• الصفحة الرئيسيةخريطة الموقعRSS
  • الصفحة الرئيسية
  • سجل الزوار
  • وثيقة الموقع
  • اتصل بنا
English Alukah شبكة الألوكة شبكة إسلامية وفكرية وثقافية شاملة تحت إشراف الدكتور سعد بن عبد الله الحميد
 
الدكتور سعد بن عبد الله الحميد  إشراف  الدكتور خالد بن عبد الرحمن الجريسي
  • الصفحة الرئيسية
  • موقع آفاق الشريعة
  • موقع ثقافة ومعرفة
  • موقع مجتمع وإصلاح
  • موقع حضارة الكلمة
  • موقع الاستشارات
  • موقع المسلمون في العالم
  • موقع المواقع الشخصية
  • موقع مكتبة الألوكة
  • موقع المكتبة الناطقة
  • موقع الإصدارات والمسابقات
  • موقع المترجمات
 كل الأقسام | مقالات شرعية   دراسات شرعية   نوازل وشبهات   منبر الجمعة   روافد   من ثمرات المواقع  
اضغط على زر آخر الإضافات لغلق أو فتح النافذة اضغط على زر آخر الإضافات لغلق أو فتح النافذة
  •  
    خطبة: اشتداد المحن بداية الفرج
    يحيى سليمان العقيلي
  •  
    خطبة: إن الله لا يحب المسرفين
    عبدالعزيز أبو يوسف
  •  
    فضل عشر ذي الحجة (خطبة)
    أ. د. إبراهيم بن صالح بن عبدالله
  •  
    فصلٌ: فيما إذا جُهل حاله هل ذُكر عليه اسم الله أم ...
    فواز بن علي بن عباس السليماني
  •  
    خطبة (المروءة والخلق والحياء)
    الدكتور علي بن عبدالعزيز الشبل
  •  
    تساؤلات وإجابات حول السنة
    عبدالعظيم المطعني
  •  
    الأيام المعلومات وذكر الله (خطبة)
    حسان أحمد العماري
  •  
    من تجاوز عن المعسر تجاوز الله عنه
    د. خالد بن محمود بن عبدالعزيز الجهني
  •  
    الدرس التاسع عشر: الشرك (2)
    عفان بن الشيخ صديق السرگتي
  •  
    الحذر من استبدال الأدنى بالذي هو خير
    د. عبدالرحمن بن سعيد الحازمي
  •  
    خطبة: اغتنام عشر ذي الحجة خير الأيام
    عبدالعزيز أبو يوسف
  •  
    إعلام النبلاء بفضل العلم والعلماء (خطبة)
    الشيخ محمد عبدالتواب سويدان
  •  
    تفسير: (فأعرضوا فأرسلنا عليهم سيل العرم وبدلناهم ...
    تفسير القرآن الكريم
  •  
    التحذير من الإسراف والتبذير
    الشيخ صلاح نجيب الدق
  •  
    استحباب أخذ يد الصاحب عند التعليم والكلام والمشي
    د. محمد بن علي بن جميل المطري
  •  
    مفهوم الخصائص لغة واصطلاحا وبيان أقسامها
    د. أحمد خضر حسنين الحسن
شبكة الألوكة / آفاق الشريعة / منبر الجمعة / الخطب / السيرة والتاريخ / السيرة
علامة باركود

أمهات المؤمنين رضي الله عنهن (7) سودة بنت زمعة رضي الله عنها

أمهات المؤمنين رضي الله عنهن (7) سودة بنت زمعة رضي الله عنها
الشيخ د. إبراهيم بن محمد الحقيل

مقالات متعلقة

تاريخ الإضافة: 16/11/2022 ميلادي - 21/4/1444 هجري

الزيارات: 13044

 حفظ بصيغة PDFنسخة ملائمة للطباعة أرسل إلى صديق تعليقات الزوارأضف تعليقكمتابعة التعليقات
النص الكامل  تكبير الخط الحجم الأصلي تصغير الخط
شارك وانشر

