• الصفحة الرئيسيةخريطة الموقعRSS
  • الصفحة الرئيسية
  • سجل الزوار
  • وثيقة الموقع
  • اتصل بنا
English Alukah شبكة الألوكة شبكة إسلامية وفكرية وثقافية شاملة تحت إشراف الدكتور سعد بن عبد الله الحميد
الدكتور سعد بن عبد الله الحميد  إشراف  الدكتور خالد بن عبد الرحمن الجريسي
  • الصفحة الرئيسية
  • موقع آفاق الشريعة
  • موقع ثقافة ومعرفة
  • موقع مجتمع وإصلاح
  • موقع حضارة الكلمة
  • موقع الاستشارات
  • موقع المسلمون في العالم
  • موقع المواقع الشخصية
  • موقع مكتبة الألوكة
  • موقع المكتبة الناطقة
  • موقع الإصدارات والمسابقات
  • موقع المترجمات
 كل الأقسام | مقالات شرعية   دراسات شرعية   نوازل وشبهات   منبر الجمعة   روافد   من ثمرات المواقع  
اضغط على زر آخر الإضافات لغلق أو فتح النافذة اضغط على زر آخر الإضافات لغلق أو فتح النافذة
  •  
    تحريم التسمي أو الاتصاف بما خص الله به نفسه
    فواز بن علي بن عباس السليماني
  •  
    الله البصير (خطبة) - باللغة الإندونيسية
    حسام بن عبدالعزيز الجبرين
  •  
    حقوق المساجد
    د. أمير بن محمد المدري
  •  
    خرق القوانين المركزية للظواهر الكونية بالمعجزات ...
    نايف عيوش
  •  
    التسبيح هو أحب الكلام إلى الله تعالى
    د. خالد بن محمود بن عبدالعزيز الجهني
  •  
    من ألطاف الله تعالى في الابتلاء (خطبة)
    الشيخ د. إبراهيم بن محمد الحقيل
  •  
    خطبة: الذين يصلي عليهم الله عز وجل
    الشيخ الدكتور صالح بن مقبل العصيمي ...
  •  
    من أخطاء المصلين (2)
    تركي بن إبراهيم الخنيزان
  •  
    من أدلة صدقه عليه الصلاة والسلام شدة محبة الصحابة ...
    الشيخ عبدالله محمد الطوالة
  •  
    من درر العلامة ابن القيم عن السعادة
    فهد بن عبدالعزيز عبدالله الشويرخ
  •  
    تفسير قوله تعالى: {الذين استجابوا لله والرسول من ...
    سعيد مصطفى دياب
  •  
    أنين مسجد (5) - خطورة ترك الصلاة (خطبة)
    د. صغير بن محمد الصغير
  •  
    الآيات الإنسانية المتعلقة بالسمع والبصر في القرآن ...
    محمد عبدالعاطي محمد عطية
  •  
    أقوال العلماء حول طهارة العين النجسة بالاستحالة
    يحيى بن إبراهيم الشيخي
  •  
    أعظم النعم
    د. عبدالرحمن بن سعيد الحازمي
  •  
    خطورة التبرج
    رمزي صالح محمد
شبكة الألوكة / آفاق الشريعة / منبر الجمعة / الخطب / الأسرة والمجتمع / قضايا المجتمع / في الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر
علامة باركود

من عمل عملا فليتقنه

الشيخ عبدالله بن محمد البصري

مقالات متعلقة

تاريخ الإضافة: 21/12/2013 ميلادي - 18/2/1435 هجري

الزيارات: 42071

 حفظ بصيغة PDFنسخة ملائمة للطباعة أرسل إلى صديق تعليقات الزوارأضف تعليقكمتابعة التعليقات
النص الكامل  تكبير الخط الحجم الأصلي تصغير الخط
شارك وانشر

من عمل عملا فليتقنه


أَمَّا بَعدُ:

فَأُوصِيكُم - أَيُّهَا النَّاسُ - وَنَفسِي بِتَقوَى اللهِ - عَزَّ وَجَلَّ -﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَكُونُوا مَعَ الصَّادِقِينَ ﴾ [التوبة: 119].

