• الصفحة الرئيسيةخريطة الموقعRSS
  • الصفحة الرئيسية
  • سجل الزوار
  • وثيقة الموقع
  • اتصل بنا
English Alukah شبكة الألوكة شبكة إسلامية وفكرية وثقافية شاملة تحت إشراف الدكتور سعد بن عبد الله الحميد
 
الدكتور سعد بن عبد الله الحميد  إشراف  الدكتور خالد بن عبد الرحمن الجريسي
  • الصفحة الرئيسية
  • موقع آفاق الشريعة
  • موقع ثقافة ومعرفة
  • موقع مجتمع وإصلاح
  • موقع حضارة الكلمة
  • موقع الاستشارات
  • موقع المسلمون في العالم
  • موقع المواقع الشخصية
  • موقع مكتبة الألوكة
  • موقع المكتبة الناطقة
  • موقع الإصدارات والمسابقات
  • موقع المترجمات
 كل الأقسام | مقالات شرعية   دراسات شرعية   نوازل وشبهات   منبر الجمعة   روافد   من ثمرات المواقع  
اضغط على زر آخر الإضافات لغلق أو فتح النافذة اضغط على زر آخر الإضافات لغلق أو فتح النافذة
  •  
    بطلان القول بعرض السنة على القرآن
    د. هيثم بن عبدالمنعم بن الغريب صقر
  •  
    بيان ما يتعلق بعلوم بعض الأنبياء عليهم السلام
    د. أحمد خضر حسنين الحسن
  •  
    الدورات القرآنية... موسم صناعة النور في زمن ...
    د. محمد جمعة الحلبوسي
  •  
    تحريم التوكل على غير الله تبارك وتعالى
    فواز بن علي بن عباس السليماني
  •  
    خطبة: أهمية العمل التطوعي
    عدنان بن سلمان الدريويش
  •  
    خطبة: تجديد الحياة مع تجدد الأعوام
    د. أيمن منصور أيوب علي بيفاري
  •  
    ذكر الله سبب من أسباب ذكر الله لك في الملأ الأعلى
    د. خالد بن محمود بن عبدالعزيز الجهني
  •  
    الظلم مآله الهلاك.. فهل من معتبر؟ (خطبة)
    د. مراد باخريصة
  •  
    المرأة بين حضارتين (خطبة)
    أبو سلمان راجح الحنق
  •  
    تفسير قوله تعالى: { ومن أهل الكتاب من إن تأمنه ...
    الشيخ أ. د. سليمان بن إبراهيم اللاحم
  •  
    رجل يداين ويسامح (خطبة)
    د. محمود بن أحمد الدوسري
  •  
    سلسلة شرح الأربعين النووية: الحديث (25) «ذهب أهل ...
    عبدالعزيز محمد مبارك أوتكوميت
  •  
    من فضائل لا إله إلا الله
    د. أمين بن عبدالله الشقاوي
  •  
    أصول الفقه مفهومه وفوائده وأهميته في الدين
    د. ربيع أحمد
  •  
    خطابات الضمان، تحرير التخريج، وبيان الحكم، ...
    د. طالب بن عمر بن حيدرة الكثيري
  •  
    شموع (111)
    أ.د. عبدالحكيم الأنيس
شبكة الألوكة / آفاق الشريعة / منبر الجمعة / الخطب / السيرة والتاريخ / السيرة
علامة باركود

الإسراء والمعراج (خطبة)

الإسراء والمعراج (خطبة)
أبو عبدالله فيصل بن عبده قائد الحاشدي

مقالات متعلقة

تاريخ الإضافة: 1/2/2024 ميلادي - 22/7/1445 هجري

الزيارات: 10999

 حفظ بصيغة PDFنسخة ملائمة للطباعة أرسل إلى صديق تعليقات الزوارأضف تعليقكمتابعة التعليقات
النص الكامل  تكبير الخط الحجم الأصلي تصغير الخط
شارك وانشر

الإِسْرَاءُ وَالمِعْرَاجُ

 

الخُطْبَةُ الأُوْلَى

إِنَّ الحَمْدَ لِلَّهِ، نَحْمِدُهُ وَنَسْتَعِيْنُهُ وَنَسْتَغْفِرُهُ، وَنَعُوذُ بِاللهِ مِنْ شُرُورِ أَنْفُسِنَا وَمِنْ سَيِّئَاتِ أَعْمَالِنَا، مَنْ يَهْدِهِ اللهُ فَلَا مُضِلَّ لَهُ، وَمَنْ يُضْلِلِ فَلا هَادِيَ لَهُ، وَأَشْهَدُ أَنَّ لاَ إِلَهَ إِلَّا اللهُ، وَحْدَهُ لاَ شَرِيْكَ لَهُ، وَأَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ.

 

﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلَا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ ﴾ [آل عمران: 102].

 

﴿ يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالًا كَثِيرًا وَنِسَاءً وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي تَسَاءَلُونَ بِهِ وَالْأَرْحَامَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيبًا ﴾ [النساء: 1]، ﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلًا سَدِيدًا * يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزًا عَظِيمًا ﴾ [الأحزاب: 70، 71]، ثُمَّ أَمَّا بَعْدُ:


فَإِنَّ أَصْدَقَ الْحَدِيثِ كِتَابُ اللهِ، وَأَحْسَنَ الْهَدْيِ هَدْيُ مُحَمَّدٍ، وَشَرَّ الْأُمُورِ مُحْدَثَاتُهَا، وَكُلُّ مُحْدَثَةٍ بِدْعَةٌ، وَكُلَّ بِدْعَةٍ ضَلَالَةٌ، وَكُلَّ ضَلَالَةٍ فِي النَّارِ.

 

ثُمَّ أَمَّا بَعْدُ:

فَمَا زَالَ الحَدِيْثُ مَعَكُمْ - أَيُّهَا النَّاسُ - عَنِ السِّيْرَةِ النَّبَوِيَّةِ عَلَى صَاحِبِهَا الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ -، وَحَدِيْثِي مَعَكُمْ اليَوْمَ عَنْ «الإِسْرَاءِ وَالمِعْرَاجِ».