أمهات المؤمنين رضي الله عنهن (7)

سودة بنت زمعة رضي الله عنها


﴿ الْحَمْدُ لِلَّهِ فَاطِرِ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ جَاعِلِ الْمَلَائِكَةِ رُسُلًا أُولِي أَجْنِحَةٍ مَثْنَى وَثُلَاثَ وَرُبَاعَ يَزِيدُ فِي الْخَلْقِ مَا يَشَاءُ إِنَّ اللَّهَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ* مَا يَفْتَحِ اللَّهُ لِلنَّاسِ مِنْ رَحْمَةٍ فَلَا مُمْسِكَ لَهَا وَمَا يُمْسِكْ فَلَا مُرْسِلَ لَهُ مِنْ بَعْدِهِ وَهُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ ﴾ [فَاطِرٍ: 1-2]، نَحْمَدُهُ حَمْدًا كَثِيرًا، وَنَشْكُرُهُ شُكْرًا مَزِيدًا، وَأَشْهَدُ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ وَحْدَهُ لَا شَرِيكَ لَهُ؛ يَصْطَفِي مَنْ يَشَاءُ بِحِكْمَتِهِ، وَيَهْدِي مَنْ يَشَاءُ بِرَحْمَتِهِ، وَيُضِلُّ مَنْ يَشَاءُ بِعَدْلِهِ، ﴿ وَلَا يَظْلِمُ رَبُّكَ أَحَدًا ﴾ [الْكَهْفِ: 49]، وَأَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ؛ أَرْسَلَهُ اللَّهُ تَعَالَى شَاهِدًا وَمُبَشِّرًا وَنَذِيرًا، وَدَاعِيًا إِلَى اللَّهِ بِإِذْنِهِ وَسِرَاجًا مُنِيرًا، فَبَلَّغَ الرِّسَالَةَ، وَأَدَّى الْأَمَانَةَ، وَنَصَحَ الْأُمَّةَ، وَجَاهَدَ فِي اللَّهِ تَعَالَى حَقَّ جِهَادِهِ حَتَّى أَتَاهُ الْيَقِينُ، صَلَّى اللَّهُ وَسَلَّمَ وَبَارَكَ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَأَصْحَابِهِ وَأَتْبَاعِهِ بِإِحْسَانٍ إِلَى يَوْمِ الدِّينِ.

 

أَمَّا بَعْدُ: فَاتَّقُوا اللَّهَ تَعَالَى وَأَطِيعُوهُ؛ فَإِنَّ فِي التَّقْوَى خُلُوصًا مِنَ الْمَضَائِقِ، وَفَرَجًا فِي الشَّدَائِدِ، وَرِزْقًا مِنْ حَيْثُ لَا يَحْتَسِبُ الْعَبْدُ، وَالتَّقْوَى هِيَ الْتِزَامُ الدِّينِ، بِفِعْلِ الْأَوَامِرِ وَاجْتِنَابِ النَّوَاهِي ﴿ وَمَنْ يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَلْ لَهُ مَخْرَجًا* وَيَرْزُقْهُ مِنْ حَيْثُ لَا يَحْتَسِبُ ﴾ [الطَّلَاقِ: 2-3].

 

أَيُّهَا النَّاسُ: اخْتَارَ اللَّهُ تَعَالَى لِنَبِيِّهِ خِيَارَ الْأُمَمِ؛ لِيَكُونُوا لَهُ أَتْبَاعًا، وَاخْتَارَ لَهُ خِيَارَ الرِّجَالِ لِيَكُونُوا لَهُ أَصْحَابًا، وَاخْتَارَ لَهُ خِيَارَ النِّسَاءِ لِيَكُنَّ لَهُ أَزْوَاجًا ﴿ ذَلِكَ فَضْلُ اللَّهِ يُؤْتِيهِ مَنْ يَشَاءُ وَاللَّهُ ذُو الْفَضْلِ الْعَظِيمِ ﴾ [الْجُمُعَةِ: 4].