 

أَيُّهَا المُسلِمُونَ، لا يَنفَكُّ النَّاسُ مَا عَاشُوا في دُنيَاهُم، عَن مَطَالِبَ وَرَغَائِبَ وَحَاجَاتٍ وَضَرُورَاتٍ، تَقُومُ عَلَيهَا حَيَاتُهُم، وَتَنتَظِمُ بها مَصَالِحُهُم، وَيَرتَفِقُونَ بها وَيَتَرَفَّهُونَ، وَيَعبُرُونَ بها الطَّرِيقَ إلى غَايَةٍ هُم بَالِغُوهَا، وَمِن ثَمَّ كَانَ لا بُدَّ لَهُم شَاؤُوا أَم أَبَوا، مِن أَن يَتَعَاوَنُوا وَيَتَسَاعَدُوا، وَيَتَقَاسَمُوا الحَيَاةَ فِيمَا بَينَهُم أَعمَالاً وَوَظَائِفَ وَمُهِمَّاتٍ، لِيَخدِمَ بَعضُهُم بَعضًا وَيَنفَعَ كُلٌّ مِنهُمُ الآخَرَ، وَلِيَستَفِيدُوا وَيُفِيدُوا وَيَرتَقُوا..

وَالنَّاسُ لِلنَّاسِ مِن بَدوٍ وَحَاضِرَةٍ
بَعضٌ لِبَعضٍ وَإِن لم يَشعُرُوا خَدَمُ

 

وَقَد كَانَ مِنَ الحِكَمِ البَاهِرَةِ في تَفَاضُلِ النَّاسِ في أَرزَاقِهِم وَاختِلافِ أَقوَاتِهِم، تَسخِيرُ بَعضِهِم لِبَعضٍ، قَالَ - سُبحَانَهُ -: " أَهُم يَقسِمُونَ رَحمَةَ رَبِّكَ نَحنُ قَسَمنَا بَينَهُم مَعِيشَتَهُم في الحَيَاةِ الدُّنيَا وَرَفَعنَا بَعضَهُم فَوقَ بَعضٍ دَرَجَاتٍ لِيَتَّخِذَ بَعضُهُم بَعضًا سُخرِيًّا وَرَحمَةُ رَبِّكَ خَيرٌ مِمَّا يَجمَعُونَ " أَجَل - أَيُّهَا المُسلِمُونَ - لا بُدَّ في الدُّنيَا مِنَ النَّاسِ لِلنَّاسِ، وَلا مَنَاصَ مِن أَن يَشُقَّ كُلٌّ مِنهُم طَرِيقَهُ وَيَنطَلِقَ فِيمَا هُيِّئَ لَهُ، وَيَعمَلَ وَيَعتَمِلَ وَيَجِدَّ وَيَجتَهِدَ، فَيَنفَعَ نَفسَهُ وَيَنفَعَ غَيرَهُ، وَإِلاَّ لَو قَعَدَ كُلٌّ في بَيتِهِ، وَقَصَّرَ فِيمَا يَجِبُ عَلَيهِ وَتَكَاسَلَ عَمَّا أُنِيطَ بِهِ، لَمَاتُوا كُلُّهُم جُوعًا، أَو لَهَلَكُوا جَمِيعًا مِنَ الفَقرِ وَالمَرَضِ.

 

وَإِنَّ مِن لَطِيفِ العِنَايَةِ الإِلهِيَّةِ وَوَاسِعِ رَحمَتِهِ - تَعَالى - وَبَالِغِ حِكمَتِهِ، أَنْ قَسَّمَ القُدُرَاتِ عَلَى النَّاسِ وَفَاوَتَ بَينَ الرَّغَبَاتِ، وَحَبَّبَ إلى كُلٍّ مِنهُم عَمَلاً، فَهَذَا مُعَلِّمٌ وَذَاكَ طَبِيبٌ، وَلِلتَّجَارَةِ أَهلٌ وَلِلصَّنَاعَةِ آخَرُونَ، وَلِلإِدَارَةِ عُقُولٌ مُدَبِّرَةٌ وَأَفكَارٌ مُبدِعَةٌ، وَلِلأحمَالِ سَوَاعِدُ مَتِينَةٌ وَعَوَاتِقُ شَدِيدَةٌ، وَثَمَّةَ رِجَالٌ يَمتَطُونَ مَتنَ الهَوَاءِ وَيَصَّعَّدُونَ في السَّمَاءِ، وَهُنَالِكَ قَومٌ يَمخُرُونَ عُبَابَ المَاءِ وَيَغُوصُونَ في قَاعِ البَحرِ، ثُمَّ هُم في النِّهَايَةِ بِنَاءٌ مَرصُوصُ اللَّبِنَاتِ، لا يُمكِنُ أَن يَكتَمِلَ وَيَقوَى وَيَشتَدَّ، وفي لَبِنَةٍ مِن لَبِنَاتِهِ خَلَلٌ أَو عِوَجٌ.

