• الصفحة الرئيسيةخريطة الموقعRSS
  • الصفحة الرئيسية
  • سجل الزوار
  • وثيقة الموقع
  • اتصل بنا
English Alukah شبكة الألوكة شبكة إسلامية وفكرية وثقافية شاملة تحت إشراف الدكتور سعد بن عبد الله الحميد
 
الدكتور سعد بن عبد الله الحميد  إشراف  الدكتور خالد بن عبد الرحمن الجريسي
  • الصفحة الرئيسية
  • موقع آفاق الشريعة
  • موقع ثقافة ومعرفة
  • موقع مجتمع وإصلاح
  • موقع حضارة الكلمة
  • موقع الاستشارات
  • موقع المسلمون في العالم
  • موقع المواقع الشخصية
  • موقع مكتبة الألوكة
  • موقع المكتبة الناطقة
  • موقع الإصدارات والمسابقات
  • موقع المترجمات
 كل الأقسام | مقالات شرعية   دراسات شرعية   نوازل وشبهات   منبر الجمعة   روافد   من ثمرات المواقع  
اضغط على زر آخر الإضافات لغلق أو فتح النافذة اضغط على زر آخر الإضافات لغلق أو فتح النافذة
  •  
    محاسن الإرث في الإسلام (خطبة)
    الشيخ د. إبراهيم بن محمد الحقيل
  •  
    تفسير: (لقد كان لسبإ في مسكنهم آية جنتان عن يمين ...
    تفسير القرآن الكريم
  •  
    علامات الساعة (2)
    تركي بن إبراهيم الخنيزان
  •  
    ما جاء في فصل الصيف
    الشيخ عبدالله بن جار الله آل جار الله
  •  
    أحكام التعاقد بالوكالة المستترة وآثاره: دراسة ...
    د. ياسر بن عبدالرحمن العدل
  •  
    خطبة: أم سليم ضحت بزوجها من أجل دينها (1)
    د. محمد جمعة الحلبوسي
  •  
    خطبة: التربية على العفة
    عدنان بن سلمان الدريويش
  •  
    حقوق الأولاد (1)
    د. أمير بن محمد المدري
  •  
    التلاحم والتنظيم في صفوف القتال في سبيل الله...
    أبو مالك هيثم بن عبدالمنعم الغريب
  •  
    أسس التفكير العقدي: مقاربة بين الوحي والعقل
    الشيخ حذيفة بن حسين القحطاني
  •  
    ابتلاء مبين وذبح عظيم (خطبة)
    د. محمود بن أحمد الدوسري
  •  
    فضل من يسر على معسر أو أنظره
    د. خالد بن محمود بن عبدالعزيز الجهني
  •  
    حديث: لا طلاق إلا بعد نكاح، ولا عتق إلا بعد ملك
    الشيخ عبدالقادر شيبة الحمد
  •  
    كونوا أنصار الله: دعوة خالدة للتمكين والنصرة
    أبو مالك هيثم بن عبدالمنعم الغريب
  •  
    لا تعير من عيرك
    نورة سليمان عبدالله
  •  
    من مائدة التفسير: سورة النصر
    عبدالرحمن عبدالله الشريف
شبكة الألوكة / آفاق الشريعة / منبر الجمعة / الخطب / عقيدة وتوحيد / الكتب السماوية والرسل
علامة باركود

حاجة العالم للرسالات (خطبة)

حاجة العالم للرسالات (خطبة)
د. خالد بن حسن المالكي

مقالات متعلقة

تاريخ الإضافة: 7/4/2022 ميلادي - 5/9/1443 هجري

الزيارات: 6744

 حفظ بصيغة PDFنسخة ملائمة للطباعة أرسل إلى صديق تعليقات الزوارأضف تعليقكمتابعة التعليقات
النص الكامل  تكبير الخط الحجم الأصلي تصغير الخط
شارك وانشر

حاجة العالم للرسالات[1]

 

الخطبة الأولى

إن الحمد لله، نحمده ونستعينه ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا، ومن سيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمدًا عبده ورسوله.

