• الصفحة الرئيسيةخريطة الموقعRSS
  • الصفحة الرئيسية
  • سجل الزوار
  • وثيقة الموقع
  • اتصل بنا
English Alukah شبكة الألوكة شبكة إسلامية وفكرية وثقافية شاملة تحت إشراف الدكتور سعد بن عبد الله الحميد
 
الدكتور سعد بن عبد الله الحميد  إشراف  الدكتور خالد بن عبد الرحمن الجريسي
  • الصفحة الرئيسية
  • موقع آفاق الشريعة
  • موقع ثقافة ومعرفة
  • موقع مجتمع وإصلاح
  • موقع حضارة الكلمة
  • موقع الاستشارات
  • موقع المسلمون في العالم
  • موقع المواقع الشخصية
  • موقع مكتبة الألوكة
  • موقع المكتبة الناطقة
  • موقع الإصدارات والمسابقات
  • موقع المترجمات
 كل الأقسام | مقالات شرعية   دراسات شرعية   نوازل وشبهات   منبر الجمعة   روافد   من ثمرات المواقع  
اضغط على زر آخر الإضافات لغلق أو فتح النافذة اضغط على زر آخر الإضافات لغلق أو فتح النافذة
  •  
    شموع (107)
    أ.د. عبدالحكيم الأنيس
  •  
    المنة ببلوع عشر ذي الحجة (خطبة)
    الشيخ محمد بن إبراهيم السبر
  •  
    أهمية التعلم وفضل طلب العلم
    د. حسام العيسوي سنيد
  •  
    حديث: رفع القلم عن ثلاثة: عن النائم حتى يستيقظ، ...
    الشيخ عبدالقادر شيبة الحمد
  •  
    حقوق المسنين (1)
    د. أمير بن محمد المدري
  •  
    تفسير سورة النصر
    يوسف بن عبدالعزيز بن عبدالرحمن السيف
  •  
    المرأة في الإسلام: حقوقها ودورها في بناء المجتمع
    محمد أبو عطية
  •  
    مفهوم الفضيلة لغة واصطلاحا
    د. أحمد خضر حسنين الحسن
  •  
    ملخص من شرح كتاب الحج (7)
    يحيى بن إبراهيم الشيخي
  •  
    خطبة أحداث الحياة
    الشيخ إسماعيل بن عبدالرحمن الرسيني
  •  
    {هماز مشاء بنميم}
    نورة سليمان عبدالله
  •  
    الإيمان بالقرآن أصل من أصول الإيمان
    الشيخ أ. د. عرفة بن طنطاوي
  •  
    أسباب اختلاف نسخ «صحيح البخاري»
    د. هيثم بن عبدالمنعم بن الغريب صقر
  •  
    خطبة: اشتداد المحن بداية الفرج
    يحيى سليمان العقيلي
  •  
    خطبة: إن الله لا يحب المسرفين
    عبدالعزيز أبو يوسف
  •  
    فضل عشر ذي الحجة (خطبة)
    أ. د. إبراهيم بن صالح بن عبدالله
شبكة الألوكة / آفاق الشريعة / منبر الجمعة / الخطب / السيرة والتاريخ / السيرة
علامة باركود

خطبة فتح مكة

خطبة غزوة مؤتة
أبو عبدالله فيصل بن عبده قائد الحاشدي

مقالات متعلقة

تاريخ الإضافة: 25/7/2024 ميلادي - 18/1/1446 هجري

الزيارات: 6200

 حفظ بصيغة PDFنسخة ملائمة للطباعة أرسل إلى صديق تعليقات الزوارأضف تعليقكمتابعة التعليقات
النص الكامل  تكبير الخط الحجم الأصلي تصغير الخط
شارك وانشر

فَتْحُ مَكَّةَ

 

الخُطْبَةُ الأُوْلَى

إِنَّ الحَمْدَ لِلَّهِ، نَحْمِدُهُ وَنَسْتَعِيْنُهُ وَنَسْتَغْفِرُهُ، وَنَعُوذُ بِاللهِ مِنْ شُرُورِ أَنْفُسِنَا وَمِنْ سَيِّئَاتِ أَعْمَالِنَا، مَنْ يَهْدِهِ اللهُ فَلَا مُضِلَّ لَهُ، وَمَنْ يُضْلِلِ فَلا هَادِيَ لَهُ، وَأَشْهَدُ أَنَّ لاَ إِلَهَ إِلَّا اللهُ، وَحْدَهُ لاَ شَرِيْكَ لَهُ، وَأَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ.

 

إِنَّ الحَمْدَ لِلَّهِ، نَحْمِدُهُ وَنَسْتَعِيْنُهُ وَنَسْتَغْفِرُهُ، وَنَعُوذُ بِاللهِ مِنْ شُرُورِ أَنْفُسِنَا وَمِنْ سَيِّئَاتِ أَعْمَالِنَا، مَنْ يَهْدِهِ اللهُ فَلَا مُضِلَّ لَهُ، وَمَنْ يُضْلِلِ فَلا هَادِيَ لَهُ، وَأَشْهَدُ أَنَّ لاَ إِلَهَ إِلَّا اللهُ، وَحْدَهُ لاَ شَرِيْكَ لَهُ، وَأَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ.

 

﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلَا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ ﴾ [آل عمران: 102].

 

﴿ يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالًا كَثِيرًا وَنِسَاءً وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي تَسَاءَلُونَ بِهِ وَالْأَرْحَامَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيبًا ﴾ [النساء: 1]، ﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلًا سَدِيدًا * يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزًا عَظِيمًا ﴾ [الأحزاب: 70، 71]، ثُمَّ أَمَّا بَعْدُ:

فَإِنَّ أَصْدَقَ الْحَدِيثِ كِتَابُ اللهِ، وَأَحْسَنَ الْهَدْيِ هَدْيُ مُحَمَّدٍ، وَشَرَّ الْأُمُورِ مُحْدَثَاتُهَا، وَكُلُّ مُحْدَثَةٍ بِدْعَةٌ، وَكُلَّ بِدْعَةٍ ضَلَالَةٌ، وَكُلَّ ضَلَالَةٍ فِي النَّارِ.

 

ثُمَّ أَمَّا بَعْدُ:

فَمَا زَالَ الحَدِيْثُ مَعَكُمْ - أَيُّهَا النَّاسُ - عَنِ السِّيْرَةِ النَّبَوِيَّةِ عَلَى صَاحِبِهَا الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - وَحَدِيْثِي مَعَكُمْ اليَوْمَ عَنْ « فَتْحِ مَكَّةَ ».


