• الصفحة الرئيسيةخريطة الموقعRSS
  • الصفحة الرئيسية
  • سجل الزوار
  • وثيقة الموقع
  • اتصل بنا
English Alukah شبكة الألوكة شبكة إسلامية وفكرية وثقافية شاملة تحت إشراف الدكتور سعد بن عبد الله الحميد
 
الدكتور سعد بن عبد الله الحميد  إشراف  الدكتور خالد بن عبد الرحمن الجريسي
  • الصفحة الرئيسية
  • موقع آفاق الشريعة
  • موقع ثقافة ومعرفة
  • موقع مجتمع وإصلاح
  • موقع حضارة الكلمة
  • موقع الاستشارات
  • موقع المسلمون في العالم
  • موقع المواقع الشخصية
  • موقع مكتبة الألوكة
  • موقع المكتبة الناطقة
  • موقع الإصدارات والمسابقات
  • موقع المترجمات
 كل الأقسام | مقالات شرعية   دراسات شرعية   نوازل وشبهات   منبر الجمعة   روافد   من ثمرات المواقع  
اضغط على زر آخر الإضافات لغلق أو فتح النافذة اضغط على زر آخر الإضافات لغلق أو فتح النافذة
  •  
    سفيه لم يجد مسافها
    محمد تبركان
  •  
    ليس من الضروري
    د. سعد الله المحمدي
  •  
    خطبة: إذا أحبك الله
    الشيخ عبدالله محمد الطوالة
  •  
    هل الخلافة وسيلة أم غاية؟
    إبراهيم الدميجي
  •  
    إساءة الفهم أم سوء القصد؟ تفنيد شبهة الطعن في ...
    د. هيثم بن عبدالمنعم بن الغريب صقر
  •  
    تعظيم شعائر الله (خطبة)
    ساير بن هليل المسباح
  •  
    كثرة أسماء القرآن وأوصافه
    الشيخ أ. د. عرفة بن طنطاوي
  •  
    عفة النفس: فضائلها وأنواعها (خطبة)
    د. محمود بن أحمد الدوسري
  •  
    لا تغضب
    نورة سليمان عبدالله
  •  
    من مائدة السيرة: تحنثه صلى الله عليه وسلم في
    عبدالرحمن عبدالله الشريف
  •  
    أوصاف القرآن الكريم في الأحاديث النبوية الشريفة
    د. عبدالرحمن بن سعيد الحازمي
  •  
    تحريم أكل ما لم يذكر اسم الله عليه
    فواز بن علي بن عباس السليماني
  •  
    المسارعة إلى الاستجابة لأمر الله ورسوله صلى الله ...
    د. أمين بن عبدالله الشقاوي
  •  
    أفضل أيام الدنيا (خطبة)
    حسان أحمد العماري
  •  
    الحج وما يعادله في الأجر وأهمية التقيّد بتصاريحه ...
    د. صغير بن محمد الصغير
  •  
    تفسير قوله تعالى: { إن مثل عيسى عند الله كمثل آدم ...
    الشيخ أ. د. سليمان بن إبراهيم اللاحم
شبكة الألوكة / آفاق الشريعة / منبر الجمعة / الخطب / السيرة والتاريخ / السيرة
علامة باركود

شرح الصدر بمعجزات غزوة بدر

شرح الصدر بمعجزات غزوة بدر
السيد مراد سلامة

مقالات متعلقة

تاريخ الإضافة: 13/1/2025 ميلادي - 13/7/1446 هجري

الزيارات: 2987

 حفظ بصيغة PDFنسخة ملائمة للطباعة أرسل إلى صديق تعليقات الزوارأضف تعليقكمتابعة التعليقات
النص الكامل  تكبير الخط الحجم الأصلي تصغير الخط
شارك وانشر

شرح الصدر بمعجزات غزوة بدر


الخطبة الأولى

الحمد لله الذي نوَّر بجميل هدايته قلوب أهل السعادة، وطهَّر بكريم ولايته أفئدةَ الصادقين فأسكَن فيها وداده، ودعاها إلى ما سبق لها من عنايته، فأقبلت منقادة، الحميد المجيد الموصوف بالحياة والعلم والقدرة والإرادة، نحمَده على ما أَولى من فضلٍ وأفاده، ونشكُره معترفين بأن الشكر منه نعمة مُستفادة، وأشهد أن لا إله إلا الله، وحده لا شريك له، له الملك، وله الحمد وهو على كل شيء قدير، شهادة أَعُدُّها من أكبر نعمه وعطائه، وأعدها وسيلة إلى يوم لقائه، وأشهد أن سيدنا وحبيبنا وشفيعنا محمدًا عبد الله ورسوله، وصفيه من خلقه وحبيبه، الذي أقام به منابر الإيمان ورفع عماده، وأزال به سنانَ البهتان ودفع عناده.

وشفِّع فيَّ خيرَ الخلائق طرًّا
نبيًّا لم يزَل أبدًا حبيبَا
هو الهادي المشفَّع في البرايا
وكان له رحيمًا مستجيبَا
عليه من المهيمن كلَّ وقتٍ
صلاةٌ تَملأ الأكوانَ طِيبَا

 

وعلى آله وأصحابه ومن سار على نهجه، وتمسك بسنته واقتدى بهديه، واتَّبعهم بإحسان إلى يوم الدين، ونحن معهم يا أرحم الراحمين.

 

اعلموا علَّمني الله وإياكم، وزادني الله وإياكم علمًا - أن من المعارك الفاصلة التي مكَّن الله تعالى فيها لحملة رسالته، ونصَرهم نصرًا مبينًا غزوةَ بدر الكبرى، ولقد سَماها الله تعالى بيوم الفرقان، فقال الرحيم الرحمن: ﴿وَمَا أَنْزَلْنَا عَلَى عَبْدِنَا يَوْمَ الْفُرْقَانِ يَوْمَ الْتَقَى الْجَمْعَانِ وَاللَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ ﴾ [الأنفال: 41].

 

ومعركة بدر ملحمة من ملاحم الإيمان التي اشتملت على الآيات الباهرات وعلى المعجزات الظاهرات، وعلى الدروس الإيمانية والتربوية والأخلاقية، فهي بحق ملحمة كبرى.