 

﴿ يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلَا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ ﴾ [آل عمران: 102].

 

﴿ يَاأَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالًا كَثِيرًا وَنِسَاءً وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي تَسَاءَلُونَ بِهِ وَالْأَرْحَامَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيبً ﴾ [النساء: 1].

 

﴿ يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلًا سَدِيدًا * يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزًا عَظِيمًا ﴾ [الأحزاب: 70، 71].

 

أما بعد:

فيقول ابن تيمية رحمه الله تعالى[2]: قاعدة نافعة في وجوب الاعتصام بالرسالة، وبيان أن السعادة والهدى في متابعة الرسول صلى الله عليه وسلم، وأن الضلال والشقاء في مخالفته وأن كل خير في الوجود، فمنشؤه اتباع الرسول، وأن كل شر في العالم، فسببه مخالفة الرسول، أو الجهل بما جاء به، وأن سعادة العباد في معاشهم ومعادهم، باتباع الرسالة.

 

والرسالة ضرورية للعباد لا بد لهم منها، وحاجتهم إليها فوق حاجتهم إلى كل شيء، والرسالة روح العالم، ونوره وحياته، فأي صلاح للعالم إذا عدم الروح والحياة والنور؟

 

والدنيا مظلمة ملعونة إلا ما طلعت عليه شمس الرسالة، وكذلك العبد، ما لم تشرق في قلبه شمس الرسالة، ويناله من حياتها وروحها، فهو في ظلمة، وهو من الأموات، قال تعالى: ﴿ أَوَمَنْ كَانَ مَيْتًا فَأَحْيَيْنَاهُ وَجَعَلْنَا لَهُ نُورًا يَمْشِي بِهِ فِي النَّاسِ كَمَنْ مَثَلُهُ فِي الظُّلُمَاتِ لَيْسَ بِخَارِجٍ مِنْهَا كَذَلِكَ زُيِّنَ لِلْكَافِرِينَ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ ﴾ [الأنعام: 122]، وقال تعالى: ﴿ وَكَذَلِكَ أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ رُوحًا مِنْ أَمْرِنَا مَا كُنْتَ تَدْرِي مَا الْكِتَابُ وَلَا الْإِيمَانُ وَلَكِنْ جَعَلْنَاهُ نُورًا نَهْدِي بِهِ مَنْ نَشَاءُ مِنْ عِبَادِنَا وَإِنَّكَ لَتَهْدِي إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ * صِرَاطِ اللَّهِ الَّذِي لَهُ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ أَلَا إِلَى اللَّهِ تَصِيرُ الْأُمُورُ ﴾ [الشورى: 52، 53]، وقال تعالى: ﴿ أَنْزَلَ مِنَ السَّمَاءِ مَاءً فَسَالَتْ أَوْدِيَةٌ بِقَدَرِهَا فَاحْتَمَلَ السَّيْلُ زَبَدًا رَابِيًا وَمِمَّا يُوقِدُونَ عَلَيْهِ فِي النَّارِ ابْتِغَاءَ حِلْيَةٍ أَوْ مَتَاعٍ زَبَدٌ مِثْلُهُ كَذَلِكَ يَضْرِبُ اللَّهُ الْحَقَّ وَالْبَاطِلَ فَأَمَّا الزَّبَدُ فَيَذْهَبُ جُفَاءً وَأَمَّا مَا يَنْفَعُ النَّاسَ فَيَمْكُثُ فِي الْأَرْضِ كَذَلِكَ يَضْرِبُ اللَّهُ الْأَمْثَالَ ﴾ [الرعد: 17]، فشبه سبحانه العلم بالماء المنزل من السماء؛ لأن به حياة القلوب، كما أن بالماء حياة الأبدان، وشبه القلوب بالأودية؛ لأنها محل العلم، كما أن الأودية محل الماء، فقلب يسع علمًا كثيرًا، ووادٍ يسع ماءً كثيرًا، وقلب يسع علمًا قليلًا، ووادٍ يسع ماءً قليلًا، وأما الكافر، ففي ظلمات الكفر والشرك، غير حي، وإن كانت حياته حياة بهيمية، فهو عادم الحياة الروحانية العلوية، التي سببها الإيمان، وبها يحصل للعبد السعادة والفلاح في الدنيا والآخرة؛ فإن الله سبحانه جعل الرسل وسائط بينه وبين عباده، في تعريفهم ما ينفعهم وما يضرهم، وتكميل ما يصلحهم في معاشهم ومعادهم، وبعثوا جميعًا بالدعوة إلى الله، وتعريف الطريق الموصل إليه، وبيان حالهم بعد الوصول إليه.