 

عِبَادَ اللهِ، حِينَ يُرِيدُ اللهُ الخَيرَ بِبَلَدٍ أَو أُمَّةٍ أَو مُجتَمَعٍ، يُوَفِّقُ - تَعَالى - كُلَّ فَردٍ فِيهِ لِلصَّوَابِ وَيَهدِيهِ قَصدَ السَّبِيلِ، فَيَشعُرُ بِأَنَّ عَلَى عَاتِقِهِ أَمَانَةً يَجِبُ أَن يَرعَاهَا، وَيُحِسُّ بِأَنَّ في عُنُقِهِ مَسؤُولِيَّةً يَلزَمُهُ حِفظُهَا وَأَدَاؤُهَا، وَيُوقِنُ بِأَنَّ عَلَيهِ أَن يَجِدَّ وَيُتقِنَ وَيُصِيبَ، أَو يُسَدِّدَ وَيُقَارِبَ ما استَطَاعَ، لا أَن يَستَهِينَ بِعَمَلٍ أُوكِلَ إِلَيهِ، أَو يَحتَقِرَ مُهِمَّتَهُ أَو يَتَخَلَّى عَن دَورِهِ، يَستَوِي في ذَلِكَ عِندَ العَاقِلِ البَصِيرِ، كِبَارُ المَهَامِّ وَصِغَارُهَا أَو كَثِيرُهَا وَقَلِيلُهَا، قَالَ - عزَّ وجلَّ -: ﴿ إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُكُمْ أَنْ تُؤَدُّوا الْأَمَانَاتِ إِلَى أَهْلِهَا وَإِذَا حَكَمْتُمْ بَيْنَ النَّاسِ أَنْ تَحْكُمُوا بِالْعَدْلِ إِنَّ اللَّهَ نِعِمَّا يَعِظُكُمْ بِهِ إِنَّ اللَّهَ كَانَ سَمِيعًا بَصِيرًا ﴾ [النساء: 58] وَقَالَ - تَعَالى -: ﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَخُونُوا اللَّهَ وَالرَّسُولَ وَتَخُونُوا أَمَانَاتِكُمْ وَأَنْتُمْ تَعْلَمُونَ ﴾ [الأنفال: 27] وَامتَدَحَ - تَعَالى - المُؤمِنِينَ فقال: ﴿ وَالَّذِينَ هُمْ لِأَمَانَاتِهِمْ وَعَهْدِهِمْ رَاعُونَ ﴾ [المؤمنون: 8] وَبِضِدِّ ذَلِكَ وُصِفَ المُنَافِقُ في قَولَ الحَبِيبِ - صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ - كَمَا في الصَّحِيحَينِ: " آيَةُ المُنَافِقِ ثَلاثٌ: إِذَا حَدَّثَ كَذَّبَ، وَإِذَا وَعَدَ أَخلَفَ، وَإِذَا ائتُمِنَ خَانَ ".

 

وَإِذَا كَانَ المُؤمِنُونَ قَد عُرِفُوا بِالأَمَانَةِ وَخَاصَّةً في قُرُونِهِمُ المُفَضَّلَةِ الأُولى، وبها اشتَهَرَ الرَّعِيلُ الأَوَّلُ مِنهُم وَاتَّصَفَتِ الأَجيَالُ المُتَقَدِّمَةُ، فَإِنَّ إِضَاعَتَهَا مِمَّا يُؤذِنُ بِقُربِ نِهَايَةِ العَالَمِ وَخَرَابِ الدُّنيَا، فَعَن أَبي هُرَيرَةَ - رَضِيَ اللهُ عَنهُ - قَالَ: بَينَمَا النَّبيُّ - صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ - في مَجلِسٍ يُحَدِّثُ القَومَ، جَاءَهُ أَعرَابِيٌّ فَقَالَ: مَتى السَّاعَةُ؟ فَمَضَى رَسُولُ اللهِ - صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ - يُحَدِّثُ، فَقَالَ بَعضُ القَومِ: سَمِعَ مَا قَالَ فَكَرِهَ مَا قَالَ، وَقَالَ بَعضُهُم: بَل لم يَسمَعْ، حَتى إِذَا قَضَى حَدِيثَهُ قَالَ: " أَينَ أُرَاهُ السَّائِلُ عَنِ السَّاعَةِ؟ " قَالَ: هَا أَنَا يَا رَسُولَ اللهِ، قَالَ: " فَإِذَا ضُيِّعَتِ الأَمَانَةُ فَانتَظِرِ السَّاعَةَ " قَالَ: كَيفَ إِضَاعَتُهَا؟ قال: " إِذَا وُسِّدَ الأَمرُ إِلى غَيرِ أَهلِهِ فَانتَظِرِ السَّاعَةَ " رَوَاهُ البُخَارِيُّ - وَأَخرَجَ الطَّبرَانيُّ وَصَحَّحَهُ الأَلبَانيُّ، قَالَ - صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ -: " أَوَّلُ مَا تَفقِدُونَ مِن دِينِكُمُ الأَمَانَةُ ".