 

لماذا غزوة بدر من أعظم الغزوات؟

الجواب بحول الكريم الوهاب:

أولًا: لأنها أول غزوة كان لها أثرها في إظهار قوة الإسلام، فكانت بدءَ الطريق ونقطة الانطلاق في انتشار الإسلام.

 

ثانيًا: لأنها رسمت الخط الفاصل بين الحق والباطل، فكانت الفرقان النفسي والمادي والمفاصلة التامة بين الإسلام والكفر، وفيها تجسَّدت هذه المعاني، فعاشها الصحابة واقعًا ماديًّا وحقيقة نفسية، وفيها تهاوت قيمُ الجاهلية، فالتقى الابن مقاتلًا لأبيه وأخيه والأخ مواجهة لأخيه.

 

ثالثًا: لأن المحرك لها هو الإيمان بالله وحده، لا العصبية ولا القبيلة، ولا الأحقاد والضغائن ولا الثأر، وفيها تجلَّت صورٌ رائعة من الإيمان بالله وصفاء العقيدة وحب هذا الدين.

 

العنصر الأول: معجزات قبل المعركة:

إليك أخي الحبيب بعض المعجزات التي أيَّد الله بها الفئة المؤمنة على الفئة الباغية الكافرة.

 

(أ) إنزال المطر عليهم:

حيث أنزل الله سبحانه من السماء ماءً كان رحمة على المؤمنين؛ قال تعالى: ﴿ وَيُنَزِّلُ عَلَيْكُمْ مِنَ السَّماءِ ماءً لِيُطَهِّرَكُمْ بِهِ وَيُذْهِبَ عَنْكُمْ رِجْزَ الشَّيْطانِ وَلِيَرْبِطَ عَلى قُلُوبِكُمْ وَيُثَبِّتَ بِهِ الْأَقْدامَ ﴾[الأنفال: 11]، فذكر سبحانه أنه أنزل المطر على المؤمنين لأربعة أسباب: للتطهير من الحدث، ولإذهاب وسوسة الشيطان، ولتثبيت القلوب، ولتلبيد الأرض الرملية في بدر لتثبُت عليها أقدام المؤمنين في سيرهم.

 

قال مجاهد: أنزل الله المطر فأطفأ الغبار وتلبَّدت الأرض، وطابت نفوسهم وثبتت أقدامهم، وقال عروة بن الزبير:

بعث الله السماء وكان الوادي دهسًا «تربته سهلة لينة»، فأصاب رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وأصحابه ما لبَّد «جعلها متماسكة» لهم الأرض، ولم يَمنعهم من المسير، وأصاب قريشًا ما لم يقدروا أن يرحلوا معه؛ أخرجه الطبري بسند حسن.

 

وكان نزول المطر سببًا في إذهاب وسوسة الشيطان الذي أراد به تثبيط المؤمنين عن القتال بعد احتلامهم بالليل؛ حيث كانوا يصلون مجنبين، فحين نزول المطر وجد الماء الذي اغتسلوا به من الجنابة، وأذهب الله بذلك رجز الشيطان؛ «الدر المنثور».

 

ولقد أثبت العلم الحديث أن عضلات القلب عبارة عن ألياف عضلية في شكل خيوط طولية وعرضية تلف القلب، فإذا أفرزت مادة (الأدرينالين) عملت على ارتخاء عضلات القلب، وبالتالي ترتخي تلك الألياف والحبال العضلية، كما تعمل على ارتعاش الأطراف، وقد وجد أن من أسرع الوسائل لتخفيض مادة (الأدرينالين) هو أن يرش الجسم بالماء، فيربط على القلب بتلك الحبال العضلية بانقباض العضلات، ويزول الارتخاء، كما تثبت الأقدام من ارتعاشها، وصدق الله القائل: ﴿ وَلِيَرْبِطَ عَلى قُلُوبِكُمْ وَيُثَبِّتَ بِهِ الْأَقْدامَ ﴾[الأنفال: 11].

 

(ب) تقليل عدد كل فريق في نظر الفريق الآخر:

ومن آيات الله في هذه المعركة أن جعل كلَّ فريق يرى عدد الفريق الآخر قليلًا، وذلك لحكمة أرادها الله تعالى، وهي أن تتم هذه المعركة وينتصر الحق على الباطل؛ قال تعالى: ﴿ وَإِذْ يُرِيكُمُوهُمْ إِذِ الْتَقَيْتُمْ فِي أَعْيُنِكُمْ قَلِيلًا وَيُقَلِّلُكُمْ فِي أَعْيُنِهِمْ لِيَقْضِيَ اللَّهُ أَمْرًا كانَ مَفْعُولًا وَإِلَى اللَّهِ تُرْجَعُ الْأُمُورُ ﴾[الأنفال: 44].

 

قال عبد الله بن عباس رضي الله عنهما: لَما دنا القوم بعضهم من بعض، قلَّل الله المسلمين في أعين المشركين، وقلَّل المشركين في أعين المسلمين.

 

(جـ) بيان مصارع الكفار:

الطبراني عن أنس بن مالك قال: أنشأ عمر بن الخطاب يحدثنا عن أهل بدر فقال: إن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - كان يرينا مصارعَ أهل بدر بالأمس من بدر، يقول: هَذَا مَصْرَعُ فُلَانٍ غَدًا إِنْ شَاءَ اللهُ، قَالَ: فَقَالَ عُمَرُ: فَوَالَّذِي بَعَثَهُ بِالْحَقِّ مَا أَخْطَؤُوا الْحُدُودَ الَّتِي حَدَّ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قَالَ: فَجُعِلُوا فِي بِئْرٍ بَعْضُهُمْ عَلَى بَعْضٍ، فَانْطَلَقَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - حَتَّى انْتَهَى إِلَيْهِمْ، فَقَالَ: يَا فُلَانَ بْنَ فُلَانٍ، وَيَا فُلَانَ بْنَ فُلَانٍ، هَلْ وَجَدْتُمْ مَا وَعَدَكُمُ اللهُ وَرَسُولُهُ حَقًّا؟ فَإِنِّي قَدْ وَجَدْتُ مَا وَعَدَنِي اللهُ حَقًّا[1].

