• الصفحة الرئيسيةخريطة الموقعRSS
  • الصفحة الرئيسية
  • سجل الزوار
  • وثيقة الموقع
  • اتصل بنا
English Alukah شبكة الألوكة شبكة إسلامية وفكرية وثقافية شاملة تحت إشراف الدكتور سعد بن عبد الله الحميد
 
الدكتور سعد بن عبد الله الحميد  إشراف  الدكتور خالد بن عبد الرحمن الجريسي
  • الصفحة الرئيسية
  • موقع آفاق الشريعة
  • موقع ثقافة ومعرفة
  • موقع مجتمع وإصلاح
  • موقع حضارة الكلمة
  • موقع الاستشارات
  • موقع المسلمون في العالم
  • موقع المواقع الشخصية
  • موقع مكتبة الألوكة
  • موقع المكتبة الناطقة
  • موقع الإصدارات والمسابقات
  • موقع المترجمات
 كل الأقسام | مقالات شرعية   دراسات شرعية   نوازل وشبهات   منبر الجمعة   روافد   من ثمرات المواقع  
اضغط على زر آخر الإضافات لغلق أو فتح النافذة اضغط على زر آخر الإضافات لغلق أو فتح النافذة
  •  
    مفهوم الخصائص لغة واصطلاحا وبيان أقسامها
    د. أحمد خضر حسنين الحسن
  •  
    خطبة: عشر ذي الحجة فضائل وأعمال
    الشيخ الدكتور صالح بن مقبل العصيمي ...
  •  
    علام يقتل أحدكم أخاه؟! خطورة العين وسبل الوقاية ...
    رمضان صالح العجرمي
  •  
    أحكام القذف - دراسة فقهية - (WORD)
    شهد بنت علي بن صالح الذييب
  •  
    إلهام الله لعباده بألفاظ الدعاء والتوبة
    خالد محمد شيت الحيالي
  •  
    الإسلام يدعو لحرية التملك
    الشيخ ندا أبو أحمد
  •  
    تفسير قوله تعالى: ﴿ قد خلت من قبلكم سنن فسيروا في ...
    سعيد مصطفى دياب
  •  
    تخريج حديث: جاءني جبريل، فقال: يا محمد، إذا توضأت ...
    الشيخ محمد طه شعبان
  •  
    قصة الرجل الذي أمر بنيه بإحراقه (خطبة)
    د. محمود بن أحمد الدوسري
  •  
    الإيمان بالقدر خيره وشره
    تركي بن إبراهيم الخنيزان
  •  
    الأمثال الكامنة في القرآن
    قاسم عاشور
  •  
    ملخص من شرح كتاب الحج (6)
    يحيى بن إبراهيم الشيخي
  •  
    من أقوال السلف في أسماء الله الحسنى: السميع
    فهد بن عبدالعزيز عبدالله الشويرخ
  •  
    سفيه لم يجد مسافها
    محمد تبركان
  •  
    ليس من الضروري
    د. سعد الله المحمدي
  •  
    خطبة: إذا أحبك الله
    الشيخ عبدالله محمد الطوالة
شبكة الألوكة / آفاق الشريعة / منبر الجمعة / الخطب / السيرة والتاريخ
علامة باركود

الخليل عليه السلام (4) ﴿ جاء ربه بقلب سليم ﴾

الخليل عليه السلام (4) ﴿ جاء ربه بقلب سليم ﴾
الشيخ د. إبراهيم بن محمد الحقيل

مقالات متعلقة

تاريخ الإضافة: 29/7/2021 ميلادي - 19/12/1442 هجري

الزيارات: 21071

 حفظ بصيغة PDFنسخة ملائمة للطباعة أرسل إلى صديق تعليقات الزوارأضف تعليقكمتابعة التعليقات
النص الكامل  تكبير الخط الحجم الأصلي تصغير الخط
شارك وانشر

الخليل عليه السلام (4)

