• الصفحة الرئيسيةخريطة الموقعRSS
  • الصفحة الرئيسية
  • سجل الزوار
  • وثيقة الموقع
  • اتصل بنا
English Alukah شبكة الألوكة شبكة إسلامية وفكرية وثقافية شاملة تحت إشراف الدكتور سعد بن عبد الله الحميد
 
الدكتور سعد بن عبد الله الحميد  إشراف  الدكتور خالد بن عبد الرحمن الجريسي
  • الصفحة الرئيسية
  • موقع آفاق الشريعة
  • موقع ثقافة ومعرفة
  • موقع مجتمع وإصلاح
  • موقع حضارة الكلمة
  • موقع الاستشارات
  • موقع المسلمون في العالم
  • موقع المواقع الشخصية
  • موقع مكتبة الألوكة
  • موقع المكتبة الناطقة
  • موقع الإصدارات والمسابقات
  • موقع المترجمات
 كل الأقسام | مقالات شرعية   دراسات شرعية   نوازل وشبهات   منبر الجمعة   روافد   من ثمرات المواقع  
اضغط على زر آخر الإضافات لغلق أو فتح النافذة اضغط على زر آخر الإضافات لغلق أو فتح النافذة
  •  
    فضل العلم ومنزلة العلماء (خطبة)
    خميس النقيب
  •  
    البرهان على تعلم عيسى عليه السلام القرآن والسنة ...
    د. محمد بن علي بن جميل المطري
  •  
    الدرس السادس عشر: الخشوع في الصلاة (3)
    عفان بن الشيخ صديق السرگتي
  •  
    القرض الحسن كصدقة بمثل القرض كل يوم
    د. خالد بن محمود بن عبدالعزيز الجهني
  •  
    الليلة التاسعة والعشرون: النعيم الدائم (2)
    عبدالعزيز بن عبدالله الضبيعي
  •  
    حكم مشاركة المسلم في جيش الاحتلال
    أ. د. حلمي عبدالحكيم الفقي
  •  
    غض البصر (خطبة)
    د. غازي بن طامي بن حماد الحكمي
  •  
    كيف تقي نفسك وأهلك السوء؟ (خطبة)
    الشيخ محمد عبدالتواب سويدان
  •  
    زكاة الودائع المصرفية الحساب الجاري (PDF)
    الشيخ دبيان محمد الدبيان
  •  
    واجب ولي المرأة
    الشيخ محمد جميل زينو
  •  
    وقفات مع القدوم إلى الله (9)
    د. عبدالسلام حمود غالب
  •  
    علامات الساعة (1)
    تركي بن إبراهيم الخنيزان
  •  
    تفسير: (يعملون له ما يشاء من محاريب وتماثيل وجفان ...
    تفسير القرآن الكريم
  •  
    تحية الإسلام الخالدة
    الشيخ عبدالله بن جار الله آل جار الله
  •  
    الشباب والإصابات الروحية
    د. عبدالله بن يوسف الأحمد
  •  
    من فضائل الصدقة (خطبة)
    د. محمد بن مجدوع الشهري
شبكة الألوكة / آفاق الشريعة / منبر الجمعة / الخطب / تفسير القرآن
علامة باركود

من هدايات سورة الشعراء: مناظرة الكليم عليه السلام (خطبة)

من هدايات سورة الشعراء: مناظرة الكليم عليه السلام (خطبة)
إبراهيم الدميجي

مقالات متعلقة

تاريخ الإضافة: 15/12/2022 ميلادي - 21/5/1444 هجري

الزيارات: 10151

 حفظ بصيغة PDFنسخة ملائمة للطباعة أرسل إلى صديق تعليقات الزوارأضف تعليقكمتابعة التعليقات
النص الكامل  تكبير الخط الحجم الأصلي تصغير الخط
شارك وانشر

من هدايات سورة الشعراء

مناظرة الكليم عليه السلام

 

الحمد لله الذي خلق الخلق بقدرته، ومنَّ على مَن شاء بطاعته، وخذل من شاء بحكمته، فسبحان الله الغني عن كل شيء، فلا تنفعه طاعة من تقرَّب إليه بعبادته، ولا تضره معصية من عصاه لكمال غناه وعظيم عزته، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له في إلاهيته، وأشهد أن نبينا وسيدنا محمدًا عبده ورسوله، خيرته من خليقته، اللهم صلِّ وسلم وبارك على عبدك ورسولك محمد، وعلى آله وصحابته صلاةً وسلامًا كثيرًا؛ أما بعد:

فاتقوا الله تعالى بدوام الطاعات، وهجر المحرمات؛ فقد فاز من تمسك بالتقوى في الآخرة والأولى، وخاب وخسر من اتبع الهوى.

