• الصفحة الرئيسيةخريطة الموقعRSS
  • الصفحة الرئيسية
  • سجل الزوار
  • وثيقة الموقع
  • اتصل بنا
English Alukah شبكة الألوكة شبكة إسلامية وفكرية وثقافية شاملة تحت إشراف الدكتور سعد بن عبد الله الحميد
 
الدكتور سعد بن عبد الله الحميد  إشراف  الدكتور خالد بن عبد الرحمن الجريسي
  • الصفحة الرئيسية
  • موقع آفاق الشريعة
  • موقع ثقافة ومعرفة
  • موقع مجتمع وإصلاح
  • موقع حضارة الكلمة
  • موقع الاستشارات
  • موقع المسلمون في العالم
  • موقع المواقع الشخصية
  • موقع مكتبة الألوكة
  • موقع المكتبة الناطقة
  • موقع الإصدارات والمسابقات
  • موقع المترجمات
 كل الأقسام | مقالات شرعية   دراسات شرعية   نوازل وشبهات   منبر الجمعة   روافد   من ثمرات المواقع  
اضغط على زر آخر الإضافات لغلق أو فتح النافذة اضغط على زر آخر الإضافات لغلق أو فتح النافذة
  •  
    مجالس من أمالي الحافظ أبي بكر النجاد: أربعة مجالس ...
    عبدالله بن علي الفايز
  •  
    لماذا لا نتوب؟
    محمود مصطفى الحاج
  •  
    وكن من الشاكرين (خطبة)
    الشيخ محمد بن إبراهيم السبر
  •  
    حكم صيام يوم السبت منفردا في صيام التطوع مثل صيام ...
    عبد رب الصالحين أبو ضيف العتموني
  •  
    وما الصقور؟
    السيد مراد سلامة
  •  
    آيات عن مكارم الأخلاق
    الدكتور أبو الحسن علي بن محمد المطري
  •  
    عاشوراء بين نهاية الطغاة واستثمار الأوقات (خطبة)
    الشيخ عبدالله محمد الطوالة
  •  
    عاشوراء (خطبة)
    د. صغير بن محمد الصغير
  •  
    من أقوال السلف في أسماء الله الحسنى: (القابض ...
    فهد بن عبدالعزيز عبدالله الشويرخ
  •  
    أشواق وحنين إلى بيت الله الحرام (خطبة)
    رمضان صالح العجرمي
  •  
    عاشوراء (خطبة)
    د. صغير بن محمد الصغير
  •  
    تخريج حديث: إذا أتى أحدكم الغائط فلا يستقبل ...
    الشيخ محمد طه شعبان
  •  
    اغتنام نعمة الوقت (خطبة)
    د. خالد بن حسن المالكي
  •  
    لا تكونوا عون الشيطان على أخيكم.. فوائد وتأملات - ...
    حسام بن عبدالعزيز الجبرين
  •  
    وصايا إسلامية
    الشيخ عبدالله بن جار الله آل جار الله
  •  
    {يوم التقى الجمعان}
    د. خالد النجار
شبكة الألوكة / آفاق الشريعة / منبر الجمعة / الخطب / الرقائق والأخلاق والآداب
علامة باركود

خشية الجبال (خطبة)

خشية الجبال (خطبة)
د. محمد بن عبدالله بن إبراهيم السحيم

مقالات متعلقة

تاريخ الإضافة: 30/10/2024 ميلادي - 27/4/1446 هجري

الزيارات: 7307

 حفظ بصيغة PDFنسخة ملائمة للطباعة أرسل إلى صديق تعليقات الزوارأضف تعليقكمتابعة التعليقات
النص الكامل  تكبير الخط الحجم الأصلي تصغير الخط
شارك وانشر

خشية الجبال

 

الحمدُ للهِ الكبيرِ المتعالِ، ذي الإكرامِ والإجلالِ، وأشهدُ ألا إلهَ إلا اللهُ وحدَه لا شريكَ له على التفصيلِ والإجمالِ، وأشهدُ أنَّ محمدًا عبدُه ورسولُه، صلى اللهُ وسلَّمَ عليه وعلى كافةِ الصَّحبِ والآلِ.

 

أما بعدُ، فاتقوا اللهَ -عبادَ اللهِ-. ﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلَا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ ﴾ [آل عمران: 102].

 

أيها المؤمنون!