- أَيُّهَا النَّاسُ - لَقَدْ مَكَثَ رَسُولُ اللهِ -صلى الله عليه وسلم- يَدْعُو قَوْمَهُ إِلَى الله - سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى - سَنَوَاتٍ مَأْسَاوِيَّةً، مَلِيْئَةً بِالعَوَاصِفِ العَاتِيَةِ، مِنَ التَّعْذِيْبِ، وَالإِيْذَاءِ وَالتَّكْذِيْبِ وَالإفْتِرَاءِ فَرَّقَ شَمْلَ أَتْبَاعِهِ، وَسَامَهُمْ أَهْلِ مَكَّةَ سُوءَ العَذَابِ، ثُمَّ كَانَ العَامُ العَاشِرُ مِنَ البِعْثَةِ العَامُ الَّذِي فَقَدْ فِيْهِ -صلى الله عليه وسلم- عَمَّهُ أَبَا طَالِبٍ الَّذِي كَانَ يُنَافِحُ عَنْهُ وَيُدَفِعُ عَنْهُ أَذَى قُرَيْشٍ، وَبَعْدَ وَفَاةِ أَبِي طَالِبٍ بِثَلاَثَةِ أَيَّامٍ أَوْ شَهْرَيْنِ يُفْجَعُ النَّبِيُّ -صلى الله عليه وسلم- بِمَوْتِ رَفِيْقَةِ دَرْبِهِ وَرَيْحَانَةِ حَيَاتِهِ خَدِيْجَةَ بِنْتَ خُوَيْلِدٍ - رَضِيَ اللهُ عَنْهَا - وَهِيَ مَنْ وَقَفَتْ إِلَى جَانِبِهِ فِي أَشَدِّ المَوَاقِفِ عَلَى مَدَى خَمْسَةَ وَعِشْرِيْنَ عَامًا، وَبَعْدَ كُلِّ هَذَا - أَيُّهَا النَّاسُ - يَلْتَفِتُ النَّبِيُّ -صلى الله عليه وسلم- إِلَى مَكَّةَ فَلاَ يَجِدُ مَنْ يَنْصُرُهُ لِيُبَلِّغَ رِسَالَةَ رَبِّهِ فَيَخْرُجُ إِلَى الطَّائِف، وَيَعْرِضُ دَعْوَتَهُ عَلَى ثَقِيْفٍ فَيَرُدُّنَهُ بِأَقْبَحِ رَدٍّ، فَيَنْصِرِفُ مِنْ عِنْدِهِمِ هَائِمًا عَلَى وَجْهِهِ، فَلَمْ يَفِقْ إِلَّا فِي قَرْنِ الثَّعَالِبِ، وَهُوَ قَرْنُ المَنَازِلِ مِيْقَاتُ أَهْلِ نَجْدٍ.

 

وَفِي ظِلِّ هَذِهِ الأَجْوَاءِ الكَالِحَةِ، وَالظُّرُوفِ الحَرِجَةِ وَبَعْدَ مُضِيِّ ثِنْتَي عَشْرَةَ سَنَةً مِنَ البِعْثَةِ، يَشَاءُ اللهُ اللَّطِيْفُ بِعِبَادِهِ أَنْ يُسَلِّي رَسُولَهُ-صلى الله عليه وسلم- وَيُثَبِّتَهُ عَلَى الحَقِّ، فَيَمُنَّ عَلَيْهِ بِرِحْلَةٍ تَارِيْخِيَّةٍ لَمْ يَنَلْ شَرَفَهَا قَبْلَهُ نَبِيٌّ مُرْسَلٌ.

 

إِنَّهَا رِحْلَةٌ مُبَارَكَةٌ طَيِّبَةٌ، بَدَأَتْ بِأَقْدَسِ بِقَاعِ الأَرْضِ، وَانْتَهَتْ بِأَعْلَى طَبَقَاتِ السَّمَاءِ.

 

قَالَ اللهُ - سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى -: ﴿ سُبْحَانَ الَّذِي أَسْرَى بِعَبْدِهِ لَيْلًا مِنَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ إِلَى الْمَسْجِدِ الْأَقْصَى الَّذِي بَارَكْنَا حَوْلَهُ لِنُرِيَهُ مِنْ آيَاتِنَا إِنَّهُ هُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ ﴾ [الإسراء: 1].

 

وَالإِسْرَاءُ - أَيُّهَا النَّاسُ - هِيَ الرِّحْلَةُ الأَرْضِيَّةِ مِنْ مَكَّةَ إِلَى بَيْتِ المَقْدِسِ، وَأَمَّا المِعْرَاجُ فَهِيَ الرِّحْلَةُ السَّمَاوِيَّةُ مِنْ بَيْتِ المَقْدِسِ إِلَى السَّمَاوَاتِ العُلاَ، ثُمَّ إِلَى سِدْرَةِ المُنْتَهَى، ثُمَّ اللِّقَاءِ بِجَبَّارِ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ- سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى-[1].

 

- أَيُّهَا النَّاسُ -، لَقَدْ اخْتَلَفَ العُلَمَاءُ فِي وَقْتِ هَذِهِ الرِّحْلَةِ المُبَارَكَةِ، فَقِيْلَ كَانَتْ قَبْلَ الهِجْرَةِ بِسَنَةٍ، وَقِيْلَ بِسِتَّةِ أَشْهُرٍ، وَقِيْلَ كَانَتْ فِي شَهْرِ رَبِيْعِ أَوَّلَ، وَالمَشْهُورُ أَنَّهَا فِي رَجَبٍ وَخَاصَّةً لَيْلَةَ سَبْعَةَ وَعِشْرِيْنَ، لَكِنَّهُ لَمْ يَثْبُتْ.

 

قَالَ الوَادِعِيُّ - رَحِمَهُ اللهُ -: « لَمْ يَثْبُتْ أَنَّهُ أُسْرِيَ بِالنَّبِيِّ -صلى الله عليه وسلم- لَيْلَةَ سَبْعَةَ وَعِشْرِيْنَ مِنْ رَجَبٍ…… وَنُؤْمِنُ بِأَنَّ اللهَ أَكْرَمَ نَبِيَّهُ -صلى الله عليه وسلم- وَأُسْرِيَ بِهِ إِلَى بَيْتِ المَقْدِسِ، ثُمَّ عُرِجَ بِهِ إِلَى السَّمَاوَاتِ العُلَى، وَفَرَضَ اللهُ عَلَيْهِ الفَرَائِضِ، وَذَلِكُمْ قَبْلَ الهِجْرَةِ نُؤْمِنَ بِهَذَا، وَلاَ يَضُرُّنَا إِذَا جَهِلْنَا وَقْتَهُ ».

 

وَكَانَتْ الرِّحْلَةُ - أَيُّهَا النَّاسُ - بِالجَسَدِ وَفِي اليَقَظَةِ، وَهَذَا هُوَ الحَقُّ، خِلَافًا لِمَنْ قَالَ: أَنَّ الرِّحْلَةَ كَانَتْ بِالرُّوْحِ وَفِي المَنْامِ، فَهَذَا لاَ دَلِيْلَ عَلَيْهِ، وَالَّذِي عَلَيْهِ الدَّلِيْلُ أَنَّ الرِّحْلَةَ بِالجَسَدِ وَفِي اليَقَظَةِ.