 

عباد الله: اذكروا نعم الله عليكم التي لا تُعَدُّ ولا تُحصى، وقابلوها بالشكر لتدوم وتبقى؛ قال الله تعالى: ﴿ وَإِذْ تَأَذَّنَ رَبُّكُمْ لَئِنْ شَكَرْتُمْ لَأَزِيدَنَّكُمْ وَلَئِنْ كَفَرْتُمْ إِنَّ عَذَابِي لَشَدِيدٌ ﴾ [إبراهيم: 7]، وقال تعالى: ﴿ يَا أَيُّهَا النَّاسُ أَنْتُمُ الْفُقَرَاءُ إِلَى اللَّهِ وَاللَّهُ هُوَ الْغَنِيُّ الْحَمِيدُ ﴾ [فاطر: 15]، وقال تعالى: ﴿ وَمَنْ يَشْكُرْ فَإِنَّمَا يَشْكُرُ لِنَفْسِهِ وَمَنْ كَفَرَ فَإِنَّ اللَّهَ غَنِيٌّ حَمِيدٌ ﴾ [لقمان: 12].

 

وقال تعالى في الحديث القدسي: ((يا عبادي، إنما هي أعمالكم أُحصيها لكم ثم أُوفِّيكم إياها؛ فمن وجد خيرًا فليحمد الله، ومن وجد غير ذلك فلا يلومنَّ إلا نفسه))؛ [رواه مسلم من حديث أبي ذر رضي الله عنه].

 

عباد الرحمن؛ لنتدبر قليلًا هدايات سورة الشعراء وهي أولى الطواسين، وما فيها من أخبار المرسلين، أئمة الراضين بالله رب العالمين، فمن ذلك: تواضع الكليم عليه السلام للحق، فحينما ذكَّره فرعون بقتله القبطي بقوله: ﴿ وَفَعَلْتَ فَعْلَتَكَ الَّتِي فَعَلْتَ وَأَنْتَ مِنَ الْكَافِرِينَ ﴾ [الشعراء: 19]، وكان المقام مقام حجاج وإفحام خصم، لم يتلكأ عليه السلام أو ينكر أو يحيد، بل قال بكل ثبات ورباطة جأش على الحق: ﴿ فَعَلْتُهَا إِذًا وَأَنَا مِنَ الضَّالِّينَ ﴾ [الشعراء: 20]، ومن وضوح حجته أن أقر بالفعل، لكنه لم يقر فرعون على وصفه بالكفر، فقد أقر على نفسه أنه لم يوفق للصواب بقتله القبطي، وكان قصد فرعون كفر النعمة، ولكن لعلم موسى عليه السلام أن المنعِمَ على الحقيقة هو الله تعالى، وأن فرعون مجرد سبب إن شاء الله أمضاه، وإن شاء ردَّه؛ فلم يكن لفرعون إذلال موسى بذلك، ولما أقر بالخطأ ولم يتكبر على الاعتراف به دُهش فرعون بهذا الجواب المليء بالثقة والتواضع، ثم قلبها موسى عليه حينما وسَّع ميدان النظر كثيرًا بقوله: ﴿ وَتِلْكَ نِعْمَةٌ تَمُنُّهَا عَلَيَّ أَنْ عَبَّدْتَ بَنِي إِسْرَائِيلَ ﴾ [الشعراء: 22]؛ أي: هل لأنك غذوت واحدًا نسيت استعبادك واستسخارك قومه؟ أهذه نعمة تعدها مع علمك بأنك إن وضعت الأمرين في الميزان، استبان الفرق لكل ذي عينين؟

 

فلطم فرعون بذلك حتى إنه فتح باب التساؤل والمناظرة في الربوبية، فزعم أنه لا يعرف الله، مع أنه على يقين من وحدانية الله تبارك وتعالى؛ قال سبحانه: ﴿ وَجَحَدُوا بِهَا وَاسْتَيْقَنَتْهَا أَنْفُسُهُمْ ظُلْمًا وَعُلُوًّا فَانْظُرْ كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الْمُفْسِدِينَ ﴾ [النمل: 14]، فليس مجرد علم بوحدانية الله ألوهيةً وربوبية، بل يقين مستقر في قلوبهم، لكن ردهم الظلم وإرادة العلو في الأرض.