الجبالُ الراسياتُ خلقٌ للهِ عظيمٌ؛ جعلها أوتادًا للأرضِ؛ لئلا تضطربَ بأهلِها، ويَفسدَ عيشُهم. وجعلَ لها من شديدِ الخلْقِ ما جعل الملائكةَ المسبِّحةَ تَعجبُ من عظيمِ صُنْعِها، وتظنُّ أنَّ اللهَ لم يخلقْ خلقًا أشدَّ منها، كما قال النبيُّ صلى الله عليه وسلم: " لَمَّا خَلَقَ اللَّهُ -عَزَّ وَجَلَّ- الْأَرْضَ ‌جَعَلَتْ ‌تَمِيدُ، فَخَلَقَ الْجِبَالَ فَأَلْقَاهَا عَلَيْهَا فَاسْتَقَرَّتْ، فَتَعَجَّبَتِ الْمَلَائِكَةُ مِنْ خَلْقِ الْجِبَالِ، فَقَالَتْ: يَا رَبِّ! هَلْ مِنْ خَلْقِكَ شَيْءٌ أَشَدُّ مِنْ الْجِبَالِ؟ " رواه الترمذيُّ وحسَّنه ابنُ حجرٍ. ومن عجيبِ صُنعِ اللهِ في تلك الشُّمّ الرَّوَاسي أنْ جمعَ فيها بين الشدِّةِ المتناهيةِ ورقَّةِ الخشيةِ من اللهِ، وللهِ في خلْقِه حِكمٌ وشؤونٌ! فلهذه الجبالِ من إجلالِ مولاها خشيةٌ وإشفاقٌ بلغتْ حدَّ الهبوطِ والسقوطِ، كما قال تعالى: ﴿ وَإِنَّ مِنَ الْحِجَارَةِ لَمَا يَتَفَجَّرُ مِنْهُ الْأَنْهَارُ وَإِنَّ مِنْهَا لَمَا يَشَّقَّقُ فَيَخْرُجُ مِنْهُ الْمَاءُ وَإِنَّ مِنْهَا لَمَا يَهْبِطُ مِنْ خَشْيَةِ اللَّهِ ﴾ [البقرة: 74]. قال ابنُ عباسٍ -رضيَ اللهُ عنهما-: " إِنَّ الْحَجَرَ لَيَقَعُ إِلَى الأَرْضِ، فَلَوِ اجْتَمَعَ عَلَيْهِ قَوْمٌ مِنَ النَّاسِ مَا اسْتَطَاعُوا الْقِيَامَ بِهِ، وَإِنَّهُ لَيَهْبِطُ مِنْ خَشْيَةِ اللَّهِ "، وقال مجاهدٌ: " كُلُّ ‌حَجَرٍ ‌يَتَفَجَّرُ مِنْهُ الْمَاءُ، أَوْ يَنْشَقُّ عَنْ مَاءٍ، أَوْ يَتَرَدَّى مِنْ رَأْسِ جَبَلٍ لَمِنْ خَشْيَةِ اللَّهِ؛ نَزَلَ الْقُرْآنُ بِذَلِكَ ".

 

عبادَ اللهِ!