 

فالأصل الأول:

يتضمن إثبات الصفات والتوحيد والقدر، وذكر أيام الله في أوليائه وأعدائه؛ وهي القصص التي قصها الله تعالى على عباده، والأمثال التي ضربها لهم.

 

والأصل الثاني:

يتضمن تفصيل الشرائع، والأمر والنهي والإباحة، وبيان ما يحبه الله وما يكرهه.

 

والأصل الثالث:

يتضمن الإيمان باليوم الآخر، والجنة والنار، والثواب والعقاب.

 

وعلى هذه الأصول الثلاثة مدار الخلق والأمر، والسعادة والفلاح موقوفة عليها، ولا سبيل إلى معرفتها إلا من جهة الرسل عليهم الصلاة والسلام؛ فإن العقل لا يهتدي إلى تفاصيلها، ومعرفة حقائقها، وإن كان قد يدرك وجه الضرورة إليها من حيث الجملة، كالمريض الذي يدرك وجه الحاجة إلى الطب ومن يداويه، ولا يهتدي إلى تفاصيل المرض، وتنزيل الدواء عليه.

 

وحاجة العبد إلى الرسالة أعظم بكثير من حاجة المريض إلى الطب؛ فإن آخر ما يقدر بعدم الطبيب، موت الأبدان، وأما إذا لم يحصل للعبد نور الرسالة وحياتها، مات قلبه موتًا لا تُرجى الحياة معه أبدًا، وشقي شقاوة لا سعادة معها أبدًا، فلا فلاح- في الدنيا والآخرة- إلا باتباع الرسول صلى الله عليه وسلم؛ فإن الله خص بالفلاح أتباعَه المؤمنين وأنصارَه، كما قال تعالى: ﴿ فَالَّذِينَ آمَنُوا بِهِ وَعَزَّرُوهُ وَنَصَرُوهُ وَاتَّبَعُوا النُّورَ الَّذِي أُنْزِلَ مَعَهُ أُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ ﴾ [الأعراف: 157]؛ أي: لا مفلح إلا هم، وهذا مما اتفقت عليه الكتب المنزلة من السماء، وبعث به جميع الرسل، ولهذا قص الله علينا أخبار الأمم المكذبة للرسل، وما صارت إليه عاقبتهم، وأبقى آثارهم وديارهم، عبرة لمن بعدهم وموعظة؛ لئلا نفعل كما فعلوا، فيصيبنا ما أصابهم، وهذا كثير في الكتاب العزيز:

يخبر الله سبحانه عن إهلاك المخالفين للرسل، ونجاة المرسلين وأتباعهم؛ ولهذا يذكر سبحانه في سورة الشعراء قصة موسى وإبراهيم، ونوح وهود وصالح، ولوط وشعيب عليهم الصلاة والسلام، ويذكر لكل نبي إهلاكه لمكذبيهم، والنجاة لهم ولأتباعهم، ثم يختم القصة بقوله: ﴿ إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَةً وَمَا كَانَ أَكْثَرُهُمْ مُؤْمِنِينَ * وَإِنَّ رَبَّكَ لَهُوَ الْعَزِيزُ الرَّحِيمُ ﴾ [الشعراء: 8، 9]، فختم القصة باسمين من أسمائه تقتضيها تلك الصفة، ﴿ لَهُوَ الْعَزِيزُ الرَّحِيمُ ﴾، فانتقم من أعدائه بعزته، وأنجى رسله وأتباعهم برحمته.