وَفَتْحُ مَكَّةَ - أَيُّهَا النَّاسُ - الحَدِيْثُ عَنْهُ ذُو شُجُونٍ، فَهُوَ كَمَا وَصَفَهُ ابْنُ القَيِّمِ -رَحِمَهُ اللهُ-: « هُوَ الْفَتْحِ الْأَعْظَمِ الَّذِي أَعَزَّ اللهُ بِهِ دِينَهُ وَرَسُولَهُ، وَجُنْدَهُ وَحِزْبَهُ الْأَمِينَ، وَاسْتَنْقَذَ بِهِ بَلَدَهُ وَبَيْتَهُ الَّذِي جَعَلَهُ هُدًى لِلْعَالَمِينَ مِنْ أَيْدِي الْكُفَّارِ وَالْمُشْرِكِينَ، وَهُوَ الْفَتْحُ الَّذِي اسْتَبْشَرَ بِهِ أَهْلُ السَّمَاءِ، وَضَرَبَتْ أَطْنَابُ عِزِّهِ عَلَى مَنَاكِبِ الْجَوْزَاءِ، وَدَخَلَ النَّاسُ بِهِ فِي دِينِ اللهِ أَفْوَاجًا، وَأَشْرَقَ بِهِ وَجْهُ الْأَرْضِ ضِيَاءً وَابْتِهَاجًا» [1].

 

وَأَمَّا سَبَبُ هَذِهِ الغَزْوَةِ - أَيُّهَا النَّاسُ - فَهُوَ نَقْضُ قُرَيْشٍ لِمُعَاهَدَةِ الحُدَيْبِيَةِ، فَقَدْ أَخْرَجَ ابْنُ إِسْحَاقَ، بِسَنَدٍ حَسَنٍ، عَنْ مَرْوَانَ بْنِ الْحَكَمِ، وَالْمِسْوَرِ بْنِ مَخْرَمَةَ، قَالا: كَانَ فِي صُلْحِ رَسُولِ اللهِ -صلى الله عليه وسلم- يَوْمَ الْحُدَيْبِيَةِ بَيْنَهُ وَبَيْنَ قُرَيْشٍ، أَنَّهُ مَنْ شَاءَ أَنْ يَدْخُلَ فِي عَقْدِ مُحَمَّدٍ وَعَهْدِهِ دَخَلَ، وَمَنْ شَاءَ أَنْ يَدْخُلَ فِي عَقْدِ قُرَيْشٍ وَعَهْدِهِمْ دَخَلَ، وَفِيْهِ أَنَّ خُزَاعَةُ فِي عَقْدِ مُحَمَّدٍ -صلى الله عليه وسلم- وَعَهْدِهِ، وَدَخَلَتْ بَنُو بَكْرٍ فِي عَقْدِ قُرَيْشٍ وَعَهْدِهِمْ، فَمَكَثُوا فِي تِلْكَ الْهُدْنَةِ نَحْوَ السَّبْعَةِ أَوِ الثَّمَانِيَةَ عَشَرَ شَهْرًا، ثُمَّ إِنَّ بَنِي بَكْرٍ الَّذِينَ وَثَبُوا عَلَى خُزَاعَةَ لَيْلا بِمَاءٍ لَهُمْ يُقَالُ لَهُ: الْوَتِيرُ - وَهُوَ قَرِيبٌ مِنْ مَكَّةَ - فَقَالَتْ قُرَيْشٌ: مَا يَعْلَمُ بِنَا مُحَمَّدٌ، وَهَذَا اللَّيْلُ وَمَا يَرَانَا أَحَدٌ، فَأَعَانُوهُمْ عَلَيْهِمْ بِالْكُرَاعِ وَالسِّلاحِ فَقَاتَلُوهَا مَعَهُمْ لِلضِّغْنِ عَلَى رَسُولِ اللهِ -صلى الله عليه وسلم- وَأَنَّ عَمْرَو بْنَ سَالِمٍ رَكِبَ إِلَى رَسُولِ اللهِ -صلى الله عليه وسلم- عِنْدَمَا كَانَ مِنْ أَمْرِ خُزَاعَةَ وَبَنِي بَكْرٍ بِالْوَتِيرِ حَتَّى قَدِمَ الْمَدِينَةِ إِلَى رَسُولِ اللهِ -صلى الله عليه وسلم- يُخْبِرُهُ الْخَبَرَ …، فَقَالَ رَسُولُ اللهِ -صلى الله عليه وسلم-: « نُصِرْتَ يَا عَمْرُو بْنَ سَالِمٍ ».

 

ثُمَّ شَرَعَ رَسُولُ اللهِ -صلى الله عليه وسلم- فِي الجِهَازِ إِلَى مَكَّةَ، وَسَأَلَ اللَّهَ -سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى - أَنْ يُعَمِّيَ عَلَى قُرَيْشٍ الأَخْبَار، فَاسْتَجَابَ لهَ رَبُّهُ -سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى -؛وَلِذَلِكَ لَمَا كَتَبَ حَاطِبُ بْنُ أَبِي بَلْتَعَة كِتَابًا إِلَى أَهْلِ مَكَّةَ يُعْلِمُهُمْ فِيْهِ بِمَا هَمَّ بِهِ رَسُولُ اللهِ -صلى الله عليه وسلم- مِنَ العَزْمِ عَلَى قِتَالِهِمْ، وَبَعَثَ بِهِ مَعَ امْرَأَةٍ، وَقَدْ تَأَوَّلَ فِي ذَلِكَ مُصْلَحَةً تَعُودُ عَلَيْهِ، وَقَبِلَ ذَلِكَ مِنْهُ رَسُولُ اللهِ -صلى الله عليه وسلم- وَصَدَّقَهُ لِأَنَّهُ كَانَ مِنْ أَهْلِ بَدْرٍ وَالحُدَيْبِيَةِ، وَبَعَثَ رَسُولُ اللهِ -صلى الله عليه وسلم- عَلِيًّا وَالزُّبَيْرَ وَالمِقْدَادُ - رَضِيَ اللهُ عَنْهُمْ - فَقَالَ كَمَا جَاءَ فِي «الصَّحِيْحَيْنِ»[2]، انْطَلِقُوا حَتَّى تَأْتُوا رَوْضَةَ خَاخٍ، فَإِنَّ بِهَا ظَعِينَةً مَعَهَا كِتَابٌ، فَخُذُوهُ مِنْهَا، قَالَ عَلِيٌّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ - رَضِيَ اللهُ عَنْهُ - رَاوِي الحَدِيْثِ -: فَانْطَلَقْنَا تَعَادَى بِنَا خَيْلُنَا، حَتَّى أَتَيْنَا الرَّوْضَةَ، فَإِذَا نَحْنُ بِالظَّعِينَةِ، قُلْنَا لَهَا: أَخْرِجِي الْكِتَابَ، قَالَتْ: مَا مَعِي كِتَابٌ، فَقُلْنَا: لَتُخْرِجِنَّ الْكِتَابَ أَوْ لَنُلْقِيَنَّ الثِّيَابَ، قَالَ: فَأَخْرَجَتْهُ مِنْ عِقَاصِهَا».

