حُرِّف معناها
    عبدالعظيم المطعني
  •  
    فضل العلم ومنزلة العلماء (خطبة)
    خميس النقيب
  •  
    البرهان على تعلم عيسى عليه السلام القرآن والسنة ...
    د. محمد بن علي بن جميل المطري
  •  
    الدرس السادس عشر: الخشوع في الصلاة (3)
    عفان بن الشيخ صديق السرگتي
  •  
    القرض الحسن كصدقة بمثل القرض كل يوم
    د. خالد بن محمود بن عبدالعزيز الجهني
  •  
    الليلة التاسعة والعشرون: النعيم الدائم (2)
    عبدالعزيز بن عبدالله الضبيعي
  •  
    حكم مشاركة المسلم في جيش الاحتلال
    أ. د. حلمي عبدالحكيم الفقي
  •  
    غض البصر (خطبة)
    د. غازي بن طامي بن حماد الحكمي
  •  
    كيف تقي نفسك وأهلك السوء؟ (خطبة)
    الشيخ محمد عبدالتواب سويدان
  •  
    زكاة الودائع المصرفية الحساب الجاري (PDF)
    الشيخ دبيان محمد الدبيان
  •  
    واجب ولي المرأة
    الشيخ محمد جميل زينو
  •  
    وقفات مع القدوم إلى الله (9)
    د. عبدالسلام حمود غالب
شبكة الألوكة / آفاق الشريعة / منبر الجمعة / الخطب / تفسير القرآن
علامة باركود

{ولا يستخفنك الذين لا يوقنون} (خطبة)

{ولا يستخفنك الذين لا يوقنون} (خطبة)
د. محمد بن عبدالله بن إبراهيم السحيم

مقالات متعلقة

تاريخ الإضافة: 28/12/2022 ميلادي - 4/6/1444 هجري

الزيارات: 8878

 حفظ بصيغة PDFنسخة ملائمة للطباعة أرسل إلى صديق تعليقات الزوارأضف تعليقكمتابعة التعليقات
النص الكامل  تكبير الخط الحجم الأصلي تصغير الخط
شارك وانشر

ولا يستخفنك الذين لا يوقنون

 

الحمدُ للهِ الذي أحكمَ شرعَه، وأبرمَ قدرَه، وأنفذَ أمرَه. خلقَ فسوَّى، وقدّر فهدى. وأشهدُ ألا إلهَ إلا اللهُ وحدَهُ لا شريكَ له، وأشهدُ أنَّ محمدًا عبدُه ورسولُه، صلى اللهُ عليه وعلى آلِه وصحبِه وسلمَ تسليمًا كثيرًا إلى يومِ الدينِ؛ أمَّا بعدُ:

فاتَّقوا اللهَ - عبادَ اللهِ -، ﴿ يا أيُّها الذين آمنوا اتَّقوا اللهَ... ﴾ [الحشر: 18].

 

أيُّها المؤمنونَ!