 

قال فرعون متسائلًا مستبعدًا مكذبًا: ﴿ وَمَا رَبُّ الْعَالَمِينَ ﴾ [الشعراء: 23]، وهنا تظهر العظمة الرسالية لموسى عليه السلام، ويتجلى عظيم صبره، ووافر حلمه، وغزير علمه، وإحكام منطقه، وجميل منطوقه؛ فقال: ﴿ رَبُّ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَمَا بَيْنَهُمَا إِنْ كُنْتُمْ مُوقِنِينَ ﴾ [الشعراء: 24]؛ موقنين بعقولكم وبالسماء التي تظلكم والأرض المقلة لكم، فابدؤوا بهذه اليقينيات التي تبنون عليها الحجة الدامغة، والسلطان العلمي الواضح، فاستدل على وجود الله وربوبيته بمخلوقاته العِظام، وهزَّ يقينياتهم وحرَّكها علَّها أن تثور من عِقال كفرها وكِبرها، لفطرتها الأولى، وتوحيدها السابق، فهزِئ فرعون به قائلًا لملئه: ﴿ أَلَا تَسْتَمِعُونَ ﴾ [الشعراء: 25]؛ أي: ألا تعجبون للعجب العجاب من هذا الإنسان الذي يقول كلامًا ليس تحته حقائق؟ فأجابه الكليم مباشرة مصرًّا على مبدئه القويم، وحجته المستقيمة، وبرهانه الساطع، غير آبهٍ بترهات الخصم الذي ذهب لأودية شتى من سخرية وتشتيت، وإخراج محل الخلاف عن دائرة تركيز النظر، وكل هذا خلاف ما أُقيمت المناظرة لأجله، فقال: ﴿ رَبُّكُمْ وَرَبُّ آبَائِكُمُ الْأَوَّلِينَ ﴾ [الشعراء: 26]، فعاد إليهم بعبارة أشدَّ وحجة أدحض، وخلاصتها: إنك يا فرعون مربوب لست بربٍّ، وأنت ولد لآباء سبقوك، إذًا فلست بخالقٍ، ولا مالك، ولا مدبر، ولا رب، ولا إله، وكذلك حال الملأ الذين يسمعون هذه المناظرة وحال آبائهم السالفين.

 

هنا غضِبَ فرعون، واشتدت غطرسته وتِيْهُه وكبره، فلجأ إلى حيلة الجهلة ضعفاء العقول والعلوم والنفوس على مر الأزمان؛ وهي اتهام المصلحين في عقولهم وعلومهم وأديانهم؛ فقال: ﴿ إِنَّ رَسُولَكُمُ الَّذِي أُرْسِلَ إِلَيْكُمْ لَمَجْنُونٌ ﴾ [الشعراء: 27]؛ أي: إنه يقول ما لا يعقله العقلاء، وهل استفز الكليم الكريم صلوات الله وسلامه وبركاته عليه بذلك؟ كلا، بل كان رابط الجأش، ثابت الفؤاد، شديد الشكيمة، وافر الحلم، رحب الخلق والفطنة، والعلم والحكمة، فعاد إلى نفس الحجة المباركة، ونفس الهدف الدعوي الرسالي، ونفس المعنى المقصود بدعوته أولًا، لكن بعبارات أخرى ومعنًى أوسع؛ فقال بعدما اتُّهم بالجنون: ﴿ رَبُّ الْمَشْرِقِ وَالْمَغْرِبِ وَمَا بَيْنَهُمَا إِنْ كُنْتُمْ تَعْقِلُونَ ﴾ [الشعراء: 28]، فأراد تحريك ذلك الشيء الجوهري المطمور في غمرات قلوبهم ودفائن رؤوسهم الذي اتهموه بفقدانه؛ وهو العقل، فاستفز بقوة قريحتهم بقوله: ﴿ إِنْ كُنْتُمْ تَعْقِلُونَ ﴾ [الشعراء: 28]، فإن كنت - يا فرعون - تتهمني بالجنون، فأولى بك أن تتأكد من سلامة عقلك، وصحة ذهنك، ومَلَئِك كذلك، أما هذه المناظرة، فهي لإقامة التوحيد لله رب العالمين، وحده لا شريك له.