 

وَلَمَّا تُوُفِّيَتْ خَدِيجَةُ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا تَزَوَّجَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ سَوْدَةَ بِنْتَ زَمْعَةَ الْقُرَشِيَّةَ الْعَامِرِيَّةَ. وَكَانَتْ سَوْدَةُ زَوْجَةً لِابْنِ عَمٍّ لَهَا، وَسَبَقَتْ إِلَى الْإِسْلَامِ هِيَ وَزَوْجُهَا، وَهَاجَرَا إِلَى الْحَبَشَةِ، ثُمَّ عَادَا مِنْهَا إِلَى مَكَّةَ، فَمَاتَ زَوْجُهَا وَتَرَمَّلَتْ، فَخَطَبَتْهَا خَوْلَةُ بِنْتُ حَكِيمٍ لِلنَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَقِصَّةُ ذَلِكَ أَنَّهَا ذَهَبَتْ إِلَى سَوْدَةَ فَقَالَتْ: «مَاذَا أَدْخَلَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ عَلَيْكِ مِنَ الْخَيْرِ وَالْبَرَكَةِ؟ قَالَتْ: مَا ذَاكَ؟ قَالَتْ: أَرْسَلَنِي رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَخْطُبُكِ عَلَيْهِ، قَالَتْ: وَدِدْتُ، ادْخُلِي إِلَى أَبِي فَاذْكُرِي ذَاكَ لَهُ، وَكَانَ شَيْخًا كَبِيرًا، قَدْ أَدْرَكَتْهُ السِّنُّ، قَدْ تَخَلَّفَ عَنِ الْحَجِّ، فَدَخَلَتْ عَلَيْهِ، فَحَيَّتْهُ بِتَحِيَّةِ الْجَاهِلِيَّةِ، فَقَالَ: مَنْ هَذِهِ؟ فَقَالَتْ: خَوْلَةُ بِنْتُ حَكِيمٍ، قَالَ: فَمَا شَأْنُكِ؟ قَالَتْ: أَرْسَلَنِي مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ أَخْطُبُ عَلَيْهِ سَوْدَةَ، قَالَ: كُفْءٌ كَرِيمٌ، مَاذَا تَقُولُ صَاحِبَتُكِ؟ قَالَتْ: تُحِبُّ ذَاكَ، قَالَ: ادْعُهَا لِي، فَدَعَتْهَا، فَقَالَ: أَيْ بُنَيَّةُ، إِنَّ هَذِهِ تَزْعُمْ أَنَّ مُحَمَّدَ بْنَ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَبْدِ الْمُطَّلِبِ قَدْ أَرْسَلَ يَخْطُبُكِ، وَهُوَ كُفْءٌ كَرِيمٌ، أَتُحِبِّينَ أَنْ أُزَوِّجَكِ بِهِ، قَالَتْ: نَعَمْ، قَالَ: ادْعِيهِ لِي، فَجَاءَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِلَيْهِ فَزَوَّجَهَا إِيَّاهُ» رَوَاهُ أَحْمَدُ.

 

