• الصفحة الرئيسيةخريطة الموقعRSS
  • الصفحة الرئيسية
  • سجل الزوار
  • وثيقة الموقع
  • اتصل بنا
English Alukah شبكة الألوكة شبكة إسلامية وفكرية وثقافية شاملة تحت إشراف الدكتور سعد بن عبد الله الحميد
 
الدكتور سعد بن عبد الله الحميد  إشراف  الدكتور خالد بن عبد الرحمن الجريسي
  • الصفحة الرئيسية
  • موقع آفاق الشريعة
  • موقع ثقافة ومعرفة
  • موقع مجتمع وإصلاح
  • موقع حضارة الكلمة
  • موقع الاستشارات
  • موقع المسلمون في العالم
  • موقع المواقع الشخصية
  • موقع مكتبة الألوكة
  • موقع المكتبة الناطقة
  • موقع الإصدارات والمسابقات
  • موقع المترجمات
 كل الأقسام | مقالات شرعية   دراسات شرعية   نوازل وشبهات   منبر الجمعة   روافد   من ثمرات المواقع  
اضغط على زر آخر الإضافات لغلق أو فتح النافذة اضغط على زر آخر الإضافات لغلق أو فتح النافذة
  •  
    خطبة: (ومن يعظم شعائر الله فإنها من تقوى القلوب)
    الشيخ عبدالله محمد الطوالة
  •  
    سورة الكافرون.. مشاهد.. إيجاز وإعجاز (خطبة)
    د. صغير بن محمد الصغير
  •  
    من آداب المجالس (خطبة)
    الشيخ عبدالله بن محمد البصري
  •  
    خطر الميثاق
    السيد مراد سلامة
  •  
    أعظم فتنة: الدجال (خطبة)
    د. محمد بن مجدوع الشهري
  •  
    فضل معاوية والرد على الروافض
    الدكتور أبو الحسن علي بن محمد المطري
  •  
    ما جاء في فصل الشتاء
    الشيخ عبدالله بن جار الله آل جار الله
  •  
    من أقوال السلف في أسماء الله الحسنى: (الرحمن، ...
    فهد بن عبدالعزيز عبدالله الشويرخ
  •  
    تفسير: (فلما قضينا عليه الموت ما دلهم على موته ...
    تفسير القرآن الكريم
  •  
    تخريج حديث: إذا استنجى بالماء ثم فرغ، استحب له ...
    الشيخ محمد طه شعبان
  •  
    الخنساء قبل الإسلام وبعده
    الشيخ محمد جميل زينو
  •  
    اختر لنفسك
    د. حسام العيسوي سنيد
  •  
    فاذكروا آلاء الله لعلكم تفلحون (خطبة) - باللغة ...
    حسام بن عبدالعزيز الجبرين
  •  
    آية المحنة
    نورة سليمان عبدالله
  •  
    توزيع الزكاة ومعنى "في سبيل الله" في ضوء القرآن ...
    عاقب أمين آهنغر (أبو يحيى)
  •  
    النبي عيسى عليه السلام في سورة الصف: فائدة من ...
    أبو مالك هيثم بن عبدالمنعم الغريب
شبكة الألوكة / آفاق الشريعة / منبر الجمعة / الخطب / تفسير القرآن
علامة باركود

حديث القرآن عن سيد الخلق صلى الله عليه وآله وسلم (2)

حديث القرآن عن سيد الخلق صلى الله عليه وآله وسلم (2)
عبدالله بن عبده نعمان العواضي

مقالات متعلقة

تاريخ الإضافة: 18/9/2018 ميلادي - 7/1/1440 هجري

الزيارات: 12252

 حفظ بصيغة PDFنسخة ملائمة للطباعة أرسل إلى صديق تعليقات الزوارأضف تعليقكمتابعة التعليقات
النص الكامل  تكبير الخط الحجم الأصلي تصغير الخط
شارك وانشر

حديث القرآن عن سيد الخلق صلى الله عليه وآله وسلم

الجزء الثاني [1]

 

إن الحمد لله نحمده ونستعينه، ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا، ومن سيئات أعمالنا من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله، ﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ اتَّقُواْ اللّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلاَ تَمُوتُنَّ إِلاَّ وَأَنتُم مُّسْلِمُونَ ﴾ [آل عمران: 102]، ﴿ يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُواْ رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُم مِّن نَّفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالاً كَثِيراً وَنِسَاء وَاتَّقُواْ اللّهَ الَّذِي تَسَاءلُونَ بِهِ وَالأَرْحَامَ إِنَّ اللّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيباً ﴾ [النساء: 1]، ﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلاً سَدِيداً * يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَن يُطِعْ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزاً عَظِيماً ﴾ [الأحزاب: 70-71].


أما بعد:

فإن أصدق الحديث كتاب الله، وخير الهدي هدي رسوله محمد بن عبد الله، صلى الله عليه وسلم، وشر الأمور محدثاتها، وكل محدثة بدعة، وكل بدعة ضلالة، وكل ضلالة في النار.


أيها الناس، ما زال الحديث متصلاً بحديث القرآن الشيِّق عن سيد الخلق صلى الله عليه وآله وسلم، وسمعنا في الجمعة الماضية حديث القرآن عن الثناء عليه، وعن تزكية الله له، وعن إنعامه عليه.

واليوم -بعون الله تعالى- سنأخذ جوانب أخرى من حديث القرآن عن نبينا الكريم عليه الصلاة والسلام.


عباد الله، ومن حديث القرآن عن رسول الله صلوات الله وسلامه عليه وعلى آله: حديثه عن حماية الله له، ودفاعه عنه.