 

هنا سقطت حجة فرعون في الأرض، وأُسقط في يده، وعاد خاسئًا حسيرًا في مقام الحِجاج، فعاد لجُحر أخلاق الجبابرة؛ فأعلن الوعيد بالعذاب لمن خالفه؛ فقال كقول من سبقه ولحِقه من أزواجه وأشباهه وأقرانه: ﴿ لَئِنِ اتَّخَذْتَ إِلَهًا غَيْرِي لَأَجْعَلَنَّكَ مِنَ الْمَسْجُونِينَ ﴾ [الشعراء: 29]، فهل استفز ذلك موسى أو أخافه؟ كلا، لم يستفزه طيشه، ولم يهز شيئًا من كِيانه ولا قلبه، ولا إيمانه ولا يقينه، ولا علمه بربه، ولا تعلقه به، فكان خوفه من الله لا من غيره، فهو محقق للتوحيد، ومن حققه فلا يخاف إلا ربه؛ كما قال تعالى في شأنهم: ﴿ الَّذِينَ يُبَلِّغُونَ رِسَالَاتِ اللَّهِ وَيَخْشَوْنَهُ وَلَا يَخْشَوْنَ أَحَدًا إِلَّا اللَّهَ وَكَفَى بِاللَّهِ حَسِيبًا ﴾ [الأحزاب: 39].

 

فلما توعده هذا الطاغية الجبارُ بالسجن، طوى ما مضى من سجلات الحِجاج، ثم عرض عليه بألطف أسلوب، وأجمل بيان، وأحسن أداء، وأقرب بلاغ؛ فقال عارضًا مشددًا حازمًا جازمًا: ﴿ أَوَلَوْ جِئْتُكَ بِشَيْءٍ مُبِينٍ ﴾ [الشعراء: 30]، فطوى حجاج المعاني الذهنية ليُخليَ الميدان للبراهين الحسية، والمعاني الذهنية هي الأقوى لدى العقلاء؛ لأنها مبنية على قطعيات يقينية مركبة على مر عمر عقل المرء، وتأملاته لعلاقة الأشياء ببعضها، وأكثر براهين القرآن من ذلك القبيل؛ فدلائله وبيناته وتوجيهاته تشحذ القريحة العقلية للنظر والتدبر والتفكر؛ كذكر ابتداء الخلق، وأن من خلقهم من عَدَمٍ قادر على بعثهم بطريق الأولى، ثم تثني بحفز نظرات حسية لبلوغ مآلاتها العقلية وغاياتها الذهنية؛ من التفكر في عظمة المخلوقات، وكبرها، واتساعها، واتساقها، وجودة صنعها، وإحكام تدبيرها، ونحو ذلك، وتردفها بمثال حسي نافذ للذهن السليم؛ وهو التفكر في المطر والنبات ومراحله وهشيمه، ومقارنة نبتة الزرع ومراحلها بنبتة الجنين، وأن خالق الاثنين واحد؛ وهو الرب القادر المدبر، والإله العظيم العليم، ثم تثلث بالشعور والعاطفة بالتذكير بالفطرة التوحيدية الأولى للإنسانية بل للمخلوقات، ثم بعد ذلك بشحن عواطف بني الإنسان بجنة الوعد ونار الوعيد، فتصفو حينها الروح من القروح، فتسمو صُعُدًا في السماوات، مرتلة أجمل آيات التوحيد والإيمان.

 

وبالجملة؛ فقد أَحْسَنَ موسى عليه السلام أيما إحسان في المناظرة بجميع مراحلها، وكيف لا يكون كذلك وهو من هو عليه الصلاة والسلام؟! فقال بعد إتمام المقاصد الذهنية الصادقة التي يغلب عليها العقل إلى المقاصد البرهانية الواضحة التي يغلب عليها الحس الذي قد استنبطه العقل السليم الصحيح؛ لأن ذات البرهان حقيقة محسوسة مشاهدة، وليست فقط خيالًا ذهنيًّا صحيحًا، فهي عند قسمين من الناس أوقع أثرًا وأفلج نظرًا؛ وهم أهل كثافة الفهم وزمانة الكبر، وحقيق بفرعون وملئه أن يكونوا منهم؛ فقال عليه السلام: ﴿ أَوَلَوْ جِئْتُكَ بِشَيْءٍ مُبِينٍ ﴾ [الشعراء: 30]؛ أي: آية حسية واضحة لكل أحد، غير ما أسلفت لك من الكلام النظري البرهاني الصحيح.