 

وَخَرَجَ رَسُولُ اللهِ -صلى الله عليه وسلم- لِعَشَرِ خَلَوْنَ مِنْ رَمَضَانَ، فِي عَشَرَةِ آلاَفِ مُقَاتِلٍ مِنَ المُهَاجِرِيْنَ وَالأَنْصَارِ وَقَبَائِلِ العَرَبِ، وَاسْتَخْلَفَ رَسُولُ اللهِ -صلى الله عليه وسلم- عَلَى المَدِيْنَةِ أَبَا رُهْم كُلْثُوْمَ بْنَ حُصَيْن، وَلَقِيَهُ عَمُّهُ العَبَّاسُ - رَضِيَ اللهُ عَنْهُ - بِذِي الْحُلَيْفَةِ وَقِيْلَ بِالجُحْفَةِ، فَأَسْلَمَ وَرَجَعَ مَعَهُ -صلى الله عليه وسلم- وَبَعَثَ أَهْلَهُ وَمَتَاعَهُ إِلَى المَدِيْنَةِ، وَفِي طَرِيْقِ المُسْلِمِيْنَ إِلَى مَكَّةَ قَدِمَ بَعْضُ زُعَمَاءِ المُشْرِكِيْنَ فَأَعْلَنُوا إِسْلَامَهُمْ، فَفِي الأَبْوَاءِ قَدِمَ أَبُو سُفْيَانَ بْنُ الْحَارِثِ، أَخُو رَسُولِ اللهِ -صلى الله عليه وسلم- مِنَ الرَّضَاعَةِ، وَعَبْدُ اللهِ بْنِ أَبِي أُمَيَّةَ بْنِ المُغِيْرَةِ، فَأَسْلَمَا وَكَانَا شَدِيْدَيْنِ فِي مُعَادَاةِ الإِسْلَامِ، فَكَانَ أَبُو سُفْيَانَ بْنُ الْحَارِثِ يَهْجُو المُسْلِمِيْنَ وَيُقَاتِلَهُمْ فِي سَائِرِ الحُرُوبِ عِشْرِيْنَ سَنَةً، حَتَّى قَذَفَ اللهُ فِي قَلْبِهِ الإِسْلَامِ، وَحَسُنَ إِسْلَامُهُ، فَكَانَ أَحَدُ الَّذِيْنَ صَمَدُوا مَعَ الرَّسُولِ -صلى الله عليه وسلم- فِي غَزوَةِ حُنَيْنٍ حِيْنَ فَرَّ النَّاسُ.

 

كَانَ عَبْدُ اللهِ بْنِ أَبِي أُمَيَّةَ بْنِ المُغِيْرَةِ شَدِيْدِ العَدَاوَةِ لِلمُسْلِمِيْنَ، وَهُوَ أَخُو أُمِّ سَلَمَةَ - أُمِّ المُؤْمِنِيْنَ - لِأَبِيْهَا، وَقَدِمَ عَلَى الرَّسُولِ -صلى الله عليه وسلم- بَيْنَ السُّقْيَا والعَرَجِ عَلَى طَرِيْقِ (المَدِيْنَةِ - مَكَّةَ)، فَأَسْلَمَ وَحَسُنَ إِسْلَامُهُ فَشَهِدَ فَتْحَ مَكَّةَ، وَاسْتُشْهِدَ فِي حِصَارِ الطَّائِفِ - رَضِيَ اللهُ عَنْهُ.

 

وَفِي مَرِّ الظَّهْرَانِ - أَيُّهَا النَّاسُ - عَسْكَرَ المُسْلِمُونَ وَعَمِيَت أَخْبَارُهُمْ، فَخَرَجَ أَبُو سُفْيَان بْنُ حَرْبٍ وَحَكَيْمُ بْنِ حِزَامٍ وَبَدِيْلُ بْنُ وَرَقَاء الخُزَاعِيِّ، يَتَحَسَّسُونَ الأَخْبَارَ، فَالْتَقَى بِهِمُ العَبَّاسُ بْنُ عَبْدِ المُطَّلِبِ، وَكَانَ يُرِيْدُ أَنْ يُرْسِلَ إِلَى قُرَيْشٍ رَسُولًا يَطْلُبُ مِنْهُمْ أَنْ يَخْرُجُوا لِمُصَالَحَةِ الرَّسُولِ -صلى الله عليه وسلم- قَبْلَ أَنْ يَدْخُلَ عَلَيْهِمْ مَكَّةَ، وَكَانَ أَبُو سُفْيَانَ وَصَاحِبَاهُ يَتِنَاقَشُونَ بَيْنَهُمْ فِي أَمْرِ الجَيْشِ المُعَسْكَرِ بِمَرِّ الظَّهْرَانِ، وَقَدْ ظَنَّهُ بَعْضُهُمْ خُزَاعَةَ، مِمَّا يَدُلُّ عَلَى نَجَاحِ المُسْلِمِيْنَ فِي كِتْمَانِ خَبَرَ تَقَدُّمِهِمْ إِلَى مَكَّةَ، فَلَمَّا أَخْبَرَهُمُ العَبَّاسُ أَنَّهُ جَيْشُ المُسْلِمِيْنَ، سَأَلُوهُ عَنْ رَأْيِهِ، فَطَلَبَ مِنْ أَبِي سُفْيَانَ أَنْ يَمْضِيَ مَعَهُ وَبِجِوَارِهِ إِلَى مُعَسْكَرِ المُسْلِمِيْنَ، فَوَافَقَ وَقَابَلَ الاثْنَانِ الرَّسُولُ -صلى الله عليه وسلم- فَدَعَا أَبَا سُفْيَانَ إِلَى الإِسْلَامِ، فَتَلَطَّفَ فِي الكَلاَمِ وَتَرَدَّدَ فِي الإِسْلَامِ، فَأَمَرَ الرَّسُولُ -صلى الله عليه وسلم- العَبَّاسَ بِأَنْ يَأْخُذَهُ إِلَى خَيْمَتِهِ وَيُحْضِرَهُ صَبَاحَ اليَوْمِ التَّالِي، فَفَعَلَ وَأَسْلَمَ أَبُو سُفْيَانَ فِي اليَوْمِ التَّالِي، وَأَطْلَعَهُ العَبَّاسُ عَلَى قُوَّةِ المُسْلِمِيْنَ حَيْثُ اسْتَعْرَضَ الجَيْشَ أَمَامَهُ، فَأَدْرَكَ أَبُو سُفْيَانَ قُوَّةَ المُسْلِمِيْنَ، وَأَنَّهُ لَاَ قِبَلَ لِقُرَيْشٍ بِهِمْ، حَتَّى إِذَا مَرَّت بِهِ كَتِيْبَةُ المُهَاجِرِيْنَ وَالأَنْصَارِ وَفِيْهِمْ رَسُولُ -صلى الله عليه وسلم- قَالَ: وَاللهِ لَقَدْ أَصْبَحَ مُلْكُ ابْنِ أَخِيكَ الْيَوْمَ عَظِيْمًا، فَقُالَ العَبَّاسُ: وَيْحَكَ يَا أَبَا سُفْيَانَ، إِنَّهَا النُّبُوَّةُ قَالَ: فَنِعْمَ إِذًا.