 

(د) إلقاء النعاس على المؤمنين:

كان الصحابة على وجلٍ من قلَّتهم وكثرة عدوِّهم، فألقى الله عليهم النعاس أمنة منه؛ قال تعالى: ﴿إِذْ يُغَشِّيكُمُ النُّعاسَ أَمَنَةً مِنْهُ﴾ [الأنفال: 11]، وكذلك حصل في معركة أحد، فقد قال أبو طلحة: كنت ممن أصابه النعاس يوم أحد، ولقد سقط السيف من يدي مرارًا، يسقط وآخذه"[2].

 

قال ابن كثير رحمه الله: وهذا من فضل الله ورحمته بهم ونعمته عليهم؛ كما قال تعالى: ﴿ ﴿ فَإِنَّ مَعَ الْعُسْرِ يُسْرًا * إِنَّ مَعَ الْعُسْرِ يُسْرًا ﴾ [الشرح: 5، 6]، وقال عبد الله بن مسعود رضي الله عنه: النعاس في القتال أمنة من الله، وفي الصلاة من الشيطان[3].

 

العنصر الثاني: معجزات أثناء المعركة:

في أثناء المعركة حيث الحديث للسيوف وللرماح، حدثت معجزات قاهرات، قهرت الكافرين وسددت الموحدين، وقلبت موازين المعركة، معجزات ظاهرة نذكر إليكم منها:

(أ) إنزال الملائكة للقتال مع المؤمنين، والآيات تثبت ثلاثة أشياء هي:

الأول: نزول الملائكة.

 

الثاني: نزولهم ببشارة المؤمنين بنصر الله تعالى، رفعًا لمعنوياتهم وإعلاءً لإيمانهم ودينهم.

 

الثالث: مقاتلة الملائكة مع المؤمنين.

 

نبدأ بهذه الآية لوضوحها وهي قوله تعالى: ﴿وَلَقَدْ نَصَرَكُمُ اللَّهُ بِبَدْرٍ وَأَنْتُمْ أَذِلَّةٌ فَاتَّقُوا اللَّهَ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ * إِذْ تَقُولُ لِلْمُؤْمِنِينَ أَلَنْ يَكْفِيَكُمْ أَنْ يُمِدَّكُمْ رَبُّكُمْ بِثَلَاثَةِ آَلَافٍ مِنَ الْمَلَائِكَةِ مُنْزَلِينَ * بَلَى إِنْ تَصْبِرُوا وَتَتَّقُوا وَيَأْتُوكُمْ مِنْ فَوْرِهِمْ هَذَا يُمْدِدْكُمْ رَبُّكُمْ بِخَمْسَةِ آَلَافٍ مِنَ الْمَلَائِكَةِ مُسَوِّمِينَ * وَمَا جَعَلَهُ اللَّهُ إِلَّا بُشْرَى لَكُمْ وَلِتَطْمَئِنَّ قُلُوبُكُمْ بِهِ وَمَا النَّصْرُ إِلَّا مِنْ عِنْدِ اللَّهِ الْعَزِيزِ الْحَكِيمِ﴾ [آل عمران: 123 - 126].

 

وكذلك قوله تعالى: ﴿إِذْ تَسْتَغِيثُونَ رَبَّكُمْ فَاسْتَجَابَ لَكُمْ أَنِّي مُمِدُّكُمْ بِأَلْفٍ مِنَ الْمَلَائِكَةِ مُرْدِفِينَ * وَمَا جَعَلَهُ اللَّهُ إِلَّا بُشْرَى وَلِتَطْمَئِنَّ بِهِ قُلُوبُكُمْ وَمَا النَّصْرُ إِلَّا مِنْ عِنْدِ اللَّهِ إِن اللَّهَ عَزِيزٌ حَكِيمٌ﴾ [الأنفال: 9 - 10]، وقوله تعالى: ﴿ إِذْ يُوحِي رَبُّكَ إِلَى الْمَلَائِكَةِ أَنِّي مَعَكُمْ فَثَبِّتُوا الَّذِينَ آَمَنُوا سَأُلْقِي فِي قُلُوبِ الَّذِينَ كَفَرُوا الرُّعْبَ فَاضْرِبُوا فَوْقَ الْأَعْنَاقِ وَاضْرِبُوا مِنْهُمْ كُلَّ بَنَانٍ﴾ [الأنفال: 12].

 

عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ أَنَّ رَسُولَ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - قَالَ وَهُوَ فِي قُبَّةٍ يَوْمَ بَدْرٍ: "اللهُمَّ إِنِّي أَنْشُدُكَ عَهْدَكَ وَوَعْدَكَ، اللهُمَّ إِنْ شِئْتَ لَمْ تُعْبَدْ بَعْدَ الْيَوْمِ"، فَأَخَذَ أَبُو بَكْرٍ بِيَدِهِ، فَقَالَ: حَسْبُكَ يَا رَسُولَ اللهِ، فَقَدْ أَلْحَحْتَ عَلَى رَبِّكَ، وَهُوَ يَثِبُ فِي الدِّرْعِ، فَخَرَجَ وَهُوَ يَقُولُ: ﴿‌سَيُهْزَمُ الْجَمْعُ وَيُوَلُّونَ الدُّبُرَ﴾ [القمر: 45][4].

 

بل إنه صلى الله عليه وآله وسلم كان يحدِّد مواضع قتل المشركين، فيقول: هذا مصرع فلان إن شاء الله تعالى غدًا، ويضع يده على الأرض، وهذا مصرع فلان إن شاء الله تعالى غدًا، ويضع يده على الأرض، فكان الأمر كما قال - صلى الله عليه وسلم[5].