 

﴿ أَوَلَوْ جِئْتُكَ بِشَيْءٍ مُبِينٍ ﴾ [الشعراء: 30]، واضح على صدق دعوتي، وثبات كلمتي، واستقامة حجتي؛ فأجابه الفرعون: ﴿ فَأْتِ بِهِ إِنْ كُنْتَ مِنَ الصَّادِقِينَ ﴾ [الشعراء: 31]، ولاحظ استمرار التكذيب والسخرية من هذا الطاغية الجبار؛ ﴿ فَأَلْقَى عَصَاهُ فَإِذَا هِيَ ثُعْبَانٌ مُبِينٌ * وَنَزَعَ يَدَهُ فَإِذَا هِيَ بَيْضَاءُ لِلنَّاظِرِينَ ﴾ [الشعراء: 32، 33]، فعاد فرعون لشُبهةِ مَن سبقه ولحقه من سفهاء الرؤساء؛ فزعم قائلًا: ﴿ إِنَّ هَذَا لَسَاحِرٌ عَلِيمٌ * يُرِيدُ أَنْ يُخْرِجَكُمْ مِنْ أَرْضِكُمْ بِسِحْرِهِ ﴾ [الشعراء: 34، 35]؛ الآيات.

 

وتدبر ما ورد في قصة فرعون وطبِّقها على الطغاة الجبابرة في كل مكان وزمان؛ إذ بضاعة المفسدين واحدة، وزاملة المبطلين واحدة؛ وقد قال ربنا تعالى فيهم: ﴿ أَلَمْ تَرَ أَنَّا أَرْسَلْنَا الشَّيَاطِينَ عَلَى الْكَافِرِينَ تَؤُزُّهُمْ أَزًّا * فَلَا تَعْجَلْ عَلَيْهِمْ إِنَّمَا نَعُدُّ لَهُمْ عَدًّا ﴾ [مريم: 83، 84]، فتأمل كلام فرعون وهتافه الشقي بقوله وهو على سرير غفلته، وعرش طغيانه، وأبهة جبروته، وراحلة خِذلانه، وحفرة سوء منقلبه: ﴿ إِنَّ هَؤُلَاءِ لَشِرْذِمَةٌ قَلِيلُونَ * وَإِنَّهُمْ لَنَا لَغَائِظُونَ * وَإِنَّا لَجَمِيعٌ حَاذِرُونَ ﴾ [الشعراء: 54 - 56]، فوصف الصالحين والمصلحين بالشرذمة؛ والشرذمة: الطائفة القليلة من الناس، وخصها بعضهم بالحقراء والأخساء والسَّفَلَةِ منهم، وقصد بذلك أنهم بمنزلة العبيد والخدم لي ولكم؛ وذُكر عن مجاهد رحمه الله قال: "هم يومئذٍ ستمائة ألف، ولا يُحصى عدد أصحاب فرعون"، ولعل في هذا العدد مبالغة، وأظهر فرعون غيظه وغضبه، وألزم أتباعه بفعل فعلته، ولبِس لَأْمَةَ حرب الصالحين، فقال: ﴿ وَإِنَّهُمْ لَنَا لَغَائِظُونَ * وَإِنَّا لَجَمِيعٌ حَاذِرُونَ ﴾ [الشعراء: 55، 56]، آخذين أُهْبَتَنا مستعدين لتدميرهم، فما هي نتيجة ذلك الطغيان؟ إنها الاستئصال، ولله الأمر من قبلُ ومن بعدُ، قد هانوا عليه فخذلهم وعذبهم، ولو عزُّوا عليه لعصمهم وأكرمهم.

 