 

وَمَضَى أَبُو سُفْيَانَ إِلَى مَكَّةَ فَأَخْبَرَ قُرَيْشًا بِقُوَّةِ المُسْلِمِيْنَ، وَنَهَاهُمْ عَنِ المُقَاوَمَةِ، كَمَا جَاءَ ذَلِكَ فِي «صَحِيْحِ مُسْلِمٌ » [3].

 

وَكَانَ سَعْدُ بْنُ عُبَادَةَ يَحْمِلُ رَايَةُ الأَنْصَارِ عِنْدَ اسْتِعْرَاضِ الجَيْشِ، فَقَالَ لَمَّا مَرَّ بِأَبَي سُفْيَانَ: الْيَوْمَ يَوْمُ الْمَلْحَمَةِ، الْيَوْمَ تُسْتَحَلُّ الْكَعْبَةُ، فَلَمَّا مَرَّ رَسُولُ اللهِ -صلى الله عليه وسلم- بِأَبِي سُفْيَانَ قَالَ: أَلَمْ تَعْلَمْ مَا قَالَ سَعْدُ بْنُ عُبَادَةَ؟ قَالَ: مَا قَالَ؟ قَالَ كَذَا وَكَذَا، فَقَالَ: كَذَبَ سَعْدٌ، وَلَكِنْ هَذَا يَوْمٌ يُعَظِّمُ اللهُ فِيهِ الْكَعْبَةَ، وَيَوْمٌ تُكْسَى فِيهِ الْكَعْبَةُ»؛ كَمَا جَاءَ ذَلِكَ فِي «صَحِيْحِ البُخَارِيُّ» [4].

 

وَكَلِمَةُ « كَذَبَ » كَانَتْ تُسْتَعْمَلُ بِمَعْنَى أَخْطَأَ، وَفِي مَرِّ الظَّهْرَانِ - أَيُّهَا النَّاسُ - قَرَّرَ رَسُولُ -صلى الله عليه وسلم- الزَّحْفَ إِلَى مَكَّةَ، فَعَيَّنَ القَادَةَ، وَقَسَّمَ الجَيْشِ إِلَى مَيْمَنَةٍ وَمَيْسَرَةٍ وَقَلْبٍ، فَكَانَ خَالِدُ بْنُ الوَلِيْدِ فِي الْمُجَنِّبَةِ الْيُمْنَى، وَالزُّبَيْرُ فِي الْمُجَنِّبَةِ الْيُسْرَى، وَأَبُو عُبَيْدَةَ عَلَى الرِّجَالَةِ، وَكَانَتْ رَايَةُ الرَّسُولِ اللهِ -صلى الله عليه وسلم- سَوْدَاءَ، وَلِوَاؤُهُ أَبْيَضَ.

 

وَأَمَّا قِصَّةُ دُخُولِ الجَيْشِ المُطَفَّرِ - أَيُّهَا النَّاسُ - فكَمَا جَاءَ فِي «صَحِيْحِ مُسْلِمٌ » [5]، مِنْ حَدِيْثِ أَبَي هُرَيْرَةَ - رَضِيَ اللهُ عَنْهُ - قَالَ كُنَّا مَعَ رَسُولِ اللهِ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يَوْمَ الْفَتْحِ، فَجَعَلَ خَالِدَ بْنَ الْوَلِيدِ عَلَى الْمُجَنِّبَةِ الْيُمْنَى، وَجَعَلَ الزُّبَيْرَ عَلَى الْمُجَنِّبَةِ الْيُسْرَى، وَجَعَلَ أَبَا عُبَيْدَةَ عَلَى الْبَيَاذِقَةِ وَبَطْنِ الْوَادِي، فَقَالَ: «يَا أَبَا هُرَيْرَةَ، ادْعُ لِي الْأَنْصَارَ»، فَدَعَوْتُهُمْ فَجَاؤُوا يُهَرْوِلُونَ، فَقَالَ: «يَا مَعْشَرَ الْأَنْصَارِ، هَلْ تَرَوْنَ أَوْبَاشَ قُرَيْشٍ»، قَالُوا: نَعَمْ قَالَ: « انْظُرُوا إِذَا لَقِيتُمُوهُمْ غَدًا أَنْ تَحْصُدُوهُمْ حَصْدًا»، وَأَخْفَى بِيَدِهِ وَوَضَعَ يَمِينَهُ عَلَى شِمَالِهِ، وَقَالَ: «مَوْعِدُكُمْ الصَّفَا».