 

والرسالة ضرورية في إصلاح العبد في معاشه ومعاده، فكما أنه لا صلاح له في آخرته، إلا باتباع الرسالة، فكذلك لا صلاح له في معاشه ودنياه، إلا باتباع الرسالة؛ فإن الإنسان مضطر إلى الشرع، فالشرع: هو النور الذي يبين ما ينفعه وما يضره، والشرع نور الله في أرضه، وعدله بين عباده، وحصنه الذي من دخله كان آمنًا.

 

والمراد بالشرع:

التمييز بين الأفعال التي تضرُّ فاعلها في معاشه ومعاده، كنفع الإيمان والتوحيد، والعدل والبر، والتصدق والإحسان، والأمانة والعفة، والشجاعة والحلم والصبر، والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، وصلة الأرحام وبر الوالدين، والإحسان إلى المماليك والجار، وأداء الحقوق، وإخلاص العمل لله، والتوكل عليه، والاستعانة به، والرضا بمواقع القدر به، والتسليم لحكمه، والانقياد لأمره، وموالاة أوليائه، ومعاداة أعدائه، وخشيته في الغيب والشهادة، والتقوى إليه بأداء فرائضه، واجتناب محارمه، واحتساب الثواب عنده، وتصديقه وتصديق رسله في كل ما أخبروا به، وطاعتهم في كل ما أمروا به، وفي ضد ذلك شقاوته ومضرته في دنياه وآخرته.

 

فلولا الرسالة، لم يهتد العقل إلى تفاصيل النافع والضار في المعاش والمعاد، فأعظم نعم الله على عباده، وأشرف مننه عليهم، أن أرسل إليهم رسله، وأنزل عليهم كتبه، وبين لهم الصراط المستقيم.

 

ولولا ذلك لكانوا بمنزلة الأنعام والبهائم، بل أشر حالًا منها، فمن قبل رسالة الله، واستقام عليها، فهو من خير البرية، ومن ردها وخرج عنها، فهو من شر البرية؛ قال النبي صلى الله عليه وسلم: ((مثل ما بعثني الله به من الهدى والعلم، كمثل الغيث الكثير أصاب أرضًا، فكان منها نقية قبلت الماء، فأنبتت الكلأ والعشب الكثير، وكانت منها أجادب أمسكت الماء، فنفع الله بها الناس فشربوا، وسقوا، وزرعوا، وأصابت منها طائفة أخرى، إنما هي قيعان لا تمسك ماء، ولا تنبت كلأ، فذلك مثل من فقه في دين الله، ونفعه ما بعثني الله به، فعلم وعلم، ومثل من لم يرفع بذلك رأسًا، ولم يقبل هدى الله الذي أرسلت به)).

 

اللهم فقهنا في الدين، وانفعنا بما بعثت به النبي الأمين، صلوات الله وسلامه عليه، وعلى آله وصحبه أجمعين.

 

أقول قولي هذا وأستغفر الله لي ولكم فاستغفروه؛ إنه هو الغفور الرحيم.

 

الخطبة الثانية

الحمد لله الذي أرسل إلينا رسولًا من أنفسنا، يتلو علينا آياته، ويزكينا، ويعلمنا الكتاب والحكمة، وإن كنا من قبل لفي ضلال مبين؛ قال تعالى: ﴿ لَقَدْ مَنَّ اللَّهُ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ إِذْ بَعَثَ فِيهِمْ رَسُولًا مِنْ أَنْفُسِهِمْ يَتْلُو عَلَيْهِمْ آيَاتِهِ وَيُزَكِّيهِمْ وَيُعَلِّمُهُمُ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَإِنْ كَانُوا مِنْ قَبْلُ لَفِي ضَلَالٍ مُبِينٍ ﴾ [آل عمران: 164]، وقال أهل الجنة: ﴿ الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي هَدَانَا لِهَذَا وَمَا كُنَّا لِنَهْتَدِيَ لَوْلَا أَنْ هَدَانَا اللَّهُ لَقَدْ جَاءَتْ رُسُلُ رَبِّنَا بِالْحَقِّ ﴾ [الأعراف: 43]، أما بعد:

فلا بقاء لأهل الأرض، إلا ما دامت آثار الرسل موجودة فيهم، فإذا درست آثار الرسل من الأرض، وانمحت بالكلية، خرب العالم العلوي والسفلي، وأقام الله تعالى القيامة.