تَزَوَّجَهَا النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي الْعَامِ الْعَاشِرِ لِلْبِعْثَةِ النَّبَوِيَّةِ، قَبْلَ الْهِجْرَةِ بِثَلَاثِ سَنَوَاتٍ، فَانْفَرَدَتْ سَوْدَةُ بِالنَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حَتَّى دَخَلَ بِعَائِشَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا بَعْدَ الْهِجْرَةِ إِلَى الْمَدِينَةِ، وَحِينَ هَاجَرَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَبِصُحْبَتِهِ أَبِي بَكْرٍ إِلَى الْمَدِينَةِ، خَلَّفَ زَوْجَهُ سَوْدَةَ وَبَنَاتِهِ فِي مَكَّةَ، وَفَوْرَ وُصُولِهِ إِلَى الْمَدِينَةِ، وَإِقَامَتِهِ فِي بَيْتِ أَبِي أَيُّوبَ الْأَنْصَارِيِّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ «بَعَثَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنْ مَنْزِلِهِ زَيْدَ بْنَ حَارِثَةَ وَأَبَا رَافِعٍ -وَأَعْطَاهُمَا بَعِيرَيْنِ وَخَمْسَمِائَةِ دِرْهَمٍ- إِلَى مَكَّةَ، فَقَدِمَا عَلَيْهِ بِفَاطِمَةَ وَأُمِّ كُلْثُومٍ، ابْنَتَيْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَسَوْدَةَ بِنْتِ زَمْعَةَ زَوْجَتِهِ، وَأُسَامَةَ بْنِ زَيْدٍ. وَكَانَتْ رُقَيَّةُ بِنْتُ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَدْ هَاجَرَ بِهَا زَوْجُهَا عُثْمَانُ بْنُ عَفَّانَ قَبْلَ ذَلِكَ. وَحَبَسَ أَبُو الْعَاصِ بْنُ الرَّبِيعِ امْرَأَتَهُ زَيْنَبَ بِنْتَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَخَرَجَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ مَعَهُمْ بِعِيَالِ أَبِي بَكْرٍ، فِيهِمْ عَائِشَةُ، فَقَدِمُوا الْمَدِينَةَ فَأَنْزَلَهُمْ فِي بَيْتِ حَارِثَةَ بْنِ النُّعْمَانِ».

 

وَلَمَّا دَخَلَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِعَائِشَةَ كَانَتْ هِيَ وَسَوْدَةُ ضَرَّتَيْنِ مُنْفَرِدَتَيْنِ بِالنَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قُرَابَةَ سَنَتَيْنِ، حَتَّى تَزَوَّجَ بِحَفْصَةَ بِنْتِ عُمَرَ، بَعْدَ تَرَمُّلِهَا فِي السَّنَةِ الثَّالِثَةِ مِنَ الْهِجْرَةِ.

 

وَلَمَّا انْقَسَمَ زَوْجَاتُ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِلَى حِزْبَيْنِ كَانَتْ سَوْدَةُ مِنْ حِزْبِ عَائِشَةَ، وَكَانَتَا يَتَمَازَحَانِ بِحَضْرَةِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ رَغْمَ فَارِقِ الْعُمْرِ الَّذِي كَانَ بَيْنَهُمَا، قَالَتْ عَائِشَةُ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا: «أَتَيْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِخَزِيرَةٍ طَبَخْتُهَا لَهُ (وَهِيَ نَوْعٌ مِنَ الْمَرَقِ أَوِ الْحَسَاءِ) فَقُلْتُ لِسَوْدَةَ -وَالنَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بَيْنِي وَبَيْنَهَا-: كُلِي، فَأَبَتْ، فَقُلْتُ: لَتَأْكُلِنَّ أَوْ لَأَلْطَخَنَّ وَجْهَكِ، فَأَبَتْ، فَوَضَعْتُ يَدِي فِي الْخَزِيرَةِ فَطَلَيْتُ بِهَا وَجْهَهَا، فَضَحِكَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَوَضَعَ فَخِذَهُ لَهَا، وَقَالَ لِسَوْدَةَ: الْطِخِي وَجْهَهَا، فَلَطَّخَتْ وَجْهِي، فَضَحِكَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَيْضًا» رَوَاهُ أَبُو يَعْلَى وَأَبُو بَكْرٍ الْبَزَّازُ.

 

وَكَانَتْ سَوْدَةُ مَرِحَةً تُدْخِلُ السُّرُورَ عَلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَتُضْحِكُهُ، رَوَى ابْنُ سَعْدٍ عَنْ إِبْرَاهِيمَ النَّخَعِيِّ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى قَالَ: «قَالَتْ سَوْدَةُ لِرَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: صَلَّيْتُ خَلْفَكَ الْبَارِحَةَ، فَرَكَعْتَ بِي حَتَّى أَمْسَكْتُ بِأَنْفِي مَخَافَةَ أَنْ يَقْطُرَ الدَّمُ -تَقْصِدُ مِنْ طُولِ الرُّكُوعِ- قَالَ: فَضَحِكَ، وَكَانَتْ تُضْحِكُهُ الْأَحْيَانَ بِالشَّيْءِ».