 

فَقَوْلُهُ - سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى -: ﴿ سُبْحَانَ الَّذِي أَسْرَى بِعَبْدِهِ لَيْلًا مِنَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ إِلَى الْمَسْجِدِ الْأَقْصَى الَّذِي بَارَكْنَا حَوْلَهُ لِنُرِيَهُ مِنْ آيَاتِنَا إِنَّهُ هُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ ﴾ [الإسراء: 1].

 

فَكَلِمَةُ ﴿ بِعَبْدِهِ ﴾ - أَيُّهَا النَّاسُ - تَعْنِي: مَجْمُوعَ الرُّوْحِ وَالجَسَدِ، وَلاَ تُطْلَقُ عَلَى الرَّوْحِ فَقَط، وَكَذَلِكَ قَوْلُ اللهِ -سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى-: ﴿ سُبْحَانَ ﴾، فَالتَّسْبِيْحُ إِنَّمَا يَكُونُ عِنْدَ عَظَائِمِ الأُمُورِ، فَأَيُّهُمَا أَشَدَّ عَظَمَةً وَأَدْعَى إِلَى الإِبْهَارِ وَإِظْهَارِ قُدْرَةِ اللهِ -سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى- أَنْ تَكُونَ الرِّحْلَةَ بِالجَسَدِ وَالرُّوْحِ، أَمْ أَنْ تَكُونَ مَنَامًا بِالرُّوْحِ فَقَطْ [2].

 

وَكَذَلِكَ قَوْلُهُ تَعَالَى: ﴿ مَا زَاغَ الْبَصَرُ وَمَا طَغَى ﴾ [النجم: 17]، وَقَوْلُهُ -تَعَالَى -: ﴿ وَلَقَدْ رَآهُ نَزْلَةً أُخْرَى ﴾ [النجم: 13].

 

فَالبَصَرُ مِنْ أَدَوَاتِ الذَّاتِ لاَ الرُّوْحِ، كَمَا أَنَّ النَّبِيَّ -صلى الله عليه وسلم- قَدْ أَقَرَّ بُوُجُودِ البُرَاقِ الَّذِي انْتَقَلَ بِهِ إِلَى المَسْجِدِ الأَقْصَى وَنَعَتَهُ بِصِفَاتِهِ، وَهَذَا يَعْنِي أَنَّ النَّبِيَّ -صلى الله عليه وسلم- كَانَ بِرُوْحِهِ وَجَسَدِهِ وَإِلَّا فَمَا حَاجَةُ الرُّوْحِ فَقَطْ إِلَى البُرَاقِ الَّذِي هُوَ مَخْلُوقٌ مَادِيٌّ يَحْتَاجُ إِلَى جَسَدٍ مَادِيٍّ يَرْكَبَهُ، فَفِي «صَحِيْحِ مُسْلِمٍ»[3]مِنْ حَدِيْثِ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ - رَضِيَ اللهُ عَنْهُ - أَنَّ النَّبِيَّ -صلى الله عليه وسلم- قَالَ: « فَرَبَطْتُهُ بِالْحَلْقَةِ الَّتِي يَرْبِطُ بِهِ الْأَنْبِيَاءُ ».

 

أَلَا يَعْنِي هَذَا - أَيُّهَا النَّاسُ - أَنَّهَا رِحْلَةٌ بِالرُّوْحِ وَالجَسَدِ.

 

ثُمَّ أَنَّ الرِّحْلَةَ إِنَّمَا كَانَتْ بِالرُّوْحِ وَالجَسَدِ هُوَ قَوْلُ الصَّحَابَةِ كَابْنِ عَبَّاسٍ، وَجَابِرٍ، وَأَنَسْ، وُحُذَيْفَةَ، وَأَبِي هُرَيْرَةٍ، وَمَالِكٍ بْنِ صَعْصَعَةَ -رَضِيَ اللهُ عَنْهُمْ- وَقَوْلُ جَمَاعَةٍ مِنَ التَّابِعِيْنَ كَالضَّحْاكِ، وَسَعِيْدِ بْنِ جُبَيْرٍ، وَقَتَادَةَ وَابْنِ المُسَيِّبِ، وَابْنِ شِهَابٍ، والحَسَنِ، وَمَسْرُوقٍ، وَمُجَاهِدٍ، وَعِكْرِمَةٍ، وَابْنِ جُرَيْجٍ -رَحِمَهُمُ اللهُ- وَهُوَ قَوْلُ ابْنِ حَنْبَلٍ وَالطَّبَرَانِيِّ وَجَمَاعَةٍ عَظِيْمَةٍ مِنَ المُسْلِمِيْنَ، وَقَوْلُ أَكْثَرُ المُتَأَخِّرِيْنَ مِنَ الفَقَهَاءِ وَالمُحَدِّثِيْنَ، وَالمُتَكَلِّمِيْنَ وَالمُفَسِّرِيْنَ.

 

وَبَعْدَ هَذَا الاسْتِطْرَادِ - أَيُّهَا النَّاسُ - أَنْتَقِلُ بِكُمْ إِلَى قِصَّةِ الإِسْرَاءِ وَالمِعْرَاجِ، فَفِي «الصَّحِيْحَيْنِ»[4]، عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ، عَنْ مَالِكِ بْنِ صَعْصَعَةَ- رَضِيَ اللهُ عَنْهُمَا -، أَنَّ نَبِيَّ اللهِ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - حَدَّثَهُمْ عَنْ لَيْلَةِ أُسْرِيَ بِهِ قَالَ: « بَيْنَمَا أَنَا نَائِمٌ فِي الْحَطِيمِ، - وَرُبَّمَا قَالَ: فِي الْحِجْرِ -، مُضْطَجِعًا إِذْ أَتَانِي آتٍ فَقَدَّ، قَالَ: وَسَمِعْتُهُ يَقُولُ: فَشَقَّ، مَا بَيْنَ هَذِهِ إِلَى هَذِهِ، فَقُلْتُ لِلْجَارُودِ وَهُوَ إِلَى جَنْبِي: مَا يَعْنِي بِهِ؟ قَالَ: مِنْ ثُغْرَةِ نَحْرِهِ إِلَى شِعْرَتِهِ، وَسَمِعْتُهُ يَقُولُ: مِنْ قَصِّهِ إِلَى شِعْرَتِهِ، فَاسْتُخْرِجَ قَلْبِي ثُمَّ أُتِيتُ بِطَسْتٍ مِنْ ذَهَبٍ مَمْلُوءٍ إِيمَانًا فَغُسِلَ قَلْبِي ثُمَّ حُشِيَ ثُمَّ أُعِيدَ، ثُمَّ أُتِيتُ بِدَابَّةٍ دُونَ الْبَغْلِ وَفَوْقَ الْحِمَارِ أَبْيَضَ.