قال تعالى: ﴿ فَأَخْرَجْنَاهُمْ مِنْ جَنَّاتٍ وَعُيُونٍ * وَكُنُوزٍ وَمَقَامٍ كَرِيمٍ * كَذَلِكَ وَأَوْرَثْنَاهَا بَنِي إِسْرَائِيلَ ﴾ [الشعراء: 57 - 59]، فساق الله مالَ أعدائه لبني إسرائيل، سُنَّة ماضية، وآية باقية، وناموس ثابت: ﴿ اسْتِكْبَارًا فِي الْأَرْضِ وَمَكْرَ السَّيِّئِ وَلَا يَحِيقُ الْمَكْرُ السَّيِّئُ إِلَّا بِأَهْلِهِ فَهَلْ يَنْظُرُونَ إِلَّا سُنَّتَ الْأَوَّلِينَ فَلَنْ تَجِدَ لِسُنَّتِ اللَّهِ تَبْدِيلًا وَلَنْ تَجِدَ لِسُنَّتِ اللَّهِ تَحْوِيلًا * أَوَلَمْ يَسِيرُوا فِي الْأَرْضِ فَيَنْظُرُوا كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ وَكَانُوا أَشَدَّ مِنْهُمْ قُوَّةً وَمَا كَانَ اللَّهُ لِيُعْجِزَهُ مِنْ شَيْءٍ فِي السَّمَاوَاتِ وَلَا فِي الْأَرْضِ إِنَّهُ كَانَ عَلِيمًا قَدِيرًا * وَلَوْ يُؤَاخِذُ اللَّهُ النَّاسَ بِمَا كَسَبُوا مَا تَرَكَ عَلَى ظَهْرِهَا مِنْ دَابَّةٍ وَلَكِنْ يُؤَخِّرُهُمْ إِلَى أَجَلٍ مُسَمًّى فَإِذَا جَاءَ أَجَلُهُمْ فَإِنَّ اللَّهَ كَانَ بِعِبَادِهِ بَصِيرًا ﴾ [فاطر: 43 - 45].

 

بارك الله لي ولكم...

الخطبة الثانية

الحمد لله على إحسانه، والشكر له على توفيقه وامتنانه، وأشهد أن لا إله إلا الله تعظيمًا لشأنه، وأشهد أن محمدًا عبده ورسوله الداعي إلى رضوانه؛ أما بعد:

فاتقوا الله عباد الله، واعلموا أن التقوى خير الزاد.

عباد الله: ومن هدايات سورة الشعراء كذلك: أن البلاء مُوَكَّلٌ بالمنطق؛ بيان ذلك أن قوم شعيب عليه السلام لما كذبوه وتعنتوا عليه بقولهم: ﴿ وَمَا أَنْتَ إِلَّا بَشَرٌ مِثْلُنَا وَإِنْ نَظُنُّكَ لَمِنَ الْكَاذِبِينَ * فَأَسْقِطْ عَلَيْنَا كِسَفًا مِنَ السَّمَاءِ إِنْ كُنْتَ مِنَ الصَّادِقِينَ ﴾ [الشعراء: 186، 187]؛ أي: قطعًا من السماء، فانظر كيف يتحينون عذابهم، ويستجلبون هلكتهم بألسنتهم، فأحالهم الرسول الكريم إلى علام الغيوب ومن بيده مقاليد الأمور وتصاريف الأقدار؛ قائلًا: ﴿ رَبِّي أَعْلَمُ بِمَا تَعْمَلُونَ ﴾ [الشعراء: 188]، فماذا كان جواب الله تعالى لهم؟ ﴿ فَكَذَّبُوهُ فَأَخَذَهُمْ عَذَابُ يَوْمِ الظُّلَّةِ إِنَّهُ كَانَ عَذَابَ يَوْمٍ عَظِيمٍ ﴾ [الشعراء: 189]، وأخرج ابن المنذر عن السدي قال: "فتح الله عليهم بابًا من أبواب جهنم، فغشِيَهم من حرِّهِ ما لم يطيقوه، فتبردوا بالماء وبما قدروا عليه، فبينما هم كذلك إذ رُفعت لهم سحابة فيها ريح باردة طيبة، فلما وجدوا بردها ساروا نحو الظلة، فأتَوها يتبردون بها، فخرجوا من كل شيء كانوا فيه، فلما تكاملوا تحتها؛ طبقت عليهم بالعذاب"[1].

 

وقد فعلت قريش فعلتهم، فلما التقى القوم في بدر؛ قال أبو جهل: "اللهم أقطعنا للرحم، وآتانا بما لا نعرف؛ فأحنه الغداة"، فكان ذلك استفتاحًا منه؛ فنزلت: ﴿ إِنْ تَسْتَفْتِحُوا فَقَدْ جَاءَكُمُ الْفَتْحُ ﴾ [الأنفال: 19][2]؛ أي النصر، لكنه عليكم لا لكم، فأُحنوا وقُتلوا وأُسروا وهُزموا، نعوذ بالله من النار وحال أهل النار.