 

وَأَسَنَّتْ سَوْدَةُ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا، فَخَشِيَتْ أَنْ يُطَلِّقَهَا النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَوَهَبَتْ لَيْلَتَهَا لِعَائِشَةَ تَسْتَرْضِيهِ؛ لِعِلْمِهَا بِحُبِّهِ لِعَائِشَةَ، تَرْجُو بِذَلِكَ أَنْ تَكُونَ زَوْجَتَهُ فِي الْجَنَّةِ، فَكَانَ لَهَا مَا أَرَادَتْ، وَهَذَا يَدُلُّ عَلَى رَجَاحَةِ عَقْلِهَا، وَحِكْمَةِ رَأْيِهَا، ذَكَرَ ابْنُ عَبْدِ الْبَرِّ أَنَّ سَوْدَةَ «أَسَنَّتْ عِنْدَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَهَمَّ بِطَلَاقِهَا، فَقَالَتْ: لَا تُطَلِّقْنِي وَأَنْتَ فِي حِلٍّ مِنْ شَأْنِي، فَإِنَّمَا أَوَدُّ أَنْ أُحْشَرَ فِي زُمْرَةِ أَزْوَاجِكَ، وَإِنِّي قَدْ وَهَبْتُ يَوْمِي لِعَائِشَةَ، وَإِنِّي لَا أُرِيدُ مَا تُرِيدُ النِّسَاءُ، فَأَمْسَكَهَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حَتَّى تُوُفِّيَ عَنْهَا مَعَ سَائِرِ مَنْ تُوُفِّيَ عَنْهُنَّ مِنْ أَزْوَاجِهِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُنَّ. قَالَ: وَفِي سَوْدَةَ نَزَلَتْ: ﴿ وَإِنِ امْرَأَةٌ خَافَتْ مِنْ بَعْلِهَا نُشُوزًا أَوْ إِعْرَاضًا فَلَا جُنَاحَ عَلَيْهِمَا أَنْ يُصْلِحَا بَيْنَهُمَا صُلْحًا وَالصُّلْحُ خَيْرٌ ﴾ [النِّسَاءِ: 128]»، وَعَنْ عَائِشَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا: «أَنَّ سَوْدَةَ بِنْتَ زَمْعَةَ وَهَبَتْ يَوْمَهَا وَلَيْلَتَهَا لِعَائِشَةَ زَوْجِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، تَبْتَغِي بِذَلِكَ رِضَا رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ» رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ.

 

وَكَانَتْ عَائِشَةُ مُعْجَبَةً بِعَقْلِ سَوْدَةَ وَحِكْمَتِهَا وَحُسْنِ رَأْيِهَا، وَكَانَتْ تَتَمَنَّى مَا أُعْطِيَتْ سَوْدَةُ مِنَ الصِّفَاتِ، يَدُلُّ عَلَى ذَلِكَ قَوْلُهَا: «مَا رَأَيْتُ امْرَأَةً أَحَبَّ إِلَيَّ أَنْ أَكُونَ فِي مِسْلَاخِهَا مِنْ سَوْدَةَ بِنْتِ زَمْعَةَ، مِنِ امْرَأَةٍ فِيهَا حِدَّةٌ...» رَوَاهُ مُسْلِمٌ.

 

وَتُطْلَقُ الْحِدَّةُ عَلَى حِدَّةِ الذِّهْنِ وَالذَّكَاءِ، وَقُوَّةِ الْقَرِيحَةِ، وَضَبْطِ النَّفْسِ، وَهَذَا هُوَ الْمُرَادُ هُنَا؛ إِذْ إِنَّ سَوْدَةَ كَانَتْ مَعْرُوفَةً فِي تَارِيخِهَا بِحِلْمِهَا، ثُمَّ إِنَّ تَنَازُلَهَا عَنْ يَوْمِهَا لِعَائِشَةَ يَدُلُّ عَلَى ذَكَائِهَا وَحُنْكَتِهَا، وَحُسْنِ تَصَرُّفِهَا، وَبُعْدِ نَظَرِهَا.