الوقارُ والرزانةُ من جمالِ حليةِ الإيمانِ التي يُكساها أهلُه الصادقون حين مازجتْ حياتَهم، واصطبغتْ بها أقوالُهم وأفعالُهم وأحوالُهم، من سكينةِ المشيِ على الأرضِ هَوْنًا، وغضِّ الصوتِ إلى ناصيةِ مَلْكِ النفْسِ عند سَوْرةِ الغضبِ، وعدمِ التبرُّمِ مما يقضيه اللهُ، والتسليمِ المطلقِ لأمرِه، والتصديقِ بخبرِه. وما كان ضياءُ تلك الحليةِ إلا قبَسًا من سَنا شمسِ السكينةِ والثباتِ التي وقرتْ في قلبِ ذاك المؤمنِ حين تأذّنَ اللهُ بنزولِها فيه؛ فسرى ضوؤها على الجوارحِ، فكان سائرًا إلى ربِّه على نورٍ وبصيرةٍ؛ بثقةِ التصديقِ بوعدِ اللهِ ووعيدِه، وطمأنينةِ الإيمانِ بالقدَرِ المكتوبِ، ورجاءِ العزاءِ في كلِّ مفقودٍ والجبْرِ مع كلِّ مُصابٍ، وانتظارِ حُسْنِ العاقبةِ وعِظَمِ الجزاءِ مع كلِّ ما يقضيه اللهُ له، وإدراكِ فداحةِ النَّزَقِ والاستجابةِ لرُعوناتِ النفْسِ واستخفافِ الذين لا يوقنون، وتيقُّنِ حُسْنِ عُقبى الثباتِ على صراطِ اللهِ المستقيمِ في الدنيا والآخرةِ؛ قال تعالى: ﴿ إِنَّ الْإِنْسَانَ خُلِقَ هَلُوعًا * إِذَا مَسَّهُ الشَّرُّ جَزُوعًا * وَإِذَا مَسَّهُ الْخَيْرُ مَنُوعًا * إِلَّا الْمُصَلِّينَ ﴾ [المعارج: 19 - 22]، ويقولُ النبيُّ صلى الله عليه وسلم: " عجبًا لأمْرِ المؤمنِ! إنَّ أمرَه كلَّه خيرٌ، وليس ذاك لأحدٍ إلا للمؤمنِ؛ إنْ أصابتْهُ سراءُ شَكَرَ؛ ‌فكان ‌خيرًا له، وإنْ أصابتْهُ ضراءُ صبرَ؛ ‌فكان ‌خيرًا له "؛ رواه مسلمٌ. وعلى حالِ الرزانةِ والوقارِ سار السلفُ الأخيارُ؛ فكان من بليغِ وصْفِ أعرابيٍّ رسولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم أنَّه: " يَغلِبُ فَلَا يَبْطُرُ، ويُغلَبُ فَلَا يَضْجَرُ ". وَبِهَذَا وَصَفَ كَعْبُ بنُ زُهَيْرٍ الصَّحَابَةَ الْمُهَاجِرين حَيْثُ قَالَ:

لَيْسُوا مفاريحَ إنْ نَالَتْ رماحُهمُ
قومًا وَلَيْسوا مجازيعًا إذا نِيلوا

وَكَذَلِكَ قَالَ حسانُ بنُ ثَابتٍ فِي صفةِ الأنصارِ -رضيَ اللهُ عنهم جميعًا-:

لَا فَخْرَ إنْ همْ أصابوا مِن عدوِّهمُ
وإنْ أُصيبوا فَلَا خَوَرٌ وَلَا هَلَعُ

فحالُ المؤمنِ البصيرِ في سَيْرِه الرَّزينِ كحالِ الماءِ في صَفْوِه جاريًا؛ يمشي بنفعِه رُويدًا على كلَّ ما يَمُرُّ عليه؛ إرواءً وتنقيةً، مُبصرًا درْبَه ومستقرَّه، وإنْ عاقَه شيءٌ تحاملَ حتى يَتخطَّاه، أو سلكَ دربًا آخرَ لِيصلَ إلى قرارِه الذي يكونُ به النفعُ والانتفاعُ.

 

أيها المسلمون!