﴿ جَاءَ رَبَّهُ بِقَلْبٍ سَلِيمٍ ﴾

الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ، وَالعَاقِبَةُ لِلْمُتَقِينَ، وَلَا عُدْوَانَ إِلَّا عَلَى الظَّالِمِينَ، وَلَا أَمْنَ إِلَّا لِلْمُؤْمِنِينَ، نَحْمَدُهُ حَمْدَ الشَّاكِرِينَ، وَنَسْتَغْفِرُهُ اسْتِغْفَارَ التَّائِبِينَ، وَنَسْأَلُهُ مِنْ فَضْلِهِ الْعَظِيمِ؛ فَهُوَ الْجَوَادُ الْكَرِيمُ، الْبَرُّ الرَّحِيمُ، وَأَشْهَدُ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ وَحْدَهُ لَا شَرِيكَ لَهُ وَلِيُّ الصَّالِحِينَ، وَمُنْجِي الْمُؤْمِنِينَ، وَمُعَذِّبُ الْمُشْرِكِينَ وَالْمُنَافِقِينَ، وَأَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ؛ إِمَامُ الْمُرْسَلِينَ، وَحُجَّةُ اللَّهِ تَعَالَى عَلَى الْعَالَمِينَ، وَسَيِّدُ وَلَدِ آدَمَ أَجْمَعِينَ، بَعَثَهُ اللَّهُ تَعَالَى بِالنُّورِ الْمُبِينِ، يَهْدِي إِلَى الصِّرَاطِ الْمُسْتَقِيمِ، وَيَدُلُّ عَلَى الدِّينِ الْقَوِيمِ؛ فَمَنْ تَبِعَهُ وَأَطَاعَهُ كَانَ مِنْ أَهْلِ النَّعِيمِ، وَمَنْ أَعْرَضَ عَنْهُ وَعَصَاهُ عُذِّبَ فِي الْجَحِيمِ، صَلَّى اللَّهُ وَسَلَّمَ وَبَارَكَ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَأَصْحَابِهِ وَأَتْبَاعِهِ بِإِحْسَانٍ إِلَى يَوْمِ الدِّينِ.

 

أَمَّا بَعْدُ:

فَاتَّقُوا اللَّهَ تَعَالَى وَأَطِيعُوهُ، وَأَسْلِمُوا لَهُ وُجُوهَكُمْ، وَطَهِّرُوا قُلُوبَكُمْ؛ فَإِنَّهُ سُبْحَانَهُ «لَا يَنْظُرُ إِلَى أَجْسَادِكُمْ وَلَا إِلَى صُوَرِكُمْ، وَلَكِنْ يَنْظُرُ إِلَى قُلُوبِكُمْ» كَمَا جَاءَ فِي الْحَدِيثِ الصَّحِيحِ. فَأَصْلِحُوا قُلُوبَكُمْ بِالْإِيمَانِ، وَزَكُّوهَا بِصَالِحِ الْأَعْمَالِ، وَالْقُلُوبُ تَسْتَنِيرُ بِالطَّاعَاتِ، وَتَسْوَدُّ بِالْمُحَرَّمَاتِ، قَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «تُعْرَضُ الْفِتَنُ عَلَى الْقُلُوبِ كَالْحَصِيرِ عُودًا عُودًا، فَأَيُّ قَلْبٍ أُشْرِبَهَا نُكِتَ فِيهِ نُكْتَةٌ سَوْدَاءُ، وَأَيُّ قَلْبٍ أَنْكَرَهَا نُكِتَ فِيهِ نُكْتَةٌ بَيْضَاءُ، حَتَّى تَصِيرَ عَلَى قَلْبَيْنِ، عَلَى أَبْيَضَ مِثْلِ الصَّفَا فَلَا تَضُرُّهُ فِتْنَةٌ مَا دَامَتِ السَّمَاوَاتُ وَالْأَرْضُ، وَالْآخَرُ أَسْوَدُ مُرْبَادًّا كَالْكُوزِ مُجَخِّيًا، لَا يَعْرِفُ مَعْرُوفًا، وَلَا يُنْكِرُ مُنْكَرًا، إِلَّا مَا أُشْرِبَ مِنْ هَوَاهُ»؛ رَوَاهُ مُسْلِمٌ.

 

أَيُّهَا الْمُسْلِمُونَ: أَطْهَرُ النَّاسِ قُلُوبًا الرُّسُلُ عَلَيْهِمُ السَّلَامُ، وَقُلُوبُهُمْ أَكْثَرُ الْقُلُوبِ صَلَاحًا وَعُمْرَانَا بِالْإِيمَانِ؛ وَلِذَا كَانُوا أَحْرَصَ النَّاسِ عَلَى هِدَايَةِ النَّاسِ، وَأَنْصَحَهُمْ لَهُمْ وَأَنْفَعَهُمْ، يَدُلُّونَ النَّاسَ عَلَى رَبِّهِمْ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى، وَيَدْعُونَهُمْ إِلَى تَوْحِيدِهِ وَعِبَادَتِهِ، وَيَصْبِرُونَ عَلَى الْأَذَى فِي سَبِيلِ ذَلِكَ ﴿ وَمَا أَرْسَلْنَا مِنْ قَبْلِكَ مِنْ رَسُولٍ إِلَّا نُوحِي إِلَيْهِ أَنَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا أَنَا فَاعْبُدُونِ ﴾ [الْأَنْبِيَاءِ: 25].