فقد حدثنا القرآن العظيم أن الله تعالى قد تكفل بحراسة رسوله، وتأييده بنصره، ومنعِ أعدائه من أن يصلوا إليه بكيد أو مكر أو خداع أو خيانة أو سوء، وقد دبروا كل ذلك، ولكن الله حال بينهم وبين ما يشتهون من بلوغ ما دبروه إلى رسول الله عليه الصلاة والسلام؟


فمن حمايته تعالى لنبيه عليه الصلاة والسلام كما أخبر القرآن الكريم: أنه نجاه يوم الهجرة، حينما اتفقت قريش على قتله، فأرصدت على بابه ليلاً أحد عشر رجلاً ليقتلوه قتلة رجل واحد، ولكن الله أنقذه من مكرهم؛ فقد طمس الله على أبصار أولئك المترصدين حينما خرج رسول الله عليه الصلاة والسلام مخترقًا صفوفهم حتى مضى إلى سبيله سالمًا، وسمى الله تعالى هذا الإنجاء له نصراً منه تفضل به عليه، فقال تعالى[2]: ﴿ وَإِذْ يَمْكُرُ بِكَ الَّذِينَ كَفَرُوا لِيُثْبِتُوكَ أَوْ يَقْتُلُوكَ أَوْ يُخْرِجُوكَ وَيَمْكُرُونَ وَيَمْكُرُ اللَّهُ وَاللَّهُ خَيْرُ الْمَاكِرِينَ ﴾ [الأنفال: 30].


وقال: ﴿ إِلَّا تَنصُرُوهُ فَقَدْ نَصَرَهُ اللَّهُ إِذْ أَخْرَجَهُ الَّذِينَ كَفَرُوا ثَانِيَ اثْنَيْنِ إِذْ هُمَا فِي الْغَارِ إِذْ يَقُولُ لِصَاحِبِهِ لا تَحْزَنْ إِنَّ اللَّهَ مَعَنَا فَأَنزَلَ اللَّهُ سَكِينَتَهُ عَلَيْهِ وَأَيَّدَهُ بِجُنُودٍ لَمْ تَرَوْهَا وَجَعَلَ كَلِمَةَ الَّذِينَ كَفَرُوا السُّفْلَى وَكَلِمَةُ اللَّهِ هِيَ الْعُلْيَا وَاللَّهُ عَزِيزٌ حَكِيمٌ ﴾ [التوبة: 40].


ومن حمايته له: أن الله كفاه خداع الخادعين من المعاهدين الكافرين الذين عاهدوه، وأيده بنصره عليهم، فقال تعالى: ﴿ وَإِنْ يُرِيدُوا أَنْ يَخْدَعُوكَ فَإِنَّ حَسْبَكَ اللَّهُ هُوَ الَّذِي أَيَّدَكَ بِنَصْرِهِ وَبِالْمُؤْمِنِينَ ﴾ [الأنفال: 62].


ومن حمايته له: أنه كفاه خيانة الأسرى الذين أطلقهم عقب غزوة بدر، حيث لم تصل إليه يد خائن منهم أو من أقاربهم بالضرر، قال تعالى: ﴿ وَإِنْ يُرِيدُوا خِيَانَتَكَ فَقَدْ خَانُوا اللَّهَ مِنْ قَبْلُ فَأَمْكَنَ مِنْهُمْ وَاللَّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ ﴾ [الأنفال: 71].


ومن حمايته له ونصره إياه: أنه لعن من آذاه بأي بأذى، وتوعد ذلك المؤذي بالعذاب الأليم، فقال تعالى: ﴿ إِنَّ الَّذِينَ يُؤْذُونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ لَعَنَهُمُ اللَّهُ فِي الدُّنْيَا وَالآخِرَةِ وَأَعَدَّ لَهُمْ عَذَابًا مُهِينًا ﴾ [الأحزاب: 57]، وقال:  ﴿ وَمِنْهُمُ الَّذِينَ يُؤْذُونَ النَّبِيَّ وَيَقُولُونَ هُوَ أُذُنٌ قُلْ أُذُنُ خَيْرٍ لَكُمْ يُؤْمِنُ بِاللَّهِ وَيُؤْمِنُ لِلْمُؤْمِنِينَ وَرَحْمَةٌ لِلَّذِينَ آمَنُوا مِنْكُمْ وَالَّذِينَ يُؤْذُونَ رَسُولَ اللَّهِ لَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ ﴾ [التوبة: 61].


أيها الأحبة الكرام، ومن حماية الله ودفاعه عن رسوله عليه الصلاة والسلام كما تحدث القرآن: أنه كفاه المستهزئين به، فانتقم له منهم، قال تعالى: ﴿ إِنَّا كَفَيْنَاكَ الْمُسْتَهْزِئِينَ ﴾ [الحجر: 95]، ذكر ابن إسحاق في سيرته: أن عظماء المستهزئين من قريش كانوا خمسة، فلما تمادوا في الشر، وأكثروا برسول الله صلى الله عليه وسلم الاستهزاء، سلط الله عليهم ما كف استهزاءهم به بإصابة بعضهم بأوجاع شديدة كفّتهم عن الإيذاء، أو نزول ميتة السوء بالبقية الباقية منهم[3]، قال تعالى: ﴿ وَلَقَدِ اسْتُهْزِئَ بِرُسُلٍ مِنْ قَبْلِكَ فَحَاقَ بِالَّذِينَ سَخِرُوا مِنْهُمْ مَا كَانُوا بِهِ يَسْتَهْزِئُون ﴾ [الأنعام: 10]. وهذه الآية مصيبةٌ كلَّ مستهزئ برسول الله عليه الصلاة والسلام في كل زمان ومكان.


ومن حماية الله ودفاعه عنه: أن الله جعل مبغضه وعدوه هو الأقل والأذلّ المنقطع دابره[4]، قال تعالى: ﴿ إِنَّ شَانِئَكَ هُوَ الأَبْتَرُ ﴾ [الكوثر:3]، عن ابن عباس رضي الله عنهما قال: "لما قدم كعب بن الأشرف مكة، قالت له قريش: أنت حَبْر أهل المدينة وسيدهم؟ قال: نعم. قالوا: ألا ترى إلى هذا الصُّنبور المنبتر من قومه، يزعم أنه خير منا، ونحن أهل الحجيج وأهل السِّدانة وأهل السِّقاية؟ قال: أنتم خير منه. قال: فأُنزلت: ﴿ إِنَّ شَانِئَكَ هُوَ الأَبْتَرُ ﴾ [سورة الكوثر: 3]"[5]، فذهب أولئك المستهزئون الشانئون إلى الجحيم، وخلفوا وراءهم ذكر السوء.