 

فَقَالَ لَهُ الْجَارُودُ: هُوَ الْبُرَاقُ يَا أَبَا حَمْزَةَ؟ قَالَ أَنَسٌ: نَعَمْ، يَضَعُ خَطْوَهُ عِنْدَ أَقْصَى طَرْفِهِ، فَحُمِلْتُ عَلَيْهِ، فَانْطَلَقَ بِي جِبْرَئِيلُ حَتَّى أَتَى السَّمَاءَ الدُّنْيَا، فَاسْتَفْتَحَ، قِيلَ: مَنْ هَذَا؟ قَالَ: جِبْرَئِيلُ، قِيلَ: وَمَنْ مَعَكَ؟ قَالَ مُحَمَّدٌ، قِيلَ: وَقَدْ أُرْسِلَ إِلَيْهِ؟ قَالَ: نَعَمْ، قِيلَ: مَرْحَبًا بِهِ، فَنِعْمَ الْمَجِيءُ جَاءَ، فَفُتِحَ، فَلَمَّا خَلَصْتُ فَإِذَا فِيهَا آدَمُ، فَقَالَ: هَذَا أَبُوكَ آدَمُ فَسَلِّمْ عَلَيْهِ، فَسَلَّمْتُ عَلَيْهِ، فَرَدَّ السَّلامَ ثُمَّ قَالَ: مَرْحَبًا بِالابْنِ الصَّالِحِ وَالنَّبِيِّ الصَّالِحِ، ثُمَّ صَعِدَ بِي حَتَّى أَتَى السَّمَاءَ الثَّانِيَةَ، فَاسْتَفْتَحَ. قِيلَ: مَنْ هَذَا؟ قَالَ: جِبْرَئِيلُ، قِيلَ: وَمَنْ مَعَكَ؟ قَالَ: مُحَمَّدٌ، قِيلَ: وَقَدْ أُرْسِلَ إِلَيْهِ؟ قَالَ: نَعَمْ، قِيلَ: مَرْحَبًا بِهِ، فَنِعْمَ الْمَجِيءُ جَاءَ. فَفُتِحَ، فَلَمَّا خَلَصْتُ إِذَا يَحْيَى وَعِيسَى وَهُمَا ابْنَا خَالَةٍ، قَالَ: هَذَا يَحْيَى وَعِيسَى فَسَلِّمْ عَلَيْهِمَا، فَسَلَّمْتُ، فَرَدَّا ثُمَّ قَالا: مَرْحَبًا بِالأَخِ الصَّالِحِ وَالنَّبِيِّ الصَّالِحِ، ثُمَّ صَعِدَ بِي إِلَى السَّمَاءِ الثَّالِثَةِ فَاسْتَفْتَحَ، قِيلَ: مَنْ هَذَا؟ قَالَ: جِبْرَئِيلُ، قِيلَ: وَمَنْ مَعَكَ؟ قَالَ: مُحَمَّدٌ، قَالَ: وَقَدْ أُرْسِلَ إِلَيْهِ؟، قَالَ: نَعَمْ، قِيلَ: مَرْحَبًا بِهِ، فَنِعْمَ الْمَجِيءُ جَاءَ، فَفُتِحَ، فَلَمَّا خَلَصْتُ إِذَا يُوسُفُ، قَالَ: هَذَا يُوسُفُ فَسَلِّمْ عَلَيْهِ، فَسَلَّمْتُ عَلَيْهِ، فَرَدَّ، ثُمَّ قَالَ: مَرْحَبًا بِالأَخِ الصَّالِحِ وَالنَّبِيِّ الصَّالِحِ، ثُمَّ صَعِدَ بِي حَتَّى أَتَى السَّمَاءَ الرَّابِعَةَ، فَاسْتَفْتَحَ، قِيلَ: مَنْ هَذَا؟ قَالَ: جِبْرَئِيُل، قِيلَ: وَمَنْ مَعَكَ؟ قَالَ: مُحَمَّدٌ، قِيلَ: أَوَ قَدْ أُرْسِلَ إِلَيْهِ؟ قَالَ: نَعَمْ، قِيلَ: مَرْحَبًا بِهِ، فَنِعْمَ الْمَجِيءُ جَاءَ. فَفُتِحَ، فَلَمَّا خَلَصْتُ فَإِذَا إِدْرِيسُ، قَالَ: هَذَا إِدْرِيسُ فَسَلِّمْ عَلَيْهِ، فَسَلَّمْتُ عَلَيْهِ، فَرَدَّ ثُمَّ قَالَ: مَرْحَبًا بَالأَخِ الصَّالِحِ وَالنَّبِيِّ الصَّالِحِ، ثُمَّ صَعِدَ بِي حَتَّى أَتَى السَّمَاءَ الْخَامِسَةَ، فَاسْتَفْتَحَ، قِيلَ: مَنْ هَذَا؟ قَالَ: جِبْرَئِيلُ، قِيلَ: وَمَنْ مَعَكَ؟ قَالَ: مُحَمَّدٌ، قِيلَ: وَقَدْ أُرْسِلَ إِلَيْهِ؟ قَالَ: نَعَمْ، قِيلَ: مَرْحَبًا بِهِ، فَنِعْمَ الْمَجِيءُ جَاءَ. فَلَمَّا خَلَصْتُ فَإِذَا هُوَ هَارُونُ، قَالَ: هَذَا هَارُونُ فَسَلِّمْ عَلَيْهِ، فَسَلَّمْتُ عَلَيْهِ، فَرَدَّ ثُمَّ قَالَ: مَرْحَبًا بِالأَخِ الصَّالِحِ وَالنَّبِيِّ الصَّالِحِ، ثُمَّ صَعِدَ بِي حَتَّى أَتَى السَّمَاءَ السَّادِسَةَ، فَاسْتَفْتَحَ، قِيلَ: مَنْ هَذَا؟ قَالَ: جِبْرِيلُ، قِيلَ: وَمَنْ مَعَكَ؟ قَالَ: مُحَمَّدٌ، قِيلَ: قَدْ أُرْسِلَ إِلَيْهِ؟ قَالَ: نَعَمْ، قِيلَ: مَرْحَبًا بِهِ، فَنِعْمَ الْمَجِيءُ جَاءَ، فَلَمَّا خَلَصْتُ فَإِذَا مُوسَى، قَالَ: هَذَا مُوسَى فَسَلِّمْ عَلَيْهِ، فَسَلَّمْتُ عَلَيْهِ، فَرَدَّ ثُمَّ قَالَ: مَرْحَبًا بِالأَخِ الصَّالِحِ وَالنَّبِيِّ الصَّالِحِ، فَلَمَّا تَجَاوَزْتُ بَكَى، قِيلَ لَهُ: مَا يُبْكِيكَ؟ قَالَ: أَبْكِي أَنَّ غُلامًا بُعِثَ بَعْدِي يَدْخُلُ الْجَنَّةَ مِنْ أُمَّتِهِ أَكْثَرُ مِمَّنْ يَدْخُلُهَا مِنْ أُمَّتِي، ثُمَّ صَعِدَ بِي إِلَى السَّمَاءِ السَّابِعَةِ، فَاسْتَفْتَحَ جِبْرِيلُ، قِيلَ: مَنْ هَذَا؟ قَالَ: جِبْرِيلُ، قِيلَ: وَمَنْ مَعَكَ؟ قَالَ: مُحَمَّدٌ، قِيلَ: وَقَدْ بُعِثَ إِلَيْهِ؟ قَالَ: نَعَمْ، قِيلَ: مَرْحَبًا بِهِ، فَنِعْمَ الْمَجِيءُ جَاءَ، فَلَمَّا خَلَصْتُ فَإِذَا إِبْرَاهِيمُ، قَالَ: هَذَا أَبُوكَ إِبْرَاهِيمُ فَسَلِّمْ عَلَيْهِ، فَسَلَّمْتُ عَلَيْهِ، فَرَدَّ السَّلامَ ثُمَّ قَالَ: مَرْحَبًا بِالابْنِ الصَّالِحِ وَالنَّبِيِّ الصَّالِحِ، ثُمَّ رُفِعْتُ إِلَى سِدْرَةِ الْمُنْتَهَى فَإِذَا نَبْقُهَا مِثْلُ قِلالِ هَجَرَ، وَإِذَا وَرَقُهَا مِثْلُ آذَانِ الْفِيَلَةِ، قَالَ: هَذِهِ سِدْرَةُ الْمُنْتَهَى، وَإِذَا أَرْبَعَةُ أَنْهَارٍ نَهْرَانِ بَاطِنَانِ وَنَهْرَانِ ظَاهِرَانِ، فَقُلْتُ: مَا هَذَانِ يَا جِبْرَئِيلُ؟، قَالَ: أَمَّا الْبَاطِنَانِ فَنَهْرَانِ فِي الْجَنَّةِ، وَأَمَّا الظَّاهِرَانِ فَالنِّيلُ وَالْفُرَاتُ. ثُمَّ رُفِعَ لِيَ الْبَيْتُ الْمَعْمُورُ، ثُمَّ أُتِيتُ بِإِنَاءٍ مِنْ خَمْرٍ وَإِنَاءٍ مِنْ لَبَنٍ وَإِنَاءٍ مِنْ عَسَلٍ، فَأَخَذْتُ اللَّبَنَ، فَقَالَ: هِيَ الْفِطْرَةُ أَنْتَ عَلَيْهَا وَأُمَّتُكَ.