 

وَالْخَلِيلُ إِبْرَاهِيمُ عَلَيْهِ السَّلَامُ دَعَا إِلَى اللَّهِ تَعَالَى، وَجَادَلَ الْمُشْرِكِينَ فِي شِرْكِهِمْ، وَكَسَّرَ أَصْنَامَهُمْ، وَهَدَمَ حُجَجَهُمْ؛ حَتَّى بُهِتُوا وَانْقَطَعُوا، فَهَدَّدُوهُ بِالْقَتْلِ وَالتَّحْرِيقِ؛ فَمَا وَقَفَ عَنْ دَعْوَتِهِ، وَلَا لَانَتْ عَزِيمَتُهُ، وَلَا وَهَنَتْ قُوَّتُهُ؛ لِأَنَّ قَلْبَهُ عَامِرٌ بِحُبِّ اللَّهِ تَعَالَى وَتَوْحِيدِهِ وَعُبُودِيَّتِهِ، وَالثِّقَةِ بِهِ سُبْحَانَهُ، وَالتَّوَكُّلِ عَلَيْهِ، وَاللُّجُوءِ إِلَيْهِ. وَلَوْلَا سَلَامَةُ قَلْبِهِ عَلَيْهِ السَّلَامُ لَمَا تَحَمَّلَ كُلَّ بَلَاءٍ أَصَابَهُ فِي ذَاتِ اللَّهِ تَعَالَى.

 

وَلَمْ يَأْتِ وَصْفُ الْقَلْبِ بِالسَّلِيمِ فِي الْقُرْآنِ إِلَّا فِي مَوْضِعَيْنِ، كِلَاهُمَا فِي سِيَاقِ قِصَّةِ الْخَلِيلِ عَلَيْهِ السَّلَامُ؛ فَفِي الْمَوْضِعِ الْأَوَّلِ نَاظَرَ الْخَلِيلُ أَبَاهُ وَقَوْمَهُ فِي شِرْكِهِمْ، وَهَدَمَ حُجَجَهُمْ، وَبَيَّنَ خَطَأَهُمْ، ثُمَّ أَتْبَعَ ذَلِكَ بِالدُّعَاءِ، وَبَيَّنَ فِي دُعَائِهِ أَنَّهُ لَا يَنْجُو يَوْمَ الْقِيَامَةِ إِلَّا صَاحِبُ الْقَلْبِ السَّلِيمِ، فَقَالَ عَلَيْهِ السَّلَامُ: ﴿ وَلَا تُخْزِنِي يَوْمَ يُبْعَثُونَ * يَوْمَ لَا يَنْفَعُ مَالٌ وَلَا بَنُونَ * إِلَّا مَنْ أَتَى اللَّهَ بِقَلْبٍ سَلِيمٍ ﴾ [الشُّعَرَاءِ: 87-89]. وَفِي الْمَوْضِعِ الثَّانِي زَكَّى اللَّهُ تَعَالَى قَلْبَ الْخَلِيلِ، وَوَصَفَهُ بِالسَّلَامَةِ، وَهُوَ سُبْحَانَهُ أَعْلَمُ بِالْقُلُوبِ وَمَا تُكِنُّهُ، ﴿ يَعْلَمُ خَائِنَةَ الْأَعْيُنِ وَمَا تُخْفِي الصُّدُورُ ﴾ [غَافِرٍ: 19]، وَتَزْكِيَةُ اللَّهِ تَعَالَى لِلْخَلِيلِ عَلَيْهِ السَّلَامُ بِأَنَّهُ سَلِيمُ الْقَلْبِ جَاءَتْ فِي قَوْلِهِ تَعَالَى: ﴿ وَإِنَّ مِنْ شِيعَتِهِ لَإِبْرَاهِيمَ * إِذْ جَاءَ رَبَّهُ بِقَلْبٍ سَلِيمٍ ﴾ [الصَّافَّاتِ: 83-84]، لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ، مَا أَعْظَمَهُ مِنْ وَصْفٍ!

 

فَمَا هِيَ سَلَامَةُ قَلْبِ الْخَلِيلِ عَلَيْهِ السَّلَامُ حَتَّى اسْتَحَقَّ هَذَا الْوَصْفَ؟!