 

وأمدَّ الله المسلمين في تلك الغزوة بألف من الملائكة الكرام، وأمَرهم بالقتال مع المؤمنين، وأوحى إليهم أن يثبتوا المؤمنين، ووعد سبحانه أنه سيلقي الرعب في قلوب الكافرين؛ قال تعالى: ﴿ إِذْ يُوحِي رَبُّكَ إِلَى الْمَلائِكَةِ أَنِّي مَعَكُمْ فَثَبِّتُوا الَّذِينَ آمَنُوا سَأُلْقِي فِي قُلُوبِ الَّذِينَ كَفَرُوا الرُّعْبَ فَاضْرِبُوا فَوْقَ الْأَعْناقِ وَاضْرِبُوا مِنْهُمْ كُلَّ بَنانٍ ﴾ [الأنفال: 12]؛ عَنِ ابن عباس رضي الله عنهما قال: قَالَ النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم - يَوْمَ أحد: (‌هذا جبريل آخذ برأس فرسه، عليه أداة الحرب)[6].

 

وقال ابن عباس رضي الله عنهما: بينما رجل من المسلمين يومئذ يشتد في أثر رجلٍ من المشركين أمامه؛ إذ سمع ضربة بالسوط من فوقه، وصوت الفارس فوقه يقول: أقدم حيزوم؛ إذ نظر إلى المشرك أمامه مستلقيًا، فنظر إليه، فإذا هو قد خطم أنفه «أُصيب أنفه وضرب»، وشُقَّ وجهه كضربة السوط، فاخضرَّ ذلك أجمع، فجاء الأنصاري، فحدَّث بذلك رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، فقال: صدقت، ذلك من مدد السماء الثالثة[7].

 

عَنْ أَبِي دَاوُدَ الْمَازِنِيِّ وَكَانَ شَهِدَ بَدْرًا، قَالَ: "إِنِّي لَأَتْبَعُ رَجُلًا مِنَ الْمُشْرِكِينَ لِأَضْرِبَهُ، إِذْ وَقَعَ رَأْسُهُ قَبْلَ أَنْ يَصِلَ إِلَيْهِ سَيْفِي، فَعَرَفْتُ أَنَّهُ قَدْ قَتَلَهُ غَيْرِي"[8].

 

(ب) مقتل أمية بن خلف:

عَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ مَسْعُودٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ قَالَ: «انْطَلَقَ سَعْدُ بْنُ مُعَاذٍ مُعْتَمِرًا قَالَ فَنَزَلَ عَلَى أُمَيَّةَ بْنِ خَلَفٍ أَبِي صَفْوَانَ، وَكَانَ أُمَيَّةُ إِذَا انْطَلَقَ إِلَى الشَّأْمِ فَمَرَّ بِالْمَدِينَةِ نَزَلَ عَلَى سَعْدٍ، فَقَالَ أُمَيَّةُ لِسَعْدٍ انْتَظِرْ حَتَّى إِذَا انْتَصَفَ النَّهَارُ، وَغَفَلَ النَّاسُ انْطَلَقْتُ فَطُفْتُ، فَبَيْنَا سَعْدٌ يَطُوفُ إِذَا أَبُو جَهْلٍ، فَقَالَ: مَنْ هَذَا الَّذِي يَطُوفُ بِالْكَعْبَةِ، فَقَالَ سَعْدٌ أَنَا سَعْدٌ، فَقَالَ أَبُو جَهْلٍ تَطُوفُ بِالْكَعْبَةِ آمِنًا وَقَدْ آوَيْتُمْ مُحَمَّدًا وَأَصْحَابَهُ، فَقَالَ نَعَمْ، فَتَلَاحَيَا بَيْنَهُمَا، فَقَالَ أُمَيَّةُ لسَعْدٍ لَا تَرْفَعْ صَوْتَكَ عَلَى أَبِي الْحَكَمِ، فَإِنَّهُ سَيِّدُ أَهْلِ الْوَادِي، ثُمَّ قَالَ سَعْدٌ: وَاللهِ لَئِنْ مَنَعْتَنِي أَنْ أَطُوفَ بِالْبَيْتِ لَأَقْطَعَنَّ مَتْجَرَكَ بِالشَّامِ، قَالَ فَجَعَلَ أُمَيَّةُ يَقُولُ لِسَعْدٍ: لَا تَرْفَعْ صَوْتَكَ وَجَعَلَ يُمْسِكُهُ، فَغَضِبَ سَعْدٌ فَقَالَ: دَعْنَا عَنْكَ، فَإِنِّي سَمِعْتُ مُحَمَّدًا صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَزْعُمُ أَنَّهُ قَاتِلُكَ، قَالَ: إِيَّايَ قَالَ نَعَمْ، قَالَ: وَاللهِ مَا يَكْذِبُ مُحَمَّدٌ إِذَا حَدَّثَ، فَرَجَعَ إِلَى امْرَأَتِهِ فَقَالَ أَمَا تَعْلَمِينَ مَا قَالَ لِي أَخِي الْيَثْرِبِيُّ، قَالَتْ: وَمَا قَالَ؟ قَالَ: زَعَمَ أَنَّهُ سَمِعَ مُحَمَّدًا يَزْعُمُ أَنَّهُ قَاتِلِي، قَالَتْ: فَوَاللهِ مَا يَكْذِبُ مُحَمَّدٌ، قَالَ: فَلَمَّا خَرَجُوا إِلَى بَدْرٍ وَجَاءَ الصَّرِيخُ، قَالَتْ لَهُ امْرَأَتُهُ: أَمَا ذَكَرْتَ مَا قَالَ لَكَ أَخُوكَ الْيَثْرِبِيُّ، قَالَ: فَأَرَادَ أَلَا يَخْرُجَ فَقَالَ لَهُ أَبُو جَهْلٍ، إِنَّكَ مِنْ أَشْرَافِ الْوَادِي فَسِرْ يَوْمًا أَوْ يَوْمَيْنِ، فَسَارَ مَعَهُمْ فَقَتَلَهُ اللهُ»[9].

 

(ج) سيف عكاشة - رضي الله عنه:

ومن المعجزات النبوية التي أكرم الله بها نبيه - صلى الله عليه وسلم - في غزوة بدر ما ذكره ابن القيم في كتبه زاد المعاد أن سيف عُكَّاشة بن محصن انقطع يومئذ، فأعطاه النبي – صلى الله عليه وسلم - جذلًا من حطب، فقال: (دونك هذا)، فلما أخذه عكاشة وهزه، عاد في يده سيفًا طويلًا شديدًا أبيضَ، فلم يزل عنده يقاتل به حتى قُتل في الردة أيام أبي بكر"[10].