 

أَيُّهَا المُسلِمُونَ:

إِنَّ أَدَاءَ كُلِّ عَامِلٍ عَمَلَهُ بِجِدٍّ وَإِتقَانٍ، وَقِيَامَ كُلِّ مُوَظَّفٍ بِوَظِيفَتِهِ بِصِدقٍ وَإِخلاصٍ، إِنَّهُ لَعِبَادَةٌ يُؤجَرُ عَلَيهَا، وَبَرَاءَةٌ لِلذَّمَّةِ يَستَحِقُّ بها الأُجرَةَ عَلَى العَمَلِ في الدُّنيَا، وَيَظفَرُ عِندَ اللهِ بِالثَّوَابِ في الآخِرَةِ، رَوَى البُخَارِيُّ وَمُسلِمٌ عَن أَبي مَسعُودٍ - رَضِيَ اللهُ عَنهُ - أَنَّ رَسُولَ اللهِ - صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ - قَالَ: " إِذَا أَنفَقَ الرَّجُلُ عَلَى أَهلِهِ يَحتَسِبُهَا، فَهُوَ لَهُ صَدَقَةٌ " وَفِيهِمَا أَنَّهُ - صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ - قَالَ لِسَعدِ بنِ أَبي وَقَّاصٍ: " وَإِنَّكَ لَن تُنفِقَ نَفَقَةً تَبتَغِي بها وَجهَ اللهِ إِلاَّ أُجِرتَ بها، حَتى مَا تَجعَلُ في في امرَأَتِكَ " وَقَالَ - عَلَيهِ الصَّلاةُ وَالسَّلامُ -: " عَلَى كُلِّ مُسلِمٍ صَدَقَةٌ " قِيلَ: أَرَأَيتَ إِن لم يَجِدْ؟ قَالَ: " يَعتَمِلُ بِيَدَيهِ فَيَنفَعُ نَفسَهُ وَيَتَصَدَّقُ " قِيلَ: أَرَأَيتَ إِن لم يَستَطِعْ؟ قَالَ: " يُعِينُ ذَا الحَاجَةِ المَلهُوفَ " قِيلَ: أَرَأَيتَ إِن لم يَستَطِعْ؟ قَالَ: " يَأمُرُ بِالمَعرُوفِ أَوِ الخَيرِ " قَالَ: أَرَأَيتَ إِن لم يَفعَلْ؟ قَالَ: " يُمسِكُ عَنِ الشَّرِّ فَإِنَّهَا صَدَقَةٌ " رَوَاهُ البُخَارِيُّ وَمُسلِمٌ.

 