إنَّ سَيْرَ الوقارِ الإيمانيِّ الدالِّ على قوةِ الاستمساكِ والثقةِ بسلامةِ الطريقِ إلى اللهِ -سيّما في أوقاتِ المحنِ- من أقوى وسائلِ تبليغِ دينِ اللهِ للناسِ، وتحبيبِهم فيه، وتثبيتِهم عليه، والنكايةِ في أعدائه المتربصين؛ فكان نورًا يَفتحُ الأعينَ على صحةِ ما يحملُه أولئك الصادقون من دينٍ، وغدا مصدرَ جذْبٍ للناسِ للدخولِ في دينِ اللهِ حين رأوا ثباتَ أهلِه مُطَّردًا بحليةِ الوقارِ الصادقِ، كما دخل الناسُ أفواجًا إثْرَ رَقْبِهمُ الدقيقِ ثباتَ النبيِّ صلى الله عليه وسلم وصحبِه الكرامِ -رضوانُ اللهِ عليهم- على منهجِ اللهِ مع طولِ الزمنِ وتقلُّبِ أحوالِ الدنيا عليهم والذي كان به تحوُّلُهم من حالِ الاستضعافِ إلى حالِ القوةِ والتمكينِ. وذلك ما جعل خصومَ دينِ اللهِ وأعداءَه يَسْلكون في سبيلِ الصدِّ عنه والفتِّ في عَضُدِ دعاتِه ما يستطيعون من مكرٍ تكادُ تزولُ من هَوْلِه الجبالُ. ومن أخطرِ تلك المكائدِ أسلوبُ الاستخفافِ الذي يَستفِزُّ به أهلُ الكفرِ أهلَ الإيمانِ؛ بتسليطِ ما يكونُ به تشكيكُهم في دينِهم وتخلِّيهم عنه، واحتقارُهم، والطعنُ في غاياتِهم، وإغراؤهم، وحملُهم على صدورِ الأفعالِ الطائشةِ منهم المجافيةِ لوقارِ الإيمانِ؛ بُغيةَ تشويهِ صورتِه الناصعةِ أمامَ الناسِ وإظهارِ أهلِه ودعاتِه بمظهرِ الشَّيْنِ المُنَفِّرِ عنهم وما يحملونَه من دينٍ ويدعون إليه من قيمٍ. وطالما نبّهَ القرآنُ على التحذيرِ من استخفافِ المبطلين، وألا يكونَ ذلك سببًا في تركِ الحقِّ أو الشكِّ فيه، أو يكونَ ذلك مثبِّطًا من المضيِّ في الدعوةِ إلى دينِ اللهِ القويمِ، أو حاملًا على صدورِ ما ينافي وقارَ الإيمانِ من خِفَّةٍ وجهلٍ واستعجالٍ واستغضابٍ وخنوعٍ وخوفٍ وبَغْيٍ؛ كما قال تعالى: ﴿ ولا يستخفنَّك الذين لا يوقنون ﴾ [الروم: 60]؛ نهيًا عامًا يشملُ جميعَ أوجهِ الاستخفافِ والاستفزازِ، والذي كان ختْمُ سورةِ الرومِ به مناسِبًا لمطْلعِها المبدوءِ بوعدِ الغيبِ بانتصارِ الرومِ في بضعِ سنين، وكانت معطياتُه على الواقعِ لا تدلُّ عليه، فاتخذَه كفارُ قريشٍ تُكْأَةً في الطعنِ في دينِ اللهِ، وتكذيبِ وعدِهِ والاستخفافِ بتصديقِ المؤمنين ذلك الوعدَ، فكان أمرُ اللهِ غالبًا، وقدَرُه نافذًا، ووقعَ وعدُ اللهِ كما وعدَ، وفَرِحَ المؤمنون يومئذٍ بنصرِ اللهِ.

 

عبادَ اللهِ!