 

ثُمَّ فُرِضَتْ عَلَيَّ الصَّلاةُ، خَمْسِينَ صَلاةً كُلَّ يَوْمٍ، فَرَجَعْتُ فَمَرَرْتُ عَلَى مُوسَى، فَقَالَ: بِمَ أُمِرْتَ؟ قُلْتُ: أُمِرْتُ بِخَمْسِينَ صَلاةً كُلَّ يَوْمٍ، قَالَ: إِنَّ أُمَّتَكَ لا تَسْتَطِيعُ خَمْسِينَ صَلاةً كُلَّ يَوْمٍ، وَإِنِّي وَاللهِ، قَدْ جَرَّبْتُ النَّاسَ قَبْلَكَ، وَعَالَجْتُ بَنِي إِسْرَائِيلَ أَشَدَّ الْمُعَالَجَةِ، فَارْجِعْ إِلَى رَبِّكَ فَسَلْهُ التَّخْفِيفَ لأُمَّتِكَ، فَرَجَعْتُ فَوَضَعَ عَنِّي عَشْرًا، فَرَجَعْتُ إِلَى مُوسَى فَقَالَ مِثْلَهُ، فَرَجَعْتُ فَوَضَعَ عَنِّي عَشْرًا، فَرَجَعْتُ إِلَى مُوسَى فَقَالَ مِثْلَهُ، فَرَجَعْتُ فَوَضَعَ عَنِّي عَشْرًا، فَرَجَعْتُ إِلَى مُوسَى فَقَالَ مِثْلَهُ، فَرَجَعْتُ فَأُمِرْتُ بِعَشْرِ صَلَوَاتٍ كُلَّ يَوْمٍ، فَرَجَعْتُ إِلَى مُوسَى فَقَالَ مِثْلَهُ، فَرَجَعْتُ فَأُمِرْتُ بِخَمْسِ صَلَوَاتٍ كُلَّ يَوْمٍ، فَرَجَعْتُ إِلَى مُوسَى، فَقَالَ: بِمَ أُمِرْتَ؟ قُلْتُ: أُمِرْتُ بِخَمْسِ صَلَوَاتٍ كُلَّ يَوْمٍ، قَالَ: إِنَّ أُمَّتَكَ لا تَسْتَطِيعُ خَمْسَ صَلَوَاتٍ كُلَّ يَوْمٍ، وَإِنِّي قَدْ جَرَّبْتُ النَّاسَ قَبْلَكَ، وَعَالَجْتُ بَنِي إِسْرَائِيلَ أَشَدَّ الْمُعَالَجَةِ، فَارْجِعْ إِلَى رَبِّكَ فَسَلْهُ التَّخْفِيفَ لأُمَّتِكَ، قَالَ: سَأَلْتُ رَبِّي حَتَّى اسْتَحْيَيْتُ، وَلَكِنِّي أَرْضَى وَأُسَلِّمُ، قَالَ: فَلَمَّا جَاوَزْتُ نَادَى مُنَادٍ: أَمْضَيْتُ فَرِيضَتِي وَخَفَّفْتُ عَنْ عِبَادِي».

 

وَأَسْتَغْفِرُ اللهُ.

 

الخُطْبَةُ الثَّانِيَةُ

فَوَائِدُ مِنْ حَادِثَةِ الإِسْرَاءِ وَالمِعْرَاجِ:

الحَمْدُ لِلهِ رَبِّ العَالَمِيْنَ، وَالصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ عَلَى أَشْرَفِ المُرْسَلِيْنَ، وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ أَجْمَعِيْنَ.