وكما حصل لأولئك السابقين من المستهزئين مصرع السوء، ولعنة الدنيا والآخرة، حصل لأبي جهل وأبي لهب، فعن أبي هريرة قال: قال أبو جهل: هل يعفر محمد وجهه بين أظهركم؟ قال: فقيل: نعم، فقال: واللات والعزى لئن رأيته يفعل ذلك لأطأن على رقبته، أو لأعفرن وجهه في التراب، قال: فأتى رسولَ الله صلى الله عليه وسلم وهو يصلي زعم ليطأ على رقبته، قال: فما فَجِئهم منه إلا وهو ينكص على عقبيه، ويتقي بيديه، قال: فقيل له: مالك؟ فقال: إن بيني وبينه لخندقًا من نار، وهولاً وأجنحة! فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: لو دنا مني لاختطفته الملائكة عضواً عضوًا) قال: فأنزل الله عز وجل: ﴿ كَلَّا إِنَّ الْإِنْسَانَ لَيَطْغَى * أَنْ رَآهُ اسْتَغْنَى * إِنَّ إِلَى رَبِّكَ الرُّجْعَى * أَرَأَيْتَ الَّذِي يَنْهَى * عَبْدًا إِذَا صَلَّى * أَرَأَيْتَ إِنْ كَانَ عَلَى الْهُدَى * أَوْ أَمَرَ بِالتَّقْوَى * أَرَأَيْتَ إِنْ كَذَّبَ وَتَوَلَّى ﴾ [العلق: 6 - 13] - يعني: أبا جهل- ﴿ أَلَمْ يَعْلَمْ بِأَنَّ اللَّهَ يَرَى * كَلَّا لَئِنْ لَمْ يَنْتَهِ لَنَسْفَعًا بِالنَّاصِيَةِ * نَاصِيَةٍ كَاذِبَةٍ خَاطِئَةٍ * فَلْيَدْعُ نَادِيَهُ * سَنَدْعُ الزَّبَانِيَةَ * كَلَّا لَا تُطِعْهُ ﴾ [العلق: 14 - 19] [6]. وفي غزوة بدر كانت نهايته البئيسة المعلومة.


وقال تعالى في أبي لهب وزوجته أم جميل اللذين كانا يعاديانه ويؤذيانه: ﴿ تَبَّتْ يَدَا أَبِي لَهَبٍ وَتَبَّ * مَا أَغْنَى عَنْهُ مَالُهُ وَمَا كَسَبَ * سَيَصْلَى نَارًا ذَاتَ لَهَبٍ * وَامْرَأَتُهُ حَمَّالَةَ الْحَطَبِ * فِي جِيدِهَا حَبْلٌ مِنْ مَسَدٍ ﴾ [المسد: 1 - 5].


قال شيخ الإسلام: " ومن سنة الله أن من لم يمكَّن المؤمنون أن يعذبوه من الذين يؤذون الله ورسوله؛ فإن الله سبحانه ينتقم منه لرسوله ويكفيه إياه ... وقد كتب النبي صلى الله عليه وسلم إلى كسرى وقيصر وكلاهما لم يسلم، لكن قيصر أكرم كتاب النبي صلى الله عليه وسلم وأكرم رسوله فثبت ملكه، فيقال: إن الملك باق في ذريته إلى اليوم، وكسرى مزق كتاب رسول الله صلى الله عليه وسلم واستهزأ برسول الله صلى الله عليه وسلم فقتله الله بعد قليل، ومزق ملكه كل ممزق، ولم يبق للأكاسرة ملك. وهذا -والله أعلم- تحقيق لقوله تعالى: ﴿ إِنَّ شَانِئَكَ هُوَ الأَبْتَرُ ﴾ [الكوثر: 3]، فكل من شنأه وأبغضه وعاداه فإن الله يقطع دابره، ويمحق عينه وأثره"[7].


ومن مظاهر دفاع الله عنه وتأييده له عليه الصلاة والسلام: أنه وعده بإعلاء دينه والنصر في الدنيا على أعدائه، كما وعده بالكفاية من كيد خصومه ومكرهم به، فكم قد حاولوا قتله واغتياله والله يحول بينهم وبين ذلك، قال تعالى: ﴿ مَنْ كَانَ يَظُنُّ أَنْ لَنْ يَنصُرَهُ اللَّهُ فِي الدُّنْيَا وَالآخِرَةِ فَلْيَمْدُدْ بِسَبَبٍ إِلَى السَّمَاءِ ثُمَّ لْيَقْطَعْ فَلْيَنظُرْ هَلْ يُذْهِبَنَّ كَيْدُهُ مَا يَغِيظُ ﴾ [الحج: 15]، وقال: ﴿ أَلَيْسَ اللَّهُ بِكَافٍ عَبْدَهُ وَيُخَوِّفُونَكَ بِالَّذِينَ مِنْ دُونِهِ وَمَنْ يُضْلِلِ اللَّهُ فَمَا لَهُ مِنْ هَادٍ ﴾ [الزمر: 36]. وكيف يستطيعون غيلته وهو بعين الله وحفظه الذي قال له: ﴿ وَاصْبِرْ لِحُكْمِ رَبِّكَ فَإِنَّكَ بِأَعْيُنِنَا وَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ حِينَ تَقُومُ ﴾ [الطور: 48].


عن جابر بن عبد الله رضي الله عنهما أنه غزا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم قبل نجد فلما قفل رسول الله صلى الله عليه وسلم قفل معه فأدركتهم القائلة في واد كثير العضاه، فنزل رسول الله صلى الله عليه وسلم وتفرق الناس في العضاه يستظلون بالشجر، ونزل رسول الله صلى الله عليه وسلم تحت سمرة فعلق بها سيفه. قال جابر: فنمنا نومة، ثم إذا رسول الله صلى الله عليه وسلم يدعونا فجئناه، فإذا عنده أعرابي جالس، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ( إن هذا اخترط سيفي وأنا نائم فاستيقظت وهو في يده صلتًا فقال لي: من يمنعك مني؟ قلت: الله، فها هو ذا جالس). ثم لم يعاقبه رسول الله صلى الله عليه وسلم[8].