 

(د) ردُّ عين رفاعة رضي الله عنه:

وذكر ابن كثير في البداية والنهاية أن رفاعة بن رافع - رضي الله عنه - قال: "لَما كان يومُ بَدرٍ تجَمَّع الناسُ على أُبَيِّ بن خلف، فأقبَلْتُ إليه فنظرتُ إلى قطعة من دِرعِهِ قدِ انقَطعَتْ من تَحتِ إِبِطهِ، قال فطَعنتُهُ بالسَّيف فيها طعنة، ورُمِيتُ بسهم يوم بدر، فَفُقِئَتْ عَينِي، فَبصق فيها رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ودعا لي، فما آذاني منها شيء"[11].

 

العنصر الثالث: معجزات بعد انتهاء المعركة:

سماع المشركين كلام النبي - صلى الله عليه وسلم - وخطابه وهم أموات في القليب، روى البخاري ومسلم في صحيحيهما من حديث أبي طلحة رضي اللهُ عنه أَنَّ نَبِيَّ اللَّهِ – صلى الله عليه وسلم - أَمَرَ يَوْمَ بَدْرٍ بِأَرْبَعَةٍ وَعِشْرِينَ رَجُلًا مِنْ صَنَادِيدِ قُرَيْشٍ، فَقُذِفُوا فِي طَوِيٍّ مِنْ أَطْوَاء [12] بَدْرٍ، خَبِيثٍ مُخْبِثٍ، وَكَانَ إِذَا ظَهَرَ عَلَى قَوْمٍ أَقَامَ بِالْعَرْصَةِ ثَلَاثَ لَيَالٍ، فَلَمَّا كَانَ بِبَدْرٍ الْيَوْمَ الثَّالِثَ أَمَرَ بِرَاحِلَتِهِ فَشُدَّ عَلَيْهَا رَحْلُهَا ثُمَّ مَشَى وَاتَّبَعَهُ أَصْحَابُهُ، وَقَالُوا: مَا نُرَى يَنْطَلِقُ إِلَّا لِبَعْضِ حَاجَتِهِ، حَتَّى قَامَ عَلَى شَفَةِ الرَّكِيِّ، فَجَعَلَ يُنَادِيهِمْ بِأَسْمَائِهِمْ وَأَسْمَاءِ آبَائِهِمْ، يَا فُلاَنُ ابْنَ فُلَانٍ، وَيَا فُلَانُ بْنَ فُلَانٍ: "أَيَسُرُّكُمْ أَنَّكُمْ أَطَعْتُمُ اللَّهَ وَرَسُولَهُ، فَإِنَّا قَدْ وَجَدْنَا مَا وَعَدَنَا رَبُّنَا حَقًّا، فَهَلْ وَجَدْتُمْ مَا وَعَدَ رَبُّكُمْ حَقًّا؟" قَالَ: فَقَالَ عُمَرُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ مَا تُكَلِّمُ مِنْ أَجْسَادٍ لَا أَرْوَاحَ لَهَا؟ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى اللهُ عليه وسلم: "وَالَّذِي نَفْسُ مُحَمَّدٍ بِيَدِهِ مَا أَنْتُمْ بِأَسْمَعَ لِمَا أَقُولُ مِنْهُمْ"، قَالَ قَتَادَةُ: أَحْيَاهُمُ اللَّهُ حَتَّى أَسْمَعَهُمْ قَوْلَهُ تَوْبِيخًا وَتَصْغِيرًا وَنَقِيمَةً وَحَسْرَةً وَنَدَمًا"[13].

 

قد كانت غزوة بدر آية من الآيات الدالة على قدرة رب الأرض والسماوات، آية في إحقاق الحق وإبطال الباطل، آية قلبت موازين البشر التي تقول: إن الغلبة للقوة والغلبة للعدة، آية في التضحية والفداء، آية في الولاء والبراء، آية في الوفاء، آية في الطاعة والانقياد.

 

هيَّا أخي المسلم لنستلهم الدروس والعبر:

أولًا: حقيقة النصر من الله تعالى:

اعلموا عباد الله أن النصر ليس إلا من عند الله، تلك الحقيقة التي سطرها الله تعالى في تلك الغزوة في قوله: ﴿ وَمَا جَعَلَهُ اللهُ إِلاَّ بُشْرَى لَكُمْ وَلِتَطْمَئِنَّ قُلُوبُكُمْ بِهِ وَمَا النَّصْرُ إِلاَّ مِنْ عِنْدِ اللهِ الْعَزِيزِ الْحَكِيمِ ﴾ [آل عمران: 126]، وقوله تعالى: ﴿ وَمَا جَعَلَهُ اللهُ إِلاَّ بُشْرَى وَلِتَطْمَئِنَّ بِهِ قُلُوبُكُمْ وَمَا النَّصْرُ إِلاَّ مِنْ عِنْدِ اللهِ إِنَّ اللهَ عَزِيزٌ حَكِيمٌ ﴾ [الأنفال: 10]، فالله هو الناصر والنصير، وهو ذو القوة والجبروت.

 

في هاتين الآيتين تأكيد أن النصر لا يكون إلا من عند الله عز وجل، والمعنى: ليس النصر إلا من عند الله دون غيره، و(العزيز)؛ أي: ذو العزة التي لا ترام، و(الحكيم) أي: الحكيم فيما شرعه من قتال الكفار مع القدرة على دمارهم وإهلاكهم بحوله وقوته سبحانه وتعالى.

 

ويستفاد من هاتين الآيتين: تعليم المؤمنين الاعتماد على الله وحده، وتفويض أمورهم إليه، مع تأكيد أن النصر إنما هو من عند الله وحده، وليس من الملائكة أو غيرهم، فالأسباب يجب أن يأخذ بها المسلمون، لكن يجب ألا يغترُّوا بها، وأن يكون اعتمادهم على خالق الأسباب؛ حتى يمدَّهم الله بنصره وتوفيقه، ثم بيَّن سبحانه مظاهر فضله على المؤمنين، وأن النصر الذي كان في بدر، وقتلهم المشركين، ورمي النبي صلى الله عليه وسلم المشركين بالتراب يوم بدر، إنما كان في الحقيقة بتوفيق الله أولًا وبفضله ومعونته.