وَإِنَّ الرِّعَايَةَ الحَقِيقِيَّةَ لِلأَمَانَةِ، وَسُلُوكَ مَسلَكِ الجِدِّ وَالإِتقَانِ في العَمَلِ، وَالاتِّصَافَ بِالصِّدقِ وَالإِخلاصِ في الأَدَاءِ، لَيسَت كَلِمَاتٍ تَلُوكُهَا الأَلسِنَةُ في المَجَالِسِ، أَوِ ادِّعَاءَاتٍ يَتَمَدَّحُ بها المُتَفَيهِقُونَ في المَحَافِلِ، أَو أَخبَارَ صُحُفِ وَكَلامَ جَرَائِدَ، وَلَكِنَّهَا بَوَاطِنُ مَهمَا حَاوَلَ الفَردُ أَن يُخفِيَهَا عَن أَعيُنِ النَّاسِ وَيُوَارِيَهَا عَمَّن حَولَهُ، فَإِنَّهَا تَظهَرُ في مَوَاقِفِ الحَيَاةِ وَمَحَطَّاتِ العَمَلِ وَمُؤَشِّرَاتِ الإِنجَازِ، في حِفظِ العَامِلِ وَالمُوَظَّفِ الوَقتَ المُخَصَّصَ لِلعَمَلِ، وَالضَّنِّ بِهِ مِن أَن يَضِيعَ في أُمُورٍ لا عِلاقَةَ لها بِالعَمَلِ الوَاجِبِ أَدَاؤُهُ فِيهِ، وَعَدَمِ شَغلِهِ أَو شَيئًا مِنهُ في قَضَاءِ مَصَالِحَ خَاصَّةٍ على حِسَابِ المَصَالِحِ العَامَّةِ، إِذِ المُوَظَّفُ وَالعَامِلُ وَالأَجِيرُ، قَد بَاعَ كُلٌّ مِنهُم زَمَنَهُ وَأَخَذَ عَلَيهِ ثَمنَهُ، وَلَم يَبقَ لَهُ إِلاَّ أَن يُوَفِّيَ صَاحِبَ العَمَلِ عَمَلَهُ، وَأَن يُبرِئَ ذِمَّتَهُ أَمَامَ رَبِّهِ وَيُعطِيَ كُلَّ ذِي حَقٍّ حَقَّهُ، وَإِلاَّ دَخَلَ فِيمَن ذَمَّهُمُ اللهُ - تَعَالى - وَهَدَّدَهُم، مِمَّن يَستَوفُونَ حُقُوقَهُم وَيَبخَسُونَ حُقُوقَ غَيرِهِم، حَيثُ قَالَ - سُبحَانَهُ - فِيهِم: ﴿ وَيْلٌ لِلْمُطَفِّفِينَ * الَّذِينَ إِذَا اكْتَالُوا عَلَى النَّاسِ يَسْتَوْفُونَ * وَإِذَا كَالُوهُمْ أَوْ وَزَنُوهُمْ يُخْسِرُونَ * أَلَا يَظُنُّ أُولَئِكَ أَنَّهُمْ مَبْعُوثُونَ * لِيَوْمٍ عَظِيمٍ * يَوْمَ يَقُومُ النَّاسُ لِرَبِّ الْعَالَمِينَ ﴾ [المطففين: 1 - 6] وَفي صَحِيحِ مُسلِمٍ عَن أَبي ذَرٍّ - رَضِيَ اللهُ عَنهُ - قَالَ: قُلتُ: يَا رَسُولَ اللهِ، أَلا تَستَعمِلُني؟ قَالَ: فَضَرَبَ بِيَدِهِ عَلَى مَنكِبِي، ثم قَالَ: " يَا أَبَا ذَرٍّ، إِنَّكَ ضَعِيفٌ، وَإِنَّهَا أَمَانَةٌ، وَإِنَّهَا يَومَ القِيَامَةِ خِزيٌ وَنَدَامَةٌ، إِلاَّ مَن أَخَذَهَا بِحَقِّهَا وَأَدَّى الَّذِي عَلَيهِ فِيهَا ".

 