إنَّ شجرةَ الثباتِ على جادَّةِ الدينِ والتزيِّ بسِرْبالِ وقارِه إنما تَغتذي وتشتدُّ وتزدانُ بما يَمُدُّها من معينِ الصبرِ واليقينِ؛ تلكمُ العينانِ النَّضَّاختانِ قرينانِ متلازمانِ؛ لا يتصور انفكاك أحدهما عن قرينِه، قال شيخُ الإسلامِ ابنُ تيميةَ:" ولا يُمكنُ العبدَ أنْ يصبرَ إنْ لم يكنْ له ما يطمئنُّ به، ويتنعَّمُ به، ويَغتذي به؛ وهو اليقينُ "، " وعلى حسب اليقين بالمشروع يكون الصبر على المقدور ". قال -تعالى-: ﴿ فَاصْبِرْ إِنَّ وَعْدَ اللَّهِ حَقٌّ وَلَا ‌يَسْتَخِفَّنَّكَ الَّذِينَ لَا يُوقِنُونَ ﴾ [الروم: 60]، قال ابنُ القيمِ: " فأمَرَه أنْ يَصبرَ، ولا يتشبهَ بالذين لا يقينَ عندهم في عدمِ الصبرِ، فإنهم لعدمِ يقينِهم عُدِمَ صبرُهم، وخَفُّوا واستخفُّوا قومَهم، ولو حصلَ لهم اليقينُ والحقُّ لصبروا وما خَفُّوا ولا استخفُّوا. فمَن قلَّ يقينُه قلَّ صبرُه، ومَن قلَّ صبرُه خفَّ واستخفَّ؛ فالموقنُ الصابرُ رزينٌ؛ لأنه ذو لُبٍّ وعقلٍ، ومَن لا يقينَ له ولا صبرَ عنده خفيفٌ طائشٌ تلعبُ به الأهواءُ والشهواتُ كما تلعبُ الرياحُ بالشيءِ الخفيفِ "،" فَمَنْ وَفَّى الصَّبْرَ حَقَّهُ، وَتَيَقَّنَ أَنَّ وَعْدَ اللَّهِ حَقٌّ لَمْ يَسْتَفِزَّهُ الْمُبْطِلُونَ، وَلَمْ يَسْتَخِفَّهُ الَّذِينَ لَا يُوقِنُونَ. وَمَتَى ضَعُفَ صَبْرُهُ وَيَقِينُهُ أَوْ كِلَاهُمَا اسْتَفَزَّهُ هَؤُلَاءِ وَاسْتَخَفَّهُ هَؤُلَاءِ، فَجَذَبُوهُ إِلَيْهِمْ بِحَسَبِ ضَعْفِ قُوَّةِ صَبْرِهِ وَيَقِينِهِ، فَكُلَّمَا ضَعُفَ ذَلِكَ مِنْهُ قَوِيَ جَذْبُهُمْ لَهُ، وَكُلَّمَا قَوِيَ صَبْرُهُ وَيَقِينُهُ قَوِيَ انْجِذَابُهُ مِنْهُمْ وَجَذْبُهُ لَهُمْ".

 

إنه الصبرُ وسيلةُ المؤمنين في الطريقِ الطويلِ الشائكِ الذي قد يبدو أحيانًا بلا نهايةٍ! والثقةُ بوعدِ اللهِ الحقِّ، والثباتُ بلا قلقٍ ولا زعزعةٍ ولا حيرةٍ ولا شكوكٍ. الصبرُ والثقةُ والثباتُ على الرغمِ من اضطرابِ الآخرين، ومن تكذيبِهم للحقِّ وشكِّهم في وعدِ اللهِ؛ ذلك أنهم محجوبون عن العلمِ، محرومون من أسبابِ اليقينِ. فأما المؤمنون الواصلون الممسكون بحبلِ اللهِ فطريقُهم هو طريقُ الصبرِ والثقةِ واليقينِ، مهما يَطُلْ هذا الطريقُ، ومهما تحتجبْ نهايتُه وراءَ الضبابِ والغيومِ!

 

الخطبة الثانية

الحمدُ للهِ، والصلاةُ والسلامُ على رسولِ اللهِ؛ أما بعدُ:

فاعلموا أنَّ أحسنَ الحديثِ كتابُ اللهِ...

 

أيها المؤمنون!