 

قَالَ: فَمَا أَشْرَفَ يَوْمَئِذٍ لَهُمْ أَحَدٌ إِلَّا أَنَامُوهُ، قَالَ: وَصَعِدَ رَسُولُ اللهِ -صلى الله عليه وسلم- الصَّفَا، وَجَاءَتْ الْأَنْصَارُ فَأَطَافُوا بِالصَّفَا، فَجَاءَ أَبُو سُفْيَانَ فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللهِ أُبِيدَتْ خَضْرَاءُ قُرَيْشٍ، لَا قُرَيْشَ بَعْدَ الْيَوْمِ، قَالَ أَبُو سُفْيَانَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ -صلى الله عليه وسلم-: « مَنْ دَخَلَ دَارَ أَبِي سُفْيَانَ فَهُوَ آمِنٌ، وَمَنْ أَلْقَى السِّلَاحَ فَهُوَ آمِنٌ، وَمَنْ أَغْلَقَ بَابَهُ فَهُوَ آمِنٌ».

 

قَالَ ابْنُ القَيِّمِ - رَحِمَهُ اللهُ -: «وَتَجَمَّعَ سُفَهَاءُ قُرَيْشٍ وَأَخِفَّاؤُهَا مَعَ عِكْرِمَةَ ابْنِ أَبِي جَهْلٍ، وَصَفْوَانَ بْنِ أُمَيَّةَ، وَسُهَيْلِ بْنِ عَمْرٍو بِالْخَنْدَمَةِ لِيُقَاتِلُوا الْمُسْلِمِينَ، وَكَانَ حِمَاسُ بْنُ قَيْسِ بْنِ خَالِدٍ أَخُو بَنِي بَكْرٍ يُعِدُّ سِلَاحًا قَبْلَ دُخُولِ رَسُولِ اللهِ -صلى الله عليه وسلم-فَقَالَتْ لَهُ امْرَأَتُهُ: لِمَاذَا تُعِدُّ مَا أَرَى؟ قَالَ: لِمُحَمَّدٍ وَأَصْحَابِهِ، قَالَتْ: وَاللهِ مَا يَقُومُ لِمُحَمَّدٍ وَأَصْحَابِهِ شَيْءٌ، قَالَ: إِنِّي وَاللهِ لَأَرْجُو أَنْ أُخْدِمَك بَعْضَهُمْ، ثُمَّ قَالَ:

إنْ يُقْبِلُوا الْيَوْمَ فَمَالِي عِلَّةٌ
هَذَا سِلَاحٌ كَامِلٌ وَأَلَّهْ
وَذُو غِرَارَيْنِ سَرِيْعُ السَّلَّة

ثُمَّ شَهِدَ الْخَنْدَمَةَ مَعَ صَفْوَانَ وَعِكْرِمَةَ وَسُهَيْلِ بْنِ عَمْرٍو، فَلَمَّا لَقِيَهُمْ الْمُسْلِمُونَ نَاوَشُوهُمْ شَيْئًا مِنْ قِتَالٍ، فَقُتِلَ كُرْزُ بْنُ جَابِرٍ الْفِهْرِيّ، وَخُنَيْسُ بْنُ خَالِدِ بْنِ رَبِيعَةَ مِنْ الْمُسْلِمِينَ، وَكَانَا فِي خَيْلِ خَالِدِ بْنِ الْوَلِيدِ، فَشَذَّا عَنْهُ فَسَلَكَا طَرِيقًا غَيْرَ طَرِيقِهِ فَقُتِلَا جَمِيعًا، وَأُصِيبَ مِنْ الْمُشْرِكِينَ نَحْوُ اثْنَيْ عَشَرَ رَجُلًا، ثُمَّ انْهَزَمُوا وَانْهَزَمَ حِمَاسٌ صَاحِبُ السِّلَاحِ حَتَّى دَخَلَ بَيْتَهُ، فَقَالَ لِامْرَأَتِهِ: أَغْلِقِي عَلَيَّ بَابِي، فَقَالَتْ: وَأَيْنَ مَا كُنْت تَقُولُ؟ فَقَالَ[6]:

إِنَّكِ لَوْ شَهِدْتِ يَوْمَ الْخَنْدَمَةْ
إذْ فَرَّ صَفْوَانُ وَفَرَّ عِكْرِمَةْ
وَاسْتَقْبَلَتْنَا بِالسُّيُوفِ الْمُسْلِمَةْ
يَقْطَعْنَ كُلَّ سَاعِدٍ وَجُمْجُمَهْ
ضَرْبًا فَلَا نَسْمَعُ إِلَّا غَمْغَمَهْ
لَهُمْ نَهِيْتٌ حَوْلَنَا وَهَمْهَمَهْ
لَمْ تَنْطِقِي فِي اللَّوْمِ أَدْنَى كَلِمَةْ (1)

وَأَسْتَغْفِرُ اللهُ.

 

الخُطْبَةُ الثَّانِيَةُ

كَيْفَ دَخَلَ رَسُولُ اللهِ -صلى الله عليه وسلم- مَكَّةَ

الحَمْدُ لِلهِ رَبِّ العَالَمِيْنَ، وَالصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ عَلَى أَشْرَفِ المُرْسَلِيْنَ، وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ أَجْمَعِيْنَ، أَمَّا بَعْدُ:

فَتَقَدَّمَ الحَدِيْثُ مَعَكُمْ - أَيُّهَا النَّاسُ - عَنْ « فَتْحِ مَكَّةَ ».

وَالآنَ حَدِيْثِي مَعَكُمْ عَنْ «كَيْفَ دَخَلَ رَسُولُ اللهِ-صلى الله عليه وسلم- مَكَّةَ».


لَمْ يَدْخُلِ الرَّسُولُ -صلى الله عليه وسلم- مَكَّةَ - أَيُّهَا النَّاسُ - دُخُولَ الفَاتِحِيْنَ المُتَغَطْرِسِيْنَ، بَلْ كَانَ خَاشِعًا لِلهِ شَاكِرًا لِأَنْعُمِهِ، يَقْرَأُ سُورَةَ الفَتْحِ، وَيُرَجِّعُ فِي قِرَاءَتِهَا، كَمَا جَاءَ ذَلِكَ فِي «صَحِيْحِ البُخَارِيُّ» [7]، وَكَانَ عَلَى رَاحِلَتِهِ، وَكَانَ دُخُولُ رَسُولِ اللهِ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - مَكَّةَ مِنْ كَدَاءَ الَّتِي بِأَعْلَى مَكَّةَ، فَفِي «الصَّحِيْحَيْنِ»[8]، مِنْ حَدِيْثِ عَائِشَةَ - رَضِيَ اللهُ عَنْهَا - «أَنَّ النَّبِيَّ -صلى الله عليه وسلم- دَخَلَ عَامَ الفَتْحِ مِنْ كَدَاءٍ الَّتِي بِأَعْلَى مَكَّةَ».