 

فَرَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْ سَوْدَةَ وَأَرْضَاهَا، وَرَضِيَ عَنْ أُمَّهَاتِ الْمُؤْمِنِينَ وَعَنِ الصَّحَابَةِ أَجْمَعِينَ، وَجَمَعَنَا بِهِمْ فِي دَارِ النَّعِيمِ، إِنَّهُ سَمِيعٌ مُجِيبٌ.

 

وَأَقُولُ قَوْلِي هَذَا وَأَسْتَغْفِرُ اللَّهَ لِي وَلَكُمْ...

 

الخطبة الثانية

الْحَمْدُ لِلَّهِ حَمْدًا طَيِّبًا كَثِيرًا مُبَارَكًا فِيهِ كَمَا يُحِبُّ رَبُّنَا وَيَرْضَى، وَأَشْهَدُ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ وَحْدَهُ لَا شَرِيكَ لَهُ، وَأَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ، صَلَّى اللَّهُ وَسَلَّمَ وَبَارَكَ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَأَصْحَابِهِ وَمَنِ اهْتَدَى بِهُدَاهُمْ إِلَى يَوْمِ الدِّينِ.

 

أَمَّا بَعْدُ: فَاتَّقُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوهُ ﴿ وَاتَّقُوا يَوْمًا لَا تَجْزِي نَفْسٌ عَنْ نَفْسٍ شَيْئًا وَلَا يُقْبَلُ مِنْهَا عَدْلٌ وَلَا تَنْفَعُهَا شَفَاعَةٌ وَلَا هُمْ يُنْصَرُونَ ﴾ [الْبَقَرَةِ: 123].

 

أَيُّهَا الْمُسْلِمُونَ: مِنَ الْمَنَاقِبِ الْعَظِيمَةِ لِسَوْدَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حِينَ تُوُفِّيَ عَنْهَا كَانَتْ عَجُوزًا كَبِيرَةً، وَكَانَتْ قَدْ فَهِمَتْ مِنَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الْقَرَارَ فِي الْبَيْتِ بَعْدَ حَجِّهَا، فَلَمْ تَخْرُجْ مِنْ بَيْتِهَا حَتَّى مَاتَتْ، رَوَى أَبُو هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَمَّا حَجَّ بِنِسَائِهِ قَالَ: «إِنَّمَا هِيَ هَذِهِ الْحَجَّةُ، ثُمَّ الْزَمْنَ ظُهُورَ الْحُصْرِ» رَوَاهُ أَحْمَدُ، زَادَ الطَّيَالِسِيُّ فِي رِوَايَتِهِ: «فَكُنَّ كُلُّهُنَّ يُسَافِرْنَ إِلَّا زَيْنَبَ وَسَوْدَةَ، فَإِنَّهُمَا قَالَتَا: لَا تُحَرِّكُنَا دَابَّةٌ بَعْدَ مَا سَمِعْنَا مِنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ»، وَقَالَ التَّابِعِيُّ الْجَلِيلُ مُحَمَّدُ بْنُ سِيرِينَ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى: «نُبِّئْتُ أَنَّهُ قِيلَ لِسَوْدَةَ زَوْجِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: مَا لَكِ لَا تَحُجِّينَ وَلَا تَعْتَمِرِينَ كَمَا يَفْعَلُ أَخَوَاتُكِ؟ فَقَالَتْ: قَدْ حَجَجْتُ وَاعْتَمَرْتُ، وَأَمَرَنِي اللَّهُ أَنْ أَقَرَّ فِي بَيْتِي، فَوَاللَّهِ لَا أَخْرُجُ مِنْ بَيْتِي حَتَّى أَمُوتَ، قَالَ: فَوَاللَّهِ مَا خَرَجَتْ مِنْ بَابِ حُجْرَتِهَا حَتَّى أُخْرِجَتْ بِجِنَازَتِهَا».