وعند أحمد بسند صحيح: عن جابر بن عبد الله، قال: قاتل رسول الله صلى الله عليه وسلم محارب خصفة بنخل، فرأوا من المسلمين غِرة، فجاء رجل منهم يقال له: غورث بن الحارث، حتى قام على رأس رسول الله صلى الله عليه وسلم بالسيف، فقال: من يمنعك مني؟ قال: ( الله )، فسقط السيف من يده، فأخذه رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: ( من يمنعك مني؟) قال: كن كخير آخذ، قال: (أتشهد أن لا إله إلا الله؟)، قال: لا، ولكني أعاهدك أن لا أقاتلك، ولا أكون مع قوم يقاتلونك، فخلى سبيله.


وعن أبي هريرة قال: كان رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم إذا نزل منزلًا نظروا أعظم شجرة يرونها فجعلوها للنبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم فينزل تحتها، وينزل أصحابه بعد ذلك في ظل الشجر، فبينما هو نازل تحت شجرة وقد علق السيف عليها إذ جاء أعرابي فأخذ السيف من الشجرة ثم دنا من النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم وهو نائم فأيقظه فقال: يا محمد، من يمنعك مني؟ فقال النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم: (الله)، فأنزل الله عز وجل: ﴿ يَا أَيُّهَا الرَّسُولُ بَلِّغْ مَا أُنزِلَ إِلَيْكَ مِنْ رَبِّكَ وَإِنْ لَمْ تَفْعَلْ فَمَا بَلَّغْتَ رِسَالَتَهُ وَاللَّهُ يَعْصِمُكَ مِنَ النَّاسِ إِنَّ اللَّهَ لا يَهْدِي الْقَوْمَ الْكَافِرِينَ ﴾  [المائدة: 67][9].


وعن عائشة قالت: كان النبي صلى الله عليه وسلم يُحرس حتى نزلت هذه الآية: ﴿ وَاللَّهُ يَعْصِمُكَ مِنَ النَّاسِ ﴾ [المائدة: 67]، فأخرج رسول الله صلى الله عليه وسلم رأسه من القبة فقال لهم: (يا أيها الناس، انصرفوا؛ فقد عصمني الله)[10].


بل حتى حماه تعالى من أعين المشركين الخبيثة كما قال تعالى: ﴿ وَإِنْ يَكَادُ الَّذِينَ كَفَرُوا لَيُزْلِقُونَكَ بِأَبْصَارِهِمْ لَمَّا سَمِعُوا الذِّكْرَ وَيَقُولُونَ إِنَّهُ لَمَجْنُونٌ ﴾ [القلم: 51]، يعني: " لينفذونك بأبصارهم، أي: ليعينونك بأبصارهم، بمعنى: يحسدونك؛ لبغضهم إياك، لولا وقاية الله لك، وحمايته إياك منهم"[11].


عباد الله، فانظروا إلى هذه الكفاية التامة، والحماية العامة، من كل كيد ومكر، وإضرار وفتك! فمن تولاه الله برعايته فلن يستطيع أحد أن يصيبه بمكروه لم يرد الله، ولو اجتمع عليه كل من في الأرض، فثقوا بالله ما دمتم من أهل تقواه.


أيها المسلمون، إن دعوة رسول الله عليه الصلاة والسلام لم تُستقبل لدى المشركين بالحب والترحاب، والإقبال والانقياد، بل قوبلت بالإعراض والعناد، والصد والتكذيب والإيذاء، إلا من هداه الله فاستجاب لما جاء به النبي الكريم من الحق.


فلذلك الرفض والعداء والإيذاء والصد والإعراض عن قبول الحق كان رسول الله يغتم ويحزن ، ويزداد خوفه على قومه من العقوبة، وكان هذا حرصًا منه وشفقة عليهم، صلى الله عليه وسلم.


ولكن الله تعالى أحب لنبيه الحبيب أن يكون مطمئن النفس، مرتاح البال، خاليًا من الحزن والغم، كثير الاطمئنان والسكينة والأمان؛ فلأجل هذا:

نهاه سبحانه وتعالى عن الحزن عليهم لما أدبروا عنه ولم يقبلوا عليه، وحين بقوا في كهوف الضلال دون أن يخرجوا إلى نور الإسلام، فقال تعالى: ﴿ وَلا تَحْزَنْ عَلَيْهِمْ وَلا تَكُنْ فِي ضَيْقٍ مِمَّا يَمْكُرُونَ ﴾ [النمل: 70]، ﴿ وَلا يَحْزُنْكَ الَّذِينَ يُسَارِعُونَ فِي الْكُفْرِ إِنَّهُمْ لَنْ يَضُرُّوا اللَّهَ شَيْئًا يُرِيدُ اللَّهُ أَلَّا يَجْعَلَ لَهُمْ حَظًّا فِي الآخِرَةِ وَلَهُمْ عَذَابٌ عَظِيمٌ ﴾ [آل عمران: 176].