إنَّ النهيَ الربانيَّ المؤكَّدَ لنبيِه بعدمِ استخفافِ المبطلين له يُلقي بظلالِه على أتباعِه من أهلِ الإيمانِ بضرورةِ تيقُّظِهم حِيالَ ذلك الأسلوبِ الماكرِ، وأنهم مأمورون باقتفاءِ آثارِ نبيِّهم في التعاملِ مع استخفافِ الكافرين؛ وذلك بألا يزيدَهم ذلك الاستخفافُ إلا ثباتًا على الحقِّ؛ يقينًا به، وصبرًا عليه، ودعوةً إليه، وتواصيًا به، وتحليًا بوقارِه ورزانتِه، وأنْ يأخذوا بالأسبابِ التي تزيدُ من ذلك اليقينِ والصبرِ؛ من قوةِ الاستمساكِ بالقرآن العظيمِ؛ علمًا وعملًا وتلاوةً وتدبُّرًا؛ إذ هو مَنْجَمُ التثبيتِ، كما قال -تعالى-: ﴿ قُلْ نَزَّلَهُ رُوحُ الْقُدُسِ مِنْ رَبِّكَ بِالْحَقِّ ‌لِيُثَبِّتَ الَّذِينَ آمَنُوا وَهُدًى وَبُشْرَى لِلْمُسْلِمِينَ ﴾ [النحل: 102]، ﴿ ‌فَاسْتَمْسِكْ بِالَّذِي أُوحِيَ إِلَيْكَ إِنَّكَ عَلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ ﴾ [الزخرف: 43]. وأنْ يكونَ لهم وِرْدٌ مستمرٌّ من دعاءِ ربِّهم وسؤالِه الثباتَ حتى المماتِ، كما وصفَ اللهُ حالَ الثابتين وقولَهم في أعظمِ الأزماتِ إذ يقولُ: ﴿ وَكَأَيِّنْ مِنْ نَبِيٍّ قَاتَلَ مَعَهُ رِبِّيُّونَ كَثِيرٌ فَمَا وَهَنُوا لِمَا أَصَابَهُمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَمَا ضَعُفُوا وَمَا اسْتَكَانُوا وَاللَّهُ يُحِبُّ الصَّابِرِينَ * وَمَا كَانَ قَوْلَهُمْ إِلَّا أَنْ قَالُوا رَبَّنَا اغْفِرْ لَنَا ذُنُوبَنَا وَإِسْرَافَنَا فِي أَمْرِنَا ‌وَثَبِّتْ أَقْدَامَنَا وَانْصُرْنَا عَلَى الْقَوْمِ الْكَافِرِينَ ﴾ [آل عمران: 146 - 147]. وكان من دعاءِ النبيِّ صلى الله عليه وسلم الذي كان يوصي باكتنازِه: " الّلهمّ إنّي أسألُك ‌الثباتَ ‌في ‌الأمرِ، والعزيمةَ على الرُّشْدِ " رواه الترمذيُّ وصحَّحه ابنُ حبانَ. قال ابنُ القيمِ: " وهاتانِ الكلمتانِ هما جِماعُ الفلاحِ، وما أُتِيَ العبدُ إلا من تضييعِهما أو تضييعِ أحدِهما، فما أُتِيَ أحدٌ إلا من بابِ العجلةِ والطَّيشِ واستفزازِ البَدَواتِ له، أو من بابِ التهاونِ والتماوُت وتضييعِ الفرصةِ بعدَ مُواتاتِها، فإذا حصلَ الثباتُ أوَّلًا والعزمُ ثانيًا أفلحَ كلَّ الفلاحِ ". ومطالعةُ سِيَرِ الراسخين الثابتين من الرسلِ -عليهم صلواتُ اللهِ وسلامُه- ومَن اقتفى آثارَهم، ورَقْبُ وقارِهم، والعيشُ مع حياتِهم وتخطِّيهم عقابيلَ الطريقِ أوتادٌ صمٌّ تُدَقُّ في سُلَّمِ الثباتِ وحليةٌ تُزَيِّنُ جمالَ رزانتِه؛ فبها كان يُثبِّتُ اللهُ نبيَّه صلى الله