 

وَقَدْ رَجَّحَ الْوَاقِدِيُّ أَنَّهَا تُوُفِّيَتْ سَنَةَ أَرْبَعٍ وَخَمْسِينَ لِلْهِجْرَةِ فِي خِلَافَةِ مُعَاوِيَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، وَعَلَى هَذَا فَتَكُونُ قَدْ مَكَثَتْ فِي حُجْرَتِهَا وَلَمْ تَخْرُجْ مِنْهَا أَبَدًا زُهَاءَ أَرْبَعٍ وَأَرْبَعِينَ سَنَةً. وَهَذَا مِنْ أَعْجَبِ مَا يَكُونُ فِي الْتِزَامِهَا بِأَمْرِ اللَّهِ تَعَالَى، وَأَمْرِ رَسُولِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَصَبْرِهَا عَلَى ذَلِكَ مُدَّةً طَوِيلَةً جِدًّا؛ فَرَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهَا وَأَرْضَاهَا.

 

وَحَرِيٌّ بِنِسَاءِ الْمُؤْمِنِينَ وَبَنَاتِهِمْ أَنْ يَتَأَسَّوْا بِسَوْدَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا فِي الْحِجَابِ وَالْقَرَارِ فِي الْمَنْزِلِ، وَعَدَمِ الْخُرُوجِ مِنْهُ إِلَّا لِحَاجَةٍ؛ فَرَغْمَ أَنَّ أُمَّ الْمُؤْمِنِينَ سَوْدَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا كَانَتْ عَجُوزًا كَبِيرَةً لَا يُرْغَبُ فِي مِثْلِهَا، وَلَا تَقَعُ الْفِتْنَةُ بِهَا؛ فَإِنَّهَا لَزِمَتْ حُجْرَتَهَا أَكْثَرَ مِنْ أَرْبَعَةِ عُقُودٍ، فَلَمْ تَخْرُجْ مِنْهَا إِلَّا إِلَى قَبْرِهَا؛ طَاعَةً لِلَّهِ تَعَالَى وَلِرَسُولِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ.

 

وَحَرِيٌّ بِكُلِّ امْرَأَةٍ بَيْنَهَا وَبَيْنَ زَوْجِهَا خِلَافٌ، أَوْ رَأَتْ مِنْ زَوْجِهَا عُزُوفًا عَنْهَا أَنْ تَفْعَلَ مَا فَعَلَتْ سَوْدَةُ مِنَ الصُّلْحِ مَعَهُ عَلَى مَا يُبْقِيهَا فِي عِصْمَتِهِ، وَلَا سِيَّمَا إِذَا كَانَ مِمَّنْ يُرْضَى دِينُهُ وَخُلُقُهُ؛ فَإِنَّ الْفِرَاقَ مُرٌّ، وَعَوَاقِبُهُ عَلَى الزَّوْجَةِ وَالْأَوْلَادِ وَخِيمَةٌ، وَكُلُّ الْخَيْرِ لِلْمَرْأَةِ الْمُؤْمِنَةِ فِي الْتِزَامِ هَدْيِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَعَ نِسَائِهِ ﴿ لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ لِمَنْ كَانَ يَرْجُو اللَّهَ وَالْيَوْمَ الْآخِرَ وَذَكَرَ اللَّهَ كَثِيرًا ﴾ [الْأَحْزَابِ: 21].

 

وَصَلُّوا وَسَلِّمُوا عَلَى نَبِيِّكُمْ...