وَفي مُعَامَلَةِ المُوَظَّفِ وَالعَامِلِ غَيرَهُ بِمِثلِ مَا يُحِبُّ أَن يُعَامَلَ بِهِ، وَصِدقِهِ في خِدمَةِ الآخَرِينَ وَحِرصِهِ عَلَى قَضَاءِ حَاجَاتِهِم وَنُصحِهِ لَهُم، في كُلِّ ذَلِكَ بُرهَانٌ عَلَى رِعَايَتِهِ أَمَانَتَهُ، وَدَلِيلٌ عَلَى عَظِيمِ إِحسَاسِهِ بِمَسؤُولِيَّتِهِ، وَقَد قَالَ جَرِيرُ بنُ عَبدِ اللهِ البَجَلِيُّ - رَضِيَ اللهُ عَنهُ -: بَايَعتُ رَسُولَ اللهِ - صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ - عَلَى إِقَامِ الصَّلاةِ وَإِيتَاءِ الزَّكَاةِ، وَالنُّصحِ لِكُلِّ مُسلِمٍ. رَوَاهُ البُخَارِيُّ وَمُسلِمٌ. وَقَالَ - عَلَيهِ الصَّلاةُ وَالسَّلامُ -: " فَمَن أَحَبَّ أَن يُزَحزَحَ عَنِ النَّارِ وَيُدخَلَ الجَنَّةَ، فَلْتَأتِهِ مَنِيَّتُهُ وَهُوَ يُؤمِنُ بِاللهِ وَاليَومِ الآخِرِ، وَلْيَأتِ إِلى النَّاسِ الَّذِي يُحِبُّ أَن يُؤتى إِلَيهِ " رَوَاهُ مُسلِمٌ. وَقَالَ - عَلَيهِ الصَّلاةُ وَالسَّلامُ -: " لا يُؤمِنُ أَحَدُكُم حَتى يُحِبَّ لأَخِيهِ مَا يُحِبُّ لِنَفسِهِ " رَوَاهُ البُخَارِيُّ وَمُسلِمٌ. أَلا فَاتَّقُوا اللهَ - أَيُّهَا المُسلِمُونَ - وَكُونُوا مَعَ الصَّادِقِينَ، وَأَدُّوا مَا أَنتُم عَلَيهِ مُؤتَمَنُون، وَتَعَوَّذُوا بِاللهِ مِنَ الخِيَانَةِ فَإِنَّهَا بِئسَتِ البِطَانَةُ، أَعُوذُ بِاللهِ مِنَ الشَّيطَانِ الرَّجِيمِ: ﴿ إِنَّا عَرَضْنَا الْأَمَانَةَ عَلَى السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَالْجِبَالِ فَأَبَيْنَ أَنْ يَحْمِلْنَهَا وَأَشْفَقْنَ مِنْهَا وَحَمَلَهَا الْإِنْسَانُ إِنَّهُ كَانَ ظَلُومًا جَهُولًا * لِيُعَذِّبَ اللَّهُ الْمُنَافِقِينَ وَالْمُنَافِقَاتِ وَالْمُشْرِكِينَ وَالْمُشْرِكَاتِ وَيَتُوبَ اللَّهُ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ وَكَانَ اللَّهُ غَفُورًا رَحِيمًا ﴾ [الأحزاب: 72، 73]

 

الخطبة الثانية

أَمَّا بَعدُ:

فَاتَّقُوا اللهَ - تَعَالى - حَقَّ التَّقوَى، وَتَمَسَّكُوا مِنَ الإِسلامِ بِالعُروَةِ الوُثقَى، وَاحذَرُوا مَا يُسخِطُ رَبَّكُم في السِّرِّ وَالنَّجوَى، فَإِنَّ أَجسَامَكُم عَلَى النَّارِ لا تَقوَى.

 