لَقَدْ سَلَّمَ قَلْبَهُ لِلَّهِ تَعَالَى فَكَانَ سِلْمًا لَهُ وَحْدَهُ لَا شَرِيكَ لَهُ، فَبَايَنَ قَوْمَهُ فِي شِرْكِهِمْ، وَفَارَقَهُمْ فِي إِثْمِهِمْ، وَحَرَصَ عَلَى سَلَامَةِ قَلْبِهِ مِنَ الشِّرْكِ وَقَالَ فِي مُنَاظَرَتِهِمْ: ﴿ إِنِّي وَجَّهْتُ وَجْهِيَ لِلَّذِي فَطَرَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ حَنِيفًا وَمَا أَنَا مِنَ الْمُشْرِكِينَ ﴾ [الْأَنْعَامِ: 79].

 

وَمِنْ سَلَامَةِ قَلْبِهِ أَنَّهُ حَاجَّ قَوْمَهُ فِي الشِّرْكِ، وَأَعْلَنَ بِشَجَاعَةٍ كُفْرَهُ بِأَصْنَامِهِمْ، وَأَنَّهُ لَا يَخَافُهَا فَهِيَ لَا تَضُرُّ وَلَا تَنْفَعُ ﴿ وَحَاجَّهُ قَوْمُهُ قَالَ أَتُحَاجُّونِّي فِي اللَّهِ وَقَدْ هَدَانِي وَلَا أَخَافُ مَا تُشْرِكُونَ بِهِ إِلَّا أَنْ يَشَاءَ رَبِّي شَيْئًا وَسِعَ رَبِّي كُلَّ شَيْءٍ عِلْمًا أَفَلَا تَتَذَكَّرُونَ * وَكَيْفَ أَخَافُ مَا أَشْرَكْتُمْ وَلَا تَخَافُونَ أَنَّكُمْ أَشْرَكْتُمْ بِاللَّهِ مَا لَمْ يُنَزِّلْ بِهِ عَلَيْكُمْ سُلْطَانًا فَأَيُّ الْفَرِيقَيْنِ أَحَقُّ بِالْأَمْنِ إِنْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ ﴾ [الْأَنْعَامِ: 80 -81].

 

وَسَلِمَ قَلْبُ الْخَلِيلِ عَلَيْهِ السَّلَامُ مِنَ التَّعَلُّقِ بِغَيْرِ اللَّهِ تَعَالَى، فَلَمْ يَخْشَ سِوَاهُ، وَلَمْ يَعْبُدْ إِلَّا إِيَّاهُ، وَلَمْ يَدْعُ غَيْرَهُ، وَتَبَرَّأَ مِنْ كُلِّ مَا يُعْبَدُ مِنْ دُونِهِ تَعَالَى: ﴿ وَإِذْ قَالَ إِبْرَاهِيمُ لِأَبِيهِ وَقَوْمِهِ إِنَّنِي بَرَاءٌ مِمَّا تَعْبُدُونَ * إِلَّا الَّذِي فَطَرَنِي فَإِنَّهُ سَيَهْدِينِ ﴾ [الزُّخْرُفِ: 26-27]، وَفِي مَقَامٍ آخَرَ: ﴿ قَالَ أَفَرَأَيْتُمْ مَا كُنْتُمْ تَعْبُدُونَ * أَنْتُمْ وَآبَاؤُكُمُ الْأَقْدَمُونَ * فَإِنَّهُمْ عَدُوٌّ لِي إِلَّا رَبَّ الْعَالَمِينَ * الَّذِي خَلَقَنِي فَهُوَ يَهْدِينِ * وَالَّذِي هُوَ يُطْعِمُنِي وَيَسْقِينِ * وَإِذَا مَرِضْتُ فَهُوَ يَشْفِينِ * وَالَّذِي يُمِيتُنِي ثُمَّ يُحْيِينِ * وَالَّذِي أَطْمَعُ أَنْ يَغْفِرَ لِي خَطِيئَتِي يَوْمَ الدِّينِ ﴾ [الشُّعَرَاءِ: 75-82].

 

وَسَلِمَ قَلْبُ الْخَلِيلِ عَلَيْهِ السَّلَامُ مِنَ التَّعَلُّقِ بِالْمَخْلُوقِينَ فِي أَقْسَى الظُّرُوفِ، وَأَشَدِّ السَّاعَاتِ؛ فَحِينَ أُلْقِيَ فِي النَّارِ لَمْ يَتَوَسَّلْ إِلَى قَوْمِهِ بِالْعَفْوِ عَنْهُ، وَلَمْ يَرْجُ أَحَدًا إِلَّا اللَّهَ تَعَالَى، قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا: «كَانَ آخِرَ قَوْلِ إِبْرَاهِيمَ حِينَ أُلْقِيَ فِي النَّارِ: حَسْبِي اللَّهُ وَنِعْمَ الْوَكِيلُ» رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ.