 

وَكَانَ دُخُولُ رَسُولِ اللهِ -صلى الله عليه وسلم- مَكَّةَ مِنْ هَذَا المَكَانِ - أَيُّهَا النَّاسُ - كَانَ تَحْقِيْقًا لِقَوْلِ حَسَّانَ بْنِ ثَابِتٍ حِيْنَ هَجَا قُرَيْشًا، وَأَخْبَرَهُمْ أَنَّ خَيْلَ اللهِ سَتَدْخُلُ مِنْ كَدَاءَ، فَفِي «صَحِيْحِ مُسْلِمٌ » [9]، مِنْ حَدِيْثِ عَائِشَةَ - رَضِيَ اللهُ عَنْهَا - قَالَتْ: قَالَ حَسَّانُ:

هَجَوْتَ مُحَمَّدًا فَأَجَبْتُ عَنْهُ
وَعِنْدَ اللهِ فِي ذَاكَ الْجَزَاءُ
هَجَوْتَ مُحَمَّدًا بَرًّا تَقِيًا
رَسُولَ اللهِ شِيمَتُهُ الْوَفَاءُ
فَإِنَّ أَبِي وَوَالِدَهُ وَعِرْضِي
لِعِرْضِ مُحَمَّدٍ مِنْكُمْ وِقَاءُ
ثَكِلْتُ بُنَيَّتِي إِنْ لَمْ تَرَوْهَا
تُثِيرُ النَّقْعَ مِنْ كَنَفَيْ كَدَاءِ
يُبَارِينَ الْأَعِنَّةَ مُصْعِدَاتٍ
عَلَى أَكْتَافِهَا الْأَسَلُ الظِّمَاءُ
تَظَلُّ جِيَادُنَا مُتَمَطِّرَاتٍ
تُلَطِّمُهُنَّ بِالْخُمُرِ النِّسَاءُ
فَإِنْ أَعْرَضْتُمُوا عَنَّا اعْتَمَرْنَا
وَكَانَ الْفَتْحُ وَانْكَشَفَ الْغِطَاءُ

ثُمَّ طَافَ النَّبِيُّ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بِالكَعْبَةِ، اسْتَلَمَ الرُّكْنِ بِمِحْجَنِهِ كَرَاهَةَ أَنْ يُزَاحِمُ الطَّائِفِيْنَ وَتَعْلِيْمًا لِأُمَّتِهِ، جَاءَ ذَلِك فِي «سُنَنِ» أَبِي دَاوُدَ بِسَنَدٍ حَسَنٍ [10].

 

وَقَدْ بَيَّنَ الرَّسُولُ -صلى الله عليه وسلم- حُرْمَةَ مَكَّةَ، وَأَنَّهَا لا تُغْزَى بَعْدَ الفَتْحِ، جَاءَ ذَلِكَ فِي سُنَنِ التِّرْمِذِيِّ، بِسَنَدٍ حَسَنٍ [11].

 

كَمَا أَعْلَى مِنْ مَكَانَةِ قُرَيْشٍ، فَأَعْلَنَ -صلى الله عليه وسلم- أَنَّهُ « لَا يُقْتَلُ قُرَشِيٌّ صَبْرًا بَعْدَ هَذَا الْيَوْمِ إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ »، جَاءَ ذَلِكَ فِي «صَحِيْحِ مُسْلِمٌ » [12].

 

وَقَدْ أَمَرَ الرَّسُولُ -صلى الله عليه وسلم- بِتَحْطِيْمِ الأَصْنَامِ وَتَطْهِيْرِ البَيْتِ الحَرَامِ مِنْهَا، وَشَارَكَ ذَلِكَ بِيَدِهِ، فَكَانَ يَهْوِي بِقَوْسِهِ إِلَيْهَا فَتَسَاقَطُ وَهُوَ يَقْرَأُ ﴿ وَقُلْ جَاءَ الْحَقُّ وَزَهَقَ الْبَاطِلُ إِنَّ الْبَاطِلَ كَانَ زَهُوقًا ﴾ [الإسراء: 81]، جَاءَ ذَلِكَ فِي «صَحِيْحِ مُسْلِمٌ » [13].

 

وَكَانَ حَوْلَ البَيْتِ سِتُّونَ وَثَلاَثُمِائَةِ نُصُبٍ، جَاءَ ذَلِكَ فِي «الصَّحِيْحَيْنِ»[14]، وَلَطَّخَ بِالزَّعْفَرَانِ صُورَ إِبْرَاهِيْمَ وَإِسْمَاعِيْلَ وَإِسْحَاقَ، وَهُمْ يَسْتَقْسِمُونَ بِالأَزْلاَمِ، وَكَانَتْ هَذِهِ الصُّوَرُ دَاخِلَ الكَعْبَةِ، وَقَالَ: « قَاتَلَهُمُ اللهُ مَا كَانَ إِبْرَاهِيْمَ يَسْتَقْسِمُ بِالأَزْلاَمِ » جَاءَ ذَلِكَ فِي «صَحِيْحِ البُخَارِيِّ» [15].

 

وَفِي رِوَايَةٍ « لِلبُخَارِيِّ» أَنَّ صُورَةَ مَرْيَمَ كَانَتْ دَاخِلَ الكَعْبَةِ، وَجَاءَ فِي «صَحِيْحِ البُخَارِيِّ» [16] أَنَّ رَسُولَ اللهِ -صلى الله عليه وسلم- «لَمْ يَدْخُلِ الكَعْبَةَ إِلَّا بَعْدَ أَنْ مُحِيَتْ هَذِهِ الصُّوَرُ مِنْهَا».