 

وليست حاجة أهل الأرض إلى الرسول، كحاجتهم إلى الشمس والقمر، والرياح والمطر، ولا كحاجة الإنسان إلى حياته، ولا كحاجة العين إلى ضوئها، والجسم إلى الطعام والشراب، بل أعظم من ذلك، وأشد حاجة من كل ما يقدر، ويخطر بالبال.

 

فالرسل وسائط بين الله وبين خلقه، في أمره ونهيه، وهم السفراء بينه وبين عباده، وكان خاتمهم وسيدهم وأكرمهم على ربه- محمد بن عبد الله صلى الله عليه وسلم- يقول: ((إنما أنا رحمة مهداة))، وقال تعالى: ﴿ وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلَّا رَحْمَةً لِلْعَالَمِينَ ﴾ [الأنبياء: 107]، وقال تعالى: ﴿ لَقَدْ جَاءَكُمْ رَسُولٌ مِنْ أَنْفُسِكُمْ عَزِيزٌ عَلَيْهِ مَاعَنِتُّمْ حَرِيصٌ عَلَيْكُمْ بِالْمُؤْمِنِينَ رَءُوفٌ رَحِيمٌ ﴾ [التوبة: 128]، وقال صلوات الله وسلامه عليه: ((إن الله نظر إلى أهل الأرض، فمقتهم عربهم وعجمهم، إلا بقايا من أهل الكتاب، وقال: إنما بعثتك لأبتليك وأبتلي بك، وأنزلت عليك كتابًا لا يغسله الماء، تقرؤه نائمًا ويقظان))، وهذا المقت - المذكور في الحديث - كان لعدم هدايتهم بالرسل، فرفع الله عنهم هذا المقت برسول الله صلى الله عليه وسلم، فبعثه رحمة للعالمين، ومحجة للسالكين، وحجة على الخلائق أجمعين، وافترض على العباد طاعته ومحبته، وتعزيره وتوقيره، والقيام بأداء حقوقه، وسد إليه جميع الطرق، فلم يفتح لأحد إلا من طريقه، وأخذ العهود والمواثيق بالإيمان به واتباعه، على جميع الأنبياء والمرسلين، وأمرهم أن يأخذوها على من اتبعهم من المؤمنين.

 

أرسله الله ﴿ بِالْهُدَى وَدِينِ الْحَقِّ ﴾ [التوبة: 33]، بين يدي الساعة ﴿ شَاهِدًا وَمُبَشِّرًا وَنَذِيرًا * وَدَاعِيًا إِلَى اللَّهِ بِإِذْنِهِ وَسِرَاجًا مُنِيرًا ﴾ [الأحزاب: 45، 46]، فختم به الرسالة، وهدى به من الضلالة، وعلم به من الجهالة، وفتح برسالته أعينًا عميًا، وآذانًا صمًّا، وقلوبًا غلفًا، فأشرقت برسالته الأرض بعد ظلماتها، وتألفت بها القلوب بعد شتاتها، فأقام بها الملة العوجاء، وأوضح بها المحجة البيضاء، وشرح له صدره، ووضع عنه وزره، ورفع له ذكره؛ قال تعالى: ﴿ أَلَمْ نَشْرَحْ لَكَ صَدْرَكَ * وَوَضَعْنَا عَنْكَ وِزْرَكَ * الَّذِي أَنْقَضَ ظَهْرَكَ * وَرَفَعْنَا لَكَ ذِكْرَكَ ﴾ [الشرح: 1- 4].

 

وجعل الذلة والصغار على من خالف أمره؛ قال النبي صلى الله عليه وسلم: ((بعثت بين يدي الساعة بالسيف، حتى يعبد الله وحده لا شريك له، وجعل رزقي تحت ظل رمحي، وجعل الذلة والصغار على من خالف أمري، ومن تشبه بقوم فهو منهم)).