 

وَسَلِمَ قَلْبُ الْخَلِيلِ عَلَيْهِ السَّلَامُ مِنَ الْحِقْدِ وَالْحَسَدِ وَالْأَخْلَاقِ الرَّدِيئَةِ، فَكَانَ يُحِبُّ لِلنَّاسِ مَا يُحِبُّ لِنَفْسِهِ، «وَذَلِكَ جِمَاعُ مَكَارِمِ الْأَخْلَاقِ»؛ كَمَا وَصَفَهُ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ بِقَوْلِهِ: ﴿ إِنَّ إِبْرَاهِيمَ لَأَوَّاهٌ حَلِيمٌ ﴾ [التَّوْبَةِ: 114]، وَالْحِلْمُ مَجْمَعُ الْمَكَارِمِ، وَمَعْقِدُ الْمَحَاسِنِ، «فَكَانَ الْخَلِيلُ مُنَزَّهًا عَنْ كُلِّ خُلُقٍ ذَمِيمٍ وَاعْتِقَادٍ بَاطِلٍ». وَيَدُلُّ عَلَى حِلْمِهِ أَنَّ قَوْمَهُ آذَوْهُ، وَقَذَفُوهُ فِي النَّارِ، وَلَمْ يَدْعُ عَلَيْهِمْ، بَلْ دَعَا لَهُمْ، قَالَ فِي دُعَائِهِ عَلَيْهِ السَّلَامُ: ﴿ فَمَنْ تَبِعَنِي فَإِنَّهُ مِنِّي وَمَنْ عَصَانِي فَإِنَّكَ غَفُورٌ رَحِيمٌ ﴾ [إِبْرَاهِيمَ: 36]، وَمِنْ حِلْمِهِ عَلَيْهِ السَّلَامُ أَنَّ أَبَاهُ تَوَعَّدَهُ بِالرَّجْمِ، وَمَعَ ذَلِكَ اسْتَغْفَرَ لَهُ حَتَّى نُهِيَ عَنْ ذَلِكَ، وَبَيَّنَ لِأَبِيهِ أَنَّهُ يَخَافُ عَلَيْهِ الْعَذَابَ فَقَالَ لَهُ: ﴿ يَا أَبَتِ إِنِّي أَخَافُ أَنْ يَمَسَّكَ عَذَابٌ مِنَ الرَّحْمَنِ فَتَكُونَ لِلشَّيْطَانِ وَلِيًّا * قَالَ أَرَاغِبٌ أَنْتَ عَنْ آلِهَتِي يَا إِبْرَاهِيمُ لَئِنْ لَمْ تَنْتَهِ لَأَرْجُمَنَّكَ وَاهْجُرْنِي مَلِيًّا * قَالَ سَلَامٌ عَلَيْكَ سَأَسْتَغْفِرُ لَكَ رَبِّي إِنَّهُ كَانَ بِي حَفِيًّا ﴾ [مَرْيَمَ: 45-47].

 

وَمِنْ حِلْمِ الْخَلِيلِ عَلَيْهِ السَّلَامُ، وَمَحَبَّتِهِ الْخَيْرَ لِلنَّاسِ؛ أَنَّهُ جَادَلَ فِي عَذَابِ قَوْمِ لُوطٍ؛ رَجَاءَ إِيمَانِهِمْ، حَتَّى أَمَرَهُ اللَّهُ تَعَالَى بِالْإِعْرَاضِ عَنْ ذَلِكَ: ﴿ فَلَمَّا ذَهَبَ عَنْ إِبْرَاهِيمَ الرَّوْعُ وَجَاءَتْهُ الْبُشْرَى يُجَادِلُنَا فِي قَوْمِ لُوطٍ * إِنَّ إِبْرَاهِيمَ لَحَلِيمٌ أَوَّاهٌ مُنِيبٌ * يَا إِبْرَاهِيمُ أَعْرِضْ عَنْ هَذَا إِنَّهُ قَدْ جَاءَ أَمْرُ رَبِّكَ وَإِنَّهُمْ آتِيهِمْ عَذَابٌ غَيْرُ مَرْدُودٍ ﴾ [هُودٍ: 74-76]، أَوْ جَادَلَ فِيهِمْ؛ خَشْيَةَ نُزُولِ الْعَذَابِ بِالْمُؤْمِنِينَ وَهُمْ مَعَهُمْ؛ ﴿ وَلَمَّا جَاءَتْ رُسُلُنَا إِبْرَاهِيمَ بِالْبُشْرَى قَالُوا إِنَّا مُهْلِكُو أَهْلِ هَذِهِ الْقَرْيَةِ إِنَّ أَهْلَهَا كَانُوا ظَالِمِينَ * قَالَ إِنَّ فِيهَا لُوطًا قَالُوا نَحْنُ أَعْلَمُ بِمَنْ فِيهَا لَنُنَجِّيَنَّهُ وَأَهْلَهُ إِلَّا امْرَأَتَهُ كَانَتْ مِنَ الْغَابِرِينَ ﴾ [الْعَنْكَبُوتِ: 31- 32]