 حفظ بصيغة PDFنسخة ملائمة للطباعة أرسل إلى صديق تعليقات الزوارأضف تعليقكمتابعة التعليقات
شارك وانشر

مقالات ذات صلة

  • أمهات المؤمنين رضي الله عنهن (1) فضائلهن وخصائصهن
  • أمهات المؤمنين رضي الله عنهن (2) حياة خديجة بنت خويلد رضي الله عنها
  • أمهات المؤمنين رضي الله عنهن (3) مناقب خديجة بنت خويلد رضي الله عنها
  • أمهات المؤمنين رضي الله عنهن (4) عائشة رضي الله عنها في بيت النبوة
  • أمهات المؤمنين رضي الله عنهن (5) فضائل عائشة ومناقبها
  • أمهات المؤمنين رضي الله عنهن (6) علم عائشة وفقهها
  • أمهات المؤمنين رضي الله عنهن (8): حفصة بنت عمر رضي الله عنها
  • سودة بنت زمعة - رضي الله عنها - (صانعة البهجة في بيت النبوة)
  • أمهات المؤمنين رضي الله عنهن (9) إسلام أم سلمة رضي الله عنها وهجرتها

مختارات من الشبكة

  • هن قدوتي (10): أم المؤمنين أم حبيبة بنت أبي سفيان رضي الله عنهما(مقالة - ملفات خاصة)
  • حقوق أمهات المؤمنين رضي الله عنهن (2)(مقالة - آفاق الشريعة)
  • حقوق أمهات المؤمنين رضي الله عنهن (1)(مقالة - آفاق الشريعة)
  • من فضائل أمهات المؤمنين رضي الله عنهن(مقالة - ثقافة ومعرفة)
  • التطبيق العملي للدعوة الإسلامية عند أمهات المؤمنين رضي الله عنهن(مقالة - آفاق الشريعة)
  • فضل أمهات المؤمنين رضي الله عنهن(مقالة - آفاق الشريعة)
  • فضائل أمهات المؤمنين رضي الله عنهن(مقالة - موقع د. أمين بن عبدالله الشقاوي)
  • أمهات المؤمنين رضي الله عنهن(مقالة - ثقافة ومعرفة)
  • أمهات المؤمنين رضي الله عنهن(مقالة - آفاق الشريعة)
  • هولندا: محاضرات عن أمهات المؤمنين رضي الله عنهن(مقالة - المسلمون في العالم)

 


تعليقات الزوار
1- شكر
محمد عدنان الطويل - سورية 31-05-2023 09:17 AM

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
جزاكم الله خيراً.

1 

أضف تعليقك:
الاسم  
البريد الإلكتروني (لن يتم عرضه للزوار)
الدولة
عنوان التعليق
نص التعليق

رجاء، اكتب كلمة : تعليق في المربع التالي

مرحباً بالضيف
الألوكة تقترب منك أكثر!
سجل الآن في شبكة الألوكة للتمتع بخدمات مميزة.
*

*

نسيت كلمة المرور؟
 
تعرّف أكثر على مزايا العضوية وتذكر أن جميع خدماتنا المميزة مجانية! سجل الآن.
شارك معنا
في نشر مشاركتك
في نشر الألوكة
سجل بريدك
  • بنر
  • بنر
كُتَّاب الألوكة
  • ختام ناجح للمسابقة الإسلامية السنوية للطلاب في ألبانيا
  • ندوة تثقيفية في مدينة تيرانا تجهز الحجاج لأداء مناسك الحج
  • مسجد كندي يقترب من نيل الاعتراف به موقعا تراثيا في أوتاوا
  • دفعة جديدة من خريجي برامج الدراسات الإسلامية في أستراليا
  • حجاج القرم يستعدون لرحلتهم المقدسة بندوة تثقيفية شاملة
  • مشروع مركز إسلامي في مونكتون يقترب من الانطلاق في 2025
  • مدينة روكفورد تحتضن يوما للمسجد المفتوح لنشر المعرفة الإسلامية
  • يوم مفتوح للمسجد يعرف سكان هارتلبول بالإسلام والمسلمين

  • بنر
  • بنر

تابعونا على
 
حقوق النشر محفوظة © 1446هـ / 2025م لموقع الألوكة
آخر تحديث للشبكة بتاريخ : 25/11/1446هـ - الساعة: 8:19
أضف محرك بحث الألوكة إلى متصفح الويب