 

أَمَّا بَعْدُ:

فَتَقَدَّمَ الحَدِيْثِ مَعَكُمْ - أَيُّهَا النَّاسُ - عَنْ «الإِسْرَاءِ وَالمِعْرَاجِ»، وَالآنَ حَدِيْثِي مَعَكُمْ عَنْ « فَوَائِدُ مِنْ حَادِثَةِ الإِسْرَاءِ وَالمِعْرَاجِ » [5].

 

- أَيُّهَا النَّاسُ - اعْلَمُوا عَلَّمَنِي اللهُ وَإِيَّاكُمْ أَنَّ حَادِثَةَ الإِسْرَاءِ وَالمِعْرَاجِ اشْتَمَلَتْ عَلَى كَثِيْرٍ مِنَ الفَوَائِدِ، وَهَذَا بَعْضُهَا:

فَمِنْ تِلْكَ الفَوَائِدِ أَنَّ بَيْتَ المَقْدِسِ مُهَاجَرُ كَثِيْرٍ مِنَ الأَنْبِيَاءِ لِهَذَا كَانَ الإِسْرَاءُ بِنَبِيِّنَا -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - إِلَيْهِ لِيَجْمَعَ لَهُ بَيْنَ أَشْتَاتِ الفَضَائِلِ، فَيُصَلِّي بِالأَنْبِيَاءِ، وَفِي ذَلِكَ دَلِيْلٌ أَنَّهُمْ لَوْ كَانُوا أَحْيَاءً لَمْ يَسَعْهُمْ إِلَّا أَنْ يَتَّبِعُوهُ وَفِي ذَلِكَ دَلِيْلٌ عَلَى أَنَّ هَذِهِ الأُمَّةَ أَوْلَى بِالمَسْجِدِ الأَقْصَى مِنْ غَيْرِهَا.

 

فَفِي «الصَّحِيْحَيْنِ»[6]، مِنْ حَدِيْثِ أَبِي هُرَيْرَةَ - رَضِيَ اللهُ عَنْهُ -، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ -صلى الله عليه وسلم-: «لَا تَقُومُ السَّاعَةُ حَتَّى يُقَاتِلَ الْمُسْلِمُونَ الْيَهُودَ، فَيَقْتُلُهُمُ الْمُسْلِمُونَ حَتَّى يَخْتَبِئَ الْيَهُودِيُّ مِنْ وَرَاءِ الْحَجَرِ وَالشَّجَرِ، فَيَقُولُ الْحَجَرُ أَوِ الشَّجَرُ: يَا مُسْلِمُ يَا عَبْدَ اللهِ هَذَا يَهُودِيٌّ خَلْفِي فَتَعَالَ فَاقْتُلْهُ، إِلَّا الْغَرْقَدَ فَإِنَّهُ مِنْ شَجَرِ الْيَهُودِ».

 

وَمِنَ فَوَائِدِ الإِسْرَاءِ وَالمِعْرَاجِ - أَيُّهَا النَّاسُ - أَنَّ الهِدَايَةَ مِنَ اللهِ -سُبْحَانَهُ وَتَعَالى - وَأَنَّ مَنْ حَجَبَهَا اللهُ عَنْهُ، فَلَنْ تَجِدَ لَهُ هَادِيًا وَنَصِيْرًا، فَفِي «صَحِيْحِ مُسْلِمٍ»[7]مِنْ حَدِيْثِ أَبِي هُرَيْرَةَ - رَضِيَ اللهُ عَنْهُ - قَالَ: قَالَ رَسُولَ اللهِ -صلى الله عليه وسلم-: «لَقَدْ رَأَيْتُنِي فِي الْحِجْرِ وَقُرَيْشٌ تَسْأَلُنِي عَنْ مَسْرَايَ، فَسَأَلَتْنِي عَنْ أَشْيَاءَ مِنْ بَيْتِ الْمَقْدِسِ لَمْ أُثْبِتْهَا، فَكُرِبْتُ كُرْبَةً مَا كُرِبْتُ مِثْلَهُ قَطُّ، قَالَ: فَرَفَعَهُ اللهُ لِي أَنْظُرُ إِلَيْهِ، مَا يَسْأَلُونِي عَنْ شَيْءٍ إِلَّا أَنْبَأْتُهُمْ بِهِ ».

 

وَمَعَ ذَلِكَ - أَيُّهَا النَّاسُ - كَذَّبُوهُ وَسَفَّهُوا كَلاَمَهُ، وَمِنَ فَوَائِدِ الإِسْرَاءِ وَالمِعْرَاجِ - أَيُّهَا النَّاسُ - أَنَّ فِي قِصَّةِ المِعْرَاجِ أَنَّ جِبْرِيْلَ-عَلَيْهِ السَّلَام- كَانَ يَسْتَفْتِحُ أَبْوَابَ السَّمَاءِ فَيُقَالُ لَهُ: مَنْ؟ فَيُقُولُ: جِبْرِيْلُ، فَفِيْهِ دَلِيْلُ عَلَى أَنَّ المُسْتَأْذِن إِذَا قِيْلَ لَهُ مَنْ؟، سَمَّى نَفْسَهُ بِمَا يُعْرَفُ بِهِ، وَلاَ يَقُولُ: أَنَا، فَفِي «الصَّحِيْحَيْنِ»[8]، مِنْ حَدِيْثِ جَابِرَ بْنَ عَبْدِ اللهِ - رَضِيَ اللهُ عَنْهُمَا - قَالَ: أَتَيْتُ النَّبِيَّ -صلى الله عليه وسلم- فِي دَيْنٍ كَانَ عَلَى أَبِي فَدَقَقْتُ الْبَابَ، فَقَالَ: « مَنْ ذَا؟» فَقُلْتُ: أَنَا، فَقَالَ: « أَنَا أَنَا كَأَنَّهُ كَرِهَهَا».

 

وَمِنَ فَوَائِدِ الإِسْرَاءِ وَالمِعْرَاجِ - أَيُّهَا النَّاسُ - أَنَّ فِيْه دَلِيْلٌ عَلَى أَنَّ عُلُوِّ اللهِ -سُبْحَانَهُ وَتَعَالى - عَلَى جَمِيْعِ مَخْلُوقَاتِهِ، فَقَدْ رَأَى النَّبِيُّ -صلى الله عليه وسلم- حِجَابَهُ بَعْدَ السَّمَاءِ السَّابِعَةِ.