 

هدى الله به الخلائق، وأوضح به الطريق، وأخرج به الناس من الظلمات إلى النور، وأبصر به من العمى، وأرشد به من الغي، وجعله قسيم الجنة والنار، وفرق ما بين الأبرار والفجار، وجعل الهدى والفلاح في اتباعه وموافقته، والضلال والشقاء في معصيته ومخالفته.

 

وامتحن به الخلائق في قبورهم، فهم في القبور عنه مسئولون، وبه ممتحنون؛ قال النبي صلى الله عليه وسلم: ((إذا قبر الميت- أو قال: أحدكم- أتاه ملكان أسودان أزرقان يقال لأحدهما: المنكر، وللآخر: النكير، فيقولان: ما كنت تقول في هذا الرجل؟ فيقول ما كان يقول: هو عبد الله ورسوله، أشهد أن لا إله إلا الله، وأن محمدًا عبده ورسوله. فيقولان: قد كنا نعلم أنك تقول هذا. ثم يفسح له في قبره سبعون ذراعًا في سبعين، ثم ينور له فيه، ثم يقال له: نم. فيقول: أرجع إلى أهلي فأخبرهم؟ فيقولان: نم كنومة العروس الذي لا يوقظه إلا أحب أهله إليه، حتى يبعثه الله من مضجعه ذلك، وإن كان منافقًا، قال: سمعت الناس يقولون، فقلت مثله: لا أدري، فيقولان: قد كنا نعلم أنك تقول ذلك. فيقال للأرض: التئمي عليه، فتلتئم عليه، فتختلف فيها أضلاعه، فلا يزال فيها معذبًا حتى يبعثه الله من مضجعه ذلك)).

 

وقد أمر الله بطاعة رسوله صلى الله عليه وسلم في أكثر من ثلاثين موضعًا من القرآن، وقرن طاعته بطاعته، وقرن بين مخالفته ومخالفته، كما قرن بين اسمه واسمه في الأذان وفي التشهد في الصلاة، أشهد أن لا إله إلا الله، وأشهد أن محمدًا رسول الله، وحذر الله سبحانه وتعالى من العذاب والكفر لمن خالفه؛ قال تعالى: ﴿ لَا تَجْعَلُوا دُعَاءَ الرَّسُولِ بَيْنَكُمْ كَدُعَاءِ بَعْضِكُمْ بَعْضًا قَدْ يَعْلَمُ اللَّهُ الَّذِينَ يَتَسَلَّلُونَ مِنْكُمْ لِوَاذًا فَلْيَحْذَرِ الَّذِينَ يُخَالِفُونَ عَنْ أَمْرِهِ أَنْ تُصِيبَهُمْ فِتْنَةٌ أَوْ يُصِيبَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ ﴾ [النور: 63]، سئل الإمام أحمد رحمه الله تعالى عن المقصود بالفتنة في هذه الآية؟ فقال: إنما هي الكفر.

 

وكما أن من خالفه وشاقه وعاداه هو الشقي الهالك، فكذلك من أعرض عنه، وعما جاء به، واطمأن إلى غيره، ورضي به بدلًا منه، هو هالك أيضًا.

 

فالشقاء والضلال في الإعراض عنه، وفي تكذيبه وتقديم غيره عليه، والهدى والفلاح في الإقبال على ما جاء به، وتصديقه، وتقديمه على كل ما سواه، فنسأل الله العظيم أن يجعلنا من المتبعين له، المؤمنين به، وأن يحيينا على سنته، ويتوفانا عليها، لا يفرق بيننا وبينها؛ إنه سميع الدعاء، وأهل الرجاء، وهو حسبنا ونعم الوكيل، والحمد لله رب العالمين، وصلى الله على سيدنا محمد، وآله وأصحابه الطيبين الطاهرين.

 

﴿ سُبْحَانَ رَبِّكَ رَبِّ الْعِزَّةِ عَمَّا يَصِفُونَ * وَسَلَامٌ عَلَى الْمُرْسَلِينَ * وَالْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ ﴾ [الصافات: 180 - 182].