 

وَأَقُولُ قَوْلِي هَذَا وَأَسْتَغْفِرُ اللَّهَ لِي وَلَكُمْ...

 

الخطبة الثانية

الْحَمْدُ لِلَّهِ حَمْدًا طَيِّبًا كَثِيرًا مُبَارَكًا فِيهِ كَمَا يُحِبُّ رَبُّنَا وَيَرْضَى، وَأَشْهَدُ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ وَحْدَهُ لَا شَرِيكَ لَهُ، وَأَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ، صَلَّى اللَّهُ وَسَلَّمَ وَبَارَكَ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَأَصْحَابِهِ وَمَنِ اهْتَدَى بِهُدَاهُمْ إِلَى يَوْمِ الدِّينِ.

 

أَمَّا بَعْدُ:

فَاتَّقُوا اللَّهَ تَعَالَى وَأَطِيعُوهُ ﴿ وَاتَّقُوا يَوْمًا تُرْجَعُونَ فِيهِ إِلَى اللَّهِ ثُمَّ تُوَفَّى كُلُّ نَفْسٍ مَا كَسَبَتْ وَهُمْ لَا يُظْلَمُونَ ﴾ [الْبَقَرَةِ: 281].

 

أَيُّهَا الْمُسْلِمُونَ:

«الْقَلْبُ السَّلِيمُ هُوَ الَّذِي سَلِمَ مِنَ الشِّرْكِ وَالْغِلِّ وَالْحِقْدِ وَالْحَسَدِ وَالشُّحِّ وَالْكِبْرِ وَحُبِّ الدُّنْيَا وَالرِّيَاسَةِ، فَسَلِمَ مِنْ كُلِّ آفَةٍ تُبْعِدُهُ عَنِ اللَّهِ تَعَالَى، وَسَلِمَ مِنْ كُلِّ شُبْهَةٍ تُعَارِضُ خَبَرَهُ، وَمِنْ كُلِّ شَهْوَةٍ تُعَارِضُ أَمْرَهُ، وَسَلِمَ مِنْ كُلِّ إِرَادَةٍ تُزَاحِمُ مُرَادَهُ، وَسَلِمَ مِنْ كُلِّ قَاطِعٍ يَقْطَعُ عَنِ اللَّهِ تَعَالَى، فَهَذَا الْقَلْبُ السَّلِيمُ فِي جَنَّةٍ مُعَجَّلَةٍ فِي الدُّنْيَا، وَفِي جَنَّةٍ فِي الْبَرْزَخِ، وَفِي جَنَّةٍ يَوْمَ الْمَعَادِ. وَلَا تَتِمُّ لَهُ سَلَامَتُهُ مُطْلَقًا حَتَّى يَسْلَمَ مِنْ خَمْسَةِ أَشْيَاءَ: مِنْ شِرْكٍ يُنَاقِضُ التَّوْحِيدَ، وَبِدْعَةٍ تُخَالِفُ السُّنَّةَ، وَشَهْوَةٍ تُخَالِفُ الْأَمْرَ، وَغَفْلَةٍ تُنَاقِضُ الذِّكْرَ، وَهَوًى يُنَاقِضُ التَّجْرِيدَ وَالْإِخْلَاصَ».