قد أبانَ اللهُ في مواضعَ من كتابِه قدْرَ خشيةِ الجبالِ من خالقِها الذي آثرتْ به السلامةَ من تحمُّلِ الأمانةِ التي تَعمُّ سائرَ التكاليفِ الشرعيةِ وأماناتِ الخلقِ، وذلك حين عرضَ اللهُ عليها حمْلَها وتكليفَها بها عرْضَ تخييرٍ لا إلزامٍ؛ لِتثابَ إنْ أحسنتْ، وتُعاقَبَ إنْ أساءتْ؛ فامتنعتْ مع عظيمِ قوَّتِها؛ إشفاقًا من مَغِبَّةِ عدمِ القيامِ بشأنِها، والتقصيرِ فيها، سالكةً مسلكَ السمواتِ والأرضِ في إيثارِ السلامةِ، كما قال تعالى: ﴿ إِنَّا عَرَضْنَا الْأَمَانَةَ عَلَى السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَالْجِبَالِ فَأَبَيْنَ أَنْ يَحْمِلْنَهَا وَأَشْفَقْنَ مِنْهَا وَحَمَلَهَا الْإِنْسَانُ إِنَّهُ كَانَ ظَلُومًا جَهُولًا ﴾ [الأحزاب: 72]. ومن عظيمِ خشيةِ الجبالِ لربِّها وإجلالِها له أنْ أفزعَها شأنُ الإشراكِ باللهِ حين ادّعى بعضُ عبادِه له الولدَ، فكادَ من عِظمِ تلك الفِرْيةِ الشركيةِ وقبحِها ألا يبقى جبلٌ في الأرضِ إلا هوى سريعًا قطعًا متناثرةً وشظايا تغطي وجهَ الأرضِ، مع تشقُّقِ السمواتِ والأرضِ؛ إجلالًا للهِ، وغضبًا له، وذُعْرًا من الإشراكِ به، كما قال تعالى: ﴿ وَقَالُوا اتَّخَذَ الرَّحْمَنُ وَلَدًا * لَقَدْ جِئْتُمْ شَيْئًا إِدًّا * تَكَادُ السَّمَاوَاتُ يَتَفَطَّرْنَ مِنْهُ وَتَنْشَقُّ الْأَرْضُ وَتَخِرُّ الْجِبَالُ هَدًّا * أَنْ دَعَوْا لِلرَّحْمَنِ وَلَدًا ﴾ [مريم: 88 - 91]. قال ابنُ عباسٍ -رضيَ اللهُ عنهما-: " إنَّ الشركَ فَزِعتْ منه السماواتُ والأرضُ والجبالُ، وجميعُ الخلائقِ إلا الثَّقَلينِ، وكادتْ أنْ تزولَ منه لعظمةِ اللهِ! وكما لا يَنفعُ مع الشركِ إحسانُ المشركِ، كذلك نرجو أنْ يغفرَ اللهُ ذنوبَ الموحِّدين ".

 

أيها المسلمون!

وللجبالِ مع ذكرِ ربِّها المعظَّمِ خشيةٌ وإجلالٌ؛ قصَّ اللهُ نبأَه في ترجيعِها التسبيحَ مع نبيِّه داودَ -عليه السلامُ- ومُجاوبتِها لصوتِه الشَّجيِّ مع سائرِ الطيورِ حين يشرعُ في تسبيحِ ربِّه من وقتِ العصرِ إلى الليلِ، والإشراقِ، كما قال -سبحانه-: ﴿ وَاذْكُرْ عَبْدَنَا دَاوُودَ ذَا الْأَيْدِ إِنَّهُ أَوَّابٌ * إِنَّا سَخَّرْنَا الْجِبَالَ مَعَهُ يُسَبِّحْنَ بِالْعَشِيِّ وَالْإِشْرَاقِ * وَالطَّيْرَ مَحْشُورَةً كُلٌّ لَهُ أَوَّابٌ ﴾ [ص: 17 - 19]. وقال عبدُاللهِ بنُ مسعودٍ -رضيَ اللهُ عنه-: " إنَّ الجبلَ ‌يُنادي ‌الجبلَ باسمِه: يا فلانُ، هل مرَّ بك اليومِ ذاكِرٌ؟ فإنْ قال: نعم، استبشرَ. ثم قال عبدُاللهِ: ﴿ لَقَدْ جِئْتُمْ شَيْئًا إِدًّا * تَكَادُ السَّمَاوَاتُ يَتَفَطَّرْنَ مِنْهُ وَتَنْشَقُّ الْأَرْضُ وَتَخِرُّ الْجِبَالُ هَدًّا ﴾ [مريم: 89، 90] ؛ يسمعون الزُّورَ ولا يسمعون الخيرَ؟! رواه الطبرانيُّ ورجالُه رجالُ الصحيحِ كما قال الهيثميُّ. وأمّا أعظمُ الذكرِ؛ كلامُ اللهِ الذي نزل به القرآنُ الكريمُ، فللجبالِ الشُّمِّ معه شأنُ خشيةٍ عظيمٌ؛ فقد جلّى اللهُ أثرَ القرآنِ عليها لو أُنزلَ عليها وخوطبَتْ به وكانت مكلَّفةً بالعملِ به كما الإنسانِ، حتى لا يبقى منها جبلٌ إلا خشعَ مطمئنًا مخبتًا ذليلًا لربِّه؛ ليس فيه صخرةٌ إلا تشقَّقتْ غايةَ التشقُّقِ متصدعةً؛ حَذرًا من أن لا تؤدّيَ حقَّ اللهِ المفترَضَ عليها نحوَ القرآنِ، كما قال سبحانه: ﴿ لَوْ أَنْزَلْنَا هَذَا الْقُرْآنَ عَلَى جَبَلٍ لَرَأَيْتَهُ خَاشِعًا مُتَصَدِّعًا مِنْ خَشْيَةِ اللَّهِ وَتِلْكَ الْأَمْثَالُ نَضْرِبُهَا لِلنَّاسِ لَعَلَّهُمْ يَتَفَكَّرُونَ ﴾ [الحشر: 21]. ولأحدِ الجبالِ العظامِ نبأٌ بالغُ الأثرِ في بيانِ عظمةِ اللهِ وتعظيمِ ذلك الجبلِ له وخشيتِه؛ وذلك حين كلَّمَ اللهُ نبيَّه موسى -عليه السلامُ-، وطلب منه رؤيتَه، فأرشدَه اللهُ إلى إشخاصِ بصرِه نحو الجبلِ الأشمِّ ليَرى مدى تماسكِه إنْ تجلَّى اللهُ له، ولما أشخصَ موسى -عليه السلامُ- بصرَه إلى الجبلِ، واطلعَ الجبارُ -جلَّ جلالُه- للجبلِ إذ بذلك المنظرِ المَهيبِ الذي لم يُطِقْ موسى -عليه السلامُ- تحمُّلَ رؤيتِه، فخرَّ مَغشيًا عليه حين رأى ذلك الجبلَ بجلامدِه الشدادِ يتداعى على بعضِه؛ حتى غدا ترابًا كثيبًا مَهيلًا مستويًا بالأرضِ وكان قبلَ ذلك شامخًا بصلابتِه، كما قال تعالى: ﴿ وَلَمَّا جَاءَ مُوسَى لِمِيقَاتِنَا وَكَلَّمَهُ رَبُّهُ قَالَ رَبِّ أَرِنِي أَنْظُرْ إِلَيْكَ قَالَ لَنْ تَرَانِي وَلَكِنِ انْظُرْ إِلَى الْجَبَلِ فَإِنِ اسْتَقَرَّ مَكَانَهُ فَسَوْفَ تَرَانِي فَلَمَّا تَجَلَّى رَبُّهُ لِلْجَبَلِ جَعَلَهُ دَكًّا وَخَرَّ مُوسَى صَعِقًا فَلَمَّا أَفَاقَ قَالَ سُبْحَانَكَ تُبْتُ إِلَيْكَ وَأَنَا أَوَّلُ الْمُؤْمِنِينَ ﴾ [الأعراف: 143].