 

ومن هدايات هذه السورة الجليلة الجميلة: حُسْنُ الخطاب، ومن ذلك أن الكفرة لما قالوا لنوح عليه السلام: ﴿ أَنُؤْمِنُ لَكَ وَاتَّبَعَكَ الْأَرْذَلُونَ ﴾ [الشعراء: 111]، فوصفوا أتباعه بالرذالة والدناءة؛ لم يسكت على الباطل، بل مدح أتباعه فوصفهم بأحسن وصف للإنسان؛ وصف الإيمان؛ فقال عليه السلام: ﴿ وَمَا أَنَا بِطَارِدِ الْمُؤْمِنِينَ ﴾ [الشعراء: 114]، أما الكفرة السبابة فقد أعرض عنهم ولم يسبهم، ولما وَسَمُوه بالضلالة، لم يرد العدوان بمثله، بل اكتفى بهذا الجمال والبهاء، والسكينة والثقة، والنصح والشفقة؛ فقال: ﴿ يَا قَوْمِ لَيْسَ بِي ضَلَالَةٌ وَلَكِنِّي رَسُولٌ مِنْ رَبِّ الْعَالَمِينَ * أُبَلِّغُكُمْ رِسَالَاتِ رَبِّي وَأَنْصَحُ لَكُمْ وَأَعْلَمُ مِنَ اللَّهِ مَا لَا تَعْلَمُونَ ﴾ [الأعراف: 61، 62].

 

وهذا القول الحسن سلوكٌ راسخ في الرسل الكرام؛ قال سبحانه: ﴿ قُلْ مَنْ يَرْزُقُكُمْ مِنَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ قُلِ اللَّهُ وَإِنَّا أَوْ إِيَّاكُمْ لَعَلَى هُدًى أَوْ فِي ضَلَالٍ مُبِينٍ * قُلْ لَا تُسْأَلُونَ عَمَّا أَجْرَمْنَا وَلَا نُسْأَلُ عَمَّا تَعْمَلُونَ * قُلْ يَجْمَعُ بَيْنَنَا رَبُّنَا ثُمَّ يَفْتَحُ بَيْنَنَا بِالْحَقِّ وَهُوَ الْفَتَّاحُ الْعَلِيمُ * قُلْ أَرُونِيَ الَّذِينَ أَلْحَقْتُمْ بِهِ شُرَكَاءَ كَلَّا بَلْ هُوَ اللَّهُ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ ﴾ [سبأ: 24 - 27]؛ وتدبر مليًّا قوله الأكرم: ﴿ وَإِنَّا أَوْ إِيَّاكُمْ لَعَلَى هُدًى أَوْ فِي ضَلَالٍ مُبِينٍ ﴾ [سبأ: 24]، وهذا الأسلوب مفيد جدًّا في المناظرات من جهتين:

الأولى: الأدب وحسن الخطاب وجمال التأتِّي؛ مما يزيل وحشة صدر المخالف، ويُوقِذُ من عُرَامِهِ، ويكسِر من أنَفَتِهِ، ويقربه بَعْدِ البِعاد.

 

الثانية: قوة الإلزام، وسطوة الحِجاج، وسطوع البرهان، وشدة الإلجاء المبعِد غشاوة الحيدات، ومهارب الإلزامات.

 

وقد ختم ربنا تعالى سورة الشعراء بذكر غواية الشعراء، وكثير منهم من أبعد الناس عن مواطن الرضا، بل إن كثيرًا من تسخط البشر إنما يأتي على أفواههم، ويجري على ألسنة أبياتهم، فيسبون الدهر والزمان والأيام، ويسير سبهم وتسخطهم بين العالمين مسير الشمس، فيتبعهم الناس ويتناقلون سخطهم وجزعهم وسبهم للدهر؛ لِما ظنوه من حكمتهم إذ أرسلوا أبياتهم فذاعت، وبين الناس قد طارت؛ قال سبحانه: ﴿ وَالشُّعَرَاءُ يَتَّبِعُهُمُ الْغَاوُونَ ﴾ [الشعراء: 224]، نعوذ بالله من الغواية بعد الهداية، ومن الجهل بعد الحلم، ومن الحور بعد الكور، وكفى بحرمانهم من التعرف على أعظم وأجمل وأحق مطلوب خسارةً وغبنًا، فالعلم بالله هو أشرف وأجمل وألذ العلوم بإطلاق؛ وقد ذكر الله تعالى في ذات السورة – الشعراء - جزاء الغاوين؛ فقال: ﴿ وَبُرِّزَتِ الْجَحِيمُ لِلْغَاوِينَ ﴾ [الشعراء: 91]

 