 

وَمِنَ فَوَائِدِ الإِسْرَاءِ وَالمِعْرَاجِ - أَيُّهَا النَّاسُ - قُبْحُ الغِيْبَةِ وَبَيَانُ عَاقِبَةِ أَهْلِهَا، فَفِي «سُنَنِ» أَبِي دَاوُدَ بِسَنَدٍ صَحِيْحٍ صَحَّحَهُ الأَلْبَانِيُّ فِي «صَحِيْحِ الجَامِعِ» [9]، مِنْ حَدِيْثِ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ - رَضِيَ اللهُ عَنْهُ - قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ -صلى الله عليه وسلم-: « لَمَّا عُرِجَ بِي، مَرَرْتُ بِقَوْمٍ لَهُمْ أَظَافِرُ مِنْ نُحَاسٍ يَخْمِشُونَ وُجُوهَهُمْ وَصُدُورَهُمْ، فَقُلْتُ: مَنْ هَؤُلاءِ يَا جِبْرِيلُ؟، فَقَالَ: هَؤُلاءِ الَّذِينَ يَأْكُلُونَ لُحُومَ النَّاسِ وَيَقَعُونَ فِي أَعْرَاضِهِمْ ».

 

وَمِنَ فَوَائِدِ الإِسْرَاءِ وَالمِعْرَاجِ - أَيُّهَا النَّاسُ - مَكَانَةُ الصَّلَاةِ فِي الإِسْلَامِ، فَإِنَّ اللهَ اخْتَصَّهَا بِأَنْ فَرَضَهَا عَلَى نَبِيِّهِ -صلى الله عليه وسلم- بِلاَ وَسَاطَةٍ، وَقَبْلَ أَنْ أُوَدِّعَ مَقَامِي هَذَا - أَيُّهَا النَّاسُ - أُذَكِّرَكُمْ بِأَنَّ وَاقِعَةَ الإِسْرَاءِ وَالمِعْرَاجِ كَانَتْ قَبْلَ الهِجْرَةِ وَبَعْدَ البِعْثَةِ النَّبَوِيَّةِ لِلنَّبِيِّ -صلى الله عليه وسلم- وَمِنْ قَبْلِ الهِجْرَةِ إِلَى وَفَاتِهِ -صلى الله عليه وسلم- لَمْ يَحْتَفِلْ مُطْلَقًا بِلَيْلَةِ الإِسْرَاءِ وَالمِعْرَاجِ، وَلَمْ يَأْمُرْ بِهِ مِنْ بَعْدَهُ مِنَ الخُلَفَاءِ، بَلْ وَلَمْ يَحْتَفِلِ الخُلَفَاءُ الرَّاشِدُونَ وَمَنْ بَعْدَهُمْ بِتِلْكَ اللَّيْلَةِ وَهُمْ خَيْرُ القُرُونَ عَلَى الإِطْلاَقِ، وَالنَّبِيُّ -صلى الله عليه وسلم- أَنْصَحُ النَّاسِ، وَقَدْ بَلَّغَ البَلَاغُ المُبِيْنَ، وَلَمْ يَتْرُكْ طَرِيْقًا يُوصِلُ إِلَى الجَنَّةِ، وَيُبَاعِدُ عَنِ النَّارِ إِلَّا بَيَّنَهُ لِلأُمَّةِ، كَمَا فِي «صَحِيْحِ مُسْلِمٍ»[10]مِنْ حَدِيْثِ عَبْدِ اللهِ بْنُ عَمْرِو بْنِ الْعَاصِ - رَضِيَ اللهُ عَنْهُمَا - قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ -صلى الله عليه وسلم-: « مَا بَعَثَ اللهُ مِنْ نَبِيٍّ إِلاَّ كَانَ حَقًّا عَلَيْهِ أَنْ يَدُلَّ أُمَّتَهُ عَلَى خَيْرِ مَا يَعْلَمُهُ لَهُمْ، وَيَنْهَاهُمْ عَنْ شَرِّ مَا يَعْلَمُهُ لَهُمْ ».

 

وَاعْلَمُوا - أَيُّهَا النَّاسُ - أَنَّهُ لَوْ كَانَ تَعْظِيْمُ لَيْلَةِ الإِسْرَاءِ وَالمِعْرَاجِ وَالاحْتِفَالِ بِهَا مِنْ دِيْنِ اللهِ لَبَيَّنَ ذَلِكَ رَسُولُ اللهِ -صلى الله عليه وسلم- وَلَفَعَلَ ذَلِكَ، وَلَمْ يَكْتُمْ هَذَا الأَمْرِ عَنْ أُمَّتِهِ، وَاللهُ - سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى - قَدْ أَكْمَلَ لَنَا الدِّيْن وَأَتَمَّ عَلَيْنَا النِّعْمَةَ، فَمَنْ عَمِلَ عَمَلًا لَمْ يَعْمَلْهُ النَّبِيُّ -صلى الله عليه وسلم- وَلَمْ يَشْرَعْهُ اللهُ، فَقَدْ جَعَلَ مِنْ نَفْسِهِ مُشَرِّعًا، وَزَعَمَ أَنَّ رَسُولَ اللهِ -صلى الله عليه وسلم- خَانَ الرِّسَالَةَ وَلَمْ يُبَلِّغِ البَلاَغَ المُبِيْنَ.

 

أَلَمْ يَقُلِ اللهُ - سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى -: ﴿ الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الْإِسْلَامَ دِينًا ﴾ [المائدة: 3].

 

وَقَالَ اللهُ - سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى -: ﴿ أَمْ لَهُمْ شُرَكَاءُ شَرَعُوا لَهُمْ مِنَ الدِّينِ مَا لَمْ يَأْذَنْ بِهِ اللَّهُ وَلَوْلَا كَلِمَةُ الْفَصْلِ لَقُضِيَ بَيْنَهُمْ وَإِنَّ الظَّالِمِينَ لَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ ﴾ [الشورى: 21].

 

فَفِي «الصَّحِيْحَيْنِ»[11]، مِنْ حَدِيْثِ عَائِشَةَ - رَضِيَ اللهُ عَنْهَا - قَالَتْ: قَالَ رَسُولُ اللهِ -صلى الله عليه وسلم-: « مَنْ أَحْدَثَ فِي أَمْرِنَا هَذَا مَا لَيْسَ مِنْهُ، فَهُوَ رَدٌّ».

 

وَفِي «رِوَايَةٍ لِمُسْلِمٍ» قَالَ رَسُولُ اللهِ -صلى الله عليه وسلم-: «مَنْ عَمِلَ عَمَلًا لَيْسَ عَلَيْهِ أَمْرُنَا، فَهُوَ رَدٌّ».