وسلَّاه تعالى عن حزنه بأن غيره من الرسل قبله قد عانوا ما عانى، ولقوا ما لقي، فقال تعالى: ﴿ قَدْ نَعْلَمُ إِنَّهُ لَيَحْزُنُكَ الَّذِي يَقُولُونَ فَإِنَّهُمْ لَا يُكَذِّبُونَكَ وَلَكِنَّ الظَّالِمِينَ بِآيَاتِ اللَّهِ يَجْحَدُونَ * وَلَقَدْ كُذِّبَتْ رُسُلٌ مِنْ قَبْلِكَ فَصَبَرُوا عَلَى مَا كُذِّبُوا وَأُوذُوا حَتَّى أَتَاهُمْ نَصْرُنَا وَلَا مُبَدِّلَ لِكَلِمَاتِ اللَّهِ وَلَقَدْ جَاءَكَ مِنْ نَبَإِ الْمُرْسَلِينَ ﴾ [الأنعام: 33، 34]، وقال: ﴿ فَإِنْ كَذَّبُوكَ فَقَدْ كُذِّبَ رُسُلٌ مِنْ قَبْلِكَ جَاءُوا بِالْبَيِّنَاتِ وَالزُّبُرِ وَالْكِتَابِ الْمُنِيرِ ﴾ [آل عمران: 184]، وبين تعالى له أن حرصه على هدايتهم، وبذله أقصى جهده في انتشالهم من ضلالهم لا يهديهم مادام قد كتب عليهم الضلال، فلا ينبغي له أن يحزن والحال هذه، قال تعالى: ﴿ إِنْ تَحْرِصْ عَلَى هُدَاهُمْ فَإِنَّ اللَّهَ لا يَهْدِي مَنْ يُضِلُّ وَمَا لَهُمْ مِنْ نَاصِرِينَ ﴾ [النحل: 37]. وأراحه من حزن عدم تصديقهم لرسالته بأن شهادة الله بصدقه تكفيه شهادة، إضافة إلى شهادة علماء أهل الكتاب الذين أسلموا، فقال تعالى: ﴿ وَيَقُولُ الَّذِينَ كَفَرُوا لَسْتَ مُرْسَلًا قُلْ كَفَى بِاللَّهِ شَهِيدًا بَيْنِي وَبَيْنَكُمْ وَمَنْ عِنْدَهُ عِلْمُ الْكِتَابِ ﴾ [الرعد: 43].


كما أزال الله تعالى عنه وطأة المبالغة في الحرص على إسلامهم بأن قال له: ﴿ أَفَمَنْ زُيِّنَ لَهُ سُوءُ عَمَلِهِ فَرَآهُ حَسَنًا فَإِنَّ اللَّهَ يُضِلُّ مَنْ يَشَاءُ وَيَهْدِي مَنْ يَشَاءُ فَلا تَذْهَبْ نَفْسُكَ عَلَيْهِمْ حَسَرَاتٍ إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ بِمَا يَصْنَعُونَ ﴾ [فاطر: 8]، وقال: ﴿ فَلَعَلَّكَ بَاخِعٌ نَفْسَكَ عَلَى آثَارِهِمْ إِنْ لَمْ يُؤْمِنُوا بِهَذَا الْحَدِيثِ أَسَفًا ﴾ [الكهف: 6] يعني: فلا تفعل ذلك.


ولقد كان مما يحزن رسولَ الله ما يسمعه من المشركين من كلمات الكفر، والطعن بالقرآن، فأراحه الله من ثقل ذلك عليه فقال له:  ﴿ وَلا يَحْزُنْكَ قَوْلُهُمْ إِنَّ الْعِزَّةَ لِلَّهِ جَمِيعًا هُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ ﴾ [يونس: 65]، وقال: ﴿ فَلا يَحْزُنْكَ قَوْلُهُمْ إِنَّا نَعْلَمُ مَا يُسِرُّونَ وَمَا يُعْلِنُونَ ﴾ [يس: 76]. ومن ثَم بين له أن نزول القرآن عليه كان لراحته وليس لشقائه حزنًا على قوم مكذبين معاندين فقال تعالى له: ﴿ مَا أَنْزَلْنَا عَلَيْكَ الْقُرْآنَ لِتَشْقَى ﴾  [طه: 2].


حتى وصل التطمين والتسكين من الله تعالى لرسوله إلى نتيجة: أن عليه أن يؤدي البلاغ إلى الناس وتلك مهمته، فمن اهتدى فعائدة هدايته بالخير على نفسه، ومن ضل فليس عليه هدايته، ولا له الحزن عليه، فقال تعالى: ﴿ وَأَنْ أَتْلُوَ الْقُرْآنَ فَمَنِ اهْتَدَى فَإِنَّمَا يَهْتَدِي لِنَفْسِهِ وَمَنْ ضَلَّ فَقُلْ إِنَّمَا أَنَا مِنَ الْمُنذِرِينَ ﴾ [النمل: 92].


عباد الله، إن من مظاهر إيصال الله الراحة لرسوله عليه الصلاة والسلام، ورفع الحرج عنه: ما أباحه له من أصناف النساء؛ فأباح له الزواج بزوجة متبناه بعد أن يطلقها وتعتد، وأن يتزوج من النساء زيادة على أربع، وأن يتزوج من غير مهر ولا ولي ولا شهود إذا شاء، وأن يصير القَسم بين نسائه غير واجب عليه، بل له أن يضم إليه من يشاء منهن، ويؤخر من يشاء، فقال تعالى: ﴿ مَا كَانَ عَلَى النَّبِيِّ مِنْ حَرَجٍ فِيمَا فَرَضَ اللَّهُ لَهُ سُنَّةَ اللَّهِ فِي الَّذِينَ خَلَوْا مِنْ قَبْلُ وَكَانَ أَمْرُ اللَّهِ قَدَرًا مَقْدُورًا ﴾ [الأحزاب: 38]، وقال: ﴿ يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ إِنَّا أَحْلَلْنَا لَكَ أَزْوَاجَكَ اللَّاتِي آتَيْتَ أُجُورَهُنَّ وَمَا مَلَكَتْ يَمِينُكَ مِمَّا أَفَاءَ اللَّهُ عَلَيْكَ وَبَنَاتِ عَمِّكَ وَبَنَاتِ عَمَّاتِكَ وَبَنَاتِ خَالِكَ وَبَنَاتِ خَالاتِكَ اللَّاتِي هَاجَرْنَ مَعَكَ وَامْرَأَةً مُؤْمِنَةً إِنْ وَهَبَتْ نَفْسَهَا لِلنَّبِيِّ إِنْ أَرَادَ النَّبِيُّ أَنْ يَسْتَنكِحَهَا خَالِصَةً لَكَ مِنْ دُونِ الْمُؤْمِنِينَ قَدْ عَلِمْنَا مَا فَرَضْنَا عَلَيْهِمْ فِي أَزْوَاجِهِمْ وَمَا مَلَكَتْ أَيْمَانُهُمْ لِكَيْلا يَكُونَ عَلَيْكَ حَرَجٌ وَكَانَ اللَّهُ غَفُورًا رَحِيمًا ﴾ [الأحزاب: 50]  ﴿ تُرْجِي مَنْ تَشَاءُ مِنْهُنَّ وَتُؤْوِي إِلَيْكَ مَنْ تَشَاءُ وَمَنِ ابْتَغَيْتَ مِمَّنْ عَزَلْتَ فَلا جُنَاحَ عَلَيْكَ ذَلِكَ أَدْنَى أَنْ تَقَرَّ أَعْيُنُهُنَّ وَلا يَحْزَنَّ وَيَرْضَينَ بِمَا آتَيْتَهُنَّ كُلُّهُنَّ وَاللَّهُ يَعْلَمُ مَا فِي قُلُوبِكُمْ وَكَانَ اللَّهُ عَلِيمًا حَلِيمًا ﴾ [الأحزاب: 51].