 

ثُمَّ دَخَلَ الكَعْبَةِ فَصَلَّى فِيْهَا رَكْعَتَيْنِ، وَذَلِكَ بَيْنَ العَمُودَيْنِ المُقَدَّمَيْنِ مِنْهَا؛ وَكَانَتِ مَبْنِيَّةً عَلَى سِتَّةِ أَعْمِدَةٍ مُتَوَازِيَةٍ، وَقَدْ جَعَلَ بَابَ الكَعْبَةِ خَلْفَ ظَهْرِهِ وَتَرَكَ عَمُودَيْنِ عَنْ يَسَارِهِ وَعَمُودًا عَنْ يَمِيْنِهِ، وَثَلاَثَةً وَرَاءَهُ، جَاءَ ذَلِكَ فِي «الصَّحِيْحَيْنِ»[17]، ثُمَّ خَرَجَ فَدَعَا عُثْمَانَ بْنِ طَلْحَةَ فَأَعْطَاهُ مِفْتَاحُ الكَعْبَةِ، وَكَانَتْ الحِجَابَةُ فِي بَنِي شَيْبَةَ فِي الجَاهِلِيَّةِ فَأَبْقَاهَا بِأَيْدِيْهِمْ، كَمَا فِي «مُسْنَدِ عَبْدِ الرَّازِقِ » [18].

 

ثُمَّ إِنَّ الرَّسُولُ -صلى الله عليه وسلم- اسْتَلَمَ الحَجَرَ الأَسْوَدَ وَطَافَ بِالبَيْتِ مُهَلِّلًا مُكَبِّرًا ذَاكِرًا شَاكِرًا، وَكَانَ غَيْرَ مُحْرِمِ وَعَلَى رَأْسِهِ المِغْفَرِ، ثُمَّ لَبَسَ عِمَامَةً سَوْدَاءَ، مِمَّا يَدُلُّ عَلَى جَوَازِ دُخُولِ مَكَّةَ بِغَيْرِ إِحْرَامٍ لِمَنْ لَمْ يُرِدْ حَجًّا وَلاَ عُمْرَةً؛ كَمَا فِي «الصَّحِيْحَيْنِ»[19].

 

وَهَكَذَا - أَيُّهَا النَّاسُ - تَمَّ تَطْهِيْرُ البَيْتِ العَتِيْقِ مِنْ مَظَاهِرِ الوَثَنِيَّةِ وَأَوْضَارِ الجَاهِلِيَّةِ؛ لِيَعُودَ كَمَا أَرَادَ اللهُ - سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى - وَكَمَا قَصَدَ بِبِنَائِهِ إِبْرَاهِيْمُ وَإِسْمَاعِيْلُ مَكَانًا لِعِبَادَةِ اللهِ وَتَوْحِيْدِهِ.

 

وَلاَ شَكَّ - أَيُّهَا النَّاسُ - أَنَّ تَطْهِيْرَ البَيْتِ مِنَ الأَصْنَامِ كَانَ أَكْبَرَ ضَرْبَةٍ لِلوَثَنِيَّةِ فِي أَرْجَاءِ الجَزِيْرَةِ العَرَبِيَّةِ؛ حَيْثُ كَانَتْ الكَعْبَةُ أَعْظَمُ مَرَاكِزِهَا وَمَا أَنْ تَمَّ فَتْحُ مَكَّةَ وَطُهِّرَتِ الكَعْبَةُ، حَتَّى أَرْسَلَ الرَّسُولُ -صلى الله عليه وسلم- خَالِدَ بْنَ الوَلِيْدِ إِلَى نَخْلَةَ لِهَدْمِ العُزَّى الَّتِي كَانَتْ مُضَرُ جَمِيْعًا تُعَظِّمُهَا، فَهَدَمَهَا[20]، وَأَرْسَلَ عَمْرُو بْنَ العَاصِ إِلَى سِوَاعَ صَنَمِ هُذَيْلٍ فَهَدَمَهُ [21]، وَأَرْسَلَ سَعْدَ بْنَ زَيْدٍ الأَشْهَلِيِّ إِلَى مَنَاةَ بِالمُشَلِّلِ (نَاحِيَةِ قَدِيْدٍ عَلَى طَرِيْقِ مَكَّةَ - المَدِيْنَةِ) فَهَدَمَهَا [22].

 

وَبِذَلِكَ - أَيُّهَا النَّاسُ - أُزِيْلَتْ أَكْبَرُ مَرَاكِزِ الوَثَنِيَّةِ؛ حَيْثُ ذَكَرَهَا القُرْآنُ الكَرِيْمُ ﴿ أَفَرَأَيْتُمُ اللَّاتَ وَالْعُزَّى * مَنَاةَ الثَّالِثَةَ الْأُخْرَى ﴾ [النجم: 19، 20].

 

وَفِي فَتْحِ مَكَّةَ - أَيُّهَا النَّاسُ - نَزَلَتْ سُورَةُ النَّصْرُ، كَمَا جَاءَ فِي «صَحِيْحِ البُخَارِيِّ»[23]، قَالَ - سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى -:﴿ إِذَا جَاءَ نَصْرُ اللَّهِ وَالْفَتْحُ * وَرَأَيْتَ النَّاسَ يَدْخُلُونَ فِي دِينِ اللَّهِ أَفْوَاجًا * فَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ وَاسْتَغْفِرْهُ إِنَّهُ كَانَ تَوَّابًا ﴾ [النصر: 1 - 3] [24].

 

رَبَّنَا فَاغْفِرْ لَنَا ذُنُوبَنَا وَكَفِّرْ عَنَّا سَيِّئَاتِنَا وَتَوَفَّنَا مَعَ الأَبْرَارِ، رَبَّنَا اغْفِرْ لَنَا وَلإِخْوَانِنَا الَّذِينَ سَبَقُونَا بِالإِيمَانِ، رَبَّنَا وَسِعْتَ كُلَّ شَيْءٍ رَحْمَةً وَعِلْمًا فَاغْفِرْ لِلَّذِينَ تَابُوا وَاتَّبَعُوا سَبِيلَكَ وَقِهِمْ عَذَابَ الْجَحِيمِ، رَبَّنَا آتِنَا فِي الدُّنْيَا حَسَنَةً وَفِي الْآخِرَةِ حَسَنَةً وَقِنَا عَذَابَ النَّارِ.

 

وَسُبْحَانَكَ اللهُمَّ وَبِحَمْدِكَ، أَشْهَدُ أَنْ لا إِلَهَ إِلا أَنْتَ، أَسْتَغْفِرُكَ وَأَتُوبُ إِلَيْكَ.