 

الخطبة الثانية

الحمدُ للهِ، والصلاةُ والسلامُ على رسولِ اللهِ.

أما بعدُ. فاعلموا أنَّ أحسنَ الحديثِ كتابُ اللهِ...

 

أيها المؤمنون!

وللجبالِ من آثارِ الخشيةِ طواعيةٌ مطلقةٌ لربِّها؛ إذ كانت دائمةَ السجودِ له كما هو تسبيحُها، كما قال تعالى: ﴿ أَلَمْ تَرَ أَنَّ اللَّهَ يَسْجُدُ لَهُ مَنْ فِي السَّمَاوَاتِ وَمَنْ فِي الْأَرْضِ وَالشَّمْسُ وَالْقَمَرُ وَالنُّجُومُ وَالْجِبَالُ وَالشَّجَرُ وَالدَّوَابُّ وَكَثِيرٌ مِنَ النَّاسِ ﴾ [الحج: 18]، ويرى جمعٌ من العلماءِ أنَّ سجودَ تلك الجبالِ هو تقلُّبُ ظِلِّها مع مرورِ الشمسِ عليها، كما قال تعالى: ﴿ أَوَلَمْ يَرَوْا إِلَى مَا خَلَقَ اللَّهُ مِنْ شَيْءٍ يَتَفَيَّأُ ظِلَالُهُ عَنِ الْيَمِينِ وَالشَّمَائِلِ سُجَّدًا لِلَّهِ وَهُمْ دَاخِرُونَ ﴾ [النحل: 48]، ويراه آخرون سجودًا حقيقيًا نُثْبِتُه كما أثبتَه القرآنُ وإنْ لم ندركْ كُنْهَه. ولم تقتصرْ طواعيةُ الجبالِ لربِّها، بل كانت طواعيتُها لمَلَكِه الذي وكَّلَه بها، كما قال النبيُّ صلى الله عليه وسلم في قصِّه نبأَ إساءةِ أهلِ الطائفِ له: " فَانْطَلَقْتُ وَأَنَا مَهْمُومٌ عَلَى وَجْهِي فَلَمْ أَسْتَفِقْ إِلَّا وَأَنَا بِقَرْنِ الثَّعَالِبِ، فَرَفَعْتُ رَأْسِي فَإِذَا أَنَا بِسَحَابَةٍ قَدْ أَظَلَّتْنِي، فَنَظَرْتُ فَإِذَا فِيهَا جِبْرِيلُ، فَنَادَانِي فَقَالَ: إِنَّ اللهَ قَدْ سَمِعَ قَوْلَ قَوْمِكَ لَكَ وَمَا رَدُّوا عَلَيْكَ، وَقَدْ بَعَثَ إِلَيْكَ مَلَكَ الْجِبَالِ؛ لِتَأْمُرَهُ بِمَا شِئْتَ فِيهِمْ، فَنَادَانِي مَلَكُ الْجِبَالِ، فَسَلَّمَ عَلَيَّ، ثُمَّ قَالَ: يَا مُحَمَّدُ، ذَلِكَ فِيمَا شِئْتَ؛ إِنْ شِئْتَ أَنْ أُطْبِقَ عَلَيْهِمُ ‌الْأَخْشَبَيْنِ؟ فَقَالَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم: بَلْ أَرْجُو أَنْ يُخْرِجَ اللهُ مِنْ أَصْلَابِهِمْ مَنْ يَعْبُدُ اللهَ وَحْدَهُ لَا يُشْرِكُ بِهِ شَيْئًا " رواه البخاريُّ ومسلمٌ. وكذلك امتدَّتْ تلك الطواعيةُ لتشملَ نبيَّه محمدًا صلى الله عليه وسلم، فقد صعدَ جبلَ أُحدٍ وَ معه أَبُو بَكْرٍ وَعُمَرُ وَعُثْمَانُ -رضيَ اللهُ عنهم-، فَرَجَفَ بِهِمْ، فَقَالَ: " ‌اثْبُتْ ‌أُحُدُ؛ فَإِنَّمَا عَلَيْكَ نَبِيٌّ، وَصِدِّيقٌ، وَشَهِيدَانِ " رواه البخاريُّ، وما ظنُّكم بامتثالِ الجبلِ لأمرِه صلى الله عليه وسلم وقد قال عنه: " هَذَا جَبَلٌ يُحِبُّنَا ‌وَنُحِبُّهُ " رواه البخاريُّ ومسلمٌ؟!

 

أيها المسلمون!

إنَّ شأنَ خشيةِ الجبالِ الشُّمِّ لَعَجَبٌ، وأعجبُ من هذا أنْ تكونَ قلوبُ الآدميين ذاتُ المُضَغِ اللَّحميةِ أشدَّ قسوةً من تلك الجبالِ الصِّلابِ، كما قال تعالى: ﴿ ثُمَّ قَسَتْ قُلُوبُكُمْ مِنْ بَعْدِ ذَلِكَ فَهِيَ كَالْحِجَارَةِ أَوْ أَشَدُّ قَسْوَةً ﴾ [البقرة: 74]؛ فلم ترجوا للجبارِ وقارًا كما رَجَتْهُ الجبالُ، سيما في مواطنِ الخشيةِ التي خصَّها القرآنُ بالذكرِ؛ وهي رعايةُ الأمانةِ، وتفظيعُ شأنِ الشركِ، والتأثرُ بالقرآنِ لو خوطبتْ به. فكثيرٌ من الناسِ مُضيِّعٌ لحقِّ تلك الكُبَرِ؛ فليس للأمانةِ عنده حرمةٌ؛ تضييعًا لفرائضِ اللهِ، وانتهاكًا لحُرماتِه، وخيانةً لأماناتِ الناسِ؛ أكلًا لأموالِهم، وبَخْسًا لحقوقِهم وتأخيرًا لها، وتحايلًا لإبطالِها، وأداءً لليمينِ الغموسِ التي يَقتطعُ بها حقَّ غيرِه، وحقيقةُ الأمرِ أنَّ ما يَقتطعُه لنفسِه إنما هو قطعةٌ من نارِ جهنمَ، والجبالُ أشفقنْ من حملِ تلك الأماناتِ كما السمواتِ والأرضِ. وليس للشركِ في قلبِ ذاك الشقيِّ مهابةٌ ولا تعظيمٌ؛ إذ لربَّما مارسَ الشركَ، أو هوَّنَه، أو شاركَ أهلَه مناسباتِهم فيه ضاحكًا ومُلْتقِطًا معهم الصورَ التذكاريةَ، والجبالُ من شدةِ أمرِه تكادُ تَخرُّ هَدًَّا. وليس لواعظِ القرآنِ على قلبِه أثرٌ حين يتلوه أو يُتلى عليه أو يُدعى إليه أو يُذكَّرُ به، وذرَّاتُ الجبالُ تَنْدَكُّ متصدعةً تأثرًا بهذا القرآنِ لو كانتْ مخاطَبةً به. فاللهمَّ عِياذًا بك من رانٍ تكونُ به القلوبُ أقسى من الحجارةِ.