عن عائشة قالت: (كنت أغار على اللاتي وهبن أنفسهن لرسول الله صلى الله عليه وسلم وأقول: وتهب المرأة نفسها؟! فلما أنزل الله عز وجل: ﴿ تُرْجِي مَنْ تَشَاءُ مِنْهُنَّ وَتُؤْوِي إِلَيْكَ مَنْ تَشَاءُ وَمَنِ ابْتَغَيْتَ مِمَّنْ عَزَلْتَ فَلا جُنَاحَ عَلَيْكَ ﴾ [الأحزاب: 51]. قلت: والله ما أرى ربك إلا يسارع لك في هواك)[12]. يعني: "ما أرى الله إلا موجداً لما تريد بلا تأخير، منزلاً لما تحب وتختار"[13]، و" يخفف عنك ويوسع عليك في الأمور"[14].


وقال أيضًا لزوجاته: ﴿ عَسَى رَبُّهُ إِنْ طَلَّقَكُنَّ أَنْ يُبْدِلَهُ أَزْوَاجًا خَيْرًا مِنْكُنَّ مُسْلِمَاتٍ مُؤْمِنَاتٍ قَانِتَاتٍ تَائِبَاتٍ عَابِدَاتٍ سَائِحَاتٍ ثَيِّبَاتٍ وَأَبْكَارًا ﴾  [التحريم: 5].


أيها الفضلاء، وهذا الإنعام الكبير على نبينا عليه الصلاة والسلام بإزالة كل حزن وغم عنه، وطلب راحته، وإذهاب المشقة عنه، ومحبة أن يبقى سالمًا من كدر إعراض المعرضين؛ يدل على مدى عناية الله به، ومحبته له.

أقول قولي هذا وأستغفر الله لي ولكم فاستغفروه إنه هو الغفور الرحيم.


الخطبة الثانية

الحمد لله وحده، والصلاة والسلام على من لا نبي بعده، وعلى آله وصحبه.

أما بعد:

أيها المسلمون، ومن حديث القرآن الكريم عن النبي الأمين عليه الصلاة والسلام: أنه تحدث عن مهمته التي أرسله الله لأجلها، ووظيفته السامية التي كلفه بها؛ ألا وهي: مهمة البلاغ، ووظيفة دعوة الخلق إلى الله.


فقد تحدث الذكر الحكيم عن ذلك حديثًا طويلاً، وذكر عن ذلك أموراً عديدة، فمن ذلك:

أنه تعالى أمره بالقيام بالدعوة وأرشده إلى بعض عوامل نجاحها فقال له: ﴿ يَا أَيُّهَا الْمُدَّثِّرُ * قُمْ فَأَنْذِرْ * وَرَبَّكَ فَكَبِّرْ * وَثِيَابَكَ فَطَهِّرْ * وَالرُّجْزَ فَاهْجُرْ * وَلَا تَمْنُنْ تَسْتَكْثِرُ * وَلِرَبِّكَ فَاصْبِرْ ﴾ [المدثر: 1 - 7].


ومن ذلك: أنه أمره بإبلاغ جميع ما أنزل إليه من غير تقصير ولا كتمان، فقال تعالى: ﴿ يَا أَيُّهَا الرَّسُولُ بَلِّغْ مَا أُنزِلَ إِلَيْكَ مِنْ رَبِّكَ وَإِنْ لَمْ تَفْعَلْ فَمَا بَلَّغْتَ رِسَالَتَهُ ﴾ [المائدة: 67]، عن مسروق عن عائشة أنها قالت: من حدثك أن النبي صلى الله عليه وسلم كتم شيئًا من الوحي فلا تصدقه؛ إن الله تعالى يقول: ﴿ يَا أَيُّهَا الرَّسُولُ بَلِّغْ مَا أُنزِلَ إِلَيْكَ مِنْ رَبِّكَ وَإِنْ لَمْ تَفْعَلْ فَمَا بَلَّغْتَ رِسَالَتَهُ ﴾ [المائدة: 67][15]، وعند مسلم : (قالت: ومن زعم أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كتم شيئًا من كتاب الله فقد أعظم على الله الفرية).


ولذلك بلغ رسول الله عليه الصلاة والسلام كل ما أنزل إليه، ولم يكتم شيئًا أمره الله تعالى بإبلاغه؛ ومما يدل على ذلك: إعلام الأمة بالآيات التي نزلت في عتابه؛ مثل قوله تعالى: ﴿ عَفَا اللَّهُ عَنْكَ لِمَ أَذِنتَ لَهُمْ حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَكَ الَّذِينَ صَدَقُوا وَتَعْلَمَ الْكَاذِبِينَ ﴾  [التوبة: 43]، قال بعض السلف: "هل سمعتم بمعاتبة أحسن من هذا؟ بدأ بالعفو قبل المعاتبة فقال: ﴿ عَفَا اللَّهُ عَنْكَ لِمَ أَذِنْتَ لَهُمْ ﴾ [16].