 

وبهذه الآية الكريمة يربي القرآن المسلمين ويعلمهم الاعتماد عليه؛ قال تعالى: ﴿ فَلَمْ تَقْتُلُوهُمْ وَلَكِنَّ اللهَ قَتَلَهُمْ وَمَا رَمَيْتَ إِذْ رَمَيْتَ وَلَكِنَّ اللهَ رَمَى وَلِيُبْلِيَ الْمُؤْمِنِينَ مِنْهُ بَلاءً حَسَنًا إِنَّ اللهَ سَمِيعٌ عَلِيمٌ ﴾ [الأنفال: 17]، ولَمَّا بيَّن سبحانه وتعالى أن النصر كان من عنده، وضح بعض الحكم من ذلك النصر؛ قال تعالى: ﴿ لِيَقْطَعَ طَرَفًا مِنَ الَّذِينَ كَفَرُوا أَوْ يَكْبِتَهُمْ فَيَنقَلِبُوا خَائِبِينَ لَيْسَ لَكَ مِنَ الأمْرِ شَيْءٌ أَوْ يَتُوبَ عَلَيْهِمْ أَوْ يُعَذِّبَهُمْ فَإِنَّهُمْ ظَالِمُونَ ﴾ [آل عمران: 127، 128].

 

ثالثًا: الولاء والبراء من فقه الإيمان:

هذه هي غزوة الولاء والبراء فقد تجلت تلك الحقيقة على أرض الواقع في ميدان المعركة، فقد التقى الآباء مع الأبناء والإخوة مع الإخوة، والأبناء مع أعمامهم وأخوالهم، فلم يمنعهم ذلك من إحقاق الحق ونصرة الدين، فالوشيجة ليست وشيجة العرق ولا الدم ولا اللون ولا اللغة ولا الوطن، وإنما الوشيجة هي وشيجة الإيمان بالله تعالى.

 

رسَمت غزوة بدر لأجيال الأمة صورًا مشرقة في الولاء والبراء، وجعلت خطًّا فاصلًا بين الحق والباطل، فكانت الفرقان النفسي والمادي، والمفاصلة التامة بين الإسلام والكفر، وفيها تجسدت هذه المعاني، فعاشها الصحابة واقعًا ماديًّا وحقيقة نفسية، وفيها تهاوت القيم الجاهلية.

 

وإليك بيان ذلك، فالتقى الابن بأبيه والأخ بأخيه:

1- كان أبو حذيفة بن عتبة بن ربيعة في صف المسلمين، وكان أبوه عتبة وأخوه الوليد وعمه شيبة في صف المشركين، وقد قُتلوا جميعًا في المبارزة الأولى.

 

2- كان أبو بكر الصديق في صف المسلمين. وكان ابنه عبد الرحمن في صف المشركين.

 

3- كان مصعب بن عمير حامل لواء المسلمين، وكان أخوه أبو عزيز بن عمير في صف المشركين، ثم وقع أسيرًا في يد أحد الأنصار، فقال مصعب للأنصاري: شُدَّ يدك به فإن أمه ذات متاع، فقال أبو عزيز: يا أخي هذه وصيتك بي؟ فقال مصعب: إنه أخي دونك، تلك كانت حقائق وليس مجرَّد كلمات، إنه أخي دونك، إنها القيم المطروحة لتقوم الإنسانية على أساسها، فإذا العقيدة هي آصرة النسب والقرابة، وهي الرباط الاجتماعي.

 

4- كان شعار المسلمين في بدر (أَحَدٌ، أَحَدٌ)، وهذا يعني أن القتال في سبيل عقيدة تتمثل بالعبودية للإله الواحد، فلا العصبية ولا القبلية، ولا الأحقاد والضغائن، ولا الثأر هو الباعث والمحرك، ولكنه الإيمان بالله وحده.

 

ثالثًا: أن الدعاء من أعظم أسباب النصر على الأعداء؛ قال تعالى: ﴿ إِذْ تَسْتَغِيثُونَ رَبَّكُمْ فَاسْتَجَابَ لَكُمْ أَنِّي مُمِدُّكُمْ بِأَلْفٍ مِنْ الْمَلائِكَةِ مُرْدِفِينَ﴾ [الأنفال: 9].

 

وقال تعالى: ﴿ وَإِذَا سَأَلَكَ عِبَادِي عَنِّي فَإِنِّي قَرِيبٌ أُجِيبُ دَعْوَةَ الدَّاعِي إِذَا دَعَانِي فَلْيَسْتَجِيبُوا لِي وَلْيُؤْمِنُوا بِي لَعَلَّهُمْ يَرْشُدُونَ﴾ [البقرة: 186].

 

وكان النبي - صلى الله عليه وسلم - يدعو ربه ويستغيث به كلما نزل به كربٌ أو شدة، كما حدث في غزوة بدر.

 

رابعا: إن الإخلاص والصدق من أسباب النصر على الأعداء؛ قال تعالى: ﴿ وَلَيَنصُرَنَّ اللَّهُ مَنْ يَنصُرُهُ إِنَّ اللَّهَ لَقَوِيٌّ عَزِيزٌ ﴾ [الحج: 40]، قال تعالى: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَكُونُوا مَعَ الصَّادِقِينَ ﴾ [التوبة: 119].

 

وفي الصحيحين من حديث أبي موسى الأشعري - رضي الله عنه - عَنْ أَبِي مُوسَى «أَنَّ رَجُلًا قَالَ: يَا رَسُولَ اللهِ، الرَّجُلُ يُقَاتِلُ لِيُرَى مَكَانُهُ، وَيُقَاتِلُ لِلذِّكْرِ، وَيُقَاتِلُ لِلْمَغْنَمِ، فَمَنْ فِي سَبِيلِ اللهِ؟ قَالَ: مَنْ قَاتَلَ لِتَكُونَ كَلِمَةُ اللهِ هِيَ الْعُلْيَا فَهُوَ فِي سَبِيلِ اللهِ»[14].

 

وهذا ما حدث في غزوة بدر، فإن المؤمنين لما صدقوا مع الله، وأخلصوا له كان النصر حليفهم.