عليه وسلم إذ يقولُ: ﴿ وَكُلًّا نَقُصُّ عَلَيْكَ مِنْ أَنْبَاءِ الرُّسُلِ ‌مَا ‌نُثَبِّتُ بِهِ فُؤَادَكَ ﴾ [هود: 120]، وبها كان النبيُّ صلى الله عليه وسلم يثبِّتُ أصحابَه الأطهارَ، قال خبَّابُ بْنُ الأرتِّ -رضي الله عنه-: شَكَوْنَا إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم، وَهُوَ متوسِّد بُرْدَةً لَهُ فِي ظِلِّ الْكَعْبَةِ، فَقُلْنَا: أَلَا تَسْتَنْصِرُ لَنَا، أَلَا تَدْعُو لَنَا؟ فَقَالَ: " قَدْ كَانَ مَنْ قَبْلَكُمْ، يُؤْخَذُ الرَّجُلُ فَيُحْفَرُ لَهُ فِي الْأَرْضِ، فَيُجْعَلُ فِيهَا، فَيُجَاءُ بِالْمِنْشَارِ فَيُوضَعُ عَلَى رَأْسِهِ فَيُجْعَلُ نِصْفَيْنِ، وَيُمْشَطُ بِأَمْشَاطِ الْحَدِيدِ مَا دُونَ لَحْمِهِ وَعَظْمِهِ، فَمَا يَصُدُّهُ ذَلِكَ عَنْ دِينِهِ، وَاللَّهِ ليتمَّنَّ هَذَا الْأَمْرُ، حَتَّى يَسِيرَ الرَّاكِبُ مِنْ صَنْعَاءَ إِلَى حَضْرَمَوْتَ، لَا يَخَافُ إِلَّا اللَّهَ، وَالذِّئْبَ عَلَى غَنَمِه، ولكنكم ‌تستعجلون " رواه البخاريُّ. قال بعضُ العلماءِ: " الحكاياتُ جنْدٌ من جنودِ اللهِ يثبِّتُ بها قلوبَ أوليائه". وعبادةُ السرِّ السالمةُ من العُجْبِ حيث لا يراها إلا اللهُ مِن أعظمِ وسائلِ التثبيتِ، خاصةً صلاةَ التهجدِ في سُدْفةِ الليلِ البهيمِ؛ وذاك ما يُؤخذُ من هدايةِ فرْضِ قيامِ الليلِ على النبيِّ صلى الله عليه وسلم حين أُمِرَ بالبلاغِ والدعوةِ، ﴿ يَا أَيُّهَا ‌الْمُزَّمِّلُ * قُمِ اللَّيْلَ إِلَّا قَلِيلًا * نِصْفَهُ أَوِ انْقُصْ مِنْهُ قَلِيلًا * أَوْ زِدْ عَلَيْهِ وَرَتِّلِ الْقُرْآنَ تَرْتِيلًا * إِنَّا سَنُلْقِي عَلَيْكَ قَوْلًا ثَقِيلًا * إِنَّ نَاشِئَةَ اللَّيْلِ هِيَ أَشَدُّ وَطْئًا وَأَقْوَمُ قِيلًا ﴾ [المزمل: 1- 6]. واستحضارُ حقارةِ الدنيا وسرعةِ فنائِها وجزالةِ الآخرةِ ودوامِ بقائِها زادٌ للثباتِ عظيمٌ؛ فقد كان ذاك عزاءَ النبيِّ صلى الله عليه وسلم لأصحابِه وتسليتَه لهم في ما يَعْرِضُ لهم من مشاقِّ البلاءِ وأليمِ استخفافِ المبطلين، فقد مَرَّ بِعَمَّارٍ وَأَهْلِهِ -رضيَ اللهُ عنهم- وَهُمْ يُعَذَّبُونَ، فَقَالَ: «أَبْشِرُوا آلَ عَمَّارٍ، وَآلَ يَاسِرٍ؛ فَإِنَّ ‌مَوْعِدَكُمُ ‌الْجَنَّةُ» رواه الحاكمُ وصحّحَه على شرطِ مسلمٍ ووافقَهُ الذهبيُّ. كما أن تلك الذكرى الدنيويةَ والأخرويةَ كنزٌ للتحلِّي بالخُلُقِ الزَّكيَّ الوقورِ، كما قال -تعالى-: ﴿ وَإِنَّ السَّاعَةَ لَآتِيَةٌ فَاصْفَحِ الصَّفْحَ ‌الْجَمِيلَ ﴾ [الحجر: 85].