أَيُّهَا المُسلِمُونَ، الحَدِيثُ عَنِ أَدَاءِ الأَمَانَاتِ وَالوَفَاءِ بِالمَسؤُولِيَّاتِ، وَإِتقَانِ الأَعمَالِ وَإِنجَازِ المُهِمَّاتِ، حَدِيثٌ مُتَشَعِّبٌ ذُو شُجُونٍ، غَيرَ أَنَّ مِنَ العَجِيبِ الغَرِيبِ حَقًّا وَخَاصَّةً في هَذَا الزَّمَانِ بَل وَفي بِلادِ الإِسلامِ، أَن يَطَّلِعَ المُسلِمُونَ عَلَى تَجَارِبَ حَيَّةٍ لأُمَمٍ مِمَّن حَولَهُم، اِقتَرَبُوا كَثِيرًا مِن فَهمِ مَا يَجِبُ عَلَيهِم، وَقَصَدُوا إِلى إِتقَانِ أَعمَالِهِم وَضَبطِ أَنظِمَتِهَا وَتَجوِيدِهَا، فَبَلَغُوا في دُنيَاهُم شَأوًا عَظِيمًا، وَشَعَرُوا بِالرَّاحَةِ وَالسَّعَادَةِ كَثِيرًا، وَوَجَدُوا لِلعَطَاءِ لَذَّةً وَذَاقُوا حُلوَ طَعمِ البَذلِ، فَصَارُوا مِن نَجَاحٍ إِلى آخَرَ، يُتبِعُونَ الإِنتَاجَ بِالإِنتَاجِ، وَيُوَالُونَ البَنَاءَ وَالنَّمَاءَ، في حِينِ مَا زَالَ أَقوَامٌ مِنَ المُسلِمِينَ يُخرِبُونَ بُيُوتَهُم بِأَيدِيهِم، وَيَنخُرُونَ في سَدِّ الخَيرَاتِ وَالبَرَكَاتِ الَّتِي أُنزِلَت عَلَيهِم، وَذَلِكَ بِابتِعَادِهِم عَنِ الصِّدقِ وَالإِخلاصِ، وَتَركِهِمُ التَّجوِيدَ وَالإِتقَانَ، وَتَطفِيفِهِم في الكَيلِ لِغَيرِهِم وَنَقصِهِمُ المِيزَانَ، وَاتِّصَافِ فِئَامٍ مِنهُم بِالكَسَلِ وَالخُمُولِ وَشِدَّةِ الإِهمَالِ لِلأَعمَالِ، هَذَا عَدَا مَا انتَشَرَ مِن خَرقٍ لِسِترِ العِفَّةِ وَالسَّلامَةِ وَالنَّزَاهَةِ، وَتَسَاهُلٍ بِالغِيَابِ وَاختِزَالٍ لِسَاعَاتِ العَمَلِ، بَل وَتَطَلَّعٍ لأَخذِ المَالِ مِن غَيرِ حَقِّهِ المَشرُوعِ، بِقَبُولِ الرِّشوَةِ وَالتَّخَوُّضِ في الأَموَالِ العَامَّةِ، وَخِيَانَةِ المَشرُوعَاتِ وَاختِلاسِ المُستَحَقَّاتِ، وَالتَّزوِيرِ وَالتَّحوِيرِ وَالتَّغيِيرِ. وَإِنَّ النَّاظِرَ المُتَأَمِّلَ فِيمَن حَولَهُ، لِيَخشَى أَن يَكُونَ النَّاسُ قَد وَصَلُوا إِلى ذَلِكَ الزَّمَانِ الَّذِي قَالَ فِيهِ النَّبيُّ - صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ -: " لَيَأتِيَنَّ عَلَى النَّاسِ زَمَانٌ لا يُبَالِي المَرءُ بِمَا أَخَذَ المَالَ، أَمِن حَلالٍ أَم مِن حَرَامٍ " أَلا فَاتَّقُوا اللهَ - أَيُّهَا المُسلِمُونَ - فَمَا مِنكُمُ اليَومَ أَحَدٌ إِلاَّ وَهُوَ عَلَى ثَغرٍ وَبِيَدِهِ عَمَلٌ، فَلْيَتَّقِ اللهَ فِيمَا هُوَ مُؤتَمَنٌ عَلَيهِ، وَلْيُؤَدِّ أَمَانَتَهُ وَلْيَتَخَلَّصْ مِن مَسؤُولِيَّتِهِ، وَحَذَارِ حَذَارِ مِنَ الغُلُولِ بِمُختَلِفِ أَنوَاعِهِ وَأَشكَالِهِ، فَعَن أَبي حُمَيدٍ السَّاعِدِيِّ - رَضِيَ اللهُ عَنهُ - قَالَ: اِستَعمَلَ النَّبيُّ - صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ - رَجُلاً مِنَ الأَزْدِ يُقَالُ لَهُ ابنُ اللُّتْبِيَّةِ عَلَى الصَّدَقَةِ، فَلَمَّا قَدِمَ قَالَ: هَذَا مَا لَكُم وَهَذَا أُهدِيَ إِلَيَّ. قَالَ: فَقَامَ رَسُولُ اللهِ - صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ - فَحَمِدَ اللهَ وَأَثنَى عَلَيهِ ثم قَالَ: أَمَّا بَعدُ، فَإِنِّي أَستَعمِلُ الرَّجُلَ مِنكُم عَلَى العَمَلِ مِمَّا وَلاَّني اللهُ، فَيَأتِي فَيَقُولُ: هَذَا مَا لَكُم وَهَذَا هَدِيَّةٌ أُهدِيَت لِي! أَفَلا جَلَسَ في بَيتِ أَبِيهِ وَأُمِّهِ حَتى تَأتِيَهُ هَدِيَّتُهُ إِن كَانَ صَادِقًا؟! وَاللهِ لا يَأخُذُ أَحَدٌ مِنكُم شَيئًا بِغَيرِ حَقِّهِ إِلاَّ لَقِيَ اللهَ يَحمِلُهُ يَومَ القِيَامَةِ، فَلا أَعرِفَنَّ أَحَدًا مِنكُم لَقِيَ اللهَ يَحمِلُ بَعِيرًا لَهُ رُغَاءٌ، وَلا بَقَرَةً لَهَا خُوَارٌ أَو شَاةً تَيعَرُ " ثم رَفَعَ يَدَيهِ حَتى رُئِيَ بَيَاضُ إِبِطِيهِ يَقُولُ: " اللَّهُمَّ هَل بَلَّغتُ؟ " رَوَاهُ البُخَارِيُّ وَمُسلِمٌ. وَقَالَ - صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ -: " مَنِ استَعمَلنَاهُ مِنكُم عَلَى عَمَلٍ فَكَتَمَنَا مِخيَطًا فَمَا فَوقَهُ، كَانَ غُلُولاً يَأتي بِهِ يَومَ القِيَامَةِ " الحَدِيثَ أَخرَجَهُ مُسلِمٌ، وَقَالَ - عَلَيهِ الصَّلاةُ وَالسَّلامُ -: " مَنِ استَعمَلنَاهُ عَلَى عَمَلٍ فَرَزَقنَاهُ رَزقًا، فَمَا أَخَذَ بَعدَ ذَلِكَ فَهُوَ غُلُولٌ " رَوَاهُ أَبُو دَاوُدَ وَصَحَّحَهُ الأَلبَانيُّ.