 

رَبَّنَا اغْفِرْ لَنَا وَلِإِخْوَانِنَا الَّذِيْنَ سَبَقُونَا بِالإِيْمَانِ، وَلاَ تَجْعَلْ فِي قُلُوبِنَا غِلًّا لِلذِيْنَ آمَنُوا رَبَّنَا، إِنَّكَ غَفُورٌ رَحِيْمٌ، رَبَّنَا عَلَيْكَ تَوَكَّلَنْا وَإِلَيْكَ أَنَبْنَا وَإِلَيْكَ المَصِيْرُ، وَسُبْحَانَكَ اللهُمَّ وَبِحَمْدِكَ، أَشْهَدُ أَنْ لَاَ إِلَهَ إِلَّا أَنْتَ، أَسْتَغْفِرُكَ وَأَتُوبُ إِلَيْكَ.



[1] خُطْبَةُ «الإِسْرَاءُ وَالمِعْرَاج» لِسَامِي الحُمُود، مِنَ الشَّبَكَةِ العَنْكَبُوتِيَّةِ؛ بِتَصَرَّفٍ.

[2] مِن «شِريْطِ: إِفَادَةُ النَّبِيْهُ بِأَجْوَبَةِ أَسْئِلَة بَيْتُ الفَقِيْه».

[3] رَوَاهُ مُسْلِمٌ (162).

[4] رَوَاهُ البُخَارِيُّ (3164)، وَمُسْلِمٌ (163).

[5] « فَوَائِدُ مِنْ حَادِثَةِ الإِسْرَاءِ» لِمَهْرَان عُثْمَان، مِنَ الشَّبَكَةِ العَنْكَبُوتِيَّةِ.

[6] رَوَاهُ البُخَارِيُّ (2699)، وَمُسْلِمٌ (2922).

[7] رَوَاهُ مُسْلِمٌ (172).

[8] رَوَاهُ البُخَارِيُّ (6250)، وَمُسْلِمٌ (2155).

[9](صَحِيْحٌ) أَخْرَجَهُ أَبُو دَاوُد (4878)، وَصَحَّحَهُ الأَلْبَانِيُّ - رَحِمَهُ اللهُ - فِي «صَحِيْحِ الجَامِعِ» (5213).

[10] رَوَاهُ مُسْلِمٌ (1844).

[11] رَوَاهُ البُخَارِيُّ (2697)، وَمُسْلِمٌ (1718).





 حفظ بصيغة PDFنسخة ملائمة للطباعة أرسل إلى صديق تعليقات الزوارأضف تعليقكمتابعة التعليقات
شارك وانشر

مقالات ذات صلة

  • الإسراء والمعراج (1)
  • الإسراء والمعراج وعلاقته بالعلم والعقل
  • الإسراء والمعراج
  • الإسراء والمعراج
  • في قضية الإسراء والمعراج
  • الإسراء والمعراج
  • مراتب الشرف في رحلة الإسراء والمعراج (خطبة)
  • خطبة الإسراء والمعراج
  • الإسراء والمعراج (دروس وعبر) (خطبة)
  • من عبرة الإسراء والمعراج
  • هل رأى محمد صلى الله عليه وسلم ربه ليلة المعراج
  • العشرة المستفادة من معجزة الإسراء والمعراج
  • من فضائل الإسراء والمعراج
  • الآيات الكبرى التي رآها الرسول صلى الله عليه وسلم في ليلة الإسراء والمعراج
  • معجزة الإسراء والمعراج
  • تكريم الله تعالى للنبي - صلى الله عليه وسلم - في رحلة الإسراء والمعراج (خطبة)
  • مسائل العقيدة في الإسراء والمعراج (خطبة)

مختارات من الشبكة

  • خطبة: أهمية العمل التطوعي(مقالة - آفاق الشريعة)
  • خطبة: تجديد الحياة مع تجدد الأعوام(مقالة - آفاق الشريعة)
  • الظلم مآله الهلاك.. فهل من معتبر؟ (خطبة)(مقالة - آفاق الشريعة)
  • المرأة بين حضارتين (خطبة)(مقالة - آفاق الشريعة)
  • رجل يداين ويسامح (خطبة)(مقالة - موقع د. محمود بن أحمد الدوسري)
  • سلسلة شرح الأربعين النووية: الحديث (25) «ذهب أهل الدثور بالأجور» (خطبة)(مقالة - آفاق الشريعة)
  • خطبة: أهمية العمل التطوعي(مقالة - آفاق الشريعة)
  • خطبة: من وحي عاشوراء (الطغاة قواسم مشتركة، ومنهجية متطابقة)(مقالة - آفاق الشريعة)
  • من مشكاة النبوة (5) "يا أم خالد هذا سنا" (خطبة) - باللغة النيبالية(مقالة - آفاق الشريعة)
  • خطبة: أفشوا السلام(مقالة - آفاق الشريعة)

 



أضف تعليقك:
الاسم  
البريد الإلكتروني (لن يتم عرضه للزوار)
الدولة
عنوان التعليق
نص التعليق

رجاء، اكتب كلمة : تعليق في المربع التالي

مرحباً بالضيف
الألوكة تقترب منك أكثر!
سجل الآن في شبكة الألوكة للتمتع بخدمات مميزة.
*

*

نسيت كلمة المرور؟
 
تعرّف أكثر على مزايا العضوية وتذكر أن جميع خدماتنا المميزة مجانية! سجل الآن.
شارك معنا
في نشر مشاركتك
في نشر الألوكة
سجل بريدك
  • بنر
  • بنر
كُتَّاب الألوكة
  • أكثر من 70 متسابقا يشاركون في المسابقة القرآنية الثامنة في أزناكاييفو
  • إعادة افتتاح مسجد تاريخي في أغدام بأذربيجان
  • ستولاك تستعد لانطلاق النسخة الثالثة والعشرين من فعاليات أيام المساجد
  • موافقة رسمية على مشروع تطويري لمسجد بمدينة سلاو يخدم التعليم والمجتمع
  • بعد انتظار طويل.. وضع حجر الأساس لأول مسجد في قرية لوغ
  • فعاليات متنوعة بولاية ويسكونسن ضمن شهر التراث الإسلامي
  • بعد 14 عاما من البناء.. افتتاح مسجد منطقة تشيرنومورسكوي
  • مبادرة أكاديمية وإسلامية لدعم الاستخدام الأخلاقي للذكاء الاصطناعي في التعليم بنيجيريا

  • بنر
  • بنر

تابعونا على
 
حقوق النشر محفوظة © 1447هـ / 2025م لموقع الألوكة
آخر تحديث للشبكة بتاريخ : 25/1/1447هـ - الساعة: 16:0
أضف محرك بحث الألوكة إلى متصفح الويب