كنْ كالجبالِ عن الإسلامِ لا تَحِدِ
وغُذَّ سعيَك فالكُتّابُ بالرَّصدِ
ودعْ مَن اتّجهوا للزيغِ واتخذوا
من الشياطينِ أصحابًا بلا رَشَدِ
المرجفون بدينِ اللهِ قد خسئوا
والخائنون لهم حبلٌ من المَسَدِ
والثابتون لهم في الخُلْدِ منزلةٌ
فكن مع اللهِ كي تَلقى ثوابَ غدِ




 حفظ بصيغة PDFنسخة ملائمة للطباعة أرسل إلى صديق تعليقات الزوارأضف تعليقكمتابعة التعليقات
شارك وانشر

مقالات ذات صلة

  • {ولا يحزنك الذين يسارعون في الكفر} (خطبة)
  • {لقد خلقنا الإنسان في كبد} (خطبة)
  • الخليل عليه السلام (8): {وإذ ابتلى إبراهيم ربه بكلمات فأتمهن} (خطبة)
  • {أولئك هم الغافلون} (خطبة)

مختارات من الشبكة

  • تفسير: (فاصبر إن وعد الله حق ولا يستخفنك الذين لا يوقنون)(مقالة - آفاق الشريعة)
  • فلا يستخفنك الذين لا يوقنون(مادة مرئية - موقع د. علي بن عبدالعزيز الشبل)
  • (لا تخف ولا تحزن.. ولا تخافي ولا تحزني)(مقالة - آفاق الشريعة)
  • لا عدوى ولا طيرة ولا هامة ولا صفر(محاضرة - موقع د. علي بن عبدالعزيز الشبل)
  • مخطوطة بلوغ المنى والظفر في بيان لا عدوى ولا طيرة ولا هامة ولا صفر(مخطوط - مكتبة الألوكة)
  • الإيمان بصفات الله من غير تحريف ولا تأويل ولا تشبيه ولا تكييف(مقالة - آفاق الشريعة)
  • تفسير: (وجعلنا منهم أئمة يهدون بأمرنا لما صبروا وكانوا بآياتنا يوقنون)(مقالة - آفاق الشريعة)
  • قد بينا الآيات لقوم يوقنون(مقالة - موقع أ. د. فؤاد محمد موسى)
  • {وبالآخرة هم يوقنون}(محاضرة - مكتبة الألوكة)
  • تفسير قوله تعالى: { والذين يؤمنون بما أنزل إليك وما أنزل من قبلك وبالآخرة هم يوقنون }(مقالة - آفاق الشريعة)

 



أضف تعليقك:
الاسم  
البريد الإلكتروني (لن يتم عرضه للزوار)
الدولة
عنوان التعليق
نص التعليق

رجاء، اكتب كلمة : تعليق في المربع التالي

مرحباً بالضيف
الألوكة تقترب منك أكثر!
سجل الآن في شبكة الألوكة للتمتع بخدمات مميزة.
*

*

نسيت كلمة المرور؟
 
تعرّف أكثر على مزايا العضوية وتذكر أن جميع خدماتنا المميزة مجانية! سجل الآن.
شارك معنا
في نشر مشاركتك
في نشر الألوكة
سجل بريدك
  • بنر
  • بنر
كُتَّاب الألوكة
  • الدورة الخامسة من برنامج "القيادة الشبابية" لتأهيل مستقبل الغد في البوسنة
  • "نور العلم" تجمع شباب تتارستان في مسابقة للمعرفة الإسلامية
  • أكثر من 60 مسجدا يشاركون في حملة خيرية وإنسانية في مقاطعة يوركشاير
  • مؤتمرا طبيا إسلاميا بارزا يرسخ رسالة الإيمان والعطاء في أستراليا
  • تكريم أوائل المسابقة الثانية عشرة للتربية الإسلامية في البوسنة والهرسك
  • ماليزيا تطلق المسابقة الوطنية للقرآن بمشاركة 109 متسابقين في كانجار
  • تكريم 500 مسلم أكملوا دراسة علوم القرآن عن بعد في قازان
  • مدينة موستار تحتفي بإعادة افتتاح رمز إسلامي عريق بمنطقة برانكوفاتش

  • بنر
  • بنر

تابعونا على
 
حقوق النشر محفوظة © 1446هـ / 2025م لموقع الألوكة
آخر تحديث للشبكة بتاريخ : 11/11/1446هـ - الساعة: 0:55
أضف محرك بحث الألوكة إلى متصفح الويب