 حفظ بصيغة PDFنسخة ملائمة للطباعة أرسل إلى صديق تعليقات الزوارأضف تعليقكمتابعة التعليقات
شارك وانشر

مقالات ذات صلة

  • إتقان العمل
  • إتقان العمل (خطبة)

مختارات من الشبكة

  • الكلام على قوله صلى الله عليه وسلم: (من عمل عملا ليس عليه أمرنا فهو رد)(مقالة - آفاق الشريعة)
  • من عمل عملا ليس عليه أمرنا فهو رد(مقالة - آفاق الشريعة)
  • تفسير: (إن الذين آمنوا وعملوا الصالحات إنا لا نضيع أجر من أحسن عملا)(مقالة - آفاق الشريعة)
  • إشارات تربوية في حديث: من عمل عملا ليس عليه أمرنا فهو رد(مقالة - موقع د. طالب بن عمر بن حيدرة الكثيري)
  • كيف تحفظ القرآن بإتقان: دليل عملي مبني على تجارب الناجحين (WORD)(كتاب - مكتبة الألوكة)
  • عملية الترجمة "الآلية" ووسائل الإعلام(مقالة - حضارة الكلمة)
  • خطبة: {أفمن زين له سوء عمله...}(مقالة - آفاق الشريعة)
  • السرية في العمل(مقالة - موقع أ. د. علي أبو البصل)
  • اللسانيات الهندسية(مقالة - حضارة الكلمة)
  • الدعوة إلى العمل الصالح (خطبة)(مقالة - آفاق الشريعة)

 



أضف تعليقك:
الاسم  
البريد الإلكتروني (لن يتم عرضه للزوار)
الدولة
عنوان التعليق
نص التعليق

رجاء، اكتب كلمة : تعليق في المربع التالي

مرحباً بالضيف
الألوكة تقترب منك أكثر!
سجل الآن في شبكة الألوكة للتمتع بخدمات مميزة.
*

*

نسيت كلمة المرور؟
 
تعرّف أكثر على مزايا العضوية وتذكر أن جميع خدماتنا المميزة مجانية! سجل الآن.
شارك معنا
في نشر مشاركتك
في نشر الألوكة
سجل بريدك
  • بنر
  • بنر
كُتَّاب الألوكة
  • إعادة افتتاح مسجد مقاطعة بلطاسي بعد ترميمه وتطويره
  • في قلب بيلاروسيا.. مسجد خشبي من القرن التاسع عشر لا يزال عامرا بالمصلين
  • النسخة السادسة من مسابقة تلاوة القرآن الكريم للطلاب في قازان
  • المؤتمر الدولي الخامس لتعزيز القيم الإيمانية والأخلاقية في داغستان
  • برنامج علمي مكثف يناقش تطوير المدارس الإسلامية في بلغاريا
  • للسنة الخامسة على التوالي برنامج تعليمي نسائي يعزز الإيمان والتعلم في سراييفو
  • ندوة إسلامية للشباب تبرز القيم النبوية التربوية في مدينة زغرب
  • برنامج شبابي في توزلا يجمع بين الإيمان والمعرفة والتطوير الذاتي

  • بنر
  • بنر

تابعونا على
 
حقوق النشر محفوظة © 1447هـ / 2025م لموقع الألوكة
آخر تحديث للشبكة بتاريخ : 15/5/1447هـ - الساعة: 14:25
أضف محرك بحث الألوكة إلى متصفح الويب