ولكن من اتقى الله في شِعْرِه فهو عن الغواية بمعزل، وللهداية بالمرتقى، وللجهاد للذروة برمي سهام قصيده في أعين الكفرة وقلوبهم وأكبادهم، وفي بناء معاني الصلاح بالأبيات الهادية، وتنشئة مرابع الاستقامة بالأبيات القويمة، ورفد محاضن التربية بالقريض النافع، وتسهيل علوم الشريعة بنظمها للراغبين، وترقيق القلوب بأبيات الحنين والشوق للدار الآخرة، وما يتبع ذلك من الصالحات، والحمد لله رب العالمين؛ فلقد قال سبحانه مستثنيًا أولئك: ﴿ إِلَّا الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ وَذَكَرُوا اللَّهَ كَثِيرًا وَانْتَصَرُوا مِنْ بَعْدِ مَا ظُلِمُوا وَسَيَعْلَمُ الَّذِينَ ظَلَمُوا أَيَّ مُنْقَلَبٍ يَنْقَلِبُونَ ﴾ [الشعراء: 227].

 

اللهم صلِّ وسلم وبارك على نبينا محمد...



[1] الدر المنثور (11/ 292).

[2] تفسير ابن كثير (4/ 32).





 حفظ بصيغة PDFنسخة ملائمة للطباعة أرسل إلى صديق تعليقات الزوارأضف تعليقكمتابعة التعليقات
شارك وانشر

مقالات ذات صلة

  • من هدايات القرآن الكريم
  • من هدايات السنة النبوية (20) حديث استفتاء القلب (خطبة)
  • من هدايات السنة النبوية (21): حرص المرأة على الزينة
  • كتابية الشعر وتحولات البناء لأحمد كريم بلال

مختارات من الشبكة

  • هدايات سورة هود (خطبة)(مقالة - آفاق الشريعة)
  • من هدايات السنة النبوية (22) من خطب النبي صلى الله عليه وسلم(مقالة - موقع الشيخ إبراهيم بن محمد الحقيل)
  • هدايات سورة يوسف (خطبة)(مقالة - آفاق الشريعة)
  • خطبة: هدايات سورة التوبة(مقالة - آفاق الشريعة)
  • هدايات سورة الأعراف (خطبة)(مقالة - آفاق الشريعة)
  • هدايات سورة آل عمران (خطبة)(مقالة - آفاق الشريعة)
  • هدايات سورة البقرة (خطبة)(مقالة - آفاق الشريعة)
  • هدايات سورة الفاتحة (خطبة)(مقالة - آفاق الشريعة)
  • هدايات الآيات الأواخر من سورة البقرة (PDF)(كتاب - مكتبة الألوكة)
  • هدايات من قصص السيرة النبوية (خطبة)(مقالة - آفاق الشريعة)

 



أضف تعليقك:
الاسم  
البريد الإلكتروني (لن يتم عرضه للزوار)
الدولة
عنوان التعليق
نص التعليق

رجاء، اكتب كلمة : تعليق في المربع التالي

مرحباً بالضيف
الألوكة تقترب منك أكثر!
سجل الآن في شبكة الألوكة للتمتع بخدمات مميزة.
*

*

نسيت كلمة المرور؟
 
تعرّف أكثر على مزايا العضوية وتذكر أن جميع خدماتنا المميزة مجانية! سجل الآن.
شارك معنا
في نشر مشاركتك
في نشر الألوكة
سجل بريدك
  • بنر
  • بنر
كُتَّاب الألوكة
  • الدورة الخامسة من برنامج "القيادة الشبابية" لتأهيل مستقبل الغد في البوسنة
  • "نور العلم" تجمع شباب تتارستان في مسابقة للمعرفة الإسلامية
  • أكثر من 60 مسجدا يشاركون في حملة خيرية وإنسانية في مقاطعة يوركشاير
  • مؤتمرا طبيا إسلاميا بارزا يرسخ رسالة الإيمان والعطاء في أستراليا
  • تكريم أوائل المسابقة الثانية عشرة للتربية الإسلامية في البوسنة والهرسك
  • ماليزيا تطلق المسابقة الوطنية للقرآن بمشاركة 109 متسابقين في كانجار
  • تكريم 500 مسلم أكملوا دراسة علوم القرآن عن بعد في قازان
  • مدينة موستار تحتفي بإعادة افتتاح رمز إسلامي عريق بمنطقة برانكوفاتش

  • بنر
  • بنر

تابعونا على
 
حقوق النشر محفوظة © 1446هـ / 2025م لموقع الألوكة
آخر تحديث للشبكة بتاريخ : 9/11/1446هـ - الساعة: 17:29
أضف محرك بحث الألوكة إلى متصفح الويب