[1] ألقيت هذه الخطبة يوم الجمعة 24/ 07/ 1443هـ‍، بمسجد الإمام الذهبي- بحي النعيم بمدينة جدة - ويمكن مشاهدتها على الرابط التالي:

https://youtu.be/vXUJfLu9eJI

[2] الخطبة كاملة منقولة عن "مجموع الفتاوى" لابن تيمية (19/ 93-105) بتصرف يسير:

https://shamela.ws/book/7289/9610





 حفظ بصيغة PDFنسخة ملائمة للطباعة أرسل إلى صديق تعليقات الزوارأضف تعليقكمتابعة التعليقات
شارك وانشر

مقالات ذات صلة

  • التدرج سنة إلهية في جميع الرسالات السماوية
  • زبدة الرسالات
  • توحيد الله في الرسالات السماوية

مختارات من الشبكة

  • الحاجات الجسمية عند الطالبات المدعوات في المرحلة الثانوية(مقالة - مجتمع وإصلاح)
  • مخالطة الناس حسب الحاجة وترك الوحدة سفرا وحضرا إلا لحاجة سبب لطرد الشيطان(مقالة - آفاق الشريعة)
  • حاجات الرجل وحاجات المرأة(مقالة - مجتمع وإصلاح)
  • حاجة كتاب (غاية النهاية) لابن الجزري للتحقيق ، وحاجة التحقيق للتنسيق(مقالة - موقع الشيخ الدكتور عبدالرحمن بن معاضة الشهري)
  • خطبة الحاجة بين الإفراط والتفريط(مقالة - آفاق الشريعة)
  • القاعدة الفقهية: الحاجة تنزل منزلة الضرورة، عامة كانت أو خاصة(مقالة - آفاق الشريعة)
  • الحاجات النفسية عند طالبات المرحلة الثانوية(مقالة - مجتمع وإصلاح)
  • الحاجة المنزلة منزلة الضرورة(مقالة - آفاق الشريعة)
  • حاجتنا إلى هداية الناس(مقالة - آفاق الشريعة)
  • حاجة البشرية إلى رسالة خير البرية (خطبة)(مقالة - آفاق الشريعة)

 



أضف تعليقك:
الاسم  
البريد الإلكتروني (لن يتم عرضه للزوار)
الدولة
عنوان التعليق
نص التعليق

رجاء، اكتب كلمة : تعليق في المربع التالي

مرحباً بالضيف
الألوكة تقترب منك أكثر!
سجل الآن في شبكة الألوكة للتمتع بخدمات مميزة.
*

*

نسيت كلمة المرور؟
 
تعرّف أكثر على مزايا العضوية وتذكر أن جميع خدماتنا المميزة مجانية! سجل الآن.
شارك معنا
في نشر مشاركتك
في نشر الألوكة
سجل بريدك
  • بنر
  • بنر
كُتَّاب الألوكة
  • مدينة روكفورد تحتضن يوما للمسجد المفتوح لنشر المعرفة الإسلامية
  • يوم مفتوح للمسجد يعرف سكان هارتلبول بالإسلام والمسلمين
  • بمشاركة 75 متسابقة.. اختتام الدورة السادسة لمسابقة القرآن في يوتازينسكي
  • مسجد يطلق مبادرة تنظيف شهرية بمدينة برادفورد
  • الدورة الخامسة من برنامج "القيادة الشبابية" لتأهيل مستقبل الغد في البوسنة
  • "نور العلم" تجمع شباب تتارستان في مسابقة للمعرفة الإسلامية
  • أكثر من 60 مسجدا يشاركون في حملة خيرية وإنسانية في مقاطعة يوركشاير
  • مؤتمرا طبيا إسلاميا بارزا يرسخ رسالة الإيمان والعطاء في أستراليا

  • بنر
  • بنر

تابعونا على
 
حقوق النشر محفوظة © 1446هـ / 2025م لموقع الألوكة
آخر تحديث للشبكة بتاريخ : 15/11/1446هـ - الساعة: 15:5
أضف محرك بحث الألوكة إلى متصفح الويب