 

وَكَانَ قَلْبُ الْخَلِيلِ عَلَيْهِ السَّلَامُ سَلِيمًا مِنْ كُلِّ ذَلِكَ، وَمَنْ أَرَادَ اقْتِفَاءَ أَثَرِ الْخَلِيلِ فِي سَلَامَةِ الْقَلْبِ؛ اجْتَهَدَ فِي صَلَاحِ قَلْبِهِ بِالْإِيمَانِ وَالْعَمَلِ الصَّالِحِ، وَالْبُعْدِ عَنِ الْمُحَرَّمَاتِ. وَلَيْسَ مِنْ سَلَامَةِ الْقَلْبِ الرِّضَا بِشِرْكِ الْمُشْرِكِينَ، أَوِ انْحِرَافِ الْمُنْحَرِفِينَ، أَوْ تَحْلِيلِ الْمُحَرَّمَاتِ وَإِسْقَاطِ الْوَاجِبَاتِ، أَوِ ادِّعَاءِ أَنَّ الْبَشَرَ كُلَّهُمْ مُؤْمِنَهُمْ وَكَافِرَهُمْ يَجِبُ أَنْ يَكُونُوا إِخْوَةً مُتَآلِفِينَ. وَكُلُّ مُحَاوَلَةٍ لِخَلْطِ دِينِ الْخَلِيلِ عَلَيْهِ السَّلَامُ بِالْأَدْيَانِ الْأُخْرَى الْمُحَرَّفَةِ وَالْمُحْدَثَةِ فَهِيَ عَلَى غَيْرِ دِينِ الْخَلِيلِ؛ ﴿ وَقَالُوا كُونُوا هُودًا أَوْ نَصَارَى تَهْتَدُوا قُلْ بَلْ مِلَّةَ إِبْرَاهِيمَ حَنِيفًا وَمَا كَانَ مِنَ الْمُشْرِكِينَ ﴾ [الْبَقَرَةِ: 135]، وَفِي آيَةٍ أُخْرَى: ﴿ مَا كَانَ إِبْرَاهِيمُ يَهُودِيًّا وَلَا نَصْرَانِيًّا وَلَكِنْ كَانَ حَنِيفًا مُسْلِمًا وَمَا كَانَ مِنَ الْمُشْرِكِينَ ﴾ [آلِ عِمْرَانَ: 67]، وَقَالَ تَعَالَى: ﴿ قُلْ صَدَقَ اللَّهُ فَاتَّبِعُوا مِلَّةَ إِبْرَاهِيمَ حَنِيفًا وَمَا كَانَ مِنَ الْمُشْرِكِينَ ﴾ [آلِ عِمْرَانَ: 95]، وَدِينُهُ عَلَيْهِ السَّلَامُ هُوَ دِينُ الْإِسْلَامِ، وَهِيَ وَصِيَّتُهُ لِبَنِيهِ مِنْ بَعْدِهِ: ﴿ وَوَصَّى بِهَا إِبْرَاهِيمُ بَنِيهِ وَيَعْقُوبُ يَا بَنِيَّ إِنَّ اللَّهَ اصْطَفَى لَكُمُ الدِّينَ فَلَا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ ﴾ [الْبَقَرَةِ: 132]، وَقِيلَ لِلنَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: ﴿ قُلْ إِنَّنِي هَدَانِي رَبِّي إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ دِينًا قِيَمًا مِلَّةَ إِبْرَاهِيمَ حَنِيفًا وَمَا كَانَ مِنَ الْمُشْرِكِينَ ﴾ [الْأَنْعَامِ: 161].

 

فَحَذَارِ -عِبَادَ اللَّهِ- مِنْ كُلِّ مَنْهَجٍ مُنْحَرِفٍ يُرِيدُ إِدْخَالَ الشِّرْكِ فِي حَنِيفِيَّةِ الْخَلِيلِ، أَوْ يُسَاوِي بَيْنَهَا وَبَيْنَ الْأَدْيَانِ الْمُحَرَّفَةِ؛ فَفِي ذَلِكَ تَلْبِيسٌ عَلَى النَّاسِ، وَتَلْوِيثٌ لِمُعْتَقَدَاتِهِمْ، وَإِفْسَادٌ لِدِينِهِمْ، وَذَلِكَ مِنْ بَيْعِ الدِّينِ بِثَمَنٍ بَخْسٍ مَهْمَا بَلَغَ ﴿ وَلَا تَشْتَرُوا بِآيَاتِي ثَمَنًا قَلِيلًا وَإِيَّايَ فَاتَّقُونِ * وَلَا تَلْبِسُوا الْحَقَّ بِالْبَاطِلِ وَتَكْتُمُوا الْحَقَّ وَأَنْتُمْ تَعْلَمُونَ ﴾ [الْبَقَرَةِ: 41-42].

 

وَصَلُّوا وَسَلِّمُوا عَلَى نَبِيِّكُمْ...