وقوله: ﴿ وَإِذْ تَقُولُ لِلَّذِي أَنْعَمَ اللَّهُ عَلَيْهِ وَأَنْعَمْتَ عَلَيْهِ أَمْسِكْ عَلَيْكَ زَوْجَكَ وَاتَّقِ اللَّهَ وَتُخْفِي فِي نَفْسِكَ مَا اللَّهُ مُبْدِيهِ وَتَخْشَى النَّاسَ وَاللَّهُ أَحَقُّ أَنْ تَخْشَاهُ ﴾ [الأحزاب: 37]، يعني: " وتخفي في نفسك ما أوحى الله به إليك من طلاق زيد لزوجه وزواجك منها، والله تعالى مظهر ما أخفيت، وتخاف المنافقين أن يقولوا: تزوج محمد مطلقة متبناه، والله تعالى أحق أن تخافه"[17].


عن أنس رضي الله عنه قال: (جاء زيد بن حارثة يشكو فجعل النبي صلى الله عليه وسلم يقول: ( اتق الله وأمسك عليك زوجك ). قال أنس: لو كان رسول الله صلى الله عليه وسلم كاتمًا شيئًا لكتم هذه)[18].


أيها الأحباب الكرام، ومن ذلك أيضًا: أنه أمره بسلوك أساليب دعوية في تبليغ الناس الرسالة ومنها: الدعوة بالحكمة والموعظة الحسنة والمجادلة بالتي هي أحسن فقال: ﴿ ادْعُ إِلَى سَبِيلِ رَبِّكَ بِالْحِكْمَةِ وَالْمَوْعِظَةِ الْحَسَنَةِ وَجَادِلْهُمْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ ﴾ [النحل: 125].


ومن ذلك أيضًا: أنه أمره أن يخبر من كذبه بأنه ليس أول رسول أرسل إلى الناس، بل هناك رسل قبله جاءوا بمثل ما جاء به من الدعوة، فقال تعالى: ﴿ قُلْ مَا كُنْتُ بِدْعًا مِنَ الرُّسُلِ وَمَا أَدْرِي مَا يُفْعَلُ بِي وَلا بِكُمْ إِنْ أَتَّبِعُ إِلَّا مَا يُوحَى إِلَيَّ وَمَا أَنَا إِلَّا نَذِيرٌ مُبِينٌ ﴾ [الأحقاف: 9].


ومن ذلك أيضًا: أن القرآن تولى الإجابة عن بعض الأسئلة التي وجهت إلى رسول الله عليه الصلاة والسلام حينما لم يحط علمًا بإجابتها، مثل قوله: ﴿ وَيَسْأَلُونَكَ عَنِ الرُّوحِ قُلِ الرُّوحُ مِنْ أَمْرِ رَبِّي وَمَا أُوتِيتُمْ مِنَ الْعِلْمِ إِلَّا قَلِيلًا ﴾ [الإسراء: 85]، وكان السائلون له ثلاثة أصناف: المشركون، وأسئلتُهم أسئلة تعجيزية؛ كالسؤال عن الساعة، واليهود وكانت أسئلتهم أسئلة امتحانية؛ كسؤالهم عن الروح، والصحابة وكانت أسئلتهم أسئلة استعلامية للاستفادة من الجواب عنها في التشريع؛ كالأسئلة الواردة في الأحكام الشرعية.


ومن ذلك: أنه تعالى دله على الطريق لجواب طلبات المشركين المتعنتين مثل قولهم: ﴿ لَنْ نُؤْمِنَ لَكَ حَتَّى تَفْجُرَ لَنَا مِنَ الْأَرْضِ يَنْبُوعًا * أَوْ تَكُونَ لَكَ جَنَّةٌ مِنْ نَخِيلٍ وَعِنَبٍ فَتُفَجِّرَ الْأَنْهَارَ خِلَالَهَا تَفْجِيرًا * أَوْ تُسْقِطَ السَّمَاءَ كَمَا زَعَمْتَ عَلَيْنَا كِسَفًا أَوْ تَأْتِيَ بِاللَّهِ وَالْمَلَائِكَةِ قَبِيلًا * أَوْ يَكُونَ لَكَ بَيْتٌ مِنْ زُخْرُفٍ أَوْ تَرْقَى فِي السَّمَاءِ وَلَنْ نُؤْمِنَ لِرُقِيِّكَ حَتَّى تُنَزِّلَ عَلَيْنَا كِتَابًا نَقْرَؤُهُ قُلْ سُبْحَانَ رَبِّي هَلْ كُنْتُ إِلَّا بَشَرًا رَسُولًا ﴾ [الإسراء: 90 - 93].


ومن ذلك أيضًا: أنه أرشده إلى الموقف الذي يكون عليه إذا رأى إعراض المشركين وعنادهم، وتوليهم وعدم استجابتهم وهو أن يعلم أن حسابهم ليس عليه، بل على الله الذي خلقهم، وليس عليه إلا البلاغ المبين، وأن يتاركهم في نهاية الأمر، ويفاصلهم، فقال: ﴿ فَإِنْ أَعْرَضُوا فَمَا أَرْسَلْنَاكَ عَلَيْهِمْ حَفِيظًا إِنْ عَلَيْكَ إِلَّا الْبَلاغُ ﴾ [الشورى: 48]، وقال: ﴿ فَإِنْ تَوَلَّوْا فَإِنَّمَا عَلَيْكَ الْبَلاغُ الْمُبِينُ ﴾ [النحل: 82]، وقال: ﴿ فَلِذَلِكَ فَادْعُ وَاسْتَقِمْ كَمَا أُمِرْتَ وَلا تَتَّبِعْ أَهْوَاءَهُمْ وَقُلْ آمَنْتُ بِمَا أَنْزَلَ اللَّهُ مِنْ كِتَابٍ وَأُمِرْتُ لِأَعْدِلَ بَيْنَكُمُ اللَّهُ رَبُّنَا وَرَبُّكُمْ لَنَا أَعْمَالُنَا وَلَكُمْ أَعْمَالُكُمْ لا حُجَّةَ بَيْنَنَا وَبَيْنَكُمُ اللَّهُ يَجْمَعُ بَيْنَنَا وَإِلَيْهِ الْمَصِيرُ ﴾ [الشورى: 15].