 

خامسا: أن الشيطان يُحسن للإنسان المعاصي، ويزيِّنها له، فإذا وقع فيما يريد تخلى عنه، وهذا ما حدث في غزوة بدر، فإن الشيطان زيَّن لكفرة قريش الخروج لحرب النبي – صلى الله عليه وسلم - ثم تولى عنهم؛ قال تعالى: ﴿ وَإِذْ زَيَّنَ لَهُمْ الشَّيْطَانُ أَعْمَالَهُمْ وَقَالَ لا غَالِبَ لَكُمْ الْيَوْمَ مِنْ النَّاسِ وَإِنِّي جَارٌ لَكُمْ فَلَمَّا تَرَاءَتْ الْفِئَتَانِ نَكَصَ عَلَى عَقِبَيْهِ وَقَالَ إِنِّي بَرِيءٌ مِنْكُمْ إِنِّي أَرَى مَا لا تَرَوْنَ إِنِّي أَخَافُ اللَّهَ وَاللَّهُ شَدِيدُ الْعِقَابِ﴾ [الأنفال: 48].

 

سادسًا: الوفاء بالعهد من صفات المؤمنين، وقد حث الله ورسوله عليهما، وقد ضرب النبي – صلى الله عليه وسلم - مثلًا لأصحابه، ففي حُذَيْفَةُ بْنُ الْيَمَانِ قَالَ: «مَا مَنَعَنِي أَنْ أَشْهَدَ بَدْرًا، إِلَّا أَنِّي خَرَجْتُ أَنَا وَأَبِي حُسَيْلٌ، قَالَ: فَأَخَذَنَا كُفَّارُ قُرَيْشٍ، قَالُوا: إِنَّكُمْ تُرِيدُونَ مُحَمَّدًا، فَقُلْنَا: مَا نُرِيدُهُ، مَا نُرِيدُ إِلَّا الْمَدِينَةَ، فَأَخَذُوا مِنَّا عَهْدَ اللهِ وَمِيثَاقَهُ لَنَنْصَرِفَنَّ إِلَى الْمَدِينَةِ وَلَا نُقَاتِلُ مَعَهُ، فَأَتَيْنَا رَسُولَ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - فَأَخْبَرْنَاهُ الْخَبَرَ فَقَالَ: انْصَرِفَا، نَفِي لَهُمْ بِعَهْدِهِمْ وَنَسْتَعِينُ اللهَ عَلَيْهِمْ»[15].

 

سابعًا: أن المؤمن قد يكره الشيء ويكون خيرًا له، وهذا ما حدث في هذه الغزوة، عندما كره فريق من المؤمنين انفلات العير، والمواجهة مع المشركين في معركة حاسمة، لم يتهيؤوا لها، لا بالعدد ولا بالعُدة، وقد جعل فيها خيرًا كثيرًا، فقُتل سبعون من المشركين، وأُسِرَ سبعون، وكانت ضربة قاصمة لقريش.

 

ثامنا: أن النصر بالملائكة ليس خاصًّا بأهل بدر، ولكنه عام لكل من جمع هذه الشروط الثلاثة، وهي الإيمان والصبر والتقوى، لقوله: ﴿ إِذْ تَقُولُ لِلْمُؤْمِنِينَ أَلَنْ يَكْفِيَكُمْ أَنْ يُمِدَّكُمْ رَبُّكُمْ بِثَلاثَةِ آلافٍ مِنْ الْمَلائِكَةِ مُنْزَلِينَ ﴾ [آل عمران: 124].

 

ولقوله: ﴿ بَلَى إِنْ تَصْبِرُوا وَتَتَّقُوا وَيَأْتُوكُمْ مِنْ فَوْرِهِمْ هَذَا يُمْدِدْكُمْ رَبُّكُمْ بِخَمْسَةِ آلافٍ مِنْ الْمَلائِكَةِ مُسَوِّمِينَ﴾ [آل عمران: 125].

 

تاسعا: أن الانتصار للتقوى، فإن غابت التقوى كان الانتصار للأقوى، وتلك سنة الله التي لا تحابي أحدًا، وهي ما سطَّرها ابن رواحة - رضي الله عنه - (يا قوم، والله إن الذي تكرهون للذي خرجتُم تطلبون، الشهادة! وما نقاتل الناس بعددٍ ولا قوة ولا كثرةٍ، ما نقاتلهم إلا بهذا الدين الذي أكرَمنا الله به، فانطلقوا فإنما هي إحدى الحسنيين: إما ظهور، وإما شهادة).

 

اللهم استُرنا ولا تفضَحنا، وأكرِمنا ولا تُهنا، وكن لنا ولا تكُن علينا.

 

اللهم لا تدَع لأحدٍ منا في هذا المقام الكريم ذنبًا إلا غفَرته، ولا مريضًا إلا شفيتَه، ولا دَينًا إلا قضيته، ولا همًّا إلا فرَّجته، ولا ميتًا إلا رحِمته، ولا عاصيًا إلا هديته، ولا طائعًا إلا سدَّدته، ولا حاجة هي لك رضا ولنا فيها صلاحٌ إلا قضيتَها يا رب العالمين.

 

اللهم اجعَل جمعنا هذا جمعًا مرحومًا، وتفرُّقنا من بعده تفرُّقًا معصومًا، ولا تجعل فينا ولا منَّا ولا معنا شقيًّا أو محرومًا.

 

اللهم اهدِنا واهدِ بنا، واجعلنا سببًا لمن اهتدى.

 

اللهم إن أردتَ بالناس فتنةً، فاقبِضنا إليك غيرَ خزايا ولا مفتونين ولا مغيِّرين ولا مبدِّلين، برحمتك يا أرحم الراحمين.

 

اللهم احمِل المسلمين الحفاةَ، واكسُ المسلمين العراةَ، وأطعِم المسلمين الجياعَ.



[1] أخرجه مسلم (2873)، وأحمد (182).

[2] أخرجه البخاري ك/ المغازي ب: ﴿ ثُمَّ أَنْزَلَ عَلَيْكُمْ مِنْ بَعْدِ الْغَمِّ أَمَنَةً نُعاسًا ﴾ [آل عمران: 154]، والنسائي في السنن الكبرى 6/ 349، وابن أبي شيبة في المصنف 7/ 370.