قلوبٌ عَلاها الرَّانُ حتى تحجَّرتْ
فأضحى بها صُمُّ الجبالِ مرقَّقا





 حفظ بصيغة PDFنسخة ملائمة للطباعة أرسل إلى صديق تعليقات الزوارأضف تعليقكمتابعة التعليقات
شارك وانشر

مقالات ذات صلة

  • الجبال
  • بنت الجبال ( قصيدة )
  • الليلة الثالثة.. أطفال الجبال
  • وترى الجبال تحسبها جامدة
  • حقائق خلق الجبال في القرآن الكريم

مختارات من الشبكة

  • الخشية من الله وآثارها(مقالة - آفاق الشريعة)
  • مشاهد من عبودية خشية الجبال وتصدعها إجلالا لكلام الله تعالى(مقالة - موقع الشيخ أ. د. عرفة بن طنطاوي)
  • لو أنزلنا هذا القرآن على جبل لرأيته خاشعا متصدعا من خشية الله(مقالة - موقع د. محمود بن أحمد الدوسري)
  • وإن كان مكرهم لتزول منه الجبال (خطبة)(مقالة - آفاق الشريعة)
  • أنواع الخشية(مقالة - آفاق الشريعة)
  • هم يقض المضاجع وتنوء بحمله الجبال الرواسي(مقالة - آفاق الشريعة)
  • بيوت الحجر (مدائن صالح) المنحوتة في الجبال سكنية ومقابر في آن واحد(مقالة - ثقافة ومعرفة)
  • من فضائل النبي: محبة الجبال له واهتزازها فرحا بصعوده عليها(مقالة - آفاق الشريعة)
  • تفسير: (وتنحتون من الجبال بيوتا فارهين)(مقالة - آفاق الشريعة)
  • تفسير: (ففهمناها سليمان وكلا آتينا حكما وعلما وسخرنا مع داوود الجبال يسبحن والطير)(مقالة - آفاق الشريعة)

 



أضف تعليقك:
الاسم  
البريد الإلكتروني (لن يتم عرضه للزوار)
الدولة
عنوان التعليق
نص التعليق

رجاء، اكتب كلمة : تعليق في المربع التالي

مرحباً بالضيف
الألوكة تقترب منك أكثر!
سجل الآن في شبكة الألوكة للتمتع بخدمات مميزة.
*

*

نسيت كلمة المرور؟
 
تعرّف أكثر على مزايا العضوية وتذكر أن جميع خدماتنا المميزة مجانية! سجل الآن.
شارك معنا
في نشر مشاركتك
في نشر الألوكة
سجل بريدك
  • بنر
  • بنر
كُتَّاب الألوكة
  • أزناكايفو تستضيف المسابقة السنوية لحفظ وتلاوة القرآن الكريم في تتارستان
  • بمشاركة مئات الأسر... فعالية خيرية لدعم تجديد وتوسعة مسجد في بلاكبيرن
  • الزيادة المستمرة لأعداد المصلين تعجل تأسيس مسجد جديد في سانتا كروز دي تنريفه
  • ختام الدورة التاسعة لمسابقة "جيل القرآن" وتكريم 50 فائزا في سلوفينيا
  • ندوة في سارنيتسا تبحث تطوير تدريس الدين الإسلامي وحفظ التراث الثقافي
  • مشروع للطاقة الشمسية وتكييف الهواء يحولان مسجد في تيراسا إلى نموذج حديث
  • أكثر من 5000 متطوع مسلم يحيون مشروع "النظافة من الإيمان" في زينيتسا
  • في حفل مميز.. تكريم المتفوقين من طلاب المسلمين بمقاطعة جيرونا الإسبانية

  • بنر
  • بنر

تابعونا على
 
حقوق النشر محفوظة © 1447هـ / 2025م لموقع الألوكة
آخر تحديث للشبكة بتاريخ : 11/1/1447هـ - الساعة: 15:10
أضف محرك بحث الألوكة إلى متصفح الويب