 حفظ بصيغة PDFنسخة ملائمة للطباعة أرسل إلى صديق تعليقات الزوارأضف تعليقكمتابعة التعليقات
شارك وانشر

مقالات ذات صلة

  • الخليل عليه السلام (1) (ملة إبراهيم حنيفا)
  • الخليل عليه السلام (2)
  • الخليل عليه السلام (3) (إن إبراهيم كان أمة قانتا لله)
  • الخليل عليه السلام (5) تغيير دين الخليل
  • الخليل عليه السلام (6) {إن أولى الناس بإبراهيم للذين اتبعوه}
  • الخليل عليه السلام (7) ﴿ وإذ يرفع إبراهيم القواعد من الببت ﴾
  • الخليل عليه السلام (8): {وإذ ابتلى إبراهيم ربه بكلمات فأتمهن} (خطبة)
  • الخليل عليه السلام (9): { ألم تر إلى الذي حاج إبراهيم في ربه }
  • بين الخليل عليه السلام وأبيه (خطبة)
  • الخليل عليه السلام (10) {وإذ قال إبراهيم لأبيه آزر أتتخذ أصناما آلهة}
  • الخليل عليه السلام (11) {ولقد جاءت رسلنا إبراهيم بالبشرى}

مختارات من الشبكة

  • ثناء الخليل عليه السلام على ربه سبحانه (خطبة)(مقالة - موقع الشيخ إبراهيم بن محمد الحقيل)
  • أيها الأنام أفشوا السلام تدخلوا دار السلام بسلام(مقالة - آفاق الشريعة)
  • على خطى الخليل عليه السلام: قيمة البر(مقالة - آفاق الشريعة)
  • على خطى الخليل عليه السلام: قيمة الدعاء للذرية(مقالة - آفاق الشريعة)
  • مخطوطة مثير الغرام وخلاصة الكلام في فضل زيارة سيدنا الخليل عليه السلام(مخطوط - مكتبة الألوكة)
  • من دعوات الخليل عليه السلام (٢) ويليه من فضل عشر ذي الحجة(محاضرة - موقع د. صغير بن محمد الصغير)
  • من دعوات الخليل عليه السلام ووصيته لبنيه (١)(محاضرة - موقع د. صغير بن محمد الصغير)
  • مخطوطة فضل زيارة الخليل عليه السلام وموضع قبره وقبور أبنائه الكرام(مخطوط - مكتبة الألوكة)
  • الصفات التي اتصف بها الخليل - عليه السلام - في مجتمعه(مقالة - آفاق الشريعة)
  • الصفات التي اتصف بها إبراهيم الخليل -عليه السلام-(مقالة - آفاق الشريعة)

 



أضف تعليقك:
الاسم  
البريد الإلكتروني (لن يتم عرضه للزوار)
الدولة
عنوان التعليق
نص التعليق

رجاء، اكتب كلمة : تعليق في المربع التالي

مرحباً بالضيف
الألوكة تقترب منك أكثر!
سجل الآن في شبكة الألوكة للتمتع بخدمات مميزة.
*

*

نسيت كلمة المرور؟
 
تعرّف أكثر على مزايا العضوية وتذكر أن جميع خدماتنا المميزة مجانية! سجل الآن.
شارك معنا
في نشر مشاركتك
في نشر الألوكة
سجل بريدك
  • بنر
  • بنر
كُتَّاب الألوكة
  • ختام ناجح للمسابقة الإسلامية السنوية للطلاب في ألبانيا
  • ندوة تثقيفية في مدينة تيرانا تجهز الحجاج لأداء مناسك الحج
  • مسجد كندي يقترب من نيل الاعتراف به موقعا تراثيا في أوتاوا
  • دفعة جديدة من خريجي برامج الدراسات الإسلامية في أستراليا
  • حجاج القرم يستعدون لرحلتهم المقدسة بندوة تثقيفية شاملة
  • مشروع مركز إسلامي في مونكتون يقترب من الانطلاق في 2025
  • مدينة روكفورد تحتضن يوما للمسجد المفتوح لنشر المعرفة الإسلامية
  • يوم مفتوح للمسجد يعرف سكان هارتلبول بالإسلام والمسلمين

  • بنر
  • بنر

تابعونا على
 
حقوق النشر محفوظة © 1446هـ / 2025م لموقع الألوكة
آخر تحديث للشبكة بتاريخ : 23/11/1446هـ - الساعة: 18:47
أضف محرك بحث الألوكة إلى متصفح الويب