[1] «البِدَايَةُ وَالنِّهَايَةِ »(6/ 508)، مِنْ طَرِيْقِ الطَّبَرِيِّ فِي«تَارِيْخِ الأُمَمِ»(2/ 3/ 111)، وَالبَيْهَقِيُّ فِي «دَلاَئِلِ النُّبُوَّةِ » (5/ 705) بِسَنَدٍ حَسَنٍ إِلَىٰٰ ابْنِ إِسْحَاقٍ، وَقَدْ صَرَّحَ بِالتَّحْدِيْثِ، وَهُوَ حُجَّة فِي السِّيَرِ وَالمَغَازِي.

[2] رَوَاهُ البُخَارِيُّ ( 3983)، وَمُسْلِمٌ (2494).

[3] رَوَاهُ مُسْلِمٌ (1780).

[4] رَوَاهُ البُخَارِيُّ ( 4280 ).

[5] رَوَاهُ مُسْلِمٌ (1780).

[6] « زَادُ المِعَادِ » (3/ 404-405).

[7] رَوَاهُ البُخَارِيُّ ( 4281 ).

[8] رَوَاهُ البُخَارِيُّ ( 4290)، وَمُسْلِمٌ (1258).

[9] رَوَاهُ مُسْلِمٌ (2490).

[10] (حَسَنٌ) أَخْرَجَهُ «أَبُو دَاوُد» (1/ 434).

[11] (حَسَنٌ) أَخْرَجَهُ «التِّرْمِذِيِّ» (3/ 83).

[12] رَوَاهُ مُسْلِمٌ (1782).

[13] رَوَاهُ مُسْلِمٌ (1781).

[14] رَوَاهُ البُخَارِيُّ ( 4287)، وَمُسْلِمٌ (1781).

[15] رَوَاهُ البُخَارِيُّ ( 4288 ).

[16] رَوَاهُ البُخَارِيُّ ( 4288 ).

[17] رَوَاهُ البُخَارِيُّ ( 4289)، وَمُسْلِمٌ (1399).

[18] « مُصَنَّفُ عَبْدُ الرَّزَّاق» ( 5/ 83-84-85)، وَ«فَتْحُ البَارِيِّ» (8/ 19).

[19] رَوَاهُ البُخَارِيُّ ( 4289)، وَمُسْلِمٌ (1329).

[20] « سِيْرَةُ ابْن هِشَامٍ» ( 2/ 436)، وَ«طَبَقَاتُ ابْن سَعْدٍ» (2/ 145).

[21] «طَبَقَاتُ ابْن سَعْدٍ» (2/ 146).

[22] «طَبَقَاتُ ابْن سَعْدٍ» (2/ 146).

[23] رَوَاهُ البُخَارِيُّ ( 4294 ).

[24] انْظُرْ : «السِّيْـرَةُ النَّبَوِيَّة الصَّحِيْحَةِ » لِلعِمَرِي بَاب: فَتْحُ مَكَّةَ، فَقَدْ أَفَدُّتُ مِنْهُ كَثِيْرًا.





 حفظ بصيغة PDFنسخة ملائمة للطباعة أرسل إلى صديق تعليقات الزوارأضف تعليقكمتابعة التعليقات
شارك وانشر

مقالات ذات صلة

  • فرسان غزوة مؤتة
  • غزوة مؤتة (1)
  • خاتم النبيين (36) أحداث غزوة مؤتة
  • غزوة مؤتة
  • غزوة مؤتة: دروس وعبر (خطبة)
  • غزوة مؤتة

مختارات من الشبكة

  • فتح مكة والخروج إلى مكة(مقالة - موقع د. محمد منير الجنباز)
  • فتح مكة (خطبة)(مقالة - آفاق الشريعة)
  • من أين يحرم المقيمون في مكة للحج؟(مقالة - ملفات خاصة)
  • مخطوطة زبدة الأعمال وخلاصة الأفعال في تاريخ مكة والمدينة الشريفة (منتقى من تاريخ مكة للأزرقي)(مخطوط - مكتبة الألوكة)
  • التأثير النفسي لرحلة الحج إلى مكة المكرمة على المسلم (فضائل مكة PDF)(كتاب - مكتبة الألوكة)
  • أنواع الخطابة(مقالة - آفاق الشريعة)
  • معجزات النبي في مكة قبل الهجرة (خطبة)(مقالة - آفاق الشريعة)
  • بعج مكة كظائم (خطبة)(مقالة - ملفات خاصة)
  • من روائع السيرة بمكة (خطبة)(مقالة - آفاق الشريعة)
  • خطبة الجمعة 10 ذو الحجة لعام 1441 بمكة المكرمة(محاضرة - موقع د. علي بن عبدالعزيز الشبل)

 



أضف تعليقك:
الاسم  
البريد الإلكتروني (لن يتم عرضه للزوار)
الدولة
عنوان التعليق
نص التعليق

رجاء، اكتب كلمة : تعليق في المربع التالي

مرحباً بالضيف
الألوكة تقترب منك أكثر!
سجل الآن في شبكة الألوكة للتمتع بخدمات مميزة.
*

*

نسيت كلمة المرور؟
 
تعرّف أكثر على مزايا العضوية وتذكر أن جميع خدماتنا المميزة مجانية! سجل الآن.
شارك معنا
في نشر مشاركتك
في نشر الألوكة
سجل بريدك
  • بنر
  • بنر
كُتَّاب الألوكة
  • مشروع إسلامي ضخم بمقاطعة دوفين يقترب من الموافقة الرسمية
  • ختام ناجح للمسابقة الإسلامية السنوية للطلاب في ألبانيا
  • ندوة تثقيفية في مدينة تيرانا تجهز الحجاج لأداء مناسك الحج
  • مسجد كندي يقترب من نيل الاعتراف به موقعا تراثيا في أوتاوا
  • دفعة جديدة من خريجي برامج الدراسات الإسلامية في أستراليا
  • حجاج القرم يستعدون لرحلتهم المقدسة بندوة تثقيفية شاملة
  • مشروع مركز إسلامي في مونكتون يقترب من الانطلاق في 2025
  • مدينة روكفورد تحتضن يوما للمسجد المفتوح لنشر المعرفة الإسلامية

  • بنر
  • بنر

تابعونا على
 
حقوق النشر محفوظة © 1446هـ / 2025م لموقع الألوكة
آخر تحديث للشبكة بتاريخ : 26/11/1446هـ - الساعة: 15:30
أضف محرك بحث الألوكة إلى متصفح الويب