عباد الله، وبعد معرفة المهمة التي جاء لأجلها رسول الله، والعلم ببعض الجوانب التي تحدث عنها القرآن عن هذه الوظيفة؛ فإن علينا:

أولاً: أن نحمد الله تعالى على نعمة الرسالة التي جاءنا بها رسول الله وأوصلها إلينا كما أمره ربه من غير كتمان ولا نقصان، فالحمد لله على هذه النعمة.


ثانيًا: أن نزداد حبًا وتعظيمًا لهذا النبي الكريم الذي تحمل في سبيل هذه المهمة صنوف العناء والشدة.


ثالثًا: علينا أن نعمل بهذا الدين كما جاء إلينا؛ فلا نترك العمل به لغرض دنيوي، ولا نأخذ منه ما يوافق أهواءنا، وندع ما يخالفها؛ فإن ذلك ليس من اتباعه والاهتداء بهديه.


وللحديث بقية إن شاء الله تعالى.

هذا وصلوا وسلموا على النبي الهادي...

 


[1] ألقيت في مسجد ابن الأمير الصنعاني في: 4/1/1440هـ،14/9/2018م.

[2] ينظر: سيرة ابن هشام (1/ 484).

[3] سيرة ابن هشام (1/ 408).

[4] تفسير الطبري (24/ 656).

[5]رواه الطبري في تفسيره (8/ 466)، وصححه الألباني، صحيح السيرة النبوية (ص: 225).

[6] رواه مسلم.

[7] الصارم المسلول (ص: 171).

[8] متفق عليه.

[9] رواه الهيثمي في موارد الظمآن إلى زوائد ابن حبان، وهو حسن.

[10] رواه الترمذي، وهو حسن.

[11] تفسير ابن كثير (8/ 201).

[12] متفق عليه.

[13] فتح الباري (8/ 526).

[14] شرح النووي على مسلم (5/ 199).

[15] متفق عليه.

[16] تفسير ابن كثير (4/ 159).

[17] التفسير الميسر (7/ 347).

[18] رواه البخاري.





 حفظ بصيغة PDFنسخة ملائمة للطباعة أرسل إلى صديق تعليقات الزوارأضف تعليقكمتابعة التعليقات
شارك وانشر

مقالات ذات صلة

  • حديث القرآن عن سيد الخلق صلى الله عليه وآله وسلم (1)
  • حديث القرآن عن سيد الخلق صلى الله عليه وآله وسلم (3)

مختارات من الشبكة

  • كلمات وصفت القرآن(مقالة - آفاق الشريعة)
  • كان خلقه القرآن (طريقة لتدريس القرآن مع الوصول بالطالب إلى تطبيق هذا الحديث)(مقالة - آفاق الشريعة)
  • ثلاث آيات قرآنية تبين بطلان حديث: (اعرضوا الحديث على القرآن فما وافق القرآن فاقبلوه، وما خالف القرآن فردوه)(مقالة - آفاق الشريعة)
  • واجبنا نحو القرآن الكريم (خطبة)(مقالة - آفاق الشريعة)
  • شرح حديث (الذي قال لأولاده أحرقوني..) وذلك بإرجاع متشابه الحديث إلى محكمات القرآن والسنة(مقالة - آفاق الشريعة)
  • صدر حديثاً (تفسير القرآن بما ثبت من الأحاديث والآثار) لخالد عبدالرحمن المصري.(مقالة - موقع الشيخ الدكتور عبدالرحمن بن معاضة الشهري)
  • صدر حديثاً (التيار العلماني الحديث وموقفه من تفسير القرآن الكريم: عرض ونقد)(مقالة - موقع الشيخ الدكتور عبدالرحمن بن معاضة الشهري)
  • طريقة مقترحة لتدبر القرآن الكريم والتدريب عليه في حلق تحفيظ القرآن(مقالة - موقع الشيخ الدكتور عبدالرحمن بن معاضة الشهري)
  • التربية في القرآن الكريم: ملامح تربوية لبعض آيات القرآن الكريم - الجزء الثاني (PDF)(كتاب - مكتبة الألوكة)
  • محاضرات في الدفاع عن القرآن: المحاضرة الرابعة: رد دعوى الطاعنين بالقول بنقص القرآن(مادة مرئية - موقع الشيخ أ. د. عرفة بن طنطاوي)

 



أضف تعليقك:
الاسم  
البريد الإلكتروني (لن يتم عرضه للزوار)
الدولة
عنوان التعليق
نص التعليق

رجاء، اكتب كلمة : تعليق في المربع التالي

مرحباً بالضيف
الألوكة تقترب منك أكثر!
سجل الآن في شبكة الألوكة للتمتع بخدمات مميزة.
*

*

نسيت كلمة المرور؟
 
تعرّف أكثر على مزايا العضوية وتذكر أن جميع خدماتنا المميزة مجانية! سجل الآن.
شارك معنا
في نشر مشاركتك
في نشر الألوكة
سجل بريدك
  • بنر
  • بنر
كُتَّاب الألوكة
  • بمشاركة 75 متسابقة.. اختتام الدورة السادسة لمسابقة القرآن في يوتازينسكي
  • مسجد يطلق مبادرة تنظيف شهرية بمدينة برادفورد
  • الدورة الخامسة من برنامج "القيادة الشبابية" لتأهيل مستقبل الغد في البوسنة
  • "نور العلم" تجمع شباب تتارستان في مسابقة للمعرفة الإسلامية
  • أكثر من 60 مسجدا يشاركون في حملة خيرية وإنسانية في مقاطعة يوركشاير
  • مؤتمرا طبيا إسلاميا بارزا يرسخ رسالة الإيمان والعطاء في أستراليا
  • تكريم أوائل المسابقة الثانية عشرة للتربية الإسلامية في البوسنة والهرسك
  • ماليزيا تطلق المسابقة الوطنية للقرآن بمشاركة 109 متسابقين في كانجار

  • بنر
  • بنر

تابعونا على
 
حقوق النشر محفوظة © 1446هـ / 2025م لموقع الألوكة
آخر تحديث للشبكة بتاريخ : 13/11/1446هـ - الساعة: 23:33
أضف محرك بحث الألوكة إلى متصفح الويب