[3] أخرجه الطبري في تفسيره 4/ 141، وابن أبي حاتم كما في تفسير ابن كثير 1/ 419، وسنده صحيح، انظر التفسير الصحيح 2/ 388.

[4] أخرجه البخاري في الصحيح 6/ 99، كتاب الجهاد (56)، باب ما قيل في درع النَّبيّ - صلى اللَّه عليه وسلم - (89)، الحديث (2915).

[5] أخرجه مسلم ك/ الجهاد والسير ب/ غزوة بدر وفي ك/ صفة القيامة والجنة والنار ب/ عرض مقعد الميت من الجنة أو النار عليه وأبو داود ك/ الجهاد ب/ في الأسير ينال منه الضرب والنسائي ك/ الجنائر ب/ أرواح المؤمنين وأحمد في المسند 1/ 26 وابن حبان في صحيحه 11/ 25 وغيرهم.

[6] أخرجه البخاري في الصحيح 7/ 312، كتاب المغازي (64)، باب شهود الملائكة بدرًا (11)، الحديث (3995)

[7] أخرجه مسلم (1763).

[8] «سيرة ابن هشام ت السقا» (1/ 633).

[9] أخرجه البخاري في: 61- كتاب المناقب (25) باب علامات النبوة في الإسلام، الحديث (3632)، فتح الباري (6: 629)

[10] ابن إسحاق كما في «سيرة ابن هشام» (1/ 637). وأسنده بنحوه الواقديُّ في «مغازيه» (1/ 93) وابن سعد في «الطبقات» (1/ 158)

[11] المعجم الكبير للطبراني: 5 /34، وأخرجه البزار أيضًا؛ كشف الأستار: 2 /316، قال الهيثمي: فيه عبد العزيز بن عمران، وهو ضعيف؛ مجمع الزوائد: 6 /82.

[12] قوله: "في طوي"، قال السندي: بفتح طاء، وكسر واو، وتشديد تحتية؛ أي: بئر مطوية، أي: مبنية الجوانب بالحجارة أو غيرها.

[13] أخرجه الطيالسي (40)، ومسلم (2873)، والبزار (222)، وأبو يعلى (140).

[14] أخرجه البخاري (123)، ومسلم (1904) (151).

[15] رواه مسلم (1787).





 حفظ بصيغة PDFنسخة ملائمة للطباعة أرسل إلى صديق تعليقات الزوارأضف تعليقكمتابعة التعليقات
شارك وانشر

مقالات ذات صلة

  • غزوة بدر
  • تاريخ غزوة بدر
  • أسباب غزوة بدر
  • فضائل غزوة بدر
  • الذب عن عرض المسلم بالغيب

مختارات من الشبكة

  • العناية بشروح كتب الحديث والسنة(مقالة - آفاق الشريعة)
  • صدر حديثًا :(التأثر بالقرآن والعمل به : أسبابه ومظاهره) للدكتور بدر البدر(مقالة - موقع الشيخ الدكتور عبدالرحمن بن معاضة الشهري)
  • صدر حديثاً (أقوال أبي عبيدة في تفسير الطبري وموقفه منها) للدكتور بدر البدر(مقالة - موقع الشيخ الدكتور عبدالرحمن بن معاضة الشهري)
  • مخطوطة الإحكام في شرح شرح درر الحكام (الجزء الثاني)(مخطوط - مكتبة الألوكة)
  • مخطوطة الإحكام في شرح شرح درر الحكام (الجزء الأول)(مخطوط - مكتبة الألوكة)
  • استدراكات بدر الدين بن جماعة في شرحه على ابن الحاجب في كافيته: دراسة تحليلية (PDF)(رسالة علمية - مكتبة الألوكة)
  • شرح حديث ابن عباس: كان عمر رضي الله عنه يدخلني مع أشياخ بدر(مقالة - آفاق الشريعة)
  • شرح حديث أنس: غاب عمي أنس بن النضر عن قتال بدر(مقالة - آفاق الشريعة)
  • مخطوطة شرح أسماء أهل بدر (النسخة 3)(مخطوط - مكتبة الألوكة)
  • مخطوطة شرح أسماء أهل بدر (النسخة 2)(مخطوط - مكتبة الألوكة)

 



أضف تعليقك:
الاسم  
البريد الإلكتروني (لن يتم عرضه للزوار)
الدولة
عنوان التعليق
نص التعليق

رجاء، اكتب كلمة : تعليق في المربع التالي

مرحباً بالضيف
الألوكة تقترب منك أكثر!
سجل الآن في شبكة الألوكة للتمتع بخدمات مميزة.
*

*

نسيت كلمة المرور؟
 
تعرّف أكثر على مزايا العضوية وتذكر أن جميع خدماتنا المميزة مجانية! سجل الآن.
شارك معنا
في نشر مشاركتك
في نشر الألوكة
سجل بريدك
  • بنر
  • بنر
كُتَّاب الألوكة
  • ندوة تثقيفية في مدينة تيرانا تجهز الحجاج لأداء مناسك الحج
  • مسجد كندي يقترب من نيل الاعتراف به موقعا تراثيا في أوتاوا
  • دفعة جديدة من خريجي برامج الدراسات الإسلامية في أستراليا
  • حجاج القرم يستعدون لرحلتهم المقدسة بندوة تثقيفية شاملة
  • مشروع مركز إسلامي في مونكتون يقترب من الانطلاق في 2025
  • مدينة روكفورد تحتضن يوما للمسجد المفتوح لنشر المعرفة الإسلامية
  • يوم مفتوح للمسجد يعرف سكان هارتلبول بالإسلام والمسلمين
  • بمشاركة 75 متسابقة.. اختتام الدورة السادسة لمسابقة القرآن في يوتازينسكي

  • بنر
  • بنر

تابعونا على
 
حقوق النشر محفوظة © 1446هـ / 2025م لموقع الألوكة
آخر تحديث للشبكة بتاريخ : 22/11/1446هـ - الساعة: 16:33
أضف محرك بحث الألوكة إلى متصفح الويب